الثلاثاء، 22 مارس 2022

المرأة الفلسطينية في حماية الديمقراطية الإسرائيلية

حسين عبدالحسين

ثارت ثائرة بعض الفلسطينيين والعرب ضد مشهد عري للممثلة ميساء عبدالهادي، وهي من عرب إسرائيل، في فيلم ”صالون هدى“، الذي تم عرضه للمرة الأولى في بيروت الأسبوع الماضي، وهو من إخراج العربي الإسرائيلي هاني أبو أسعد ومبني على أحداث حقيقية، وفيه أن فلسطينية إسمها هدى، وتملك صالونا للشعر في بيت لحم، تقوم بتصوير فلسطينيات عاريات لابتزازهن وإجبارهن على التعامل مع الاستخبارات الإسرائيلية. 

ولم يتأخر الإسلاميون، وشنوا حملة ضد الفيلم، فاستنكرت ”دائرة الإنتاج الفني“ في حماس ”حملة التشويه المقصود الذي يسيء لنضال الشعب الفلسطيني“ ويهدف ”إلى الحصول على الأموال المغمّسة بكرامة الشعب المناضل من الدول المانحة على حساب القضية الفلسطينية”. 

ويشارك في تمويل الفيلم ”مؤسسة الدوحة للأفلام“، وهي تعمل بتمويل حكومي قطري، و”فيلم فلسطين“، وهي جمعية مقرّها تركيا وتعمل بدعم قطري، وهو ما يجعل من هجوم حماس، التي تعتاش و“القضية“ على أموال الدعم القطري في قطاع غزة، أمرا مثيرا للعجب. 

فنيا، ”صالون هدى“ متواضع بعض الشيء، مشاهده طويلة ومملة، والحوار فيه على طراز ”الوعظ المباشر“ أحيانا، ولولا براعة ميساء ومنال عوض وعلي سليمان، لكان المستوى تدنى أكثر. أما مشهد العري الذي لا يتعدى الدقيقة، فليس دعارة، بل قيام منال، في شخصية هدى، بتعرية ميساء، التي تلعب دور ريم، النائمة بفعل مخدر كانت دسته لها صاحبة الصالون بدون علم الضحية. ثم يتعرى رجل مأجور، ويستلقي الى جانب الضحية العارية ريم، فتلتقط هدى صورا توحي وكأن العملية ممارسة جنسية، وتستخدم الصور حتى تبتز ضحاياها وتحولهن الى جاسوسات. 

على أن الفيلم ليس نقاشا حول الصراع الفلسطيني مع إسرائيل، ولا تشويها لصورة الفصائل الفلسطينية المسلحة، بل هو يقدم إسرائيل بصورة قبيحة، ويشير الى الجدار الأمني ويصفه بالعنصري، ويلمّح الى صعوبة خروج الفلسطينيين من الضفة الغربية الى الأردن بسبب صعوبة الحصول على تصاريح أمنية من الإسرائيليين، إذ أن جلّ ما طلبته ريم عند اتصالها بالاستخباراتي الإسرائيلي هو أن يساعدها في الحصول على تصريح حتى تهرب من الفضيحة التي تلاحقها. 

كما يصور الفيلم ”المقاومة“ الفلسطينية على أنها تعمل بكفاءة، وتنجح في المراقبة وفي القبض على المشتبه بهم، وفي كشف الشبكة. صحيح أن هذه ”المقاومة“ تعمل بدون مؤسسات ولا قوانين وتحاكم وتعدم حسبما يعجبها، ولكن الفيلم لا يعالج هذه الزاوية، التي تظهر بخجل عندما يفشل الاستخباراتي الإسرائيلي في تقديم مساعدة فورية لريم لإخراجها من الضفة الغربية لأن ”إسرائيل دولة مؤسسات“. 

على أن ”صالون هدى“ يقدم معالجة ممتازة لوضع المرأة في المجتمعات العربية، والمظلومية التي تتعرض لها، حتى عندما تكون هي الضحية، فهدى اختارت النساء اللواتي كن يعشن في زيجات تعيسة ويعانين من غيرة أزواجهن وغياب الثقة. وتخبر ريم هدى أنها كانت تهيم في حب زوجها قبل الزواج، لكنه تغير كثيرا بعد الزواج، وصار مهووسا بالغيرة على ريم، ويخالها تقيم علاقات مع عشاق من خارج الزوجية. 

ثم عندما تقع المصيبة وتجد ريم نفسها ضحية هدى وصورها الإباحية، تلجأ أولا الى إحدى صديقاتها، لكن الأخيرة تدرك فداحة المشكلة والفضيحة، وتتخلى فورا عن ريم، وتطلب منها أن لا تخبر أحدا أنها قابلتها أو سمعت مشكلتها. 

وفي منزل الزوجية، تعاني ريم من عدم مشاركة زوجها في الواجبات المنزلية، ومن دعوته أمه وأخوته الى ولائم، ومن ثم عتابه على ريم لعدم مسايرتها والدته. هكذا هي حياة الإمرأة العربية العادية: عمل منزلي مضن وإمكانية أن تلّم بها فضيحة في أية دقيقة تطيح بها وبحياتها، وهو ما يقدم فرصة لأي من يسعى الى تجنيد جاسوسات. 

لا تهم رسالة الفيلم ولا حبكته أشاوس النضال الفلسطيني، من حماس وغيرها. في الضفة الغربية، تقدم محام بشكوى لدى النائب العام الفلسطيني طالب فيها بـ ”حجب الفيلم عن العرض“. وورد في الشكوى أن ”الفن رسالة ونحت لسنا ضد الفن والتعبير وحرية الرأي، إنما من أراد أن يخدم القضية الفلسطينية عليه إنتاج أفلام تليق بنضالات وتضحيات الشعب الفلسطيني“. 

لم يفطن المحامي صاحب الشكوى الى أن مشكلة ”القضية الفلسطينية“ هي ”إنما“ الشرطية التي ربطها بـ ”حرية الرأي“، وسعيه وأصحاب ”القضية“ الى فرض رأيهم، الذي يتصورونه الرأي الأوحد الوطني والشريف، وهو رأي يتضمن تغطية جسد المرأة ومنعها من حريتها، ومنع الرجال من حريتهم في الفن والتعبير، وهو ما يعني إن كانت ”القضية الفلسطينية“ أحادية الرأي وقمعية على هذه الشاكلة، فمن الأفضل التآمر عليها والتخلص منها غير مأسوف عليها. 

أما المفارقة، فتكمن فيما أوردته إحدى الصحف العربية حول مصير الشكوى الفلسطينية ضد الفيلم، إذا أشارت الصحيفة إلى أن ”المشتكى عليهم من كادر الفيلم يحملون الجنسية الإسرائيلية… ولا يتيح القانون الفلسطيني إمكانية محاكمتهم“. 

لحسن حظ عرب إسرائيل ممن يعترضون ضد إضطهاد المجتمع العربي للمرأة وصورتها وجسدها أنهم يعيشون تحت سيادة إسرائيلية تحمي حرية رأيهم. ومن نافل القول أن القانون الإسرائيلي لم يتحرك ضد الفيلم، الذي قدم صورة قبيحة عن الجدار والإحتلال وإسرائيل نفسها. في الغالب، هذا هو الفارق في تفوق إسرائيل الديمقراطية الحرة على ”القضية الفلسطينية“ التي لا تحتمل جسدا عاريا ولا رأيا مخالفا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق