الاثنين، 6 مارس 2023

عن ضرورة التعاون الإقليمي لمكافحة انتشار تجارة الكبتاغون

ناتالي إكانو وحسين عبدالحسين*
 
في وقت تتواصل الاضطرابات في الضفة الغربية، أحبطت وزارة الدفاع الإسرائيلية محاولة تهريب آلاف أقراص #الكبتاغون إلى قطاع غزة قبل أسابيع. الحبوب كانت مخبأة داخل شحنة ثلاجات مكاتب في طريقها من الضفة الغربية عندما استولت عليها قوات الأمن الإسرائيلية عند معبر ترقوميه الحدودي. شكّلت تلك الحادثة ايذاناً بأن المنطقة بأكملها لم تعد في منأى عن مخاطر تجارة الكبتاغون، التي لا تعرف حدوداً ولا تسير وفقاً لتحالفات أو عداوات.
 
الكبتاغون معروف بالعامية باسم "كوكايين الرجل الفقير"، وهو منشط من نوع الأمفيتامين يُنتَج بطريقة غير مشروعة في المشرق (بلاد الشام)، ويتم تهريبه أحياناً عبر الأردن إلى دول الخليج. وتجارة الكبتاغون هذه بدأت تتوسع خارج حدودها التقليدية، وراحت تتحوّل – ببطء ولكن بثبات – إلى مشكلة إقليمية تتطلب تدخلاً منسقًا أوسع من القائم حالياً بين الحكومات.
 
كان الكبتاغون في الأصل اسماً تجارياً لعقار قانوني يحتوي على الفينيثيلين ويتم وصفه لعلاج حالات مثل "النقص في الانتباه"، و"الإفراط في الحركة"، والاكتئاب. وبعدما حظر الفينيثيلين في الثمانينيات، تحوّلت عملية إنتاج الكبتاغون الى أقبية الظلام. منذ ذلك الوقت، انتشر إنتاج الكابتاغون المقلّد؛ وصارت حبوب اليوم شديدة الإدمان، تحمل القليل من التشابه الكيميائي، إن وجدت، مع سابقاتها.
 
اليوم، تتركز صناعة الكبتاغون في لبنان وسوريا، حيث أدت الحرب الأهلية، والانهيار المالي، وآثار العقوبات الأميركية والأوروبية إلى حاجة الحكومة السورية والميليشيات الموالية لإيران للسيولة النقدية. وفي خضم البحث عن مصادر جديدة للدخل، لجأ هؤلاء إلى إنتاج وبيع الكبتاغون، الذي أثبت أنه دجاجة تبيض ذهباً.
 
بيانات المضبوطات الإقليمية لعام 2021 تشير الى أن تجارة الكبتاغون تعدّت الـ 5.7 مليارات دولار، متجاوزة القيمة الإجمالية للصادرات السورية القانونية مجتمعة. وتوفر أرباح الكبتاغون شريان الحياة المالي لنظام الأسد، الذي يحتضر اقتصاديًا. ويعتقد المبعوث الأميركي الخاص السابق لسوريا جول رايبرن أنه، في ظل العقوبات المفروضة عليه، "سينهار نظام الأسد في حال خسر عائدات الكبتاغون".
 
تهريب الكبتاغون يتم بشكل أساسي من مراكز إنتاجه في سوريا ولبنان براً عبر الأردن، فجنوباً نحو الخليج، حيث تُشكل المملكة العربية السعودية أكبر سوق استهلاكي لهذا المخدر الفتّاك.
 
ويشكّل النطاق المتزايد، والتعقيد المتصاعد، لعمليات التهريب البري خطرًا أمنياً كبيراً على الأردن، وينذر بأزمة صحيّة عامة في عموم المملكة. وكانت السلطات الأردنية اعترضت، العام الماضي، أكثر من 54 مليون حبة كبتاغون. ومع حلول نيسان، صادرت هذه السلطات حبوبًا أكثر من التي صادرتها على مدى عام 2021. هكذا، دفع تصاعد عمليات التهريب السلطات الأردنية إلى تبني سياسة "إطلاق النار بهدف القتل" على طول الحدود السورية. وأدت مواجهة واحدة الى مقتل 27 مهرباً على الحدود بين البلدين.
 
توسُّع السوق الاستهلاكية للكبتاغون في الأردن أمر مثير للقلق، وهو ما دفع أمين عام المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأردني محمد النابلسي للقول: "اعتدنا أن نفخر بأن الأردن كان بلد عبور" للكبتاغون، لكنه للأسف صار الآن "بلداً مضيفاً" ومستهلكاً.
ويستهلك الشباب الأردني الحبوب التي تسبب الإدمان، والتي يقل سعرها عن باقي المخدرات. ويبدو أن قرار بيع هذا المخدر قرار استراتيجي اتخذه حلفاء إيران، بالنظر إلى ما يمكن أن تجنيه هذه الحبوب بين صفوف العاطلين عن العمل وشرائح من الشباب المحبطين إلى زيادة الطلب.
 
وكانت الولايات المتحدة قامت، في كانون الأول، بالمصادقة على تشريعات أقرّ بموجبها الكونغرس قانون مكافحة الكبتاغون، والذي يطلب من الحكومة تطوير استراتيجية مشتركة بين الوكالات الحكومية الأميركية المعنية "لإضعاف وتفكيك" تجارة الكبتاغون في المشرق.
 
ويمكن لإدارة الرئيس جو بايدن الإفادة من نماذج اتفاقيات إبراهيم للسلام لتطوير استراتيجية إقليمية لمكافحة تجارة الكبتاغون، ويمكن أن يشمل ذلك إنشاء غرف عمليات مشتركة لتطبيق القانون، وتبادل المعلومات من خارج الإنتربول، الذي عادت سوريا إليه في 2021. كما يمكن لمركز تدريب الشرطة الدولي في الأردن أن يتحوّل الى مركز متعدد الأطراف، يعمل على توفير الإحداثيات عن عمليات التهريب في وقت تحضيرها.
 
كما يمنح التهديد المشترك للكبتاغون إسرائيل والأردن سببًا لتعزيز السلام بينهما. وبما أن صناع السياسة الأميركيين يسعون لإشراك المملكة العربية السعودية في اتفاقيات إبراهيم للسلام، على واشنطن تذكير المنطقة بأن كلاً من إسرائيل والسعودية تهتمان بشدة باستقرار الأردن، وهو الاستقرار الذي قد تهدّده تجارة المخدرات هذه.
 
هذا يعني أنه على إدارة بايدن اتخاذ إجراءات إضافية للحد من إنتاج الكبتاغون والإتجار به، فمصادرة المخدرات في الأراضي الفلسطينية هو جرس إنذار مفاده أن مخالب الكبتاغون توسّع نفوذها، وأنه حان الوقت لإدارة بايدن لاتخاذ إجراءات صارمة لمواجهته.
 
في منطقة الشرق الأوسط، تتداخل السياسات، وتتقلب التحالفات، ويتحوّل الأصدقاء أعداء في ملفات، فيما يتحوّل الأعداء أصدقاء في ملفات أخرى. أما تجارة المخدرات، فهي غالبا ما تكون عابرة للدول، مؤذية للشعوب بأجمعها، وتتطلب تنسيقاً – حتى بين أعتى الخصوم – لوقفها والحدّ من مخاطرها، التي لا تترك أياً من الدول، القريبة أو البعيدة، في منأى عنها.
 
وسياسة إدارة الأزمات هذه هي السياسة التي تتبناها الإدارات الأميركية المتعاقبة في دول تراها صارت فاشلة أو مارقة، مثل سوريا ولبنان وأحياناً العراق. فتقوم واشنطن بالإشراف على سياسات معينة، مثل تمويل برامج "برنامج الغذاء العالمي" للحدّ من انتشار الجوع بين السكان، أو الإنفاق على القوى الأمنية اللبنانية.

في السياق نفسه، يمكن لواشنطن أن تعدّ برامج عابرة لحكومات الشرق الأوسط وعداواتها حتى تتمكّن من مكافحة آفات، مثل تجارة الكبتاغون، بغض النظر عمّن يدير الحكومات، اليوم أو مستقبلاً.
 

* باحثان في "مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات" في واشنطن 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق