الخميس، 30 أغسطس 2012

فيلتمان ولارسن في ضيافة خامنئي

واشنطن - من حسين عبد الحسين

تناقلت وسائل الاعلام الاميركية صورة نشرتها «وكالة فارس» للأنباء وظهر فيها كل من امين عام الامم المتحدة بان كي مون ومساعده للشؤون السياسية الاميركي جيفري فيلتمان جالسين في ضيافة مرشد الثورة الايراني علي خامنئي، في طهران اول من امس، على هامش انعقاد قمة دول «عدم الانحياز». 
وفي صورة أخرى، بدا مبعوث الامم المتحدة تير رود لارسن، المكلف تطبيق القرار 1559 الخاص بانسحاب الجيش السوري من لبنان وحل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، وهو يجلس في الاجتماع نفسه.
وسبق لفيلتمان ان عمل ديبلوماسيا في وزراة الخارجية الاميركية، وسطع نجمه خصوصا اثناء عمله سفيرا في بيروت بين يوليو 2004 ويناير 2008، قبل ان يعود الى واشنطن ليتسلم منصب مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الادنى بالوكالة تحت كوندوليزا رايس، ثم بالاصالة تحت الوزيرة الحالية هيلاري كلينتون.
وقبل اشهر، خرج فليتمان من السلك الديبلوماسي الاميركي ليتولى منصبه الحالي مساعدا للامين العام للامم المتحدة للشؤون السياسية.
وبسبب عمله سفيرا للولايات المتحدة في لبنان اثناء اغتيال رئيس حكومة لبنان السابق رفيق الحريـــــــري، واندلاع «انتـــفاضة الاستقلال» التي تلت الاغتيال، ثم انسحاب الجيش السوري من لبنــــان في ابريل 2005 بعد ما يقارب ثلاثة عـــقـــود على دخـــوله، تعرض فيلتمان لحملة اعلامية شرسة من حلفاء ايران وسورية من اللبنانيين. ويعتقد البعض ان تفجيرا استهدف موكبا تابعا للسفارة الاميركية في لبنان كـــان يهدف الى اغتياله.
وفي احد خطاباته التي تلت حرب يوليو 2006، وصف امين عام «حزب الله» حسن نصرالله حكومة الرئيس السابق فؤاد السنيورة بـ «حكومة فليتمان». 
بيد ان عداء نصرالله وحلفائه لفيلتمان اختفى مع حلول العام 2009 على اثر دخول الرئيس باراك اوباما الى البيت الابيض، اذ حل فيلتمان والمستشار السابق في «مجلس الامن القومي» دان شابيرو، والذي يعمل حاليا سفيرا لاميركا في تل ابيب، في ضيافة الرئيس السوري بشار الاسد ومساعديه في دمشق مرارا في اطار سياسة الانفتاح على سورية التي بدأها اوباما، والتي انهارت مع اندلاع الثورة السورية المطالبة بانهاء حكم الاسد في مارس 2011.
كذلك تشن وسائل الاعلام السورية وتلك التابعة لحلفاء ايران وسورية في لبنان هجمات اعلامية شرسة ضد لارسن، وتتهمه بالعمالة لاسرائيل، رغم انه تم اعلان لارسن في ابريل 2002 «شخصية غير مرغوب فيها» في اسرائيل اثر دخوله لتفقد مخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية على اثر عملية عسكرية اسرائيلية داخله. وبعد الجولة، اتهم لارسن الاسرائيليين بارتكاب مجازر، ما دفع بالحكومة الاسرائيلية برئاسة ارييل شارون الطلب منه المغادرة الفورية.

الأربعاء، 29 أغسطس 2012

دراسة بريطانية: أهمية ديموقراطية الكويت تدفع البعض إلى مهاجمتها

| لندن - من حسين عبدالحسين |

خلصت دراسة صادرة عن المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية «تشاتهام هاوس» الى انه «بالنظر الى أهمية الكويت كمثل نادر للديموقراطية نسبيا، ليس مفاجئا ان تقوم بعض وسائل الاعلام المملوكة من حكومات في المنطقة بالتشديد على سلبيات البرلمان الكويتي والتقليل من ايجابياته».
وجاء في الدراسة التي اعدتها كبيرة الباحثين في المعهد جاين كينينمونت ان «معارضي الديموقراطية ينتقدون المثال الكويتي للدلالة على ان الديموقراطية ليست مناسبة للخليج، فيما يشير مؤيدو الديموقراطية الى التجربة الكويتية للدلالة الى الحاجة الى المزيد من الديموقراطية للسماح لها بالعمل بشكل افضل».
واضافت ان «الكويتيين اعتادوا درجة عالية من حرية التعبير، ويستخدمون هذه الحرية في وسائل اعلامهم المفعمة بالحيوية، وفي المؤسسة الاجتماعية ذات الجذور العميقة، الديوانية التي تشير الى ان النقاش الحر والمناظرات السياسية ليست مفاهيم غريبة او غربية، حسبما يحلو للمحافظين والمتمسكين بما يعتقدونه الهوية الثقافية الاصلية للشعوب تصويرها».
واعتبرت الدراسة ان «الطبيعة الصريحة للبرلمان الكويتي قد تتسبب بانتقادات محرمة في دول خليجية اخرى»، مقدمة مثالا على ذلك تصريحات رئيس مجلس الامة السابق احمد السعدون، في فبراير، التي انتقد فيها خطط مجلس التعاون الخليجي الداعية الى اندماج اكبر بين الدول الاعضاء، عندما اشار الى «غياب الحريات السياسية في العربية السعودية»، متسائلا «لماذا على الكويت الدخول في وحدة مع دولة فيها مئات السجناء السياسيين».
ولم يفت كينينمونت الخوض في الانقسام الكويتي حول علاقة الديموقراطية بالتنمية الاقتصادية، وكتبت: «من المبالغ فيه التوصل الى نتيجة مفادها ان بعض الانتقادات للتجربة الكويتية تظهر ان الديموقراطية غير مناسبة في دول الخليج، او انها بالضرورة تعيق النمو الاقتصادي». واضافت: «كذلك لا يوجد دليل قاطع على ان الديموقراطية تشجع او تمنع النمو الاقتصادي... الديموقراطية والتنمية مفهومان واسعان جدا».
واعتبرت كينينمونت ان الكثير من الدراسات تتناول علاقة الديموقراطية بالتنمية الاقتصادية، وان معظم هذه الدراسات تركز على ما اذا كانت التنمية مطلوبة كشرط لتحقيق الديموقراطية، او على الحد الادنى المطلوب من التنمية للبدء بتطبيق الديموقراطية.
«حتما لا تضمن الديموقراطية النمو او البحبوحة، ولكن الحكومات الاستبدادية لا تضمن البحبوحة كذلك»، تقول كينينمونت، مضيفة ان الديموقراطيات غالبا ما تشهد فترات نمو كما فترات من الركود من دون أن يؤدي ذلك الى تغيير في نظامها السياسي الديموقراطي، لتخلص الى انه لا يمكن العثور على علاقة بين الديموقراطية والنمو او التنمية في الاقتصاد.
في الحديث عن مجلس الامة، اعتبرت الدراسة ان صلاحياته تتضمن «التدقيق، والضغط ومعارضة سياسات الحكومة، ولكن من دون أي مقدرة على تسهيل سياسات جديدة او تطبيقات افضل».
وتابعت: «ان الوسائل الوحيدة المتاحة للنواب لممارسة سلطاتهم تأتي عن طريق منع التشريعات، والمساءلة والتصويت على حجب الثقة من الوزراء».
واضافت الدراسة: «اذن العلاقة بين البرلمان والحكومة مصممة كي تكون عدائية جدا».
وكتبت كينينمونت ان ابرز خطوط الخلاف في البلاد هي بين «الاسلاميين والليبراليين، والحضر والبدو، فيما تمتد بعض الاحيان الخلافات داخل الاسرة الحاكمة الى داخل البرلمان وتتحول الى منافسة بين مؤيدين لنواب يؤيدون شخصيات مختلفة من الاسرة».
وختمت: «عندما يدخل البرلمان في مواجهة مع الحكومة، هناك وسائل قليلة جدا لحل الخلافات، مما دفع الامير مرارا الى حل البرلمان والدعوة الى اجراء انتخابات».

الثلاثاء، 28 أغسطس 2012

لماذا لا تفرض أميركا حظرا جويا في سوريا؟

حسين عبد الحسين

“حظر جوي فقط هو كل ما نريد”، يقول أحد المعارضين السوريين على فضائية عربية، وهو قول يشي بأن العرب إما يستسهلون ما تتطلبه عملية عسكرية من هذا النوع، أو أنهم لا يدركون المزاج الشعبي الأميركي المعادي للتدخل، وخصوصا في شؤون العرب، بعد تجربة العراق المريرة.
يتطلب اي حظر جوي في سوريا تحريك الأسطول الأميركي السادس المرابط في البحر الأبيض المتوسط الى نقطة تجعل من الدفاعات الجوية لقوات الأسد في متناولها. على اثر ذلك، تطلق البحرية الأميركية عددا من صواريخ “توما هوك” لتدمير قدرات الرادارات السورية في المرحلة الاولى. وبعد ذلك، تغير المقاتلات الاميركية لتدمير ما تبقى من منظومة دفاع جوي للأسد.
بعد تدمير البنية التحتية للدفاعات الجوية، على المقاتلات الاميركية، او قوات اي تحالف ممكن ان يتدخل لفرض حظر جوي في سوريا، القيام بطلعات روتينية للحراسة، فإن كان حظرا جويا مثل الذي في جنوب وشمال العراق في زمن صدام حسين، تكتفي الطائرات بالمراقبة وشن غارات ضد اي اهداف تعتقد ان من شأنها اعادة تشكيل الدفاعات الجوية. اما اذا تضمن الحظر منع حركة الآليات العسكرية على الارض، كما في ليبيا، فيتطلب ذلك طيرانا متواصلا لتدمير اي آلية عسكرية تتحرك وتعتبرها المقاتلات معادية.
هكذا عملية يترتيب عليها الأسئلة التالية: من يسدد ثمن الصواريخ الاميركية؟ ومن يسدد تكاليف الطلعات الروتينية او المتواصلة بعد ذلك. ومن يسدد ثمن الوقود ورواتب الطيارين والقوات المساندة لهم على متن حاملات الطائرات؟ من يؤمن الغطاء السياسي في الداخل الاميركي وحول العالم لهذا العمل؟ وماذا يحصل في حال اجبر طيار اميركي على هبوط اضطراري في مناطق تابعة لقوات الأسد او القفز بالمظلة من طائرة تتهاوى تقنيا او بنيران معادية؟ من المسؤول عن اعادة هذا الملاح الى السلامة من خلف خطوط العدو؟
وما يزيد الامور تعقيدا، انه حتى لو قررت ادارة الرئيس باراك اوباما ان تتحمل تكلفة الحظر الجوي، فإن الشعور الشعبي الاميركي شديد المعارضة لقيام الادارة به بسبب تجربة العراق، اذ على الرغم من الاعذار الواهية حول اسلحة الدمار الشامل لدى صدام حسين، او ارتباط نظام هذا الأخير بمنفذي هجمات 11 سبتمبر، كان للحرب الاميركية في الوعي الشعبي الاميركي بعد آخر، هو قيام شباب وشابات الجيش الاميركي بالتضحية بدمائهم، فضلا عن التكلفة المالية، للاطاحة بدكتاتور العراق الدموي، واعطاء الفرصة للشعب العراقي للعيش بحرية وبديمقراطية.
لكن ردة الفعل العربية ضد الحرب الاميركية ادت الى احباط شعبي اميركي. كيف يمكن ان ننقذهم من ديكتاتورية صدام من دون ان نسمع منهم كلمة شكر واحدة، تعتقد غالبية الاميركيين. بل على عكس ذلك، لم يحصد الاميركيون الا التقذيع والاتهام بالبلطجة العالمية والعجرفة والكولونيالية وما الى ذلك. كذلك، تم توجيه التهمة الى اميركا بالتسبب بحرب طائفية في العراق ادت الى مقتل عشرات الآلاف.
اليوم، وفي ضوء ما يحدث في سوريا، وبعض لبنان، يشعر الاميركيون بأنه تمت تبرئتهم من تهمة اشعالهم حربا طائفية عربية مشتعلة منذ أمد بعيد، وهم لا يريدون اي تدخل من شأنه ان يتهمهم بدماء سورية فتتحول نواياهم الحسنة الى لعنة عليهم، والى كراهية لدى العرب تطاردهم فيما بعد.
العرب بدورهم، وخصوصا من المطالبين بتدخل اميركي في سوريا، يندر ان يفطنوا الى هذه النقطة، بل ربما يعتقدون ان اميركا غاوية حروب، او انها مغرمة بإرسال مقاتلاتها لشن غارات حول العالم، وانه من السهل الطلب من الاميركيين التدخل، وان جويا فقط، للاطاحة بالأسد، من دون ممنونية.
بيد ان الاميركيين لن يتدخلوا هذه المرة، بغض النظر عن المأساة الانسانية السورية ومطالبة كثيرين من العرب لواشنطن بالتدخل. ربما لو قرر العرب معاودة التفكير بموقفهم من التدخل الاميركي في العراق، ولو حمل السوريون اعلاما اميركية في تظاهراتهم، كما فعل الليبيون بحملهم اعلاما فرنسية وبريطانية اثناء حرب الناتو ضد معمر القذافي، ربما حينذاك يشعر الأميركيون ان جهودهم لمنع وقوع المزيد من المجازر بحق السوريين مطلوبة ومشكورة في الوقت نفسه.
ولكن حظرا جويا مكلفا ماديا وسياسيا وبشريا، من دون كلمة شكرا، بل مع اصرار عربي على تصوير اميركا على انها وحش عالمي، حتى في نفس الوقت الذي يتم منها الطلب بالتدخل، لن يساهم في قلب المزاج الاميركي العام لمصلحة التدخل.
ولأن اميركا ديمقراطية، ولأن رؤساءها يطالعون استطلاعات الرأي يوميا ويحرصون على الالتزام قدر الامكان بما تريده اكثرية “دافعي الضرائب”، ولأن المزاج الأميركي لن ينقلب قريبا للأسباب التي ذكرناها، فإن فرض اميركا حظرا جويا في سوريا، او حتى المساهمة في حظر دولي، لن تكون اكبر بكثير من تدخلها الطفيف في ليبيا.

الأحد، 26 أغسطس 2012

تقرير أميركي: الثوار وسّعوا رقعة سيطرتهم في سورية

| واشنطن - من حسين عبد الحسين |

يتشارك الخبراء والمسؤولون الاميركيون تقريرا صادرا عن «معهد دارسة الحرب»، اعده العميل السابق في «الاستخبارات العسكرية» جوزف هوليداي، وجاء فيه ان ثوار سورية نجحوا على مدى الاسابيع القليلة الماضية في توسيع رقعة المناطق التي يسيطرون عليها، خصوصا شمال البلاد.
ويقول التقرير انه «في يونيو، قام (الرئيس السوري بشار) الاسد بتجميع قواته وشن هجوم على مناطق ريف حلب الشمالية، وان حملته نجحت الى حد كبير، ولكن مع حلول يوليو، خسر النظام سيطرته على حلب، ما اجبر قوات النظام على التخلي عن ريف المدينة لخوض معركة مع الثوار للسيطرة على المدينة نفسها».
وتابع انه في اطار استعداد قوات الاسد لشن هجوم على حلب مع حلول الشهر الحالي «عمد النظام الى تعزيز قواته بسحب القوات الامنية المرابضة في محافظة ادلب، مخلفا وراءه وجودا عسكريا خفيفا تمثل في بقاء حواجز عسكرية معزولة وبعيدة عن بعضها البعض، ما سمح للثوار باستعادة السيطرة بالكامل على ادلب».
التقرير خص بالذكر منطقة جبل الزاوية في الجنوب الشرقي لمحافظة ادلب، وقال ان المنطقة هناك تشهد نشاطا متزايدا للثوار منذ خريف العام الماضي وان «الثوار في هذه المنطقة اظهروا مرارا قدرتهم على تنظيم صفوفهم على نطاق واسع، وان يتنقلوا مسافات بعيدة، وان يشنوا عمليات هجومية ذات فاعلية». 
واشار التقرير الى ان السيطرة على جبل الزاوية وجسر الشغور سمحت لـ «الجيش السوري الحر» بشن هجمات خلال شهر يونيو ضد «مقاطعة الحفة الجبلية القريبة من اللاذقية»، مضيفا ان «قرب التمرد المسلح من معاقل العلويين على الساحل تهدد النظام في عقر داره».
وعن حمص، قال التقرير ان «نظام الاسد حافظ على سيطرته على المدينة منذ ان استولى عليها في مايو 2012، ولكن الثوار حافظو على معاقل لهم شمال المدينة (الرستن) وجنوبها الغربي (القصير)». وتابع ان الثوار نجحوا في صد محاولات جيش النظام لاختراق معاقلهم في حمص، ما دفع قوات الاسد الى قصف هذه المناطق بشكل عنيف ومتواصل.
وتحدث التقرير عن دمشق، فقال انه «في يوليو 2012، نجح متمردو دمشق في توجيه ضربة مزدوجة الى النظام باغتيالهم 4 من كبار الضباط الامنيين، واستيلائهم على اقسام من وسط المدينة». 
وكان «الجيش السوري الحر» تبنى في 18 يوليو تنفيذ عملية ادت الى مقتل آصف شوكت، صهر الرئيس السوري بشار الأسد، في تفجير مبنى «الأمن القومي»، وقتل اثناءها ايضا وزير الدفاع داود راجحة ومعاون نائب رئيس الجمهورية حسن توركماني، ورئيس «مكتب الأمن القومي» هشام اختيار.
وقال التقرير: «مع ان النظام نجح في استعادة السيطرة على دمشق في غضون اسبوع، قضى الهجوم المفاجئ على امكانية استخدام النظام قوات النخبة التابعة له في اماكن خارج العاصمة وفي نواح مختلفة من البلاد».
وختم التقرير بالاشارة الى انه في محافظة درعا الجنوبية، لم ينجح الثوار في السيطرة الكاملة على اي مساحات تذكر، لكنهم نجحوا بالقيام بعمليات ضد قوات الاسد من قبيل اقامة كمائن وشن غارات على مواقع تابعة للجيش النظامي.
ومن المتوقع ان يعمل هاليداي على تحديث تقريره يوم السبت، وهو ما يبدو ان عددا كبيرا من الخبراء ومسؤولي الشرق الاوسط في الادارة ينتظرونه بفارغ الصبر.

«تناقضات عميقة» تسيطر على مؤتمر الحزب الجمهوري

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

ينعقد المؤتمر العام للحزب الجمهوري غدا لاعلان ترشيح ميت رومني وبول ريان الى منصبي رئيس ونائب رئيس للبلاد بعد ارجاء المؤتمر الذي كان مقررا اليوم في فلوريدا نتيجة الاعصار الاستوائي «آيزاك» الذي يتوقع ان يضرب المنطقة، وسط فوضى وتضارب في العقائد والاجندات في صفوف الحزب ومناصريه، سببها في الغالب التأرجح في المواقف بين اليمين ويمين الوسط.
مشكلة الحزب الجمهوري انه يخوض المواجهة الانتخابية مع منافسه الديموقراطي على جبهتين، رئاسية وكونغرسية. الاولى، والتي تجري على صعيد 50 ولاية، تتطلب الابتعاد عن الايديولوجيات الضيقة لنسج تحالف يتسع لاكبر عدد من الناخبين وآرائهم ويمتد على مساحة الولايات المتحدة بأكملها حتى يحصد اكبر عدد من اصوات الاميركيين.
انتخابات الكونغرس، بدورها، تجري في مقاطعات ودوائر صغيرة ومتوسطة وكبيرة، ومبنية على حسابات ايديولوجية بحتة تهدف الى تحفيز المناصرين، خصوصا المحافظين منهم في ولايات الجنوب والوسط الغربي. اما في الدوائر الموالية للجمهوريين والبعيدة عن التطرف، مثل في الشمال الشرقي للبلاد، فيلجأ المرشحون الجمهوريون الى التخفيف من حدة مواقفهم العقائدية، ويبتعدون عن اهل اليمين وتطرفهم من امثال مناصري «حركة الشاي».
هذا التباين بين تخفيف حدة التطرف والاقتراب من الوسط لانتزاع البيت الابيض من الرئيس باراك اوباما، وفي الوقت نفسه المحافظة على خطاب جمهوري يقارب العنصرية ويحاكي مخاوف الاكثرية المسيحية البيضاء، التي تخشى تحولها الى اقلية اثنية مع تضاؤل عدد افرادها مقارنة بالاميركيين من اصول آسيوية واميركية لاتينية، هو الذي يتسبب بالانقسامات داخل الحزب.
هذا التباين ايضا يجبر المرشحين الجمهوريين على التقلب في مواقفهم السياسية، وهو امر مكلف على صعيد حظوظهم الانتخابية، فرومني نفسه، كان سبق ان انتخب محافظا لولاية ماساشوستس ذات الغالبية الديموقراطية. في تلك السنوات، وجد رومني نفسه مجبرا على تبني خيارات الديموقراطيين، فابتعد عن دفاعه عن السلاح الفردي، وتبنى مواضيع مثل حق المرأة في الاجهاض، واشرف على قيام حكومة الولاية المذكورة بادارة برامج رعاية اجتماعية، كللها باقراره مشروع الرعاية الصحية، الذي يقول الديموقراطيون انهم استندوا اليه كنواة ونموذج للمشروع الذي تبناه اوباما والكونغرس الديموقراطي في ما بعد في العام 2009.
وكافح رومني طيلة موسم الانتخابات التمهيدية لابعاد شبح الوسطية عن ترشيحه، وصار يتبنى وحملته مواقف تغالي في اليمينية لارضاء قواعد الحزب الجمهوري والفوز بالترشيح الرئاسي. مع ذلك، وجد رومني نفسه غير قادر على استمالة القاعدة المحافظة للحزب بالكامل، ووجد ان الحل لذلك يكمن في تبنيه شريكا ممن يعتبرون من دعائم الحركة اليمينية في البلاد، فاختار عضو الكونغرس عن ولاية ويسكونسن (الوسط الغربي) بول ريان.
بدوره، كان ريان يتمتع بسمعة يمينية لا ريب فيها، فهو مناصر لتقزيم حجم الحكومة، ولانهاء برامج الرعاية الاجتماعية، ولخصخصة صناديق التقاعد، وهو ما برز في مشروع الموازنة الذي قدمه في الكونغرس قبل عامين بصفته رئيسا للجنة الشؤون المالية. وفي الموضوع الاجتماعي كذلك، يبرز ريان كمحافظ بامتياز، فهو يشدد على ضرورة بقاء طابع الولايات المتحدة مسيحيا محضا، وعلى حق الاميركيين في اقتناء السلاح الفردي من دون رقابة حكومية، وفي معارضته للاجهاض بكل انواعه. كل هذه المواقف تجعله من ابطال الحركة اليمينية ومن المحببين لدى مناصري «حركة الشاي».
لكن بعد اختياره للمنافسة على منصب نائب الرئيس، وجد ريان نفسه مجبرا على التخفيف من حدة مواقفه، وفي اكثر من مقابلة، حاول الاختباء خلف رومني بالقول انه في حال انتخابهما، سيتبع مواقف الاخير لانه «الرئيس»، وهو ما اعتبره المراقبون، مثل رايشل مادو في برنامجها المسائي المعروف على محطة «ام اس ان بي سي»، على انه عذر اقبح من ذنب. «ماذا يحصل ان اضطر ريان الى تولي منصب الرئيس لاي سبب، وقتذاك، يصبح سيد البيت الابيض حاملا لاجندة سياسية متطرفة»، تساءلت مادو.
هذا التأرجح بين اليمين والوسط، في غياب المقدرة على ايجاد توازن يرضي جميع الجمهوريين، هو اكثر ما يقلق قيادة الحزب.
في الماضي، برزت شخصيات تتمتع برصيد لدى اليمين، ولكنها قادرة كذلك على استمالة الوسط. ابرز تلك الشخصيات في تاريخ اميركا الحديث كان الرئيس السابق جورج بوش الابن، الذي نجح في البقاء في الحكم لولاية ثانية رغم وقوع الانتخابات في وقت كانت حربا افغانستان والعراق تستنزف الرصيد السياسي للجمهوريين بشكل عام.
هذا التأرجح بين اليمين والوسط، ودخول عناصر جمهورية اخرى مع افكار «استفزازية» لبعض القواعد الحزبية، يدفع الجمهوريين الى الانقسام المستمر.
في مؤتمر الغد، طلب المرشح رون بول الادلاء بخطاب، وهذا الطلب هو في صلب حقوقه لانه حاز اثناء الانتخابات التمهيدية عدداً من المندوبين اثناء الانتخابات التمهيدية، ما يخوله اعتلاء المنبر للحديث باسمهم قبل تبني ترشيح رومني. في الماضي القريب، كان بول رئيسا لحزب يقوده منفردا هو حزب «التحرريون»، الذي يطالب بالغاء دور الحكومة الى درجة انتزاع دورها في سك النقود واستبدال ذلك بعمليات مبادلة واعتماد الذهب والفضة كعملة وطنية.
لكن نظريات بول المتطرفة في الاقتصاد لم تقلق القيمين على الحزب الجمهوري بقدر ما اقلقهم مواقفه العنيفة ضد دولة اسرائيل، وهو من المطالبين بانهاء المساعدة السنوية الى الاسرائيليين، وبانسحاب اميركا من المسرح العالمي واستخدام الاموال في الداخل، وهو ما من شأنه ان يضعضع التأييد اليسير اصلا لليهود للحزب.
وسط هذا المأزق، سارع كبار الحزب، من امثال المستشار الرئاسي السابق كارل روف والاخوين الثريين كوك، الى اقناع مستشاري بول بالتخلي عن حقه بالحديث. وتعويضا له عن تنازله، خصص المنظمون فيلما سيعرض على المؤتمرين لشكر بول ودوره في الحزب.
حتى بعد معالجة معضلة بول وخطابه، برز آخرون من اعمدة الحزب ممن طلبوا الكلام، تصدرهم المرشح الرئاسي في العام 2008 القس مايك هاكابي، وهو من اكثر الجمهوريين اليمينيين المحافظين. منظمو المؤتمر، اي اللجنة المركزية للحزب، يخشون من ان يشن هاكابي في خطابه حملة ضد حق النساء في الاجهاض، وضد حصولهم على حبوب منع الحمل، مترافقا مع هجوم متوقع على المثليين جنسيا وعلى المهاجرين من اصول اميركية لاتينية، وهو ما من شأنه ابعاد شرائح واسعة من الناخبين ممن كان من المحتمل ان يدلوا باصواتهم لمصلحة رومني.
وحتى كتابة هذه السطور، كانت المفاوضات مازالت جارية لاقناع هاكابي بالانسحاب من لائحة المتكلمين، او تقديم خطاب بعيد عن الاستفزاز والتطرف.
في السياق نفسه، رشحت انباء عن امكانية ادراج الحزب الجمهوري، في برنامجه الانتخابي الذي سيقدمه في المؤتمر، بندا يعارض فيه ما اسماه «تطبيق الشريعة» الاسلامية في الولايات المتحدة، وهو اتهام يكيله كبار المغالين في يمينيتهم الى الاميركيين المسلمين، والذين لا تتجاوز نسبتهم الواحد في المئة من عدد سكان اميركا البالغ 300 مليون نسمة.
ووسط هذه التناقضات، وفي غياب المرشح القادر على ردم الهوات بين العقائد المتباينة داخل الحزب، لا يبدو ان الجمهوريين في موقف يحسدون عليه، رغم اصرار بعض الدراسات واستطلاعات الرأي ذات المصداقية على توقع فوز رومني في الانتخابات المقررة في السادس من نوفمبر، وانتزاع الجمهوريين لمجلس الشيوخ، مع حفاظهم على مجلس النواب الذي فازوا به في الانتخابات النصفية قبل عامين.

الجمعة، 24 أغسطس 2012

المالكي على خطى الأسد: التمسّك بالحل الأمني فقط

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

دفع الارتفاع الكبير في ارقام الهجمات والضحايا في العراق عدد من المسؤولين والخبراء الاميركيين الى توجيه اصابع الاتهام الى «رئيس الحكومة نوري المالكي الذي يراكم السلطة بين يديه»، وعزا الخبراء الارتفاع جزئيا الى «تهميش السنة العراقيين، الذين يشعرون انهم اهداف لحملة قمع تشنها حكومة المالكي ضدهم».
وجاء في مطالعة قدمها كل من الباحثين في «معهد دراسة الحرب» ماريسا سوليفان وستيفن ويكين ان «الاحباط الذي يصيب السنة جراء التوقف التام في العملية السياسية قد يثنيهم عن التعاون مع قوات الامن (الحكومية)، ما يسمح لمجموعات التمرد المسلح بالمزيد من حرية الحركة داخل العراق».
وعلى عكس الاعتقاد السائد وتصريحات عدد من السياسيين العراقيين، تعتبر الدراسة ان «الجهاديين» يتخذون من الاحداث في سورية غطاء لهم ليتسللوا عبر اراضيها الى العراق، يساعدهم في ذلك تناقص في مقدرة القوات العراقية على جمع المعلومات الاستخبارية وفي مقدمها على مواجهة الارهاب على اثر الانسحاب الاميركي.
وفي جلسة مغلقة عقدها عدد من المسؤولين والخبراء الاميركيين، تقدم احد الحاضرين بدراسة عن الوضع الامني والسياسي في العراق منذ انسحاب الجيش الاميركي اواخر العام الماضي. وقال: «منذ ما قبل انسحابنا ونحن نقول لاصدقائنا العراقيين، وخصوصا المالكي، ان لا حلول أمنية في العراق، وان الحل الوحيد يأتي عن طريق المصالحة الوطنية والعملية السياسية».
وتابع: «يطل المالكي عبر شاشات الفضائيات ليتحدث عن تمسكه بالمصالحة والحوار في المساء، ويذهب جنوده في الصباح لاعتقال خصومه في السياسة وتلفيق التهم لهم بممارسة الارهاب».
واضاف انه «كما (بشار) الاسد في سورية، يعتقد المالكي ان الحل الامني وحده كفيل بتثبيت الوضع في البلاد واستمراره في الحكم، اما النتائج على الارض، فتظهر عكس ذلك تماما»، وهو ما تبينه دراسة سوليفان وويكن، التي ورد فيها ان « يوليو 2012 كان الشهر الاكثر دموية في العراق منذ اغسطس 2010». وتستند الدراسة الى ارقام الحكومة العراقية، والتي يعتبرها كثيرون ارقاما محافظة، ويظهر فيها ان 325 عراقيا قتلوا في يوليو الماضي.
ويعتقد الخبراء انه على عكس الاتجاه الذي ساد بين العام 2008 والانسحاب الاميركي، والذي لحظ انخفاضا متواصلا في عدد الهجمات والضحايا بين شهر وآخر، عادت مستويات العنف الى الارتفاع منذ الانسحاب الاميركي، وخصوصا في الاسابيع الستة الماضية.
غراي سانديفورد، وهو كبير الباحثين في مركز «اوليف غروف» للدراسات الامنية في دبي، كتب ان معدل الهجمات الاسبوعي في العراق ارتفع من 56 في العام 2011 الى 110 في العام الحالي. وتظهر الارقام ازديادا هائلا في عدد الهجمات في اول اسبوعين من شهر اغسطس الجاري اذ شهد الاسبوع الاول 159 حادثا امنيا، فيما شهـــــد الاسبوع الثاني 147.
ويعزو سانديفورد الازدياد في عدد الهجمات الى انه «صار بامكان المتطرفين السنة المحافظة على وتيرة عملياتهم المرتفعة لفترات اطول»، مضيفا انه «من غير المعقول ربط الارتفاع في منسوب العنف الى عودة التمرد السني وحده»، ما يشي ان اسبابا اخرى، يتصدرها احتكار المالكي للسلطة وتهميشه للمجموعات السياسة المختلفة وتعامله معها بصورة قمعية وامنية، حسب اعتقاد سوليفان وويكين.
وفي مقارنة تظهر تحسن قدرات تنظيم «دولة العراق الاسلامية»، وهي فرع من «تنظيم القاعدة» حسب سوليفان وويكين، على شن الهجمات، تظهر دراساتهما انه في النصف الثاني من العام الماضي، اي قبل الانسحاب الاميركي، كان هذا التنظيم يشن هجمات كبيرة ومنسقة «مرة كل ستة او ثمانية اسابيع». اما في العام 2012، شن التنظيم «9 هجمات كبيرة بين مطلع يناير ومنتصف يونيو». واوضحت الدراسة ان الهجمات حدثت في 5 و23 فبراير، و15 و20 مارس، و19 ابريل، و13 و30 مايو، و9 و15 يونيو.
وتلفت الدراسة الى ان تنظيم «دولة العراق الاسلامية» تبنى 28 هجوما بين منتصف يونيو ونهاية يوليو، وان هذه الهجمات «تتنوع بين اغتيالات وبين تفجيرات تودي بحياة المئات»، وانها تأتي ضمن خطة «تحطيم الجدران» التي اعلنها التنظيم لاستعادة مواقعه.
وتعتبر كذلك ان امكانات التنظيم في تحسن كذلك، وان فيديوات تظهر اعضاءه «يتدربون على هجماتهم، ويستخدمون وسائل متطورة للتمويه وفي الاتصالات».
اما عن المناطق التي تتزايد فيها اعمال العنف، فتعتبر غالبية الدراسات الاميركية انها تتركز في ما يعرف بـ «المثلث السني» الذي يمتد بين بغداد وابوغريب والموصل، وان المدن التي شهدت ارتفاعا في اعمال العنف هي بغداد ونينوى وبابل.

توقيف كروكر في واشنطن لقيادته سيارته... مخموراً

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

أفادت صحيفة «كاي اكس ال واي» بان الشرطة المحلية في مدينة سبوكاين في ولاية واشنطن الشمالية اعتقلت السفير الاميركي الاسبق في الكويت ريان كروكر لقيادته سيارته مخمورا، وتسببه باصطدام مع سيارة اخرى. وعندما حاول صاحب السيارة اللحاق بكروكر، فر الاخير، الا ان مطارده اخذ معلومات السيارة وسلمها الى الشرطة، التي طاردته بدورها واعتقلته.
كروكر، البالغ من العمر (63 عاما)، هو اكثر ديبلوماسي حاصل على تنويهات وأوسمة رئاسية في تاريخ العاصمة الاميركية، وهو خدم ديبلوماسيا في الادارات المختلفة المتعاقبة، ديموقراطية وجمهورية، وعمل سفيرا لبلاده في الكويت في العام 1994 واستمر في هذا المنصب اربع سنوات قبل نقله ليصبح سفيراً في دمشق حتّى العام 2001.
وامضى كروكر معظم خدمته في اماكن متوترة في الشرق الاوسط، وكان يعمل في السفارة الاميركية في بيروت اثناء تعرضها للتفجير في العام 1983، كما عمل سفيرا لبلاده في العراق، قبل ان يتقاعد ويصبح عميدا في جامعة بتكساس.
وكان الرئيس السابق جورج بوش منح كروكر اثناء خدمته سفيرا في العراق «الميدالية الرئاسية للحرية»، وهي اعلى وسام ممكن ان تمنحه الدولة لاي مواطن اميركي.
مواهب كروكر الديبلوماسية دفعت الرئيس باراك اوباما الى الطلب منه العودة عن تقاعده في ابريل العام 2011 ليشغل منصب سفير بلاده في افغانستان، وتسلم الديبلوماسي المخضرم المنصب، وكان داخل مجمع السفارة الاميركية في كابول في سبتمبر الماضي عندما تعرض المجمع الى هجوم شنته حركة «طالبان» واستمر قرابة 19 ساعة. 
بيد ان حالة كروكر الصحية املت عليه اعتزال العمل الديبلوماسي وعودته الى ولايته واشنطن مطلع العام الحالي.
واظهر تقرير الشرطة ان «كروكر كان متوقفا في الحارة اليسرى للطريق على اشارة سير ضوئية، وعندما انقلبت خضراء، استدار من اليسار الى اقصى اليمين، فصدمته سيارة بعنف، ما ادى الى التفاف سيارته مرارا حول نفسها، لكنه لم يتوقف، بل تابع القيادة. وعندما اوقف شرطي كروكر، تبين ان سيارته لحقتها اضرار فادحة من جهة اليمين، وان عجلته اليمين الامامية كانت مثقوبة بسبب الارتطام».
كما اظهر التقرير ان «نسبة الكحول في دم كروكر بلغت صفر فاصلة 15 نقطة، فيما النسبة المسموحة للقيادة هي صفر فاصلة صفر ثمانية. الا ان الشرطة ذكرت ان كروكر كان متعاونا تماما مع شرطي المرور اثناء اعتقاله ونقله الى مركز الشرطة».
ولدى مثوله امام المحكمة، نفى كروكر التهم التي وجهتها اليه الشرطة، وخرج بكفالة قدرها القاضي بألفي دولار، على ان تستأنف جلسات محاكمته في 12 سبتمبر المقبل.

قضية العرب المركزية وسوريا

أم سورية تبحث عن اطفالها من بين الحطام بعد غارة جوية في بلدة عزاز- حلب

حسين عبد الحسين
المجلة

أمام كاميرا شبكة “سي ان ان”، وقف أبوعفيف في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان، حاملا وثيقة من زمن الانتداب البريطاني. “هذا سند بيتنا في صفصافة (قضاء صفد شمال فلسطين)، وهذا مفتاح بيتنا.. ما زلت احتفظ بهما منذ رحلنا في العام 1948″.
كان الاهتمام الغربي باللاجئين الفلسطينيين بلغ أوجه في العام 2002، على اثر تبني القمة العربية في بيروت لمبادرة السلام العربية مع اسرائيل الداعية لإقامة دولتين بموجب القرارات الدولية. لم يكن لدى العرب، شعوبا وحكومات، اي شك بأن القضية الفلسطينية، ووقف معاناة الفلسطينيين، هي اولويتهم وقضيتهم المركزية.

على ان فلسطين كانت قضية انسانية عموما، والهدف من مطالبة العرب العالم بالمساهمة في حلها، هو وقف اعتداء اسرائيل على الفلسطينيين واراضيهم وارزاقهم، الاعتداءات التي غالبا ما تصل الى حد القتل. هكذا، اصطف غالب العرب خلف الفلسطينيين. كذلك في الولايات المتحدة، جعلت المجموعات العربية، والقادة الزائرون العاصمة واشنطن، من فلسطين، اولوية لا ينافسها في الاهمية شيء، على الاقل على اعتبارات انسانية، حتى كانت الثورة السورية.
لقد كشف اندلاع الثورة في سوريا في منتصف شهر آذار (مارس) من العام الماضي نفاق الكثير من العرب، وخصوصا من العرب – الاميركيين، حيث يتحول معظمهم الى “أمة عربية” شبه واحدة في المهجر، واظهر ان استخدامهم لفلسطين غالبا ما يكون عذرا لاخفاء مشاكلهم الاخرى واجنداتهم السياسية المتنوعة.

ومن المعيب لمطالع مواقع عدد من اهم الجمعيات العربية – الاميركية ان يكتشف ان سوريا مازالت لا تتصدر اهتمامات هذه الجمعيات. ففي سوريا تعدى عدد القتلى 20 الفا في فترة عام ونصف العام، وهو ما يبلغ ضعف ما خسره الفلسطينيون امام الاسرائيليين على مدى عقدين على الاقل.
اكبر هذه الجمعيات هي “اللجنة الاميركية العربية لمكافحة التمييز”، ويرأس مجلس ادارتها صفا رفقا، وهو معروف بصداقته لنظام بشار الأسد وخصوصا سفيره السابق في الولايات المتحدة عماد مصطفى، الى حد دفعته هذه الصداقة الى حظر معزوفة كان ينوي تقديمها عازف البيانو السوري مالك جندلي بعنوان “وطني” تأييدا للثورة السورية.
اما “المعهد العربي الاميركي”، المنشق عن اللجنة بقيادة جيم زغبي، فيبدو ان لدى اهله حياء اكثر اذ قام المعهد، قبل اسبوع او اكثر، بتنظيم لقاء في مدينة شيكاغو “للتباحث في آخر التطورات في سوريا”، حسب موقع المعهد. على ان اللافت هو اعتبار المعهد، واللقاء، ان “الانتفاضة” السورية تحولت الى “تمرد مسلح يكاد يلامس الحرب الأهلية”. ويضيف المعهد ان “هذه التعقيدات تجعل من الصعب جدا رسم مسار مستقبلي وتقديم مساعدات للشعب السوري المحاصر من دون صب زيت على النار”.
ويتابع المعهد انه يبدو ان “الانتفاضة السورية تعاني من نقص في المعلومات او ضلالتها او تضاربها”، معتبرا ان “لكل حادث يبدو ان هناك على الاقل تفسيرين”.

اما المطالع للمواقع ذات الطابع القومي مثل “الانتفاضة الالكترونية” أو “اميركان تاسك فروس فور ليبانون”، فيجد ان الموقع الاول يتصدره الحديث عن ارتفاع منسوب العداء للمسلمين في الولايات المتحدة، يليه قصص واخبار عن فلسطين حصرا. اما الموقع الثاني، اللبناني، فمن غير الممكن ان يستنتج اي مطالع ان في سوريا ثورة تتهدد السلم الأهلي اللبناني، او ان رئيس جمهورية لبنان ميشال سليمان ابدى اعتراضا على قيام مساعد أمني للأسد ، بتوجيه اوامر لوزير سابق بزرع، وتفجير 24 عبوة في تجمعات سكانية في شمال لبنان بهدف اثارة الفتنة.
ما سرّ هذا التواطؤ العربي – الاميركي مع الاسد ونظامه؟ ولماذا اعتبار ان قصة مثل قصة تعذيب وقتل الطفل حمزة الخطيب في سوريا تحتمل التأويل والتفسير، او انها لا تستحق تحريك ضمير هؤلاء الذين يصرخون منذ عقود طلبا للعدالة، المستحقة، للفلسطينيين من دون غيرهم من العرب؟

الاسباب كثيرة ومتنوعة ولا مجال للتوسع بها هنا. ما يجب قوله هو ان الحواجز الاسرائيلية مزعجة لحياة الفلسطينيين، لكنها لا تضاهي في دمويتها حواجز الاسد التي تختطف السوريين، من كل الاجناس والاعمار، وغالبا ما تعذبهم وتقطعهم اربا في مشهد يجعل من البشاعة الاسرائيلية المرتكبة بحق الفسلطينيين، تبدو وكأنها تفصيل بالنسبة للوضع السوري.
لقد مرت عقود والعرب يذكرون العالم بمجزرة دير ياسين الاسرائيلية بحق الفلسطينيين، وهذا جيد، ولكن في بابا عمر في حمص، وفي بصر الحريري ودرعا، وفي جبل الزاوية وحلب، مئات دير ياسين التي ترتكبها قوات الاسد بحق المدنيين السوريين بشكل منهجي ومتواصل.
ان لابي عفيف حقوقا مسلوبة في فلسطين، ولكن تزايد القتلى في سوريا، يجعل منها اليوم قضية العرب المركزية من دون منازع، وعلى اصحاب الضمير العرب التوقف عن التذاكي الكلامي والسفسطة والاستمرار بتركيز جهودهم على فسطين من دون غيرها.
وعلى هؤلاء مناصرة السوريين وثورتهم في وجه ماكينة القتل التي يديرها الاسد، والتي صارت تحفر لنفسها مكان في ذاكرة العرب وصورا قبيحة ستتكلم عنها الاجيال لسنوات كثيرة قادمة. مناصرو فلسطين ممن لا يرون ضيما في سوريا، او لا يتحدثون عنه ويناصرون رفعه، يتسببون بانتقاص لمصداقيتهم وانسانيتهم، وربما بغضب سوري ضدهم وضد القضية الفلسطينية التي لطالما كان السوريون اول مسانديها.


الخميس، 23 أغسطس 2012

رداً على "تتفيه" السياسة الخارجية الأميركية لفؤاد عجمي


حسين عبدالحسين

لم اتصور اني سأجد نفسي اناقش الصديق فؤاد عجمي، صاحب الذهن المتقد والاسلوب الكتابي الشيق الذي لا تنصفه الترجمة الى العربية، حول السياسة الخارجية الاميركية. في نواح كثيرة، اتفق مع عجمي حول اهمية التخلص من الديكتاتوريات، ولو بقوة اجنبية وعلى حساب مبدأ السيادة الوطنية الفارغ احيانا والمستخدم احيانا كثيرة اخرى لاخفاء طغيان الحكام.

من يستمع لعجمي يتحدث يشعر ان الرجل، الموسوعي في معارفه، صادق في ما يقوله. وعجمي هو صديق شخصي للرئيس السابق جورج بوش، وهو ساهم في صناعة قرار الحرب الاميركية في العراق، لا لانه يعمل مع اللوبيات المختلفة التي استفادت من الحرب، بل لانه يؤيد مبدأ الديموقراطية وتقديم فرصة للعرب لممارستها، وهو ما يظهر بوضوح في كتابه الممتع حول الثورة السورية، والذي حررت اكثر من مراجعة حوله.
الا ان خلافي مع عجمي يتعلق بانحيازه غير المفهوم للادارات الجمهورية، على الرغم من ان الحزبين الجمهوري والديموقرطي يندر ان يفترقا في السياسة الخارجية، فيما تتركز التباينات بينهما حول مواضيع اقتصادية واجتماعية اميركية بحتة. وزاد عجبي لأني اعرف ان عجمي لا يناصر الجمهوريين بالضرورة داخليا، مما يجعل تأييده لهم في السياسة الخارجية غير مفهوم.
في الموضوع السوري، يصب عجمي غضبه على عدم التدخل الاميركي، الذي يلامس عدم الاكتراث، لنصرة ثوار سوريا في وجه نظامهم ورئيسه بشار الاسد. وغالبا ما يستعيد الاكاديمي الاميركي ابن الجنوب اللبناني سياسة باراك اوباما الانفتاحية على الاسد في مرحلة ما قبل اندلاع الثورة السورية في منتصف آذار من العام الماضي للدلالة على استعداد الرئيس الاميركي للتعاون مع حكام غير منتخبين ولو على حساب مصلحة شعوبهم. 
على ان الانفتاح على دمشق لم تبدأه وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، بل كوندوليزا رايس الوزيرة السابقة، التي اصرت على جعل موضوع السلام العربي - الاسرائيلي مفتاحا لحل ازمات المنطقة، فوجهت الدعوة للنظام السوري للمشاركة في مؤتمر انابوليس في العام 2007، وهو ما اثار حفيظة نائب الرئيس في حينه ديك تشيني، حسبما ورد في مذكراته. لكن بوش انحاز لرايس ولفكرة الانفتاح على سوريا. وكان ذلك قبل سنتين او اكثر من وصول كلينتون ورئيسها اوباما الى الحكم في كانون الثاني 2009.
في الموضوع السوري كذلك، يبدو الجمهوريون اكثر اصراراً من الديموقراطيين على عدم التدخل العسكري. لننسَ السناتور الجمهوري والمرشح الرئاسي السابق جون ماكين ومطالباته بالتدخل، ولنتأمل تصريحات ارباب "الاستابلشمنت" في الحزب الجمهوري.
"انا اعرف اين اقف، واعتقد اني اعرف اين يقف هنري كيسينجر وجورج شولتز. اعتقد اننا كنا كلنا وزراء خارجية ناجحين"، يقول وزير الخارجية السابق الجمهوري جيمس بايكر في مقابلة مع مجلة "فورين بوليسي" في التاسع من آب الجاري. ويضيف: "انا اعرف كذلك موضوعاً آخر: اعرف ان الشعب الاميركي تعب من تسديد التكاليف، بالدم والمال، لحروب ندخل فيها ولا تمثل احيانا تهديدا مباشرا للامن القومي للولايات المتحدة". ويختم: "التهديد السوري ليس تهديدا لنا".
قبله، كتب كيسينجر، الجمهوري كذلك، في صحيفة "واشنطن بوست" في الاول من حزيران الماضي، ان الربيع العربي يقوض النظام العالمي القائم على "معاهدة وستفاليا" للعام 1648، والقائم على مبدأ السيادة للدولة، بغض النظر عما يجري داخلها. واضاف ان تقويض هذا النظام يطرح اسئلة على الاستراتيجية الاميركية من قبيل: "هل تعتبر اميركا نفسها مجبرة على دعم كل انتفاضة شعبية ضد اي حكومة غير ديموقراطية، بما فيها الحكومات المعتبرة مهمة للحفاظ على النظام العالمي؟".
في الولايات المتحدة، يسابق الجمهوريون الديموقراطيين في ابتكار الحجج التي تبقيهم خارج الثورة السورية عسكريا، وحتى في حال فوز المرشح الجمهوري ميت رومني بمنصب الرئيس في انتخابات تشرين الثاني المقبل، من غير المرجح ان يقوم بادخال اي تعديلات تذكر على السياسة الخارجية. اما ابرز الدلائل على بقاء اميركا رومني خارج سوريا عسكريا فيأتي من الشخصين المرشحين لتولي منصبي وزير الخارجية ومستشار الامن القومي، ريتشارد هاس وروبرت زوليك، والاثنان ينتميان الى التيار "الواقعي" بزعامة بايكر وكيسينجر. على عكس تيار "المحافظين الجدد" الذي سيطر على قرار بوش الابن في الفترة الاولى لحكمه، الاثنان اعربا صراحة عن معارضتهما للتدخل العسكري الاميركي في سوريا.
اما كلينتون، فهي ابلت البلاء الحسن في ادائها حول العالم بالمقياس الاميركي، الى درجة تحدث كثيرون عن امكان حلولها محل نائب الرئيس جو بايدن لولاية اوباما الثانية، لكن كلينتون نفسها اعلنت انها تنوي الخروج من السياسة للتفرغ لشؤونها العائلية. ومن المرجّح ان تخلفها في منصبها سوزان رايس مبعوثة اميركا الى الامم المتحدة.
وانصافا لاوباما ووزيرة خارجيته، لا بد من الاشارة الى انهما تخليا عن حليف اميركا التقليدي الرئيس المصري السابق حسني مبارك وانحازا للربيع العربي وللثورة المطالبة بتنحيه، على عكس كل النصائح من الجمهوريين وخصوصا من "الواقعيين" في السياسة الخارجية من بينهم، وكذلك من اصدقاء اسرائيل، الذين طالبوا اوباما بالتمسك بحليف اميركا خوفا من الانزلاق الى المجهول او الى حكم اسلامي متطرف. 
لم تبدِ الولايات المتحدة حماسة تذكر تجاه الثورة السورية منذ اندلاعها، على الرغم من ترديد كثيرين من الحزبين انه في الحالة السورية، تتلاقى مصالح اميركا في رحيل الاسد مع مبادئها المساندة للحرية والديموقراطية وحقوق الانسان. ربما ينبع عدم الاكتراث الاميركي من ان لا اهمية استراتيجية تذكر لسوريا، على عكس ما يعتقده الكثيرون من السوريين واللبنانيين. وربما لان 200 الف برميل يوميا من النفط السوري لم تجد لها سوقا حتى في الدول الحليفة للأسد بعدما تخلت عنها اوروبا، لان هذه الكمية لا تدخل فعليا في حسابات الدول واقتصاداتها. 
ربما ايضا مازال كابوس فوضى ما بعد الديكتاتورية في العراق ماثلا في ذهن الاميركيين، وربما هم يعتقدون ان الاسد سيرحل في مطلق الاحوال، وان بكلفة عالية من الدماء السورية، ولكن على الاقل هذه المرة من دون كلفة اميركية. 


¶ "قضايا النهار" – فؤاد عجمي – هيلاري كلينتون: "تتفيه" السياسة الخارجية الاميركية - 19/ 8/ 2012.

الأربعاء، 22 أغسطس 2012

تركيا وحلفاؤها يستعدّون لتزويد الجيش الحر بمضادات تمكنه من فرض حظر جوي فوق حلب وادلب

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

أربعة عشر قاذف صاروخ «ستينغر» اميركي مضاد للطائرات ومحمول على الكتف، وعدد كبير من القاذفات الاميركية الاخرى الممكن استخدامها لمرة واحدة فقط، وصواريخ سام «ارض - جو» مشابهة، ومضادات من عيار 14 ميليمترا محمولة على آليات، وتدريب لمقاتلي «الجيش السوري الحر» في تركيا على استخدام هذه الاسلحة، وتزويد المقاتلين بمعلومات استخباراتية حول تحرك طائرات الاسد وقواته على الارض.
هذا ملخص «لائحة المشتريات» التي تعمل تركيا وحلفاؤها في الغرب والعالم العربي على تزويدها للثوار السوريين في الاسابيع القليلة المقبلة لتمكينهم من الحاق الهزيمة بطائرات قوات الرئيس السوري بشار الاسد وتنحية سلاح الجو من المعركة كخطوة اولى لاقامة منطقة حظر جوي فوق منطقة آمنة للمدنيين السوريين تمتد على مساحة محافظتي ادلب وحلب، حسب مصادر ديبلوماسية مطلعة في العاصمة الاميركية.
وتقول المصادر ان «نجاح السوريين انفسهم في فرض حظر الجوي لا يحتاج الى قرارات من مجلس الامن او اعلان حرب من اي دولة ضد السيادة السورية». 
وتعتقد المصادر نفسها ان فرص نجاح الثوار في اقامة المنطقة الآمنة من دون تدخل خارجي «كبيرة جدا».
من يحصل على هذه الصواريخ بين الثوار السوريين؟ وهل اسقطت الولايات المتحدة تحفظاتها على امكانية وصول اسلحة، وخصوصا صواريخ «ستينغر»، الى ايدي متطرفين؟
«الراي» علمت ان «مجموعة دعم سورية»، وهي تتشكل من سوريين-اميركيين وسوريين في المهجر عموما، هي على اتصال مباشر بقوات «الجيش السوري الحر» المقاتلة داخل سورية، وهي التي تقوم بعملية اختيار المقاتلين الذين يتواصل معهم الحلفاء ويزودونهم بالمال والسلاح والمعلومات الاستخباراتية. 
هذه المجموعة كلفت برايان سايرز، وهو سبق ان عمل في «تحالف الاطلسي» في بروكسل وفي كوسوفو، للقيام بمهام مديرها التنفيذي. وترى المجموعة ان مهمتها تكمن في دعم «الجيش السوري الحر» ومساعدته في التحول الى جيش بديل عن الجيش النظامي لمرحلة ما بعد الرئيس بشار الاسد.
وهذا يتطلب، حسب مقابلة ادلى بها سايرز الى احد مواقع الاخبار الاميركية، «دعم على المدى القصير مثل التمويل، والدعم اللوجستي وتحسين وسائل الاتصال» لدى «الجيش السوري الحر». اما على المدى البعيد، يقول سايرز، فالمطلوب هو «اصلاح في القطاع الامني بشكل عام وتغيير عقيدة الجيش».
يذكر ان «وزارة الخزانة» الاميركية منحت، في 26 يوليو الماضي، استثناء من اي عقوبات مفروضة على سورية لهذه المجموعة لتمويل «الجيش السوري الحر». 
في هذه الاثناء، يقول خبراء عسكريون اميركيون ان استخدام الاسد طائراته المقاتلة، خصوصا ذات الجناح الثابت، هو دليل على تراجع مقدرة قواته على الامساك بالارض. ويقول هؤلاء ان «قوات الاسد تعاني من ارهاق تام، فهي تنتقل من بقعة الى اخرى على مدى السنة والنصف الماضية، وهذا يعني انها بحاجة لنقل آلياتها مثل الدبابات والمدافع بشكل متواصل، وهذا كابوس لوجستي لدى اي جيش».
اضف الى ذلك نجح الثوار، حسب الخبراء، في السيطرة على معظم طرق الامداد في المناطق الشمالية حيث تدور المعارك، وخصوصا في منطقة جبل الزاوية جنوب شرق محافظة ادلب، عن طريق سيطرتهم على الحواجز العسكرية التي كانت تابعة لقوات النظام.
ويقول احد الخبراء ان آخر المعارك حول معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا اظهرت ان قوات الاسد «غير قادرة على استعادة الاراضي التي تخسرها، لذا فهي تحاول التعويض عن ذلك بشن هجمات من الجو».
ويقارن الخبراء الاميركيون بين معركتي حمص وحلب، فيتوصلوا الى نتيجة مفادها ان القوات النظامية التي نجحت في تدمير احياء في حمص عن بكرة ابيها واجتاحتها بالمشاة، غير قادرة على فرض التكتيك نفسه في حلب، ولا هي قادرة على محاصرة الثوار في اي مساحة داخل المدينة ولا قطع خطوط امدادهم المتصلة بتركيا.
على العكس، يعتقد الخبراء ان معركة حلب تظهر انقلابا تدريجيا في موازين القوى لمصلحة الثوار. بيد ان «سلاح جو النظام مازال قادرا على انزال عقوبة جماعية بالاحياء التي يخسر السيطرة عليها لمصلحة الجيش الحر، وهو ما يحدث في الاسابيع القليلة الماضية».
ويقول ديبلوماسيون في واشنطن انه في وسط هذه الصورة العسكرية «سيساهم تحييد طائرات الاسد في خلق مناطق آمنة تماما تحت سيطرة الجيش السوري الحر، ويمكن ان يلجأ اليها المدنيون السوريون هربا من العنف في مناطق اخرى». حتى يحصل هذا، يحتاج الثوار الى الحاق الخسائر بنوعين من الطائرات، المروحية والثابتة الجناح.
الطائرات المروحية يتم استعمالها مساندة للقوة المقاتة على الارض، وهي تعطي افضلية كبيرة لقوات الاسد، لكن نقطة ضعفها، حسب الديبلوماسيين، هي انها عرضة للنيران الارضية مثل مدافع المضادات الرشاشة والصواريخ المحمولة على الكتف. وتحاول تركيا وحلفاؤها «تعزيز القوة النارية المضادة للمروحيات لدى الثوار».
اما الطائرات الثابتة الجناح مثل مقاتلات «ميغ»، فهي تستخدم بدلا من القصف المدفعي. ويقول الديبلوماسيون ان «مراقبة اداء طيارين الجيش النظامي يشير الى ان قصفهم عشوائي»، وانه «لا يأتي بالتنسيق مع المشاة ولا تغطية لتحركاتهم»، بل هو بمثابة «عقوبة جماعية كما كانت تفعل المدافع والدبابات في درعا وحمص وحماة وغيرها».
ويضيف الديبلوماسيون ان قرار مساعدة «الجيش السوري الحر» هو احد الخيارات التي تم طرحها في المناقشات بين الحلفاء المساندين للثورة السورية ضد حكم الاسد. اما السيناريوات الاخرى، فتضمنت «اقامة مظلة جوية باستخدام قواعد بطاريات صواريخ ارض - جو مضادة للطائرات ومتمركزة على الجانب التركي من الحدود مع سورية»، لكن هذا السيناريو يتطلب بالضرورة اختراق السيادة السورية.
كذلك، تباحث الحلفاء، تركيا واميركا والدول الاوروبية والعربية، في امكانية شن حملة جوية محدودة في الشمال السوري لتدمير دفاعات الاسد الجوية والمطارات التي يمكن استخدامها لاقلاع وهبوط المقاتلات من دون الحاجة الى تدمير الدفاعات على مدى المساحة السورية بأكملها. لكن هذه الحملة الجوية، التي تحتاج الى ساعات معدودة، ستكون كذلك بمثابة اختراق للسيادة السورية، وهو امر تعارضه واشنطن من دون تفويض من مجلس الامن، حسب المصادر.
يختم الديبلوماسيون: «هناك اجماع بين الحلفاء على ان انهيار نظام الاسد حتمي، السؤال هو المدة الزمنية التي يتطلبها والثمن الذي سيضطر المدنيون السوريون الى دفعه قبل ان يحصل ذلك... نحن نحاول في التعجيل من السقوط لتفادي وقوع المزيد من ضحايا على ايدي النظام وقواته».

الأربعاء، 8 أغسطس 2012

نجاحات ثوار سورية قلبت رأي أوباما

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

لم ينقلب رأي الرئيس الاميركي باراك اوباما لمصلحة الثوار السوريين الا بعدما اظهرت التقارير الاستخباراتية ان الاحداث في سورية بلغت «نقطة انعطاف»، وان الثوار سيطروا على مناطق استراتيجية لن يكون بمقدور الرئيس بشار الاسد وقواته استعادتها بعد الآن، أهمها جبل الزاوية، التي تتعرض في الايام الاخيرة الى قصف جوي كثيف يشي بأن الأسد يحاول جاهدا استعادتها ولكن من دون جدوى.
تبدأ قصة نجاحات الثوار السوريين على اثر مجزرتي كنصفرة وكفرعويد، في الجنوب الغربي لمحافظة ادلب في 20 ديسمبر الماضي، والتي راح ضحيتها ما يقارب 250 تمت تصفيتهم على مدى يومين. وكانت قوات الاسد انسحبت صيف 2011 من البلدتين للمشاركة في مواجهات في اماكن اخرى، وشهد شهر نوفمبر 2011 احتجاجات كبيرة ضد حكم الاسد في غياب القوات النظامية في قرى جبل الزاوية منها البلدتان المذكورتان. 
لكن قوات الاسد عادت معززة بالشبيحة في ديسمبر، ما دفع المقاتلين والناشطين والسكان الى الهروب الى واد مجاور، وهو ما سهل من مهمة قوات الاسد، التي رابطت في اماكن مرتفعة، ومضت في تصفيتهم.
لم يستسلم الثوار، الذين كانوا حتى ذلك الحين يقومون بهجمات «بدائية»، حسب وصف الخبراء الاميركيين، ضد القوات النظامية، من قبيل نصب كمائن لقوات الاسد، وتجهيز عبوات مضادة للآليات. لكن في 2 يناير الماضي، نجح الثوار في تطوير قدراتهم، ونفذوا «عملية نوعية» ضد نقطة تفتيش في بلدة كفرحيا، وغنموا عددا كبيرا من البنادق الآلية وقاذفات «آر بي جي» وذخيرة.
ومع حلول فبراير، انسحبت قوات النظام من بلدة سرجة القريبة للمشاركة في معارك حمص، وهذه مشكلة تواجهها قوات الاسد منذ اندلاع الثورة في مارس 2011، اذ غالبا ما تنجح في طرد الثوار من بلدات ومدن، لكنها تجبر على الانتقال الى اماكن ثائرة اخرى، ما يعني انه لم يكن ممكنا لقوات الاسد احكام السيطرة على اي من المناطق التي كانت تنتصر على الثوار فيها. ذلك الانسحاب، وهدنة مارس التي اعلنها المبعوث الاممي كوفي انان، اعطت الثوار في جبل الزاوية الوقت الكافي لتنظيم صفوفهم.
مع نهاية مارس الماضي، وصل عدد كتائب «صقور الشام» الى ستة، فيما اعلنت مجموعة «شهداء جبل الزاوية» تشكيلها وفصيلين آخرين «لواء ابراهيم هنانو»، وفي الوقت نفسه، اعلن العقيد عفيف سليمان تشكيله «مجلس ادلب العسكري». 
ورغم انشغال قوات الاسد في أماكن اخرى، كان لا بد لها من المحافظة على سيطرتها على بلدة اريحا، التي سيطر عليها الثوار، لاهميتها الاستراتيجية اذ تربط مدينة حلب بالساحل السوري. وترصد التقارير الاميركية انه منذ شهر مارس، حاولت قوات الاسد استعادة المدينة من سيطرة «الجيش الحر» على الاقل مرة كل شهر، ولكن من دون جدوى. 
ويضيف احد التقارير ان «مجلس ادلب العسكري» اعلن انتهاء الهدنة في 26 مايو، وشنّت مجموعتا «شهداء جبل الزاوية» و«صقور الشام» هجوما ضد حاجز في بلدة مغارة، اظهر للمرة الاولى حسب الخبراء الاميركيين، انه صار لدى الثوار السوريين مقدرة على تنسيق تحركاتهم من ضمن تكتيك «القيادة والسيطرة»، اذ دام الهجوم نحو 8 ساعات، استطاع على اثره الثوار السيطرة على الحاجز والاستيلاء على دبابة «تي 62» ومضاد للطائرات. وفي الوقت نفسه، سيطرت مجموعة ثالثة على حاجز في بلدة مرعيان.
ويذكر التقرير انه «من وجهة نظر عسكرية، اظهر هجوم مغارة فعالية في الاتصالات، وتخطيطا عملياتيا، وتنسيقا بين قيادات المجموعات الثورية المختلفة المهاجمة» وان فيديو يظهر «100 مقاتل من شهداء جبل الزاوية يتجمعون قبل ان يتوزعوا في مجموعات من 10 مقاتلين، لكل واحدة قائد مخصص ابلغ مقاتليه تفاصيل مهمتهم».
ويتابع التقرير ان هجمات الثوار ضد قوات الاسد صارت تظهر «تحولهم من تجمع ميليشيات محلية الى قوة مقاتلة قادرة على تلقي مهام عمليات، وربما تنظيم هجمات خارج معاقلها».
ولأن المساحة التي يسيطر عليها الثوار في جبل الزاوية تبعد 30 كيلومترا فقط عن الحدود التركية، صار اسهل تموينها وتزويدها بالعتاد والذخائر، يقول التقرير، ولأن المنطقة استراتيجية، وتقطع اوتستراد دمشق - حلب وطريق حلب الساحل، ساهمت السيطرة عليها في عرقلة حركة قوات الاسد التي تنتقل في طول البلاد وعرضها لقمع تمرد بعد الآخر.
ان نجاح الثوار في تطبيق «القيادة والسيطرة»، وازدياد قوتهم النارية الخفيفة التي تسمح لهم الحفاظ على وتيرة هجومية لا دفاعية فحسب، واستيلاءهم على مضادات نجحت في تحييد مروحيات الاسد الهجومية في بعض المناطق، واستخدامهم للعبوات المحلية الصنع التي شلت دبابات الاسد ومدرعاته واجبرت قواته على الترجل والقتال وجها لوجه، كل هذه اضعفت من مقدرة الاسد على استعادة المناطق التي انتزعها منه الثوار، وفرضت على قواته تراجعا، ما يجبره الاعتماد أكثر فأكثر على قواته الجوية في ظل ضعف قواته البرية وتعذر امكان نقل القوة المدفعية من منطقة الى اخرى.
في هذا السياق، يضع الخبراء الاميركيون استخدام قوات الاسد لمقاتلات «ميغ» و«سوخوي» في مواجهات حلب، ويقول الضابط السابق في الاستخبارات العسكرية الاميركية جوزف هوليداي، والذي خدم في العراق وافغانستان، ان نظام الاسد يستخدم هذه المقاتلات «لانهم لا يملكون الدعم المدفعي الذي يحتاجونه في اقصى شمال البلاد».
ويضيف هوليداي ان نظام الاسد اثار اعجابه «في مقدرتهم على تحمل العمليات لاكثر من سنة، وهم يركضون بدباباتهم بكل الاتجاهات في سورية، وهي عملية لوجستية صعبة»، مضيفا: «لكن ما تراه يحصل الآن هو ان نظام الاسد تم استنزافه الى درجة ان مقدرتهم اللوجستية بدأت تتعطل». ويستطرد ليقول: «المقدرات اللوجستية يعني نقل قطع الغيار والفيول والاكل على امتداد الاتوتسترادات لدعم وتزويد القوات في المناطق المختلفة».
ادارة اوباما عملت على مراقبة انتصارات «الجيش السوري الحر» عن كثب، وتقييمها، وادركت ان مصلحتها تكمن في تحديد قيادات الثوار على الارض، ومحاولة التواصل معهم، وهذا يحتاج الى امكانية تقديم الدعم الاميركي لهؤلاء، على شكل اموال وتزويدهم بمعلومات استخباراتية وصور من الاقمار الاصطناعية حول اماكن تواجد قوات الاسد وتنقلاتها، كما تقديم النصائح التكتيكية.
ولتقوم واشنطن بهذه النشاطات، كان لابد للرئيس الاميركي من توقيع عدد من المذكرات تحدثت عنها وسائل الاعلام الاسبوع الماضي، ابرزها السماح بالتواصل الاميركي مع الثوار، كذلك السماح للاموال بالوصول اليهم من دون قيام «وحدة مراقبة الاصول الخارجية» في وزارة الخزانة بملاحقة البنوك التي يتم من خلالها تمويلهم.
وتظهر التقارير ان من القادة الذين تحاول واشنطن الاتصال بهم احمد ابو عيسى، وهو مدني يقود الجناح السياسي لـ «صقور الشام»، وخسر اخويه داود وابوالفضل في المواجهات مع النظام. ومع ان التقارير تشير الى «الطابع الاسلامي» لهذه المجموعة وقائدها، الا انها تُلفت الى ابتعادها عن التشدد، وتقتبس من خطابات زعيمها قوله ان سورية هي التي ستحدد شكل مستقبلها السياسي. كما تُلفت التقارير الى ابتعاد المجموعة عن استخدام الهجمات الانتحارية، وهي احدى علامات المجموعات المتطرفة. وتضيف ان الثوار السوريين يعمدون الى تفخيخ سيارات موالين للأسد، ويسمحون لهم بالمغادرة، وعندما يصل هؤلاء الى مقراتهم، يعمل الثوار على تفجير السيارات عن بعد، وهذا تكتيك يثير الرعب في صفوف موالي الاسد من بعضهم البعض، اضافة الى استهدافهم.
كذلك تُلفت التقارير الى مجموعات من «الجيش الحر» لا تتبنى توجهات سياسية معينة، ولا تتأثر بطابع اسلامي، مثل مجموعة «شهداء جبل الزاوية» بقيادة علاء حسين. وتعتبر التقارير الاميركية ان تشكيل هؤلاء «للواء ابراهيم هنانو»، وهو من قيادات الثورة السورية الكبرى ضد الفرنسيين، يشي بأن طابع المجموعة سوري وطني اكثر منه اسلامي.

كتاب دايفيد كريست: أميركا، إيران، وثلاثون عاما من الصراع


حسين عبد الحسين

يبدو ان دايفيد كريست، مؤرخ وزارة الدفاع الاميركية ومؤلف كتاب “حرب الشفق”، الصادر حديثا عن صراع العقود الثلاثة بين الولايات المتحدة وايران، لم يكن يعرف ان كثيرين حاولوا من قبله الخوض في تفاصيل هذه المواجهة في محاولة التوصل الى استنتاجات حاسمة، ولكنهم لم يتوصلوا الى اكثر من تحليلات وتمنيات في احسن الاحوال.

على ان ما يميز كتاب كريست، وهو العسكري السابق الذي خدم في العراق وافغانستان، انه يلقي الضوء على البعد العسكري للصراع، مستفيدا بذلك من علاقاته وعلاقات والده من قبله بعسكريي اميركا، فيخرج على قرائه بعمل يستنزف فيه جميع الابحاث الممكنة والمصادر المتوافرة، التي تأتي في 600 صفحة تفاصيلها منهكة احيانا، ويحاول خلالها كريست تأريخ العلاقة الاميركية – الايرانية منذ اندلاع الثورة في طهران في العام 1979.

هذه الفترة تغطي فترة حكم ستة رؤساء اميركيين هم جيمي كارتر ورونالد ريغان وجورج بوش الاب، وبيل كلينتون، وجورج بوش الابن وباراك اوباما، مع تفاوت في كمية التفاصيل ونوعية المعلومات التي يقدمها كريست عن كل فترة، فالمعلومات غنية ومصادرها معروفة حتى فترة كلينتون، وبعد ذلك، تتحول الى مصادر سياسية مبهمة، على الارجح تتحدث لا للتاريخ وانما لاهداف سياسية.

خلاصة كتاب كريست ان اساس الخلاف الاميركي الايراني هو اقرب الى سوء تفاهم بين البلدين منه الى صراع مصالحي وعقائدي، ويعتقد كريست ان حكام ايران يعتقدون ان واشنطن تحاول الاطاحة بنظامهم، مما يجبرهم على التحسب دوما من نيات الاميركيين، الذي لا يثقون بدورهم باهداف الايرانيين وينقسمون في طريقة التعامل معهم.

ومما يورده كريست ان خطط واشنطن لاجتياح العراق لم تتضمن سيناريوهات فيها تدخل ايراني، وهو ما حدث، اذ على اثر سقوط نظام صدام حسين، صار الايرانيون يعبرون الحدود العراقية ويعملون على تنظيم هجمات ضد الاميركيين.

الحديث عن هذه الفترة اغضب عدد من مخططي حرب العراق في ادارة بوش، من امثال مساعد وزير الدفاع السابق دوغلاس فايث، الذي حضر خصيصا الندوة التي نظمها “معهد واشنطن لسياسيات الشرق الادنى” لافساح المجال لكريست لاطلاق كتابه.

كما يدخل كريست مؤرخا لموضوع خلافي يحاول اللوبي الموالي للنظام الايراني في واشنطن تصويره على انه بمثابة “فرصة ضائعة” لاصلاح العلاقات، ويدعي هذا اللوبي انها جاءت على اثر الاجتياح الاميركي للعراق، وقام خلالها نظام الملالي بتقديم عرض تسوية للاميركيين عبر السويسريين وغيرهم، الا ان واشنطن – المعتدة بانتصاراتها في افغانستان والعراق في حينه – رفضت العرض النادر والفريد من نوعه.

كتاب كريست اثار حنق كثيرين، من امثال الباحث في مركز ابحاث “اميركيان انتربرايز انستيتيوت” اليميني مايكل روبن، الذي نفى في مراجعة للكتاب في “ناشونال ريفيو اونلاين” “حصول العرض الايراني في العام 2003، مما اجبر كريست على تقديم رد على الرد في المطبوعة نفسها حاول فيه الابتعاد عن مسايرة الايرانيين، بل اضاف انه من اشد المؤيدين لاقتراح نائب الرئيس السابق ديك تشيني القائل بضرورة توجيه ضربات صاروخية اميركية ضد اهداف داخل ايران ردا على اي اعتداءات يقوم بها الايرانيون او حلفاؤهم ضد الاميركيين في العراق او المنطقة.

اما ابرز المراجعات لكتاب كريست فجاءت من الاميركي من اصل ايراني والباحث في “معهد كارنيغي للسلام” كريم سجادبور، الذي كتب في ملحق “نيويورك تايمز” ان كتاب كريست مليء بالتاريخ العسكري، ولكن ينقصه البعد السياسي.

وردا على اعتبار كريست ان ايران تحاول التوصل الى حل فيما اميركا متصلبة، كتب سجادبور ان الكتاب مادة هامة للمعنيين بالشأن الايراني، وان على كريست ارساله بالبريد لا للرئيس باراك اوباما، بل لمرشد الثورة الايرانية علي خامنئي الذي لم يغادر ايران منذ العام 1989.

وختم سجادبور ان “الكتاب لن يغير على الارجح من نظرة (خامنئي) الى سياسات اميركا، ولكنه سيساعده على فهمها”.

الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

شركات ميقاتي تتسبب بأزمة انتخابية لأوباما

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

شن الجمهوريون هجوما ضد الرئيس باراك اوباما متهمين كبير مستشاريه دايفيد بلوف بتقاضي الاموال من شركة «ام تي ان» الجنوب افريقية، متهمين اياها بالشراكة مع الحكومتين الايرانية والسورية، اللتان تصنفهما واشنطن في خانة الداعمين للارهاب والمرتكبين لتجاوزات فادحة في مجال حقوق الانسان.
اما المالك الاكبر في «ام تي ان» فهو رئيس حكومة لبنان نجيب ميقاتي وعائلته التي تملك شركة «ام ون»، ومقرها بيروت، حسب مجلة «فوربس» العالمية المتخصصة بعالم الاعمال.
وتصف المجلة ميقاتي بالـ «الصديق الشخصي (للرئيس السوري بشار) الأسد»، وتورد ان شركته «مجموعة ام ون، هي اكبر مالك للأسهم في مجموعة ام تي ان تيليكوم الجنوب افريقية، التي تدير شبكات خلوية في سورية، الى جانب سيرياتل، التي يسيطر عليها رامي مخلوف»، ابن خال الاسد.
واوردت صحيفة «واشنطن بوست» ان بلوف، وهو عمل مديرا لحملة اوباما الانتخابية العام 2008، «تقاضى 100 ألف دولار» من شركة اتصالات نيجيرية تملكها «ام تي ان» مقابل خطابين القاهما في نيجيريا في ديسمبر 2010، قبل شهر من انضمامه رسميا الى فريق العاملين في البيت الابيض.
وكان «مكتب مراقبة الاصول الاجنبية» فرض بتاريخ 10 اغسطس من العام الماضي، وبموجب الامر التنفيذي رقم 13572، عقوبات على «سيرياتل»، التي يملكها مخلوف. حينذاك، اوردت «الراي» ان مسؤولين اميركيين في وزارة الخزانة وضعوا آل ميقاتي تحت الرقابة مع امكان فرض عقوبات عليهم شبيهة بالعقوبات التي تم فرضها على المسؤولين السوريين لان اعمال آل ميقاتي في سورية تفيد عائلة الاسد، وهو ما تحظره عدد من المراسيم الرئاسية الاميركية.
تقارير اميركية تحدثت كذلك عن شراكة بين شركات ميقاتي للاتصالات والشركة المشغلة للشبكة الخلوية في ايران، والتي تملكها الحكومة الايرانية، ما يجعل الاموال التي تلقاها بلوف من «ام تي ان» بمثابة اموال ايرانية.
واعتبرت «واشنطن بوست» انه «على رغم عدم وجود ضوابط قانونية اواخلاقية على بلوف لتقاضيه اموالا للحديث امام (ام اتي ان) كمواطن عادي، لكن ان يقوم مساعد مقرب جدا من اوباما بقبول دفعة مالية من شركة متورطة مع ايران قد يؤدي الى متاعب للرئيس فيما يحاول البيت الابيض التشدد بموقفه تجاه الجمهورية الاسلامية».
وحاولت «الراي» ووسائل اعلام اميركية وعالمية الطلب من البيت الابيض اجراء مقابلات مع بلوف، الا ان هذه الطلبات تم رفضها، لكن اريك شولتز، وهو احد المتحدثين باسم الادارة، عمد الى التقليل من اهمية الموضوع، ووصف اتهام بلوف بتقاضي اموالا من الايرانيين بالامر «المجحف»، معتبرا انه عندما سافر بلوف للادلاء بخطابه، لم يخطر في بال احد ان الشركة متورطة مع الايرانيين.
بيد ان ما لم يقله البيت الابيض أكدته شركة «ام تي ان»، التي قال الناطق باسمها بول نورمان ان مسؤولي «ام تي ان» يخوضون في نقاشات مع المسؤولين الاميركيين منذ اشهر، في ما يبدو انه محاولة للبقاء خارج دائرة العقوبات الاميركية المفروضة على الشركات الايرانية وعلى كل الشركات الدولية التي تتعامل معها.
ومع ان بلوف لا يتدخل في عمل وزارة الخزانة او آلية فرض العقوبات، الا ان طلب «ام تي ان» منه القاء خطابين مقابل 100 ألف دولار يشي بأن الشركة تسعى لانشاء صداقات في العاصمة الاميركية، وخصوصا مع مقربين من اوباما من امثال بلوف، لتفادي الاسوأ مستقبلا.
على ان حملة اوباما لم تحاول تفادي الموضوع، بل شنّت هجوما مضادا ضد الجمهوريين ومرشحهم ميت رومني، واتهمته بملكية اسهم في شركة «تركوسل»، المشغلة للخلوي في تركيا، معتبرة ان هذه الشركة تحاول «توسيع اعمالها في ايران». وأعلنت الحملة في بيان انها مستعدة لنقاش «من هم الزبائن الذي يقدم لهم مستشارو رومني المشورة من (حكومات) ترتكب تجاوزات في حقوق الانسان الى شركات النفط الصينية».
وفي وقت لاحق، اوردت صحيفة «بوليتيكو» ان بلوف تقاضى ايضا مبلغ 48 ألف دولار من «تركوسل».

الخميس، 2 أغسطس 2012

هل الصين فعلا في محور موسكو ـ طهران؟

حسين عبد الحسين

لا يفوّت مؤيدو النظامين الإيراني والسوري فرصة إلا ويشيرون الى ان نظامي علي خامنئي وبشار الأسد، صامدان في مواجهة شعوبهما والغرب، بفضل تحالف دولي يشمل، الى جانب طهران ودمشق، كلا من موسكو وبكين، والدليل هو الفيتو المزدوج للدفاع عن الأسد في مجلس الأمن، وبقاء بعض الاستثمارات الصينية في ايران، على الرغم من العقوبات الدولية. هذا في التحليل.

لكن في الوقائع صورة مختلفة، اذ أوردت صحيفة “الشرق” الايرانية أن شركة الغاز الصينية الحكومية، قررت الانسحاب من المرحلة الحادية عشرة من مشروع تطوير حقل غاز فارس في الجنوب الايراني، وأعادت 30 خبيرا صينيا الى بلادهم، وأوقفت عمل مكتبها في العاصمة الايرانية طهران.

وفي نفس الاثناء، اشارت أنباء إلى نية الصينيين استثمار 15 مليار دولار في شركة نيكسن الكندية، وفي شركات طاقة اخرى بريطانية وهولندية.

راسيل ميد، الكاتب السياسي البارز الذي غالبا ما يطل عبر صفحات “فورين افيرز” المرموقة، تلقف الخبر فورا، وكتب على مدونته على موقع مجلة “ذي اميريكان انترست” ان “التكنولوجيا، والاستقرار السياسي، والاحتياطي الهائل من النفط والغاز، تقدم اليوم اميركا الشمالية (اي الولايات المتحدة وكندا) كمكان افضل للاستثمارات النفطية من دول متعددة في الشرق الأوسط التي يكبر فيها الخطر الجيوبوليتيكي، او دول مثل روسيا والارجنتين وفنزويلا، حيث خطر عدم الاستقرار السياسي كبير جدا”.

واضاف ميد ان “النفط والغاز داخل الأرض قيمتهما اكبر في الدول التي تتمتع باستقرار جيوبوليتيكي، ولديها حكومات معروفة المصير”.

وتوقع ميد أن تقوم عدد اكبر من شركات الطاقة العملاقة حول العالم بالابتعاد عن المناطق غير المستقرة ذات الاحتياطي الكبير، والبحث بدلا منها عن مناطق تتمتع باستقرار، يمكنها ان تصب فيها استثماراتها البالغة مليارات الدولارات.

على ان اللافت في الموضوع ايضا، ان الاستثمارات الصينية في شركات الطاقة التي تدير الاحتياطات النفطية والغازية حول العالم، لن تؤدي بالضرورة الى تدفق النفط او الغاز الى السوق الصينية، نظرا للتكلفة التي قد تتكبدها بسبب عملية النقل اوالجر، بل من المرجح ان تعمد هذه الشركات، على الرغم من دخول الحكومة الصينية كشريكة في الملكية، الى ارسال مبيعاتها الى الاسواق التي تحقق لها اكبر قدر من الارباح، وفي حالة الشركة الكندية، الارجح ان السوق الاميركية هي التي تؤمن الارباح الاكبر.

قد يكون من المفيد ان يتذكر انصار النظامين السوري والايراني، انه كما لا يأتي الغرب الى منطقة الشرق الاوسط كرمى لعيون هذه الحكومة العربية او تلك، بل سعيا للدفاع عن مصالحه وتحقيقها، كذلك الشرق، مثل روسيا والصين، لا تهتمان في اقامة تحالفات دولية عبثية للدفاع عن خامنئي أو الأسد، بل تسعيان وراء مصالحهما، وهنا لا يبدو ان النظام السوري سيستمر في تأمين الكثير منها لا لموسكو ولا لبكين، مع استمرار اهتزازه على وقع التقدم الذي يحققه معارضوه.