الخميس، 1 نوفمبر 2012

أميركا ضحية الكذب!

جورج شولتز (الي اليمين) وارييل شارون


حسين عبد الحسين

تقول الأغنية الشعبية الفلسطينية إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982: “اشهد يا عالم علينا وعا بيروت، اشهد للحرب الشعبية.. وبالطيارات اول غارة يا بيروت، امام عيون امريكية”.

لم يكن في نية “فرقة العاشقين” الفلسطينية تدوين تاريخ تلك الحرب، ولكنها عكست انطباعا شعبيا سائدا مفاده أن الولايات المتحدة كانت صامتة، أو على الأقل متآمرة مع ومحرضة لإسرائيل على شن حربها في لبنان.
لكن الوثائق السرية لمحاضر الاجتماعات بين المسؤولين الإميركيين ونظرائهم الإسرائيليين، والتي أفرجت عنها مؤخرا وزارة الخارجية الاسرائيلية، قد تظهر عكس ذلك.

“نحن نبدو وكأننا ضحية الخداع الذي مارسته إسرائيل”، يقول وكيل وزير الخارجية الأميركي لورنس ايغيلبيرغر في اجتماع في الوزارة استدعى بموجبه السفير الإسرائيلي في واشنطن موشيه آرينز في 16 سبتمبر (ايلول) من عام 1982. أما كاتب المحضر الذي ذيّله بتوقيعه، فكان القائم بالأعمال الإسرائيلي في أميركا بنيامين نتنياهو، لا غيره، الذي سيصبح رئيسا لحكومة بلاده بعد أقل من عقدين.
وقائع الاجتماع، كما تظهر في المحضر، تظهر غضب الجانب الأميركي على الإسرائيليين، وممارسة الضغط عليهم لإقناعهم بالانسحاب من بيروت التي دخلتها قواتهم قبل ذلك بوقت قصير.

يقول ايغيلبرغر: “تعليمات الرئيس (رونالد ريغان) ووزير الخارجية (جورج شولتز) ان أطلب حضوركم لسماع وجهة نظرنا حول قرار إسرائيل السيطرة عسكريا على بيروت”. ويضيف: “نعتبر ما قمتم به عكس سلسلة الضمانات التي قدمها لنا خلال الصيف رئيس الحكومة (الإسرائيلي مناحيم بيغين) ووزير الدفاع (ارييل شارون) ان ليس لدى إسرائيل نية لاحتلال بيروت الغربية”.

ويتابع المسؤول الأميركي: “علي أن أقول لكم إن مصداقية إسرائيل لحقها الضرر الكبير هنا في واشنطن جراء الأفعال الإسرائيلية الأخيرة في بيروت الغربية”. ويقول أيضا: “لقد اخذنا بأقوالكم وتصرفنا على أساسها وعلى أساس الضمانات على مدى الساعات الأربع وعشرين الماضية، ولكن نتيجة ذلك، نحن نبدو وكأننا ضحية الخداع الذي مارسته إسرائيل، فيما يتهمنا آخرون بأننا تآمرنا مع إسرائيل منذ البداية للتوصل الى احتلال بيروت الغربية”.

ويختم ايغيلبرغر بتحذير إسرائيل من البقاء في بيروت، ويطلب منها الانسحاب تحت طائلة موافقة أميركا على قرار في مجلس الأمن يطلب ذلك، ويقرن ذلك بالقول إن واشنطن ستذيع بيانا يدين الأعمال الإسرائيلية كذلك.

صحيح أن أميركا لم تحرك أساطيلها للدفاع عن بيروت في وجه الغزو الإسرائيلي في عام 1982، وصحيح أنها لم تهدد بقطع علاقاتها مع إسرائيل نتيجته، ولكن محاضر اللقاءات بين مسؤولي البلدين تظهر ان واشنطن كانت معارضة تماما لاجتياح إسرائيل لبيروت الغربية، التي نتج عنها مجازر مخيمات اللاجئين في صبرا وشاتيلا، وان “العيون الأميركية” لم تكن “تتفرج” تماما على الفظائع الإسرائيلية في بيروت، كما تقول الأغنية الفلسطينية.

أما المفارقة الأكبر فهي أن الغضب الأميركي على اسرائيل في حينه جاء في عهد ريغان، أحد الرؤساء الجمهوريين الأسطوريين، فيما المعروف أن الحزب الجمهوري هو اكثر حماسة عادة من منافسه الديمقراطي في دعمه لإسرائيل في كل أفعالها.

إن العلاقة المميزة بين أميركا وإسرائيل ظهرت بشكلها الحالي في عام 1976، عندما ارسلت مجموعة كبيرة من اعضاء الكونغرس رسالة هددت فيها الرئيس الراحل جيرالد فورد من مغبة تصديه للسياسات الإسرائيلية. عامذاك، خسر فورد الانتخابات، لأسباب الأرجح أنها كانت اقتصادية وداخلية، وتحولت القوة الاسرائيلية داخل واشنطن الى أسطورة هائلة يصدقها العرب اكثر من غيرهم.

لكن قد يكون للتاريخ رأي مخالف حول هذه العلاقة، وهو ما لن نعرفه قبل ان تفرج وزارات الخارجية المعنية بالأحداث الماضية، او من بينها تلك التي تدون وتوثق، عن ارشيفها حتى يتسنى للمؤرخين العمل على وثائقه ووضع الأحداث في سياقها الصحيح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق