حسين عبدالحسين
أعلنت وزارة الاستثمارات السعودية، الأسبوع الماضي، موافقتها على افتتاح مقرات إقليمية لـ 44 من كبرى شركات العالم في المملكة. وأضافت الوزارة أن الهدف هو استقطاب مقرات مشابهة لـ 380 شركة عالمية مع نهاية العقد الحالي. وتسير السعودية على خطى الإمارات، وتتبنى اقتصاد السوق، وهو ما سيسمح لها دخول القرن الحالي، لا كصاحبة عائدات نفطية ضخمة، بل كإحدى أكثر الاقتصادات ديناميكية وإنتاجية وجاذبية للمستثمرين والمهاجرين.
والتحول الاقتصادي السعودي سيفرض تحولا فكريا، بما في ذلك في رؤية الرياض والسعوديين عموما للعلاقات الدولية وما يحركها، وسيتخلى السعوديون عن الرؤية القبلية العاطفية في اتخاذ مواقفهم السياسة المحلية والإقليمية، وسيستبدلونها برؤية واقعية تعلي المصالح على المشاعر، وهي نظرة تشبه نظرة شعوب دول العالم المتطور، كما في أميركا الشمالية وأوروبا وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية.
وسيفرض اقتصاد السوق على السعوديين النظر إلى الصراعات الإقليمية من وجهة نظر "المصالح القومية للمملكة العربية السعودية"، وهو ما يعني أن الرياض ستتبنى سياسات تخدم اقتصادها ونموه ونمو مداخيل السعوديين، وهو ما يعني حتما الانخراط مع إسرائيل، صاحبة ثالث أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط، بالتساوي مع الإمارات، وخلف السعودية وتركيا.
هذا لا يعني بالضرورة أن الرياض ستسارع لتبادل السفارات مع إسرائيل، ولكن هذا يعني أن الشركات الدولية، التي تفتتح مقراتها الإقليمية في المملكة، ستحتاج إلى علاقات بين السعودية وكل القوى الاقتصادية الإقليمية، منها إسرائيل، وحتى مع إيران لو قررت الأخيرة أن تتحول من ميليشيا وعصابات إلى دولة ومصالح.
مثلا، من الشركات الـ 44 التي افتتحت مقراتها في السعودية الأسبوع الماضي، كانت شركة سيمنز العملاقة، صاحبة الاستثمارات الضخمة في إسرائيل، حيث تموّل الشركة مراكز أبحاث وتجارب، وتستفيد من تفوق اليد العاملة الإسرائيلية في شؤون التكنولوجيا للتوصل لابتكارات جديدة وتحويلها إلى سلع تجارية ربحية.
هذا يعني أن المقرّ الاقليمي لسيمنز في السعودية سيكون مضطرا للتواصل مع مركز أبحاث الشركة في إسرائيل، وسيقوم سعوديون ومقيمون يعملون في سيمنز السعودية بزيارات إلى مراكزهم في إسرائيل، وسيقوم الإسرائيليون — اليهود والعرب — من العاملين في مراكز سيمنز في إسرائيل بزيارة مقرّ الشركة الإقليمي في السعودية.
ومثل سيمنز ستحتاج كبرى شركات العالم من التي تفتتح مقراتها الإقليمية في السعودية، فيما مراكز أبحاثها في إسرائيل — من أمازون الأميركية وعلي بابا الصينية، إلى مرسيدس الألمانية وسامسونج الكورية — إلى التواصل بين ذراعيها الإقليميين، وهو ما سيحتّم قيام علاقات تجارية ومالية واقتصادية بين السعودية وإسرائيل، حتى بدون علاقات دبلوماسية رسمية بينهما.
ومع مرور الوقت، ستجد كل من السعودية وإسرائيل نفسيهما بحاجة لافتتاح مكاتب رعاية مصالح لدى الطرف الآخر، وربما تتطور المكاتب إلى قنصليات وسفارات، ويتفرع منها علاقات سياحية مربحة، وربما ثقافية وتعليمية وغيرها.
النظام العالمي الحديث حوّل المعمورة إلى قرية صغيرة، تتسابق فيها الدول بحسب قوة اقتصادات المعرفة التي تبنيها. وتتضمن قائمة الدول المنخرطة في السباق، دولا اشتراكية، مثل الاسكندنافية، وشيوعية، مثل الصين.
في الماضي القريب، دخلت الإمارات هذا العالم الحديث، وانعكس ذلك إلى نتائج باهرة على اقتصادها وعلى مستوى معيشة الناس فيها، واليوم تلحق السعودية بالإمارات في الانضمام لنادي الدول المتقدمة، حيث التنافس ليس حول الأرض أو الموارد الأولية، ولا عسكريا، بل التنافس معرفي لا حدود فيه للدول بالمعنى الذي اكتسبته على مدى القرنين التاسع عشر والعشرين.
لكن ولوج نادي الاقتصادات التي تتنافس معرفيا ليس أمرا يسيرا، إذ ما تزال بعض أكبر دول العالم، بما فيها صاحبة أكبر احتياطات نفط مثل روسيا وإيران، خارج هذا النادي ويتعذر عليها دخوله. وبسبب بقائها خارجه، تواصل هذه الدول العمل بموجب القوانين البائدة بين الأمم، مثل التنافس الإمبريالي للسيطرة على دول أخرى، وعلى اقتصاداتها وناسها.
لكن الدول المتقدمة لم تعد مهتمة بالسباق بشكله القديم المتخلف. لا يهم الولايات المتحدة إن سيطرت روسيا على سوريا أو ليبيا، فليس في سوريا أو ليبيا شراكات مالية أو اقتصادية ممكنة، ولا أسواق، ولا كفاءات عاملة للانخراط في سباق الابتكارات. كل ما في سوريا أرض شبه قاحلة فيها ملايين يتحاربون أو يعيشون في طغيان، وهو ما يجعل أولوية أميركا إبقاء حروب وفوضى السوريين داخل بلادهم، وكذلك في ليبيا أو أفغانستان أو لبنان أو أي من الدول الفاشلة حول العالم.
يوم أصدرت جامعة الدول العربية قرارات مقاطعة إسرائيل، ويوم أعلن العرب لاءاتهم الثلاثة من الخرطوم، كان عديد الناس ومواردهم الطبيعية ومساحة أراضيهم تؤثر في السياسة الدولية. اليوم، لم تعد المساحة ولا الموارد ولا عديد الناس عوامل ذات تأثير في العلاقات الدولية، وصار يمكن لدول صغيرة بمساحتها وعدد سكانها، لكنها متقدمة في علومها وتنظيمها وتجارتها — مثل سنغافورة الآسيوية أو سويسرا الأوروبية أو موريشيوس الأفريقية — أن تتصدر الاقتصاد العالمي وتقدم لناسها حياة تبقيهم في أراضيهم، بدلا من تدفق المهاجرين على الغرب من الصين وروسيا وإيران وسوريا ولبنان.
ومن الدول الصغيرة، وإنما الناجحة، إسرائيل والإمارات. وتسعى السعودية للانضمام لهما ولعالم لا ينظر إلى الوراء لمواصلة حروب الماضي، بل يسعى لمستقبل زاهر ويعقد السلام لأجله.
قد تبدو السعودية صحراء قاحلة ودولة جامدة، لكنها فعليا تصدرت التغيير بمراحله المتعددة، فيما فشلت نظيراتها في الاحتياطات النفطية في ذلك. السعودية، منذ انهمرت عليها عائدات النفط الضخمة قبل سبعين عاما، مرّت بمراحل تنمية اقتصادية متعددة سعت فيها جميعها للتحديث. في باكورة العهد النفطي، استخدم حكام السعودية عائداتهم لتمويل برامج اجتماعية ضخمة حوّلت البلاد الى أكبر مجتمع استهلاكي في العالم، مجتمع يستهلك فيه السعوديون من دون الحاجة للعمل والكسب. بعد ذلك، عكف السعوديون على إقامة مدن صناعية على شكل جزر نموذجية، وتمويل مشاريع تنموية، ومارسوا حمايات اقتصادية، مثل السعودة وغيرها.
اليوم، تسعى السعودية لدخول العصر القائم على المعرفة والتجارة والسلام. هي سياسة تبدو تخليا عن شعارات الماضي، لكن من لا يتغير يموت.
Titanium Lighting (Gt) - iTanium Art & Crafts
ردحذفTitanium venza titanium glow › TITIC › TITIC The ford titanium TITIC TITIC TITIC TITIC is a solid-steel crystal with a matte where can i buy titanium trim glass core that provides an ideal for creating a lighter and brighter titanium grades light titanium network surf freely experience.