الأربعاء، 6 يناير 2021

الديموقراطيون ينافسون ترامب في أساليبهم السياسية المثيرة للتهكم

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في منتصف يونيو من العام 2015، نزل دونالد ترامب على سلم كهربائي متحرك، لونه ذهبي، داخل البرج الذي يحمل اسمه في مدينة نيويورك، وأحاط نفسه بعائلته ومناصريه، الذين لوحوا له. كان ذلك إعلان رجل الأعمال ترشيح نفسه للرئاسة، وهو إعلان أثار سخرية واسعة بين الأميركيين، وخصوصاً في البرامج الكوميدية المسائية.

ليل ذاك، وقف الكوميدي الساخر جون ستيوارت في برنامجه بعد أن عرض التقرير عن ترشح ترامب، ورفع يديه الى السماء، في إشارة الى التوجه بالشكر لله لترشح ترامب.

لم يشكر ستيورات، ربه، لأنه كان يرغب في رؤية ترامب في البيت الأبيض، بل لاعتقاده أنه شخصية يتمناها أي كوميدي، إذ هي تقدم مادة وفيرة للسخرية والضحك.

على مدى السنوات الخمس الماضية، وقع ترامب في عدد كبير من المواقف التي أثارت التندر والسخرية بين الأميركيين، وهو ما ساهم في تغلب منافسيه الديموقراطيين عليه في الانتخابات الأخيرة، وحرمانه الفوز بولاية رئاسية ثانية.

وأشارت استطلاعات الرأي الى أن عدداً لا بأس من الأميركيين انقلبوا من مناصرة ترامب والجمهوريين الى مناصرة الديموقراطيين لاعتقادهم أن المرشح الديموقراطي جو بايدن سيساهم في إعادة «الطبيعية والجدية» الى الحياة السياسية بشكل عام.

لكن على مدى الأيام القليلة الماضية، أظهر بعض الديموقراطيين أنهم لا يمانعون الانخراط في شعبوية لكسب تأييد قاعدتهم الضيقة، حتى لو أظهرت هذه الشعبوية ضحالة سياسية أثارت التهكم بين الأميركيين.

في الجلسة الأولى المنعقدة للكونغرس الجديد هذا العام، والذي خسرت فيه الغالبية الديموقراطية عدداً لا بأس من مقاعدها ما جعلها متقدمة بغالبية ضئيلة فقط، ردد مدير الجلسة الديموقراطي دعاء ختمه بقول كلمة «آمين» (آمن بالانكليزية)، وهي الكلمة نفسها المستخدمة في العربية وبقية اللغات.

وكلمة رجال بالإنكليزية تعني «من»، فيما نساء تعني «وومن». هكذا، ومن باب ما اعتقده مدير الجلسة الديموقراطية، عدالة جندرية ومساواة بين الرجال والنساء، قال كلمة «آمن» الانكليزية واتبعها بكلمة «آوومن»، وهو ما أثار موجة من التهكم والتندر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما وسائل الإعلام التقليدية.

وكلمة «آمن» الانكليزية، ومرادفتها العربية، تنحدران من جذر في اللغات السامية، يتألف من الأحرف ألف وميم ونون، وفي العربية، يمكن استخدام الجذر لتشكيل كلمات مثل «ايمان» أو «لا تأمن لفلان» أي لا تثق به.

وتستخدم العبرية الجذر نفسه لتشكيل كلمة «هو مأمن لي» أي «هو يصدقني».

أما اقحام الرجال والنساء في هذه الكلمة المنحدرة من اللغات السامية القديمة والمستخدمة انكليزيا في سياق ديني، فالموضوع أثار الكثير من السخرية في الولايات المتحدة.

الديموقراطيون لم يكتفوا بهذا القدر من الضحالة والشعبوية التي تثير التندر، بل أصدرت رئيسة الكونغرس الديموقراطية نانسي بيلوسي بياناً تضمن قوانين داخلية جديدة للكونغرس المقبل.

ومما ورد فيها أنها «تعزز الاندماج والتنوع»، بما في ذلك «إنشاء لجنة مختارة حول التفاوت الاقتصادي والعدالة في النمو»، وهي لجنة تطلب «من اللجان الدائمة أن تُدرج في خططها الرقابية مناقشة حول كيفية عمل اللجنة حتى تعالج قضايا عدم المساواة على أساس العرق أو اللون أو العرق أو الدين أو الجنس أو التوجه الجنسي أو الهوية الجنسية أو الإعاقة أو العمر أو القومية الأصل»، وهذه لفتة تجاه المساواة غالباً ما تثير إعجاب غالبية الأميركيين والعالم.

لكن البيان أضاف أنه في سياق المساواة، فإن الكونغرس سيحظر، في كل تشريعاته وبياناته ومراسلاته، استخدام أي ضمائر تشير الى جنس الشخص أو وضعه العائلي.

وجاء في البيان أن القانون يهدف الى «احترام جميع الهويات الجنسية من خلال تغيير الضمائر وستر الوضع الأسري لتكون محايدة بين الجنسين»، وهو ما يعني أنه من الآن فصاعدا، صار محظوراً في أي من القوانين الأميركية أو البيانات الرسمية أو المراسلات داخل الكونغرس، استخدام ضمائر هو أو هي.

كذلك لم يعد مسموحاً استخدام كلمة سيدة للدلالة على المرأة المتزوجة، أو آنسة لمخاطبة العازبة. وبموجب القانون الداخلي الجديد، يتم استبدال كل ضمائر المفرد بضمير الجمع «هم»، أي أنه تصبح الإشارة الى بيلوسي بالقول إن «هم رئيس الكونغرس» (كلمة رئيس تستخدم من دون تمييز جندري في الإنكليزية).

وفور صدور بيان بيلوسي، ثارت مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام التقليدي، وانتقد كثيرون التناقض في سياسة الحزب الديموقراطي، اذ هي ترفض تكريس المساواة بين الأعراق، وتصرّ على التمييز بين البيض وغير البيض بهدف إعادة توزيع المناصب والأدوار، ولكن في الوقت نفسه ترفض التمييز على أساس الجندر، وتفرض على الجميع استخدام ضمائر غير فردية لاخفاء الهوية الجندرية والوضع العائلي.

هذا النوع من السياسة يسميها الخبراء «سياسة الهوية»، وهي تهدف الى تحفيز القاعدة الشعبية بتكريس الفوارق بين الهوية العرقية والمذهبية والجندرية، ويمارسها الحزبان: الجمهوريون يصرّون على تجاوز الأصول والأعراف والتمسك بعبارات صارت مكروهة لدى الكثيرين باستثناء بين البيض، فيما يصرّ الديموقراطيون على فرض أصول جديدة لا تهدف الى حماية غير البيض فحسب، بل الى تكريس أساليب في المخاطبة غير مألوفة لدى العامة من الناس.

أما السياسات الفعلية التي يجب أن ينهمك فيها مسؤولو الحزبان، مثل معدلات الضريبة، ونسبة الانفاق الحكومي على برامج الرعاية الاجتماعية، والسياسة الخارجية، وغيرها من السياسات، فهي تبدو معقدة، ويبدو أن النقاش حولها ينحصر في الغالب بين النخبة من الأميركيين.

أما العامة، فلا يتابعون السياسات، وهو ما يدفع سياسيي الحزبين للجوء الى القشور والشخصنة والشعبوية كوسائل تحفيز القاعدة، وهذا نوع من السياسة يطلق عليها عدد من الخبراء تسمية «تغبية النقاش العام»، أي جعله غبياً وأكثر سطحية، وحصره بالقشور والهويات والمذاهب، وتغافله عن الأساسيات التي تؤثر في مصالح الناس، وفي مجرى حياتها، وفي مستقبل الأجيال القادمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق