الثلاثاء، 29 نوفمبر 2022

قطر والسعودية وصورة العرب والمسلمين

حسين عبدالحسين

بالتزامن مع استضافتها كأس العالم لكرة القدم، أطلقت الدوحة حملة إعلامية ضخمة تضمنت دعايات بين شوطي المباريات المختلفة لتسويق قطر كوجهة سياحية ومركز أعمال وأموال، فضلا عن دعايات حول مشاريع وبرامج ”مؤسسة قطر“ وأخواتها.

كما أوعزت قطر للمستفيدين من مخصصاتها، بمن فيهم دكاترة من الجامعات الأميركية المرموقة الستة التي تمولها الدوحة وتستضيف فروعا لها، ومعهم كتّاب الأعمدة الأجانب والعرب، لنشر مقالات في الإعلام الغربي والعربي حملت عناوين تتراوح بين ”شكرا قطر“ و“فخورون بقطر“. حتى حركة حماس الفلسطينية في قطاع غزة أرسلت أطفال المدارس إلى الشوراع وهم يحملون العلم القطري ويلوحون بلوحات كتبوا عليها ”نحبك يا قطر“.

لا عتب على قيام قطر بتسويق نفسها. العتب هو في الصورة النمطية التي تحاول قطر تعميمها حول العرب والمسلمين، الذين تحاول اقناعهم أن استضافة قطر كأس العالم هي صورة إيجابية عنهم، وأن عليهم أن يفخروا بحكومة الدوحة وقادتها، وأن يهللوا لها وللصورة التي تبثها عن نفسها وعنهم.

مشكلة أن تعتقد قطر أن بثّ مشاهد افتتاح كأس العالم، التي تصدرها الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة ونجله الأمير الحاكم الشيخ تميم بن حمد، ؤا داخل منازل خمسة مليار بشري، هي مشاهد تندرج تحت خانة” تحسين صورة العرب والمسلمين“. ما الإيجابية في هذه الصورة؟ أن العالم العربي تحكمه مشيخات وراثية؟ ما النموذج الذي تحاول الدوحة تقديمه للعالم؟ إنفاق ربع ترليون دولار من عائدات مبيعات الغاز القطري لشراء لحظات مجد عابرة في استضافة البطولة وافتتاحها؟

لم يتأخر الواقع عن الصورة الوهمية للعظمة القطرية، اذ لم تمض ساعات حتى قدم المنتخب القطري عرضا مزريا في كرة القدم وخسر أمام ضيفيه الإكوادوري والسنغالي، هذا على الرغم من أن الدوحة أنفقت أموالا طائلة لبناء منتخبها، وتجنيس سودانيين وعراقيين وجزائريين وغانيين للعب في فريق باهت. صورة عظمة أميري قطر شيء، وضعف قطر رياضيا شيء آخر.

أما عن تسامح العرب والمسلمين الذي حاولت قطر تعميمه على البشرية، فهي قامت بتعميم عكس ذلك تماما. قضية منع الكحول في الملاعب أظهرت أن قطر ما تزال متأخرة عن دول العالم بإصرارها على هندسة التصرفات الاجتماعية في المساحات العامة، متجاهلة أن الحرية الفردية هي حجر الزاوية للدول المتسامحة.

ثم جاءت قضية رهاب المثلية الجنسية التي تعاني منها قطر. حاول قادة منتخبات أوروبية ارتداء شارة تأييد حرية المثلية، لكن الفيفا فرضت عليهم التراجع. قائد فرنسا هوغو لوريس قال أنه لم يتحمس لفكرة ارتداء شارة تأييد حقوق المثليين لأنه يعتقد أنه عندما يكون في ضيافة دول ما، عليه احترام تقاليد هذه الدول. هذه بالضبط هي المشكلة. تخال بعض الدول أن تقاليد الغالبية فيها تسمح لها بتنظيم حياة البشر الشخصية، إن المثلية، أو ممارسة الجنس خارج الزواج، أو احتساء الكحول. في المحصلة، بثّت قطر للعالم صورة مفادها أن بعض الدول العربية والإسلامية لا تمنح الأفراد حرياتهم، بل تقيدها وتفرض عليهم التزام تقاليد أو أديان معينة دون أخرى.

على أن مفارقة قطر وكأس العالم تكمن في أن الدوحة أنفقت ربع ترليون دولار حتى يتباهى العرب والمسلمون بها، ثم تباهى العرب والمسلمون بالسعودية، التي حقق منتخبها مفاجئة مدوية بانتصاره على الأرجنتين، أحد أعرق منتخبات العالم. لا مجنسين في المنتخب السعودي، الذي شارك للمرة السادسة في تاريخه في البطولة الدولية، مقارنة بنظيره القطري، الذي كلفت مشاركته الأولى في تاريخه ربع ترليون دولار.

الانتصار السعودي جاء في وقت تعيش الرياض في سباق مع الزمن لمنح السعوديين، والمقيمين، والسياح حرياتهم الفردية، وترسيخ أن السعودية دول معتدلة، متسامحة، لا تهندس المجتمع، ولا تفرض دينا على الناس، ولا تمانع تعدد الأديان، والأفكار، والآراء، والمذاهب، والأعراق.

لا توجد قبيلة أو شعب أو دين أو أمة متجانسة في العالم يتطابق أفرادها في كيفية العبادة، أو المعتقد، أو التصرف، أو الأهواء. حتى في قطر الصغيرة نفسها، تنقسم الآراء بين قطريين يعتقدون أن الدين لله والوطن للجميع، وقطريين من المتطرفين ممن يخالون أن الدولة الفاضلة هي التي قامت في زمن الرسول وخلفائه الراشدين، وأن رخاء الانسانية يكمن في إعادة إحيائها. 

الصورة التي كان الحري بقطر أن تبثها للعالم عن العرب والمسلمين هي أن شعب وحكام قطر (وشعوب العرب والمسلمين) يدركون أن دور الحكومات هو إدارة الدولة وسياساتها، وتنظيم الحياة العامة حصرا، لا هندسة المجتمع وتصرفات الأفراد، وأن لكل فرد رأي ومعتقد وذوق يختلف عن الفرد الآخر، بعضنا من مثليي الجنس، وبعضنا الآخر ممن لا تستهويهم المثلية. بعضنا من يؤمن بالله والرسول واليوم الآخر، وبعضنا من يراها أساطير الأقدمين. بعضنا من يؤمن بأن المسيح لم يُصلب، وبعضنا الآخر ممن يعتقده المخلص الذي افتدى خطايا البشر بموته على الصليب وقيامته من الموت. بعضنا ينسب نفسه لموسى وداود ومملكة إسرائيل، وبعضنا الآخر ممن يرى أن ديانة اليهود تحريف للتوحيد. بعضنا يتمنى زوال دولة إسرائيل وقيام دولة فلسطين بدلا منها، وبعضنا الآخر ممن يرى أن إسرائيل في ثنايا العرب دليل على قبول التنوع وفرصة للإفادة من علوم الآخرين وتقدمهم. 

لم تبث قطر الى العالم أي من صور التسامح المذكورة أعلاه، بل بثت لهم أمراض العرب والمسلمين المزمنة. الحاكم شيخ ابن شيخ، والمحكوم مغلوب على أمره يهلل، والمجتمع يمسكه الدجّالون من رجال الدين بإسم الحاكم وإطالة حكمه. هذه ليست صورة تستأهل انفاق ربع ترليون دولار لتعميمها على البشرية، بل هو واقع كان على قطر استثمار كل هذه الأموال لتغييره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق