السبت، 7 سبتمبر 2019

34 تعثّر شامل في ملفات السياسة الخارجية الأميركية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

مع رفض وزير الخارجية مايك بومبيو توقيع وثيقة سلام بين الولايات المتحدة وحركة «طالبان» الافغانية، ومع إعلان مهندس «صفقة القرن» بين العرب واسرائيل، جيسون غرينبلات، مغادرته القطاع العام في الاسبوعين المقبلين، ومع تعثر التوصل لاتفاقية مع تركيا حول «حزام امني» شمال سورية، ومع تعثر التوصل لاتفاقية تجارية مع الصين تنهي الحرب الاقتصادية معها، ومع تدهور العلاقات الأميركية مع كوريا الشمالية وكأن كل لقاءات زعيمها كيم جونغ أون والرئيس دونالد ترامب لم تكن، ومع اعلان طهران انها لن تفاوض واشنطن من دون رفع العقوبات الأميركية... بدا وكأن سياسة الرئيس الأميركي الخارجية تتداعى بأكملها.
وانهيار سياسة ترامب على معظم الجبهات تزامن مع صعوبات يواجهها الرئيس في الحفاظ على صورته كرجل متزن، فهو في معرض حديثه قال خطأ ان اعصار «دوريان» كان في طريقه الى الاباما، وهو ما دفع وكالة الارصاد الجوية الى الرد عليه بتوجيه رسالة للاميركيين بان الاباما في امان، وانها ليست في طريق الاعصار، لكن رياحا مرافقة لـ«دوريان» يمكن أن تؤثر على الولاية الجنوبية... وبدلاً من ان يصحح ترامب خطأه، طلب من مساعديه تزويده بخريطة رسموا عليها مساراً معدلا للاعصار يظهر وكأنه قد يضرب الاباما، لحفظ ماء وجه الرئيس من دون اضطراره لتصحيح نفسه.
وجاء خطأ ترامب الفاضح حول مسار الاعصار بعد فترة قصيرة من تداول الاعلام الاميركي تقارير اشارت الى ان الرئيس طلب من مساعديه ضرب الاعاصير بالسلاح النووي لتحويل مسارها. وكان ترامب تذرع باقتراب اعصار دوريان ليلغي رحلة رسمية كانت مقررة الى الخارج، ولكنه لم يبق في البيت الابيض لمتابعة الاعصار، بل امضى وقته يلعب على ملاعب الغولف التي يملكها.
وامام رئيس يتظاهر بمتابعة اعصار من ملعب الغولف، ولا يعرف اسم الولايات التي قد يطولها، ويعتقد انه يمكن تحويل مسار الاعاصير بالسلاح النووي، لم تكن مفاجئة تصريحات ترامب المتضاربة حول موقفه من المفاوضات مع ايران، فهو تارة يبدي تشدداً في تنفيذ سياسة «الضغط الاقصى» في فرض عقوبات اقتصادية قاسية على طهران، وطورا يبدو مستميتا للحوار مع الايرانيين، مع او من دون شروط.
والذبذبة نفسها اظهرها الرئيس في ملفات السياسة الخارجية الاخرى، ان في سورية او افغانستان، او تجاه الخليج، فترامب يرغب في انسحاب فوري من افغانستان، بغض النظر عن العواقب، ثم عندما يعود مبعوث السلام الاميركي زلماي خليل زاد الى العاصمة الأميركية باتفاقية تضمن الانسحاب السريع، يرفض بومبيو توقيعها لانها لا تشير الى هدنة دائمة، ولا سلام بين «طالبان» وحكومة كابول، ولا تفاصيل حول مكافحة انتشار مجموعات ارهاب اجنبية على الاراضي الافغانية.
ومثل افغانستان، بدت ذبذبة ترامب وانعدام خبرة مساعديه واضحة في موضوع السلام العربي - الاسرائيلي، فالصفقة الموعودة لم يقدمها الاميركيون بعد، واكتفى صهر الرئيس، كبير مستشاريه جارد كوشنر بعقد مؤتمر اقتصادي في المنامة كخطوة ضرورية تسبق السلام السياسي، على ان يقدم خطته بالكامل بعد الانتخابات الاسرائيلية المقررة في سبتمبر 17 الجاري.
لكن حتى المؤتمر الاقتصادي لم ينجم عنه اي اموال لتحسين الاوضاع المعيشية للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، ولم تتسلم دول الطوق - أي لبنان والاردن ومصر - اي اموال لتحسين اقتصاداتها كجزء من الصفقة العتيدة. «صفقة العصر» اقتصرت حتى الآن على خطابات، في شقها المالي الاقتصادي، ومن المرجح ان تقتصر على خطابات كذلك في شقها السياسي المنتظر.
في هذه الاثناء، يسعى المبعوثون الاميركيون للتوصل لاتفاقية مع تركيا حول اقامة «منطقة آمنة» شمال سورية تعزل الاكراد عن الاراضي التركية. لكن الاتراك يطالبون بمسافة اعمق للحزام عن الحدود التركية، فيما يسعى الاميركيون لنيل اعتراف تركي بضرورة التعاون مع اكراد سورية لمواجهة مخاطر امكانية عودة تنظيم «داعش».
هو اضطراب يسيطر على الرئيس الاميركي وادارته وسياسته الخارجية: اضطراب في التصاريح، واضطراب في الرؤى، واضطراب في التنفيذ. اما النتيجة، فاستمرار الازمات العالمية على حالها، على الرغم من اصرار ترامب ان النفوذ الاميركي عاد الى سابق عهده بعدما عانى من انحسار واسع في زمن سلفه باراك أوباما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق