الثلاثاء، 29 أكتوبر 2019

مشكلة لبنان.. نصرالله

حسين عبدالحسين

لم تعد مشكلة لبنان تقتصر على دويلة "حزب الله"، الدويلة المستقلة في قراراتها، والتي تتمتع بجيش كامل العتاد والتجهيز، وبمؤسسات اجتماعية وثقافية، وبشبكات إعلام مرئية ومسموعة ومقروءة، ولديها شبكة اتصالات هاتفية خاصة.

المشكلة صارت في أن زعيم دويلة "حزب الله" في لبنان، حسن نصرالله، صار صاحب الكلمة العليا في كل شؤون الجمهورية اللبنانية واللبنانيين. والمشكلة أن نصرالله زعيم أبدي، لا يمكن عزله، ولا إسقاط حكومته، ولا إسقاطه في انتخابات مقبلة، ولا الادعاء عليه أمام المحاكم، ولا محاسبته، ولا حتى تصويره في البرامج الكوميدية السياسية الساخرة.

نصرالله هو وريث نظام وصاية آل الأسد على لبنان. كان الأسد يوظّف زعماء لبنان، يحدد لهم الحصص ومغانم الفساد، يحدد من هو الرئيس، ومن هو رئيس الحكومة. استخدم الأسد "حزب الله: كفزاعة أمنية لابتزاز الغرب أمنيا، وأفاد الأسد وزعرانه من الفساد اللبناني، فأثروا أيّما ثراء.

مثل عون، استدار الحريري على مواقفه الماضية، وراح يشارك عشيرة عون فيما تيسر من مغانم

لم تذهب كل أموال لبنان المسروقة إلى جيوب الزعماء اللبنانيين، على فسادهم. كانت شركات قاسيون ويعرب غازي كنعان ورستم غزالة وغيرهم من أركان نظام الأسد ينهبون المالية العامة اللبنانية، وكان زعماء لبنان يتسابقون على إغداق العقود والهدايا على زمرة الأسد لضمان بقائهم في السلطة.

كان نصرالله في بداياته. اتهم من طالبوا بإنهاء وصاية الأسد على لبنان بأنهم استخبارات غربية ويعملون بإمرة السفارات، وقال إن جيش الأسد سيبقى في لبنان، بل استعرض عضلاته وأرسل عشرات الالاف ليتظاهر وإياهم في وسط وبيروت، وراح يصرخ "شكرا سوريا". رد اللبنانيون بغالبية مطلقة، وتظاهروا في تظاهرة ابتلعت نصرالله وكل مناصريه، وهزّت العالم، وأجبرت الأسد على الانسحاب من لبنان.

مع تحول الأسد الابن إلى واحد من أزلام إيران، بعدما كان الأسد الأب شريكا لإيران وسيدا أوحدا في لبنان، ورث نصرالله دور حكام دمشق، وصار يملي على اللبنانيين ما يقولونه وما لا يقولونه، ما يعتقدونه وما لا يعتقدونه.

"رفيق الحريري قتلته إسرائيل"، هكذا قال نصرالله، واستعرض فيلم فيديو قرصنه حزبه من طائرة استطلاع إسرائيلية. طيب إذا قتلت إسرائيل الحريري، لما لم ينتقم نصرالله، الذي ينصب نفسه حاميا للبنان، من الجريمة؟ لماذا انتقم نصرالله لمقتل عماد وجهاد مغنية بعمليات ضد إسرائيل، ولم ينتقم لمقتل الحريري؟ منطق متهافت لا يتطلب أي عناء لتفنيده.

ثم جاء يوم الانتخابات في 2009. أطلق نصرالله الوعد التالي: إذا خسرنا نتحول إلى معارضة وتحكم الأكثرية وحدها، وإذا ربحنا، نحكم وحدنا. خسر نصرالله الانتخابات، فأخلّ بوعده. لا يهم. مناصروه سيصدقون كل ما يقوله. أصرّ نصرالله أنه لا يمكن حكم لبنان على قاعدة أكثرية وأقلية، وأن الميثاق الوطني يقضي بتوافق وبقيام حكومة وحدة وطنية، مع ثلث معطّل له في الحكومة.

انقضت ولاية الرئيس ميشال سليمان في 2014. أقفل نصرالله البرلمان على مدى عامين، ومنع انتخاب أي شخص غير مرشحه للرئاسة ميشال عون، وعاش لبنان في ظلّ حكومة تصريف أعمال لا يمكنها أن تلتئم. هكذا هو الميثاق الوطني.

فرض نصرالله انتخاب عون رئيسا، وفرض قانونا انتخابيا، وفاز "حزب الله" بأكثرية برلمانية. هذه المرة، لا ثلث معطّل لمعارضيه، أو من تبقى منهم، مثل سمير جعجع ووليد جنبلاط، ولا توافق. في غضون سبع سنوات، غيّر نصرالله قواعد اللعبة السياسية حسبما يناسبه.

نصرالله استنسخ نظام "الجمهورية الإسلامية" في إيران. مرشحو الرئاسة موافق عليهم سلفا من المرشد، أي نصرالله في الحالة اللبنانية. كما استنسخ نصرالله "اقتصاد المقاومة" عن إيران.

أعلن "صندوق النقد الدولي" الأسبوع الماضي أن ناتج إيران المحلي سيضمر بواقع 10 في المئة العام المقبل، للمرة الأولى منذ العام 1984، فيما هبط إنتاج إيران النفطي إلى أدنى مستوى له منذ العام 1988. قيمة العملة الإيرانية تنهار، والإيرانيون يأكلون القطط والكلاب، وكلّما تظاهروا، أفلت عليهم المرشد الإيراني علي خامنئي أنصاره يضربونهم بالعصي ويتهمونهم بالعمالة للاستكبار والإمبريالية والسفارات.

اقتصاد لبنان على خطى اقتصاد إيران. بدأت الليرة اللبنانية تفقد قيمتها، وبدأت الناس تفقر وتجوع، وخرجت إلى الشوارع تتظاهر وتصرخ. ومثل مرشد إيران خامنئي، أطلق مرشد لبنان نصرالله أنصاره ليضربوا الناس، واتهمهم بالعمالة للسفارات الأجنبية، وهددهم بحرب أهلية، مثلما هدد فلاديمير بوتين المتظاهرين الروس بـ "ربيع عربي" يشبه "الربيع السوري". مثل في سوريا والأسد، هدد أنصار نصرالله المتظاهرين اللبنانيين: "نصرالله أو نحرق البلد".

ولنصرالله رأي في كل شاردة ووراده في البلاد. قال إن ترتيب الحكم في لبنان باق، أو حرب أهلية، على غرار الأسد، الذي كان يهدد بحرب أهلية كلما طالبه العالم بسحب قواته من لبنان.

والحكم في لبنان اليوم يتألف من لاعبين صغار، مثل ميشال عون وصهره الساعي لوراثته جبران باسيل، ورئيس الحكومة سعد الحريري. هؤلاء بائعو شنطة، يضربون بسيف السلطان الذين يغمّسون في صحنه.

زار عون يوما الكونغرس وقال إن "حزب الله" منظمة إرهابية. ثم ثار اللبنانيون على حكم الأسد وأرسل الأسد ميشال قزي، حسب زعمه، ليعيد عون إلى لبنان ويستعيض به عن الحريري والسنّة، الذين كانوا خرجوا على الوصاية السورية.

انقلب عون على كل مواقفه، وفاز بالرئاسة، وعيّن بناته الثلاثة، وأزواجهم، وأبناء إخواته وإخوانه، وأقاربه الآخرين، في أرفع مناصب الدولة. ثم يقول لك العونيون "دلّونا على الفساد".

ومثل عون، استدار الحريري على مواقفه الماضية، وراح يشارك عشيرة عون فيما تيسر من مغانم. أما رئيس البرلمان نبيه بري، فصار صاحب الرقم القياسي العالمي في منصبه، مع ما درّ عليه ذلك وعلى أزلامه من خيرات. التغيير في لبنان ممنوع. هكذا قال المرشد نصرالله.

حق تقرير المصير هو من حقوق الإنسان العالمية، وهو مبني على أن الشعب، في كل دولة، هو مصدر السلطات. والسلطات في كل دولة تناط بأشخاص لفترات محدودة. طيب، كيف التعامل مع حالة مثل نصرالله في لبنان؟ لا الشعب اختاره، ولا الشعب يدفع مرتبه، ولا كلمة للشعب في بقائه حاكما عليهم، بل هو يحكمهم، برضاهم أو بعدم رضاهم. وإن خرجوا للشوارع للاعتراض، ضربهم، واتهمهم بالعمالة وتقاضي الأموال من السفارات، وهددهم بالحرب الأهلية. كيف يمكن حلّ معضلة نصرالله في لبنان؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق