الثلاثاء، 23 أكتوبر 2012

مرشحان وسياسة خارجية واحدة


حسين عبد الحسين 

من المفيد أن يتذكر متابعو السياسة الخارجية الأميركية ان سياسة الانفتاح على بشار الأسد لم تبدأ مع وصول باراك اوباما الى الحكم في كانون الثاني 2009، بل مع دعوة إدارة الرئيس السابق جورج بوش الرئيس الأسد الى مؤتمر أنابوليس للسلام في صيف العام 2007. كذلك، لم يكن اوباما هو من حدد تاريخ انتهاء صلاحية “اتفاقية وضع القوات” التي ابقت الجيش الاميركي في العراق حتى نهاية العام الماضي، بل كان سلفه بوش هو من فعل ذلك.

وفي ملف إيران النووي، كان بوش هو من بدأ الحرب السرية الاستخباراتية وآثرها على ضربة عسكرية مباشرة، وتابع اوباما سياسة بوش واضاف إليها عقوبات دولية. وكان بوش كذلك هو من اعطى امر العمل على اقتفاء اثر اسامة بن لادن، فيما اعطى اوباما الامر بتنفيذ العملية بعد العثور عليه في باكستان.

ومن نافل القول ايضا إن الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، صوتا في الكونغرس للموافقة على حربي افغانستان ثم العراق.
كل هذه الامثلة تشير الى انه على الرغم من كثرة الاختلافات بين الحزبين الأميركيين ومرشحيهما الى منصب الرئاسة، يندر ان تظهر اختلافات كبيرة بينهما في السياسة الخارجية.

في المناظرة الرئاسية الثالثة والاخيرة، التي جرت صباح اليوم في فلوريدا بين اوباما ومنافسه الجمهوري ميت رومني، اتفق المرشحان في معظم الامور الى حد ان رومني قال حوالي خمس مرات انه يوافق على ما سبقه اوباما بالقول.

ومع ان المناظرة التي امتدت على مدى ساعة ونصف الساعة كانت مخصصة للسياسة الخارجية عموما، الا انها تناولت حصرا شؤون الشرق الاوسط، مع استثناء وحيد هو الصين التي تم الحديث عنها في اقل من عشر دقائق قبل نهاية الحوار.

في المناظرة تناول المرشحان ليبيا وسوريا وايران. ليبيا جاءت على سبيل تصفية الحسابات السياسية بعدما حاول الجمهوريون اتهام اوباما بالفشل في حماية قنصلية بنغازي التي تعرضت الى هجوم في 11 سبتمبر/ ايلول ما ادى الى مقتل اربعة اميركيين بينهم السفير كريس ستيفنز. اما اوباما، فحاول تصوير مشاركة اميركا في الحرب الليبية على انه نموذج لنجاحها في بناء تحالفات دولية تستطيع من خلالها الاطاحة بحكام معادين لاميركا من دون وقوع خسائر في الارواح الاميركية.

عن سوريا، بدا التطابق هائلا بين الرجلين: اجماع على ان ايام بشار الاسد صارت معدودة، وعلى ضرورة رحيله، وعلى رفض اي تدخل عسكري اميركي بما فيه فرض حظر جوي على قوات الاسد.

كما اتفق الرجلان على ضرورة دعم اميركا للمعارضة السورية، وتقديم المساعدات الانسانية للاجئين السوريين الفارين من العنف الدائر، فضلا عن العمل المستمر مع حلفاء اميركا في المنطقة للتنسيق في الموضوع السوري.

عن ايران، ظهر اختلاف – وان كان بسيطا – بين المرشحين.

أوباما اعلن انه لن يسمح لايران بحيازة “سلاح” نووي، وانه من اجل هذا الهدف، قامت اميركا ببناء تحالف دولي نجح في فرض عقوبات اقتصادية قاسية ادت الى خسارة العملة الايرانية لـ80 في المائة من قيمتها. وقال اوباما ان الحل العسكري هو الخيار الاخير، وان بلاده على اطلاع اكبر على البرنامج النووي الايراني خصوصا بفضل زيادة في التعاون الاستخباراتي مع حلفاء اميركا في المنطقة.

أما رومني، فكان موقفه اقرب الى موقف اسرائيل الذي يعارض تمتع ايران بـ “امكانية نووية” بالمطلق، اي ان رومني سيعمل على وقف “تخصيب اليورانيوم” الايراني، ووضع اي نشاط نووي ايراني تحت مراقبة دولية لصيقة. لكن رومني ايد كذلك العقوبات الدولية ووافق ان الخيار العسكري هو آخر الحلول.

وفي المناظرة، تنافس المرشحان على ابراز صداقتهما مع اسرائيل، وحاول اوباما اظهار رومني بانه صاحب مواقف متقلبة، فيما حاول رومني تصوير سياسات الرئيس بالفاشلة واصفا إياها بأنها اضعفت من نفوذ الولايات المتحدة حول العالم، ومشددا على ضرورة حلوله مكان اوباما لاستعادة اميركا لدورها الريادي.

لكن الحديث عن صداقة اسرائيل ودور اميركا ونفوذها العالمي جاءت في اطار التكتيك الانتخابي المطلوب من اجل تحفيز الناخبين.

اما السياسة الخارجية الفعلية، فكانت شبه متطابقة بين الرجلين، ما يحصر الاختلاف بينهما في السياسات الداخلية والاقتصادية فقط، وما يجعل من الانتخابات الرئاسية الاميركية شأنا اميركيا محضا يندر ان تنعكس نتائجه على سائر دول العالم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق