الثلاثاء، 20 ديسمبر 2022

السعودية لسلام مع إسرائيل والفلسطينيون لكفاح مسلح

حسين عبدالحسين

سجّل الموقع الإنكليزي لقناة العربية السعودية سابقة بإجرائه مقابلة مع رئيس حكومة إسرائيل المنتخب بنيامين نتانياهو. ومع أن موقع القناة حرص على اخفاء هوية السائلين، ربما لحمايتهم من العواقب قانونية في الدول العربية التي تطبق القوانين البائدة لمقاطعة إسرائيل، إلا أن مقابلة وسيلة إعلام سعودية لرئيس حكومة إسرائيلي يؤشر الى رغبة سعودية في التوصل لسلام مع الدولة العبرية. وفي ختام المقابلة، تمنى نتانياهو الموفقية للسعودية.

حاول محاورو نتانياهو معرفة موقفه من مبادرة بيروت العربية للسلام، والتي تقضي بانسحاب إسرائيل من كل الأراضي العربية، أي الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان السورية، مقابل سلام شامل بين كل حكومة عربية ودولة إسرائيل. يوم أقرّت جامعة الدول العربية بالإجماع في 2002، نسف محور الرفض والشقاء والممانعة المبادرة بتضمينها بند عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل، لا إلى فلسطين المزمع قيامها. وربما لعلمهم أنها ولدت ميتة، سأل صحفيو العربية نتانياهو إن كان يوافق على اعتبار المبادرة منطلقا لمفاوضات سلام جديدة، وذكّروه أن السعودية كررت أنها لن توقع سلاما قبل قيام دولة فلسطينية.

أبدى نتانياهو مرونة عالية، واعتبر كل المواضيع، مثل ترسيم الحدود مع الفلسطينيين أو مع لبنان، تفاصيل صغيرة. المهم، حسب نتانياهو، هو اعتراف الفلسطينيين بدولة إسرائيل. لكن "منظمة التحرير الفلسطينية" سبق أن اعترفت بإسرائيل. 

ما لم يقله نتانياهو صراحة هو أن الاعتراف الفلسطيني الذي تنشده إسرائيل من الفلسطينيين، والعرب عموما، هو الاعتراف بأن إسرائيل دولة يهودية، أو أن السيادة تبقى في أيدي اليهود في دولة إسرائيل. هذا هو الهدف الأساس للصهيونية أصلا: سيادة يهودية وعدم تسليم مصير اليهود لأي كان من غير اليهود بسبب تجارب الاضطهاد التي عاشها اليهود على مدى الألفيتين التي فصلت بين طرد الرومان لهم من القدس وحوض الأردن، وإعلان قيام دولة إسرائيل في 1948.

اعتراف العرب بالسيادة اليهودية يعني أن يتخلى العرب عن حلم أن يصبح عدد العرب الإسرائيليين، الحاليين واللاجئين الذي يطالب الفلسطينيون بعودتهم، أكثرية سكانية في إسرائيل. وقتذاك يمكن للعرب انتزاع السيادة في إسرائيل من أيدي اليهود، وتحويلها الى دولة فلسطين. ربما يعتقد بعض العرب أن حلمهم هذا سر، لكن إسرائيل تعرفه منذ يوم تأسيسها، وتعتبر أن لا سلام بدون اعتراف الفلسطينيين بالسيادة اليهودية، وأنه لا يمكن للفلسطينيين استخدام عودة اللاجئين كحصان طراودة لتقويض هذه السيادة.

بعض العرب من غير الفلسطينيين، كما في السعودية، يبدو أنهم صاروا يدركون عبثية الإصرار على سيادة عربية في إسرائيل تتحكم باليهود، وصاروا يعرفون أن العناد الفلسطيني لا يؤدي إلا إلى تأخير العرب، واعاقة نموهم اقتصاديا، وفكريا، واجتماعيا فحسب، بل يؤخر اندماجهم في الاقتصاد العالمي وسباقهم للحصول على حصة من هذا الاقتصاد المبني على المعرفة.

الفلسطينيون وحدهم لا يبدو أنهم يعرفون، أو يكترثون، لتخلّف العرب عن العالم. ويبدو أن هؤلاء يصرّون على ما كان أساسيا في الماضي وصار اليوم ثانويا، مثل ملكية الأرض والسيادة عليها، في وقت صارت اقتصادات المعرفة، التي لا تعرف حدودا، هي سر العيش الكريم للشعوب.

وفي وقت كانت السعودية تحرك مياه السلام الراكدة، كان الفلسطينيون يعيشون أوهام الوحدة العربية والالتفاف العربي المزعوم حول فلسطين في انتصارات منتخب المغرب في كأس العالم لكرة القدم في قطر.

ولأن الفلسطينيين يعيشون في عالم أوهامهم، أظهرت استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية أن 55 في المئة منهم ترى أن مواجهة إسرائيل عسكريا والانتفاضة هما الحل الوحيد لكسر الجمود القائم، فيما أعرب 66 في المئة من الفلسطينيين عن معارضتهم حل الدولتين، على عكس ما تعلن منظمة التحرير والسلطة الفلسطينيتين. وكان لافتا، أنه على عكس ما يعلن فلسطينيو أميركا، الذين ينصبون أنفسهم ناطقين باسم الفلسطينيين، يرفض 71 في المئة من فلسطينيي الضفة وغزة دولة واحدة ثنائية القومية للعرب واليهود.

رفض غالبية الفلسطينيين لحل الدولتين وللدولة الواحدة الثنائية القومية، وتأييدها للكفاح المسلح والانتفاضة ضد إسرائيل، كلها تشي بأن الغالبية الفلسطينية تتمسك بالموقف الفلسطيني الأقدم، والقائل بمحاربة اليهود حتى طردهم واسترداد "كامل التراب" من النهر إلى البحر. 

من حق الفلسطينيين أن يتمسكوا بتدمير إسرائيل عسكريا وإقامة دولة فلسطين على "كامل التراب"، فهذا رأيهم وهذا مستقبلهم. لكن ليس من حق الفلسطينيين الطلب إلى باقي العرب والعالم الاصطفاف خلف مشروعهم الواهم، الغارق في الموت والدم والأسى، بلا نتائج واضحة ولا جدول زمني منظور. ما يريده هؤلاء الفلسطينيون هو صراع أجيال.

لكن من حق العرب أيضا أن لا يشاركوا الفلسطينيين هذه الأوهام الانتحارية، وأن يطلبوا خططا يمكن تحقيق أهدافها في فترة قصيرة، لا على مدى عصور، لأن الجسم العربي سيبقى مريضا طالما بقيت الأمور على ما هي عليه، وهو ما يضع العرب، مكرهين، أمام خيارين: إما البقاء في الشقاء، أو بتر العضو المريض للتعافي بدونه.

مصر والأردن والبحرين والإمارات والسودان والمغرب كلها بترت العضو المريض باختيارها مصلحتها القومية على أوهام وأحلام تدمير إسرائيل. السعودية، بدورها، تبدو ماضية في الطريق نفسه. 

طبعا لا تسعى السعودية لسلام مع إسرائيل لتؤذي الفلسطينيين، لكنها تسعى لسلام هو في مصلحة السعوديين، فإن انتصح الفلسطينيون ووافقوا على حلول معقولة تنهي شقائهم، وإن بدون سيادتهم على "كامل التراب"، يمكن انتظارهم أسابيع أم أشهر. أما إذا تمسكت الغالبية الفلسطينية بصراع الأجيال، كما هو الوضع حاليا، فلكل طريقه وخياراته التي تناسب مصالح ناسه وشعبه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق