الثلاثاء، 17 نوفمبر 2020

القوات الأميركية باقية في العراق وسورية

|واشنطن - من حسين عبدالحسين|

بعد توالي الأنباء عن نية الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب سحب كل القوات الأميركية من العراق وسورية وأفغانستان قبل مغادرته البيت الأبيض في 20 يناير المقبل، نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مصادر في الإدارة الأميركية أن واشنطن لن تسحب كل قواتها من العراق وسورية، بل ستخفَض عديدها بواقع الثلثين، من 7500 جندي الى 2500.

التوضيحات التي عمدت إدارة ترامب إلى تسريبها للإعلام تشي بأن لا نية فعلية لترامب بالانسحاب من الشرق الأوسط، بل سيكتفي بالإعلان عن تخفيض عديدها بشكل يؤدي الى إحداث موجة إعلامية تظهر وكأن الرئيس قام فعلياً بسحبها.

وإذا ما أضفنا إلى توضيحات الصحيفة، أن ترامب لن ينسحب بل سيكتفي بالتخفيض، إلى تصريحات الموفد الأميركي إلى التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» جيمس جيفري، الذي تقاعد للتو، والذي قال إن القيادة العسكرية لا تعلن عن عديد جنودها في سورية والعراق، ولا تبلغ ترامب نفسه حتى عن العدد الحقيقي، فهذا يعني أن إعلان الانسحاب هو من قبيل الدعاية السياسية، التي يسعى الرئيس الجمهوري إلى العمل عليها بدقة استعداداً لترشحه لولاية ثانية في العام 2024.

وكان جيفري قال إن القادة العسكريين، ومعهم الديبلوماسيون، كانوا يعلمون أن عديد القوات الأميركية - في سورية مثلاً - هو أكثر من ألفين، لكنهم كانوا يبلغون ترامب أن العدد أقل من ذلك بقليل.

ونشرت «الراي» قبل عامين تصريحات لمسؤولين أميركيين، رفضوا الكشف عن هويتهم، قالوا فيها إن القيادة العسكرية تقوم بإدراج عدد كبير من القوات المنتشرة في العراق وسورية تحت خانة «الدعم اللوجستي»، أي يتم ادراج بعض مقاتلي «القوات الخاصة» على أنهم يقومون بأدوار في المطبخ أو في صيانة الآليات والعتاد، وحتى في الأوقات التي كانت واشنطن تبلغ ترامب والعالم أن عدد الجنود في سورية يقتصر على ألفي جندي، كان العدد الفعلي يبلغ ضعف ذلك في الغالب.

هكذا، عندما سيعلن ترامب تخفيض عديد القوات، فإن خطوته ستكون للاستهلاك الإعلامي، أما الواقع فهو أن عديد القوات تحددها القيادة العسكرية، ولا تفصح عنها، وهو المرسوم التنفيذي الذي صدر عن ترامب إبان تسلمه الرئاسة، وكان من بنات أفكار وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس.

وعلى الطراز نفسه، عمد ترامب في تغريدة، الاثنين، إلى دعوة الأميركيين ليتذكروا، عندما يصبح لقاح فيروس كورونا المستجد متوفراً لهم في أبريل المقبل، أنه صاحب الفضل في التوصل الى لقاح.

وحاول ترامب التلاعب بالكلام وصوّر أن تغريدته موجهة الى «المؤرخين»، لكن تصريحه كرّس الانطباع القائل أن ترامب لا يعتقد أنه سيكون الرئيس، يوم يبدأ الأميركيون عملية التلقيح في أبريل.

لكن ورغم تزايد تصريحاته التي تحمل في نبرتها إداركه خسارته الانتخابات الرئاسية، إلا أن ترامب يقوم ببث تغريدة، بين الحين والآخر، يصرّ فيها على فوزه على منافسه الديموقراطي جو بايدن.

واذا ما أضفنا تغريداته عن فوزه، ومحاولاته الإيحاء للأميركيين بأنه قام بسحب «كل القوات» من الخارج وإنهاء حروب أميركا حول العالم، فضلاً عن محاولاته نسب فضل التوصل في إنتاج لقاح فيروس كورونا إلى نفسه، لاتضح أنه ينتهج خطة واضحة هي بمثابة الخطوط العريضة لحملته الانتخابية للعودة للبيت الأبيض بعد أربعة أعوام، وهي حملة موجهة للجمهوريين خصوصاً لاستباق محاولات منافسيه بتوجيه نقاد السهم إليه بالاشارة الى أنه سبق أن خسر الانتخابات، وهو ما يعني أن على الحزب البحث عن مرشح أفضل.

أما الرئيس المنتخب بايدن، فمن المستبعد أن يقوم بسحب القوات من المنطقة لسببين: أولهما، أنه من المعروفين بالاستماع للمتخصصين، وفي هذه الحالة، من المرجح أن يوافق على نصائح القادة العسكرية بضرورة بقاء القوات في العراق وسورية حتى إشعار آخر. وثانيهما، أنه بسبب إصرار ترامب الإعلامي على سحب القوات، فإن هذا الإصرار يقلّص من أي ضغط سياسي داخلي ممكن على بايدن لسحبها، فكل من الحزبين غالباً ما يتبنى سياسات فقط لكونها تعارض الحزب المنافس.

وفي السياق نفسه، لابد من انتظار تبلور تشكيلة فريق بايدن للسياسة الخارجية في إدارته المزمع تشكيلها للحكم على مواقفه من إيران والاتفاقية النووية معها. واستباقاً لذلك، عمد «أصدقاء النظام الايراني» في واشنطن، من أمثال نائب رئيس مركز أبحاث «كوينسي» تريتا بارسي، ومناصروه ممن عملوا في مجلس الأمن القومي لإدارة الرئيس السابق باراك أوباما مثل روبرت مالي وفيليب غوردن، إلى نشر مقالات شبه متطابقة، ركزت على عنوان أساسي مفاده بأن على بايدن أن يربط رفع «العقوبات النووية» عن ايران برفع العقوبات التي فرضها ترامب والمرتبطة بمكافحة دعم طهران للإرهاب.

واعتبر «أصدقاء إيران»، أن ترامب حاول بناء «جدار من العقوبات» المرتبطة بالإرهاب على إيران لرفع التكلفة السياسية لأي رئيس يأتي بعده يحاول رفعها، لكن مشكلة بايدن - إن حاول رفع عقوبات الإرهاب - لن تكون سياسية فحسب، بل ستكون في صعوبة تجاوز بيروقراطية حكومية معقدة.

مثلاً، تطلب رفع تنظيم «مجاهدين خلق» الإيراني المعارض سنوات، رغم إجماع الحزبين على ضرورة رفعه، لأن عملية تصنيف أي كيان إرهابي تمر في أربع وزارات، هي الخارجية والدفاع والعدل والخزانة، ما يعني أن محاولة بايدن رفع «الحرس الثوري» الإيراني عن لائحة الإرهاب، لن تكون عملية سهلة مرتبطة بقرار سياسي فحسب، بل ستحتاج الى حملة بيروقراطية قد لا تنجح.

إلى أن يتسلم بايدن الحكم ويشكّل فريقه للسياسة الخارجية، سيبقى الحديث عن انسحاب القوات من الشرق الأوسط من قبيل الثرثرة السياسية، وكذلك سيبقى النقاش حول إمكانية رفع بايدن، إيران عن لوائح الإرهاب، مجرد تمنيات يكتبها «أصدقاء ايران» ممن يسعون لدخول الإدارة الجديدة والمساهمة في التأثير في السياسة الخارجية، خصوصاً حول الشرق الأوسط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق