الأربعاء، 3 فبراير 2021

بايدن يعود إلى سياسة الانخراط مع الأسد

واشنطن - من حسين عبدالحسين

«تخلت معظم الدول التي دعت إلى رحيل (الرئيس السوري بشار) الأسد عن هذا المطلب المتطرف منذ سنوات، لكنها استمرت في سياسات الضغط والعزلة التي فشلت في إنتاج أي من الإصلاحات المنشودة»... بهذه الكلمات قدم مساعد وزير الخارجية السابق ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية سابقاً جيفري فيلتمان، والذي يعمل حالياً في «معهد بروكنغز»، رؤيته لسياسة الولايات المتحدة حول سورية في عهد إدارة الرئيس جو بايدن.

وجاء موقف فيلتمان في وقت أشار جنرال الاستخبارات الإسرائيلي المتقاعد موردخاي كيدار، والذي يعمل حالياً في «مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية»، إلى أن التقارير تتحدث عن اتصالات سرية بين إسرائيل وسورية. وكتب في مقالة يوم السبت، أن الأسد يسعى لإخراج المقاتلين الإيرانيين والموالين لإيران من سورية، وأنه يدرك أن إسرائيل قادرة على مساعدته في ذلك.

وقال فيلتمان، إن «التغيير في الإدارة الرئاسية الأميركية يقدّم فرصة لاختبار نهج جديد»، هو بمثابة «اقتراح تدريجي».

وأضاف الديبلوماسي السابق: «هذه ليست هدية للحكومة السورية، المسؤولة عن الكثير من الموت والدمار خلال السنوات العشر الماضية»، بل «اقتراح مبني على أن استمرار الوضع الراهن لن يؤدي فجأة إلى نتائج مختلفة عن تلك التي شهدناها منذ عام 2011».

وتابع أنه «من خلال الإفراج العلني عن قائمة متفق عليها في مفاوضات حول الخطوات المتبادلة، يمكن للولايات المتحدة وأوروبا تطبيق نوع مختلف من الضغط على سورية للتوصل للإصلاحات التي تم رفضها حتى الآن».

وقد شارك في كتابة المقالة مع فيلتمان، هرير باليان، وهي مديرة «برنامج حل الصراعات في مركز كارتر»، وتم نشرها في «معهد كوينسي»، وهو أكثر مراكز الأبحاث في العاصمة الأميركية قرباً وتأييداً للنظام في إيران.

ويبدو أن إدارة بايدن تسير في نهج «التسوية التدريجية» مع الأسد، إذ أن تعيينها لروبرت مالي، مبعوثاً رئاسياً حول إيران يشي بأنها تسعى لتسوية حول ملفات متعددة في المنطقة، لا الموضوع النووي فحسب، وربما يكون فيلتمان نفسه يسعى لتبوؤ منصب المبعوث حول سورية، فقام بتدبيج مقالة أعلن فيها موافقته للرؤية المستجدة حول الأسد.

وكان أعضاء مجلس الأمن القومي في زمن الرئيس السابق باراك أوباما، أول من نادوا برفع العقوبات عن الأسد، لاعتبارهم أنها غير مجدية، ودعوا الى التخلي عن دعوات رحيله والانخراط معه في حوار من أجل تحسين أوضاع السوريين.

ومن هؤلاء فيل غوردون، الذي نشر في 2015 على موقع «بوليتيكو» مقالة دعت للتخلي عن العقوبات، ومباشرة المفاوضات مع الرئيس السوري.

وغوردون يعمل اليوم نائباً لمستشارة الأمن القومي لنائب الرئيس كامالا هاريس، وهو نشر مقالة مشتركة مع مالي، في صحيفة «نيويورك تايمز»، بعد نجاح بايدن في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر الماضي، حضا فيها على رفع غير مشروط لكل العقوبات عن إيران.

وسط هذه الاندفاعة من مالي وغوردون وفيلتمان، قدم الديموقراطيون خطتهم في دراسة صدرت عن «مركز كارتر»، الأسبوع الماضي، بعنوان «مسار تحول الصراع في سورية: إطار لنهج مرحلي»، وجاء فيها أن المفاوضات مع الأسد يجب أن تتمحور حول سبعة ملفات، هي: الإصلاح السياسي، السجناء السياسيون، عودة اللاجئين، حماية المدنيين ووصول المساعدات الإنسانية إليهم، وقف إطلاق النار في إدلب، اللاعبون الدوليون، والأسلحة الكيماوية، وأن الإطار مبني على ثلاث مراحل، يتم في كل منها مكافأة الأسد على تجاوبه، ويمكن عكس المكافأة وفق آلية «سناباك» وإعادة العقوبات الأميركية والدولية في حال تراجع الأسد عن وعوده.

عسكرياً، أشارت الدراسة إلى تسوية من خطوتين، الأولى «إبعاد جميع القوات الإيرانية والمدعومة من إيران إلى مسافة متفق عليها من الحدود الإسرائيلية»، مقابل رفع أميركا وأوروبا والدول العربية، بعض العقوبات وإعادة علاقات ديبلوماسية من دون سفراء مع الأسد، يلي ذلك «سحب الأسلحة الاستراتيجية الإيرانية من أي جزء من الأراضي السورية، واعتماد خريطة طريق شاملة تؤدي إلى انسحاب القوات الإيرانية والقوات المدعومة من إيران من سورية»، مقابل رفع بقية العقوبات واستئناف العلاقات الديبلوماسية بالكامل، بما في ذلك تبادل سفراء بين واشنطن ودمشق.

بالطريقة نفسها، تورد الدراسة، انه يجب أن تطلب أميركا وأوروبا من الأسد القيام بخطوتين في إطار الإصلاحات السياسية، الأولى «التأييد العلني للجنة الدستورية وخطوات تعزيز نجاحها، بما في ذلك إسقاط تهم الإرهاب ضد أعضاء اللجنة، والاشتراك في خطة عمل اللجنة، والسماح بعملية تشاور عامة شاملة»، والثانية «اعتماد الدستور الجديد أو المعدل في الوقت المناسب، وتنظيم انتخابات محلية وبرلمانية ورئاسية ذات مصداقية يمكن لجميع السوريين، بمن فيهم اللاجئون، المشاركة فيها»، فضلاً عن «خطوات لتطبيق اللامركزية على السلطة التنفيذية على مستوى المقاطعات، وإصلاح قطاع الأمن من خلال الانخراط في نهج شامل، أي نهج تشاركي وشفاف يسعى لاستعادة الثقة بين الأجهزة الأمنية والمواطنين».

كما وضعت الدراسة شرط «مشاركة النساء في كل مراحل العملية السياسية».

وفي ملف السجناء السياسيين، طالب اقتراح مركز كارتر «بتزويد العائلات بمعلومات إضافية عن هوية السجناء السوريين المحتجزين في المرافق الحكومية، والسماح بالزيارات العائلية، والوصول المستقل من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فضلا عن إطلاق سراح الرعايا الأجانب المحتجزين في سورية بناء على طلب سلطاتهم الوطنية»، وذلك في المرحلة الأولى. أما في المرحلة الثانية، فالمطلوب «وقف الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري والتعذيب، وإعادة القضايا المدنية إلى المحاكم المدنية بدلاً من المحاكم العسكرية، وإنشاء آلية مستقلة ومحايدة للتحقيق وضمان المساءلة عن الانتهاكات المزعومة للمحتجزين».

وفي صحيفة «واشنطن بوست» علّق الكاتب جوش روغان على تعيين بايدن، مالي مبعوثاً حول إيران، قائلاً إن هذا التعيين سيعقّد السياسة الأميركية لأنه سيتبنى مواقف معارضة لأي ضغط على الأسد.

ونقل روغان عن فيلتمان تعليقه حول إمكانية التوصل الى تسوية مع الرئيس السوري، بالقول: «باعتقادي أن الأسد لن يفعل ذلك، وبالنسبة لأي شخص لايزال بحاجة إلى دليل على أن الأسد هو المفسد الرئيسي في سورية، فسيكون (فشل المقاربة الجديدة معه) دليلاً آخر على ذلك».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق