الأربعاء، 12 مايو 2021

إدارة بايدن تواجه أول أزمة حقيقية في حرب غزة

واشنطن - من حسين عبدالحسين

منذ دخوله البيت الأبيض، فاجأ الرئيس جو بايدن المراقبين بانضباطية صارمة في سلوكه وتصريحاته وسياساته.

فبايدن، السياسي الذي أمضى أكثر من أربعة عقود في العاصمة الأميركية، كان معروفاً بهفواته ومواقفه الارتجالية، لكنه في رئاسته، بدا وكأن كل سياساته تمشي وفقاً لخطط دقيقة أعدها مسبقاً، منذ كان مرشحاً.

وفي خططه مواجهة الصين وروسيا والتغير المناخي، والعودة للاتفاقية النووية مع إيران، واستكمال اتفاقيات السلام بين الدول العربية وإسرائيل.

لكن الوضع الفلسطيني لم يكن في دائرة اهتمام بايدن، لا في ترشيحه ولا بعد انتخابه، اذ تابع الرئيس الحالي - كما في معظم السياسة الخارجية - من حيث توقف الرئيس السابق باراك أوباما، الذي كان توصل لـ«عرض سخي» للسلام، قدمه الإسرائيليون للرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، الذي لم يرد على المبادرة، ما دفع أوباما الى اطلاق مقولته الشهيرة، أنه «لا يمكن للولايات المتحدة أن ترغب في السلام أكثر من الفلسطينيين والإسرائيليين أنفسهم»، وأنه عندما يقرر كلا الطرفين العمل للتوصل لسلام، ستكون واشنطن مستعدة لرعايته ودعمه.

هكذا، كانت القضية الفلسطينية «في الثلاجة»، حسب التعبير الأميركي، الى أن وجد المسؤولون أنفسهم فجأة يتابعون تقارير تبادل ضربات صاروخية وجوية بين قطاع غزة وإسرائيل، وهو ما فرض على واشنطن تعليق جدول أعمالها المقرر والانخراط في محادثات مع الإسرائيليين والعواصم العربية، والسعي لتهدئة الأوضاع ووقف اطلاق النار.

في الأسابيع التي سبقت حرب غزة، أبلغ المسؤولون الإسرائيليون، الذين تعاقبوا على زيارة واشنطن، نظراءهم الأميركيين أن تقاريرهم الاستخباراتية كانت تحذر من امكانية اندلاع «انتفاضة ثالثة» أو «مواجهات» في الضفة الغربية، غالباً بسبب قيام عبّاس بتأجيل انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني التي كانت مقررة في 22 مايو الجاري.

كما رصد الأميركيون تصريحات لكبار المسؤولين الإيرانيين، وسمعوا تسريبات من مجالس الإيرانيين الخاصة، أن رد طهران على الضربات الإسرائيلية داخل إيران، وفي سورية، وضد ناقلاتها البحرية، سيكون في فلسطين.

وفعلاً، بدأ التصعيد من الجانب الفلسطيني في هجوم أدى الى مقتل إسرائيلي وجرح اثنين قرب نابلس، وفي عبوة انفجرت على طريق مستوطنة من دون أن تؤدي الى وقوع ضحايا. وفي وقت لاحق، قامت الفصائل باطلاق 51 صاروخاً على الأراضي الإسرائيلية، لم توقع ضحايا.

وعجّت المواقع الإسرائيلية بكتابات لكتاب اعتبروا فيها أن حركة «حماس» قامت بتصعيد بسيط واستعراض سياسي لعلمها أن الدولة العبرية ليست في وارد الانخراط في حرب شاملة ضدها، في وقت كان الجيش يرسل تعزيزات الى الضفة تحسبا من اندلاع انتفاضة فيها.

لكن تطور الأحداث خالف كل التوقعات، فالمواجهات لم تنفجر في الضفة، بل في مناطق عرب إسرائيل، اذ وجدت بعض المدن نفسها، مثل اللد، وسط ما يشبه «حرب أهلية»، قام خلالها الفلسطينيون باحراق مبان يهودية وسيارة شرطة واستبدال الأعلام الإسرائيلية، بالفلسطينية.

كذلك لم تتوقع إسرائيل أن تمضي «حماس» في تصعيدها الصاروخي، وهو ما دفع المسؤولين الى التشاور مع نظرائهم الأميركيين في الخيارات المتاحة أمامهم.

وأبلغ الإسرائيليون، الأميركيين، أن وقوفهم بمظهر العاجزين أمام تهديدات«حماس»والمهلة الزمنية التي منحتها لإسرائيل لسحب قوات الشرطة من محيط المسجد الأقصى في القدس الشرقية، سيظهر إسرائيل بمظهر العاجزة وسيشجّع الحركة على التمادي في تهديداتها. وطلبوا دعماً علنياً أميركياً.

لكن إدارة بايدن في موقف صعب. من ناحية، ترى أن حرب غزة تعقّد المفاوضات النووية مع إيران وتؤجل التوصل لاتفاقية، ومن ناحية ثانية، تخضع هذه الإدارة لضغط كبير من جناح اقصى اليسار في الحزب الديموقراطي، الذي يطالب دائماً بالتشدد ضد إسرائيل والضغط عليها لانصاف الفلسطينيين ومنحهم حقوقهم، تحت طائلة تعليق المساعدات للدولة العبرية.

ووجد هذا الجناح، الذي يتزعمه السناتوران بيرني ساندرز واليزابيث وارن، في تطورات القدس، الفرصة سانحة لشن هجمات سياسية ضد إسرائيل، وهو ما أجبر مسؤولي بايدن على لجم أي دعم علني ممكن التعبير عنه تجاه الدولة العبرية، فتعرضت بذلك الإدارة لحملة مضادة من اليمين الجمهوري، معتبراً أن بايدن يتخلى عن الحلفاء، مثل إسرائيل.

هكذا، ترى إدارة بايدن أن السيناريو الأفضل لها هو السعي للتوصل الى تهدئة بأسرع ما يمكن، وهو ما أطلق سلسلة اتصالات واسعة سعت من خلالها الى لجم الحرب، التي يبدو أن لا أهداف واضحة لها، باستثناء في الجانب الإسرائيلي، اذ ان التصعيد سيقود الإسرائيليين إلى اجتياح أرضي، ويطيل أمد الحرب لأسابيع.

وعلمت «الراي» أن الإسرائيليين أعربوا للأميركيين عن استعدادهم لوقف فوري للنار، لكن إن لم تتوقف «حماس»، فإن الرد سيكون أضعافا مضاعفة لما ستلقيه الحركة على الإسرائيليين، وان استمرارها في الحرب«قد يقدم فرصة للإسرائيليين لاجتياح غزة وتفكيك البنية التحتية العسكرية للفصائل والتخلص من شوكة في خصر الدولة الإسرائيلية تزعجها منذ سنوات».

المواجهة لا تزال في أيامها الأولى، لكن كل المؤشرات حتى الآن تجمع على تصعيد آتٍ، ولا مؤشرات حتى الآن تشير الى أن أي من الطرفين ينوي تفادي الحرب وحقن الدماء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق