الثلاثاء، 12 أكتوبر 2021

ذكرى السادات.. لا ذكرى "حرب أكتوبر"

حسين عبدالحسين

مرّت الذكرى الأربعين على قيام الإسلام السياسي باغتيال رئيس مصر أنور السادات دون أن يتوقف المصريون عندها كثيرا.

إعلام مصر ورئيسها عبدالفتاح السيسي احتفلوا بالذكرى الثامنة والأربعين لـ "نصر أكتوبر"، أي حرب 1973 التي شنتها مصر وسوريا ضد إسرائيل، لكن المصريين لم يتذكروا السادات خارج إطار الحرب المذكورة، وعندما فعلوا ذلك، استفاضوا في وصف الانتصار المزعوم، ولم يتذكروا السادات صاحب أول اتفاقية سلام عربية مع دولة إسرائيل.

على أن "نصر أكتوبر" لم يكن نصرا بأي معيار، بل كان هزيمة محققة لمصر وسوريا أمام إسرائيل. صحيح أن الأيام الأولى للحرب شهدت انتصارات مصرية باهرة، خصوصا اختراق خط بارليف الإسرائيلي المحصّن وعبور قناة السويس، إلا أن الحرب انتهت بتوقيع جيش السادات على اتفاقية وقف إطلاق نار في "الخيمة 101"، وهي خيمة نصبت حيث توقفت الدبابات الإسرائيلية عن التقدم داخل الأراضي المصرية، بعد استعادتها كل ما حرره المصريون وتوغلها باتجاه القاهرة.

أما الاسم "101" فكان نسبة إلى المسافة التي كانت تفصل الإسرائيليين عن القاهرة، ولو لم يتوقف الإسرائيليون، لكانت أبواب القاهرة مفتوحة أمام اجتياحهم.

أما الجبهة السورية، فهي أبلت بلاء أسوا من المصرية، اذ تعثر جيش الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد بعد أيام قليلة على بدء الاجتياح العربي على جبهتين، ولم يلبث الإسرائيليون أن قلبوا تراجعهم تقدما، وصارت دمشق تحت رحمة مدفعيتهم.

واتصل الأسد بالسادات مرارا، وأصرّ على تقدم المصريين في سيناء جنوبا لتخفيف الضغط الإسرائيلي على الجبهة السورية شمالا.

واتصل السادات بقيادة أركان الجيش المصري، وطلب منهم التقدم حسب طلب الأسد، لكن الضباط ترددوا في ذلك، لأن الخطة الهجومية المصرية كانت مصممة على قبول تفوق إسرائيل في الجو، وتاليا، بقاء القوات البرية محمية بمظلة صواريخ سام الروسية المضادة للطائرات، التي أبطلت قوة سلاح الجو الإسرائيلي وحيدته من المعركة.

لكن السادات أصر، وأصدر لجيشه أوامر سياسية بالتقدم لتلبية طلب الأسد، فتقدم الجيش المصري خارج المظلة الصاروخية الدفاعية، فتلقف سلاح الجو الاسرائيلي الفرصة، وصب حمم نيرانه على المصريين على الأرض، فضعضع صفوفهم، وصار اختراقه لهم ممكنا.

وقاد الجنرال، رئيس الحكومة فيما بعد، أرييل شارون محاصرة الجيش المصري الثالث في سيناء. وقاد العبور الإسرائيلي المعاكس لقناة السويس، ومضى ودباباته نحو القاهرة لو لم يوافق السادات على وقف إطلاق نار غير مشروط.

حرب 1973 هذه، التي يسميها العرب "حرب أكتوبر"، ويطلق عليها الإسرائيليون اسم "ملحمة يوم كيبور (الكفارة أوالغفران)"، شهدت انتصارات عربية في ساعاتها وأيامها الأولى، لكن نتيجتها كانت هزيمة ساحقة ماحقة للعرب أمام إسرائيل.

على أنهم على عادتهم، مثل في حرب "حزب الله" اللبناني ضد إسرائيل في 2006، وحروب حماس المتكررة مع إسرائيل في قطاع غزة الفلسطيني، يطلق العرب على هزائمهم تسمية نصر أو انتصار، ويقومون باجتزاء سياق الحرب واختيار لحظات تفوقوا فيها على إسرائيل، مثل عبور مصر القناة أو ضرب "حزب الله" سفينة حربية إسرائيلية، ويصورونها إعجازا، مع أن الحروب العربية الإسرائيلية انتهت دائما بخسائر عربية تكون أضعافا مضاعفة لخسائر إسرائيل، دون أي تغيير ينجم عن الحرب.

على أن ما تفوق فيه السادات على سلفه جمال عبدالناصر، صاحب هزيمة 1967 أمام إسرائيل، وعلى ميليشيات "المقاومة" مثل "حزب الله" وحماس، فكان في إدراكه أن الحرب وسيلة وليست غاية، وأنه إن لم تدرك الحرب أهدافها، فلا بد من قبول السلام.

أدرك السادات أن نتيجة هزائم العرب العسكرية هي الاعتراف بإسرائيل وتوقيع سلام معها، لا المكابرة والعيش في شقاء اقتصادي واجتماعي وعلمي سببه حالة "اللا حرب واللا سلم" التي يعيشها أمثال عبدالناصر و"حزب الله" وحماس.

السادات أدرك أن الحرب وسيلة تنتهي صلاحيتها بغض النظر عن نتيجتها، وأن أسوأ ما قد يحصل لأي شعب أو دولة أو مجتمع أن يعيش في حالة حرب مفتوحة، وتأهب دائم، وعسكرة لا آخر لها.

في وقوفه وحيدا، وإصراره على السلام الذي رأى فيه مصلحة مصر والعرب، أظهر السادات فهما استراتيجيا قلّ نظيره، وأظهر الرئيس المصري الراحل أنه لا يحكم شعبويا لإرضاء أقرانه أو مناصريه، بل يحكم كقائد يقود الناس في اتجاه مصالحهم ومصالح الدولة، حتى عندما لا يرى الناس ذلك.

وتفوّق الرؤية الاستراتيجية للسادات أثمرت اقتصاديا قبل اغتياله، اذ ارتفعت نسبة نمو الناتج المحلي المصري في السنوات التي تلت توقيعه اتفاقية كامب دافيد للسلام مع إسرائيل في عام 1979. وفي السنوات الثلاثة التي فصلت بين توقيع الاتفاقية واغتيال السادات، سجّل الاقتصاد المصري نموا اقتصاديا بمعدل 9 بالمئة سنويا، وهو من الأعلى في التاريخ المصري الحديث. وكان ذلك بسبب موجة التفاؤل التي عمت مصر واسرائيل، واعتقاد المستثمرين حول العالم أن السلام سيفتح أبوابا اقتصادية كانت موصدة، وهو ما حصل فعليا.

لكن الإسلام السياسي، القوة المدمرة للشعوب وللدول ولنفسها، التي تعيش في أساطير قروسطوية تخالها برامج حكم يمكن تطبيقها اليوم، كان لها رأي آخر في السادات، فاغتالته، وهو ما هزّ ثقة العالم بمصر، فهرب المستثمرون مع اندلاع حرب بين الدولة المصرية والإرهاب الذي يمارسه الاسلام السياسي، وتدهورت نسب نمو الاقتصاد المصري.

بعد 40 عاما على اغتياله، لا تزال مآثر السادات بادية، فالاقتصاد المصري اليوم هو الأقوى بين دول الطوق، أي التي تحيط بإسرائيل وانخرطت في حروب معها، ولو لم يقم السادات بخطوته الاستثنائية للسلام، وهو السلام الذي يبني عليه السيسي نهضة اقتصادية مماثلة، لكانت مصر اليوم على شكل "حزب الله" وحماس و"انتصاراتهما" المتواصلة، وعيشهما وشعوبهما في فقر وشقاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق