الأربعاء، 26 يناير 2011

واشنطن تتوقع فرض «حزب الله» تصويتاً ضد المحكمة ... «كفرضه» ميقاتي

| واشنطن من حسين عبد الحسين | جريدة الراي

توقع مسؤولون اميركيون رفيعو المستوى ان يقوم «حزب الله» بالاستمرار بسياسة «الترهيب» بحق خصومه، «فيفرض تصويتا داخل الحكومة، ثم داخل البرلمان، مشابها للتصويت الذي فرضه لاختيار نجيب ميقاتي رئيسا للحكومة خلفا لسعد الحريري».

ويقول أحد هؤلاء المسؤولين، ان ميقاتي «لم يأت من فراغ»، بل «هو خيار تحالف سوري لبناني يعمل منذ سنوات على تقويض العدالة الدولية» وهو «جاء من ضمن حملة ترهيب يشنها حزب الله على خصومه».

ويضيف المسؤول: «(النائب وليد) جنبلاط اعلن اولا نيته اعادة تسمية الحريري، لكنه تعرض لحملة ترهيب، ترافقت مع ترهيب رئيس الجمهورية لتأجيل الاستشارات النيابية حتى يتسنى لحزب الله جمع اصوات كافية تطيح بالحريري».

وحسب المسؤول، فان «حزب الله» يحاول الايحاء بأن تكليف ميقاتي جاء ضمن الاصول الديموقراطية، وان الرجل مستقل عن ارادة هذا الحزب... الاجابة هنا هي لا ولا، فميقاتي آت بقوة مسدس حزب الله، وهو سينفذ طلبات هذا الحزب بالتفصيل»، لكنه يستدرك: «نحن لا نصدر احكاما مسبقة على احد، وسنراقب اعمال ميقاتي وافعاله، فاذا تبين لنا انه في احضان حزب الله وحاول انهاء التعاون اللبناني مع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، فسنعتبر ان حزب الله قد سيطر على حكومة لبنان بالكامل وسنتعامل معها على هذا الاساس».

واكد المسؤول ما نشرته «الراي» عن ارسال ميقاتي لكتاب الى ديبلوماسيين اميركيين معنيين بالوضع اللبناني، شرح فيه ما يعتقده ضرورة تمسك واشنطن به بديلا عن الحريري.

كما علمت «الراي» انه بخروج فريق «14 مارس» (الغالبية) من الحكم، تعمل الادارة والكونغرس على تحضير عدد من الخطوات لممارسة المزيد من الضغط على الحكومة اللبنانية، «التي اصبحت بمثابة دمية يحركها الحزب». ولم يكشف المسؤولون عن نوعية الخطوات الاميركية المقبلة، وقال بعضهم ان هذه «سيتم الكشف عنها في حينها».

وختم المسؤول الاميركي بالقول ان «الوضع في لبنان صار في مأزق، ولا يمكن ان يدع العالم حزب الله يمارس سياسات الإرهاب والابتزار بحق خصومه... لقد تحولت الديموقراطية اللبنانية الى شبح».

الاثنين، 24 يناير 2011

يوم الغضب: اللبنانيون في الشارع

متظاهرون من انصار 14 آذار في ساحة الشهداء مساء امس. (وسيم ضو - جريدة النهار اللبنانية)

حسين عبد الحسين

المجلة

لم تكد المملكة العربية السعودية ترفع يدها عن المسألة اللبنانية، حتى انفردت دمشق وحليفها "حزب الله" بادارة شؤون البلاد. وكانت باكورة هذا الانفراد محاولة "اغتيال" رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري "سياسيا" على حد تعبيره.

ولوّح "حزب الله" للنائب وليد جنبلاط بامكانية اعادة استخدام القوة ان لم يحسم موقف كتلته البرلمانية المتناقصة عددا، فخاف جنبلاط ان يتكرر الهجوم العسكري الذي قام به الحزب ضده في 7 ايار 2008، وتراجع عن وسطيته، واعلن انه يقف "الى جانب سوريا والمقاومة". وادى انتقال جنبلاط من صفوف تحالف 14 آذار (مارس)، الذي يقوده الحريري، الى صفوف تحالف 8 آذار (مارس)، الذي يقوده حزب الله، الى قلب الموازين داخل البرلمان، وان بفارق بسيط، فحاز "حزب الله" على اكثرية برلمانية مؤلفة من 68 نائبة من اصل 128، فيما خسر الحريري اكثريته التى حققها في الانتخابات البرلمانية في حزيران (يونيو) 2009.

ومع انقلاب الاكثرية لمصلحة تحالف"حزب الله"، تراجع هذا الحزب عن مطالبته بما دأب على تسميته "الديموقراطية التوافقية"، اي عدم اتخاذ اي خطوات في الحكم من دون موافقة جميع القوى السياسية الممثلة في البرلمان، وصار يتحدث عن الديموقراطية العددية بعدما حصل عليها بترهيب جنبلاط.

هكذا، وفي محصلة الاستشارات النيابية التي يجريها رئيس الجمهورية ميشال سليمان، من المتوقع ان يحصل رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي – وهو دخل البرلمان بفضل الحريري نفسه – على اصوات اكثر من الحريري، فيكلفه رئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة المقبلة. الا ان ترهيب "حزب الله" لجنبلاط وحصوله على الاكثرية، واخراج الحريري عنوة من رئاسة الحكومة، ادى الى انفجار الاحتقان الذي يشوب مؤيدي الحريري، فنزل هؤلاء عفويا الى الشوارع في بيروت وطرابلس ومدن لبنانية اخرى، واشعلوا الاطارات، وحملوا لافتات كتب على بعضها "اين صوتي"، تيمنا بحركة الاعتراض الايرانية في العام 2009 على تزوير الانتخابات الرئاسية، وتاليا الارادة الشعبية.

وفيما حركة الاعتراض الشعبية اللبنانية تتوسع، عبّرت العواصم الكبرى، اي باريس وواشنطن، ضمنيا عن عدم رضاها على اخراج الحريري من الحكم. اما الحريري، فرفض بدوره الدخول في حكومة قد يشكلها ميقاتي، واعلن انه وحلفائه في 14 آذار سيذهبون الى المعارضة، وهو ما ينبؤ بانه في السنتين المتبقيتين حتى الانتخابات البرلمانية المقبلة في العام 2013، سيحصد الحريري شعبية انتخابية ضخمة في حال اصر "حزب الله" ودمشق على اقصائه عن رئاسة الحكومة عنوة.

الخميس، 20 يناير 2011

برنامج إيران النووي في مأزق

بقلم حسين عبد الحسين

جريدة الراي

ان يقول رئيس «الموساد» الاسرائيلي مائير داغان انه لن يكون بمقدور ايران انتاج قنبلة نووية قبل العام 2015، وان تحذر موسكو من «تشرنوبل ايرانية» في مفاعل بوشهر، وان يعمل البيت الابيض على تسريب معلومات عن الاضرار التي احدثها فيروس «ستكسنت» في البرنامج النووي الايراني الى الصحافي الموثوق في صحيفة «نيويورك تايمز»، وكشف قصة قصف اسرائيل لمفاعل الكبر السوري دايفيد سانغر، كل هذا يعني ان طهران في مأزق نووي.

اليوم، يجتمع في اسطنبول ممثلو مجموعة دول الخمس زائد واحد، اي اميركا وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين والمانيا، مع ممثلين عن النظام الايراني. واللقاء هو لمتابعة الحوار الذي بدأ في جنيف في ديسمبر الماضي. ما الذي سيطلبه المجتمع الدولي من ايران؟ الاجابة جاءت، اول من امس، في المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيسان باراك اوباما والصيني هو جينتاو، في البيت الابيض.

وقال اوباما ان واشنطن وبكين اتفقتا على «منع انتشار الاسلحة النووية، واتفقنا ان على ايران الايفاء بالتزاماتها الدولية، وعلى التنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن التي تفرض عقوبات على ايران».

واضاف: «مع شركائنا في دول الخمس زائد واحد، سنستمر في العرض على ايران فرصة للحوار والاندماج في المجتمع الدولي، ولكن فقط في حال ايفائها بالتزاماتها».

ويعلق مراقبون، بان كلام الرئيس الاميركي يعني ان المجتمع الدولي سيطلب من ايران، في لقاءات اسطنبول، ان تلتزم متطلبات مجلس الأمن الواردة في القرار 1929، وملخص هذه انه يحق لايران انتاج الطاقة النووية لاغراض سلمية، ولكن باشراف تام وكامل لوكالة الطاقة الذرية، وهو ما تحاول طهران التملص منه منذ العام 2007.

ويقول البروفيسور في جامعة هارفرد اولي هاينونن، ان مشكلة ايران الرئيسية هي «عدم تطبيقها البند الثالث من البروتوكول الاضافي لاتفاقية حظر انتشار اسلحة الدمار الشامل».

ويروي انه منذ العام 2003، اصدرت «وكالة الطاقة الذرية 31 تقريرا تلخص زياراتها التفقدية للمفاعلات الايرانية». ولكن، حسب الوكالة، هناك اجزاء من البرنامج النووي تخفيها طهران، ويضرب مثالا على ذلك ان ايران اعترفت، بعدما كشف العالم مفاعل قم في سبتمبر 2009، ان العمل بدأ فيه في 2007، ويلفت الى ان ابقاء ايران هذا المفاعل بعيدا عن اعين الوكالة لمدة سنتين «يشي بعدم شفافية ايرانية».

حسب هاينونن، لدى ايران اربعة مفاعلاً معروفة، الاساسي بينها هو في ناتانز، وواحد في بوشهر تحت اشراف الروس، وثالث متهالك في طهران يتم استخدامه للاغراض الطبية ويتم حاليا استبداله ببناء جديد في آراك، اما الرابع فهو في قم.

ويروي هاينونن، قصة البرنامج النووي الايراني، فيعتبر ان اليورانيوم تم استيراده في زمن الشاه قبل العام 1979، وفي مطلع التسعينات استوردت ايران من الارجنتين المادة التي تستخدمها في مفاعل طهران. اما البرنامج النووي الذي عكف على اتمامه النظام الاسلامي، فبدأ في الثمانينات بشراء وثائق من الباكستاني عبد القادر خان، وهذا كان يعمل في مفاعل هولندي قام بانتاج نموذج لجهاز الطرد المركزي الذي تتم فيه عملية تخصيب اليورانيوم. سرق خان النموذج وطار به الى باكستان، التي انجزت برنامجها، قبل ان يحول خان نفسه الى شبكة في السوق السوداء ويبيع النموذج الى كوريا الشمالية وايران وليبيا.

نموذج اجهزة الطرد المركزي «بي 1»، والاكثر تطورا «بي 2»، تقوم ايران بتصنيعها محليا وتطلق عليها اسم «اي ار 1» و«اي ار 2». وهذه عبارة عن انابيب مصنوعة من معادن داخلها محركات تدور بسرعة، وحسب جودة المعادن تكون جودة اجهزة الطرد.

يعتبر هاينونن ان ايران كانت تواجه مشاكل اصلا في هذا النموذج المحلي الصنع، اذ غالبا ما تتوقف الأجهزة عن العمل ويتم استبدالها، وتظهر تقارير وكالة الطاقة انه قبل العام 2009، شهد الانتاج الايراني لليورانيوم انخفاضا، وهو ما اعتقده البعض، خطأ، انه رضوخ من قبل طهران امام الضغط الدولي، بيد ان التراجع كان سببه مشاكل تقنية مزمنة.

هذه المشاكل ظهرت حتى قبل ان يوقع الرئيس السابق جورج بوش على قرار ضاعف بموجبه الانفاق الاميركي على البرنامج السري لمجابهة البرنامج النووي الايراني في يناير 2009. اما عن اوباما، الذي يبدو انه يهوى اكثر المواجهات السرية، كما ظهر جليا في زيادة الاعتماد الاميركي على هجمات الطائرات من دون طيار في افغانستان وباكستان وحتى اليمن، تضاعفت موازنة الحرب السرية على برنامج ايران النووي.

لم تتأخر نتائج هذه الحرب الاميركية السرية في الظهور، فكان فيروس «ستكسنت»، الذي زرعته اجهزة الاستخبارات الاميركية في كمبيوترات استوردتها ايران من شركة «سيمينز» الالمانية، وهذه الاخيرة كانت هدف انتقادات في يونيو 2009، عندما كشفت وسائل اعلام انها باعت طهران اجهزة تكنولوجية حديثة استخدمها النظام الايراني في رقابة الانترنت وفي تنسيق اتصالات الباسيدج اثناء حملة قمع «الحركة الخضراء» الشعبية.

الا ان «سيمينز» هذه المرة، بالتعاون مع مختبر للابحاث تابع لوزارة الطاقة الاميركية في ولاية ايداهو، انتجت «ستكسنت»، الذي تم تصميمه خصيصا لاستغلال نقاط الضعف في كمبيوترات «سيمينز»، التي استوردتها طهران بدورها لبرنامجها النووي.

وتم تجريب الفيروس على مفاعل نووي بني خصيصا باستخدام اجهزة الطرد المركزي «بي 1» الليبية، التي تخلى عنها العقيد معمر القذافي لمصلحة الاميركيين في العام 2004. وكتب سانغر ان واشنطن استعانت بخبراء متقاعدين اسرائيليين لتشغيل نموذج «بي 1»، الذي يعتقد انه كان مستخدما في مفاعل ديمونا الاسرائيلي النووي الموجود في صحراء النقب. وبعد ان تم التأكد من حسن عمل «ستكسنت»، تم ارسال الكمبيوترات الى ايران، وقام الايرانيون بوصلها الى شبكتهم، فانتقل الفيروس الى كل الكمبيوترات المشغلة للبرنامج النووي في ناتانز وبوشهر وقم.

وما يفعله «ستكسنت»، هو انه يعطي الامر للمحركات داخل اجهزة الطرد المركزية بالدوران بسرعة هائلة، ما يؤدي الى انفجارها، وفي الوقت نفسه، يؤشر الفيروس على الكمبيوترات الى ان التخصيب يجرى طبيعيا. ويعتقد مسؤولون غربيون ان الفيروس ساهم في تعطيل معظم اجهزة الطرد المركزية الايرانية، وان تخصيب اليورانيوم وصل الى حالة من الشلل التام.

هذا النجاح الباهر الذي حققته الحرب السرية الاميركية ترافق مع حرب سرية اخرى، يعتقد ان اسرائيل تقوم بها، وتتمثل في اغتيال علماء نوويين ايرانيين، مثل مسعود علي محمد، الذي تم اغتياله في يناير 2010، ومجيد شهرياري، الذي قتل في نوفمبر 2010. وتعتقد الاوساط الغربية ان طهران الان تخفي عالمها النووي محسن فخري زادة في محاولة لحمايته.

الغرب اذاً فاز في الجولة الاولى، وايران في مأزق، وما يعقد الامور ان المأزق النووي الايراني يأتي بتكلفة باهظة، وهي العقوبات الدولية، التي تحظر على ايران استيراد المعادن التي تحتاجها في صناعة اجهزة طرد مركزية لتخصيب اليورانيوم.

كما تؤثر العقوبات على الوضع الاقتصادي لايران عموما، مع انها لا تطول صادرات البلاد النفطية، وهذه مقرونة بارتفاع اسعار النفط عالميا، وضعت المزيد من السيولة في أيدي حكام طهران، وهو ما تعمل واشنطن حاليا على ايقافه.

في اسطنبول اليوم وغدا، لن يكون ممثلو المجتمع الدولي في عجالة من امرهم في الطلب من ايران ايقاف تخصيبها لليورانيوم، بل سيقدمون عروضا للايرانيين «للاندماج في المجتمع الدولي» ستبدو سخية.

بيد ان معظم المسؤولين الاميركيين لا يتوقعون «حلحة» ايرانية، اذ انهم يرون ان «حكام ايران شعبويون ويفضلون المكابرة على مصلحة شعبهم الفعلية».

ويقول المسؤولون: «لن يكون هناك بديل عن عودة ايران الى الالتزام بالبروتوكول الاضافي، على سبيل المثال، ولن يتم استبدال التفتيش الدولي بمهرجانات شعبية تتم فيها دعوة ممثلين عن دول العالم الى زيارة المفاعلات الايرانية».

حتى تركيا، صديقة ايران ونصيرتها في المفاوضات النووية، لم تلب دعوة طهران لزيارة المفاعلات. «العالم مُجمِع على الالتزام بالمعاهدات الدولية، ولن تنفع المناورات الاعلامية الايرانية، وهذا ما قاله الرئيسان (اوباما وجتنتاو) في مؤتمرهما الصحافي اليوم»، وبهذا يختم المسؤول الاميركي.

الأربعاء، 19 يناير 2011

نهاية معادلة: السعودية تعلن انتهاء التفاهم مع سورية حول لبنان لعدم تنفيذ دمشق الشق المتعلق بها

لافتة في بيروت تصف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بالصهيونية -- بعدسة نادين العلي -- "لبنان الآن"

بقلم حسين عبد الحسين

المجلة

انتهت معادلة "السين – سين"، اي التفاهم بين السعودية وسورية حول الوضع في لبنان، التي لطالما تحدث عنها السياسيون اللبنانيون ووصفوها على انها الحل لانهاء الازمة اللبنانية المستمرة منذ اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في 14 فبراير 2005.

اعلان انتهاء هذه المعادلة جاء على لسان وزير الخارجية السعودية الامير سعود الفيصل، الذي قال في تصريح الى القناة الاولى في التلفزيون السعودي: "في البداية لا اقول شخصيا اني اقود هذا الموضوع، فهذا الموضوع يقوده شخصياً الملك عبدالله بن عبد العزيز وهو اتصل مباشرة، الرأس بالرأس، بالرئيس السوري (بشار الاسد) فكان الموضوع بين الرئيسين (اللبناني ميشال سليمان والاسد) لالتزام انهاء المشكلة اللبنانية برمتها، ولكن عندما لم يحدث ذلك ابدى الملك عبدالله رفع يده عن هذه الاتفاقات".

ووصف الوضع في لبنان بأنه "خطير" وقال: "اذا وصلت الامور الى الانفصال وتقسيم لبنان انتهى لبنان كدولة تحتوي على هذا النمط من التعايش السلمي بين الاديان والقوميات والفئات المختلفة، وهذا سيكون خسارة للامة العربية كلها".

الاعلان السعودي جاء في وقت كان وزيرا خارجية تركيا داود اوغلو وقطر حمد بن جاسم يعقدان اجتماعات متوالية مع السياسيين اللبنانية في محاولة لتثبيت معادلة "سين – سين"، التي تبين انها كانت منتهية المفاعيل اصلا.

الا ان انهيار التفاهم المذكور لا يعني بالضرورة انتقال الازمة اللبنانية من عالم السياسية الى عالم المواجهات في الشارع، على الرغم من تنفيذ مقاتلي "حزب الله" مناورة، من دون اسلحتهم، في سبعة احياء سكنية في بيروت يتجاور فيها لبنانيون سنة مع لبنانيين شيعة. واجبرت مناورة هذا الحزب المدارس على الاقفال، كما انتشرت وحدات مقاتلة من الجيش اللبناني في المناطق السكانية المختلطة مذهبيا للحؤول دون اندلاع اعمال عنف بين مقاتلي "حزب الله" ومناصري رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري.

يذكر ان المعارضة للحريري في لبنان يقودها "حزب الله"، وتدعمها دمشق، وهي تطالب الحريري باعلان ادانته لعمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والتي انشأها مجلس الامن الدولي لمعاقبة قتلة رفيق الحريري ومرتكبي تسعة اغتيالات اخرى طاولت سياسيين وصحافيين ورجال امن.

وكان مدعي عام المحكمة دانيال بلمار ارسل، مطلع الاسبوع، قراره الظني الى قاضي التحقيقات الاولي دانيال فرنسين للاطلاع عليه وموافقته على البدء بالاجراءات القضائية، التي من المتوقع ان توجه اصابع الاتهام في اغتيال الحريري الى مسؤولين في "حزب الله"، وربما عدد من المسؤولين السوريين.

وبعدما فشلت المعارضة في اقناع الحريري بادانة المحكمة والغاء بروتوكول التعاون بينها وبين الحكومة اللبنانية، عمد وزراء "حزب الله" وحلفائهم الى الاستقالة من حكومة الحريري، مما دفع الى انهيارها واعلان رئيس الجمهورية ميشال سليمان المباشرة بالمشاورات النيابية الملزمة لتسمية رئيس حكومة جديد.

الا ان "حزب الله" اكتشف ان المشاورات ستفضي الى اعادة تكليف الحريري، الذي ما زال يتمتع باكثرية برلمانية، مما دفع الحزب الى الضغط على سليمان وحمله على تأجيل المشاورات حتى اشعار آخر، في وقت قام الحزب بتنفيذ مناورات في شوارع بيروت كوسيلة تهديد لخصومه، وفي طليعتهم الحريري، لارغامه على التراجع عن المحكمة.

هذه الازمة التي ما زالت سياسية، من المرشح ان تستمر طويلا، بيد ان معظم المراقبين لا يتوقعون اندلاع اعمال عنف في المستقبل القريب.

الاثنين، 17 يناير 2011

رائحة الغضب: "ثورة الياسمين" تنهي بن علي ولا تنذر بديموقراطية

بقلم حسين عبد الحسين

المجلة

اطاحت سلسلة من الاحداث المتسارعة، التي تخللتها تظاهرات حاشدة، بـ 23 عاما من حكم الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، ولكن الغضب الشعبي المدفوع بالبطالة وتدهور الاوضاع الاقتصادية لم يؤد الى تحسن اوضاع تونس، فغرقت البلاد في حالة من الفوضى الامنية والنهب، فيما تخبطت الطبقة السياسية، فاقسم رئيس البرلمان فؤاد مبزع اليمين الدستورية خلفا لبن علي بالوكالة، واعلن رئيس الوزراء محمد الغنوشي حكومة انتقالية.

وفي الوقت الذي اتهم مندوب تونس المستقيل في اليونسكو مزري حداد الرئيس المخلوع "بتعمد إشاعة الفوضى قبل رحيله"، اندلعت الاشتباكات بين الجيش، من جهة ،وعناصر الحرس الرئاسي ومجموعات موالية لبن علي، من جهة ثانية، ما لبثت ان تحولت الى حرب عصابات، نجح الجيش خلالها في القاء القبض على 50 من الحرس الشخصي الرئاسي، بينهم مديرهم الجنرال علي السرياطي. كما تم اعتقال وزير الداخلية السابق رفيق بلحاج قاسم وابن اخي الرئيس السابق قيس بن علي.

على ان التقارير الواردة من العاصمة التونسية اشارت الى استبباب الهدوء في ارجاء البلاد مع حلول مطلع الاسبوع. ومع وصول اخبار ما تم اطلاق عليه اسم "ثورة الياسمين" الى دول الجوار، اعلن العقيد الليبي معمر القذافي ان بن علي هو افضل من حكم تونس، والقى باللوم على التونسيين لاطاحتهم برئيسهم.

وفي مصر، قام احد الشبان باضرام النار بنفسه، على غرار التونسي الذي اشعل الثورة التونسية محمد البوعزيزي، 26 عاما، والذي اقدم على اضرام النار في نفسه، بعدما تعرض للضرب على ايدي قوات الشرطة، الشهر الماضي، ثم توفي لاحقا على سرير العلاج في مستشفى "بن عروس" متأثرا بجراحه.

البوعزيزي، لم ينجح في الحصول على عمل بعد تخرجه من احدى الجامعات التونسية، فعمد الى العمل بائعا للفواكه والخضروات، ولكنه لم يحصل على تصريح من السلطات الرسمية، مما جعله موضع ملاحقة من قبل الشرطة، في وقت سابق من ديسمبر( كانون الأول) الماضي.

كذلك فعل شاب موريتاني والجزائري سنوسي توات، 34 عاما وعاطل عن العمل، اللذان قاما باضرام النار في نفسيهما احتجاجا، في ما ينذر باندلاع ثورة "اشعال النفس" يقوم بها جيش من العاطلين عن العمل في دول شمال افريقيا.

في هذه الاثناء، تضاربت ردود الفعل العالمية والعربية حول الانباء الواردة في التونس، وتراوحت بين الاشادة بانتفاض التونسيين على حكم بن علي، والتحذير من العواقب غير المعلومة لانهيار هذا الحكم.

في العاصمة الاميركية دعا الرئيس الأمريكي باراك أوباما، في معرض إشادته بشجاعة وكرامة الشعب التونسي، حكومة تونس لاحترام حقوق الانسان، واجراء انتخابات حرة ونزيهة في المستقبل القريب. وادان اوباما استخدام العنف ضد المواطنين التونسيين الذي اعربوا سلميا عن آرائهم قائلا: "احي شجاعة وكرامة الشعب التونسي".

الا انه بعيدا عن العموميات والاشادات السياسية، ابدى كثيرون تخوفهم من مصير تونس في مرحلة ما بعد "ثورة الياسمين".

وكتبت آن ابلبوم، الصحافية المعروفة في جريدة "واشنطن بوست"، مقالة بعنوان "الديكتاتور يهرب من تونس، فهل تصل الديموقراطية"، شككت فيها في مقدرة التونسيين على اقامة ديموقراطية، وعزت سبب فشل التونسيين الى نجاح بن علي في افراغ مؤسسات الدولة من مضمونها بانشائه برلمانا شكليا وحكومة ضعيفة.

واعتبرت ان النماذج العالمية لانتقال الديكتاتوريات الى ديموقراطيات، مثل اسبانيا بعد فرانكو، مختلفة عن الوضع في تونس اذ – قبل مماته في منتصف السبعينات – قام الديكتاتور الاسباني نفسه بدفع البلاد باتجاه الديموقراطية، فكرس وجود المجتمع المدني وثقافة تداول السلطة سلميا، وهو ما لا يتوافر في تونس بعد بن علي.

واتهمت ابلبوم الفرنسيين، وبعض دول الغرب، بالتواطئ في تغييب الديموقراطية في تونس. وكتبت: "قام احد المعلقين في لو فيغارو (الفرنسية) بانتقاد سذاجة اعتقاد الاميركيين بنشر الديموقراطية، وكتب الاسبوع الماضي انه من حق كل شعب ان يكتب تاريخه، وهو اهم من حق الشعب التمتع بديموقراطية".

كما انتقدت الكاتبة الاميركية الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، الذي قال في الماضي ان "اهم حق من حقوق الانسان هو حق الطعام، والرعاية الصحية، والتعليم، والسكن"، لذا، استنتج شيراك، ان حقوق الانسان في تونس تحت بن علي كانت "في وضع متقدم جدا". وتوصلت ابلبوم الى نتيجة مفادها ان بن علي نفسه اعتقد ان وضع حقوق الانسان في بلاده جيد، ونسي الوضع الاقتصادي والاجتماعي للشعب التونسي، فوصلت الامور الى ما وصلت اليه.

اين هي نهاية المطاف لاحداث تونس، وهل تنتقل البلاد من اكثر من عقدين من التوتاليتارية الى حكم ديموقراطي؟ الاجابة على هذا السؤال تحير السياسيين في المنطقة والمحللين والمراقبين حول العالم. فبينما ابدى البعض تخوفهم من تحول "ثورة الياسمين" الى ثورة اسلامية، على غرار ما حصل في ايران في العام 1979، تحدث البعض الاخر عن مرحلة من التخبط قد تسبق ظهور ديكتاتور آخر يمسك بزمام الامور.

وحتى تنجلي الامور، سوف تبقى تونس محط اهتمام العالم، وستحتل اخبارها الصفحات الاولى العربية والعالمية، بعد فترة طويلة من غياب التونسيين واخبارهم السياسية عن العالم.

الخميس، 6 يناير 2011

تقرير للكونغرس: محكمة الحريري قد تستدعي مسؤولين سوريين

| واشنطن من حسين عبد الحسين | جريدة الراي

اعتبر تقرير صادر عن «خدمة أبحاث الكونغرس»، انه اذا قامت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان «بتوجيه الاتهام الى اعضاء في حزب الله وبدأت المحاكمة - ربما غيابيا لاعضاء حزب الله - قد يتم استدعاء مسؤولين سوريين كشهود».

بيد ان التقرير، الذي تم اعداده قبل اسبوعين لإطلاع الكونغرس الجديد، لم يبرئ دمشق، وذكر انه «من الواضح ان سورية قلقة من امكانية تسمية مسؤولين رفيعي المستوى فيها كمشتبهين محتملين في اغتيال (رئيس حكومة لبنان رفيق) الحريري في العام 2005».

واضاف: «سورية لا تعتبر المحكمة الدولية الخاصة بلبنان جسما دوليا قانونيا شرعيا، ويعتقد مراقبون كثر انها (سورية) عملت خلف الكواليس من اجل عرقلة تحقيقات المحكمة، فيما اطلقت اشارات تفيد بأن اي حركة ضد مسؤوليها قد تؤدي الى زعزعة الاستقرار في لبنان».

وتابع ان «المسؤولين السوريين دانوا عمل المحكمة، فيما اصدر قاض سوري مذكرات توقيف بحق مسؤولين (لبنانيين) بتهمة المساعدة في تقديم شهود زور الى محققي المحكمة». ولفت التقرير الى تصريح الرئيس السوري بشار الاسد في اكتوبر 2010، عندما قال ان «الوضع السياسي في لبنان ليس جيدا، حتى انه مقلق... ان اي اصطدام في اي لحظة... سيدمر لبنان».

وحسب التقرير، فان الموقف السوري من المحكمة الدولية متأرجح، اذ في اوقات، حاولت دمشق «ان تصور نفسها كطرف ثالث غير مهتم».

وتحدث عن وضع رئيس حكومة لبنان سعد الحريري، فقال انه «كرئيس حكومة وحدة فيها حزب الله، اضطر الى توفيق مواقفه السابقة المعادية لسورية مع الوقائع الاقليمية الجديدة، رغم ان والده تم اغتياله في خطة يعتقد كثير من المراقبين انه قام بتنفيذها مسؤولون سوريون أو حزب الله أو الاثنان معا».

وحسب التقرير، الذي حدد المتغيرات الاقليمية على انها علاقات افضل بين سورية وفرنسا، وبين سورية والسعودية، فان «سعد الحريري لم يتوقف عن تحدي سورية فحسب، بل فعل اكثر مما يستطيع لاستيعاب جارته الاكبر والاكثر قوة (سورية)، وسافر الى دمشق، حتى انه عفا عن سورية علنا عن اي مسؤولية سورية في جريمة مقتل والده».

واستند التقرير الى تصريح الحريري الى «التايمز» اللندنية، واقتبس منه قول الحريري: «انا لا اعتقد ان الرئيس الاسد كان له دور متعلق فيها (جريمة مقتل والده)، انا رئيس الحكومة (اللبنانية)، وليس لدي رفاهية القيام بأي تكهنات».

كذلك تحدث التقرير عن «اعتذار» النائب اللبناني وليد جنبلاط من سورية.

التقرير، الذي يعده فريق من الخبراء ويقدمه دوريا لاعضاء الكونغرس ومساعديهم، قدم ست نقاط على انها آخر التطورات المتعلقة بسورية، تصدرها الحديث عن «امكانية قيام وكالة الطاقة الذرية الدولية بمهمة تفتيش» داخل سورية، ثانيها انتقادات الولايات المتحدة لسورية عن طريق سفيرتها في الامم المتحدة سوزان رايس، التي اتهمت دمشق، في اكتوبر، بزعزعة استقرار لبنان وقالت: «مازال يمتلكنا قلق عميق حول نفوذ حزب الله المدمر والمزعزع للبنان، وكذلك محاولات لاعبين خارجيين، من ضمنهم سورية وايران، في تقويض استقلال لبنان وتعريض استقراره للخطر».

النقطة الثالثة لفتت الى زيارة الاسد الى ايران، في اكتوبر، كجزء من استمرار دمشق في تحالفها مع ايران و«حزب الله». اما النقطة الرابعة، فلفتت الى تحسن في العلاقات السورية - العراقية، وزيارة رئيس الحكومة نوري المالكي الى دمشق، في اكتوبر كذلك.

ولفت التقرير الى انه في شهر سبتمبر، قامت الشرطة الايطالية بمصادرة «ستة الى سبعة اطنان من مواد (ار دي اكس) الشديدة الانفجار، كانت متوجهة من ايران الى سورية... وكانت المتفجرات داخل شحنة من الحليب البودرة». واضاف: «في السنوات الاخيرة، استخدمت المجموعات الارهابية (ار دي اكس) في هجمات متفجرة ضد المدنيين في موسكو ومومباي واسطنبول».

اما النقطة السادسة، فلفتت الى القمة السورية - السعودية في يوليو، والتي «هدفت الى اظهار شعور بالهدوء الاقليمي في خضم الجو المتوتر داخليا نتيجة الخوف العام من قيام حزب الله باستخدام العنف لإيقاف المحكمة الدولية».

عبد الحسين لـ "اخبار المستقبل": عودة الصدر جزء من المصالحة العراقية

استضاف برنامج "ستوديو 24"، الذي يقدمه الاعلامي نديم قطيش على فضائية "اخبار المستقبل"، الصحافي حسين عبد الحسين ،الذي اعتبر ان عودة مقتدى الصدر من ايران الى النجف بعد اربع سنوات هي جزء من مصالحة عراقية شاملة. المزيد في الفيديو. -- يناير 2011

الأربعاء، 5 يناير 2011

تقرير / ما الذي دفع إسرائيل وسورية إلى فتح قناة سرّية؟

| واشنطن من حسين عبد الحسين | جريدة الراي

هل يحتاج ترميم الكنس والمقابر اليهودية في سورية الى زيارة مطولة لأحد أكبر مسؤولي يهود الولايات المتحدة مالكولم هونلين الى الرئيس السوري بشار الاسد شخصيا؟ ولماذا تبقى هكذا زيارة «غير سياسية» طي الكتمان لمدة اسبوع من دون الاعلان عنها او الاشارة الى حدوثها؟ الاجابة الأرجح تأتي من عالم السياسة. «اذا شعر (رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو) بيبي ان ضغط واشنطن سيزداد عليه بسبب عرقلة ما على المسار السلمي الفلسطيني، سيعمد من دون شك الى تحويل الانظار الى المسار السوري».

بهذه الكلمات توجه السياسي المخضرم ومدير «معهد بروكنغز» مارتن انديك الى عدد من الصحافيين في الايام الاولى من ولاية الرئيس باراك اوباما قبل عامين بالضبط.

كلام انديك لم يكن نبوءة بل كان مبنيا على تجربته اثناء عمله سفيرا لبلاده في اسرائيل بين 1995 و1997، والتي صادفت مع ترؤس نتنياهو لحكومته الاولى بين العامين 1996 و1999. في اثناء دردشته مع الصحافيين، توقع انديك كذلك ألا يكرر نتنياهو التنازلات التي قدمها، تحت طلب الرئيس السابق بل كلينتون، للفلسطينيين في العام 1999، والتي أدت الى انسحاب اليمين من ائتلافه، وبالتالي انهيار حكومته والذهاب الى انتخابات مبكرة شهدت خروجه من الحكم.

مع نهاية العام 2010، بدا واضحا ان المسار السلمي الفلسطيني الاسرائيلي يدور في حلقات مفرغة.

وفي 26 ديسمبر 2010، كتب الصحافي المعروف في جريدة واشنطن بوست دايفيد اغناتيوس عن نجاحات سياسات اوباما الخارجية في شرق آسيا، والكوريتين، والهند، ونجاحه في افغانستان من خلال قمة لشبونة، وكذلك التوصل الى تشكيل حكومة عراقية، واقرار معاهدة ستارت لتقليص حجم الترسانتين النوويتين الاميركية والروسية.

«للاسف»، حسب اغناتيوس، «كارثة الرئيس الكبرى كانت في موضوعه الرئيسي، اي السلام الاسرائيلي - الفلسطيني... وانا اعتقد ان اوباما سيكون اقوى، ولكن من دون ان يتخلى عن مثاليته، وسيعود الى امتطاء هذا الحصان العام المقبل».

اوباما عاد الى امتطاء حصان مفاوضات السلام حتى قبل ان يكتب اغناتيوس مقالته. زار مسؤول ملف ايران ومبعوث السلام السابق دينيس روس اسرائيل سرا حوالي منتصف ديسمبر، والتقى كبار المسؤولين فيها، خصوصا في الجيش. والمعروف عن هؤلاء تأييدهم للتوصل الى سلام مع سورية.

بعد اسبوع على زيارة روس، وصل الى دمشق صديق نتنياهو نائب رئيس مؤتمر المنظمات اليهودية في أميركا الشمالية مالكولم هونلين، بدعوة من القصر الرئاسي السوري وبمعرفة ومباركة نتنياهو، والتقى الرئيس السوري بشار الاسد. وهذه المبادرة من نتنياهو باتجاه سورية تشبه اخرى قام بها في العام 1998 عندما ارسل صديقه، رجل الاعمال اليهودي الاميركي رون لودر، للقاء الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد، وقام بفتح قناة سرية لمفاوضات السلام بين البلدين. هذا من جانب نتيناهو.

اما من الجانب السوري، فيحفل التاريخ بمبادرات سورية سرية باتجاه اسرائيل، خصوصا في ظروف تكون دمشق فيها بحاجة الى التخلص من ضغوط دولية من نوع او من آخر.

في فبراير 2008، وقف رئيس هيئة الصداقة الاسرائيلية - السورية والديبلوماسي الاسرائيلي السابق آلون ليئيل في «معهد الشرق الاوسط» في واشنطن ليعلن انه، في خضم حرب يوليو 2006 بين اسرائيل و«حزب الله»، اتصل السوريون باسرائيل واقترحوا المباشرة بمفاوضات السلام.

وفي العام 2007، وفيما كانت سورية تعاني من عزلة دولية بسبب مواقفها في لبنان، ظهر رجل الاعمال السوري - الاميركي ابراهيم سليمان في الكنيست الاسرائيلي، ليعلن انه ممكن التوصل الى سلام بين بلاده واسرائيل في غضون ستة اشهر.

ومع حلول العام 2008، ظهرت الى العلن مفاوضات غير مباشرة بين السوريين والاسرائيليين، عبر وساطة للحكومة التركية في انقرة. تلك المفاوضات غير المباشرة، حسب تصريح لمساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الادنى جيفري فيلتمان في معهد هدسون، هي التي فتحت الباب لسورية للخروج من العزلة التي كانت تعيشها منذ عملية اغتيال رئيس حكومة لبنان الاسبق رفيق الحريري في 14 فبراير 2005.

الا انه منذ توقف المفاوضات غير المباشرة بين سورية واسرائيل في تركيا، مع نهاية العام 2008، لم يشهد المسار السلمي بين البلدين اي حراك، على الرغم من الزيارات المتكررة لمبعوث السلام جورج ميتشل، ومساعده المسؤول عن الملف السوري فريد هوف، الى دمشق ولقائهما الاسد، اذ اتخذ الرئيس السوري موقفا طالب فيه اسرائيل باعلان اعادتها هضبة الجولان حتى حدود العام 1967 الى السيادة السورية، حتى قبل اعادة استئناف المفاوضات.

وفيما تمسكت دمشق بمطلبها، وهي تعرف انه من شبه المستحيل قبوله اسرائيليا، حاول الاسد توظيف قناة السلام الاميركية، اي ميتشل، لترميم علاقته مع واشنطن، والتي تدهورت - لا منذ وصول جورج بوش وفرقه من المحافظين الجدد الى السلطة في العام 2000 - بل اثر اغتيال الحريري في العام 2005.

وطالب الاسد ميتشل برفع العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على سورية، وادت اجابة المسؤول الاميركي الديبلوماسية وتسريب السوريين الى الاعلام لما وصفوه وعدا من ميتشل برفع العقوبات الى تصلب من قبل الجمهوريين ادى الى منع اوباما من اعادة السفير الى سورية، الى ان قرر الرئيس الاميركي تجاوز الكونغرس وتعيين روبرت فورد سفيرا في سورية، بمرسوم، ولمدة عام.

لكن مع حلول الربع الاخير من العام 2010، وتواتر الانباء عن قرب صدور القرار الظني عن المحكمة الدولية الخاصة بجريمة الحريري وآخرين، وصلت تقارير الى العاصمة الاميركية تفيد بأن الرياض ارسلت الى باريس تطلب تأجيل صدور القرار الظني.

ثم توالت تقارير اخرى تحدثت عن زيارة الاسد لباريس ولقائه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. وحسب هذه الانباء، اثار الاسد موضوع المحكمة الدولية وامكانية معمعة القرار الظني، او ضمان انه لن يتضمن اي اتهامات لمسؤولين سوريين. وحسب التقارير نفسها، لم يكن ساركوزي فقط حاسما في دفاعه عن عمل المحكمة واستقلاليتها، بل اعلن تسديد فرنسا لمستحقاتها المالية لعملها.

في وجه التصلب الغربي في وجه دمشق في موضوع المحكمة، ومع انباء عن قرب صدور القرار الظني، لجأت دمشق، كالعادة، الى ورقة المفاوضات السلمية مع اسرائيل، هذه المرة عن طريق اليهود السوريين المقيمين في الولايات المتحدة، وهؤلاء تحافظ دمشق على علاقة ممتازة بهم عن طريق سفارتها في واشنطن.

وادت هذه القناة الى اصدار قصر الرئاسة السوري دعوة الى هونلين، الذي - قبل ان يلبيها - اطلع صديقه نتنياهو والادارة الاميركية على مضمونها. وتم الاتفاق على ابقاء الزيارة سرية، والقول - في حال انكشافها - انها ذات طابع انساني يشمل اعادة رفات الجاسوس الاسرائيلي في سورية ايلي كوهين، ورفات جنود فقدوا في معركة السلطان يعقوب بين الاسرائيليين والسوريين في لبنان في العام 1982، الى اسرائيل. كما شملت المحادثات، حسبما تم الاعلان عنها، ترميم الكنس والمقابر اليهودية في سورية.

كل اعلانات هونلين جاءت في وسط صمت سوري شبه تام، اذ عدا عن نفي وكالة سانا الرسمية تقرير «الراي» عن زيارة موفد اميركي الى دمشق، تصرفت دمشق وكأن زيارة هونلين لم تخرج الى الاعلام.

المحطات التاريخية، وكل الظروف المحيطة بزيارة هونلين الى سورية، تشير الى تطابق في المصالح الاسرائيلية والسورية في الوقت الحالي، على حساب الفلسطينيين واللبنانيين، كما تشير الى ان الزيارة كانت نواة لقناة سرية لمفاوضات سلام بين البلدين، يفيد نتنياهو منها بتخفيفه من الضغط الاميركي المتعاظم عليه على المسار السلمي الفلسطيني، فيما يفيد منها الاسد باقترابه من الولايات المتحدة ومحاولة ابعاده كأس القرار الظني عنه.

وكالعادة، لا تصل المفاوضات السرية الى سلام، على الرغم من تمنيات واشنطن، وتنتهي حينما يشعر اي من الطرفين، الاسرائيلي او السوري، انفراجا سياسيا، ولا تعود هناك حاجة الى قناة ولا مفاوضات.

الثلاثاء، 4 يناير 2011

نائب رئيس المنظمات اليهودية مالكولم هونلين يعترف: زرت سورية والتقيت الأسد... لكن ليس كمفاوض أو كوسيط

| واشنطن من حسين عبدالحسين - القدس من محمد أبو خضير |

جريدة الراي

بعد ايام على انفراد «الراي» بنشرها تقريراً عن وجود «قناة سرية اميركية» لمفاوضات السلام بين سورية واسرائيل، وصدور نفي سوري، خرج الى العلن المزيد من التفاصيل مع بث القناة الاسرائيلية العاشرة تقريرا حدد الوسيط الاميركي الذي زار الرئيس السوري بشار الاسد، قبل 10 ايام موفدا من قبل رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو، على انه نائب رئيس مؤتمر المنظمات اليهودية في أميركا الشمالية مالكولم هونلين. وليس مسؤول ملف المفاوضات السابق دنيس روس الذي رأت مصادر أميركية ان دوره «لم يتضح بعد».

واكدت تقرير التلفزيون الاسرائيلي، وقبله «الراي»، زيارة الموفد الاميركي الى دمشق، صحيفة «بوليتيكو» المتخصصة بالسياسة على موقعها الالكتروني، التي اجرت مقابلة مع هونلين قال فيها انه زار سورية والتقى الاسد، لكن «ليس كمفاوض او كوسيط».

وفي الوقت نفسه، صرح نتنياهو، اول من امس، ان الولايات المتحدة تستعد لاطلاق وساطتها للسلام بارسالها مسؤول الملف الايراني ومبعوث السلام سابقا دنيس روس الى المنطقة في الايام المقبلة، وهو ما يشير الى ان روس كان مشرفا في اقل تقدير على قيام «القناة السرية» بين دمشق وتل ابيب بوساطة هونلين.

هونلين، وهو مقرب من نتنياهو، ابلغ التلفزيون الاسرائيلي انه زار دمشق بدعوة من القصر الرئاسي السوري، وبمباركة نتنياهو.

يذكر انه سبق لنتنياهو، اثناء رئاسته لحكومة بلاده في العام 1998، ان اوفد صديقه، رجل الاعمال الاميركي - اليهودي رون لودر، كمبعوث سري الى الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد. وكما كان متوقعا، نفى هونلين ان تكون طبيعة زيارته الى دمشق ديبلوماسية، واصر على ان زيارته، التي التقى اثناءها ايضا وزير الخارجية وليد المعلم تركزت على الشؤون الانسانية لليهود في سورية، مثل وضع دور العبادة اليهودية في سورية.

كذلك حاول مكتب نتنياهو النأي بنفسه عن الموضوع، فأوضح انه كان على علم بالزيارة، لكنه لم يحمّل هونلين اي رسائل الى الاسد.

في المقابل، نقلت امس، صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن رجل الأعمال اليهودي جوي ألام، «وهو من مواليد دمشق وله علاقات خاصة بعائلة الرئيس السوري»، أن هدف زيارة هونلين كان ترميم المباني اليهودية في سورية، خصوصاً في دمشق وحلب، منها ترميم الكنس والمقابر، مشيرا إلى أن الأسد يسعى لإقامة علاقات جيدة مع اليهود الأميركيين من أجل إقامة علاقات جيدة مع الإدارة الأميركية.

وقال ألام (35 عاما) المولود في دمشق لموقع «يديعوت أحرونوت»: «لدي علاقات شخصية وقريبة مع أبناء عائلة الأسد ولدينا أصدقاء مشتركون ومقربون جدا»، وعبر عن غضبه من كشف الزيارة التي كان مقررا أن تبقى طي الكتمان.

وأضاف: «توجد أمور أخرى غير السياسة وما يهمني هو تراث يهود سورية والتقاليد الغنية لجاليتي دمشق وحلب (اليهوديتين) وترميم الكنس والمدافن المهملة».

وأوضح ألام أنه أحضر معه هونلين إلى سورية، لأنه زعيم «وأنا أعمل على الموضوع منذ وقت طويل لكني لست زعيما، ومالكولم هو زعيم وصديق قريب أيضا وأثار انطباعا جيدا لدى الرئيس الأسد، فهو إنسان مستقيم ويتحدث بصورة مباشرة».

وقال ألام إنه شخصيا لم يكن حاضرا في اللقاء بين الأسد وهونلين، وأن الأخير رفض التحدث حول اللقاء.

وأضاف أنه بالنسبة له، فإن الانجاز الأكبر من الزيارة كان «الموافقة التاريخية للسوريين» بالسماح له باستعراض خطة لترميم 18 كنيسا ومقبرتين يهوديتين في دمشق وحلب.

وقال ألام ان «الرئيس السوري يحترم الديانة اليهودية في شكل كبير جدا وأثبت أنه مهتم بترميم الأماكن اليهودية» وشدد على أن القول إن زيارة الوفد الأميركي اليهودي لسورية كان هدفها سياسيا مرده إلى أن «أحدا ما أراد تحقيق مكسب سياسي من وراء ذلك».

وفي العاصمة الاميركية، يؤكد مؤيدو «سياسة الانخراط مع سورية» وجود «القناة السرية» بين الاسد ونتنياهو، ويتحدثون عن تفاؤل كبير، ويكررون مقولة «الاختراق» على المسار السلمي السوري الاسرئيلي، مشيرين الى ان تعيين روبرت فورد سفيرا في دمشق بمرسوم، تنتهي مفاعيله في عام، جاء على خلفية قرب التوصل الى سلام بين دمشق وتل ابيب، وهو بالضبط ما اوردته «الراي» قبل ايام.

ويصر هؤلاء ان «دمشق ستبتعد استراتيجيا عن طهران وحلفاء ايران في المنطقة كنتيجة طبيعية للسلام المتوقع التوصل اليه مع نهاية هذا العام».

الفريق المشكك، ومعظمه من الحزب الجمهوري في الكونغرس والمسؤولين في الادارة السابقة، فيردد ان «الاسد يستخدم ورقة السلام كالعادة للتخلص من الضغط الدولي الذي يتزايد عليه مع قرب صدور القرار الظني عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان».

ويعتبر هؤلاء، انه «كما نجح الاسد في كسر العزلة الدولية عنه في 2007 بتحريكه قناة السلام مع اسرائيل، التي بدأت سرية ثم تحولت الى غير مباشرة عن طريق تركيا، يحاول الاسد في العام 2011 ابعاد اي تأثيرات ممكنة للمحكمة الدولية».

اما الفريق الاميركي الثالث المتابع للملف السوري - الاسرائيلي، وهو فريق فريد هوف التابع لموفد السلام جورج ميتشل، فيبدو انه اما غافل عما يدور من حوله، وإما انه يصر على الايحاء بان عملية السلام السورية - الاسرائيلية ما زالت متوقفة حماية لـ «القناة السرية» ولابقائها بعيدة عن الانظار.

ويكيليكس الشرق الأوسط.. تعرية الدبلوماسية الأمريكية

بقلم حسين عبد الحسين

المجلة

رغم أن «ويكيليكس» تزعم أن وثائقها غيرت من حدود الحكومة بشأن الشفافية، يختلف العديد من الدعاة في شفافية الحكومة حول ذلك. وفي الوقت نفسه، وفي العالم العربي، أظهرت المراسلات أن ما يدور خلف الأبواب المغلقة لا يختلف إلا قليلا عما يقال علانية. وبالنسبة للعديد من القيادات العربية فإن ما تراه هو الحقيقة.

في 13 يونيو (حزيران) 1971، اتصل ألكسندر هيغ الذي كان مساعدا لمستشار الأمن القومي هنري كيسنجر، بالرئيس ريتشارد نيكسون لتقديم التقرير اليومي. وكانت الأسئلة الأولى لنيكسون تدور حول عدد الإصابات في فيتنام خلال الأسبوع. وبعدما سأل الرئيس: «ألا توجد أحداث مهمة أخرى في العالم اليوم؟» ذكر هيغ «فضيحة غودمان بـ(نيويورك تايمز)... والاختراق الأمني المدمر... أهم الأشياء التي رأيتها على الإطلاق». وفي ذلك اليوم كانت «نيويورك تايمز» قد بدأت نشر وثائق البنتاغون، وهي تاريخ موثق يرصد تدخل الولايات المتحدة المحكوم عليه بالفشل في الحرب الضروس في غابات ومزارع الأرز في فيتنام.

وكان رد فعل نيكسون الأولي تجاه كلمات هيغ هادئا، بل إنه ذكر أنه لم يقرأ حتى القصة. ولم يبدأ الرئيس يشعر بوطأة أزمة وثائق البنتاغون إلا عندما اتصل كيسنجر به شخصيا من كاليفورنيا. وكان كيسنجر هو أول من يقترح: «إن ذلك موجب لإقامة دعوى قضائية.. فأنا متأكد من أن ذلك يخترق أنواع القوانين الأمنية كافة»، بل إنه تطوع بالاتصال بالمدعي العام ميتشل حول خيارات المقاضاة. فأجاب نيكسون: «يجب أن يتحمل الناس مسؤولية مثل تلك الأفعال...».

وقد اتخذت إدارة نيكسون مسارا مزدوجا. فمن جهة، فرضت رقابة على «نيويورك تايمز» حتى ألغت المحكمة العليا قرار الحكومة في 30 يونيو. ومن جهة أخرى، شكل نيكسون فريقه سيئ السمعة من «محققي التسريبات» الذي كان مضطلعا بالتحقيق في التسريبات، والذي قام فعليا بارتكاب عدد من عمليات الاقتحام التي وقع أحدها في مبنى ووترغيت بواشنطن. وفي النهاية، وصمت فضيحة ووترغيت نهاية تاريخ نيكسون المهني. وكان أول رئيس يستقيل في 8 أغسطس (آب) 1974 وهو الوحيد حتى الآن.

وبالنسبة لأميركا والعالم، أعلنت وثائق البنتاغون 1971 حلول عصر الشفافية الحكومية. ولكن نيكسون الذي خالفه الحظ قد أساء قراءة الموقف. فبدلا من الإقرار بالتسريبات حاول قمعها وخسر في النهاية.

وبعد ذلك بنحو أربعة عقود، نصّب جوليان أسانج، الأسترالي المولد، نفسه وصيا جديدا على الشفافية الأميركية. وعلى موقعه الإلكتروني «ويكيليكس»، بدأ أكبر عملية تسريب في تاريخ الحكومات، عندما بدأ يكشف تدريجيا عن ربع مليون من المراسلات الدبلوماسية السرية الخاصة بوزارة الخارجية الأميركية التي تتضمن أنواع التفاصيل المفيدة كافة - وغير المفيدة - بداية من وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه «الكلب ألفا» وصولا إلى الممرضة المرافقة للزعيم الليبي معمر القذافي. وتغطي الوثائق كل شيء بداية من الاجتماعات إلى حفلات الزواج والانطباعات الشخصية.

وقد أعطت تلك النميمة الدبلوماسية للصحافة شيئا تتحدث حوله، ودفعت بحمرة الخجل إلى وجه أميركا. وتم نقل أحاديث على لسان زعماء العالم وهم يتحدثون بصراحة. فكانوا قد تخلوا عن حذرهم لأنهم يتحدثون في بيئة خالية من التسجيل. وبالتالي جعلت تلك التسريبات قادة العالم متشككين. فإذا ما وجدت كل فكرة غير دبلوماسية تلفظوا بها أمام الدبلوماسيين الأميركيين طريقها إلى الصفحات الأولى للصحف العالمية، فإن هؤلاء القادة سوف يتوقفون عن الحديث بحرية أمام المسؤولين الأميركيين. ومن المنظور العالمي، من الأفضل أن تعيد أميركا ترتيب شؤونها الداخلية وتوقف هذه التسريبات، أو سيبدأ المسؤولون في جميع أنحاء العالم الحديث في الاجتماعات الخاصة مع نظرائهم الأميركيين بما يقولونه علانية لوسائل الإعلام.

وقد تعهد موقع «ويكيليكس» بإطلاق ما مجمله 251.287 رسالة، تشتمل على ما يزيد على 261 مليون كلمة. وتغطي المراسلات ما يقارب من نصف قرن من تاريخ الدبلوماسية الأميركية من 28 ديسمبر (كانون الأول) 1966 إلى 28 فبراير (شباط) 2010. وهي تأتي من 274 سفارة أميركية وقنصلية وبعثات دبلوماسية.

ومنذ 29 نوفمبر (تشرين الثاني)، يكشف الموقع عن البرقيات بمعدل 60 برقية يوميا. وبالمعدل الحالي فإن «ويكيليكس» سوف يحتاج إلى 15 عاما لكي ينشرها جميعا. وبغض النظر عن الفضائح التي تثيرها تلك الوثائق، فإن حماس وسائل الإعلام والاهتمام الجماهيري بمحتوى تلك الوثائق سوف يتراجع خلال أسابيع عدة. ولكن قبل أن يخفت الانتباه، انقسم العالم بين المؤيدين لجهود أسانج لتعزيز الشفافية الحكومية وهؤلاء الذين يرون أن أفعاله تمثل انتهاكا لخصوصية الحكومة.

وفي رسالة على موقعه الإلكتروني، كتب أسانج أن الهدف وراء نشر تلك المراسلات هو إظهار «مدى تجسس الولايات المتحدة على حلفائها والأمم المتحدة، وغض الطرف عن الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان في الدول العميلة، والصفقات السرية مع الدول التي يفترض أنها دول محايدة، وممارسة الضغوط من أجل شركات أميركية، والإجراءات التي يتخذها الدبلوماسيون الأميركيون لتقديم هؤلاء الذين يستطيعون الوصول إليهم».

ويمثل ذلك، وفقا لـ«ويكيليكس»، «تناقضا بين صورة (الولايات المتحدة) المعلنة وبين ما تقوله (الولايات المتحدة) خلف الجدران، كما أنه يظهر أنه إذا ما أراد المواطنون في دولة ديمقراطية أن تلبي حكوماتهم رغباتهم، يجب عليهم أن يطلبوا الاطلاع على ما يدور خلف الكواليس». ولا يتفق كل الأميركيين مع هدف أسانج.

قال ليزلي غيلب، أحد المشاركين في وثائق البنتاغون 1971 في حوار لـ«المجلة» إنه «على الرغم من إصرار أسانج على أنه قام بذلك من أجل الشفافية.. فإنه عندما اطّلع على الخفايا لم ير ما كان جليا للغاية: وهو أن دبلوماسيينا كانوا يؤدون مهمتهم ببراعة».

ويقول غيلب، وهو كاتب العمود السابق في «نيويورك تايمز» ومؤلف «قوانين السلطة: كيف يستطيع المنطق إنقاذ سياسة الخارجية الأميركية»: «إن مفهوم أسانج عن الشفافية الحكومية مشوّش». ويقول: «إذا كانت الإدارة الأميركية تكذب أو تشوه الحقائق أو تخبر الجمهور بجانب من القصة وتحتفظ بالجانب الآخر لذاتها، فيجب أن نعلن كل شيء للجمهور وبالوسائل كافة. وإذا كانت الحكومة الأميركية تختلق المعلومات الاستخبارية لكي تبرر الحروب، فدعونا نأمل أن يكشف صحافي مغامر عن ذلك لنا جميعا».

ويقول غيلب، وهو أيضا الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية رفيع المستوى: «حقا، عندما تتخلص من كلامه الفارغ وتتوقف عن الإصغاء للتحليلات الغريبة في الأخبار على قنوات الكابل أو حتى على الصفحات الأولى في الصحف الكبرى، وتقرأ تلك المراسلات بعناية، فإن ذلك ما سوف تجده: يحاول القادة والدبلوماسيون الأميركيون حل مشكلات العالم الكبرى».

وهناك أصوات أميركية أخرى قللت من أهمية مراسلات «ويكيليكس». في المقال الافتتاحي، وصفت «واشنطن بوست» الوثائق بأنها «غير مؤذية» وبأنها «مفيدة»، حتى وإن كان «الزعماء الأجانب في كل مكان سيتوخون الحذر على الأقل لفترة قبل أن يتحدثوا بصراحة أمام الدبلوماسيين الأميركيين». وقد طالبت «أميركان دايلي» الإدارة بوضع قيود جديدة على الوصول للملفات الحكومية السرية.

ومن المنظور الأميركي، تسببت وثائق «ويكيليكس» في ضرر طفيف، وعلمت واشنطن درسا: إنهاء الوصول السهل للملفات الحكومية.

ومن المنظور العربي، أكدت «ويكيليكس» شهادات سابقة لمصادر مجهولة، وأظهرت - في العواصم العربية - أن ما تتم مناقشته خلف الأبواب المغلقة يختلف قليلا عما يتم نشره في الصحف. ويعني ذلك أنه بالنسبة لبعض الحكام العرب فإن ما تراه هو ما ستجده.

وفي الماضي، تساءل عدد من المحللين البارزين حول ما إذا كان عراق صدام حسين وحشيا كما كانت أفعاله توحي، أم أنه كان محاطا بمستشارين أبعدوه عن الحقيقة؟ وقد أظهرت، الحلقات الأخيرة المتلفزة من محاكمات صدام بالإضافة إلى الشهادات المدونة لاحقا - كالتي كتبها محقق المباحث الفيدرالية جورج بيرو الذي كان يحقق معه أو محاميه خليل الدليمي - أن زعيم العراق السابق كان يعيش في عالم من الوهم. وكان صدام المولع بأمنه وصحته، يعيش في عالم من المؤامرات التي كان ينظر فيها للوحشية الجماعية باعتبارها في مصلحة العراقيين والعرب. وخلال فترة حكمه كقائد للعراق، تشكك الجميع في أن صدام غير مستقر عقليا. وجاءت المعلومات الخاصة التي أدلى بها بيرو والدليمي لتؤكد عدم استقرار صدام.

كذلك، تكشف وثائق «ويكيليكس» على نحو غير مفاجئ عن أخطاء كبرى في أسلوب إدارة الحكومة السورية لشؤونها، وبخاصة سياستها الخارجية. في رسالة دبلوماسية من عمان، كتب دبلوماسي أميركي: «جهل سوري صارخ». وورد في الرسالة نقلا عن وزير الخارجية الأردني السابق مروان المعشر: «يوضح سلوك (نائب الرئيس السوري فاروق) الشرع في الكويت جهل سورية الصارخ بالولايات المتحدة وبقية العالم الخارجي».

ووفقا للرسالة، قال المعشر: «أخبر الشرع الأردنيين بما يشبه أخبار صحف التابلويد مما أوضح مدى ابتعاده عن الواقع». وأضاف المعشر قائلا: «قال الشرع (للأردنيين) إن الأمير تشارلز سيتورط قريبا في تحقيق قضائي اسكتلندي يتعلق بوفاة الأميرة ديانا، وأنه بالتالي يخطط لجولة إلى العراق وإيران سعيا إلى دعم من العالم الإسلامي».

وأضاف المعشر للدبلوماسيين الأميركيين: «إنهم لا يستوعبون الأمر». وقد أثبتت المراسلات الدبلوماسية الأميركية المسربة ما يتم نسبه في الغالب إلى مصادر مجهولة الاسم في وسائل الإعلام العربية. وتعرف جميع الشعوب العربية أن كثيرا من مسؤوليها ببساطة جاهلون وسطحيون ولا يقولون في السر ما يختلف كثيرا عما يقولونه في العلن.

ولم تكشف مراسلات «ويكيليكس» عن سورية شيئا جديدا. منذ أن تولى باراك أوباما الرئاسة، قام العديد من الوفود بزيارات إلى دمشق، أحدثها كانت زيارة ويليام برنز، المسؤول الثاني عن وزارة الخارجية الأميركية، إلى سورية لمقابلة الرئيس بشار الأسد، وطلب منه وقف شحن أسلحة «جديدة» إلى حزب الله.

وفي شهر أبريل (نيسان)، ورد في تقارير إخبارية، على الرغم من الطلب الأميركي، أن الأسد ما زال رافضا، وكان على وشك إرسال صواريخ سكود إلى حزب الله في لبنان. وعندما تصدر أمر الصواريخ عناوين الأخبار، نفى الأسد التقارير وتراجع عن إرسال الشحنة، معيدا إياها إلى المخازن السورية. والتزمت واشنطن الصمت أيضا، ولكنها لم تخف لومها للأسد بسبب ما كان يعتزمه. وما ورد في المراسلات التي نشرها موقع «ويكيليكس» في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) تؤكد فقط، ولم تكشف، التقارير الإخبارية عن نية سورية في شحن صواريخ سكود إلى حزب الله في أبريل.

وفي رسالة أخرى من دمشق، يرجع تاريخها إلى ديسمبر (كانون الأول) 2008، بعنوان «مقابلة وفد الكونغرس برئاسة غريغ في 30 ديسمبر مع الرئيس بشار الأسد». جاء في الوثيقة: «في مقابلة صريحة استمرت ساعة مع (الأسد)، وأعضاء الكونغرس (جود) غريغ و(إيفان) بايه و(أرلين) سبيكتر و(مايكل) إنزي و(جون) كورنين و(إمي) كلوبوكار... أكد غريغ على اهتمام واشنطن بتحسين العلاقات الأميركية - السورية وشجع الأسد على اتخاذ خطوات إيجابية أيضا».

وأضافت المذكرة السرية: «قال الأٍسد إنه لا يجب ربط العلاقات السورية مع إيران بمباحثات السلام الإسرائيلية - السورية. ومن الممكن أن يتم حل علاقات سورية مع حماس وحزب الله والجماعات الأخرى بصورة مرضية فقط بعد تحقيق سلام إقليمي شامل». ونقلت الوثيقة أيضا عن الأسد قوله إن الولايات المتحدة «يجب أن تستغل الأشهر القليلة المقبلة من أجل تحسين العلاقات، حتى يستطيع الطرفان التغلب على انعدام الثقة المتبادل الذي يحول دون مصداقية الولايات المتحدة كوسيط صادق». وفي اللقاء، وفقا للرسالة الواردة من دمشق، قال وزير الخارجية وليد المعلم إن «عبء القيام بالخطوة الإيجابية التالية يقع على عاتق الولايات المتحدة».

ومنذ عام 2008، حاولت كل من واشنطن والرياض التعامل بلطف مع الأسد في محاولة لجذبه بعيدا عن تحالفه مع طهران ووكلائه حزب الله وحماس. وفي جميع المناسبات العلنية تقريبا، كان الأسد ومعاونوه يكررون بأنهم لا يرون صلة بين تحسين العلاقات السورية مع الولايات المتحدة والسعودية، وابتعاد دمشق عن طهران.

وكان المشككون في فائدة التقارب مع سورية دائما ما يذكرون تصريحات الأسد العلنية. وأثبتت وثائق «ويكيليكس»، بدلا من أن تفضح، الموقف السوري المعلوم حول علاقاتها بإيران: لن تقطع دمشق صلتها بطهران، إن وجدت حوافز أميركية وعربية أو لم توجد، على الأقل طالما تؤمن سورية بأن إيران قوة إقليمية صاعدة.

وفي إشارة أخرى إلى أن وثائق «ويكيليكس» ذكرت ببساطة ما هو واضح، وإن كان ذلك بلغة صريحة غير مسبوقة، ما نقلته رسالة دبلوماسية من الإمارات نقلا عن ولي عهد إمارة أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان أنه وصف إيران بـ«التهديد الوجودي»، وأنه كان قلقا من «الوقوع في مرمى النيران» إذا استفزت إسرائيل أو الولايات المتحدة طهران. وحذر الشيخ محمد من مخاطر «استرضاء إيران» لأن «أحمدي نجاد مثل هتلر». ونقل عن محمد بن زايد حثه للولايات المتحدة على دراسة إرسال قوات برية إلى إيران إذا لم تتمكن الضربات الجوية من «تدمير» أهداف نووية إيرانية.

هل كانت الوثيقة المسربة في نوفمبر عن موقف الإمارات من إيران مفاجئة؟ لا. في يونيو، قال سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة: «أعتقد أنه على الرغم من حجم التبادل التجاري الكبير بيننا وبين إيران، الذي يقرب من 12 مليار دولار.. ستكون هناك تبعات (لضرب إيران)، وسيكون هناك هجوم ومشكلات مع متظاهرين ومسببي أعمال الشغب الغاضبين من هجوم قوة خارجية على دولة مسلمة، ولكن هذا سيحدث بصرف النظر عن أي شيء».

وأضاف العتيبة في تصريحاته التي تراجعت عنها السفارة، قائلا: «إذا سألتني، سأرغب في العيش مع ذلك في مقابل العيش مع إيران نووية.. أرغب في امتصاص ما سيحدث على حساب أمن الإمارات». ومنذ أعوام قليلة وحتى الآن، موقف الإمارات من إيران، مثل معظم دول الخليج الأخرى، يؤيد ضمنيا اتخاذ إجراء عسكري ضد طهران.

وكشفت نسخة من رسالة يرجع تاريخها إلى 20 أبريل (نيسان) عام 2008 عن أن جل الدول العربية تخشى زيادة نفوذ إيران في المنطقة، لا سيما في العراق. ما هو الجديد إذن في تشجيع العرب للعالم على مواجهة التهديد الإيراني؟ هل خوف العرب من النفوذ الإيراني داخل العراق سر؟ الإجابة على هذين السؤالين هي: لا. لقد كانت أخبار تلك التقارير الواردة من جل العواصم العربية تنشر لفترة من الوقت.

وفي حين يدعي أسانج أن رسائله المسربة تساهم في تطبيق مبدأ الشفافية وتقوية الديمقراطية الأميركية، يجب أن يضع الناس في اعتبارهم أنه قبل نشر موقع «ويكيليكس» للرسائل الأميركية السرية، كانت الولايات المتحدة تتمتع بمجتمع مدني هائل ووسائل إعلام تراقب الإدارة الأميركية. وسواء كانت المسرب وثائق البنتاغون لعام 1971، أو أخبار التعذيب في سجن أبو غريب في العراق عام 2004، أو التقارير اللاحقة عن الغمر بالماء في غوانتانامو، كانت الحكومة الأميركية أحيانا ما تجد أنه من الصعب أن تبقي صفقاتها الخلفية سرا. وبذلك أصبحت واشنطن مجبرة على التصرف مع كوارث في العلاقات العامة وفضائح تنال من صورتها، أو تخاطر بذلك.

وإسهام أسانج في تحقيق شفافية أميركا لا يعدو أكثر من كونه تدخلا في الخصوصية، حتى لو كانت هذه الخصوصية لموظفين فيدراليين في وزارة الخارجية الأميركية ينشرون القيل والقال عبر المحيطات. وحتى الآن، المعلومات التي كشف عنها «ويكيليكس» أقل بكثير من تلك التي كانت معروفة، وإن كانت بلهجة أقل دبلوماسية.

الاثنين، 3 يناير 2011

هل التقى روس مسؤولين سوريين؟ وهل تفكر الإدارة... بقنوات خلفية؟

| واشنطن من حسين عبد الحسين | جريدة الراي

بعد أيام على ظهور تقارير في العاصمة الاميركية تفيد بان مسؤول الملف الايراني في الادارة الاميركية ومبعوث السلام السابق دينيس روس زار دمشق والتقى كبار المسؤولين فيها للبحث في التوصل الى سلام بين سورية واسرائيل، ووسط نفي رسمي سوري للزيارة، تضاربت الانباء في واشنطن حول حصول الزيارة، وما اذا كانت حصلت فعلا الى دمشق، أم ان روس التقى وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مكان آخر.

ففي واشنطن تيارات عدة، تعمل احيانا وفقا لاجندات متضاربة، ما يجعل من الصعب تحديد تاريخ اجتماعات روس مع المسؤولين السوريين، خصوصا ان تم الاتفاق على سريتها.

الفريق الاساسي المعني بمتابعة مسار السلام بين سورية واسرائيل يقوده فريد هوف، ويعمل تحت اشراف مبعوث السلام الحالي جورج ميتشل. هذا الفريق يصر على ان عملية السلام بين دمشق وتل ابيب متوقفة تماما في الوقت الحالي، وينفي حصول الاجتماعات حسب علمه.

لكن الاسابيع الاخيرة شهدت احباطا اميركيا من مسار عملية السلام برمتها منذ دخول باراك اوباما البيت الابيض قبل عامين. وفي خضم ذلك، حضر الى واشنطن مسؤولون اسرائيليون رفيعو المستوى، وعقدوا لقاءات مع نظرائهم الاميركيين، الذين نقلوا اليهم خيبة امل اوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون من اداء وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك، المؤيد الاول للسلام عموما ومع سورية خصوصا، في العملية السلمية.

ولطالما عمل باراك وزيرا للخارجية، وزار واشنطن تكرارا للحديث عن السلام، خصوصا في تعذر قيام وزير الخارجية الاسرائيلي اليميني افيغدور ليبرمان بالدور المطلوب، نظرا لتطرف مواقفه ولـ «غياب الكيمياء» بينه وبين نظرائه الاميركيين، على حد تعبير احد المسؤولين الاميركيين.

خيبة الامل الاميركية من باراك ودوره في عملية السلام التي كتبت عنها صحيفة «هآرتس»، اول من امس، هي التي حملت بعض المسؤولين الاسرائيليين والديبلوماسيين الاميركيين السابقين، الى الايعاز الى الادارة الاميركية بوجوب ولوج باب السلام - مع سورية خصوصا - من زاوية التعامل مع الملف الايراني.

عندما ينتقل الملف السوري من وضعية مفاوضات السلام الى وضعية ايران، تنتقل صلاحيته من ميتشل الى روس، الذي قام بزيارة سرية لاسرائيل في منتصف الشهر الماضي، حسب صحيفة «يديعوت احرونوت».

والانباء عن هذه الزيارة دفعت اكثرية المراقبين في واشنطن الى الاعتقاد ان اوباما قرر استبدال ميتشل، الذي لم ينجح في الدفع في اتجاه اي تقدم ملموس على المسار السلمي حتى الان، بروس.

«الراي» ووسائل اعلامية اميركية حملت التقارير عن امكانية استبدال ميتشل بروس الى مسؤولين في الادارة للحصول على اجابة، فسمعت نفيا اميركيا. لكن اللافت كان الحديث في الكواليس عن محادثات روس مع المسؤولين الاسرائيليين، والتي يبدو انها تركزت على ارتباط عملية السلام بموضوع ايران.

وجزمت بعض المصادر ان «روس اكمل جولته السرية بلقائه مسؤولين سوريين»، وهو ما نفته سورية، ما حمل بعض الصحافيين على العودة الى مصادرهم لتأكيد الخبر، لتقول المصادر انه «لو حصلت الزيارة سريا، فان الطرفين الاميركي والسوري سيقومان بنفيها. في الحد الادنى». وتضيف المصادر: «حصل اتصال، مباشر او غير مباشر، بين روس والسوريين».

كما يجزم العارفون في امور واشنطن ان «لدمشق اكثر من قناة اتصال مع واشنطن، تتضمن اعضاء في مجلس الشيوخ والكونغرس حاليين وسابقين». هؤلاء حملوا اخيرا رسائل مكثفة ومتكررة الى الادارة الاميركية حول «استعداد دمشق للحديث عن الابتعاد عن ايران»، وهو ما يجعل من دخول روس على خط السلام السوري - الاسرائيلي امكانية اكبر، حتى لو من دون علم بعض القنوات الرسمية، بما فيها ميتشل وفريقه، الذي ينفي اي حراك على المسار السلمي السوري - الاسرائيلي اليوم.

وفي وسط البلبلة الاميركية، يبرز تياران اميركيان. الاول يؤكد ان «دمشق جاهزة لانجاز السلام واعادة التموضع الاستراتيجي»، والثاني يجزم ان «تجربة مفاوضات السلام مع سورية في الماضي، كما اليوم، اثبتت انها اضاعة للوقت تستخدمها دمشق كلما احست بضغط دولي عليها من نوع او من آخر، ان كان في الموضوع اللبناني او الفلسطيني او غيرهما».

هل حصلت زيارة روس فعليا لدمشق بعد زيارته اسرائيل سريا؟ هل كانت تنوي التقارير عن حصول هذه الزيارة الى نسف زيارة كان ينوي روس القيام بها في المستقبل القريب الى سورية؟ هل هناك اتصال بين روس والسوريين او اختراق على المسار السلمي السوري - الاسرائيلي؟ يمكن للمهتمين في هذا الشأن والمتابعين للموضوع الحصول على اجابات متصاربة ومتناقضة من فرق اميركية عدة تعمل بالتنسيق مع فصائل اسرائيلية متباينة، فيذهب روس سرا الى اسرائيل، فيما ميتشل يزور المنطقة، وفي نفس الاثناء تتحدث واشنطن عن خيبة املها من باراك الذي يبدو انه يعد بسلام لا يقوى على الايفاء به في ظل ضعفه داخل الحكومة امام الاطراف الاسرائيلية الاخرى.

من يزور من؟ قد تحصل هذه الزيارات، وقد لا تحصل، ولكن المؤكد حتى كتابة هذه السطور ان واشنطن عازمة بحزم على تجديدها مساعيها للوساطة السلمية في الايام والاسابيع القليلة المقبلة، فيما تتواتر الاشارات من دمشق الى واشنطن - حول استعداد سورية للتوصل الى اتفاق واعادة تموضع - بشكل لا سابق له.

ويؤيد التفاؤل الاميركي حول قرب التوصل الى سلام سوري - اسرائيلي تجاوز اوباما للكونغرس وتعيينه روبرت فورد سفيرا في سورية بمرسوم، اذ بعد عام من اليوم، سيعود فورد الى مجلس الشيوخ لجلسة استماع جديدة والى معركة سياسية بين اوباما والجمهوريين اذا لم تقدم خلالها الادارة الاميركية اي انجازات ملموسة على الصعيد السوري، ويعود فورد وادارته، ومعهما العلاقة الاميركية - السورية، الى المربع الاول.