حسين عبد الحسين
في الوليمة التي يعقدها الكونغرس تقليديا على شرف الرئيس الأميركي كجزء من احتفالات يوم قسم اليمين، جلس نائب الرئيس الأميركي جو بايدن يتمتع بوجبة فاخرة من لحم الجواميس الأميركية، محاطا بأعضاء من مجلس الشيوخ وأصدقاء، وقال: “عجبي ما الذي سيطعموننا إياه في عام 2016″.
كانت تلك أبرز إشارة حتى الآن من نائب الرئيس الأميركي، انه لا ينوي التقاعد مع نهاية ولاية الرئيس باراك أوباما الثانية في عام 2016، بل ينوي الترشح لمنصب الرئيس والمشاركة في الوليمة المقبلة.
وفي المقابلة المشتركة لأوباما ووزيرة خارجيته المتقاعدة هيلاري كلينتون على برنامج “60 دقيقة” الشهير، يوم الأحد، لم يتوان مقدم البرنامج ستيف كروفت عن السؤال حول امكانية ترشح كلينتون لمنصب الرئاسة في عام 2016، ومعرفة ما اذا كان أوباما سيتبنى ويدعم هذا الترشيح. على أن الاثنين، اوباما وكلينتون، رفضا تقديم أي إجابة قاطعة في هذا الشأن.
في هذه الاثناء، أعلن اوباما انه بدلا من ان يحل ماكينته الانتخابية، قام بتحويلها إلى جمعية دائمة تحمل اسم “أوباما من أجل أميركا”. أما أبرز أهداف هذه الجمعية فهو تقديم الدعم السياسي الشعبي للرئيس الأميركي، ومن بعده استخدام خبرتها الواسعة بعد انتصارها الانتخابي الباهر العام الماضي، في خدمة المرشح الديمقراطي الرئاسي المقبل.
الحزب الجمهوري المنافس لأوباما وحزبه الديمقراطي يستعد بدوره لانتخابات الكونغرس للعام المقبل، كما لانتخابات الرئاسة لعام 2016. وفي هذا السياق، يبدو أن الجمهوريين ادركوا أن جنوحهم كثيرا نحو اليمين تسبب لهم بمشاكل مع الناخبين ومع بعض قاعدتهم الشعبية، فعمد الحزب، وبهدوء، الى التخلي عن “تحديد سقف الدين العام” الذي تفرضه الأكثرية الجمهورية في الكونغرس، في وقت قام الشيوخ من الحزب بالتوصل مع نظرائهم الديمقراطيين الى تسوية لإصلاح قانون الهجرة على أمل أن يساهم التراجع عن التطرف اليميني في هذا الموضوع الى تحسن شعبية الحزب مع الكتلة الأميركية الناخبة من أصول لاتينية.
كل هذه الاستعدادات الأميركية الانتخابية وبالكاد مضى ثلاثة أشهر على الانتخابات الماضية، وهو ما دفع المعلق في صحيفة “بوليتيكو جيم فانديهي” الى القول إن “الديمقراطية الأميركية تحولت الى عملية انتخابية متواصلة”.
صحيح أن الآباء المؤسسين للولايات المتحدة عمدوا الى تقصير مدة ولاية عضو الكونغرس إلى عامين لإجباره على الالتصاق بقاعدته عن طريق الاستعداد المتواصل للانتخابات، الا انهم على الارجح لم يتصوروا ان الحياة السياسية في البلاد ستتحول الى حملة انتخابية متواصلة، وان كل سياسي صار يندر أن يقدم على أي خطوة يعتبر أن من شأنها أن تهدد مسيرته السياسية وحظوظ حزبه في الحكم.
باحثون أكاديميون أميركيون اعتبروا أن سبب “الوضع الانتخابي المتواصل” يعود الى الثورة في قطاعي الاعلام والاتصالات، معززة بثورة رقمية وانفجار في موقع التواصل الاجتماعي، ما جعل غالبية الأميركيين اكثر مشاركة في كل شاردة وورادة في شؤون الحكم والدولة.
هذه الثورة في مواقع التواصل الاجتماعي هي نفسها التي يعتقد البعض انها ساهمت في تفجير “الربيع العربي”.
مصر، على سبيل المثال، هي في نقاش دستوري وانتخابي متواصل منذ يناير (كانون الثاني) 2011، والمصريون ذهبوا إلى صناديق الاقتراع أربع مرات حتى الآن منذ ذلك التاريخ.
الا أن المشكلة في مصر هي أن عددا كبيرا من المصريين لم يتقبلوا حتى الآن نتائج أي من الاقتراعات الشعبية الأربعة، فاقترعوا واستمروا في الوقت نفسه في تظاهراتهم المعارضة في غالبها للرئيس المنتخب محمد مرسي وحكومته ودستوره.
وحتى تصبح الديمقراطية المصرية اكثر نجاحا، على الخاسرين في أي اقتراع شعبي بدء الاستعدادات فورا للاقتراع الشعبي المقبل، والافادة من التجربة السابقة، والبحث عن الدوائر الناخبة التي لم يحرزوا فيها نجاحات لمعالجة مكامن الخلل، وتصحيح رسالتهم وأدائهم بطريقة تتناسب أكثر وهؤلاء، وربما تستقطبهم في الانتخابات المقبلة.
هكذا، تصبح الديمقراطية المصرية في حالة انتخابية دائمة ويبقى السياسيون، الحاكمون ومعارضوهم، في حالة تأهب دائمة بهدف استرضاء الناخبين، وهو ما يؤدي من دون شك إلى تحسين أداء السياسيين ونتائج قراراتهم.
أما أن تعمل الديمقراطية المصرية جنبا إلى جنب والربيع الثوري، كما هي الحال اليوم، فلا يبدو أن النتائج ستكون اكثر من الفوضى المتواصلة في الشارع المصري، ترافقها تخبطات في قرارات حكام مصر الذين يتراجعون عن مراسيمهم وقراراتهم بأسرع مما يتخذونها.