واشنطن - من حسين عبدالحسين
ويضاعف مشاكل الرئيس الاميركي، انهيار شعبية الحزب الديموقراطي المفاجئة داخليا، مما يطرح اسئلة جدية حول امكانية اعادة انتخابه لولاية ثانية، فيلوح في الافق شبح عودة الجمهوريين الى البيت الابيض، وعودة صقورهم تاليا الى السياسة الخارجية مع حلول العام 2012.
اول المدركين للارباك في قيادة اوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون للسياسة الخارجية، وزير دفاعه المخضرم - والصامت اغلب الاوقات - روبرت غايتس، الذي شن هجوما قاسيا على السياسة الخارجية، في محاضرة يوم الخميس الماضي في مركز نيكسون، ووصفها بانها «خليط من الترقيع، ومقيدة بشبكة معقدة من مراكز القوى، ونقص متواصل في الموارد، واجراءات غير عملية».
واضاف وزير الدفاع: «في هذه الاثناء، تقوم الدول الاخرى التي لا تعاني من ضعفنا باستغلال الموقف لتمويل مشاريع بسرعة، وبيع سلاح، وبناء علاقات».
كلام غايتس جاء وسط تصاعد الاصوات المشككة بمقدرة اوباما على فهم او التعاطي في السياسة الخارجية، فايران ماضية في تخصيبها النووي، ومسايرة روسيا بالتخلي عن الدرع الصاروخية الاميركية لم يحمل الروس على مساندة واشنطن في فرض عقوبات من شأنها ان «تشل النظام الايراني»، فيما الصين تعزز من علاقتها مع ايران.
«الراي» طلبت من ديبلوماسي رفيع سابق، من الديموقراطيين، تقديم تقييمه حول اتهامات غايتس للادارة الحالية بالفشل خارجيا، فضرب لنا مثالا بالاشارة الى استقبال واشنطن للدالاي لاما، منذ اقل من اسبوعين. وقال: «لم يستقبل اوباما زعيم التيبيت الروحي العام الماضي كي يربح صداقة الصين، فيما الصين ماضية في توقيع عقود نفطية جديدة مع ايران».
واضاف: «ثم عندما يقرر اوباما ان يستقبل منافس بكين في البيت الابيض، يستقبله باسلوب خجول ومرتبك، فيتغير مكان اللقاء من المكتب البيضاوي الى غرفة الخرائط، للدلالة على تراجع اهمية الاجتماع، ثم يلغي اوباما المؤتمر الصحافي المشترك الذي كان مقررا، ويخرج الدلاي لاما من الباب الخلفي من بين مستوعبات القمامة لتهريبه من اسئلة الصحافيين».
هكذا، يرى الديبلوماسي العتيق ان الرئيس الحالي «لم ينجح في كسب ود الصين، ولا صداقة منافسه، واغضب الطرفين، وهذا من اسوأ انواع الديبلوماسية التي تشهدها العاصمة الاميركية منذ عقود».
كذلك، يشمل فشل اوباما، باعترافه في مقابلة، تسرعه في تقديم مقاربة خاطئة للصراع الفلسطيني - الاسرائيلي، فهو ذهب الى القاهرة، و«وصف في خطابه الشهير المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية بغير الشرعية»، حسب الديبلوماسي.
ويضيف: «هذا بحد ذاته ليس خطأ، ولكن على اوباما ان يفهم اهمية اقران القول بالفعل، فعندما يهاجم المستوطنات، عليه ان يلوي ذراع اسرائيل كي يجبرها على ايقاف بنائها، ولكن ما حصل واقعا، هو ان موقف اوباما ظل خجولا، فاحرج (الرئيس الفلسطيني محمود) عباس الذي كان يفاوض (رئيس حكومة اسرائيل السابق ايهود) اولمرت حتى مع بناء مستوطنات، وصار عباس مجبرا على مقاطعة المفاوضات بعدما جعل اوباما من المستوطنات قضية كبيرة كلاميا، ولم يقرنها بخطة فعلية».
وتخبط سياسة اوباما مع روسيا والصين والصراع الفلسطيني - الاسرائيلي، يشبه ارتباكه وضعفه في معالجة الموضوع الايراني.
في هذا السياق، اكدت مصادر اميركية رفيعة للـ «الراي» ان النسخة المحدثة من «تخمين الاستخبارات القومية»، الذي صدر آخر مرة في العام 2007 واعتبر ان ايران اوقفت برنامج تسلحها النووي في العام 2003، ستصدر في الاسبوعين المقبلين، ولكن التقرير الجديد - على عكس السابق - «لن يرافقه ملخص لاطلاع العامة، بل سيظل سريا ومحظورا الاطلاع عليه الا من قبل كبار المسؤولين».
هنا، يعلق الديبلوماسي المتقاعد بالقول ان ابقاء التقرير الجديد سري، بطلب من ادارة اوباما، خطأ: «اذا كنت تريد بناء رأي عام مؤيد لمنع ايران من الحصول على السلاح النووي، عليك اشهار المعلومات الاستخباراتية التي بحوزتك».
والمتابع للنقاش، داخل الادارة وخارجها، حول كيفية التعاطي المطلوب مع ايران، لايمكنه الا ان يلاحظ تخبطا لا سابق له في العاصمة الاميركية، فـ «مجلس الامن القومي» يتحدث عن سياسة تجاه ايران، فتناقضه «وزارة الخارجية»، ثم يدخل الضباط الاميركيون الكبار على الخط، فيقول احدهم «ان خطة المواجهة جاهزة»، ويقول الاخر ان «اميركا لن تذهب الى حرب مع ايران ابدا».
حتى في الاعلام حيث التركيز على ايران، هناك تخبط مريع. صحيفة «واشنطن بوست» نشرت عددا من المقالات المتتالية الاسبوع الماضي، فطالب، يوم الاثنين، الباحث الاميركي من اصل ايراني رأي تقية بدعم الديبلوماسية بقوة عسكرية فعلية، حتى تنجح اميركا في مواجهة ايران، فيما كتب فريد زكريا، يوم الثلاثاء، ان سياسة الاحتواء من دون حرب هي الحل الانجح في التعاطي مع ايران، الا ان آن ابلبوم دعت، يوم الاربعاء، الى شن حرب على ايران.
يقول الديبلوماسي ان الانقسام في الرأي هو تقليد قديم في واشنطن، ويتضمن انقساما بين المسؤولين في الادارة. «دور رئيس الولايات المتحدة في هذه الحالة»، حسب الديبلوماسي، «هو تنظيم هذا الانقسام، والافادة منه، وتوجيه الادارة في سياسة يكون هو المقرر الاول والاخير لها».
اما في العراق، فتقول مصادر اميركية ان واشنطن محرجة، «فنائب الرئيس جو بايدن زار بغداد، ولم يتمكن من اقناع اي سياسي بوجهة نظره لجعل الانتخابات شاملة لجميع المرشحين، والغاء قرار المنع من الترشح بحق البعض».
وتضيف المصادر: «بسبب ارتباك الادارة، ابتعد عدد كبير من حلفاء اميركا العراقيين عنها، ما اضطر السفير كريستوفر هيل وقائد القوات الاميركية بمهاجمة النفوذ الايراني في العراق، بانفسهم... كذلك توجه اوديرنو الى المسؤولين بضرورة الحفاظ على العراق على رأس اولوياتهم، وطلب من الرئيس اوباما تمديد بقاء لواء مقاتل حتى ما بعد تاريخ الانسحاب المقرر في 2011».
في وسط فشل اوباما الذريع في كل ملفات السياسة الخارجية، وخسارته لمن كانوا يصنفون في خانة اصدقاء اميركا في «العراق، ولبنان، وفلسطين، والسعودية»، وتردده في دعم المعارضة في ايران، تهيأ لاوباما انتصار يتيم في سياسته الخارجية:
سورية.
لكن حتى مع سورية، يرى الديبلوماسي السابق، أن «أوباما نفذ سياسة انفتاحه باسوأ طريقة ممكنة، فبعد اكثر من سنة على الحديث مع السوريين على نار هادئة والضغط عليهم من اجل موضوع هنا او اخر هناك، وتأجيل تسمية سفير الى دمشق مرارا، انهار اوباما فجأة».
الرئيس السوري بشار الاسد، حسب الديبلوماسيين السابقين، «التقط ذلك بحذاقة، فبعدما زاره وكيل وزيرة الخارجية بيل بيرنز في 17 فبراير، استقبل الاسد (نظيره الايراني محمود) احمدي نجاد، وسخر من الولايات المتحدة وهو يجلس الى جانبه علنا».
اما الرد الاميركي على سخرية الاسد، فجاء «مزريا وضعيفا»، حسب الديبلوماسي، الذي اشار الى رد الناطق باسم الخارجية فيليب كراولي في قوله: «نريد ان نرى سورية تلعب دورا بناء في المنطقة، وأولى الخطوات هي ان تقول لايران ما عليها ان تفعله بشكل مختلف».
هنا يقول المسؤول السابق: «ما قاله كراولي كارثة، فهو طلب من سورية ان تلعب دور الوسيط مع ايران على عكس سياسة واشنطن، ولكن مع كل التخبط في السياسة الخارجية، خطأ هنا او هناك لن يؤثر في بؤس المشهد العام».
ويضيف الديبوماسي بالاشارة الى انه، «نظرا ليأس الادارة الحالية وتخبطها، بينما كان الاسد يسخر من اميركا والى جانبه احمدي نجاد، كان (مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الادنى) جف فيلتمان يستقبل (السفير السوري) عماد مصطفى في مكتبه (يوم الجمعة)، وربما يستجديه اكثر، حتى يتسنى لادارة اوباما الايحاء بانها تواصلت مع عدو سابق، ونجحت في مكان ما».
ويختم الديبلوماسي: «لن تقدم سورية شيئا لاميركا، ولكن ادارة اوباما ستحاول استخدام عودة العلاقات معها كورقة التين التي ستحاول ان تستر بها كل فشلها على مدى الاربعة عشر شهرا الماضية».