الثلاثاء، 22 يناير 2013

أوباما في طبعته الثانية



حسين عبد الحسين

جيمي كارتر في ذاكرة الأميركيين هو صاحب خطاب “المرض الأميركي” الذي تحدث فيه للأميركيين عن أفول قوتهم، وحثهم على تقنين استخدامهم للنفط. وهو الرئيس الذي أطل عبر التلفزيون مرتديا سترة من الصوف وهو يجلس داخل البيت الأبيض، لأنه أراد أن يجعل من القصر الرئاسي أمثولة للمنازل الأميركية، فيقلص الأميركيون من اعتمادهم على أجهزة التدفئة ويلبسون ثيابا تعينهم على البرد، وذلك من أجل توفير الطاقة.

أما رونالد ريغان، فيعتبره الأميركيون رئيسهم الذي استعاد القوة الأميركية بإعادته الاقتصاد إلى الذروة وإلحاقه الهزيمة بالاتحاد السوفياتي، وتاليا تحقيق الانتصار في الحرب الباردة.

ولا يتذكر الأميركيون أن كارتر هو الرئيس الأميركي الوحيد الذي نجح في رعاية اتفاقية سلام عربية – إسرائيلية، أو أن فريقه هو الذي بدأ مسيرة النهوض الاقتصادية التي اثمرت في عهد ريغان. كذلك لا يتذكر الأميركيون أن ريغان، وهو سبق أن عمل ممثلا من الصف الثاني في هوليوود، كان ساذجا في كل شؤون الحكم الى درجة أنه في خضم اجتماع مهم لمجلس الأمن القومي، التفت الى أحد الحاضرين وقال: “ان وضعت حبة حلوى من اللون الأحمر وأخرى من اللون الأخضر في فمي في نفس الوقت، فأي واحدة تعتقد ان طعمها سيطغى؟”.

تقول البروفسورة في جامعة برينستون آن ماري سلوتر، وهي خرجت للتو من “شعبة التخطيط” في وزارة الخارجية، إنه في “الولاية الاولى يبرر الرئيس سبب وجوده في الحكم، وفي الولاية الثانية، يبرر سبب وجوده في التاريخ”.
هكذا، عندما يقف الرئيس باراك اوباما في خطاب القسم اليمين لولايته الثانية، يدرك انه سيخصص مقبل الأيام لترسيخ الصورة التي يحب أن تبقى في ذاكرة الأميركيين بعد خروجه من الحكم في عام 2016.

من داخل البيت الأبيض، تتواتر الروايات بأن أوباما في طبعته الثانية صار يبدو مختلفا حتى قبل أدائه القسم، ففي جلسة عقدها مع مجموعة ممن يعرفون بـ”المؤرخين الرئاسيين”، نزع أوباما حذائيه، وجلس معهم يحتسي الشاي ويدردش عما يجول في خاطره، وهذه خطوة فسرها العالمون بخبايا شخصيته، من امثال ديفيد مارانيس مؤلف احد الكتب حول قصة حياة الرئيس الأميركي، بأنها تظهر ثقته بنفسه وارتياحه ونيته على التفلت من الصرامة التي فرضها على نفسه في الولاية الاولى.

ويعتبر مارانيس ان شخصية اوباما حتى الآن كانت عبارة عن سياسي يفعل ما في امكانه، حتى لا يقع في أفخاخ سياسية، حتى لو كان ذلك يعني تفاديه مواجهات سياسية يؤمن بها، مثل نيته مواجهة لوبي السلاح وفرض قوانين تضبط السلاح الفردي المتفلت من عقاله، والذي يؤدي إلى ارتكاب مجزرة بين الحين والآخر يروح ضحيتها أبرياء، وغالبا بينهم أطفال.
هذا في السياسة الداخلية.

أما في السياسة الخارجية، فلم تنبر النخبة الأميركية المثقفة لتنبؤ ما سيقدم عليه أوباما في ولايته الثانية.
البروفسور الأميركي من أصل لبناني فؤاد عجمي كان وحده من بادر الى استشراف ملامح الولاية الثانية خارجيا، في مقالة في صحيفة “واشنطن بوست”، واستدل على ذلك بسلسلة الترشيحات التي قدمها اوباما لفريقه المقبل، والتي تصدرها السناتور الديمقراطي جون كيري وزيرا للخارجية، والسناتور الجمهوري السابق تشك هايغل وزيرا للدفاع.
السناتوران بطلا حرب من مشاركتيهما في حرب فيتنام، ما دفع عجمي إلى اعتبار أن تجربة هذه الحرب هي التي سترسم سياسة اوباما الخارجية المقبلة.

“الثلاثة (اوباما، كيري، هيغل) ينفون انهم من القائلين بحتمية الانحدار وممن يعتقدون أن قمة القوة الأميركية أصبحت من الماضي”، حسب عجمي، الذي يضيف: “هناك تشاؤم في قلب نظرتهم الى العالم (مبني على اعتبار) اننا مفلسون اقتصاديا.. وان الانخراط الخارجي يبدأ جيدا وينتهي بالعقم، واننا لا نعلم كفاية حول كيف تدور الأمور في هذه الأماكن البعيدة كي نقوم بمساعدة أكثر من الحاقنا الضرر”.
كيف سيتصرف أوباما في ولايته الثانية؟
التنبؤات كثيرة، ولكن الأكيد أن الرجل دخل مرحلة كتابة تاريخه، وان حذره من الوقوع في الخطأ في هذه المرحلة قد لا يقل شأنا عن حذره الكبير في ولايته الأولى، والتي شهدت تراجعا للقوة الأميركية حول العالم لم يكن العالم قد شهد له مثيلا منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق