الثلاثاء، 5 مايو 2020

معاداة بعض العرب لليهود

حسين عبدالحسين

بثّ التلفزيون الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، "حرب بلا اسم"، وهو وثائقي عن التدخل العسكري في لبنان، تضمن مشاهد تظهر أهالي جنوب لبنان ينثرون الأرز والورود على رؤوس الجنود الإسرائيليين أثناء دخولهم لبنان.

جنوب لبنان كان خاضعا لسلطة الفصائل الفلسطينية المسلحة، بزعامة ياسر عرفات، بين 1969 و1982، وكانت هذه الفصائل تشن حرب عصابات ضد الشمال الإسرائيلي، ما يدفع الإسرائيليين للردّ، وتاليا إلحاق الأذى بالجنوبيين اللبنانيين. 

ومنذ تشكيلها في 1974، لم تردّ "حركة أمل" الشيعية على الضربات الإسرائيلية، بل هي راحت تحارب الفصائل الفلسطينية لتخليص الجنوبيين منها. لذلك رحّب الجنوبيون بالغزاة الإسرائيليين. حتى في ذروة الاجتياح الاسرائيلي للبنان، منتصف الثمانينيات، لم تتوقف أمل عن حروبها ضد الفلسطينيين، وفرضت عليهم ما عرف بـ "حصار مخيمات" اللاجئين.

الغضب العربي من ممارسات الضيوف الفلسطينيين كان بدأ في الأردن، مع محاولة جمال عبدالناصر التعويض عن هزيمة 1967 بتشجيعه حرب عصابات فلسطينية من الدول المجاورة لإسرائيل. لكن العصابات الفلسطينية راحت تهدد سيادة الحكومات التي تستضيفها، فخاض الأردن حربا طرد فيها عرفات وميليشياته في 1970، فانتقلت إلى لبنان.

والغضب العربي بعد لبنان وصل العراق، إذ في اليوم الذي تلا انهيار نظام الرئيس الراحل صدام حسين في العام 2003، ركض العراقيون إلى شارع حيفا، الذي كان يسكنه غالبية من الفلسطينيين، ورموهم بالحجارة حتى أجبروهم على الهرب إلى الحدود مع الأردن، حيث أقامت لهم الأمم المتحدة مخيما في طريبيل، مكثوا فيه أشهرا ريثما دبّرت لهم المنظمة الدولية إعادة توطين في دول العالم من تشيلي إلى نيوزيلندا.

سبب غضب الأردنيين واللبنانيين على الفلسطينيين كان العمل المسلح الذي عاد على المضيفين بحرب لم يختارونها مع إسرائيل. أما سبب غضب العراقيين على الفلسطينيين فكان بسبب انخراطهم في أجهزة استخبارات صدام، وعمل قادة فلسطينيين، مثل أبو نضال وأبو العباس، كمرتزقة لدى صدام. 

ثم أن اللبنانيين والعراقيين، لأن غالبيتهم من المسلمين الشيعة، لم يحسبوا تاريخيا أن فلسطين قضيتهم. صحيح أنهم تعاطفوا إنسانيا مع اللاجئين الفلسطينيين، لكن تحرير القدس للصلاة في مسجد يحمل اسم الخليفة عمر، الذي يعتقد الشيعة أنه اغتصب ولاية الخليفة علي بن أبي طالب، لم يكن في أولوياتهم. كذلك لم يكن في أولويات الشيعة مسجد قبة الصخرة، الذي بناه خليفة من الأمويين الذين يتهمهم الشيعة بدماء الحسين وصحبه.

لكن مواقف الشيعة العرب المترددة في الانخراط في صراع عسكري ضد إسرائيل من أجل الفلسطينيين ذوي الغالبية السنية تغيرت مع العام 1979، عندما ظنّ حاكم إيران روح الله الخميني أن بإمكانه استخدام "تحرير فلسطين" كأداة لتصدير ثورته الإسلامية وبسط نفوذه على العالم العربي، بنفس طريقة عبدالناصر. هكذا، انقلب شيعة لبنان من ناثري الورد على رؤوس الإسرائيليين إلى انتحاريين ضدهم، ورفع العراقيون ـ الذين أمضوا عقد الثمانينيات وهم يسمّون الخميني بالدجال ـ شعار "يا قدس قادمون".

الوثائقي الإسرائيلي رسم بدقّة الانقلاب الذي أحدثته الثورة الإيرانية بين اللبنانيين الشيعة، من ساعين لصداقة مع إسرائيل، إلى معادين، لا لإسرائيل فحسب، بل للسامية واليهود، كدين وثقافة وتاريخ. وساهم الإسلام السياسي، والعودة إلى التطرف الديني، في تأجيج العداء الإيراني والعربي ضد اليهود، إذ أن القرآن يذكر اليهود وبني إسرائيل مرارا، غالبا بصورة سلبية. لكن القرآن يتحدث عن يهود محددين في القرن الميلادي السابع، فيما لا يهتم المتطرفون بالسياق الزمني.

الأسبوع الماضي أيضا، صدف أن معاداة العرب لليهود ظهرت على شكل واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في خضم التعليق على برنامجين رمضانيين أنتجتهما شبكة "أم بي سي" السعودية. الأول فكاهي، اسمه "المخرج 7"، فيه أن زياد، السعودي الذي لم يبلغ سن المراهقة، يلعب على الإنترنت ويصادق ولدا من جيله اسمه عزرا، ويتحادث معه، وهي علاقة يثيرها والد زياد، نجم المسلسل، مع الشخصيات الباقية، التي تتراوح ردود فعلها بين مطالب بالانفتاح على إسرائيل، وبين رافض للتطبيع. أما المشهد الأكثر حساسية، فيتجلى في قول إحدى الشخصيات إن السعودية موّلت ودعمت الفلسطينيين على مدى عقود، ولم تلق منهم إلا الشتائم.

بعد الحلقة، تقدمت الجوقة المعروفة وطالبت بمنع أي نقاش عن إسرائيل غير شتمها ومعاداتها، وهو موقف ينتقص من حرية كل عربي في نقاش كل ما يرغب به، وقتما يرغب، واتخاذ الموقف الذي يراه الأنسب تجاه إسرائيل، إن مقاطعة أو تطبيع.


على أن معاداة العرب للسامية ظهرت بشكل أوسع في ردود الفعل على مسلسل "أم هارون"، الذي تجري أحداثه في الأربعينيات، في بلدة خليجية تحت الحكم البريطاني، سكانها عرب من المسلمين والمسيحيين واليهود. الحلقات الأولى للمسلسل تظهر انعدام المعرفة العربية باليهود، فتصور يهوديا يشارك في تظاهرة ضد قيام إسرائيل وهو يلبس التاليت، وهذا لا يلبسه اليهود إلا في الصلاة. كما أن خطوط التاليت في المسلسل سوداء، وهذا من عادات يهود الغرب الأشكيناز، أما يهود الشرق السفارديم، ومنهم العرب، فخطوط التاليت عندهم بيضاء.

ثم أن الرسالة المبطنة في المسلسل، على لسان أم هارون نفسها حينما صرخت في وجه تاجر يهودي باع المسلمين خمرا، مفادها أن اليهود "ضيوف" بين العرب، ما يفرض عليهم حسن التصرف، وهذه رسالة تكرّس رؤية المسلمين للأقليات كذميين، لا كمواطنين أصليين متساوين في الحقوق والواجبات مع المسلمين.

إن إقحام اليهود وإسرائيل في مسلسلات رمضان أمر إيجابي، فاليهود سابقون على المسلمين حتى بين العرب، وجدّ رسول المسلمين عبراني، تعرّب ابنه اسماعيل، وربما نتعمق في هذا التاريخ في وقت لاحق. الأهم أن اليهود باقون مع العرب، إن في إسرائيل، أو في دول العرب، وكلّما ناقش العرب الموضوع أكثر، كلّما اقتربوا من التسوية.

نظام إيران ومتطرفيها العرب لن يرضيهم أقل من القضاء على اليهود، لا على إسرائيل فحسب. لكن إن اكتشف الإسرائيليون لقاحا ضد فيروس كورونا المستجد، وقتذاك يمكن تعليق المقاطعة استثنائيا للإفادة من اللقاح، ثم استئنافها للقضاء على من اكتشفه. أما أسوأ ما في الأمر، فهو أن نظام إيران وأهل المقاطعة لا يرون المشكلة الأخلاقية في موقفهم حول اللقاح، ولا في مواقفهم الأخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق