الاثنين، 13 سبتمبر 2021

هل موّلت السعودية هجمات 11 سبتمبر؟

حسين عبدالحسين

في الذكرى العشرين لوقوع هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية، التي راح ضحيتها نحو 3000 أميركي، أدت الضغوط التي يمارسها التيّار المعروف بـ "التقدمي" داخل الحزب الديمقراطي إلى قيام إدارة الرئيس جو بايدن برفع السرية، أول أمس، عن 16 صفحة من التحقيقات التي أجرتها وكالات الاستخبارات الأميركية عام 2016 للبحث عن إمكانية وجود صلة بين منفذي الهجمات، وغالبيتهم كانوا من حاملي جوازات السفر السعودية، والحكومة السعودية.

والتيّار التقدمي يناصب السعودية العداء لأسباب متعددة، منها عقائدية معادية للإمبريالية وحلفائها بشكل عام، ومنها سياسية، مثل قربه من شبكات الإسلام السياسي، بما فيها اللوبي الإيراني في واشنطن، وهو تيّار يبحث دائما عن كل ما من شأنه أن يسيء إلى السعودية وحكومتها، وحتى شعبها أحيانا، بوصفه بدويا يفترض أنه متأخر عن الحضارة.

لذا، لم يكد التقدميون يفرغون من الضغط على الرئيس جو بايدن وإدارته لرفع السرية عن تقارير الاستخبارات الأميركية حول جريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، حتى انتقلوا إلى مطالبة الإدارة برفع السرية عن التقارير التي يأملون أن تثبت أن الرياض كانت شاركت في هجمات 11 سبتمبر، على الأقل لناحية تقديمها التمويل والدعم اللوجستي.

على أن المفارقة تكمن في أن التقرير الذي رفع بايدن السرية عنه يضم معلومات أقل مما هو متوفر في العلن منذ 17 عاما على الأقل.

مثلا، في كتابه "للاستخبارات أهمية" الصادر في العام 2004، أورد السناتور الديمقراطي السابق، رئيس لجنة "التحقيقات في الهجمات"، بوب غراهام، تفاصيل بشأن أموال قدمتها زوجة السفير السعودي في واشنطن عام 2000 إلى زوجة طالب سعودي اسمه عمر بيومي. وتظاهرت زوجة بيومي هذه أنها بحاجة إلى عملية في عينيها، وطلبت مساعدة مالية، فما كان من الأميرة هيفاء الفيصل، زوجة السفير بندر بن سلطان، إلا أن قدمت لها ما تيسر.

كما أن بيومي كان يعمل لدى شركة سعودية، أثناء إقامته كطالب في الولايات المتحدة، لكنه كان يتلقى راتبه دون أن يعمل فعليا، وهو ما دفع بعض الأميركيين للاعتقاد أن بيومي هذا كان يتلقى الأموال بهدف دعم الإرهاب.

لكن أي عربي، يعرف كيف تعمل اقتصادات بعض الدول العربية في زمن ما قبل الإصلاح، خصوصا الخليجية النفطية منها كالسعودية، لن يفاجئ أن السفارة السعودية قدمت أموالا لمواطنة ادعت الحاجة، أو أن بيومي موظف يتقاضى راتبه دون أن يعمل. حتى أن السلطات الأميركية ألقت القبض على زوجة بيومي أثناء محاولة الأخيرة سرقة مجوهرات خلسة من أحد المحلات. كل هذه أمور مألوفة في الأوساط العربية ولا تعني أن بيومي يعمل بتوجيهات الحكومة السعودية أو بدعمها حتى يقوم بدعم اثنين من الإرهابيين الانتحاريين.

وكتب غراهام: "من المصدرين (الحكوميين السعوديين) حصل بيومي على 40 ألف دولار علاوة على معاشه، (أي ما يوازي) واحد على ستة، أو واحد على 12 من الاجمالي الذي تم استخدامه لتمويل هجمات 11 سبتمبر".

هذا يعني أن اجمالي الأموال التي انتقلت من مسؤولين حكوميين سعوديين إلى أيدي بيومي، ومنه تاليا لتمويل إقامة الإرهابيين في أميركا، لم تتعدَ نسبة 17 في المئة كحد أقصى من إجمالي الأموال المطلوبة. والسؤال هو: أهكذا تموّل حكومة تتمتع بواحدة من أعلى نسب الإيرادات في العالم هجوما ضد دولة حليفة، ومن دون حتى أن تغطي آثار انتقال الأموال من حساب الأميرة هيفاء إلى عائلة بيومي؟

الأرجح أن تقدميي الحزب الديمقراطي لم يقرأوا كتاب غراهام (وهو ليس صديق السعودية أبدا بل عكس ذلك)، أم هم قرأوه ولكن مصلحتهم السياسية تقتضي مواصلة التحريض ضد السعودية.

والأرجح أن التقدميين هؤلاء هم من أصحاب الشعارات والصراخ، ومن دون ذاكرة أو معرفة ببواطن الأمور، لأن من يعرف شؤون واشنطن يعلم أن فور وقوع هجمات 11 سبتمبر قامت أجهزة الاستخبارات الأميركية بتجميد كل الحسابات السعودية في المصارف الأميركية ريثما يتسنى لها دراسة حركة انتقال الأموال منها وإليها، وهو ما اضطر السفير السعودي في واشنطن يومذاك الى الاستعانة بالمصارف الكندية لإجراء سحوب نقدية لتسديد رواتب موظفي السفارة.

والسفير السعودي يومذاك كان بندر بن سلطان نفسه، الذي يشتهر بصورته وهو يجلس على كتف الأريكة ويتحدث إلى الرئيس الأميركي جورج بوش.

بندر تمتع بنفوذ أسطوري في واشنطن لا يزال صداه يتردد حتى اليوم، ومع ذلك، ورغم علاقة أميركا المتينة بالسعودية، لم تتأخر واشنطن عن تجميد الحسابات السعودية وفحصها، ثم الإفراج عنها، ولو كانت تلك الحسابات أظهرت أي تورط للحكومة السعودية في الهجمات، لكانت "الجرة انكسرت" بين الحليفين، لكن ذلك لم يحدث بعدما تأكدت الاستخبارات الأميركية من أن الحكومة السعودية لم تكن متورطة في الهجمات، حتى لو تبين ضلوع عنصر غير منضبط هنا أو هناك.

الدليل الثالث، الذي يرجح بشكل شبه مؤكد عدم ضلوع الحكومة السعودية في هجمات 11 سبتمبر جاء من مفكرة زعيم "القاعدة" الإرهابي أسامة بن لادن، الذي قتلته القوات الأميركية عام 2011 وجمعت الوثائق في منزله.

في مفكرته، يبدو بن لادن عدوا لدودا للحكومة السعودية، حتى أنه يرفض تسميتها بذلك، بل يستعيض عنها بتسميات مثل الحجاز أو نجد أو ما شابه، ولو كانت "القاعدة" تلقت مساعدة حكومية سعودية لتنفيذ الهجمات، حتى لو من أفراد تصرفوا من تلقاء أنفسهم، لكان ذلك ظهر في أوراق بن لادن، وهو ما لم يحصل.

الدلائل المتوفرة منذ وقوع هجمات 11 سبتمبر 2001، وحتى اليوم، لا تشي بأي تورط للحكومة السعودية في تلك الهجمات، لكن التقدميين لن تثنيهم أي من الدلائل، بل سيواصلون التحريض، لا لأنهم ينشدون العدالة، بل لغاية في نفس يعقوب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق