الثلاثاء، 26 يونيو 2012

تقرير / «معهد دراسة الحرب» الأميركي: ثوار سورية يسيطرون على مناطق واسعة

| واشنطن - «الراي» |

خلص تقرير اعده «معهد دراسة الحرب» الى انه مع حلول منتصف الشهر الجاري، كان الثوار السوريون يسيطرون على مساحات واسعة من الريف في شمال ووسط البلاد، وان «على المجتمع الدولي ان يستعد لحرب اهلية طويلة في سورية»، وان «مدى عدم الاستقرار الاقليمي يعتمد على نجاح المعارضة في تحويل نفسها الى حكومة بديلة او دخول مناطقها في حالة فوضى وتنافس بين المجموعات المتحاربة».
التقرير الذي اعده جوزيف هاليداي، وهو ضابط احتياط في الجيش والاستخبارات العسكرية الاميركية وسبق ان شارك في حربي العراق وافغانستان، اعتبر انه «اذا ما استمر الصراع على مساره الحالي، سيتمكن التمرد الذي يزداد نضوجا من مبارزة السلطة السورية في مناطق واسعة من البلاد، لكنه لن يتمكن من الاطاحة بنظام (الرئيس السوري بشار) الاسد في المستقبل المنظور».
واضاف التقرير: «يمكن للأسد ان يستمر في الاعتماد على ولاء مجموعة من التشكيلات العسكرية، ولن يكون بمقدور الثوار ذو التسليح الخفيف والتنظيم المحلي من الزحف على دمشق للاطاحة بالحكومة». ويتابع: «بسبب ذلك، من المرجح ان يمسك الاسد بالعاصمة لما تبقى من سنة 2012».
التقرير قال ان «التنظيمات المذهبية والامنية، التي تشكل جزءا اساسيا من النظام، يمكنها ان تمسك بالمنطقة الساحلية لفترة اطول» من تلك التي يمكن للأسد الاستمرار فيها في دمشق. في المقابل، يرى التقرير ان «النظام لا يملك القوات المطلوبة ليمسك بكل سورية»، وان «سيطرته تتآكل في انحاء البلاد»، معتبرا انه «عندما تزداد المعارضة قوة، او تتشتت فيه قوة النظام، سيخسر نظام الاسد احتكار استخدام القوة في الشمال والشرق وحتى في وسط سورية».
يضيف هاليداي في تقريره انه «في صيف 2012، سيضطر الاسد للاختيار بين توحيد قواته لعملية عسكرية واسعة، او عمليا التنازل عن اجزاء من سورية للمعارضة». ويتابع: «على الارجح سيختار (الاسد) الخيار الاول لان النظام لن يقبل بانفصال اراض كأمر واقع الا ان اضطر لذلك، ومن المرجح ان يركز النظام حملته العسكرية ضد الثوار في مناطق ريف حمص».
حمص، حسب التقرير، استراتيجية بالنسبة للنظام لانها «تربط دمشق بالساحل وحلب، واذا ما استعادت قوات النظام حمص، قد يكون بمقدورها اكمال هجومها شمالي محافظة حماة وفي ادلب، خصوصا ان زادت روسيا وايران من مساعداتها العسكرية للنظام». ويتابع: «اذا ما فشل داعمو الاسد الدوليون في تقديم دعم للعمليات البرية ضد التمرد، من غير المرجح ان تستعيد قواته السيطرة على كل سورية». ولكن حتى في حال استعاد الاسد السيطرة على حمص، يرى التقرير انه لن يستعيد السيطرة على المناطق الشرقية والشمالية للبلاد، وانه مع مرور الوقت، «ستقتصر سيطرة النظام العلوي على معاقلها في المنطقة الساحلية، وهو ما يعني ان نظام الاسد سينجو حتى عندما تنهار الدولة» السورية.
كما تحدث التقرير عن المجالس العسكرية المحلية للثوار، وقال ان عدد مقاتليهم يبلغ 40 الفا، وضرب مقارنة مع المواجهة بين نظام الاسد في الثمانينات و»الاخوان المسلمين»، معتبرا انه حينذاك، تطلب انهاء قوة الاخوان، التي كانت تقدر باربعة الاف، حوالي ثلاث سنوات، ما يعني ان فرض قضاء الاسد على 40 الفا لن تكون ممكنة اليوم.
ولفت التقرير الى ان الثوار انشأوا مجالس عسكرية في المناطق والمحافظات المختلفة، ومع انهم ينضوون اسميا تحت لواء «الجيش السوري الحر»، الا انهم يعملون باستقلالية. واعتبر ان هذه المجالس الثورية تتمتع بشرعية شعبية، وان من مصلحة الولايات المتحدة ان تدرك ان هذه المجالس هي القادرة على انشاء هيئات تملأ الفراغ بعد انهيار مؤسسات الحكومة السورية، وان تنظيمات المعارضة في الخارج لن تستطيع القيام يهذه المهمة.
وانتقد اصرار واشنطن على النأي بنفسها عن تسليح معارضة الداخل، معتبرا انه في وقت تصر الادارة الاميركية على تنظيم معارضة الخارج في ما يشبه حكومة منفى، تتسارع الاحداث وتفرض نفسها، ويزداد تسليح الجهات الخارجية للثوار من دون ان ينتظر اميركا او خططها، وهو ما يحتم على الاميركيين ضرورة مراعاة التطور السريع للظروف على الارض، والمشاركة في تنظيم الثوار في الداخل وتدريبهم على انشاء سلطات محلية قادرة على الامساك بالامور في مرحلة ما بعد انهيار نظام الاسد.
هاليداي رصد كذلك عملية تسليح الفصائل الثورية السورية، وقال ان مصادر في المعارضة «اشتكت من ان المجموعات الاسلامية، وخصوصا الاخوان المسلمين في سورية، قامت بتمويل فصائل الثوار التي تشاركهم النظرة الدينية». ونقل كذلك عن مصادر في المعارضة قولها ان للاخوان فرع في مخيم اللاجئين في انطاكية يعمل على تمويل المجموعات المسلحة ذات التوجه الديني. وقال ان الاخوان يسيطرون على موازنة «هيئة الانقاذ» في «المجلس الوطني السوري»، وان ايميلات تم تسريبها في مارس اظهرت ان المجلس ينقل مليون دولار كل ثلاثة ايام من حسابه في الدوحة الى حسابه في انقرة.
الا ان هاليداي لفت كذلك الى وجود مجموعات ثورية مقاتلة كثيرة غير اسلامية تستلم تمويلا من جهات سورية ليبرالية وعلمانية، خصوصا من الاغتراب السوري، واستند الى مقابلة مع احد الثوار يصف فيها كيف استلمت مجموعته 35 الف دولارا من المغتربين السوريين، وكيف انفقتها في شراء الاسلحة من مسؤولي نظام الاسد الفاسدين.

إلغاء دعوة مفتي سورية لإلقاء محاضرة في واشنطن

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

لم تدم دعوة مفتي سورية احمد بدرالدين حسون لالقاء محاضرة في العاصمة الاميركية اكثر من بضع ساعات قبل ان تتراجع عنها الجهة المنظمة وتصدر بيانا مقتضبا تقول فيه انه «لاسباب طارئة»، قررت «جمعية السلام في الشرق الاوسط» الغاء المحاضرة التي كانت مقررة يوم غد الخميس.
والجمعية هي من اكثر المجموعات المقربة من اللوبيين الايراني والسوري في واشنطن، ويرأسها الديبلوماسي السابق برتبة سفير فيل ويلكوكس، وفي عضوية مجلس امنائها الديبلوماسي السابق ريتشارد مورفي. وكانت الجمعية اعلنت عن تنظيمها لقاء يحاضر فيه كل من حسون، ومستشاره للشؤون الكنسية المطران لوقا الخوري، تحت عنوان «التعايش والحوار في سورية».
ويلكوكس لم يعط اي اسباب تفصيلية، ولكنه قال لصحيفة «واشنطن تايمز» انه كان يدرك انه سبق لحسون ان «هدد» الولايات المتحدة بموجة من الانتحاريين من «ابناء وبنات سورية ولبنان» في حال قامت واشنطن بشن ضربات عسكرية ضد اي من البلدين.
ومع ذلك، فان ويلكوكس وجه الدعوة الى حسون والخوري، وكان يأمل ان ينجح في استخدام علاقاته مع زملائه السابقين في وزارة الخارجية لاستصدار تأشيرة دخول
(فيزا) اميركية لهما. الا انه يبدو ان وزارة الخارجية الاميركية لم تتجاوب ورغبات ويلكوكس.
وفي هذا السياق، علمت «الراي» ان الجهات الاميركية المعنية رفضت منح تأشيرة فيزا لاي من حسون والخوري، لا لتصريحاتهما العلنية، بل لاعتقاد ان حسون متورط في تدبير تفجيرات في دمشق اعلنت وسائل الاعلام السورية انها من فعل التنظيمات الارهابية المتشددة. وتقول مصادر اميركية ان بحوزتها دلائل على ضلوع اقرباء للخوري في محاولة تضليل عبر انشاء مواقع انترنت باسم مجموعات اسلامية متطرفة وهمية، ونشر بيان يتبنى التفجيرات على هذه المواقع.
وتضيف المصادر: «يندر ان ترفض واشنطن منح الفيزا للأشخاص حول العالم بسبب مواقفهم السياسية، فيما غالبا ما يرتبط الرفض بتوافر معلومات حول علاقة من تم رفض تأشيراتهم بنشاطات معادية للولايات المتحدة الاميركية».
الكاتب السوري ميشال كيلو كان اتهم الخوري، وهو وكيل بطريركي، باستدعاء رجال الامن وتسليمهم خمسة شبان وشابات مسيحيين ممن احتجوا لديه ضد وقوف الكنيسة الى جانب نظام الاسد. وكتب كيلو ان الخوري يعمل على تحريض المسيحيين الاحتفال بمقتل مسلمين ضد الاسد من قرى مجاورة، وانه رعى انشاء مجموعة تطلق على نفسها اسم «شبيحة المسيح».
وكان عدد من المجموعات السورية المعارضة في العاصمة الاميركية اصدرت بيانات تستنكر الدعوة لحسون والخوري للحضور الى واشنطن والقاء المحاضرة. ووصف يحيى باشا، رئيس جمعية «متحدون من اجل سورية حرة»، حسون بأنه «حليف الاسد» وبأنه «وقف دائما الى جانب الافعال الرهيبة لنظام الاسد».

الاثنين، 25 يونيو 2012

متى ينتهي ربيع العرب؟

حسين عبد الحسين

اذا كان إحراق الشاب التونسي محمد البوعزيزي نفسه في كانون الثاني (يناير) 2011 هو بداية ربيع العرب، فكيف يمكن لنا ان نحدد نهايته؟

في سوريا، لا شك ان الربيع مازال فعلا مضارعا، ولكن ماذا عن تونس ومصر واليمن وليبيا حيث تنحى الحكام السابقون او هزموا أو قتلوا؟ ومتى يمكن القول إن الثورات العربية المندلعة حققت اهدافها حتى تنتقل الشعوب من الحالة الثورية الى حالتها الطبيعية؟

“ان الثورات، مثل تلك المندلعة في مصر التي خرجت من عقود من الديكتاتوريات والقمع، هي عملية طويلة،” يقول ستيفن هادلي، مستشار الامن القومي السابق في ادارة جورج بوش الابن، في مقابلة مع صحيفة “واشنطن بوست”.

“انها عملية صعبة ما يحاول ان يفعله المصريون، دعونا نعطيهم فرصة”، يضيف هادلي.

الصحيفة تعتبر ان كبار مسؤولي ادارة الرئيس باراك اوباما يوافقون هادلي رؤيته، وتنقل عن احدهم قوله “الحقيقة ان هذه العملية، بطبيعتها، تحصل على المدى الطويل، على مدى اجيال”. ويتابع: “لا يمكننا ان نقيس هذه العملية بفترة ستة اشهر، او حتى سنة لانها ستستمر لوقت طويل”.

وبالحديث عن مصر، يبدو، من الناحية التقنية على الاقل، ان الربيع انتهى هناك، فحسني مبارك تنحى، والمصريون انتخبوا ممثليهم الى البرلمان، حتى لو حصلت مناكفات سياسية حاولت التشكيك في صحة الانتخاب. كذلك، انتخب المصريون، لاول مرة في تاريخهم، محمد مرسي، من “الاخوان المسلمين”، رئيسا للجمهورية. واذا كان الحال كذلك، فما الذي ينتظره المصريون اكثر من ذلك من ربيعهم؟ وهل سيتوقفون عن التجمهر في ساحة التحرير مع كل تصريح سياسي او انتخاب او حتى مبارة كرة قدم؟

والاجابة هي انه يبدو ان المصريين انفسهم لا يعرفون ماذا يتوقعون من ربيعهم، وهم ليسوا وحدهم بين العرب. ففي العراق، بعد انهيار نظام الرئيس الراحل صدام حسين وقيام العراقيين بانتخاب اول مجلس تمثيلي مؤقت لهم قام بكتابة الدستور واطلق عليه اسم “الجمعية العامة”، ارسلت احدى الفضائيات العربية مراسلها الى شارع “14 رمضان” في بغداد ليستطلع آراء العراقيين حول الديمقراطية.

“اين هي الديمقراطية؟” اجاب رجل في منتصف العمر، مضيفا: “كهرباء ماكو، بنزين ماكو، مي ماكو”. من الواضح ان ذلك العراقي الذي عرض للكاميرا اصبعه مصطبغا بالازرق للدلالة على قيامه بالانتخاب، لا يعتقد ان حرية اختياره ممثليه لكتابة الدستور هي الديمقراطية، بل يتوقع خدمات من كهرباء وماء، وربما وظائف وافادات ريعية على اشكال مختلفة.

ولاشك ان اليوم، لو قامت احدى الفضائيات باجراء مقابلات مماثلة مع مصريين حول انجازات ثورتهم، التي شهدت حتى الآن توجههم الى صناديق الاقتراع ثلاث مرات في اقل من سنة ونصف، الاولى لاستفتاء تعديل الدستور، والثانية لانتخاب برلمان، والثالثة لانتخاب رئيس، ناهيك عن حرية التعبير المتجلية في التظاهر الدائم في “ساحة التحرير”، وفي انفلات الاعلام الخاص من الرقابة وتمتعه بحرية رأي غير مسبوقة، فان الاجابات ستكون المطالبة بأمور لا تمت الى العملية الديمقراطية بصلة.

وعلى الارجح ان معظم الاجابات المصرية، وحتى التونسية والليبية واليمنية، ستتمحور حول المطالبة بوظائف وخدمات وامور لا تتعلق بالعرب ولا بربيعهم بشيء.

ان التغيير، في دنيا العرب او غيرها، هو فعلا عملية طويلة، ومستمرة، وتحصل على مدى اجيال، مع انها في فترات معينة تأخذ وتيرة متسارعة ظاهريا، كما يحصل منذ مطلع العام الماضي. هذا ما يعني ان احراق البوعزيزي نفسه، على الرغم من اهميته الرمزية، لم يكن سببا كافيا وحده لاطلاق الربيع العربي، بل ان المثقفين هم من عينوا هذه الحادثة كتاريخ بداية لربيع عربي مازال كثيرون يختلفون على اسباب واوقات اندلاعه.

ربيع العرب بدأ على الارجح قبل البوعزيزي. في سوريا، تحدث كثيرون عن “ربيع دمشق” ابان تسلم بشار الاسد السلطة خلفا لابيه في العام 2000. في الولايات المتحدة، كثيرون من مؤيدي الحرب في العراق يعتبرون ان هذه الحرب وسقوط صدام حسين فتحا باب سقوط الانظمة العربية الاخرى شعبيا فيما بعد.
في لبنان، تصر غالبية اللبنانيين على ان “انتفاضة الاستقلال” التي شهدت اولى التظاهرات العربية المليونية في 14 آذار (مارس) 2005، والتي فرضت نهاية الاحتلال السوري في لبنان، كانت هي شرارة الربيع العربي الفعلية.

ونحن والحالة هذه امام ربيع بدأ اما في العام 2000، او 2003، او 2005، او 2011. واذا من غير الممكن تحديد بداية لربيع العرب، سيكون من شبه المستحيل تحديد نهاية له.

الأربعاء، 20 يونيو 2012

قمة أوباما - بوتين: هل يخرج الأسد قبل ... أو بعد الحوار السياسي؟

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
جريدة الراي

لم يخرج اللقاء الذي جمع الرئيسين الاميركي باراك اوباما والروسي فلاديمير بوتين، على هامش «قمة العشرين» في المكسيك اول من امس، بنتيجة حاسمة حول الخطوات المطلوب اتخاذها لانهاء المجازر التي يرتكبها الرئيس السوري بشار الاسد بحق مواطنيه، رغم تسجيل المراقبين تراجعا اميركيا حول الشروط المطلوبة لبدء الحوار السياسي في سورية.
وقال مسؤولون في البيت الابيض ان اللقاء سمح للرجلين بالتعبير عن اختلافاهما، «وخصوصا في الاشهر الاخيرة حول سورية»، معتبرين ان بوادر حل تلوح في الايام، «لا الاسابيع المقبلة»، على حد تعبير السفير الاميركي في روسيا مايك ماكفاول، الذي حضر اللقاء، وشارك على اثره في جلسة بين المسؤولين والصحافيين.
في تلك الجلسة، لم يفلح المسؤولون الاميركيون - نائب رئيس مجلس الامن القومي بن رودز، والناطق باسم البيت الابيض جاي كارني، وماكفاول - في اقناع الصحافيين ان اوباما وبوتين توصلا الى نوع من التفاهم حول سورية، رغم اصرار المسؤولين الثلاثة على ان كلا من واشنطن وموسكو تعتبران ان حل الازمة في سورية يأتي حصرا عن طريق «العملية السياسية».
مصادر مطلعة على مجريات اللقاء، الذي دام ساعتين بين اوباما وبوتين واستغرق الحديث عن سورية 40 دقيقة منه، قالت للـ «الراي» ان اوباما استهل اللقاء بالقول ان بلاده ترى ان الحل في سورية «سياسي» بحت، وانه «لا يمكن (للرئيس السوري بشار) الاسد ان يكون جزءا من هذا الحل، فهو خسر مصداقيته امام شعبه وامام المجتمع الدولي». واردف اوباما ان خروج الاسد من السلطة من شأنه ان ينهي دوامة العنف ويطلق عملية سياسية لمرحلة ما بعد خروجه.
بوتين، بدوره، اجاب انه موافق على الحل السياسي، لكنه يعتقد ان «مصير سورية يرتبط بالسوريين وحدهم»، اي ان «العملية السياسية هي التي تحدد مصير الاسد وما يحدث بعد ذلك».
وبعد اخذ ورد، يبدو ان الزعيمين توصلا الى خلاصة مفادها انهما يدوران في حلقة مفرغة، فواشنطن تعتقد ان «رحيل الاسد يليه عملية سياسية»، حسب المصادر، فيما ترى موسكو ان «العملية السياسية لا المجتمع الدولي هي التي تقرر رحيل الاسد».
في ظل الخلاف بين الاثنين، كان الاتفاق على «ابقاء التواصل المستمر» حول سورية، وتم الانتقال للحديث حول موضوع قبول عضوية روسيا في منظمة التجارة العالمية.
لكن مصادر رصدت تراجعا اميركيا، وتبنيا نوعا ما للموقف الروسي، بدا جليا في تخلي واشنطن عن مواقف سابقة اعتبرت فيها ان خطة المبعوث الخاص كوفي انان فشلت، وانه على المجتمع الدولي «فرض» الحل السياسي عن طريق مجلس الامن، وربما تحت البند السابع من ميثاق الامم المتحدة. كما تخلّّت واشنطن عن «ترتيب اولويات انان» في خطة النقاط الست التي قدمها، والتي اعتبرت ان وقف النار ونشر مراقبين دوليين والافراج عن المعتقلين وسحب الجيش السوري من المدن بمثابة خطوات تمهيدية لاطلاق الحوار السياسي بين الحكومة السياسية وقوى المعارضة.
التراجع الاميركي بدا جليا أيضاً، في تصريحات لرودز اثناء الجلسة مع الصحافيين قال فيها: «اعتقد ان كان هناك اتفاق بين الزعيمين انه يجب ان تكون هناك عملية سياسية، ولا يمكن ان يرتبط الامر فقط بوقف النار، بل بعملية سياسية تتعاطى مع المواضيع الاساسية التي تحرك الصراع في سورية».
واردف رودز ان بلاده ترى ان «على العملية السياسية ان تتضمن خروج بشار الاسد من السلطة».
لكن المسؤول الاميركي، ورغم اصرار الصحافيين، لم يفصح ان كانت بلاده تعتبر خروج الاسد شرطا لبدء الحوار، او نتيجة له، وهذا هو لب الخلاف الاميركي - الروسي.
وفي السياق نفسه، يدور الحديث في اروقة القرار الاميركي عن امكان قبول واشنطن والعواصم الغربية فكرة انان لاقامة «مجموعة اتصال» تكون في عضويتها الدول المؤثرة في سورية، وهي الدول دائمة العضوية في مجلس الامن، وتركيا وايران ودولة ممثلة عن جامعة الدول العربية. ويقول مسؤولون اميركيون ان موسكو تعمل بكد لاطلاق المجموعة، وان بعض عواصم القرار تعمل على تذليل العقبات لقيامها، مثل تغيير مكان انعقاد جلساتها من موسكو الى جنيف، وتعديل شروط عضويتها من «الدول المؤثرة» الى «جامعة الدول الاسلامية» او اي صيغة مشابهة اخرى تسمح بمشاركة ايران، لكن من خلال اطار دولي او اقليمي معين.

منجّمون استراتيجيون: كتاب "المائة سنة المقبلة"


حسين عبد الحسين

أعاد المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري ميت رومني الى الواجهة كتاب “المائة سنة المقبلة” بقلم عميل “وكالة الاستخبارات المركزية” (سي آي ايه) السابق جورج فريدمان، بعدما كشفت حملة رومني، هذا الاسبوع، عن “لائحة قراءات” الاخير، والتي تضمنت الكتاب.

فريدمان، والذي يدير مركز ابحاث خاص اسمه “ستراتفور” ومعروف بقربه من دوائر الاستخبارات الاميركية، يتنبأ في كتابه بعودة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا في العقد الحالي. ويتابع ان روسيا ستعقد تحالفا مع ألمانيا، وستستمر موسكو بتسليح جيوشها حتى تشكل تحديا في وجه القوة العسكرية الاميركية. اما واشنطن، فستدخل بدورها في تحالفات مع ثلاث دول في اوروبا الشرقية هي الجمهورية التشيكية، والمجر، وبولندا، او ما سيعرف بالكتلة البولندية.

في العام 2020، يتوقع فريدمان ان تنهار روسيا وتتفتت تحت الضغط الاقتصادي لهذه الحرب الباردة في وجه اميركا. وفي نفس الوقت تقريبا، يتوقف الصعود الاقتصادي الصيني المستمر منذ ثمانينات القرن الماضي، وتنهار الوحدة الصينية تحت وطأة انعدام المساواة في توزيع الثروة داخليا بين الصينيين.

انهيار روسيا والصين سيفسح المجال، حسب الكاتب الاميركي، لبروز ثلاث قوى هي تركيا واليابان وبولندا. تركيا توسع نفوذها عبر سيطرتها على العالم العربي، واليابان تستولي على الجزر الصينية، وبولندا تهيمن على حلفائها في الكتلة البولندية. في العشرينات والثلاثينات من القرن الحالي، تكون الولايات المتحدة في تحالف مع هذه القوى بادئ ذي بدء، ثم ما تلبث ان تبتعد عنها عندما تدرك واشنطن ان هذه القوى تهدد المصالح الاميركية، فتشكل تركيا واليابان تحالفا يدخل في مواجهة مع كتلة بزعامة اميركية وتحت لوائها “الكتلة البولندية” المزعومة، وربما “الصين والهند وكوريا موحدة وبريطانيا”، والاخيرة تدخل في الحلف الاميركي تحسبا لدخول ألمانيا وفرنسا في تحالف مع الاتراك.

تنشب حرب عالمية ثالثة في حوالي العام 2050، يقول فريدمان، بعد هجوم مفاجئ ضد الولايات المتحدة، وتستمر الحرب سنتين او ثلاثة، ويروح ضحيتها عشرات الآلاف. بعد الحرب، اي مع حلول الستينات من القرن الحالي، تعيش اميركا عقدا من البحبوحة بسبب انفرادها وقوتها حول العالم من دون منازع.

في السبعينات، يعتقد فريدمان ان الاميركيين من اصل مكسيكي سوف يسيطرون على الجنوب الغربي من البلاد، وقد يطالبون بالانضمام الى المكسيك، التي ستصبح والحالة هذه، اكبر خطر على الزعامة الاميركية، وهو صراع يستمر الى القرن الثاني والعشرين، ويشي بأن ثقل القوة العالمية سيبقى متمركزا في اميركا الشمالية، حتى بعد قرن من اليوم.

هل تصدق نبوءات فريدمان؟ المعطيات السياسية حاليا تشير الى توتر، وما يشبه المواجهة بين واشنطن وموسكو حول ملفات عديدة حول العالم، يتصدرها الملف السوري حيث تسعى روسيا الى حماية بشار الاسد من ثورة شعبه المندلعة ضد حكمه منذ آذار (مارس) من العام الماضي، يلي سوريا التوتر بين الدولتين حول ملف ايران النووي، وموضوع الدرع الصاروخية التي تنوي اميركا اقامتها في عدد من دول اوروبا الشرقية.

لكن على الرغم من هذا التوتر، يبقى الصراع بعيدا جدا عن حرب باردة ثالثة، فموسكو تستجدي المجتمع الدولي للدخول في “منظمة التجارة العالمية”، وحاكمها فلاديمير بوتين يواجه معارضة متنامية في الشارع الروسي قد تؤدي الى الاطاحة بحكمه في المستقبل المنظور، وهذه دلالات لا تشي بأنه يمكن لروسيا العودة الى جبروتها السوفياتي الماضي. كذلك في تركيا ذات النفوذ المتنامي، لا يبدو ان انقرة في طور فرض اي سيطرة تذكر على العالم العربي، وهي بالكاد تقوى على مواجهة جارتها ايران وطموحاتها النووية.

مع ذلك، قد تصدق توقعات فريدمان التي اصدرها في كتاب في العام 2009، والتي اعادها رومني الى الواجهة اليوم، ولكن، على حسب القول المأثور، “كذب المنجّمون ولو صدقوا”.

صالح المشنوق.. الوجه اللبناني الجريء


حسين عبد الحسين
المجلة

لسنين خلت، شكا اللبنانيون من انعدام الكاريزما بين معظم سياسييهم. عزز هذا الانطباع غياب المنافسة الجدية لدى الاحزاب التي غالبا ما يترأسها اما اقطاعيون، او رجال اعمال، او حديثو النعمة وامراء الحرب. لكن في عالم السياسة، يتغير اللاعبون. يخفت نجم هذا، ويصعد نجم ذاك.

لكن في لبنان اليوم، عدد من السياسيين الشباب الذين يمرون في مراحل صعود ويلفتون الانظار الى حضورهم، وخصوصا عبر وسائل الاعلام. صالح المشنوق، نجل نهاد المشنوق عضو البرلمان اللبناني عن كتلة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، هو احد السياسيين الشباب الصاعدين من دون مواربة.

في بيروت، تعددت الادوار التي يقوم بها هذا اللبناني ابن التسع وعشرين ربيعا، فهو تارة صحافي وطورا محاضر جامعي. وفي مرات اخرى، يلعب دور “منسق” هذا التجمع او ذاك. ولكن مهما كان دور المشنوق، فإن حضوره – وخصوصا التلفزيوني – يبقى لافتا.

في واحدة من مناظراته الابرز عبر شاشة “ام تي في” اللبنانية، شن المشنوق حملة مركزة ضد مناظرته فيرا يمين، وهي مساعدة للسياسي اللبناني الموالي للأسد سليمان فرنجية. عندما حاولت يمين تقزيمه لصغر سنه بقولها انه “قيل لها” ان المشنوق كتب على “فايسبوك” انه ذاهب الى حوار فيه يمين وسيهاجمها والفريق السياسي الموالي للأسد الذي تنتمي اليه، والمؤلف من فرنجية والنائب ميشال عون ومناصريه و”حزب الله”، اجابها بحنكة انه يفتخر انه يمثل “جيل الشباب” الذين يقومون بثورات الربيع العربي.

ثم قالت يمين متوجهة الى المشنوق: “زوروا التاريخ منذ العام 2005، الى ان وصلوا ليعتذروا من نظام بشار الاسد علنا انهم اخطأوا بحق سورية”، فسألها المشنوق “من هم الذين اعتذروا؟” فترد عليه “الرئيس سعد الحريري”. هنا يفاجئ المشنوق يمين بالقول: “انا حبيبتي لا امثل الا نفسي ولن اعتذر من قاتل… لا تقولي انتم، قولي الرئيس الحريري، انا مستقل، و(اعتذار الحريري من الاسد) جزء لا يجوز ولا اخلاقي من التسوية السياسية (في العام 2010)”.

هذا النفس الثوري للمشنوق اكسبه شعبية لا يستهان بها في لبنان وبعض الدول العربية، اذ تحول الى “فشة خلق”، على قول العامية اللبنانية، فهو عندما يحاور السوريين الموالين للأسد، يحرجهم، وعندما يحاول اللبنانيون الموالون للأسد احراجه بإلصاق تصرفات فريقه السياسي به، “يتبرأ” من الفريق وتصرفاته علنا على شاشة التلفزيون، ويقول انه مستقل ولا يمثل الا نفسه، مما يخرجه من الاطار التقليدي للسياسة والسياسيين اللبنانيين ويضعه في مكان ابعد من ان تطاله سهام الاتهامات المعروفة التي يكيلها السياسيون اللبنانيون بعضهم لبعض.

الفريق السياسي الذي ينتمي اليه المشنوق في لبنان، اي تحالف “14 آذار”، هو تحالف عريض مؤلف من احزاب وشخصيات ويتمتع عموما بتأييد شعبي واسع سمح له بإلحاق الهزيمة بالفريق الذي يقوده “حزب الله” والمعروف بـ “تحالف 8 آذار” في الانتخابات البرلمانية في العام 2009.
بيد ان مشكلة “14 آذار” الكبرى هي حاجته الى قادة اصحاب كاريزما. وليد جنبلاط، زعيم الدروز، كان من قلائل قادة “14 آذار” من اصحاب الجرأة التي يرافقها ذكاء فطري سياسي وعمق ثقافي لا يستهان به. ولكن جنبلاط خرج من “14 آذار” خوفا من تهديدات “حزب الله” له ولمناصريه باجتياحهم عسكريا على اثر اشتباكات وقعت في ايار 2008.

مع خروج جنبلاط، اصبح حضور “14 آذار” الشعبي خجولا. قياديوه الذين يتصدرهم رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، كما والده رئيس الحكومة رفيق الحريري الذي تم اغتياله في شباط 2005، هما من رجال الاعمال، مما يجعل من اسلوبهما في السياسة “ديبلوماسيا” في الغالب، يغيب عنه الزخم في المواقف والكاريزما التي يتمتع بها جنبلاط، او التي لدى الفريق المقابل كما في شخص امين عام “حزب الله” حسن نصرالله.

هذه الحاجة الى زعماء شعبويين في الشارع السني اللبناني ولدى مؤيدي “14 آذار” فرضت المشنوق، على الرغم من صغر سنه، كمحاور صاحب نفس هجومي، غالبا ما يلقّن مناظريه دروسا، ويطرح شعارات يستحسنها لبنانيون وعرب، وصلت الى حد شنه هجوما على نصرالله نفسه، وهذا ما يخشى القيام به عدد كبير من السياسيين اللبنانيين، لا للثمن السياسي فحسب، بل لان مهاجمة رجل دين يقود جيشه الخاص، مثل نصرالله، ترعب الخصوم من خطر التصفية الجسدية.

في كانون الثاني الماضي، اطل نصرالله بمناسبة “عاشوراء”، ليتحدث عن آلام الإمام الحسين في معركة كربلاء. وكما العادة، ينتقل نصرالله من الحديث الرمزي الديني الى الخطابة السياسية، فيكرر دعمه للأسد وينفي وقوع اي احداث في سوريا غير مواجهة امن الاسد لحفنة من المخربين المدعومين من الدول التي تتآمر على “المقاومة” والانظمة التي تدعمها كما في ايران وسوريا على حد تعبيره.

محطة “ام تي في” استضافت المشنوق للتعليق على خطاب نصرالله، فشن المشنوق هجوما غير مسبوق على زعيم “حزب الله”، واستهل مداخلته بالقول: “اقول للسيد حسن، اللي استحوا ماتوا، هذا السيد هو سيد الفريق الذي اغتال رفيق الحريري، سيد جرائم 7 ايار (2008)، سيد انقلاب القمصان السود الذي فرض هذه الحكومة على اللبنانيين (كانون الثاني 2011)”.
واضاف المشنوق: “يتحدث (نصرالله) عن سيدنا الحسين، ويقول انه ركض وقال هيهات منا الذلة، اليوم شعار الثورة السورية شو، مش الموت ولا المذلة؟ الثلاثة الذين قتلهم شبيحة الاسد على الحدود مع سوريا امس، هؤلاء ليسوا هيهات منا الذلة؟ بس لانو طائفتهم مختلفة عن نصرالله وكذلك انتماءهم السياسي؟”

المشنوق درس في “الجامعة الاميركية في بيروت”، وهو يستعد للذهاب الى “مدرسة كينيدي للعلوم الحكومية” في جامعة هارفرد المرموقة بمدينة بوسطن الاميركية.
قد يغيب المشنوق بعض السنوات لإكمال دراسته العليا، ولكنه حتما على موعد مع التاريخ لدى عودته، فبرامج الحوار التلفزيونية لن تكتمل من دون عصبيته و “وضعه الأصبع على الجرح”، او على الاقل كما يحلو لمؤيديه على صفحات التواصل الاجتماعي وصفه.




الخميس، 14 يونيو 2012

تقهقر أوباما انتخابيا ... وبلبلة في صفوف حزبه

| واشنطن - من حسين عبد الحسين |

في مقر «اللجنة الوطنية للحزب الديموقراطي» على جادة «ساوث كابيتول»، هرج ومرج وحالة من البلبلة. المبنى يبدو كسفينة تغرق وركابها، نصفهم من المتطوعين في العمل السياسي، في حالة ذعر بعدما اظهر آخر استطلاعات الرأي، الذي اجرته وكالة «رويترز»، ان فارق النقاط السبع الذي كان يتمتع به الرئيس باراك اوباما في وجه منافسه الجمهوري ميت رومني تقلص الى نقطة واحدة.
لم يأت التراجع من خارج سياق تدهور وضع الديموقراطيين وأوباما عموما، فهم خسروا معركة استرداد مركز المحافظ في ولاية ويسكونسن في وجه الجمهوري سكوت ووكر، قبل اسبوع. في ذلك السباق، لم يجدد ووكر ولايته فحسب، بل اتسع الفارق الذي هزم بموجبه منافسه الديموقراطي. اوباما وفريقه كانا يعلمان ان مطالبة حزبهما باعادة الانتخاب للمحافظ هي بمثابة خطأ سياسي قامت به النقابات العمالية في الولاية، لذا حاول اوباما و«اللجنة الوطنية للحزب الديموقراطي» البقاء خارج المعركة الخاسرة. وفي وقت لاحق، عندما سأل احد الصحافيين الرئيس الاميركي عن السبب حول عدم مشاركته في المعركة عن طريق حشده للتأييد للمرشح الديموقراطي توم باريت، اجاب الرئيس انه بقي خارج السباق «لازدحام جدول مواعيده»، وهو ما اعتبره كثيرون، خصوصا من الديموقراطيين، مؤشر ضعف وعذرا اقبح من ذنب.
واعتبرت صحيفة «واشنطن بوست»، التي تخصص زاوية «اسوأ اسبوع سياسي» في عددها الصادر في عطلة نهاية الاسبوع، ان اوباما وحزبه عاشا اسوأ اسبوع لهما، فالرئيس قال للصحافيين ان «القطاع الخاص بخير»، وهو ما اثار عاصفة ردود اجبرت اوباما على التراجع عن تصريحه في اقل من اربع ساعات. 
ورغم الاعتقاد الذي كان سائدا حتى الامس القريب بأن فوز اوباما على رومني، الذي يواجه مشكلة انه «غير محبوب» بين صفوف الاميركيين من الحزبين، هو امر محسوم، انقلبت الصورة في غضون ايام قليلة وصارت استطلاعات الرأي المتوالية تظهر تراجعا متواصلا لاوباما، لا على صعيد الولايات المتحدة ككل فحسب، بل على صعيد الولايات الاحدى عشرة التي يعتبرها القياديون من الحزبين «ساحات معارك انتخابية» في يوم الانتخابات في 6 نوفمبر المقبل، ومن بينها ويسكونسن التي هزم فيها الجمهوريون الديموقراطيين للتو.
التراجع الديموقراطي قابله تحسن في المزاج لدى الحزب الجمهوري، فعضو الكونغرس الجمهوري ورئيس لجنة الموازنة بول رايان، الذي عرف بتقديمه مشاريع موازنة تقشفية تهدف الى تقليص العجز وخفض الدين العام، وهو ما يؤيده غالبية الجمهوريين، أطل على قناة «فوكس نيوز» اليمينية ليقول: «هذا شيء مدهش، اذا كنا نواجه هذه الماكينة ومازال رومني متعادلا (مع اوباما)».
كريس بالانتري، وهو احد المتطوعين الديموقراطيين، وقف يتفرج على اطلالة رايان التلفزيونية. لم تعجبه عبارة «هذه الماكينة»، وانفعل قائلا ان الماكينة الجبارة هي لدى الجمهوريين. سحق كريس كوب القهوة الكارتوني الفارغ بين يديه، وعرض علينا فنجان قهوة. 
ويقول الناشطون الديموقراطيون ان مشكلتهم الرئيسية مازالت المال، منذ اصدرت المحكمة العليا في يناير العام 2009 قرارا سمحت بموجبه للشركات بالتبرع انتخابيا، وسمحت باخفاء هوية المتبرعين. «في انتخابات 2008، تفوق الرئيس (اوباما) على (هيلاري) كلينتون لانه جمع اموالا اكثرمنها، وكذلك تفوق على (مرشح الحزب الجمهوري في حينه السناتور جون) ماكين بالمال»، يقول كريس، الذي عمل في حملة 2008 ويؤكد ان الاموال وقتذاك جاءت من القاعدة المؤيدة للحزب، «اما هم (الجمهوريون) فيأتون بأموالهم من الشركات الكبيرة».
ويضيف الناشطون العاملون في مقر «اللجنة الوطنية للحزب الديموقراطي» ان موازنة الجمهوريين الانتخابية تبلغ حاليا اربعة اضعاف موازنتهم (الديموقراطيين).
وينقلون عن مسؤول جمع التبرعات، عضو الكونغرس الديموقراطي ستيف اسرائيل قوله انه «في الانتخابات النصفية في العام 2010، لم يهزمنا الجمهوريون، بل هزمنا كلا من (المستشار الرئاسي السابق) كارل روف، والاخوين كوك، وهؤلاء يديرون جمعيات تتمتع باكبر تمويل انتخابي تشهده الولايات المتحدة في تاريخها».
هنا يمرر الينا احد الناشطين الجمهوريين مذكرة يقول انها صدرت حديثا، يتوجه فيها الحزب الى اوباما وماكينته الانتخابية بطلب «تغيير الرسالة» الانتخابية للرئيس. ومما ورد في المذكرة ان «الناخبين غير مقتنعين بأننا ذاهبون بالاتجاه الصحيح (اقتصاديا)، فهم يعيشون في اقتصاد جديد، ولا يلوح في الافق اي تعاف للاقتصاد قد يغير من وجهة نظرهم». وتضيف المذكرة: «في الواقع، لدى الناخبين نظرة واقعية جدا للاقتصاد... وروايتنا الحالية القائلة بأن الاقتصاد يتحسن تبعدنا عنهم».
حتى الاستراتيجي والمحلل السياسي الديموقراطي المعروف جايمس كارفيل، الذي اشتهر بتوجهه الى الرئيس جورج بوش الاب، ابان خسارته الانتخابات امام بيل كلينتون، بالقول «انه الاقتصاد يا مغفل»، يعتقد ان «حديث البيت الابيض عن التحسن الاقتصادي يبعد اوباما عن العالم ويصوره على انه في عالم مختلف... عالم لا يشعر فيه بالوجع الاقتصادي للاميركيين».
لكن الديموقراطيين المذعورين من تقهقرهم مازالوا يعتقدون انهم يتمتعون بحظوظ لا بأس بها للاحتفاظ بالبيت الابيض، وربما مجلس الشيوخ كذلك، على ان ذلك يعتمد بالدرجة الاولى على حث كبار متموليهم على العطاء بسخاء لردم الهوة المالية الانتخابية بين الحزبين. وفي هذا السياق، ارسل غاي تشيشيل، الرئيس التنفيذي للجنة، مذكرة الى الديموقراطيين جاء فيها انه يتفهم معارضتهم لقرار المحكمة العليا الذي سمح بتدفق الاموال، ولكن على الديموقراطيين ان «يغلقوا انوفهم، ويتبرعوا للسوبر باك»، وهي الجمعيات المسؤولة عن الحملات الاعلانية من خارج الماكينات الانتخابية الرسمية للحزبين.
هل يفتح كبار متمولي الحزب الديموقراطي جيوبهم لمواجهة الجمهوريين؟ وهل تجري ماكينة اوباما الانتخابية، الواثقة من نفسها دائما، تعديلات على الخطاب الانتخابي للرئيس والحزب عموما؟ وهل تنفع التعديلات التكتيكية للديموقراطيين في كبح جماح التقدم الجمهوري المطرد الذي يضع اوباما في موقف حرج لجهة فوزه بولاية ثانية؟ الاجابات عن كل هذه الاسئلة ستظهر في الايام والاسابيع القليلة المقبلة، وسيحاول الديموقراطيون القيام ما بوسعهم القيام به من اجل بقائهم السياسي. 
لكن يبقى السؤال الاخير، ان اعتبرنا ان فوز اوباما يرتبط بتحسن الاقتصاد الاميركي، كيف يتقدم اقتصاد الولايات المتحدة في وقت تتباطأ سائر الاقتصادات العالمية في اوروبا والصين والبرازيل والهند؟ وكيف يسيطر اوباما على عوامل عالمية تبدو خارج تأثيره؟ يقول احد العاملين في فريق كارل روف: «عندما تكون مرشحا للرئاسة، لا يهم ماذا يحصل على الارض، بل المهم هو كيف يعتقد الاميركيون انك تتعامل مع ما يحصل».

الأربعاء، 13 يونيو 2012

تقرير / إيران تستجدي «التسوية الكبرى» مع أميركا

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

كشفت مصادر اميركية معنية بالملف الايراني، ان الجمهورية الاسلامية بعثت برسائل عبر «اصدقاء مشتركين» الى الولايات المتحدة تقترح فيها اعادة احياء الحديث عن «التسوية الكبرى» التي قدمها فريق ادارة الرئيس باراك اوباما، ابان انتخاب الاخير العام 2008، وان واشنطن، التي تشن حرب اقتصادية وجاسوسية واسعة على طهران تحت اسم «الالعاب الاولمبية»، تجد نفسها في موقع جيد، وتعتقد ان الوقت في مصلحتها، وتفاوض من زاوية انها ليست على عجلة من امرها.
الفارق بين «ارتياح» واشنطن و«توتر» طهران ظهر في الايام القليلية الماضية اثناء التحضيرات لعقد الجولة الثالثة من المفاوضات حول ملف ايران النووي بين «مجموعة دول 5 + 1» وايران، اذ فيما كرر المفاوضان الايرانيان سعيد جليلي وعلي باقري تهديداتهم بنسف الجلسة لاسباب مختلفة، اصدرت وزارة الخارجية الاميركية بيانا اتسم بالهدوء، وجاء فيه ان «الولايات المتحدة تبقى متحدة مع شركائها في مجموعة دول الخمس زائد واحد وفي التزامها للتحضيرات الجدية لجولة المفاوضات في موسكو وللسماح بنجاح المسار الديبلوماسي».
وأكدت المصادر الاميركية ان الرسائل الايرانية الى واشنطن تضمنت الترحيب «بزيارة وزيري الدفاع والخارجية الاميركيين الى طهران في اي وقت». وكان اوباما تعهد، اثناء حملته الانتخابية قبل اربع سنوات، ارسال الوزيرين الى ايران للتوصل الى تسوية، وتوجه مرارا وعلنا الى القيادة الايرانية والشعب الايراني برسائل ودية تحضّهم على فتح صفحة جديدة بين البلدين. الا ان ايران رفضت عروض واشنطن مرارا في العام 2009.
الا انه مع حلول العام 2011، بدا ان المتغيرات العالمية والاقليمية اجبرت القيادة الايرانية على اعادة حساباتها السياسية.
وفي هذا السياق، كشف المفاوض الايراني السابق حسين موسويان ان بلاده دعت موفد الولايات المتحدة السابق الى منطقة افغانستان - باكستان مارك غروسمان لزيارة طهران والتباحث في الشأن الافغاني.
وقال موسويان، اثناء محاضرة في «معهد كارنيغي للسلام» قبل اسبوع، انه على اثر انهيار مفاوضات اسطنبول في يناير 2011، وجهت ايران الدعوة الى غروسمان، لكن واشنطن رفضتها. «كانوا (الايرانيون) على وشك فتح باب آخر، لكن الولايات المتحدة رفضت ذلك»، حسب المسؤول الايراني السابق، الذي يعتبر نفسه من اكبر المؤيدين لفكرة التوصل الى «تسوية كبرى» بين البلدين.
كيف يمكن ان تتوصل اميركا وايران الى التسوية المذكورة؟ يعتقد موسويان ان «العرض» الذي قدمته «مجموعة دول خمس زائد واحد» الى الوفد الايراني في بغداد، والذي سيعاد تقديمه اليهم في موسكو، «لا يفي بطموحات ايران»، معتبرا ان العروض التي تسعى اليها طهران تتضمن التفاوض حول شؤون اقليمية مثل سورية والعراق ولبنان وافغانستان والبحرين.
وكان سعيد جليلي اقترح صراحة على الوفود الدولية، في بغداد في 23 مايو الماضي، الحديث حول الازمة في سورية، الا ان الوفود الغربية رفضت ذلك. وتقول المصادر الاميركية ان طهران جهدت فيما بعد لدعوة المبعوث الاممي الخاص الى سورية كوفي انان لزيارتها للاعتراف بدورها في التوصل الى حل في سورية.
وكان انان زار طهران في 11 ابريل الماضي، واطلق في حينها تصريحات مفادها انه بامكان ايران المساهمة للتوصل الى حل في سورية. حديث انان عن دور ايراني في التوصل الى حل في سورية عاد الى الواجهة الاسبوع الماضي عندما تحدثت الاوساط الديبلوماسية عن نيته انشاء «مجموعة اتصال» تشارك فيها الدول دائمة العضوية في مجلس الامن، فضلا عن تركيا وايران ودولة ممثلة عن الجامعة العربية.
«السعي الى دور اقليمي، فضلا عن رفع العقوبات الاقتصادية الدولية عليها، هو الثمن الذي تطلبه ايران مقابل التوصل الى حل لملفها النووي»، يقول مسؤول اميركي رفيع المستوى رفض كشف اسمه. كل الاشارات الايرانية، العلنية والضمنية، تذهب في هذا الاتجاه، «كان آخرها اصرار جليلي على عقد جلسة للخبراء تسبق جلسة المفاوضين في موسكو».
لما الاصرار الايراني على «جلسة خبراء»، يقول المسؤول ان مشكلة جلسات المفاوضات انها تشوبها «الرسمية»، وان «الوفود تتبادل وجهات النظر المعروفة بخطابات تكررها في الجلسات المتتالية». اما اللقاء على صعيد الخبراء، فممكن الحديث خلاله «بصراحة اكبر».
ويضيف المسؤول ان «واشنطن تعتقد ان لدى ايران خطة باء في حال فشلت جهودها في اقناع واشنطن بالتوصل الى تسوية كبرى». الخطة الايرانية، حسب المسؤول الاميركي، تقضي بالتوصل الى اتفاقية بين طهران و«وكالة الطاقة الذرية» لتفتيش المعامل الايرانية ومراقبتها في شكل متواصل، و«في حال افادت الوكالة ان ايران متعاونة، يقدم ذلك حجة لحلفاء ايران في موسكو وبكين للقيام اما بمحاولة رفع العقوبات من خلال مجلس الامن، او عدم الالتزام بالعقوبات من خارج المجلس بحجة التجاوب الايراني مع الوكالة».
بيد ان حتى التوصل الى اتفاق ايراني مع الوكالة يبدو بعيدا، اذ لم يخرج مديرها كريستيانو امانو بأي انطباعات ايجابية على اثر زيارته طهران قبل اسابيع. ومع انه رشح ان ايران وافقت على نصب كاميرات في مفاعلاتها النووية للمراقبة الدولية، لكنها رفضت فتح اي مواقع اخرى لا تعتبرها هي مفاعلات، وهنا يبرز الخلاف بين طهران والوكالة حول قاعدة بارشين العسكرية، التي تطالب الوكالة بزيارتها لاعتقادها ان نشاطا عسكريا نوويا يجري هناك، فيما رفضت ايران طلب الزيارة بحجة ان الموقع ليس نوويا، بل عسكريا فقط، ولا صفة للوكالة بزيارته اومراقبته.
ماذا يحدث في حال فشلت المفاوضات مع ايران وتوقفت؟ يجيب المسؤول الاميركي ان «الوقت لمصلحتنا»، لكنه يرفض الاسترسال في تصريحه. 
اما الاجواء السائدة عموما تشي بأن الولايات المتحدة مرتاحة لسير العقوبات التي صارت تؤذي الاقتصاد الايراني، وانها مرتاحة كذلك لسير الحرب الجاسوسية الخفية، والتي كان آخرها حقن كومبيوترات حكومية ايرانية بفيروس «شعلة» الذي ينقل معلومات حساسة من ايران الى القيمين عليه في اميركا.
وكانت التسريبات حول حرب اميركا السرية على ايران، والتي نشرتها اولا صحيفة «نيويورك تايمز»، ادت الى صراع سياسي داخل واشنطن، اذ اتهم الجمهوريون اوباما وفريقه بالترويج السياسي لتقدمه على الايرانيين ولاقناع الرأي العام بعدم الحاجة الى ضربة عسكرية، فيما اعلن فريق اوباما البدء بالتحقيقات لمحاسبة المسؤولين عن التسريبات الى الصحيفة.
ومن ضمن الاشاعات التي تدور في العاصمة الاميركية ان واشنطن تعرف اكثر بكثير مما تعلن حول كيفية سير البرنامج النووي الايراني، وان اميركا تعتقد البرنامج متعثرا، ولاحاجة لا لضربة عسكرية ولا لتنازلات اقليمية للايرانيين، بل ان البرنامج يؤمن غطاء لحرب اميركا الاقتصادية والجاسوسية على ايران، وما المفاوضات الا وسيلة مفيدة لكسب الوقت وانزال الضرر الاكبر بالقيادة الايرانية.

ردا على كيسنجر.. التدخّل في سوريا مبرّر

حسين عبد الحسين
المجلة

يندر ان يطل من الاميركيين من يحاجج وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر في شؤون السياسة الخارجية. الا أن آن ماري سلوتر، المديرة السابقة لدائرة “رسم السياسات” في وزارة الخارجية، شذت عن القاعدة ووجهت نقدا لاذعا للمسؤول الاميركي السابق، متهمة اياه بتبني حجج روسيا والصين في تقديم “فزاعة من القش” للتحذير من أن اي تدخل عسكري خارجي في سوريا يؤدي الى تغيير النظام.

وكتبت سلوتر في صحيفة “واشنطن بوست” ان “الهدف من اي تدخل في سوريا هو وقف القتل، واجبار بشار الاسد وحكومته على ملاقاة مطالب الشعب السوري بالاصلاح بدلا من السلاح”. واعتبرت سلوتر انه اذا توقف القتل الذي يمارسه الاسد بحق شعبه، من غير الواضح كيف سيكون شكل العملية السياسية، مرجحة ان يخرج الملايين الى الشارع، وان “تطالب الاكثرية الساحقة من السوريين برحيل الاسد”.

هذه الطريقة من التغيير “من خلال صناديق الاقتراع او التسوية السياسية”، من شأنها حسب الخبيرة الاميركية، ان “تبقي الدولة السورية، اي البيروقراطية والجيش والمحاكم، على حالها” وتمنع تاليا من اندلاع الفوضى في مرحلة ما بعد الاسد. اما تشبيه كيسنجر لسوريا بما حصل في العراق ما بعد صدام حسين، فمقارنة غير موفقة، تقول سلوتر، التي تعتبر ان “الفوضى والعنف الرهيب في العراق نتجا في جزء كبير عن التصميم الاميركي بتدمير المؤسسات الى جانب تدمير صدام حسين”.

وتنتقد سلوتر قيام كيسنجر بإضافة ليبيا الى العراق للتحذير من عواقب التدخل الخارجي، وتقتبس من زيارة الباحث خوان كول الى ليبيا “حيث توقع فوضى، لكنه لم ير في بنغازي ومصراته وطرابلس اي عناصر مسلحة، بل رأى ان معظم الامور تسير بانتظام، ورأى رجال بوليس يسيّرون السير، واحتفالات للاطفال حتى ساعات متأخرة من الليل، وان العائلات تخرج، ومحلات المجوهرات تفتح حتى الثامنة مساء، وان العرب والافارقة يعملون جنبا الى جنب”.

واضافت سلوتر ان مجلة “الايكونوميست” المرموقة كانت توصلت الى نتيجة مشابهة مفادها ان حظوظ ليبيا الاقتصادية ايجابية.

بيد ان المسؤولة الاميركية السابقة وافقت كيسنجر ان في ليبيا، في الاسابيع الاخيرة لحملة “تحالف الاطلسي” هناك، بدا وكأن هدف التحالف الاطاحة بمعمر القذافي. تولد ذلك الانطباع “لا لأن التحالف قام بضرب مقر القيادة والسيطرة حيث كان القذافي وجنرالاته يأمرون بالقيام بمجازر بحق الليبيين، بل لفشل التحالف في حماية ارواح الليبيين ممن كانوا من المؤيدين للقذافي”.

لذلك، تعتقد سلوتر ان الحل في سوريا لا يكون بمنع تكرار ما حصل في ليبيا، بل في اصدار مجلس الامن الدولي قرارا “يحدد بوضوح مهمة استخدام القوة بشكل محدود”، ويصدر بناء على طلب جامعة الدول العربية، وينص على اقامة “مناطق لا قتل فيها” عن طريق استخدام كل الوسائل الضرورية، عدا عن ارسال جنود.
وتتابع سلوتر ان القرار يجب ان يلحظ تزويد المقاتلين السوريين المناوئين للأسد بوسائل الاتصالات والاسلحة لحماية هذه المناطق من احتمال اجتياح قوات الاسد لها، كما يجب ان يأخذ القرار بعين الاعتبار ضرورة “تعطيل الدفاعات الجوية السورية”.

وتقول سلوتر ان كيسنجر اعتبر ان روسيا والصين تدافعان عن النظام العالمي القائم على سيادة الدول، داعيا الولايات المتحدة الى عدم التخلي عن هذا النظام، الذي يعطي الدول حق حكم شعوبها واراضيها وفقا لمزاجها وبعيدا عن التدخل الخارجي.

“صحيح ان مبدأ السيادة هو في صلب ميثاق الامم المتحدة، ولكن بعد اربع سنوات على التصويت عليه، تبنى اعضاء الامم المتحدة الاعلان العالمي لحقوق الانسان، ومع نهاية القرن العشرين، قال امين عام المنظمة السابق كوفي عنان (للمفارقة المبعوث الخاص الى سوريا اليوم) انه على الدول ان تخدم شعوبها، بدلا من ان تخدم الشعوب دولها”، تختم الخبيرة الاميركية.

الخميس، 7 يونيو 2012

«خدمة أبحاث الكونغرس»: الأسد وعائلته سيجبرون على الخروج من السلطة

| واشنطن من حسين عبدالحسين |

اعتبر احدث تقارير «خدمة ابحاث الكونغرس»، ان «سورية تتأرجح على شفير حرب اهلية» وان «الرئيس بشار الاسد، وافراد عائلته، ومناصريه، سيجبرون في النهاية على الخروج من السلطة».
وتابع التقرير ان «قلائل هم المراقبون الذين يقدمون جدولا زمنيا دقيقا وذات مصداقية حول موعد التوصل الى حل للأزمة السياسية» القائمة في البلاد، مرجحا استمرار الثورة السورية، التي اندلعت منتصف مارس من العام الماضي.
واشار التقرير الى ان «التظاهرات السلمية مستمرة، لكن عقمها خلق احباطا وغضبا لدى المعارضين» بسبب استمرار حكم الاسد. واضاف ان «عددا متناميا من المدنيين السوريين يحملون السلاح دفاعا عن انفسهم» في وجه «القوة الساحقة» التي يستخدمها ضدهم النظام.
واورد ان «الادارة لم تعط اي اشارت تفيد بأنها تنوي التدخل عسكريا»، وان «المسؤولين الاميركيين واعضاء في الكونغرس مازالول يتباحثون في الاقتراحات المتعددة لانهاء العنف والتعجيل في رحيل الاسد»، مضيفا ان «لائحة خيارات تشوبها العيوب تواجه صانعي السياسة الاميركية (حول سورية) في ظل مخاوف من استمرار العنف، وعدم الاستقرار الاقليمي».
التقرير اعتبر ان «القوات الموالية للأسد واجهت المقاومة ذات الاكثرية السنية بقوة ودموية في مايبدو انها محاولة متعمدة لصب الزيت على نار التوترات الطائفية، وزرع الخوف بين السوريين، وتقديم خيارين غير مرغوبين للسوريين: اما الاستمرار في الانصياع لحكم الاقلية العلوية، واما الحرب الاهلية واحتمال انهيار الدولة».
وتابع ان استراتيجية الاسد المذكورة «نجحت حتى الآن في ابقاء الطبقة الوسطى من السوريين في دمشق وفي حلب، كما معظم الاقليات الدينية والعرقية، من الانضمام للثورة علنا، ولكن مع تأجيج التوتر الطائفي، تقوض استراتيجية الحكومة من فرص التوصل الى تسوية سياسية قابلة للحياة او العودة الى الهدوء».
وقدم التقرير مقارنة بين «قيادة النظام» التي اعتبرها متماسكة وعلى حالها منذ اندلاع الثورة، وقيادة المعارضة «المنقسمة على نفسها وغير المركزية»، مما يعطي نظام الاسد فرصا في الاستمرار طالما بقيت قيادته موحدة في وجه معارضة متفككة «تصارع من اجل بناء وحدة تنظيمية واستراتيجية».
وعن الضعف العسكري للـ «الجيش السوري الحر»، جاء في التقرير انه «حتى اليوم، تبدو المجموعات المسلحة للمعارضة غير منظمة... ويفتقر المقاتلون المتطوعون لهيكلية قيادة وسيطرة مركزية، كذلك يفتقرون الى التمويل والسلاح الثقيل». وينقل التقرير عما جاء في صحيفة «واشنطن بوست»، قبل اسابيع، من ان «بعض المجموعات الثورية بدأت تتسلم اسلحة ذات نوعية افضل بكثير من قبل تمولها دول خليجية وتنسق العملية جزئيا الولايات المتحدة».
على ان الحكومة الاميركية نفت مرارا تسليحها او مشاركتها في تسليح مجموعات المعارضة السورية، واصر المسؤولون الاميركيون على ان مساهمتهم تقتصر على مساعدات «غير فتاكة»، حسب التقرير، الذي ينقل ايصا عن مسؤولين اميركيين ان «جهات اخرى تقدم انواع مختلفة من المساعدات»، منها العسكرية، للثوار السوريين.
ويضيف التقرير انه «من غير الواضح ان كانت ادارة الرئيس باراك اوباما تنظر الى (تسليح) المعارضة السورية على انه يتناقض ونوايا مجلس الامن الدولي، الذي دعا مرارا الاطراف كافة في سورية، بما فيها مجموعات المعارضة، الى وقف فوري للعنف المسلح بكل اشكاله».
وتحت عنوان «هل يمكن لروسيا التوصل الى حل في سورية»، ورد انه «في وقت عرقلت روسيا اجراءات دولية اقسى بحق الحكومة السورية، قد تكون سياستها تجاه سورية اكثر مرونة مما يتصور البعض، خصوصا ان اعتقدت ان نظام الاسد يواجه خطر الانهيار».
ويختم التقرير: «ان الهدف الروسي هو السيطرة على عملية تغيير النظام من دون انهيار الدولة، مع قيام حكومة جديدة فيها معارضة واجزاء من النظام لم تتلوث ايديها بالدماء، وتقوم الحكومة الجديدة بحفظ المصالح الروسية، الا انه في حال حاولت روسيا السعي الى تدبير انتقال منظم للسلطة في سورية حتى لو اعتبرنا ان ذلك مازال ممكنا فهي تخشى من ان فشل مساعيها قد يطيح بهيبتها، خصوصا ان عملت الاطراف السورية على الارض على افشال اي مبادرة روسية على هذا الصعيد».

«واشنطن بوست»: أنان يعد خطة جديدة تتضمن تشكيل «مجموعة اتصال» بشأن سورية

| واشنطن - من حسين عبد الحسين |

ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» ان مبعوث الامم المتحدة والجامعة العربية كوفي انان ينوي تقديم خطة جديدة لحل الازمة السورية امام مجلس الأمن اليوم أو غدا، تقضي بانشاء «مجموعة اتصال» مؤلفة من الدول الخمس الدائمة العضوية، وايران وتركيا، ودولة ممثلة للجامعة العربية تكون إما السعودية او قطر.
واشار المعلق المعروف ونائب رئيس تحرير الصحيفة دايفيد اغناتيوس في مقالة الى ان خطة انان الجديدة ستكون الحل الاخير، او تذهب «الازمة السورية في اتجاه حرب اهلية مفتوحة»، خصوصا بعدما «تبين ان وساطة انان للسلام وصلت الى طريق مسدود في دمشق»، وفي غياب الحلول الاخرى، اذ لا يبدو ان الغرب ينوي التدخل عسكريا لترجيح كفة الثوار في وجه بشار الاسد. 
وكان انان قدم للأسد، قبل اشهر، خطة من ست نقاط تقضي بوقف اطلاق النار، وسحب الجيش من المدن، والافراج عن المعتقلين، ونشر مراقبين اجانب، والسماح لوسائل الاعلام غير السورية بدخول سورية، وبدء الحوار السياسي بين الحكومة والمعارضة من اجل البدء باصلاحات. الا انه على الرغم من استجابة الاسد علنا للمطالب الاممية التي حملها انان، لم تلتزم الحكومة السورية بالخطة، واستمرت قوات الاسد في قتل المدنيين، ما ادى في وقت لاحق الى ادانة مجلس حقوق الانسان للامم المتحدة لاحدى المجازر التي ارتكبتها هذه القوات في منطقة الحولة وراح ضحيتها اكثر من 100 شخص معظمهم من الاطفال والنساء.
ويقول اغناتيوس ان المثير للاهتمام في خطة انان الجديدة انها «تعطي روسيا وايران، الداعمين الاساسين لبقاء الاسد، بعض الحوافز لازاحته من السلطة، وبعض النفوذ لحماية مصالحهما في سورية ما بعد الاسد»، لكنه اعتبر ان ترتيب من هذا النوع قد يواجه اعتراضات في اسرائيل والسعودية ويطرح سؤالا مفاده: «لما تعطي الامم المتحدة طهران جزءا من المفاوضات الديبلوماسية في سورية؟».
وكانت الادارة الاميركية كشفت، على اثر انتهاء الجولة الثانية من المفاوضات النووية بين «مجموعة دول الخمس زائد واحد» وايران في الثالث والعشرين من الشهر الماضي في بغداد، ان رئيس الوفد الايراني المفاوض سعيد جليلي توجه قبل انفضاض المفاوضات بوقت قصير الى الوفد الاميركي مقترحا التفاوض حول الوضع في سورية، لكنه واجه رفضا قاطعا من الوفود الغربية.
ويضيف اغناتيوس، وهو معروف بقربه من «مجلس الأمن القومي» وادارة الرئيس باراك اوباما عموما، ان «الغرب يريد من روسيا ان ترعى التوصل الى اتفاق» بين الاسد ومعارضيه، «لكن حتى الآن، لم ير الرئيس (الروسي) فلاديمير بوتين افادة عملية كافية لتبني هذا الخيار». 
وكان احدث التقارير الصادرة عن «خدمة ابحاث الكونغرس» تحدث عن دور روسيا في الازمة السورية معتبرا ان «الهدف الروسي هو السيطرة على عملية تغيير النظام من دون انهيار الدولة، مع قيام حكومة جديدة فيها معارضة واجزاء من النظام لم تتلوث ايديهم بالدماء، وتقوم الحكومة الجديدة بحفظ المصالح الروسية، الا انه في حال حاولت روسيا السعي الى تدبير انتقال منظم للسلطة في سورية حتى لو اعتبرنا ان ذلك مازال ممكنا فهي تخشى من ان فشل مساعيها قد يطيح بهيبتها، خصوصا ان عملت الاطراف السورية على الارض على افشال اي مبادرة روسية على هذا الصعيد».
وحسب اغناتيوس، تعمل مجموعة الاتصال التي ينوي انان اقامتها على وضع «خطة انتقالية» وطرحها امام الاسد والمعارضة، وتقضي هذه الخطة «بتنظيم انتخابات رئاسية لاختيار بديل للأسد، ترافقها انتخابات برلمانية ودستور جديد، مع جدول زمني لتنفيذ هذه الخطوات».
تابع اغناتيوس: «ثم يغادر الاسد الى روسيا، التي يقال انها قدمت له منفى، وحيث يقال ان الدكتاتور السوري قد ارسل ستة مليارات دولار من الاحتياطي السوري الى موسكو». ويقول اغناتيوس ان ايران عرضت على الاسد اللجوء السياسي له ولعائلته، ويضيف: «بموجب هذا السناريو، يمكن للأسد تفادي الاتهامات الدولية بحقه بتهمة ارتكابه جرائم حرب». 
ولاحتواء عملية اراقة دماء محتملة بعد رحيل الاسد، يقول اغناتيوس ان انان ينوي تقديم خطة مفصلة لإصلاح الاجهزة الامنية في سورية، على غرار ما حدث في دول اوروبا الشرقية على اثر انهيار الانظمة الشيوعية فيها.
وتساءل الكاتب الاميركي: «هل تقبل روسيا او ايران عرضا غير تقليدي كهذا؟» ليجيب: «من المستحيل معرفة الاجابة، (ولكن) في الايام الماضية، يقال ان الولايات المتحدة عقدت محادثات تفسيرية مع مسؤولين روس ابدوا اهتمامهم». ويكتب: «وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف قال قبل اسبوع ان روسيا ليست مصرة على بقاء الاسد في السلطة، ولكن الروس لم يفعلوا شيئا لازاحة الدكتاتور السوري ودفعه للخروج».
اما ايران، فانها «اظهرت رغبتها عبر قنوات ديبلوماسية متعددة انه في مقابل التوصل الى تسوية ديبلوماسية لملفها النووي، فهي تريد مسارا موازيا للتعامل مع القضايا الاقليمية». 
وختم اغناتيوس: «اما اذا اتضح ان فكرة انان لاقامة مجموعة اتصال مرفوضة اساسا لدى بعض الاطراف، لا توجد بدائل واضحة غير الحرب الاهلية التي تزداد عمقا».

لماذا يعارض كيسينجر تدخلا عسكريا في سوريا؟

حسين عبد الحسين

يندر ان تسمع أميركيا يتحدث عن مصالح بلاده الاستراتيجية حول العالم من دون ان يقترن ذلك بتأييده لتدخلها سياسيا وعسكريا في المنطقة المعنية. ولكن من غرائب الامور ان تقرأ احد اهم الديبلوماسيين الاميركيين يكتب انه على الرغم من ان “للولايات المتحدة اسبابا استراتيجية، وكذلك انسانية، لتفضيل انهيار (بشار) الاسد، ولتشجيع الديبلوماسية الدولية للوصول الى هذا الهدف”، من الافضل لواشنطن البقاء بعيدة عن سوريا لان اي تدخل عسكري هناك يعرض النظام الدولي للاهتزاز.

هنري كيسنجر، مستشار الامن القومي في زمن الرئيس ريتشارد نيكسون، ثم وزير خارجيته ووزير خارجية خلفه الرئيس جيرالد فورد، والاكاديمي الاميركي الذي حث نيكسون على شن غارات سرية على كامبوديا اثناء حرب فيتنام للقضاء على الخصوم. هنري كيسنجر هذا هو صاحب المقالة التحذيرية من اي تدخل عسكري اميركي في سوريا.

ولكن لماذا يعارض وزير الخارجية الشهير هذا التدخل؟ في مقالة مطولة في صحيفة “واشنطن بوست” تحت عنوان “التدخل في سورية يعرض النظام الدولي لمخاطر الاهتزاز”، يستعيد كيسنجر تاريخ نشوء الدول ذات السيادة بمفهومها الحديث. يقول ان معاهدة وستفاليا، في العام 1648، هي الوثيقة المؤسسة للسيادة بمفهومها الحالي، وهي المعاهدة التي انهت “حرب الثلاثين عاما” في اوروبا عندما كانت العائلات الاوروبية الحاكمة ترسل جيوشها عبر حدود بعضها البعض لفرض وجهات نظرها وممارساتها الدينية. “تلك النسخة من تغيير النظام في القرن السابع عشر تسببت بمقتل اكثر من ثلث سكان اوروبا”.

للوقاية من تلك المذابح، فصلت “معاهدة وستفاليا” بين الدولي والمحلي، حسب كيسنجر، وانكفأت قوة الجيوش من الاستعمال عبر الحدود الى الاستعمال الداخلي، وعملت على فرض وجهات نظر العائلات الحاكمة ومعتقداتها الدينية على السكان. هذا هو المبدأ الاساسي للسيادة، وهو مبدأ انتشر من اوروبا الى دول العالم، ونجا من “حربين عالميتين وصعود الشيوعية الدولية”.

هذا الترتيب، يكتب كيسنجر، هو “الوحدة الاساسية” للنظام الدولي الحالي، وهو عرضة لاخطار جمة بسبب “الربيع العربي”، الذي غالبا “ما يتم الحديث عنه بشكل عام من زاوية حظوظ الديمقراطية” التي يقدمها. ويعتقد كيسنجر ان “الديبلوماسية التي تمخضت عن الربيع العربي تنسف مبادئ التوازن الوستفالي بعقيدة عامة تنص على التدخل الانساني”.

في هذا السياق، يضيف الديبوماسي العتيق، “يتم النظر الى الصراعات الاهلية من زاوية الديمقراطية”، وتطالب “القوى الخارجية الحكومات المحلية التفاوض مع خصومها من اجل نقل السلطة، ولكن، لأن الطرفين ينظران الى الموضوع على انه يتعلق ببقائهما، غالبا ما تلاقي الدعوات الخارجية آذانا صماء”.

ولأن القوى المحلية التي يتحدث عنها كيسنجر هي صاحبة قوى متكافئة، يصبح التدخل الخارجي، بما فيه العسكري، ضرورة لترجيح كفة على اخرى. هنا اشكالية الدور الاميركي حسب النظرية الكيسنجرية: “هل تعتبر اميركا نفسها مجبرة على دعم كل انتفاضة شعبية ضد اي حكومة غير ديمقراطية، بما فيها الحكومات التي ينظر العالم الى وجودها كضرورة لحفظ النظام العالمي؟” ويجيب: “فجوات سود تمثل انعدام القانون صارت تتكاثر على خريطة العالم كما في اليمن، والصومال، وشمال مالي، وليبيا، وشمال غربي باكستان، وقد يحصل ذلك في سوريا ايضا”.

لا شك ان مطالعة الدكتور كيسنجر شيقة وتستحق النقاش، ولكن لا شك ايضا ان فجوات عديدة تشوبها، فهي مبنية على اعتبار ان الدول التي اندلعت فيها انتفاضات شعبية ضد الحكام هي دول منقسمة الى فرق، غالبا مذهبية، وهذا صحيح في المشرق العربي كما في الحالات العراقية والسورية واللبنانية، او قبلية وعشائرية كما في اليمن وليبيا. ولكن في تونس، كما في مصر، لا تبرز انقسامات مذهبية او قبلية واضحة، بل ان غالب النزاع اللاحق لانهيار نظامي هذين البلدين، يتعلق بشؤون فلسفة الحكم ما بعد الثورة، فضلا عن الفوضى التي ترافق عادة المراحل الانتقالية، والتي تتراوح في شدتها بحسب الثقافات الشعبية للدول المعنية.

لكن اسقاط كيسنجر لنموذج الانقسام العشائري – المذهبي على جميع دول الربيع العربي تبدو ضربا من التعميم غير المبرر. صحيح ان في مصر وتونس مشاكل لا تعد ولا تصحى، ولكن تفضيل الابقاء على مبدأ السيادة من اجل الاستقرار، حسب معاهدة وستفاليا، والتضحية بالاعتبارات الانسانية، والمطالبة بعدم التدخل العسكري الخارجي حتى عندما تشكل بعض الدول ذات السيادة خطرا على الاستقرار الدولي نفسه، مثل باكستان التي يذكرها كيسنجر والتي لم تشهد تدخلا عسكريا خارجيا، او حتى لبنان او سوريا، اللتين تشكلان خطرا على المنظومة الدولية اليوم حتى من دون التدخل العسكري فيها، كل هذه الاسباب تجعل من حجج كيسنجر تبدو غير مقنعة، وتجعل من شيخ الديبلوماسيين الاميركيين يبدو انه – كعادته – يكتب شيئا، ولكنه في الواقع يضمر شيئا آخر.

الأحد، 3 يونيو 2012

كتاب يلقي الضوء على شخصية أوباما المترددة

| واشنطن - من حسين عبد الحسين |

فيما صارت الديبلوماسية العقيمة التي يتمسك بها الرئيس باراك اوباما، خصوصا في الموضوعين الايراني والسوري، مدعاة سخرية في الاوساط الاميركية، اظهر كتاب جديد من المتوقع صدوره في الاسابيع المقبلة ان اوباما صاحب شخصية مترددة، يكره المواجهات، وينظر الى الحياة ببرودة وكأنها لوحة شطرنج، ما يجعله في الغالب متأخرا عن اللحاق بركب الاحداث او مستبقا لها.
وأنهى دايفيد مارانيس، مؤلف سيرة حياة الرئيس السابق بيل كلينتون في كتاب بعنوان «الاول في صفه»، كتابة سيرة الرئيس الحالي التي سيصدرها بعنوان «باراك اوباما: القصة». ويكشف ان عملية الكتابة استغرقته 4 سنوات، وتضمنت سفرات الى كينيا واندونيسيا وهاوايي، اجرى خلالها 350 مقابلة.
ويقول مارانيس في مقدمة كتابه: «عندما كتبت سيرة بيل كلينتون، الخلاصة التي برزت امامي لدى دراستي لماضيه هي تكرار خساراته وتعافيه من الخسارات». ويتابع: «مع اوباما، الخلاصة المماثلة هي تصميمه على تفادي الافخاخ التي قد توقعه بها الحياة... اولا نجا من فخ قصة حياة عائلته غير المألوفة وتحدياتها على صعيد استقراره ووضعه السيكولوجي». في ما بعد، «نجح اوباما في تفادي فخ ولادته في ولاية هاوايي، وهي ابعد جزيرة معزولة عن قارات العالم، تلتها اربع سنوات في الجهة الاخرى من العالم، اي اندونيسيا»، وختاما، نجح اوباما في تجاوز الفخ الاخير، «وهو فخ العنصرية في اميركا» الذي غالبا ما يصاحبه رفض للاشخاص ذات البشرة الداكنة.
ويعتقد مارانيس ان مجمل المجهود الذي تطلب ان يقوم به الرئيس الاميركي للتغلب على كل هذه الافخاخ ساهم في رسم شخصيته، و«هو ما يفسر حذره، وترويه، وتفحصه للحياة وكأنها لوحة شطرنج، وتحسبه للخانات التي قد يقف بها ويواجه حركة كش ملك، وهو ما يدفعه الى تحليل افعاله التي غالبا ما تسبق الآخرين بخطوتين او ثلاث».
ويضيف: «اظهرته مقاربته للحياة وكأنه شخص بعيد، وبطيء، ومتردد باتخاذ القرارات، وغير واقعي». ويتابع: «في اوقات كان هذا الوصف دقيقا، وفي اوقات اخرى لم يكن كذلك». 
وحسب مارانيس، فان «محاولة اوباما استباق الامور، او بطأه في التعامل معها، ادت في جعله يتصرف اما باستباقية، واما متأخر»، ولكنه «يندر ان يتصرف مع الامور في وقتها، باستثناء بارز هو في حملته الانتخابات الرائسية في العام 2008 حيث كان مواكبا للامور في الوقت الصحيح».
ثم يقوم الكاتب بمحاولة تفسير الاسباب الكامنة خلف حذر الرئيس، ويقول ان نجاح اوباما في تخطي ازماته في صغره طورت في داخله «محاولة الصبو نحو الكمال والوحدة» في داخله، وداخل محيطه، ما يجعل تحت «الواجهة الباردة لاوباما» غليان يمنعه من المواجهة. ويضيف ان «المواجهة تؤدي الى الانقسام، والخلاف، وعدم الكمال»، وهي كلها امور حاول اوباما تفاديها منذ صغره.
كتاب مارانيس يأتي في وقت قام منافس اوباما الجمهوري في الانتخابات الرئاسية المقبلة ميت رومني بـ «منح» الرئيس الاميركي «درجة راسب» في السياسة الخارجية، خصوصا لناحية تردده في التعامل مع «الخطر الايراني» ومع «الازمة في سورية». 
وتلقف الجمهوريون كتاب مارانيس بشغف، واطلوا عبر وسائل الاعلام المؤيدة لهم، مثل محطة فوكس الاخبارية، ليرددوا مقاطع منه، وليشيروا الى ضعف اوباما وحذره غير المبرر. ويتوقع الجمهوريون فشل المحادثات النووية بين الولايات المتحدة ودول الخمس زائد واحد، من ناحية، وايران، من ناحية اخرى، والمقررة في موسكو في 17 الشهر الجاري.
ويقول الجمهوريون ان اوباما صار يختبئ خلف المفاوضات لعدم القيام بتحركات جدية لمواجهة طهران، وكذلك لعدم «التعامل بمسؤولية» لمنع ارتكاب بشار الاسد «لمجازر بحق شعبه في سورية».

الجمعة، 1 يونيو 2012

واشنطن لا تمانع «انتفاضة» سياسية عراقية تطيح المالكي

| واشنطن من حسين عبدالحسين |

للمرة الاولى منذ سنوات، تبرز في العاصمة الاميركية بوادر تخلي ادارة الرئيس باراك اوباما عن تمسكها بصديقها وحليفها رئيس حكومة العراق نوري المالكي.
تأتي التطورات في الموقف الاميركي على خلفية الاحداث السياسية المتسارعة في العراق على اثر سلسلة من الاجتماعات بين كبار السياسيين العراقيين كان اولها في اربيل، وثانيها في النجف، وثالثها في السليمانية. وقال مسؤولون اميركيون متابعون للملف العراقي، في جلسة مغلقة مع صحافيين، ان «الولايات المتحدة تعتبر ان سحب الثقة من حكومة المالكي واستبداله برئيس آخر هو شأن عراقي محض»، وان واشنطن ليست معنية بما يبدو وكأنه «انتفاضة سياسية لاستبدال رئيس الحكومة الحالي»..
ولأن الولايات المتحدة لم يسبق ان مارست اي ضغوط على المالكي، حتى عندما عبّر اصدقاؤها العراقيون الآخرون عن تململهم من تفرده في الحكم واستمراره فيه، يقول المسؤولون الاميركيون انهم لن يتدخلوا اليوم «لا لترجيح بقاء المالكي، ولا للتعجيل في رحيله».
لكن خبراء في العاصمة الاميركية يعتقدون ان بلادهم «كان بوسعها تأمين المزيد من الحماية السياسية لرئيس الوزراء العراقي عن طريق اصدقائها الكثر في مجلس النواب»، الا ان واشنطن تدرك، حسب هؤلاء، انها لن تجني اي مكاسب في حال «سعت لحماية المالكي»، وان اي حماية اميركية للمالكي قد تثير في وجه اميركا غضب معارضيه، الذين صار عددهم كبيرا.
ويلفت الخبراء الى ان عدد السياسيين المشاركين في اللقاءات الثلاثة المعارضة للمالكي يزداد، وانه صار يضم الى الزعماء الخمسة الكبار، عن الكرد مسعود البرزاني وجلال الطالباني، وعن السنة اياد علاوي واسامة النجيفي، وعن الشيعة مقتدى الصدر، عدد من المسؤولين الاقل نفوذا. ويقول الخبراء ان واشنطن لو ارادت الوقوف الى جانب المالكي، فانها ستجد نفسها في مواجهة غالبية سياسية وبرلمانية عراقية لا يستهان بها، وان ثمن هكذا مواجهة اكبر من ثمن التخلي عن رئيس الحكومة.
احد الصحافيين المشاركين في الجلسة العراقية توجه بالسؤال الى احد المسؤولين حول موقف واشنطن في حال رحيل المالكي، فكانت الاجابة ان «عملية نزع الثقة عن حكومة المالكي ستكون بحد ذاتها تحديا سياسيا ودستوريا، اذ لم يسبق للعراقيين ان عاشوا تجربة مماثلة في الماضي»، كما سيكون «تسليم المالكي لمفاتيح السلطة التي يقبض عليها منذ سنوات الى خليفته بمثابة امتحان لمدى عمق الديموقراطية العراقية وامكان تخلي الحاكم عن منصبه».
في التفاصيل الدستورية، تبرز مشكلة كيفية احتساب نصف البرلمان، هل هي نصف عدد الاعضاء البالغ عددهم 325، ام هي نصف عدد الاعضاء الحاضرين في جلسة نزع الثقة الطارئة في حال توافر فيها النصاب. ان كانت الاجابة نصف عدد الاعضاء، يقول الخبراء الاميركيون، فان اكثر التفسيرات الدستورية تملي توقيع اكثرية 163 على عريضة تكفي لحجب الثقة. اما اذا كان المطلوب نصف الحاضرين ممن يؤمنون نصاب الجلسة، اي 82 نائبا، لنزع الثقة.
يذكر ان الرئيس العراقي جلال طالباني وعد بالطلب بفتح دورة استثنائية لمجلس النواب قبل عودته من عطلة تشريعية منتصف الشهر الجاري. وينص الدستور العراقي على عقد جلسة نزع ثقة عن الحكومة في حال طالب بذلك خمس الاعضاء، اي 65 نائبا، وهو عدد متوافر من بين المطالبين بعقد الجلسة، او رئيس الجمهورية.
التحدي الدستوري الآخر، حسب المتابعين الاميركيين، هو ارتباط رئاسة الجمهورية بحل الحكومة اذ يبدو ان المالكي «يعتقد ان الاطاحة به تؤدي حكما الى انتهاء ولاية الرئيس، وهو لا يبدو صحيحا من الناحية القانونية اذ ان رئيس الجمهورية لا يقود تحالفا نيابيا مثل رئيس الحكومة». ثم ان كتلة المالكي حاولت الايحاء بأنها ستطالب بنزع الثقة عن رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي، كرد على مشاركة الاخير في حركة المعارضة المتنامية والمطالبة برحيل رئيس الحكومة. «عزل رئيس البرلمان هو امر غير معهود كذلك في الديموقراطيات البرلمانية، الا اذا دعى رئيس الحكومة الى انتخابات مبكرة، ينحل بموجبها البرلمان ولكن يبقي رئيس الجمهورية البروتوكولي الصلاحيات حتى نهاية ولايته».
تحد ثالث يكمن في كيفية تصرف المالكي في حال حجب الثقة عنه. «هل يعتبر ان الامر غير دستوري وتاليا ينفذ انقلابا عسكريا بما انه يسيطر على القوى الامنية؟» يتساءل المسؤول الاميركي، ويضيف: «هذا موضوع يخيفنا، ونحن قلنا للمالكي اننا لا نأخذ مواقف سياسية ولكننا لن نقبل الاطاحة بالعملية الدستورية العراقية من اجل رجل واحد».
الولايات المتحدة لا تتدخل في الشأن الداخلي العراقي، حسب مسؤوليها، لكنها تتابعه عن كثب، وتصر انها لا تختار «الرابحين والخاسرين في العملية السياسية»، بل تريد ان ترى «العملية الدستورية تعمل بانتظام، وهو ما يتطلب احترام المسؤولين العراقيين لا للدستور فحسب، وانما لفكرة تداول السلطة في شكل سلمي ودوري».