الأربعاء، 13 يناير 2021

النواب يخلعون ترامب للمرة الثانية وقادة الجيش يقفون خلف بايدن

واشنطن - من حسين عبدالحسين

لتقدير فداحة وعمق الجرح الذي أحدثه الرئيس دونالد ترامب في الجسم السياسي للولايات المتحدة، يمكن النظر الى البيان الذي أصدرته القيادة المشتركة للأركان العسكرية، برئاسة الجنرال مايك ميلي، والذي دعا فيه القوات المسلحة الى الانضباط والامتثال لأوامر القيادة، مذكّراً العسكريين بأن أي تمرد هو جرم يحاكم عليه القانون.

في الأثناء، يواصل الكونغرس سعيه لاقتلاع ترامب من البيت الأبيض، حتى لو قبل ساعات من نهاية ولايته دستورياً في 20 يناير الجاري، بعدما أصبح أول رئيس يتم خلعه، نيابياً، مرتين في التاريخ الأميركي.

وقطعت الرسالة النادرة لقادة أفرع الجيش، صمتاً دام أسبوعاً، لتؤكد أن «أعمال الشغب العنيفة في العاصمة واشنطن في السادس من يناير 2021 كانت اعتداء مباشراً على الكونغرس وعلى مبنى الكابيتول وعمليتنا الدستورية».

وأضاف الجنرالات السبعة وأميرال في مذكرة داخلية للعسكريين، أن الجيش يظل ملتزما حماية الدستور والدفاع عنه. وشدّدوا على أنّ «الحقّ في حرية التعبير والتجمّع لا يمنح أحداً الحقّ في اللجوء إلى العنف أو العصيان أو التمرّد».

وأكد قادة الجيش أن الرئيس المنتخب جو بايدن سيجري تنصيبه يوم 20 يناير، وسيصبح قائدهم.

وبايدن الذي سيصبح بصفته رئيساً «القائد العام للقوات المسلّحة» سيؤدّي اليمين الدستورية أسفل مبنى الكابيتول الذي اقتحمه أنصار ترامب الأسبوع الماضي وعاثوا فيه خراباً وعنفاً في أعمال شغب أوقعت خمسة قتلى وصدمت الولايات المتّحدة والعالم بأسره.

من جهتها، واصلت السلطات تعقبها فلول أنصار ترامب الذين اقتحموا مبنى الكونغرس، الأربعاء الماضي، في محاولة لترويع المشرعين ومنعهم من إقرار المصادقة على انتخاب بايدن رئيساً، فأعلنت وزارة العدل أنها اعتقلت المئات ممن أظهرتهم صور الفيديو في التظاهرة، وأعلنت أنها باشرت الادعاء عليهم أمام المحاكم، مع طلب السجن لمدة 20 عاماً لكل من اقتحموا مبنى الكونغرس الفيديرالي أو من قام بسرقة أي شيء من داخله.ومضى عملاء مكتب التحقيقات الفيديرالي (أف بي آي) في مطاردة المتهمين، فلاحقوهم في المطارات، وأخرجوا بعضهم من الطائرات وهم في طريق عودتهم الى الولايات التي جاؤوا منها، واعتقلوا بعضهم الآخر في منازلهم في ولايتهم، ومازالوا يطاردون آخرين في أكبر عملية ملاحقة قضائية في تاريخ البلاد الحديث.وتم وضع عدد كبير من أسماء المطلوبين على لائحة الممنوعين من السفر الداخلي والدولي في كل المطارات الأميركية.

وأشارت التقارير في العاصمة الأميركية، إلى أن وكالات الاستخبارات كانت تنبأت بدقة بأن مجموعات إرهابية محلية كانت تنوي شن عملية ضد الكونغرس ذاك اليوم، وأن هذه الوكالات مازالت تتخوف من خطط شن هجمات إرهابية ضد حفل تنصيب بايدن.

في الأثناء، واصل الكونغرس سعيه لاقتلاع الرئيس المنتهية ولايته من البيت الأبيض... وتتزعم الحملة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، التي تعتبر أن هجوم الاربعاء كان عليها، إذ هي ترى في مبنى الكونغرس بيتها وتنظر الى المشرعين على أنهم عائلتها، ولن تسمح لترامب بالفرار من دون عقاب.

ويقول المقربون إن بيلوسي تعتقد أن التصويت على خلع ترامب من شأنه إبقاء الضغط عليه وابقائه منشغلاً حتى لا تسنح له الفرصة للهجوم أو لاحداث أي أذى في أيامه الأخيرة في البيت الأبيض.

وكان مجلس النواب في طريقه، مساء الثلاثاء، للمصادقة على قانون يطالب فيه نائب الرئيس بخلع ترامب بموجب التعديل 25، لكن مايك بنس رد بالرفض في رسالة الى بيلوسي، أكد فيها أنه لم يرضخ لضغوطات ترامب لتجاوز صلاحياته الدستورية ووقف المصادقة، الأسبوع الماضي، ولن يرضخ لضغوط مجلس النواب «للمشاركة في الأعيب سياسية في وقت بهذه الدقة في تاريخ بلدنا».

ودفعت رسالة بنس، المجلس ليصوّت أمس، على قانون الخلع، ليصبح ترامب، أول رئيس يتم خلعه مرتين في التاريخ الأميركي.

وكان لافتاً أن دائرة المؤيدين لخلع ترامب أخذت تتوسع خارج الكتلة الديموقراطية، وشملت بعض الجمهوريين، بمن فيهم ليز، ابنة نائب الرئيس السابق ديك تشيني.

وقالت النائبة عن ولاية وايومنغ المحافظة جداً، التي تعتبر ثالث أكبر مسؤول جمهوري في مجلس النواب، إن اقتحام أنصار ترامب للكابيتول خلال انعقاد الكونغرس في جلسة استثنائية للمصادقة على فوز بايدن «ما كان ليحدث أبداً من دون الرئيس» المنتهية ولايته.

وأضافت «لم يسبق أن حصلت خيانة أكبر من قبل رئيس للولايات المتحدة لمنصبه وليمينه الدستورية».

وهذه للمرة الأول يعلن فيها مسؤول في أحد الحزبين الرئيسيين تأييده إجراءً يهدف لعزل رئيس ينتمي لحزبه، منذ استقالة الرئيس ريتشارد نيكسون في 1974.

وبدا أن الديموقراطيين يأملون في أن تتوسع دائرة المؤيدين لخلع ترامب في مجلس الشيوخ، حيث يشغل الديموقراطيون 48 من مقاعد المجلس الـ 100، ويحتاجون الى 12 صوتاً جمهورياً لاتمام خلع ترامب بتهم «التمرد»، وحرمانه من الترشح مجددا، كما حرمانه من التسهيلات التي يتمتع بها الرؤساء السابقون، مثل بقاء حرس شخصي معهم طوال حياتهم وتقاضيهم راتباً تقاعدياً.

وحتى الآن أعلن أربعة من الشيوخ الجمهوريين نيتهم التصويت على خلع ترامب، في وقت تواترت تقارير أن زعيم الجمهوريين نفسه، ميتش ماكونيل، يرى في خلع ترامب دستورياً فرصة لتخليص الحزب الجمهوري منه.

على أن مشكلة ثانية تكمن في أن مجلس الشيوخ مقرراً أن ينعقد في 19 الجاري، أي عشية نهاية ولاية ترامب، ومن غير الواضح أن كان يمكن للديموقراطيين التسريع لإقامة جلسة قبل ذلك التاريخ، في وقت مازال ماكونيل، زعيم الغالبية الجمهورية في المجلس والتي ستنقلب أقلية في الأيام المقبلة، غير صريح في موقفه الفعلي وفي المدى الذي ينوي الذهاب إليه في عملية القضاء على ترامب سياسياً.

أما في حال تم عقد جلسة لتثبيت الخلع على ترامب وإخراجه من البيت الأبيض قبل نهاية ولايته الدستورية، فسيواجه مشكلة عدم قبول أي محامين الترافع عنه، بعدما تركه كل محاموه، وبعدما شطبت نقابة نيويورك، عضوية محاميه الشخصي رودي جولياني، بعد مشاركته في الخطاب الذي حرض فيه ترامب مناصريه على اقتحام الكونغرس. وقبل ساعات من التصويت التاريخي، أمس، وأسبوع من تنصيب بايدن رئيساً، وضعت العاصمة الفيديرالية واشنطن تحت حماية أمنية مكثفة، وسمح لأفراد الحرس الوطني بحمل السلاح. فقد نُشرت صور معبرة تظهر عشرات من جنود الاحتياط وقد أمضوا الليل داخل مبنى الكونغرس، وكانوا ما زالوا نائمين على الأرض في الغرف والممرات لدى وصول أعضاء البرلمان.

ونصبت حواجز اسمنتية لسد أبرز محاور وسط المدينة كما أحاطت أسلاك شائكة بعدد من المباني الفيديرالية بينها البيت الأبيض، فيما كان الحرس الوطني حاضراً بقوة.

والى الحملة التشريعية ضده، والى قيام وسائل التواصل الاجتماعي بحظر حساباته، والى القضايا التي تلاحق المئات من أنصاره وقد تصل بتهمة التحريض على العنف الذي أدى الى مقتل خمسة أشخاص، بينهم رجل شرطة، يعاني ترامب من حملة قاسية شنّها القطاع الخاص ضده، اذ أعلنت مئات الشركات الأميركية الكبرى نيتها وقف التبرع للحملات الانتخابية للحزب الجمهوري، كما أعلنت هذه الشركات، بما فيها البنوك، وقف تعاملها مع ترامب وشركاته، بما في ذلك «دويتشه بنك»، الذي يدين له ترامب بمبلغ 300 مليون دولار.

حتى جمعية لعبة الغولف الأميركية، أعلنت عزوفها عن إقامة بطولتها السنوية التي تجري مباريات منها على ملاعب ترامب، في وقت تشير التقديرات الى أن ثلث مدخول ترامب هو من ملاعب الغولف.

كل هذه الضغوط لم تحمل ترامب على التراجع، ولا على الاعتراف بهزيمته الانتخابية أمام بايدن، ولا الاعتراف أن ما حصل في الكونغرس كان أمراً مداناً وسببه خطابه التحريضي، بل أبلغ الصحافيين أنه يعتقد أن كل ما قاله سليم، وأن المشكلة هي في العنف - بما في ذلك حوادث السرقة والشغب - التي ارتكبها مناصرو الحزب الديموقراطي أثناء حملة الاعتراض على مقتل الأفريقي الأميركي جورج فلويد، على مدى الصيف الماضي.

وفي وقت يتمسك ترامب بمواقفه، بدا معظم أركان الدولة - ومعهم كبرى شركات القطاع الخاص ووسائل التواصل الاجتماعي - وكأنهم مصممون على قلب صفحة ترامب ورئاسته، وعلى محاصرة الرئيس واجباره على التقاعد، تحت طائلة الملاحقات القانونية والمقاطعة التجارية، وهو ما يدفع ترامب، إما الى مواجهة القضاء، واما الافلاس، واما الاثنين معاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق