الأحد، 19 مايو 2019

هزيمة سياسية لترامب أمام إيران... وسعي إلى حفظ ماء الوجه!

واشنطن - من حسين عبدالحسين

«تمخض الجبل فولد فأرا»... هذا هو انطباع المراقبين في العاصمة الأميركية، من الحزبين، بعد قيام ادارة دونالد ترامب بنشر أساطيل الولايات المتحدة وقاذفاتها المخيفة في الخليج، فيما بدا استعداداً لحرب صار يبدو جلياً ان الرئيس الاميركي عارض اندلاعها، وأبدى امتعاضه من مساعديه، وفي طليعتهم مستشار الأمن القومي جون بولتون، لدفع الامور باتجاه الحرب مع ايران.
ولحفظ ماء الوجه، قامت واشنطن بإصدار بيان مقتضب وغامض، فيه ان القوات الأميركية قررت ان تتوزع على دول خليجية مجاورة لايران لمواجهة أي هجوم يمكن ان تشنه طهران ضد جيرانها، لكن المناورة السياسية الأميركية لم تنجح في تفادي الخسارة السياسية الفادحة التي مني بها ترامب، امام مؤيديه كما معارضيه. 
وسمعت «الراي» من مسؤولين أوروبيين كبار في العاصمة الأميركية، انهم حاولوا ثني واشنطن عما اعتقدوه «سياسة ارتجالية» لا ثمار منها. وقال ديبلوماسي اوروبي ان «ترامب لم يبل بهزيمة ديبلوماسية وسياسية فحسب، بل ان ايران اخذت مقاساته»، وهي عبارة متداولة في واشنطن للاشارة الى ان خصوم ترامب في العالم راقبوا كيفية تعامله مع الأزمة وردود فعله ليحددوا نقاط ضعفه.
ويتابع الديبلوماسي ان بتدبيرها هجومين على اهداف خليجية في غضون اسبوع، ضد ناقلات سعودية في الفجيرة الاماراتية وضد انابيب نفط داخل السعودية، «امتحنت ايران ترامب، ورسمت حدوده، اذ ما قيمة استعراض العضلات والاصرار على الدفاع عن الحلفاء اذا كانت الاساطيل والقاذفات ستقف متفرجة فيما الحلفاء يتعرضون لهجمات ايرانية». 
ويعتقد الاوروبيون ان الهجومين الايرانيين، وسط صمت واشنطن، سيفتح الباب امام حلفاء اميركا في الخليج للتوجه للرئيس الاميركي، عندما يطالبهم بدفع المزيد من الاموال لحماية بلاده لهم، بالقول ان الحماية ليست كافية. 
في الداخل الاميركي، اصيب «الصقور» بخيبة أمل، فهم امضوا العقد الماضي وهم يتهكمون على «الخطوط الحمراء» التي رسمها الرئيس السابق باراك أوباما لنظام الرئيس السوري بشار الأسد في حال استخدم اسلحته الكيماوية، وبعدما فعل الأسد ذلك، حسب التقديرات الأميركية، تراجع أوباما عن الضربة في اللحظة الاخيرة. 
أما ترامب، الذي صوره الصقور على انه واحد منهم، وعلى انه من الرؤساء الاقوياء ممن لا يهابون مواجهة الاصدقاء، قبل الاعداء، بدا أضعف من سلفه، وبدا وكأنه غير قادر على اقناع الاميركيين بلزوم استخدام قوتهم العسكرية، او انه غير مستعد للتفريط بأي رصيد سياسي ثمن استخدام هذه القوة.
معارضو الحرب، خصوصا من الديموقراطيين، بدوا وكأنهم كانوا يدركون مسبقا ان ترامب يحفر لنفسه حفرة في السياسة الدولية، فلا هو قادر على بناء تحالف اميركي داخلي يدعم الحرب، ولا هو قادر على بناء تحالف عسكري دولي ضد ايران تقوده اميركا، على غرار مافعل أوباما في الحرب التي اطاحت بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي وحرب القضاء على تنظيم «داعش».
إذاً، صراخ ترامب وتغريداته ضد ايران ليست سياسة اميركية متكاملة، بل هي عبارة عن «سياسة ارتجالية» متقلبة حسب مزاج الرئيس، ومتضاربة حسب تصريحات مسؤوليه. نقطة القوة في سياسة اميركا المفككة هي سطوتها الاقتصادية التي لا تقاوم، وفي هذا المضمار، نجحت واشنطن - عبر عقوباتها الاحادية على طهران - بإلحاق ضربة موجعة للاقتصاد الايراني. أما نقطة الضعف لدى ترامب، فتكمن في عدم مقدرته على بناء تحالف عسكري دولي من أي نوع، وفشله في اقناع الاميركيين بضرورة الحرب، وهو الذي كان وعدهم بانهاء كل الحروب الأميركية حول العالم.
ما الخطوة التالية؟ صار معلوما ان حظوظ اندلاع الحرب صارت شبه منعدمة، وهو ما يعني ان على طهران الصمود في وجه العقوبات الأميركية، في انتظار خروج هذا الرئيس من الحكم، وحلول من يتبنى سياسة شبيهة بسياسة أوباما الودية، فيرفع العقوبات، وتنجح طهران في طوي صفحة رئيس اميركي هددها كثيرا، وحاصرها اقتصادياً، لكنه لم يبد اي استعداد لاستخدام القوة ضدها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق