الأربعاء، 20 مايو 2020

أميركا تستأنف الحياة «شبه الطبيعية» الثلاثاء

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تستعد الولايات الأميركية الخمسين لتخفيف معظم القيود التي تفرضها على سكانها مع حلول يوم الثلاثاء المقبل، الذي يلي اثنين «عيد الشهداء»، حيث ستدخل حيز التنفيذ حزمة من الإجراءات التي ترفع حظر التجول المفروض على 315 مليوناً من السكان بسبب فيروس كورونا المستجد، وتسمح بعودة معظم معالم الحياة والاقتصاد الى سابق عهدها، وان بكثافة أقل ومع إجراءات تباعد اجتماعي أكثر، بينما ستبقى المباريات الرياضية مغلقة أمام الجماهير، وكذلك دور السينما، والعروض الموسيقية والمسرحية، والنوادي الليلية.
ومع تخفيف قيود الحظر، سيتم السماح للأميركيين بحرية التجول والتنزه في الحدائق العامة والسفر، مع مراعاة قوانين الحماية الشخصية ضد انتقال الفيروسات والأوبئة. وستقوم المطارات بفحص حرارة المسافرين، وحرمان من تظهر عليهم علامات الإصابات بحمى، من السفر. وستعمل المدارس على تقديم خطط لاستئناف الصفوف، وإنما على مدار اليوم والأسبوع لتخفيف عدد الطلبة في كل صف بواقع النصف، ومثلها ستفعل بعض المكاتب التي تتطلب حضور الموظفين، ولكنها ستقوم بتوزيع دوام الحضور مناصفة على عامليها.
ويعتقد الخبراء الاقتصاديون أن العودة التدريجية الى «الوضع الطبيعي الجديد» يمكنها أن تساهم في اعادة الاقتصاد الى العمل بنسبة 90 في المئة. 
ويعوّل الاقتصاديون على الطلب الذي تراكم أثناء فترة الحجر، ويقولون إن عدداً كبيراً من الناس أجّلوا عمليات جراحية غير ضرورية، مثل في الظهر أو الركبة، وإن عدداً من الناس أجّلوا حفلات قرانهم أو شراءهم بيوتا أو سيارات أو لوازم لبيوتهم، وأن الاستهلاك في فترة الحجر مضى من دون صيانة، ما يعني أن الناس ستكون بحاجة الى ماكينات جديدة وقطع غيار وغيرها.
«الوضع الطبيعي الجديد» هو الذي اعتبرت مجلة «ايكونوميست» البريطانية انه سيشهد «اقتصاد التسعين في المئة». وكتبت أن شعور العيش في ظل هذا الاقتصاد سيكون مختلفاً عن كل ما سبقه، إذ من غير المألوف الجلوس في مطاعم نصف فارغة. 
وتبنى عدد من الخبراء الأميركيين اسم «اقتصاد التسعين في المئة»، مع أن الديموقراطيين منهم شككوا بالعودة الى هذه النسبة، فيما اعتبر الجمهوريون أن الاقتصاد سينمو بقوة غير مسبوقة للتعويض عن ما فاته في أيام الحجر.
وجاءت أولى العلامات الإيجابية التي عززت الشعور بأنه يمكن للبلاد تخفيف قيودها مع إعلان حاكم ولاية نيويورك اندرو كومو انخفاض معدلات الإصابات الجديدة والوفيات الى ما كانت عليه يوم 26 مارس، وهو اليوم الذي يعتبره كومو يوم بدء انتشار الوباء في الولاية.
وكانت معدلات الوفيات في نيويورك تعدت الـ800 يومياً في ذروة انتشار الوباء، كما بلغ عدد الوفيات يومياً في الولايات المتحدة 2200 في أيام الذروة، قبل ان ينخفض الى ما دون 1200، الأسبوع الماضي.
وقامت غالبية حكام الولايات بتفويض المجالس المحلية للمقاطعات، البالغ عددها 3143 في عموم البلاد، باتخاذ قرار رفع القيود، اذ تتفاوت نسب الإصابات بين هذه المقاطعات بحسب الكثافة السكانية فيها، التي كلّما كانت مرتفعة، كلما ارتفعت فيها نسب الإصابات والوفيات. 
ويعزو المراقبون بدء تخفيف قيود الحجر الصحي الى عدد من العوامل، أبرزها أن عدد الحالات الوافدة الى المستشفيات تشهد تراجعاً، وهو ما يعني أن النظام الصحي للولايات المتحدة قادر على تحمل زيادة في عدد الإصابات المتوقعة مع تخفيف القيود، من دون أن يتعرض النظام للانهيار، كما كان الاعتقاد سائداً قبل إعلان الحجر. 
ثاني العوامل هو الإرهاق النفسي الذي أصاب الأميركيين جراء بقائهم في منازلهم، وصعوبة إقناعهم بتمديد مهلة الحجر. 
ثالثاً، يعاني عدد كبير من العاملين، خصوصاً في القطاعات الصناعية والسياحية، من توقف أعمالهم وتباطؤ دورة الاقتصاد، وهو ما يجبرهم على الذهاب الى العمل، حتى لو عرّضهم ذلك لمخاطر الإصابة بفيروس كورونا.
وفيما تستعد الولايات لتخفيف قيودها، واصل بعض الخبراء التحذير من التراخي بسرعة في التعامل مع الوباء، وحذروا من امكانية عودته الى الانتشار في موجة قد تكون أقسى من سابقتها في حال عدم الالتزام بشروط السلامة والتباعد الاجتماعي. 
وتجاوز عدد الاصابات في الولايات المتحدة المليون و572 ألفاً، مع نحو 94 ألف حالة وفاة، واكثر من 362 ألف متعافٍ.
ويعقد الخبراء الأمل على أن يتمتع المتعافون بفترة من المناعة ضد الإصابة بالفيروس مجدداً، وهو ما يساهم في تقليص سرعة الانتشار ومساحته. ويضرب الخبراء مثالاً بأماكن العمل الأميركية التي تحولت الى بؤر تفشي الوباء، مثل معامل اللحم أو بعض مخازن شركة «أمازون»، فالعاملون فيها تعرضوا لموجة كورونا، أدت الى وفاة عدد قليل جداً منهم، فيما تعافى الآخرون، ما يعني أنه يمكن عودة العاملين الى العمل من دون الخوف من إمكانية الإصابة بالفيروس مجدداً.
والمتعافون، هم بارقة الأمل الوحيدة التي يشير إليها الخبراء، قبل التوصل لاكتشاف وإنتاج اللقاح. لذا، دأبت غالبية حكومات الولايات على تنظيم حملات كشف عن «كورونا» بفحص المضادات الحيوية، وهو يكشف المصابين ممن لم تظهر عليهم أعراض المرض بتاتاً، ويوسّع دائرة الأميركيين ممن قد يتمتعون بمناعة ضد الوباء. 
وفي هذا السياق، بدأ «مركز مكافحة الأمراض»، وهو وكالة فيديرالية، بتجربة ستستمر على مدى 18 - 24 شهراً بمشاركة 25 ألف شخص، وتتركز على دراسة المناعة التي قد تنجم عن الإصابة والتعافي. كما يمكن للدراسة أن تساعد المركز في تحديد المناطق الأكثر عرضة أن تتحول الى بؤرة لتفشي الفساد مستقبلاً، وتالياً استباق التعامل معها للحد من الانتشار ونتائجه.
ومع أن عدداً من الخبراء الأميركيين كان اعتبر أن الحجر الصحي الذي سينتهي معظم مفاعيله الأسبوع المقبل قد لا يكون الأخير، إلا أن الإجماع بينهم اليوم هو أن غالبية الولايات لن تعود الى فرض الحجر على صعيد ولاية، بل الأرجح على صعيد كل مقاطعة بمقاطعتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق