الثلاثاء، 14 يونيو 2022

الديمقراطية في أيدي العرب كارثة

حسين عبدالحسين

بعدما تم الدوس على كل عناصر الديمقراطية في العراق، يستمر الجهل الدستوري المعزز بجهل المحكمة العليا، والذي كان آخره السماح لمجلس النوّاب بالتشريع حتى بدون انتخاب رئيس جمهورية أو اختيار رئيس للحكومة. ومثل في العراق، كذلك في لبنان، بدا الجهل بأصول الديمقراطية والدبلوماسية فاقعا حتى بين النخبة التغييرية التي دخلت مجلس النواب منتصف الشهر الماضي.

في برلمانات العالم دورتي انعقاد، واحدة انتخابية وثانية تشريعية. الدورة الانتخابية هي التي تتضمن قسم اليمين وانتخاب الرئيس ونوابه ورؤساء اللجان وأعضائها، فضلا عن انتخاب رئيس الجمهورية، أو اختيار الحكومة بحسب طبيعة النظام. 

لكن في العراق، نجح النظام الإيراني، عن طريق موالين له، بتحويل الغالبية المطلوبة للحكم، أي نصف زائد واحد، إلى غالبية الثلثين المطلوبة عادة لشؤون أساسية مثل تعديل الدستور أو النظام الداخلي، وهو ما جعل من المتعذر على البرلمان العراقي الانعقاد بغالبية بسيطة لانتخاب رئيس جمهورية واختيار رئيس حكومة، وهو ما صار يعني فعليا أن الحكم في العراق يتطلب غالبية ثلثين بدلا من غالبية النصف، وهو ما يجافي مبدأ الديموقراطية بأكمله.

ثم بعدما خرّبت طهران والمحكمة العراقية أبسط متطلبات الديمقراطية المبنية على حكم الغالبية البسيطة، أمعنت الأحزاب العراقية على أنواعها في عملية تدمير الديمقراطية بالسماح بانعقاد البرلمان للتشريع حتى بدون انتخاب رئيس جمهورية. ولا يجوز التشريع في فترة انعقاد الانتخاب، ولكن الأحزاب العراقية لا تهتم، فمضت بالتشريع في غياب سلطة تنفيذية، أي في ظل رئيس جمهورية منتهية ولايته وحكومة تصريف أعمال محظور عليها عقد اجتماعات. 

ولأن التشريعات تتطلب توقيع السلطة التنفيذية، أي رئيس الجمهورية، صارت القوانين الصادرة عن البرلمان العراقي في الأسابيع الأخيرة قوانين تنتظر توقيع رئيس منتهية ولايته، ولكن لا يبدو أن ذلك أثنى العراقيين عن التشريع في فترة الانعقاد الانتخابية أو في غياب رئيس أصيل.

أما مضمون التشريعات التي أصدرها مجلس النواب العراقي، فكارثة أكبر من تجاوز أصول الانعقاد وتشكيل الدولة. أول التشريعات كان "قانون تجريم التطبيع مع إسرائيل"، وهو قانون يهدد بالسجن المؤبد أو الإعدام كل عراقي يروج "للصهيونية أو الماسونية"، أو يتواصل مع إسرائيليين، عبر وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي. هذا يعني أن أي عراقي يكتب مقالة في جريدة يدعو فيها لسلام بين العراق وإسرائيل يعرّض نفسه لخطر الاعدام. أما الماسونية، فإضافتها الى الصهيونية تظهر مدى الضحالة المعرفية والفكرية لدى المشرعين العراقيين. 

كما أن القانون العراقي ضد إسرائيل يعرّض حياة ملايين العراقيين، ومنهم مواطنون أميركيون، من مغبة التواصل مع أوروبيين أو أميركيين من أصحاب الجنسية الإسرائيلية، ويهدد الشركات الدولية العاملة في العراق من احتمال مصادرة أصولها وطردها في حال كانت لها أعمال في إسرائيل، وهو ما يعني مثلا أن كل شركات السيارات العالمية التي تبيع سياراتها في إسرائيل لن تعود قادرة على بيع سياراتها في العراق.

ولم يكتف المشرعون العراقيون بتدمير أصول الديمقراطية وتقديم تشريعات فاشلة، بل تناقل الإعلام العراقي تقارير مفادها أنه في ظل استحالة انتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة جديدة، تسعى القوى العراقية في البرلمان إلى التمديد لحكومة تصريف الأعمال لمدة عام أو عامين تشرف فيها على إقامة انتخابات مبكرة. 
بغض النظر عن هرطقة "التمديد للحكومة"، تبدو السذاجة جلية في اعتقاد أن الانتخابات المبكرة ستؤدي إلى قيام غالبية الثلثين حتى تحكم. المشكلة في العراق هي أن المحكمة العليا عطّلت الديمقراطية بشكل دائم، بعد قولها أن الغالبية للحكم تتطلب نصاب الثلثين بدلا من النصف زائد واحد.

لبنان، الأعرق في العمل البرلماني، بدا كالعراق في انعدام الثقافة المطلوبة للديمقراطية إذ قامت نائبة في البرلمان بمطالبة رئيسه بتشريع قانون يفرض على الحكومة أن حدود لبنان البحرية مع إسرائيل هي الخط 29. لحسن الحظ، بدا رئيس البرلمان نبيه بري محنكا في العمل البرلماني ورد بالقول إن البرلمان لا يمكنه التشريع قبل اتمام إعادة تشكيل نفسه.

أما النقاش حول حدود لبنان البحرية مع إسرائيل فعكس ضحالة لبنانية تضاهي العراقية، إذ برزت طائفة بقيادة "كتلة النواب التغييريين"، تنادي بتعديل مرسوم لبناني ينص على أن حدود لبنان البحرية مع إسرائيل هي الخط 29، وكأن المشكلة هي داخلية لبنان، وحلّها يتطلب مراسيم أو قوانين. 

لبنان في حالة نزاع حدودي مع جارتيه إسرائيل وسوريا، وهو ما دفع بمجلس الأمن في الأمم المتحدة الى إصدار القرار 1680 لفرض ترسيم الحدود بين لبنان سوريا، وبعده القرار 1701 الذي يفرض ترسيم الحدود مع إسرائيل كذلك. ولأن الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل متنازع عليها، ولأن الحدود البحرية مبنية إلى حد بعيد على تحديد النقطة التي تلتقي فيها اليابسة بالمياه، ولأن هذه النقطة غير متفق عليها، أصبح ترسيم حدود لبنان البرية مع إسرائيل كمقدمة لتحديد الخط البحري بينهما، متعذرا.

مسألة ترسيم حدود لبنان مع إسرائيل يتطلب موافقة إسرائيل والاعتراف الدولي بالاتفاق، أو الذهاب إلى تحكيم دولي إن تعذر الاتفاق ثنائيا، ويعمد كل من الطرفين إلى تقديم كل الحجج المتوفرة لديه أمام التحكيم لإثبات ملكيته للأجزاء المتنازع عليها. كيف يؤثر مرسوم لبناني في موضوع دولي؟

هؤلاء اللبنانيون والعراقيون، لا يأبهون كثيرا للأصول الدستورية والدبلوماسية بقدر هوسهم بالشعبوية والصراخ والمزايدة وإثارة العواطف، وهذا أسلوب للأسف يشمل الحكام ومعارضيهم، وهو الأسلوب الذي يبقي لبنان والعراق، ودول عربية كثيرة، في دوامة الانهيار المتواصل بلا نهاية.

هذه المقالة لا تروّج للطغيان كبديل للديمقراطية، ولكنها تسعى إلى تذكير العراقيين واللبنانيين أن قيام الديموقراطية يتطلب: انتشار ثقافة الديمقراطية بين الناس أولا. كيف السبيل إلى ذلك؟ 

"لو كان الجهل رجلا لقتلته"، بالاستعارة من الإمام علي بن أبي طالب وتعديل مقولته عن الفقر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق