الثلاثاء، 5 نوفمبر 2019

علاقة البنتاغون بالجيش اللبناني لا ترتبط بالقرارات السياسية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تضاربت الأنباء حول مصير المساعدة السنوية الاميركية للجيش اللبناني، والبالغة 105 ملايين دولار، بعدما نقلت وكالة انباء عالمية، عن مصادر في العاصمة الاميركية، ان البيت الابيض قرر تعليق هذه المساعدة بسب تطورات الاحداث في لبنان. لكن هذا الموقف الصادر عن مجلس الأمن القومي الاميركي، لم تظهر له ترجمة ادارية حتى الآن، ولم يترافق مع اي مذكرات ادارية او قرارات حكومية، وسط صمت تام في وزارتي الدفاع والخارجية.
وتعليق المساعدات للجيش اللبناني، هو مطلب مجموعة صغيرة من الباحثين والمسؤولين ترى ان «هذا الجيش صار في جيب (حزب الله)»، وان انفاق الاموال الاميركية لمساعدته، بلا جدوى، بل انه يأتي في مصلحة الحزب الموالي لايران.
ويعتقد هؤلاء انه يمكن لواشنطن استخدام مساعدتها السنوية للضغط على الجيش اللبناني للقيام بمهمات، من قبيل تأكيد بقاء سلاح «حزب الله» شمال نهر الليطاني، تنفيذا لقرار مجلس الأمن الرقم 1701. ويذهب بعض المعنيين الاميركيين الى مطالبة الادارة بممارسة الضغط على الجيش اللبناني لاقناعه بنزع صواريخ الحزب المتوسطة والبعيدة المدى، ومنعه من اقامة مصانع صواريخ في لبنان.
لكن من يعرف نظام المساعدات العسكرية يعلم ان هذه المساعدات لا ترتبط بالقرارات السياسية ولا بالعلاقات بين أي من الادارات الاميركية المتعاقبة او الحكومات في بيروت، بل هي مساعدات «بين جيشين». وكانت البنتاغون وقعّت في العام 2009 اتفاقية تعاون مع الجيش اللبناني، وتخطت قيمة المساعدات العسكرية للبنان عتبة الملياري دولار منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم.
وللجيش الاميركي اتفاقيات تعاون عسكرية - عسكرية مع دول أخرى في المنطقة، مثل مصر. ويمكن للاتفاقية الثنائية بينهما ان توضح طبيعة هذا النوع من التعاون العسكري، فمنذ الثورة التي اطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك في العام 2011، ثم تحت حكم خلفه محمد مرسي، وبعدهما الرئيس عبدالفتاح السيسي، لم تتأثر علاقة البنتاغون بهوية رئيس مصر او حكوماتها، بل ان العلاقة مع الجيش حافظت على متانتها، حتى ان الخط العسكري بقي مفتوحاً في ايام التوتر السياسي بينهما، وكانت واشنطن دائماً تعوّل على الجيش لضمان الاستقرار.
وسبق لوزير الخارجية السابق جون كيري ان حدد العلاقة العسكرية الاميركية - المصرية، في جلسة استماع علنية في مجلس الشيوخ، على الشكل التالي: تقدم اميركا معونتها العسكرية للجيش المصري، الذي يضمن لاميركا في المقابل ثلاثة أمور، هي: أمن واستقرار الحدود المصرية مع اسرائيل، حرية الملاحة الدولية في قناة السويس، وحرية تحليق الطائرات الحربية الاميركية والمقاتلات في الاجواء المصرية.
وعلاقة البنتاغون بالجيش اللبناني لا تمر بالسياسة والسياسيين. ومبلغ 105 ملايين، هو زهيد مقارنة بميزانية الدفاع الأميركية السنوية البالغة 686 مليار دولار. ويطلب المسؤولون الاميركيون عدم نشر ما تحصل عليه واشنطن لقاء مساعدتها السنوية للجيش اللبناني، وتكتفي بالقول انها لا تطلب اي مطالب غير قانونية او غير متوافق عليها سياسياً.
وبسبب طبيعة العلاقة العسكرية المباشرة، لا تمر اللقاءات عبر القنوات الديبلوماسية المعهودة، أي غالبا ما يزور كبار قادة الجيش اللبناني العاصمة الاميركية لعقد لقاءات مع نظرائهم، تبقى بعيدة عن اعين السياسيين اللبنانيين، خصوصا منهم من يحسبون انفسهم في سباق سياسي مع واحد او أكثر من هؤلاء الضباط، في وقت لا تمنح واشنطن اي لقاءات للمسؤولين اللبنانيين، باستثناء قلّة قليلة منهم، مثل رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري.
وبسبب الفصل بين العلاقة العسكرية والسياسية، يبدو ان المؤسسة الدفاعية الاميركية تعتقد ان مساعدتها للجيش اللبناني وعلاقتها معه مفيدة للطرفين، وان لا مصلحة للولايات المتحدة بالتخلي عن هذه العلاقة او وقف المساعدات، وهو ما يعني ان قيام مجلس الأمن القومي بتمرير تسريبات عن وقف المساعدة، قد يكون من باب المناورة السياسية فحسب.
قانونيا، يمكن لأي ادارة ان تطلب «مراجعة» في اي مساعدة عسكرية، وهو ما يؤدي الى تجميدها لمدة 90 يوماً، ثم يتم الافراج عنها. اما رصد المساعدات العسكرية، فهو في يد الكونغرس، وصرف المساعدة في يد المؤسسة العسكرية، غالباً بعيداً عن التقلبات السياسية.
ويقول عاملون في الكونغرس انه في حال ثبتت جدية الادارة في تجميد المساعدة السنوية للجيش اللبناني حتى اشعار آخر، فان الكونغرس سيكون له موقف، وسط مفاوضات معقدة بين مجلس النواب، ذي الغالبية الديموقراطية، والرئيس الجمهوري دونالد ترامب، حول اقرار قانون انفاق جديد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق