الثلاثاء، 18 أغسطس 2020

عن معارضي السلام الإماراتي الإسرائيلي

حسين عبدالحسين

نصوص التصريحات والمقالات العربية المعارضة لاتفاقية السلام والتطبيع بين الإمارات وإسرائيل تبدو أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع، وتشبه الشعر والقصص الخرافية منها القراءة الموضوعية والتحليل. هذه النصوص تعجّ بعبارات مثل "صمود وتلاحم شعبنا" و"أحاسيس ومشاعر أمتنا العربية والإسلامية" و"التصدي للمخطط الصهيوني الأميركي"، ويمكن استبدال التاريخ المرافق لأي من هذه التصريحات أو المقالات بأي تاريخ من الماضي، واستبدال كلمة الإمارات 2020 بكلمة مصر 1979 أو الأردن 1994، من دون أن يؤثر ذلك في سياق النص.

أما الحلول التي يقترحها معارضو أي سلام مع إسرائيل فهي أيضا من الزمن الغابر، لاءات الخرطوم الثلاث (لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل)، ومقاطعة الإمارات وعزلها، ودعوات لاجتماعات طارئة للجامعة العربية ومنظمة الدول الإسلامية، تصدر عنها بيانات نارية وتوصيات، وصراخ على الفضائيات، وحرق صور وأعلام.

بعد 72 عاما من الفشل النضالي الذريع، الذي أدى لانحدار متواصل في القدرة العربية على التأثير في مجريات الأحداث، والذي أدى إلى تدهور بلا قاع لمستوى حياة عرب كثيرين، ما يزال فلسطينيون وعرب يكررون الخطاب الخشبي نفسه، والأخطاء نفسها، التي تكمن في رؤيتهم الثابتة لصراع متغير مع إسرائيل.

خطاب الفلسطينيين والعرب الخشبي لا هدف واضح له، ولا جدول زمني، ولا تقييم لما هو ممكن وما هو غير ممكن، بل هو خطاب يتراوح بين الماورائيات وقصائد الفخر، ولا يلتفت إلى سبل تحسين دخل الفرد الفلسطيني ونوعية حياته، مثلما فعلت الإمارات لشعبها والمقيمين لديها. هو خطاب لا يقدم حلولا للخروج من الضعف العربي، الذي لم يقوَ على وقف بناء غرفة إسرائيلية واحدة في أي زاوية من أرض فلسطين الانتداب.

والخطاب المعارض لاتفاقية السلام الإماراتية الإسرائيلية لا يقدم مقارنات بين أحوال الدول العربية والإسلامية التي وقعت معاهدات سلام مع إسرائيل، مثل تركيا ومصر والأردن، والدول التي نسفت سلامها مع إسرائيل، مثل إيران ولبنان، بل هو خطاب لم يتردد عن الإشادة بدول ترتبط مع إسرائيل بمعاهدات سلام، مثل تركيا، بسبب مواقف التركية المعارضة للاتفاقية الإماراتية.

أما المثير للعجب فيكمن في عدم التفات معارضي الاتفاقية إلى التصريحات التركية، التي قاربت في عبثيتها حد استغباء العرب. أنقرة هددت بسحب سفيرها من أبوظبي بسبب الاتفاقية. أما العجيب، فهو أن لتركيا سفارة في إسرائيل، أي أنه إن كانت تركيا ترى في السلام مع إسرائيل مشكلة، فعليها بسحب سفيرها منها، لا من أبوظبي. لكن عملا بمقولة "كله عند العرب صابون"، راح معارضو الاتفاقية يصفقون لعنتريات تركيا، غير آبهين بنفاقها.

ولم تتخلف إيران في نفاقها، فهدد الرئيس الإيراني حسن روحاني أبوظبي من مغبة أن تؤدي اتفاقية سلامها مع إسرائيل إلى إقامة "قواعد صهيونية في الخليج الفارسي"، وكأن إيران صاحبة وصاية على خليج منبثق عن بحر معروف تاريخيا باسم "بحر العرب"، وهو الخليج الذي تسكن ضفتيه غالبية عربية. لم تقل إيران أنها مستاءة لأن الاتفاقية قد تضعف موقف الفلسطينيين، بل ما أزعج طهران هو إمكانية تهديد سطوتها على الخليج.

ويرى معارضو السلام أن مضاره تقوّض وقوف العرب جبهة واحدة متماسكة خلف الفلسطينيين، في صراعهم ضد الإسرائيليين، وهو تماسك يعطي الفلسطينيين مقدرة أكبر على تحسين موقفهم ضد إسرائيل، إن في الحرب أو في السلم، وهذه سياسة صممتها جامعة الدول العربية قبل سبعة عقود.

بعد 72 عاما، لم ينجح العرب ـ حتى في ذروة وحدتهم ومقاطعتهم إسرائيل بما في ذلك يوم هزّ الخليج اقتصاد العالم بوقفه تصدير النفط ـ في تحسين موقف الفلسطينيين، الذين لم يفيدوا من أي وسائل الصراع، لا بسبب الخيانة و"البنادق الفاسدة"، حسبما يحلو للعرب تبرير هزائمهم، بل لأسباب مختلفة، أولها أن الفلسطينيين لم يحددوا هدفهم النهائي، وهم إن حددوه، يكون غالبا أكبر بكثير من قدرات العرب مجتمعة، عسكريا واقتصاديا ودبلوماسيا، وتاليا متعذرا، ما يجعل الصراع مفتوحا، ويحوّله هدفا، بدلا من كون الصراع وسيلة.

ولا يمكن للفلسطينيين إقامة دولة لهم، لا لأن إسرائيل أقوى من العرب فحسب، بل لأن معظم العرب ـ ومنهم الفلسطينيين ـ لا قدرة لهم على إقامة دول مقبولة. هذا لبنان الغارق في ظلامه ونفاياته، وهذه سوريا الغارقة في ركامها، وهذه الأراضي الفلسطينية المشرذمة بين ديكتاتور السلطة وإسلاميي "حماس".

لم تنجح غالبية العرب، منذ استقلال دولها، في بناء حكومات رشيدة تقدم حياة أفضل لشعوبها، بل فشل هؤلاء العرب، وألقوا اللائمة في فشلهم على الإمبريالية وإسرائيل وغيرها. أما الدول التي أظهرت قدرات على تقديم حكومات ذات أداء أفضل فكان واضحا لديها أن مصلحة شعبها تقتضي بإقامة أكبر شبكة علاقات اقتصادية وتجارية وديبلوماسية، وأن انتظار العرب وخطابهم الخشبي ليس سياسة ناجعة، بل شعر وخيال لا يطعم ولا يسمن.

ربما لو قال الفلسطينيون وبعض العرب هذه حكومة انتخبناها، وهذا برنامجها لإنهاء الصراع مع إسرائيل وتحسين حياة الفلسطينيين والعرب، في مهلة زمنية معقولة، لكان سلام أي دولة عربية مع إسرائيل بمثابة تخلي عن الفلسطينيين. لكن على أرض الواقع، لا خطة لدى الفلسطينيين، بل إصرار على المكابرة على هزيمة ألمّت بهم منذ زمن، وهم بدلا من أن يعترفوا بها وأن يحاولوا التحلي بالواقعية والتزام فن الممكن لتحسين ظروف معيشة شعبهم، يواصلون نفس الشعارات البالية التي لا فائدة منها.

الإمارات افترقت عن العرب، لا يوم وقعت السلام مع إسرائيل، بل يوم قررت حكومتها أن تحكم بواقعية، وأن تفهم العالم واقتصاده، وأن تنخرط به لتنافس الآخرين، بما يعود على شعبها والمقيمين فيها بفوائد جمّة وحياة أفضل. وبالحكم على مستوى معيشة من هم في الإمارات، يبدو جليا أن حكومتها قدمت ما لم تنجح غالبية حكومات العرب والمسلمين ـ حتى النفطيين منهم من الممانعين وأصحاب الخطاب الخشبي ـ في تقديمه. ومثلما افترقت الامارات عن العرب وأقامت دولة لها مكانة في العالم، افترقت عنهم في سياستهم تجاه إسرائيل، وانتهجت سياسة في مصلحة شعبها والمقيمين فيها. أما معارضيها، فسيواصلون صراخهم، بعضه هتافات غير واقعية، وبعضه الآخر أنين شعوبهم من العيش بلا أمل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق