الثلاثاء، 30 أغسطس 2022

لم يخال اللبنانيون أنفسهم محور اهتمام العالم؟

حسين عبدالحسين

تحفل نشرات الاخبار اللبنانية والحوارات المتلفزة بتكهنات حول ما يريده "الإيراني" أو "الأميركي" أو "السعودي" في لبنان، وحول "كلمة السر" المطلوبة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية أو تشكيل حكومة.

كما يعكف اللبنانيون على ربط شؤونهم بالتطورات العالمية، مثل أن مصير لبنان مرتبط بالمفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، أو أن إسرائيل تتربص شرا لاحتلال لبنان لو أتيحت لها فرصة للسيطرة على ثرواته المتخيلة، أو أن الغرب يتحين الفرصة ليعيد فرض انتدابه، أو أن مجلس الأمن يقف خلف الباب في انتظار إشارة بطريرك الموارنة، بشارة الراعي، حتى يعلن لبنان دولة فاشلة ويضعه تحت الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة.

كل السيناريوهات أعلاه هي محض خيال، مصدرها ملل وثرثرة لا قيمة لهما. للبنان دور إقليمي يتيم: يستخدمه "الحرس الثوري" الإيراني كقاعدة صاروخية مسلطة فوق رأس إسرائيل. والصواريخ الإيرانية في لبنان ليست لتحرير فلسطين، على ما يتخيل زعيم "حزب الله"، حسن نصرالله، بل لإقامة توازن إيراني مع إسرائيل لثني الأخيرة عن توجيه أي ضربات عسكرية داخل إيران لتدمير أو تأخير أو عرقلة برنامج التسلح النووي الإيراني.

لبنان مفيد أيضا للحرس الثوري الإيراني، كما للمافيات والعصابات العالمية العابرة للحدود من موسكو إلى ريو دي جينيرو، لاستخدامه لتبييض الأموال، أو لتخطيط وتمويل عمليات إرهابية حول العالم، أو لاستخدام اللبنانيين لبسط نفوذ إيران في سوريا والعراق واليمن.

عدا عن استباحة إيران للبنان، واستخدامه كأداة لتصفية حسابات طهران مع خصومها الدوليين، لا تقيم أي دولة للبنان حسابا، ولا تهتم لشؤونه أو لهوية من يترأسه أو يترأس حكومته. قد يحاول بعض القادة الدوليين، من أمثال رئيس فرنسا، إيمانويل ماكرون، أن "يكاري على ظهر لبنان"، حسب التعبير اللبناني، بمعنى أن يستخدم لبنان لخدمة أغراض فرنسا وسياساتها. 

في هذا السياق، حاول ماكرون التظاهر وكأنه يقنع اللبنانيين بـ "الشراكة مع حزب الله"، على أمل أن تحمل طهران جميلا لماكرون وتبقي له على عقد شركة "توتال" العملاقة للطاقة لتطوير حقل بارس الجنوبي الإيراني، والبالغة قيمته خمسة مليار دولار، وأن تواصل المضي في عقد شراء إيران طائرات إيرباص الأوروبية بإجمالي 30 مليار دولار. وكانت الشركتان عمدتا إلى تجميد عقديهما مع إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية وإعادة فرض العقوبات الأميركية عليها.

عدا عن إيران وفرنسا اللتين تسعيان لاستخدام لبنان المتلاشي لمصالحهما، لا تهتم أي عاصمة من عواصم العالم بلبنان أو أي من شؤونه. 

إسرائيل لا تهتم لمن يحكم لبنان أو كيف. إسرائيل تسعى لسلام مع لبنان لدرجة أنها حاولت فرضه في 1983. لكن إلى أن يأتي السلام بين البلدين، تتعامل إسرائيل مع لبنان على أنه ساحة حرب مع إيران، وتتحسب لتحويله إلى كومة من الركام في حال اندلاع مواجهة عسكرية.

إسرائيل تعرف أن "حزب الله" سيتسبب لها بـ "أنف نازف"، حسب التعبير الأميركي، أي أن الحزب اللبناني سيوقع بعض الأذى بإسرائيل. لكن الأذى الذي ستوقعه إسرائيل بلبنان سيكون ساحقا ماحقا، وهو ما يثني الحزب عن أي مغامرات من هذا النوع (على الرغم من العنتريات الكلامية)، خصوصا أن في أي حرب مستقبلية، لن تتدفق الأموال الخليجية على لبنان لبلسمة جراحه وإعادة إعماره كما بعد حرب 2006. 

هذه هي الصورة الدولية والإقليمية تجاه لبنان: تعب من شؤونه وشجونه وفرقة الزجل والمرتزقة التي تديره. 

الخليج، كما باقي العالم، توصّل لنتيجة مفادها أن الوسيلة الأفضل للتعامل مع لبنان هي نسيانه والتظاهر أنه غير موجود، فسقطت ورقة التوت التي كانت تستر عورة اللبنانيين، وصاروا دولة فاشلة بلا مساعدات، ولا احترام، ولا حتى شفقة من الأشقاء العرب.

ولأن لبنان صار دولة فاشلة، فهو استدعى المساعدة الضرورية التي تقدمها الولايات المتحدة للدول من هذا النوع في سبيل حماية النظام العالمي من الانهيار الشامل. 

هكذا، بعدما كان لبنان في طليعة اهتمامات الولايات المتحدة كنموذج لنشر الديمقراطية، منتصف العقد الأول من هذا القرن، تحولت سياسة واشنطن تجاههه اليوم الى "إدارة الأزمة"، وهي سياسة مبنية على ثلاثة أعمدة.

الأول، هو تزويد البحرية اللبنانية بزوارق بحرية كافية لمنع خروج البؤساء منه إلى أوروبا والعالم، وهو ما أدى حتى الآن لانقلاب زورقين ووقوع ضحايا. العمود الثاني للسياسة الأميركية هو تسديد رواتب الجيش اللبناني للحفاظ على الحد الأدنى من الأمن. أما الثالث، فتمويل "برنامج الغذاء العالمي"، التابع للأمم المتحدة، حتى يزوّد اللبنانيين واللاجئين بالطعام للوقاية من اندلاع مجاعة.

سياسة القوة العظمى الوحيدة في العالم هي شفقة على لبنان، وإدارة أزمة، ولا أوهام لدى واشنطن أن أي من المهرجين اللبنانيين، ممن يسمون أنفسم سياسيين، قادرون على إدارة لبنان أو إخراجه من مأزقه.

لبنان سيبقى على هذا الشكل المتلاشي حتى يزول نفوذ إيران الذي يمسك به من رقبته. أما زوال النفوذ الإيراني، فالأرجح أنه يعتمد على ضعضعة في النظام تلي رحيل "مرشد الجمهورية"، علي خامنئي، البالغ من العمر 87 عاما، وإمكانية اندلاع صراع بين الأجنحة على الخلافة، وهو صراع قد لا ينتهي ولكنه سينهي حتما الكابوس الذي تفرضه طهران على لبنان والمنطقة منذ عام 1979.

لا اهتمام عالمي أو اقليمي بلبنان. كل النقاشات اللبنانية هي من باب الثرثرة، يتداولها لبنانيون تحولوا من كونهم طليعة المنطقة والعالم إلى شعب لا يعرف كيف يحكم نفسه، ولا كيف يقرأ السياسة الإقليمية أو الدولية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق