الثلاثاء، 26 سبتمبر 2023

تغيير سياسة أميركا نحو إيران مقابل سلام السعودية مع إسرائيل

حسين عبدالحسين *

النهار


فضحت مقابلة ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان أشهرا من الدعاية التي شنتها إدارة الرئيس جو بايدن، خصوصا بقيادة المقرب منها المعلّق في صحيفة نيويورك تايمز توماس فريدمان، حول شروط وامكانية بدء عملية التطبيع بين المملكة العربية السعودية ودولة إسرائيل


فريق سياسة الشرق الأوسط في إدارة بايدن كان من معارضي اتفاقيات ابراهيم للسلام بين الامارات العربية المتحدة والبحرين، من جهة، وإسرائيل، من جهة ثانية، والتي تم توقيعها في آب اغسطس 2020، متبنيا خطاب الجناح التقدمي داخل الحزب الجمهوري والقائل أن السلام الثنائي بين أي دولة عربية وإسرائيل لا يمكن إلا أن يأتي على حساب الفلسطينيين ودولتهم المزمع إقامتها.


والمفارقة أن تقدميي الحزب الديموقراطي أنفسهم يمضون أيامهم، ليل نهار، وهم يعلنون معارضتهم للحروب والمواجهات وحتى الاستفزازات، وهم يرفضون حتى التلفظ بكلمةإرهابللدلالة على أي عنف تمارسه جهات غير حكومية، حتى انهم استبدلوا عبارةالحرب على الإرهاببعبارةمكافحة العنف المتطرف، وكأن العنف غير المتطرف مقبول. كذلك استنبط التقدميون عبارةخفض التصعيد، ومضوا يستخدمونها حيثما تيسر، في التعامل مع عنف الميليشيات العراقية الولائية لنظام إيران ضد حكومة العراق والمستشارين العسكريين الأميركيين، كذلك راحوا يستخدمونها في سوريا وفي العلاقة مع روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين.


وسط كل هذه السياسة الداعية لنبذ العنف، وخفض التصعيد، والحوار مع الأعداء، ورفض أي أحادية قطبية أميركية والإصرار على استبدالها بشراكات دولية، خصوصا عبر الأمم المتحدة، الى حد كادت الولايات المتحدة تقدم قرارا في الجمعية العامة للأمم المتحدة للتخلص من مفهوم العضوية الدائمة في مجلس الأمن (فيتو)، لولا انتفضت ضد إدارة بايدن روسيا والصين اللتان تمسكتا بهذه الصيغة التي تضعهما فوق باقي دول العالم


كل هذا التمسك لتقدميي الحزب الديموقراطي بالسلام، ثم يأتي السعوديون والإسرائيليون يطلبون وساطة لتطبيع بينهما، فتقوم إدارة بايدن بإلقاء ما امكنها من عراقيل في وجه هذا السلام المنشود. ولأن واشنطن هي الوسيط، فهي قامت بنقل صورة مغايرة عن موقف الطرفين السعودي والإسرائيلي الى بعضيهما البعض، وهو ما عرّته مقابلة ولي العهد السعودي، التي حازت على اهتمام غير مسبوق في العاصمة الأميركية، لأنها كانت من المرات النادرة التي يستمع فيها المعنيون في واشنطن الى سياسة السعودية مباشرة من فم صاحب هذه السياسة


تقدميو الديموقراطيين ينحاوزن لإيران ولا تعجبهم السعودية أو إسرائيل، ويبدو ذلك جليا من العلاقة الأميركية التي تتحسن الى حد الصداقة مع إيران، فيما تقارب الانهيار مع السعودية وإيران، في عهد الديموقراطيين. لهذا، قام فريق بايدن بفرض لائحة شروط على كل من الطرفين، السعودي والإسرائيلي، لإقامة السلام بينهما. عدد كبير من هذه الشروط لا يتعلق بالسلام أبدا.


مثلا، دأب فريدمانالذي يعارض حكومة إسرائيل وتعديلاتها القضائيةعلى كتابة أن السعودية ترفض التفاوض مع حكومة إسرائيلية يمينية على شكلة القائمة. على أن من يعلم العرف بين الدول يعلم أنه من غير اللائق على حكومة التدخل في شؤون نظيرتها، وهو ما أكده الأمير محمد بن سلمان في إجابته حول السؤال عن امكانية توقيعه سلام مع حكومة إسرائيل الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو ومشاركة حزبين من اليمين المتشدد بالقول أن أي معاهدة لن تكون بين أشخاص بل بين دولتين، وان التطبيع السعودي مع إسرائيل سيبقى قائما، بغض النظر عن هوية رئيس الحكومة والتحالف القائم. وهكذا، بدا أن فريق بايدن كاذب، وأن السعودية لم تشترط تغييرات في سياسات إسرائيل الداخلية أو في تشكيلة التحالف الحاكم من أجل التطبيع.


كذبة ثانية دأب فريق بايدن على بثّها وفندها ولي العهد السعودي في مقابلته مع الشبكة الأميركية كانت حول إصرار فريق بايدن أن السعودية لن توقع على أي تطبيع مع إسرائيل بدون قيام دولة فلسطينية على أراضي 1967. الأمير محمد لم يتفوه بكلمةدولة فلسطينية، ولا هو أشار الى أنه يتوقع حل كامل وشامل بين إسرائيل الفلسطينيين، فالأمير المحنّك يدرك أن قرابة نصف الفلسطينيين يوالون حماس، وأن الأخيرة ترفض السلام بكل أشكاله، وأن القضية التي لم تقو مبادرات السلام على مدى ٧٥ عاما على التوصل الى تسوية لها لن تتم تسويتها في 14 شهرا متبقية من عمر ولاية بايدن


حتى حكومة قطر، الأقرب الى قيادة حماس، مارست ضغوطا علة الحركة حتى تقوم بتعديل ميثاقها وتتبنى مبادرة بيروت العربية للسلام للعام 2002، والقائلة بتوقيع كل العرب سلام مع إسرائيل مقابل حل الدولتين. أقصى ما توصلت اليه الدوحة، في العام 2017، كان موقفا مبهما عدّلت فيه حماس ميثاقها لتعلن قبول قيام دولة فلسطينية على أراضي 1967، ولكن بدون اعترافها أبدا بإسرائيل، ومقابل هدنة في أحسن الأحوال. هذا يعني أن حل الدولتين خارج عن الإرادة العربية والدولية ما لم يجمع الفلسطينيون عليه، وهو أمر لا يلوح في الأفق


ولي العهد السعودي في عجلة من أمره في قيادته أكبر عملية تغيير في القرن، كما وصفها، وهو ما يتضمن سعيه لدفع السعودية من المركز الرابع عشر نحو السابع لأكبر اقتصادات العالم، وهذا بدوره يتطلبتصفير المشاكلفي العلاقات الدولية، وإقامة علاقات جيدة مع كل الأطراف، من إيران، الى نظام الرئيس السوري بشار الأسد، فإسرائيل.


لا بأس في أن يؤدي تطبيع السعودية مع إسرائيل الى مكاسب للفلسطينيين، فالرياض لديها رؤية 2030 للنهوض اقتصاديا، وهي مستعدة لدعم أي من حكومات الإقليم الراغبة في المضي في هذا الطريق، على أن تأتي هذه الرغبة في الاصلاح والنهوض من الحكومات نفسها، وهو ما لا تقوم بها الدول التي كانت السعودية تعيلها حتى الماضي القريب، بما فيها الفلسطينية واللبنانية.


والنهوض اقتصاديا يتطلب سلاما واستقرارا اقليميا، وهذا متعذر عند أنظمة تعتاش على النووي والحروب، وهنا بيت القصيد. ذهبت الرياض الى واشنطن لتبادل تغيير الديموقراطيين انحيازهم لإيران بتجديد مظلتهم الحمائية للسعودية وسحب اعترافهمبحق إيرانفي التخصيب النووي. في المقابل، يحصل بايدن على انجاز يقف بموجبه في منتصف صورة مصافحة سعودية إسرائيلية تاريخية، وهو ما يعزز حظوظه في اعادة انتخابه لولاية ثانية العام المقبل.


لكن بدلا من توافق إدارة بايدن على تغيير سياسة الحزب الديموقراطي تجاه إيران مقابل سلام سعودي إسرائيلي، مضت تعدّل في الاتفاقية لتفادي أي تعديلات على انحيازها لإيران، واستبدال ذلك بفرض تنازلات على السعوديين والإسرائيليين ترتبط بالفلسطينيين وسياسة إسرائيل الداخلية وتجاه الفلسطينيين. هكذا، حولت إدارة بايدن اتفاقية تطبيع بسيطة نحوميغا ديل، أي اتفاقية عملاقة، في وقت نعرف جميعا أن مفتاح التسويات هو في حصرها في مساحات ضيقة، وأن عرقلتها يكون بتحويلها الى صفقات عملاقة يصعب تلبية قوائم الشروط الطويلة فيها.


كرة التطبيع ليست في ملعبي السعودية ولا إسرائيل، فزعيمي البلدين بدا وكأنهما يتحدثان عن اقتراب اتفاقية التطبيع بينهما. الكرة في ملعب إدارة بايدن، التي لا تستسيغ صعود السعودية وإسرائيل بدون إيران، التي تقبع في القاع وتصر على البقاء فيه.


* باحث في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات في واشنطن