الأربعاء، 11 مايو 2022

لو كنت ناخبا في لبنان..

حسين عبدالحسين

للبنان مكانة خاصة في قلبي. ترعرت فيه وكبرت وأمضيت جزءا لا بأس به من حياتي. فيه يعيش أهلي وأحبابي وما تبقى من أصدقاء ممن لم يهجروه. صحيح أن هويتي الثقافية لبنانية في غالبها، لكن لبنان لم يعد وطني. مستقبله ليس مستقبلي. مستقبلي وأولادي في مكان آخر. ولاؤنا، مصالحنا، ضرائبنا كلها لحكومة أخرى. مع ذلك، لا يمكنني القطع الكامل مع أرض الأجداد، وهو ما يجعل تعليقي على الانتخابات اللبنانية ذي وجهين: واحد عاطفي والآخر واقعي.

عاطفيا، بودي أن أرى الوجوه الشابة تكتسح انتخابات "مجلس النوّاب" المقررة يوم الأحد مع أعلى نسبة مشاركة في التصويت. لو كان لبنان دولة ديمقراطية، لأدى التغيير في البرلمان الى تغيير في الحكم والحكومة والسياسات القائمة. لكن لبنان ليس ديمقراطيا بل يحكمه زعماء القبائل المشكلة للشعب اللبناني: زعيم الشيعة حسن نصرالله، يعاونه نبيه بري والمسيحي ميشال عون، وزعيم السنة من آل الحريري أو من ينوب عنه، وزعيم الدروز وليد جنبلاط، وزعيم المسيحيين سمير جعجع. 

واقعيا، التغيير المنشود في لبنان يحتاج إلى تغيير قواعد اللعبة، وهذا غير متاح حاليا لأسباب متعددة، ثقافية واجتماعية وغيرها. وطالما تبقى قواعد اللعبة السياسية في لبنان على حالها، لا فائدة من الاقتراع للمستقلين الذين يلعبون خارج هذه القواعد لأنهم كالذي يذهب الى مباراة كرة مضرب بدون مضرب، بل يرتدي ثياب وحذاء كرة القدم، ويصرّ على المشاركة في اللعبة.

ولأن اللعبة اللبنانية لاتزال على حالها، على اللبنانيين الاختيار من بين اللاعبين، لا تأييد من هم خارج الحلبة. حتى لو فاز المستقلون بغالبية مقاعد البرلمان، لن تسمح لهم قوة "حزب الله" بالحكم، وهذا العراق خير دليل: فازت القوى المطالبة بحل الميليشيات الموالية لإيران بغالبية مئتين من مقاعد البرلمان البالغ عددها 329، فقامت إيران بعرقلة تشكيل حكومة غالبية بكل الوسائل، بما في ذلك العنف، وعمدت إلى تسليح معارضي الكتل السنية لتقويض نفوذها في مناطقها، ومارست العنف بحق "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، بما في ذلك في استهداف بيوت قادته بصواريخ بالستية انطلقت من داخل إيران، لثني الحزب عن المشاركة في الغالبية البرلمانية القائمة.

هكذا سيكون الحال في لبنان لو فاز المستقلون بالغالبية. سيفرض "حزب الله" رأيه عليهم، وأن لم يذعنوا، فبكواتم الصوت وغيرها من أساليب العنف إلى أن ينال مراده.

ولأن للعنف، لا للغالبية الشعبية أو البرلمانية، كلمة الحسم في سياسات لبنان وشؤونه، لا بد من اختيار من يعارضون نظام إيران ويمكنهم في نفس الوقت التصدي لعنف "حزب الله". في هذا السياق، لم يعد من الصامدين بوجه الميليشيا اللبنانية الموالية لإيران إلّا "القوات اللبنانية"، وهو ما يفسر حملات التشنيع التي يشنها "حزب الله" ضد القوات وزعيمها، بما في ذلك محاولة اغتيال نجا منها. حتى دروز جنبلاط، المعروفون ببأسهم القتالي، انهزموا أمام "حزب الله" في "غزوة 7 أيار" عام 2008.

قواعد اللعبة القائمة في لبنان لا تسمح لخيار ثالث، بل تفرض الاختيار بين السيء والأسوأ، وهو ما يشجع الناخبين على الإحجام عن الانتخابات ومقاطعتها، وهذا خياري، لا لأني أرى أنه من غير الأخلاقي لي المشاركة في اتخاذ قرارات تتعلق بشعب ولا تؤثر في مصالحي أو مستقبلي، بل لأني حتى لو كنت لاأزال مواطنا لبنانيا مقيما في لبنان، لرأيت أن "حزب الله" يتمتع بقوة كافية لفرض رأيه في حال فاز بالغالبية أو لم يفز بها، فما الحاجة للاقتراع؟

على أني لو قررت المشاركة، لاخترت التحالف المناوئ لحزب الله، أي "القوات اللبنانية" المسيحية وحليفها "الحزب التقدمي الاشتراكي" الدرزي، ومعهما اللائحة السنية التي يديرها رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة باسم عائلة الحريري الغائبة فعليا والحاضرة شعبيا. أما في المناطق التي لا يترشح فيها مرشحون لهؤلاء، فلا بأس من انتخاب المرشحين المستقلين، مثل الشيعة المعارضين للثنائي "حزب الله" و"حركة أمل" في جنوب لبنان وبقاعه.

ثار بعض أصدقائي عندما سمعوني أدعو الى تأييد القوات والاشتراكي والسنيورة، وردوا أن الثلاثة هم جزء من الزمرة الحاكمة منذ الثمانينات على الأقل، وأن أول اثنين أيديهم ملطخة بدماء الحرب الأهلية، وأن ثاني اثنين متورطان في صفقات فساد واسعة، وكل هذا صحيح.

لكن شتّان بين العواطف والوقائع. في عالم مثالي، كان الخيار محسوما للوجوه الجديدة ضد أصحاب التاريخ السيء. لكن في لبنان، الخيار هو بين السيء، أي التحالف المناوئ لـ"حزب الله"، والأسوأ، أي "حزب الله" نفسه وتحالفه.

لو كنت ناخبا في لبنان لبقيت في منزلي لإدراكي أن "حزب الله" ينفرد في الحكم، وأنه أيّما كانت نتائج الانتخابات، سيفرض الحزب رئيسا للجمهورية اللبنانية في تشرين الأول أكتوبر من بين إثنين من حلفائه: إما سليمان فرنجية أو جبران باسيل. وسيبقى لبنان على حاله، مفلسا، مظلما، غارقا بالفقر والقمامة، وبلا أمل. 

لكني لو كنت ناخبا في لبنان ورأيت في الانتخابات السبيل الأخير المتاح للتعبير عن غضبي وإحباطي، لاخترت "القوات اللبنانية" و"الاشتراكي" والسنيورة والشيعة المعارضين للحزب، لا لأني أشكك بكفاءات الأصدقاء المرشحين ضد أحزاب السلطة والمعارضة كافة، بلا لأني أشك بقدرتهم على التغيير حتى لو فازوا بالغالبية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق