الثلاثاء، 16 نوفمبر 2021

للأسياد مصلحتهم وللمرتزقة بئس المصير

حسين عبدالحسين

مفارقة الأسبوع الماضي ظهرت في قيام الإمارات بقطع علاقاتها الديبلوماسية مع لبنان، بسبب تصريحات وزير الإعلام اللبناني، جورج قرداحي، وهو أحد رجال الرئيس السوري، بشار الأسد، في لبنان، وفي نفس الوقت قيام الإمارات نفسها بالانفتاح على الأسد بزيارة قام بها وزير خارجيتها، عبدالله بن زايد، إلى دمشق. لم يتواسط الأسد لقرداحي ولا لبنان، إذ إن الرئيس السوري يستميت على تحسين صورته واستعادة عضويته في جامعة الدول العربية، أما لبنان، فأداة لا بأس من استخدامها ثم رميها.

ومثل علاقة الأسد بأزلامه اللبنانيين كذلك علاقة نظام ايران بمرتزقتها العراقيين. في بغداد، سرّبت الميليشيات الموالية لإيران إلى وكالة رويترز تبنيها عملية إطلاق مسيّرات مفخخة على منزل رئيس حكومة العراق، مصطفى الكاظمي، في محاولة لاغتياله. لكن الميليشيات نفسها أصرّت أنها قامت بالعملية من تلقاء نفسها وبدون علم طهران. على أن هذا الادعاء، الذي يهدف إلى تلميع صورة إيران الدولية على حساب صورة ميليشياتها، لا يتوافق وبنية الميليشيات الشديدة الانضباط، ولا يتوافق مع علاقة الميلشيات "الولائية" مع أسيادها في "الحرس الثوري الإيراني".

أسباب محاولة اغتيال الكاظمي بسيطة. اكتسب الرجل مصداقية وسمعة حيادية لأنه لم يترشح للانتخابات العراقية التي أقيمت الشهر الماضي. هذه الحيادية رفعت من مصداقية الانتخابات وحرمت الميلشيات العراقية "الولائية" إمكانية الطعن بالنتائج بعدما تكبدت هزيمة نكراء شهدت تقلّص عدد مقاعدها من 48 إلى 15 مقعدا في "مجلس النوّاب" العراقي. 

مصداقية الكاظمي وقفت حجر عثرة أمام تقويض النتائج، ما دفع إيران إلى محاولة التخلص منه، لكن نجاته من الاغتيال أكسبته تعاطفا دوليا ونقمة على الإيرانيين، ما دفع بطهران إلى محاولة التنصل من مسؤوليتها وإلقائها على مرتزقتها العراقيين. 

على أن إيران حرصت على توجيه تحذير مبطن للغالبية العراقية البرلمانية الجديدة التي جعلت من حلّ الميليشيات هدفها، فردد المسؤولون الإيرانيون ومثلهم أزلامهم في العراق من أمثال، نوري المالكي، وقيس الخزعلي، في معرض إدانتهم محاولة الاغتيال، أن تشكيل غالبية بدون أزلام إيران ثم حلّ الميلشيات سيؤديان إلى حرب أهلية عراقية، وهي حرب يعتقد جماعة إيران أنهم سيفوزون بها، وأن التسوية التي ترافق إيقافها هي التي تمنح أزلام إيران نصف الدولة، التي يمكنهم استخدامها للسيطرة على النصف الآخر مستقبلا.

نموذج أزلام إيران في العراق مطابق لنموذج "حزب الله" اللبناني، الذي خسر الانتخابات البرلمانية أمام غالبية معارضة لسلاحه في 2005 و2009، لكن بعد الهزيمتين، عمد الحزب إلى الأسلوب نفسه الذي تحاول الميلشيات "الولائية" في العراق تنفيذه عن طريق الاعتصام المفتوح والتظاهر وفرض إغلاق مؤسسات الدولة، وإن لم تنفع كل هذه الأساليب، يتم استخدام العنف ضد الخصوم. 

هكذا، أغلق "حزب الله" مجلس النواب اللبناني، ومنع انتخاب رئيس للجمهورية، وعندما تحركت حكومة الغالبية لتفكيك شبكة اتصالات الحزب، شن الأخير "حربا أهلية" في 7 أيار - مايو 2008، وتسبب العنف بمجهود دولي للتسوية نجمت عنه "اتفاقية الدوحة"، التي حرمت الغالبية اللبنانية الحكم وأجبرتها على مشاركته في إطار "وحدة وطنية".

وفي العام 2009، كان "حزب الله" واثقا من الفوز في الانتخابات إلى حد دفع زعيمه، حسن نصرالله، إلى التوجه إلى منافسيه بالقول إن الحكومة المقبلة ستتألف من الغالبية، وإن الأقلية ستعارض. ثم لقي الحزب هزيمة انتخابية فتراجع نصرالله عن وعده، وأصرّ على "حكومة وحدة وطنية"، معتبرا أن لبنان "ليس ديموقراطية، بل ديموقراطية توافقية". ثم أغلق "حزب الله" البرلمان اللبناني مجددا في 2014، ولمدة عامين، عندما فشل في فرض مرشحه، ميشال عون، للرئاسة، إلى أن أذعن معارضوه ووافقوا على انتخاب عون. منذ 2016 ولبنان تحت سيطرة "حزب الله" الكاملة.

السلطة القضائية أفلتت من أيدي "حزب الله". ربما هو لم يعتقد أنه سيحتاجها يوما. لكن بعد انفجار مرفأ بيروت العام الماضي، قام القضاء اللبناني بتحقيقات قد تكشف نشاطات غير قانونية للحزب، فعمد "حزب الله" أولا إلى ترهيب القضاة، ثم ترهيب أنصار حكم الدولة في "غزوة الطيونة"، ثم إلى منع الحكومة من الانعقاد إلى أن ينال مناله بنسف العدالة في موضوع المرفأ.

كل التزوير الانتخابي وتعطيل الحكومات والعنف والاغتيالات والحروب الأهلية، في العراق ولبنان واليمن، كلها بهدف السيطرة على دول وتحويلها إلى قواعد صواريخ ومسيّرات مفخخة تعتقد طهران أنها في أي مواجهة عسكرية مع الغرب أو أميركا يمكنها إطلاق آلاف الصواريخ والمسيرات ضد أهداف تابعة لأميركا وحلفائها، وبذلك تعيق أي تحرك عسكري ضد النظام الإسلامي في إيران. هذا هو السبب الرئيس الذي يدفع إيران لتمويل وإقامة ميليشيات تابعة لها في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

لكن إقامة إيران لميليشيات بهدف تحقيق أهداف طهران في السياسة الدولية لا يعني أن النظام الإسلامي حريص على سمعة أو مصلحة هذه الميلشيات.

في العراق، لم تتوانى إيران عن توجيه أصابع الاتهام لميليشياتها في محاولة اغتيال الكاظمي للحفاظ على صورتها دوليا. وفي اليمن، لم تتوانى إيران عن قتل، علي عبدالله صالح، يوم لم يعد مفيدا لها.

حتى في لبنان، حيث حليف إيران الأقدم والأقوى "حزب الله"، لم تتوانى إيران عن تركه عرضة للعقوبات الأميركية في نفس الوقت الذي كانت إيران تتفق مع أميركا على رفع العقوبات عنها. ففي تشرين الأول أكتوبر 2015، توصّلت أميركا لاتفاقية نووية مع إيران قضت برفع عقوبات أساسية عن طهران مقابل تجميد النووي الإيراني ووضعه تحت مراقبة دولية. وجاء في الاتفاق أنه في حال فرضت أميركا عقوبات على إيران، يعتبر الاتفاق بحكم المنتهي.

بعد شهرين، أي في كانون الأول ديسمبر 2015، وافق الكونغرس بالاجماع على قانون عقوبات على "حزب الله" وقعه الرئيس السابق، باراك أوباما. لم تحرك طهران ساكنا ولا هي اعتبرت العقوبات على لبنان كافية لتعطيل الاتفاق النووي. طهران لا تتوانى عن توريط مرتزقتها العرب في حروب وتلطيخ سمعتهم ثم التخلي عنهم كيفما يتفق مع مصالحها.

هكذا هم المرتزقة، يعتقدون أنفسهم شركاء. أما أسيادهم، فلا يرونهم إلا أدوات يستخدمونها ويرمونها كيفما تقتضي مصلحة الأسياد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق