الخميس، 23 أبريل 2020

«كورونا» يهدد فرص فوز ترامب بولاية ثانية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

يعرف الرئيس دونالد ترامب، أن 50 ألف حالة وفاة في صفوف الأميركيين، متزامنة مع تقلّص اقتصادي قد يبلغ 10 في المئة من حجم الاقتصاد ويكون الأقسى منذ العام 1929، لا يمكنها أن تكون ظروف مؤاتية لاعادة انتخابه رئيساً لولاية ثانية في الانتخابات المقررة في 3 نوفمبر المقبل، بينما تظهر استطلاعات الرأي تراجعاً في شعبية الجمهوريين قد يؤدي الى خسارتهم مجلس الشيوخ لمصلحة منافسيهم الديموقراطيين، الذين تشير الاستطلاعات نفسها الى أنهم سيحافظون على غالبيتهم الكبيرة في مجلس النوّاب، بل قد يعززونها بفوزهم بمقعد على الأقل. 
ولأن ترامب يدرك فداحة المشكلة، فهو عمد الى تكثيف تغريداته واطلالاته اليومية في مؤتمر صحافي يفترض أنه مخصص لاطلاع الأميركيين حول آخر تطورات أزمة فيروس كورونا المستجد والخطوات التي تتخذها الحكومة الفيديرالية لمواجهته. 
لكن الرئيس حوّل هذه الاطلالات الى حملات انتخابية، وراح يصول ويجول فيها في مسعى لاستعراض ما يعتبرها انجازاته، لا في مواجهة الوباء فحسب، بل في كل الأمور الأخرى، من بناء جدار لوقف تدفق اللاجئين على الحدود الجنوبية مع المكسيك، أو للحديث عمّا يصفه «الاقتصاد الأحسن في التاريخ» منذ تسلمه الرئاسة مطلع العام 2017.
وبسبب قلق ترامب من امكانية إفلات الرئاسة من بين يديه، فهو راح يستعجل انهاء الحجر الصحي المفروض في 42 ولاية والعاصمة واشنطن، اعتقاداً منه بأن بقاء الاقتصاد في الجمود الذي يعيشه سيؤذي حظوظه الانتخابية. وبسبب اصراره على استمرار الحياة طبيعية من دون الحجر والعزل لاحتواء انتشار الوباء، راح حكّام الولايات من الجمهوريين المؤيدين له يماشونه بابقائهم ولاياتهم تعمل من دون أي حجر صحي. 
ومن هذه الولايات كانت ولاية فلوريدا الجنوبية، التي أصرّ حاكمها الجمهوري روس ديسانتيس - وهو كان فاز بالحاكمية في انتخابات في العام 2016 في انتخابات حامية الوطيس - على عدم اصدار أي أوامر لسكانها بالبقاء في منازلهم، على غرار غالبية الولايات الكبرى الأخرى.
وتشتهر فلوريدا باستضافتها «عطلة الربيع» في مارس، وهي عطلة الجامعات التي يتدفق طلبتها الى شواطئ الولاية ويحتفلون ليل نهار. وهذا العام، وبسبب الخوف من انتشار الوباء، قامت الجامعات بإعلام طلبتها بضرورة عودتهم الى بيوتهم من دون العودة الى جامعاتهم بعد انتهاء العطلة. 
إلا ان عدداً كبيراً منهم توجهوا الى شواطئ فلوريدا بدلاً من العودة الى منازل ذويهم في ولاياتهم الأم. ولم تنفع المناشدات الحثيثة في اقناع ديسانتيس في اغلاق الشواطئ، وهو ما أدى الى تفشي الوباء بين عدد كبير من الطلبة، وفي الولاية عموماً.
وفيما حمل الطلبة، الفيروس وعادوا به الى ولاياتهم حيث ساهموا في نشره، انتشر الوباء في صفوف أهالي فلوريدا، وهي ولاية يكثر فيها المتقاعدون بسبب شتائها الدافئ، وهؤلاء غالبيتهم من مناصري الحزب الجمهوري. على أن تردد حاكم الولاية، صديق ترامب، في إصدار أوامر بالحجر، أدى الى انتشار الوباء في صفوف المتقاعدين والطاعنين في السن في مآوي العجزة، ورفع أرقام الإصابات بالفيروس وعدد الوفيات الناجمة عنه الى معدلات مرتفعة. 
هكذا، صارت الاستطلاعات تظهر غضباً على الجمهوريين، وبدأت شعبية ترامب بالانخفاض منذ 29 مارس الماضي وحتى اليوم. وكان ترامب فاز في انتخابات 2016 بفارق 77 صوتاً في الكلية الانتخابية، الا أن الولايات التي أوصلته الى البيت الأبيض صارت كلها متأرجحة اليوم، وهي فلوريدا مع 29 صوتاً، وبنسلفانيا مع 20، وميشيغن مع 16، وآريزونا مع 11، وويسكونسن مع 10 أصوات، ومجموع أصوات هذه الولايات هو 85، ما يعني أنه يستحيل فوز ترامب بولاية ثانية من دون هذه الولايات.
وما يعمّق مأزق ترامب أن استطلاعات الرأي تظهر تقدم منافسه الديموقراطي نائب الرئيس السابق جو بايدن عليه بفارق يتعدى نسبة 3 في المئة، التي يحسبها الخبراء نسبة لا يعتد بها نظراً لوقوعها في حيز «هامش الخطأ». 
ويتقدم بايدن على ترامب بمعدل 6 في المئة من عموم أصوات الأميركيين، ويتقدم عليه 4 في المئة في فلوريدا، و5 في المئة في بنسلفانيا، و6 في المئة في ميشيغن، و4 في المئة في أريزونا. وحدها ويسكونسن لا يتعدى تقدم بايدن على ترامب فيها نسبة الثلاثة في المئة.
على أن ويسكونسن لا تبدو في حماسة لانتخاب ترامب، فهي كانت أجرت انتخابات محلية تبنى فيها ترامب مرشحا لمنصب قاض في المحكمة العليا للولاية، فلاقى مرشح ترامب هزيمة نكراء. وفي ويسكونسن ايضاً، أصر الجمهوريون على اجراء الانتخابات شخصياً، بدلا من عبر البريد، رغم تفشي الوباء، لاعتقادهم أن قاعدة الديموقراطيين ستتردد عن المشاركة، وتالياً يفوز الجمهوريون. 
لكن العكس حصل، وأظهر الديموقراطيون حماسة ومشاركة، وأدت الانتخابات لاصابة 18 شخصاً من الولاية بالفيروس المستجد بسبب ذهابهم الى الصناديق واقتراعهم، وهو ما أجج سخط سكان هذه الولاية على ترامب والجمهوريين. 
وما يعمّق أزمة الجمهوريين أن مجلس الشيوخ، الذي كان يبدو في جيب حزبهم حتى الماضي القريب، صار «قيد النزاع». ويتمتع الجمهوريون بغالبية 52 مقعداً من مقاعد المجلس البالغ عددها 100. لكن لسوء حظ الجمهوريين، يبدو أنهم سينتزعون مقعداً واحداً من الديموقراطيين في ولاية آلاباما، فيما يبدو السباق قيد التنافس في أربعة ولايات يشغلها شيوخ جمهوريون هي كولورادو ونورث كارولينا وماين وآريزونا. 
وفي حال فاز الديموقراطيون في هذه السباقات، يقتنصون غالبية ضئيلة في مجلس الشيوخ بنسبة 51 مقعداً، وهو ما يمنح غالبية الكونغرس، بغرفتيه، للحزب الديموقراطي المعارض، وهو ما يعني أنه حتى في حال فوزه في ولاية ثانية، ما لم يحافظ الجمهوريون على الغالبية في الشيوخ، تتضعضع قوة ترامب الى حد كبير، ويصبح «بطة عرجاء»، حسب التعبير الأميركي كذلك، منذ الأيام الأولى لولايته الثانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق