الثلاثاء، 26 مارس 2013

«أميركا الجديدة»: مصالح واشنطن في سورية متضاربة

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

تسيطر الحيرة على الرئيس باراك اوباما وفريقه في موضوع سورية، فالخيارات الممكنة قليلة، ومعظمها ليست في مصلحة الولايات المتحدة. ابرز طرفي المواجهة هما اعداء اميركا: الرئيس بشار الاسد وايران من جهة، والثوار المتطرفون اسلاميا وتنظيم «القاعدة» من جهة اخرى. 
ربما الادارة الحالية كانت تتمنى لو انه كان ممكنا خسارة الاثنين في سورية، ايران و«القاعدة»، او تقدم طرف ثالث غيرهما للفوز. لكن رؤية الفريق الاميركي الحاكم متشائمة، وتعتقد ان الخيار الافضل هو تسليح الثوار سرا كما يحصل منذ فترة، والمراوحة في انتظار تغيرات يمكن ان تأتي يوما ويمكن لاميركا التعويل عليها. 
هذه النظرة تنعكس في دراسة صدرت عن مركز ابحاث «اميركا الجديدة»، وجاء فيها ان الوضع في سورية سيبقى على ما هو عليه: «شديد العنف وغير مستقر في المستقبل المنظور».
والمركز هو واحد من اكثر المراكز قربا الى الفريق الرئاسي الحالي. اما مؤلف الدراسة، بريان فيشمان، فمستشار سابق للين ووزلي. 
ووزلي هي من الحزب الديموقراطي وكانت تقاعدت من الكونغرس قبل شهرين، وكانت من القلائل ممن صوتوا ضد حرب العراق العام 2003. 
ويقدم فيشمان ستة بنود يعتبر انها تمثل المصالح الاميركية، وهي «الحد من الخسائر البشرية»، و«منع تحول سورية الى مناطق آمنة لتنظيم القاعدة والتنظيمات الاسلامية المتشددة الاخرى»، و«مجابهة النفوذ الايراني»، و«تفادي استخدام اسلحة كيماوية وبيولوجية»، و«تفادي انتشار الاسلحة الكيماوية والبيولوجية»، و«الحد من عدم الاستقرار الاقليمي». ثم يقدم فيشمان ستة سيناريوات يعتبرها اما «مرغوبة» او «ممكن حدوثها» في سورية. ويقارن الخبير الاميركي كل واحد من السيناريوات حسب تأثيره على المصالح الاميركية الست التي حددها، ثم يعمد الى اجراء حساب لمعدلات الدرجات التي يمنحها لكل منها، ليخلص الى تصنيف هذه السيناريوات من الافضل الى الاسوأ.
افضل السيناريوات، حسب الدراسة، هو التوصل الى حل سياسي عبر مفاوضات بين الثوار وعناصر من نظام الاسد تفضي الى خروج الرئيس السوري من الحكم واستبداله بحكومة انتقالية تقود البلاد الى المرحلة المقبلة. الا ان فيشمان يعتبر ان هذا السيناريو هو الاقل واقعية، ما يجبر الولايات المتحدة على ضرورة البحث عن خطة بديلة تكون اكثر قابلية للتنفيذ.
ثاني افضل السيناريوات، يقول فيشمان، هو فرض الامم المتحدة وقف نار على الاطراف المتنازعة داخل سورية، وهو ما يتطلب فرض «حظر جوي» واقامة «مناطق عازلة» وربما مشاركة قوة حفظ سلام دولية. ويضيف فيشمان ان هذا السيناريو يتطلب «دعم الجامعة العربية، وموافقة من روسيا والصين في الامم المتحدة، ما يجعل حدوثه غير ممكن».
ثالث افضل سيناريو، حسب الخبير الاميركي، هو «انتصار الاسد... وهو امر يعتبره كثيرون غير ممكن، ويعتبره معظم المعنيين انه حل ملعون، لكنه مع ذلك نتيجة محتملة للحرب الاهلية في سورية». ويكتب فيشمان ان «انتصار الاسد يهز الضمير، ويهدد مصداقية المؤسسات الدولية والولايات المتحدة في الشرق الاوسط... لكن لا يمكن شطبه من الحسبان نهائيا». 
ويتابع فيشمان ان «قوات الاسد مازالت اكثر تطورا عسكريا من الثوار»، و«تتلقى مساعدات مالية وعسكرية من ايران»، وهناك سوابق لانظمة استخدمت العنف المفرط وبقيت في الحكم، مثل «صدام حسين الذي استخدم الاسلحة الكيماوية ضد الكرد العام 1988، وسحق انتفاضة الشيعة في مطلع التسعينات، واستمر في حكمه لعقد من الزمن رغم فرض اميركا لمناطق حظر طيران عليه».
وحسب النموذج الحسابي الذي يقدمه الخبير الاميركي، يتساوى سوءا سيناريوان هما «فوز الثوار» او «قيام تحالف الاطلسي بالاطاحة بالاسد». ففوز الثوار، يقول فيشمان، «يساهم في شكل اساسي في القضاء على النفوذ الايراني تماما في سورية، وربما يقلص من امكان انتشار الصراع اقليميا، لكنه يأتي بتكلفة بشرية مرتفعة، ويقدم لـ «القاعدة» مناطق آمنة، ويمكن ان يؤدي اما الى استخدام الاسد للاسلحة الكيماوية، وإما الى وصولها الى ايدي الثوار، خصوصا المتطرفين منهم. اما التدخل الدولي، مثل تحالف الاطلسي، فمن شأنه ان يقلل من الخسائر البشرية، وان يقلص من نفوذ ايران الى حد كبير»، وان «يعطل امكانية انشاء المتطرفين الاسلاميين لمناطق نفوذ آمنة، لكنه يهدد في شكل كبير استقرار المنطقة عموما، ويدفع الاسد الى استخدام الاسلحة الكيماوية بشكل شبه مؤكد». 
ختاما، يعتبر فيشمان السيناريو الاسوأ، والارجح حدوثا، هو استمرار النزاع المسلح، وتقاسم الاسد والثوار الاراضي السورية في شكل يشبه كثيرا الشكل القائم. 
هذا السيناريو يضمن استمرار النفوذ الايراني وفي الوقت نفسه يقدم مناطق نفوذ آمنة للمتطرفين الاسلاميين. كذلك، يؤدي هذا السيناريو الى حرب طويلة والى وقوع اكبر عدد من الخسائر البشرية، مع احتمال دائم لامكان استخدام الاسد للاسلحة الكيماوية، او لانتشارها عبر وقوعها بيد الثوار. كذلك، يساهم هذا السيناريو في اطالة امد الانقسام الاقليمي، وتاليا يهدد باتساع رقعته الى دول مجاورة لسورية.
على ان فيشمان يعتقد انه من وجهة النظر الاميركية، ومقارنة التكلفة مع النتيجة ومع المحافظة على اكبر كمية ممكنة من المصالح، افضل سياسة يمكن للولايات المتحدة انتهاجها تقضي باستمرارها بتسليح «محدود وسري» للثوار، وتأكيد ان المجموعات التي تتسلم الاسلحة هي الاقل تطرفا، وتشديد العقوبات الديبلوماسية والاقتصادية على الاسد ونظامه، و«مساعدة الثوار على الانتصار»، مع ان السيناريو الارجح في المدى المتوسط هو ما يشبه التعادل وتقاسم النفوذ داخل سورية بين الثوار وبين قوات الاسد واستمرار «العنف الشديد وعدم الاستقرار في المستقبل المنظور».

الخطوط الحمر والأيام المعدودة

حسين عبدالحسين

“لا يمكنه ان يكون خطا زهريا، ولا خطا متقطعا، ولا يمكنه ان يكون خطا وهميا”. بهذه الكلمات وصف رئيس لجنة الاستخبارات في الكونغرس الجمهوري مايك روجرز الخط الاحمر الذي رسمه الرئيس باراك اوباما لنظام بشار الاسد، في اكثر من تصريح، وحذره من تجاوزه تحت طائلة عمل عسكري اميركي او عالمي للرد على امكانية استخدام الاسد لاسلحة كيماوية ضد السوريين.

واضاف روجرز، في مقابلة مع محطة “سي بي اس” شبه الرسمية والمعروفة برصانتها، انه يعتقد ان قوات الاسد استخدمت فعلا السلاح الكيماوي بكميات صغيرة، ودعا ادارة اوباما الى القيام بعمل عسكري “لتعطيل قدرتهم على استخدام المزيد من الاسلحة الكيماوية”. وقرن روجرز اقواله بافعال، فعمد الى تقديم مشروع قانون في الكونغرس حمل عنوان “قانون تحرير سوريا للعام 2013″ دعا فيه الحكومة الاميركية الى تسليح الثوار السوريين ومساعدتهم على الاطاحة بنظامهم وعلى الاستعداد لمرحلة ما بعد الاسد الانتقالية.

اليوت انغل، وهو عضو في الكونغرس عن الحزب الديمقراطي، تبنى تقديم مشروع القانون كذلك لاضفاء صبغة غير حزبية عليه.

الا ان انغل كرر التصريحات التي دأب على الادلاء بها مسؤولون في ادارة اوباما منذ اندلاع الثورة في سوريا، منتصف مارس من العام 2011. قال انغل ان “ايام الرئيس الاسد اصبحت معدودة فيما الوضع في سوريا يتجه من سيئ الى اسوأ”.

على ان الحديث الاميركي الفارغ عن “ايام الاسد المعدودة” لا يقل استهتارا عن تهديدات اوباما للنظام السوري ورسمه الخطوط الحمر له في حال قيامه باستخدام الاسلحة الكيماوية.

وفيما “ايام الاسد المعدودة” انقلبت من اسابيع الى اشهر الى سنتين على الاقل، كذلك خطوط اوباما الحمر صارت فعليا “زهرية ومتقطعة ووهمية”، على حسب تعبير روجرز، خصوصا بعد تواتر الانباء عن قيام قوات الاسد بهجوم كيماوي محدود ضد السوريين هو الثالث من نوعه.

وأخيرا اضاف اوباما الى ألعاب واشنطن الكلامية تعبيرا آخرا عندما حذر الاسد من ان اي استخدام للاسلحة الكيماوية سيكون بمثابة “تغيير لقواعد اللعبة”، اي انه سيدفع اميركا على التدخل عسكريا وحسم الوضع لمصلحة الثوار.

لكن كل التهديد والوعيد الاميركي، من خطوط حمر وايام معدودة وتغيير في قواعد اللعبة، يبدو انها من قبيل الالعاب الكلامية لا غير، اذ تجاوز عدد القتلى السوريين السبعين الفا، ولا يبدو ان الرئيس الاميركي مستعد للقيام بأي خطوات فعيلة لتغيير الوضع سريعا، وهذا ما ظهر جليا في تقرير اعدته صحيفة “واشنطن بوست” وتحدثت فيه الى مسؤولين عسكريين اعربوا صراحة عن عدم جاهزية القوات الاميركية للقيام بأي عمل لاحتواء الترسانة الكيماوية السورية.

الشهر الحالي يصادف الذكرى العاشرة لبدء الحرب الاميركية في العراق. وبالمناسبة، امتلأت الصحف الاميركية بالمقالات التي تمحورت حول عنوان وحيد هو “الدروس التي تعلمتها اميركا في العراق”.

لكن اداء واشنطن في سوريا يشي بأن الولايات المتحدة لم تتعلم اي دروس من العراق، اذ لا شك ان احدى ابرز سمات القوة العظمى هي الحكمة في استخدام القوة، لا الافراط بها كما حدث في العراق، ولا تقنينها بشكل غير مبرر كما في سوريا.

كذلك من سمات القوة العظمى الحفاظ على مصداقيتها، فكذبة الاسلحة الكيماوية في العراق لا تقل شأنا عن الكلام الفارغ حول “الخطوط الحمر والايام المعدودة” للأسد.

ان عظمة اي امبراطورية لا تكمن فقط في اساطيلها وجيوشها، بل في حكمتها في استخدام القوة التي تملكها، ومصداقية كلمتها ووعودها، ما يعني ان على اميركا ان تدرك ان دولة بامكاناتها ومكانتها ونفوذها لا يمكنها ان تتأرجح بين الاستخفاف، كما في العراق، والثرثرة، كما في سوريا، من دون ان يؤدي ذلك الى المزيد من التأزيم في عالم لا يحتاج الى المزيد من الازمات ابدا.

الأربعاء، 20 مارس 2013

واشنطن ترجح أن الأسد استخدم أسلحة كيماوية

| واشنطن - من حسين عبد الحسين |

رجحت مصادر أميركية مطلعة لـ «الراي» أن قوات الرئيس السوري بشار الاسد استخدمت فعلا سلاحا كيماويا في هجوم لها على مواقع للثوار في حلب، اول من امس، في تطور مفاجئ وخارج السياق السياسي لمتابعي الازمة في سورية، استدعى عقد عدد من كبار المسؤولين الاميركيين اجتماعات طارئة للتباحث في كيفية التعامل مع الوضع المستجد.
وتزامن ذلك مع موقف أميركي لافت آخر، اذ أعلن القائد الأعلى للقوات الأميركية في أوروبا الاميرال جيمس ستافريدس ان بعض دول الحلف تنوي بشكل فردي القيام بعمل عسكري للقضاء على الدفاعات الجوية السورية، لكن اي تحرك للحلف بمجمله سيتبع «ما حصل في ليبيا».
وتضمنت الاجتماعات الاميركية لقاءات مغلقة بين مسؤولين كبار في وكالات الاستخبارات، من جهة، ومسؤولين في الحكومة واعضاء في لجان الاستخبارات في الكونغرس بمجلسيه الشيوخ والنواب، اطلع فيها مسؤولو الاستخبارات زملاءهم في الحكومة واعضاء الكونغرس على المعلومات المتوافرة لديهم في هذا الخصوص.
وقالت مصادر اميركية متابعة ان ابرز دلائل وقوع الهجوم الكيماوي جاءت من النظام نفسه، الذي كان سباقا في تأكيد حدوثه على لسان مسؤوليه وعبر وسائل اعلامه، بغض النظر عن هوية مستخدمي السلاح، التي يزعم نظام الاسد انها مجموعات تابعة للثوار، في حين ان الولايات المتحدة تحتاج اسبوعا لتأكيد وقوع هجوم كيماوي. 
تلت تصريحات مسؤولي الاسد تصريحات روسية تعتقد المصادر الاميركية انها استباق لاي ادانة دولية ممكنة، او تحرك عسكري دولي ضد النظام، على اثر الهجوم الكيماوي الذي وقع في منطقة خان العسل في مدينة حلب.
وقالت المصادر الاميركية لـ «الراي» ان الروس «يعرفون انه لا مقدرة لدى قوة غير نظامية كثوار سورية في استخدام اسلحة كيماوية»، وان «استخدام هذه الاسلحة يحتاج الى خبرات غير متوفرة عادة خارج الجيوش النظامية».
ومساء اول من امس، اطل رئيس لجنة الاستخبارات في الكونغرس النائب الجمهوري عن ولاية ميشيغان مايك روجرز على شبكة «سي ان ان» ليقول ان «هناك امكانية عالية للاعتقاد انه تم استخدام اسلحة كيماوية». وقال روجرز: «نحتاج الى التحقق نهائيا، ولكن بالنظر لما نعرفه على مدى العام والنصف الماضية، من الممكن ان استنتج ان (الاسلحة الكيماوية) هي في وضعية جاهزة للاستخدام، او تم في الواقع استخدامها».
بدورها، قالت رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ دايات فاينستين انه «على البيت الابيض القيام ببعض القرارات في هذه الناحية»، مضيفة ان نظام الاسد «اصابه اليأس. ونحن نعرف اين هي الاسلحة الكيماوية، وليس سرا انها هناك، واعتقد ان الامكانية عالية اننا ذاهبون في اتجاه اوقات مظلمة جدا».
وقال السفير الاميركي لدى دمشق روبرت فورد انه لا يوجد دليل حتى الآن يدعم التقارير عن استخدام اسلحة كيماوية، مضيفا في شهادة امام مجلس النواب: «لكنني اريد تأكيد اننا ندرس تلك التقارير بعناية بالغة». واوضح انه ستكون هناك عواقب على الحكومة السورية اذا ثبت استخدامها اسلحة كيماوية لكنه لم يوضح تلك العواقب.
ومازالت دوائر الاستخبارات الاميركية تعمل، بمفردها وبالتنسيق مع نظيرتها الاوروبية والشرق اوسطية، على تأكيد واقعة استخدام الكيماوي، في وقت كان الرئيس باراك اوباما على متن طائرته الرئاسية متجها الى اسرائيل في زيارة رسمية.
وكان لافتا ان اوباما اخذ معه، على متن طائرته، عضو الكونغرس الديموقراطي عضو لجنة الشؤون الخارجية اليوت انغل، الذي يعتبر من ابرز الداعمين للمعارضة السورية والمؤيدين للتدخل الاميركي للاطاحة بالاسد ونظامه. كذلك يعتبر انغل من عرابي قانون «محاسبة سورية وسيادة لبنان» الصادر في العام 2003.
وتأتي كل التطورات والانقلاب في المزاج الاميركي لمصلحة التدخل في سورية في وقت دعا رئيس لجنة الشؤون المسلحة في مجلس الشيوخ كارل ليفين الى قيام اميركا بفرض حظر جوي على قوات الاسد. ليفين، الذي كان اعلن نيته عدم الترشح الى ولاية جديدة في العام 2016، قال: «اعتقد انه حان الوقت لنقوم بمجهود عسكري يتضمن تدمير الدفاعات الجوية السورية. 
اما الرجل الثاني من الجمهوريين في مجلس الشيوخ لندسي غراهام، فذهب ابعد من زميله ليفين بالقول، في مقابلة اجرتها معه مجلة «فورين بوليسي» انه يدعم التدخل الاميركي في سورية، حتى لو كان ذلك يعني «جزمات عسكرية اميركية على الارض السورية».

أميركا في طريقها إلى «الغوص» في سورية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

نقل مقربون من وزير الخارجية الأميركي جون كيري قوله ان الرئيس السوري بشار الاسد «يعتقد ان بامكانه ان يقتل المارد الذي خرج من القمقم، وان يعيد جثته الى داخل القمقم». ويشي هذا القول بأن كيري تراجع اخيرا عن فكرته القائلة بأنه يمكن «تغيير رأي» الاسد، وحمله على القبول بمفاوضات بين نظامه والثوار، وتاليا الخروج من الحكم سلميا. 
يأتي هذا الوصف في وقت بدأت كل المؤشرات السياسية داخل واشنطن تدل على انقلاب في مزاج صانعي القرار في السياسة الخارجية، فوزير الدفاع تشاك هيغل ينوي العودة الى العمل على نصب الدرع الصاروخية في دول اوروبا الشرقية، رغم ان الرئيس باراك اوباما كان قد تراجع عن الخطة إبان تسلمه الحكم مطلع العام 2009 في خطوة كانت مصممة لاستعادة الصداقة مع الروس.
ولم يساهم الموقف الروسي المعرقل لخروج الاسد من الحكم في تعزيز الصداقة التي كانت تطلبها واشنطن مع موسكو، بل توصل الاميركيون الى نتيجة مفادها ان الروس يحاولون تشتيت الاحباط داخل روسيا الى مواضيع دولية عن طريق بهلوانيات كلامية في السياسة الخارجية واستعراضات عبر التصريحات.
ويبدو ان انقلاب موقف وزارة الدفاع وهيغل يتزامن مع انقلاب في اعتقاد كيري حول قضايا متعددة، منها الوضع في سورية، وتوصل وزير الخارجية الى نتيجة مفادها انه «لا بد من حسم عسكري»، وان الحري بالولايات المتحدة، بدلا من اضاعة الوقت في محاولة توجيه الصراع، المشاركة في صناعة عواقبه ونتائجه.
هذه التحولات داخل واشنطن دفعت فرد هوف، الديبلوماسي المعني بالشأن السوري والخارج للتو من وزارة الخارجية الى «مركز رفيق الحريري» للابحاث التابع لـ «مجلس الاطلسي»، الى اعتبار ان اميركا في طريقها للغوص في سورية، وان تورطها صار حتميا ولا يمكن وقفه.
وتساءل هوف في دراسة موجزة نشرها المركز: «هل الازمة في سورية تضعنا على منحدر زلق؟» واجاب: «نعم، لقد حصل ذلك، و(الرئيس باراك) أوباما ليس مغفلا عندما يتصور اننا نقف على منزلق ينتهي بتماسيح جائعة في آخره».
واضاف الديبلوماسي السابق ان ما قد لا يعرفه اوباما هو ان اميركا صارت تقف على المنزلق اصلا، وانه على الرغم من تفاديه الغوص في سورية في تصريحه في اغسطس 2011، عندما طلب من الاسد ان «يحيد عن الطريق ليفتح المجال امام الاصلاح»، الا ان اوباما «سيجد نفسه مجبرا على قبول حقيقة ان طبيعة الصراع في سورية تضعه على هذا المنحدر شاء ذلك ام ابى». 
وتابع هوف: «رغم قواه ومهارته كقائد أعلى للقوات المسلحة، اوباما يقف اصلا على المنحدر ويميل الى الاسفل».
وانتقد هوف الاسد بشدة قائلا: انه عرّض أمن الدول المجاورة له الى الخطر، «ربما لانه اعتقد انهم سيدعمون حملته للحكم من خلال الارهاب». وكتب هوف: «وحده (رئيس حكومة العراق) نوري المالكي ابتلع الطعم القاتل، والمالكي هو رجل لطالما اطلق عليه الاسد ومساعدوه اسم كلب».
في سياق متصل، اعتبر المسؤول السابق في الاستخبارات العسكرية جوزف هوليداي ان انتصار الثوار السوريين على قوات الاسد في مدينة الرقة الشمالية «انجاز كبير». وكتب الخبير في «معهد دراسة الحرب» انه «حتى سقوط الرقة، كان الاسد نجح في منع استيلاء الثوار على اي واحدة من مدن سورية الرئيسية».
الا انه من الناحية العسكرية، عزا هوليداي انتصار الثوار في الرقة «الى انقلاب في ولاءات زعماء القبائل والوجود المتدني لقوات الاسد، اكثر من كونه انتصارا عسكريا للثوار بشكل مطلق». ولفت الى انه عقب خسارته الرقة، عمد الاسد الى شن غارات جوية ضد المناطق الآهلة بالسكان، ما يدل على انه يستخدم مقاتلاته لانزال العقاب بالمدنيين لا لاسباب عسكرية او لدعم قواته على الارض.
وتابع هوليداي بالقول ان سيطرة الثوار على الرقة «ستمتحن مقدرتهم على ممارسة الحكم وان معاملتهم للموالين ولمجموعات الاقليات سيكون لها انعكاسات اساسية على امكانية وقف اطلاق النار والتسويات السياسية في المستقبل».
على ان الخبير الاميركي لم يبد الكثير من التفاؤل في هذا المجال، اذ لفت الى ان فيديوهات عديدة من موقع «يوتيوب» اظهرت «مجموعات الثوار وقد اعتقلت القوات الموالية للأسد، واعدمتهم في ساحات عامة، وجرت جثثهم عبر الشوارع، كما هاجم الثوار مواقع مقدسة للشيعة عدة، بما فيها تفجير مقام (الصحابي) عمار بن ياسر شمال مدينة الرقة».

أميركا تزود ثوار سوريا بالأكل الحلال!

حسين عبد الحسين

في جلسة مقفلة أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، قدمت وكيلة وزير الخارجية وندي شيرمان والمسؤول الأول في الوزارة عن ملف سوريا، السفير السابق روبرت فورد مطالعة حول الوضع السوري المتدهور، وتحدث فورد عن قيام إدارة الرئيس باراك أوباما بتزويد مقاتلي المعارضة السورية بمئتي ألف وجبة طعام جاهزة للأكل من الطراز التي يتم تقديمها للجنود الأميركيين في الحروب.

لكن فورد أعرب عن قلقه من ضعف امكانيات “الجيش السوري الحر” في توزيع هذه الوجبات إلى مقاتليه قبل موعد تلفها المقرر في يونيو (حزيران). وأكد سفير أميركا السابق في سوريا أنه تم اختيار كل الوجبات لتتطابق مع معايير “الأكل الحلال” حسب الشريعة الإسلامية، وان الوجبات المختارة في معظمها خالية من اللحوم مثل “المعكرونة والخضار” و”التورتوليني بالجبنة وصلصة الطماطم”.

وفي خضم حديثه عن وجبات الأكل التي تنوي الحكومة الاميركية تزويدها الى الثوار السوريين، التفت أحد أعضاء اللجنة من الشيوخ الحاضرين الى زميله وبادره بالقول: “لا اعرف ان كان الثوار سيحبون المعكرونة بصلصة الطماطم، أم انهم يفضلونها بصلصة بيضاء”، فرد عليه الأخير قائلا: “ربما علينا ان نطلب من الادارة أن ترسل لنا طباخي البيت الأبيض بدلا من دبلوماسيي وزارة الخارجية للتباحث في الأزمة السورية”.

شر البلية ما يضحك، يقول المثال العربي المعروف، وهو ما يبدو انه الوضع السائد في صفوف ادارة اوباما، في كل ما يتعلق بالموضوع السوري.
لكن هذا لا يعني ان غالبية الأميركيين المعنيين بمواضيع السياسة الخارجية، يتفرجون بصمت على سياسة اوباما تجاه سوريا، اذ يزداد مع مرور الايام عدد المنتقدين والمطالبين بجدية أكبر وفاعلية أميركية أكثر، على الاقل من اجل الضرورات الانسانية بعدما تخطى عدد القتلى السوريين الثمانين الفا في غضون عامين.

وفي هذا السياق، قدم الكاتب في صحيفة “ذا نيو ريببلك” ليون ويزلتير نقدا لاذعا، تم تداوله على شكل واسع في اوساط واشنطن، بحق اوباما، لما اعتبره تقاعس الرئيس الاميركي في الموضوع السوري.

ومما جاء في المقالة ان الكاتب يسمع من المقربين من البيت الأبيض ان اوباما “يتألم” من أجل سوريا. “وماذا يعني ذلك؟” يكتب ويزلتير، الذي يضيف: “من الصعب احترام أسى من يقف ويتفرج، خصوصا اذا كان لدى المتفرج المقدرة على التصرف ضد هذا الرعب”.

وتابع ويزلتير ان الرئيس الأميركي يحب ان يلف نفسه بكلمات (الرئيس الراحل ابراهام) لينكولن، لذا، على اوباما ان يتأمل كلمات لينكولن التالية والمأخوذة من رسالته السنوية الى الكونغرس في عام 1862: “ونحن بيدنا القوة، لذلك نتحمل المسؤولية”.
ويختم الكاتب الأميركي ان “اوباما يريد القوة، ولكنه لا يريد المسؤولية، ولكن للأسف، الواحدة تجر معها الاخرى”.

الثلاثاء، 19 مارس 2013

كاتب خطابات بوش: لو أحرقت نفسي في البيت البيض... لجرت حرب العراق من دوني

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

يقول مطلق عبارة «محور الشر» الشهيرة التي خصصها لايران والعراق وكوريا الشمالية، انه على مدى السنوات العشر الماضية، لم يمر يوم من دون ان تكون حرب العراق حاضرة في باله. 
دايفيد فروم، كاتب خطابات الرئيس السابق جورج بوش، كشف انه لم تكن هناك نقاشات سبقت الحرب الاميركية في العراق، وان كبار مسؤولي الادارة قرروا الحرب في ما بينهم. 
ويقول فروم ان بعض الناس يسألونه احيانا ان كان يعاني من حالات ندم حول قرار الحرب، فيجيب: «كان بامكاني ان اشعل النار في نفسي واقف في حديقة البيت الابيض الجنوبية اعتراضا على الحرب، ومع ذلك كانت حصلت من دوني».
ويضيف فروم، في مقالة مطولة وشيقة في «ذا دايلي بيست»، انه كان من بين الاقل اعجابا بالسياسي العراقي المقيم في واشنطن حينذاك احمد الجلبي. لكن لم يكن مهما ما اعتقده، فنائب الرئيس السابق ديك تشيني كان معجبا جدا بالجلبي، وفي صيف العام 2002، انضم الاخير الى الخلوة السنوية التي يعقدها في ولاية كولورادو مركز ابحاث «اميركان انتبرايز انستيتيوت».
ويقول فروم انه في ذلك المؤتمر، امضى الجلبي وتشيني ساعات طويلة «يتأملان فكرة عراق موال للغرب، وعودته كمصدر نفطي كبير الى السوق يمكن له ان يكون بديلا عن اعتماد اميركا على السعودية، التي كانت تبدو غير ثابتة».
ويروي فروم واقعة حدثت له اثناء زيارته لندن، ويقول انه صدف انه كان هناك تظاهرة كبيرة ضد الحرب، والتفت اليه احد المشاركين وتعرف اليه بسبب ظهوره في التلفزيون في اليوم السابق، وعندما تجمهر حوله المتظاهرون، توصل معهم الى اتفاق انه مستعد للاجابة عن اسئلتهم على مدى نصف ساعة مقابل ان يدعوه يرحل بعد ذلك.
ويوضح فروم: «معظمهم لم يكن يحب صدام، بالضبط كما كان جورج بوش و(رئيس حكومة بريطانيا السابق) توني بلير لا يحبان صدام، ولكن المتظاهرين كانوا يشعرون انه تم التحايل عليهم في اقرار الحرب، وهو الجزء من احداث العقد الماضي الذي اندم عليه كثيرا». 
من جهته، كتب دويل ماكمانوس، المعلق في صحيفة «لوس انجلس تايمز»، ان الولايات المتحدة «تعلمت اكثر من اللازم من حرب العراق»، مشيرا الى تردد الادارة «حتى في ارسال مساعدة عسكرية غير مباشرة الى الثوار في سورية» اليوم، بهدف البقاء بعيدا عن احداث ومجريات منطقة الشرق الاوسط.
لكن ماكمانوس اعتبر ان «لا درس يدوم الى الابد»، وان الولايات المتحدة استغرقتها 15 عاما فقط بعد انتهاء حرب فيتنام حتى تشارك مجددا، وعلى نطاق واسع جدا، في حرب الخليج الاولى في العام 1991.
واضاف ماكمانوس: «في المدى القصير، على الاقل، من غير المرجح ان نتورط في حرب على الارض، ان كان في ايران او في اي دولة اخرى». وتساءل: «لكن هل يدوم هذا الدرس الى 15 او 20 سنة اخرى؟»، ليجيب انه «اذا كان التاريخ اي دليل، فالارجح لا».
اما بوبي غوش، مراسل مجلة «التايم» الذي امضى خمس سنوات في بغداد بين الاعوام 2003 و2007، فكتب معلقا ان العراقيين على الارجح مازالوا يؤيدون الحرب الاميركية التي اطاحت بالديكتاتور الذي كان يحكمهم، على رغم تحفظاتهم حول الخطوات الاميركية التي تلت انهيار الحكم.
وقال غوش انه للاسف لا يوجد حتى الان اي احصاءات للرأي العام في العراق، لا للشؤون السياسية ولا التجارية. 
الا ان الكاتب الاميركي حاول اجراء مقارنة بين العراق ودول الربيع العربي، ليخلص الى انه لو انتفض العراقيون على صدام، لما كان مصيرهم سيكون كتونس ومصر، بل مثل ليبيا وسورية، ما يعني انه لو لم تتدخل اميركا للاطاحة بصدام، ولو ثار العراقيون ضده في خضم الربيع العربي، لكانت ثورتهم تحولت الى «ثورة دموية طويلة تتحول الى حرب اهلية»، كما في سورية.
ويضيف غوش انه كان لدى العراقيين نسختهم من الربيع العربي في العام 1991، اثناء انتفاضة الشيعة في الجنوب والكرد في الشمال، ووقتذاك «فاز النظام عليهم بسهولة».

الاثنين، 18 مارس 2013

دعوات أميركية للامتناع عن تسليح ثوار سورية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

دعا خبيران يعملان في مركز ابحاث «ستيمسن» ادارة الرئيس باراك اوباما الى عدم تزويد الثوار السوريين بأي اسلحة. وكتبت رايشل ستول والكسندر جورجييف في مدونة «ذا هيل»، المتخصصة بشؤون الكونغرس، مقالا بعنوان: «تسليح السوريين مازال فكرة سيئة».
ومركز «ستيمسن» هو من اكثر المراكز تأييدا لنظامي سورية وايران في واشنطن. 
وكانت رئيسة المركز الن ليبسون، زارت دمشق على رأس وفد من الخبراء في يناير من العام 2009، والتقت الرئيس السوري بشار الاسد في قصر الشعب. وقادت ليبسون، الى جانب وزير الخارجية جون كيري والذي كان مازال يعمل رئيسا للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، حملة من اجل الانفتاح على الاسد في ما عرف وقتذاك بـ «سياسة الانخراط مع سورية».
وفي ديسمبر من ذلك العام، عين اوباما ليبسون عضوا في ما يعرف بـ «المجلس الرئاسي للاستشارات الاستخباراتية»، وهو هيئة تابعة للبيت الابيض بشكل مباشر، ويترأسها كل من دايفيد بورين ووزير الدفاع الحالي تشاك هيغل، وهو كان ايضا من المبشرين بسياسة الانفتاح على الاسد.
وبسبب قربها من اوباما ومن كيري وهيغل وتأييدها لنظام الاسد، يعتقد كثيرون ان ليبسون مازالت تلعب دورا كبيرا في تعزيز رأي صانعي القرار الاميركيين لناحية الاحجام عن تسليح ثوار سورية او دعمهم لمساعدتهم في حسم مواجهتهم مع الاسد لمصلحتهم.
وجاء في مقال ستول - جورجييف ان «تزويد المعارضة السورية بالاسلحة يقرر سلفا شكل نهاية الصراع السوري»، وانه بعد ذلك، «لا يمكن لاحد التكهن بما سيكون عليه الوضع في سورية بعد ستة اشهر».
وتساءل الكاتبان: «هل تستمر الحرب الاهلية؟ او ان نظاما معاديا للولايات المتحدة سيحكم في دمشق؟». السؤال الاخير دفع معلقين الى القول: «الخوف من تولي نظام معادٍ لاميركا الحكم في دمشق لا يأخذ بعين الاعتبار ان النظام الحالي معاد لواشنطن اصلا».
وكانت ليبسون نفسها كتبت تعليقا في صحيفة «جورنال سنتينل» في اوكتوبر الماضي دعت فيه الى عدم التدخل عسكريا في سورية، حتى لو عن طريق الامم المتحدة. واعتبرت ليبسون في مقالها ان سورية كانت دولة «في طور التقدم والحداثة قبل ان يندلع الجنون والصراع الطائفي والاثني».
في السياق نفسه،، دعا تقرير صادر عن منظمة «هيومان رايتس فيرست» الاميركية ادارة اوباما الى «وقف الاسلحة والموارد والمال الى (الرئيس السوري بشار) الاسد». واضاف التقرير انه «في الوقت الذي يصعب اعتبار ان استراتيجية وحيدة بامكانها حل الازمة»، يعتبر وقف الموارد الى الاسد بمثابة وسيلة «قليلة المخاطر، ولا عنفية، ويمكنها ان تساهم في حقن الدماء، والضغط على الاسد من اجل وقفه عن سفكها».
وجاء في التقرير، الذي اعده المحامي تيمور رباني، ان «الفظائع الجماعية التي يرتكبها نظام الاسد، ككل الاعمال الوحشية، هي جريمة منظمة ومعقدة وتحتاج الى طرف ثالث يلعب فيها دور المسهل». 
واشار التقرير الى 11 دولة، منها ثلاث عربية هي العراق ولبنان ودولة خليجية، وقال ان هذه الدول تلعب دورا «اما بعلم حكوماتها او بطريقة ضمنية» من اجل تسهيل مرور السلاح والمال الى الاسد. وقال ان روسيا زودت الاسد «بمعدات عسكرية وخبراء عسكريين، وفيول من نوع ديزل، وغاز سائل، ومساعدات مالية». كذلك، زودت ايران الاسد «بمعدات عسكرية وخبراء عسكريين ومقاتلين، وفيول من نوع ديزل، وغاز سائل، ومساعدات مالية».
كوريا الشمالية جاءت بعد روسيا وايران، وقدمت، حسب التقرير، «تكنولوجيا صاروخية، واسلحة، ومساعدات تقنية اخرى». اما فنزويلا وانغولا، «فارسلتا، او تعاقدتا على ارسال، فيول من نوع ديزل»، وكذلك فعلت جنوب افريقيا. ويقول التقرير ان «جهات خاصة في جورجيا ولبنان وقبرص حاولت بشكل متكرر ارسال شحنات من الديزل» الى نظام الاسد».
اما في الدولة الخليجية المذكورة، فقام تاجر بتزويد النظام السوري بمعدات مراقبة الانترنت، والمعدات هي من صناعة شركة اميركية مقرها في ولاية كاليفورنيا الاميركية. «العراق، كما لبنان، قد يكونان ممرين يصل من خلالهما السلاح والفيول الى النظام عن طريق البر»، حسب التقرير، الذي يلفت الى ان شحنات الاسلحة الاولى كانت تمر عبر الاجواء التركية، ولكن بعدما اتخذت تركيا اجراءات باعتراض هذه الشحنات ومصادرتها، تحول معظمها الى طريقي العراق ولبنان.
ويعتقد رباني انه على الرغم من قيام بغداد باتخاذ بعض الخطوات لتفتيش واعتراض بعض الرحلات الى سورية، الا ان شحنات الاسلحة والموارد الاخرى استمرت بالتدفق عبر المجال الجوي العراقي بسبب «عشوائية الاعتراضات العراقية، وعدم المقدرة على اعتراض الرحلات جوا، وغياب النية عند الحكومة العراقية».

السبت، 16 مارس 2013

أوباما: إيران تحتاج سنة أو أكثر لإنتاج سلاح نووي ... ولن نسمح بذلك

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

لا يتوقع افراد فريق الرئيس باراك اوباما الكثير من حسن الضيافة في اسرائيل، بل يستعدون لمفاجأة من نوع أو آخر قد تأتي في تصريحات مضيفه رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو، خصوصا في موضوع الملف النووي الايراني، الذي صار يثير خلافا مستمرا بين الدولتين.
على ان الخلاف حول توقيت حصول ايران على السلاح النووي وكيفية التعامل مع الموضوع صار يثير انقساما في الرأي بين كبار المسؤولين الاميركيين انفسهم، ما دفع بعدد من الخبراء الى القول انه لا يبدو ان ايران هي من ينقصها الواقعية في رؤيتها الى العالم، بل واشنطن هي التي تعوزها بعض الواقعية في نظرتها الى ايران والاعتراف بالتقدم السريع لبرنامجها النووي.
عشية زيارة اوباما الى اسرائيل، وزع البيت الابيض مقتطفات مقابلة ادلى بها اوباما الى القناة الاسرائيلية الثانية قال فيها ان طهران تحتاج الى «سنة او اكثر لتصنع فعليا سلاحا نوويا»، وانه لن يترك ايران تقترب كثيرا من صناعة القنبلة، مكررا قوله: «عندما اقول ان كل الخيارات على الطاولة، هذا يعني ان كل الخيارات على الطاولة»، في اشارة الى نيته استخدام القوة العسكرية، ان اقتضى الامر، لمنع طهران من الحصول على هذا السلاح.
تصريح اوباما هو من المرات النادرة التي يقدم فيها الرئيس الاميركي تقديرا زمنيا للمدة المطلوبة لحصول ايران على سلاح نووي.
الا ان مبادرة اوباما تبدو اقرب الى «العلاقات العامة» منها الى الواقعية، فالرئيس الاميركي لم يحدد ماذا يعنيه بالسلاح النووي. هل هو صاروخ باليستي محمل برأس نووي؟ ام انه كمية من اليورانيوم المخصب بدرجة عالية كالتي تستخدم في الاسلحة النووية، وصواعق تفجير في مكان آخر من ايران، وصواريخ في مكان ثالث؟
وما يقلل من مصداقية تصريح اوباما هو انه يأتي بعد ايام قليلة على تصريحات لكبار مسؤولي وكالات الاستخبارات الاميركية، الذين قالوا عكس ذلك تماما.
ففي جلسة استماع امام مجلس الشيوخ، الاسبوع الماضي، قال مدير الاستخبارات القومية جايمس كلابر انه صار لدى ايران «خبرة تقنية متطورة في عدد من المجالات، بما فيها تخصيب اليورانيوم، والمفاعلات النووية، والصواريخ الباليستية، يمكنها الاستناد اليها اذا ما قررت بناء اسلحة نووية صاروخية».
واضاف كلابر: «هذا ما يجعل النية السياسية لدى الايرانيين القضية المركزية في موضوع صناعة السلاح النووي».
اذن يعتقد كلابر انه من الناحية التقنية، صار يمكن لايران صناعة سلاح نووي متى ارادت هي ذلك، وان انتاج السلاح صار يتوقف على نية وارادة القيادة السياسية في طهران.
ومع ان كلابر قال انه بين اللحظة التي تقرر فيها القيادة الايرانية صناعة السلاح النووي ولحظة صناعته مدة كافية تسمح للولايات المتحدة بمعرفة ذلك وتاليا ضرب الاهداف النووية قبل ان يتسنى للايرانيين تجميع السلاح اوصناعته، الا انه لا يبدو ان كلابر يعتقد ان هذه المدة تطول لتصل الى «عام او اكثر»، حسب تعبير اوباما.
تصريحات اوباما للقناة الاسرائيلية بدت كذلك وكأنها استعادة لعبارات لطالما رددها منذ انتخابه رئيسا قبل خمسة اعوام ولكنها لم تعد تصلح للوضع القائم اليوم.
فسياسة المراهنة على العقوبات الاقتصادية وحدها لثني الايرانيين عن صناعة السلاح النووي يبدو انها لا تؤتي ثمارها المطلوبة، على الاقل حسب اعتقاد كلابر، الذي قال امام مجلس الشيوخ انه على الرغم من التأثير السلبي الكبير لهذه العقوبات على الاقتصاد الايراني، الا انها «لم تؤد الى تغيير في قرارات القيادة الايرانية او في مقاربة المرشد الاعلى (علي خامنئي) للبرنامج النووي». واعتبر كلابر انه يبدو ان الصعوبات من وجهة نظر خامنئي عليها ان تماثل الصعوبات اثناء الحرب مع العراق قبل ان يعتبر انها مشكلة، وانه ربما «ينظر الى الغرب ويعتقد ان تأثيرنا في ذلك الجزء من العالم في انحدار... لا يعني ذلك ان رؤيته مبنية على الواقع، لا في نظرته الى الخارج ولا في رؤيته لوضع بلاده في الداخل».
وفي وقت لاحق، وفي احدى الجلسات التي عقدها مسؤولون وخبراء للتباحث في التطورات حول ايران، سأل احد الخبراء الحاضرين: «اذا كان رئيس وكالات الاستخبارات الاميركية يعتقد ان رؤية خامنئي الى الامور ليست مبنية على الواقع، فلماذا المراهنة على امكانية التوصل الى حل سياسي معه للازمة النووية؟»
واضاف ان «المشكلة هي انه مع مرور الوقت، صار يتبين اكثر فأكثر انه يصعب التوصل الى حل مع خامنئي، وانه الآمر الناهي في ايران، وان تصريحاته المتشددة ليست للاستهلاك الاعلامي بل تعكس تفكيره فعليا».
وتابع الخبير الاميركي ان «لحظة الاعلان انه لا يمكن التوصل الى تسوية مع النظام الايراني هي اللحظة التي يصبح الخيار الوحيد المتاح هو توجيه ضربة عسكرية للقضاء على البرنامج النووي الايراني».
اما ذلك، يختم الخبير، «او تصبح تصريحات قادتنا هنا في واشنطن هي غير المبنية على الواقع وتعطي مهل زمنية تتراوح بين اسبوع وسنة حول موعد انتاج طهران للسلاح النووي».

الخميس، 14 مارس 2013

..وتراجع أوباما

حسين عبد الحسين

كانت “الأوبامانيا”، أو موجة الإعجاب بالرئيس الأميركي المنتخب حديثا باراك اوباما، في قمتها في مارس (آذار) 2009، عندما أعلنت المحكمة الفيدرالية العليا نيتها السماح للشركات والمنظمات الأميركية بتقديم ما ترغب من تبرعات لأي من المرشحين الى المناصب الرسمية في الولايات المتحدة. وكان تقديم الأموال حتى ذلك الحين، يقتصر على الأفراد مع ضرورة الإعلان عن أسمائهم.
يومذاك، كان أوباما أول من تصدى للقرار، معتبرا أنه يقوض عمل الديمقراطية، ويعطي المال مجالا واسعا للتأثير في نتائج الانتخابات، واعدا بالعمل على حمل المحكمة على التراجع عنه.

ولم يكن تأثير المال وحده هو المشكلة، بل أعطى القرار أي صاحب مال فرصة الاختباء خلف شركات أو مجموعات وهمية يمكن إنشاؤها خصيصا لهدف التبرع الانتخابي، من دون الكشف عن اسم المؤسس، وهذه ثغرة استغلها أحد داعمي ميت رومني عندما تبرع بمليون دولار تحت اسم مجموعة وهمية اثارت الكثير من الحرج الإعلامي لحملة المرشح الرئاسي الجمهوري.
ومنذ نهاية الانتخابات الرئاسية العام الماضي، انتهى دور قياديين انتخابيين في صفوف حملة أوباما من أمثال العمالقة جيم ميسينا ودايفيد بلوف، والذين يعزى اليهم، كما إلى زميلهم دايفيد اكسلرود، الدور الأكبر في فوز الرئيس الأميركي بولاية ثانية.

اكسلرود عاد الى مدينته ومدينة الرئيس شيكاغو، حيث عاد الى تقديم “العلاقات العامة” و”الاستشارات” عبر شركته التي يملكها منذ ما قبل ترشيح أوباما الأول في عام 2008. أما ميسينا وبلوف، فأصبحا عاطلين عن العمل، ما دفعهما الى تأسيس جمعية غير ربحية حملت اسم “أوباما من أجل أميركا”.
وبحسب الميثاق التأسيسي، تعمل “أوباما من أجل أميركا” على دعم “أجندة” الرئيس الأميركي اعلانيا وعبر التنظيم الشعبي، وهذا عمل مألوف. أما المختلف، هذه المرة، فكان اعلان الجمعية أنها لن تفصح عن اسماء المتبرعين الماليين لديها، وأن كل أميركي يتبرع بأكثر من ربع مليون دولار، يمكن له أن يصبح عضوا في مجلس الإدارة، الذي يتمتع بدوره بفرصة التواصل مع الرئيس الأميركي عن قرب من أجل أعمال الجمعية، وربما مواضيع أخرى ذات اهتمام خاص للمتبرع نفسه.

طبعا عدم الكشف عن هويات المتبرعين ليس مخالفا للقوانين الأميركية، ولكنه مخالف لمواقف اوباما ووعوده معارضة قرار المحكمة العليا المعروف باسم “مواطنين متحدين في مواجهة الهيئة الفيدرالية للانتخابات”.
هذه المرة، كانت السلطة الرابعة هي من تصدى للرئيس الأميركي واجبرته على التراجع.
“عليه أن يعود (أوباما) إلى صوابه، وان لم يفعل، لن يكون سهلا مسح هذا الوسخ عن حذائه في وقت لاحق”، حسب افتتاحية “واشنطن بوست” التي هاجمت قرار “أوباما من أجل أميركا” بعدم الافصاح عن هوية المتبرعين.

وقالت الصحيفة، في الافتتاحية التي حملت عنوان “إغراء المال المظلم” انه “بتجاهله تحذيراته الماضية في هذا الشأن، يغوص الرئيس أوباما أكثر فأكثر في وحول حملات وسياسات مليئة بالمخاطر لولايته الثانية”. وختمت: “على الرئيس أن يقاوم إغراء رائحة المال العطرة”.
وكما “واشنطن بوست”، كذلك انقضت “نيويورك تايمز” ووسائل اعلام كثيرة أخرى على الرئيس الأميركي و”أوباما من أجل أميركا”.

وفي الوقت الذي كانت الجمعية تستعد فيه لإقامة عشائها الأول هذا الأسبوع، بحضور أوباما، أعلن ميسينا أن جمعيته ستنشر اسماء كل المتبرعين الذي سيقدمون مبالغ أكبر من 250 دولار.

وفيما كان ميسينا يتراجع، وجد الناطق باسم البيت الأبيض جاي كارني نفسه تحت وابل من اسئلة الصحافيين حول علاقة الرئيس بالجمعية، فحاول تصويرها وكأنها مؤسسة أخرى من مؤسسات الحزب الديمقراطي، على غرار “اللجنة المركزية” للحزب، التي تعمل على جمع التبرعات للحزب ابان الانتخابات، ويخصص لها اوباما اجزاء من وقته للقاء متبرعيها وللادلاء بخطابات في حفلاتها الكبرى.

هكذا، ومن دون الكثير من الضجيج وتحت ضغط الاعلام والرأي العام، تراجع أوباما.

الاثنين، 11 مارس 2013

تسليح الثوار السوريين من قبل قوى إقليمية يتم برقابة «سي آي اي» منذ اليوم الأول

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

نقل ديبلوماسي رفيع المستوى ان وزير الخارجية جون كيري، اثناء جولته الاخيرة، سأل مسؤول عربي كبير عن الذي سيحدث في حال انهار بشار الاسد، فاجاب المسؤول العربي: «فليسقط بشار، ولكل حادث حديث». عندذاك، رد كيري بالقول: «هذا الحديث هو بالضبط الذي يريد ان يسمعه الرئيس باراك اوباما، والذي من دونه لا يمكنني اقناعه بأي مشاركة اميركية اكبر».
وقال الديبلوماسي ان كيري شرح في مداخلة طويلة وجهة النظر الاميركية القائلة بأن «الصراع في سورية لن ينتهي مع زوال الاسد، بل ستكون محطة فقط، ينتقل بعدها الصراع الى مراحل جديدة من الحرب الاهلية».
وحدد كيري «المصالح الاميركية في سورية» على الشكل التالي: «تفادي استخدام او انتشار اسلحة الدمار الشامل، منع المتطرفين من السيطرة على السلطة، وتفادي تحول البلاد الى دولة فاشلة تصبح مركزا لعدم الاستقرار في المنطقة».
وتابع الديبلوماسي انه ما ان انتهى كيري من الحديث، حتى اجاب المسؤول العربي بلباقة، ولكن بكثير من الصراحة التي فاجأت الوزير الاميركي، وقال: «اذا كانت هذه هي اهداف واشنطن في سورية، فربما من الافضل لكم ان يبقى بشار الاسد».
المسؤول العربي تحدث بدوره عن ضرورة التدخل الاقليمي والاميركي في سورية، اولا لاسباب انسانية تتصدرها ضرورة وقف الاسد المجازر بحق السوريين وعودة اللاجئين من مخيماتهم الى بيوتهم، وثانيها استراتيجي يتعلق بمواجهة الهيمنة الايرانية على المنطقة العربية. «وفي الاثنين»، يضيف المسؤول العربي لكيري، «مصلحة اميركية يبدو ان الادارة الحالية لا تلتفت اليها وليست في وارد العمل من اجلها».
يبدو ان هذا الحوار كان بمثابة نقطة تحول لكيري، الذي بدأ جولته التي شملت عواصم اوروبية واقليمية وهو يدعو الجميع الى اقناع الروس باقناع الاسد بالتنحي، وختمها مع كشفه لما حاولت واشنطن التستر عليه طيلة الشهر الماضي منذ ان خرجت الى العلن انباء مفادها ان وزيري الدفاع والخارجية ورئيس الاركان الاميركيين قدموا الى اوباما اقتراحات تقضي بضرورة تسليح واشنطن للمعارضة السورية، وان الرئيس الاميركي تصرف على عكس نصائح كبار مسؤولي ادارته ورفض قيام اميركا بالتسليح.
بيد ان ما تكتمت عليه واشنطن اباح به كيري، ربما للتخفيف من الضغط الدولي، وخصوصا العربي، على الولايات المتحدة، فمنذ اليوم الاول لبدء قوى اقليمية بعملية تسليح الثوار السوريين و«وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي اي) منخرطة على اكمل وجه في اشرافها على العملية.
هذا الاشراف، حسب العارفين في العاصمة الاميركية، يتضمن اولا الكشف على صناديق الاسلحة والتأكد انها لا تحتوي انواعاً من الاسلحة لا تريد اميركا وصولها الى ايدي الثوار، معتدلين كانوا ام غير معتدلين. ثانيا، تعمل الوكلة منذ اليوم الاول للثورة السورية على التدقيق بهوية الثوار من معارضين مدنيين ومقاتلين منشقين ومتطوعين. 
هذا ما دفع كيري الى التأكيد، في آخر تصريحاته، على ان الاسلحة تصل الى ايدي ثوار موثوق بهم، في دلالة على ان واشنطن ليست غائبة تماما عن صورة التسليح، حتى وان كانت ليست هي من يقوم بشراء الاسلحة او نقلها. 
حتى علانية كيري هذه كان يفضل اوباما لو بقيت طي الكتمان، فواشنطن تعتقد ان عليها ابقاء مساهمتها في الازمة السورية، باستثناء ارسالها الاموال لاهداف انسانية، بعيدة عن الاضواء حتى لا يؤدي تدخلها الى ان تبتلي بما ابتلت فيه في العراق اذ يقول المثال الشعبي الاميركي: «انت كسرته، اذن اصبح ملكك».
كذلك، يأتي تصريح كيري حول علم واشنطن بتسليح الثوار السوريين بعد توصل خبراء الاستخبارات الاميركيين الى نتيجة مفادها انه بسبب المواجهة في سورية، لم يعد بامكان الاسد ولا نظامه تحقيق اي من المصالح الاميركية التي حددها كيري امام المسؤول العربي، والتي ترتكز على امن ترسانة اسلحة الدمار الشامل، والقضاء على المتطرفين، والحفاظ على ادنى مقومات الدولة.
وفي هذا السياق، توقع العميل السابق في الاستخبارات العسكرية الاميركية جوزف هوليداي ان ينجح الثوار، قبل نهاية هذا العام، بالسيطرة على معظم دمشق، باستثناء الجبال الغربية المطلة عليها حيث القصر الرئاسي ومقر قيادة فرق النخبة لقوات الاسد. وهذه المقرات لن يكون اختراقهما ممكنا من دون مدفعية او قوة جوية، حسب الخبير الاميركي.
هوليداي كتب في دراسة صدرت عن «مركز دراسة الحرب» ان الاسد «خسر معركة قمع التمرد»، وان المواجهة في سورية تحولت الآن الى حرب اهلية، وتحول الجيش النظامي الى ميليشيا، تندمج مع «الشبيحة» و«اللجان الشعبية» المشكلة من الاقليات، ويمكن لهذه مجتمعة ان تخوض حربا طويلة.
ولفت هوليداي الى خريطة تم الاستيلاء عليها من احد مواقع «الحرس الجمهوري»
تظهر اعتقاد قادته ان الثوار باتوا يسيطرون على معظم الضواحي الشرقية والجنوبية للعاصمة وبعض احيائها.
وينقل هوليداي عن الاستخبارات الاسرائيلية قولها ان عملية «بركان دمشق»، التي قام بها الثوار في يوليو 2012، اجبرت الاسد على سحب قواته من الجولان، وكذلك من حمص ودرعا.
ويخلص هوليداي الى ان الاسد لن يتراجع الى دويلة علوية، وان شكل الدولة التي يحاول الاستمرار في السيطرة عليه لا تتضمن شرق وشمال البلاد، بل هي تتركز في محور يمتد من دمشق الى اللاذقية مرورا بحمص، التي اجتاحها ويستولي عليها بقوة قوات نخبة منذ عام، مع وجود جيوب للثوار داخل المدينة وسيطرتهم على بعض القرى القريبة مثل الرستن. 
ويعتقد خبراء الاستخبارات الاميركيون ان المهمة الرئيسية الموكلة لمقاتلي «حزب الله» هي مساعدة قوات الاسد في احكام سيطرتها على الشريان الحيوي الذي يمتد من دمشق الى حمص، والذي يتاخم الحدود اللبنانية في اجزاء كثيرة منه.
كذلك يعتقد هوليداي ان لدى الاسد قرابة 70 الف مقاتل نخبة من «الفرقة الرابعة»
و«القوات الخاصة» و«الحرس الجمهوري»، وان هذه القوات مرهقة تماما ومستنزفة وخسرت نحو سبعة الاف قتيل منذ اندلاع المواجهات. كذلك يقدر هوليداي ان سلاح الجو لدى الاسد سيتوقف عن العمل تماما مع نهاية العام بسبب نفاد وقود الطائرات ومشاكل في الصيانة، في وقت استنفد فيه الاسد، في شهرين، نحو 40 صاروخا باليستيا من اصل 400 يمتلكها.
اما الثوار، فقدر الخبير الاميركي عددهم بنحو 70 الفا، وقال انهم يتزايدون ويكتسحون مناطق اكبر، لكنهم اقل تسليحا. واعتبر هوليداي ان الاسد لا ينوي الحفاظ على حلب او ادلب او دير الزور، وانه يبقي نقاطا محصنة في الشمال والشرق فقط لتأخير قدوم الثوار الى دمشق، وان باقي النقاط المحصنة لديه في مناطق الشمال الشرقي تدنى الى نحو سبعة.

أوباما والمالكي والعلاقة الصامتة

حسين عبد الحسين

تظهر سجلات البيت الأبيض أن الرئيس باراك أوباما، لم يتحدث مع رئيس حكومة العراق نوري المالكي منذ ابريل (نيسان) الماضي، أي منذ ما يقارب العام، وأن آخر اتصال رفيع المستوى بين بغداد وواشنطن، حدث في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، عندما بادر المالكي إلى الاتصال بنائب الرئيس جو بايدن بهدف تقديم التهنئة للرئيس الأميركي، عبر نائبه، بإعادة انتخابهما لولاية ثانية.

وعلى الرغم من أن البيان الذي صدر عن مكتب بايدن، على اثر اتصال نوفمبر، ورد فيه ان “الزعيمين جددا (التزامهما) بأهمية تطبيق الاتفاقية الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والعراق”، الا أن المصادر تحدثت في حينه عن أن الحوار بين الرجلين بقي في حدود المجاملات، ومن دون الغوص في شؤون الساعة أو في تفاصيل الأحداث العراقية أو الشرق أوسطية.

أما ما قد يثبت مزاعم انقطاع الحوار الجدي بين واشنطن وبغداد، فجاء من المالكي نفسه، في المقابلة التي أجرتها مع الزميلة “الشرق الأوسط” قبل أسابيع، وقال فيها رئيس حكومة العراق إنه قال لأوباما وبايدن، “منذ عامين”، أي على الأرجح أثناء زيارة المالكي الى واشنطن، ولقائه الرجلين في ديسمبر (كانون الأول) 2011، ان بشار الأسد لن يسقط.

على أن في الشرق الأوسط بعض قادة الدول ممن لإدارة أوباما علاقة مميزة معهم. بعضهم عن قناعة، من امثال رئيس حكومة تركيا رجب طيب اردوغان الذي يطلق عليه اوباما تسمية “صديقي”، ويتحادث معه بشكل متواصل. ومنهم رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو، الذي يعرف القاضي والداني أن علاقته بالرئيس الأميركي باردة، وتحكمها المصالح، ويحتمها النفوذ الذي يتمتع به الإسرائيليون داخل الكونغرس، والذي يفرض بالتالي على أوباما هذه “العلاقة المميزة” مع نتنياهو.

لكن أن يكون بين الولايات المتحدة والعراق “اتفاقية تعاون استراتيجي”، وتكون الولايات المتحدة قد انفقت ترليونات الدولارات، وخسرت أكثر من أربعة آلاف قتيل أميركي في العراق في العقد الأخير، فيما لا يتعدى الاتصال بين الرئيس الأميركي وحاكم العراق اكثر من تلفونات مجاملات بين الحين والآخر، فهذا شيء ينم عن عدم انسجام واضح بين أوباما والمالكي، ويشير الى أن العراق، الذي كانت أحد أبرز الأسباب التي دفعت اميركا الى غزوه محاولة تحويله إلى حليف استراتيجي مميز، مازال حتى الآن في مصاف الدول التي لا تحسب لها واشنطن أي حساب في لعبة الأمم، وخصوصا في شؤون الشرق الأوسط.

طبعا يقول بعض المقربين من الإدارة الأميركية إن واشنطن لا ترغب في اظهار أي تمييز في علاقاتها مع الأطراف العراقية المختلفة، وأنها تحاول الوقوف على مسافة متساوية منهم جميعا، ولكن في هذا عذر أقبح من ذنب، إذ يشير الى أن واشنطن لا تتعامل مع المالكي على أنه رئيس حكومة منتخبة ويمثل العراقيين ككل، بل مجرد زعيم لإحدى المجموعات السياسية العراقية، وانه سواسية مثل باقي السياسيين العراقيين الذين تتمتع الولايات المتحدة بعلاقة معهم.

والأغلب أن واشنطن ليست مخطئة، فالمالكي أضاع أكثر من فرصة لتحويل نفسه من زعيم حزبي إلى رئيس حكومة لجميع العراقيين، وهو بدلا من أن يعمل على لم الشمل، استخدم سلطاته في الغالب لإطاحة خصومه، وإفراغ الادارات العراقية والقضاء ممن فيها، واستبدال الموالين بهم، وهو ما جعل من واشنطن، وكثير من عواصم العالم وخصوصا الشرق أوسطية، تتنبه إلى أن رئيس الحكومة العراقية إما لا يريد أن، أو أنه لا يعرف كيف، يحكم كل العراقيين، وانه تتملكه رغبة التسلط والمناكفة السياسية.

هكذا، تحولت الشراكة الاستراتيجية الأميركية – العراقية المفترضة إلى علاقة صامتة، تماما كما تحولت علاقة المالكي بمعظم العواصم العربية من علاقة أخوة مفترضة، إلى مجاملات فارغة المعنى عبر صفحات الصحف والمقابلات التلفزيونية.

الأربعاء، 6 مارس 2013

مصادر أميركية لـ «الراي»: إسرائيل ترى تنازلات غربية لا إيرانية... في جولة كازاخستان

|واشنطن - من حسين عبد الحسين|

في الاسبوع الذي يشهد انعقاد المؤتمر السنوي للوبي الموالي لاسرائيل «ايباك» بمشاركة كبار المسؤولين الاسرائيليين وعلى رأسهم
 وزير الدفاع ايهود باراك، وكبار المسؤولين الاميركيين يتصدرهم نائب الرئيس جو بيدن، سرت انباء مفادها ان الاسرائيليين عبروا، خلال الاجتماعات الجانبية، عن قلقهم من مسار المفاوضات بين مجموعة «5+1» وايران حول برنامج الاخيرة النووي.
وعلمت «الراي» ان مسؤولين اسرائيليين كبار قالوا لنظرائهم الاميركيين ان في جسلة المفاوضات الاخيرة التي انعقدت الشهر الماضي في كازخستان: «قامت الدول الست الكبرى بتقديم التنازلات، بدلا من ايران».
واضاف الاسرائيليون انه «في هذه الجلسة، القوى الست قالت للمرة الاولى انه في مقابل تنازلات ايرانية، ستعمل هذه القوى على تقليص العقوبات الدولية المفروضة على طهران، خصوصا لناحية تجارة الذهب والبتروكيماويات».
وقالت مصادر اميركية لـ «الراي» ان الاسرائيليين اعربوا عن قلقهم كذلك «لأن القوى الكبرى تراجعت عن مطلب اغلاق مفاعل فوردو النووي حيث يتم تخصيب اليورانيوم الى درجات تصل الى 20 في المئة»،بل ان المطلب الدولي تحول الى مطالبة طهران فقط بـ «تعليق نشاطاتها في هذه المنشأة النووية».
الاسرائيليون قالوا للاميركيين كذلك ان «تعهد واشنطن بمنع ايران من حيازة السلاح النووي لا يكفي بحد ذاته، اذ يمكن لايران تطوير قدراتها لتخصيب سريع لليورانيوم»، وبذلك، بدلا من ان تنتج السلاح وتعرض نفسها لعمل عسكري دولي محتمل، يمكن لها ان «تعمل على تجهيز كل العناصر المطلوبة لصناعة السلاح في غضون ايام قليلة».
ويعتقد الاسرائيليون انه لو حدث ذلك، من الممكن ان تنجح طهران في انتاج سلاح نووي على غفلة من المجتمع الدولي، حينذاك سيصعب توجيه ضربة عسكرية الى ايران النووية، وان حدثت ضربة، تكون سابقة في تاريخ القوى النووية.
وتابع الاسرائيليون ان «على المجتمع الدولي مكافحة المقدرة الايرانية على صناعة السلاح النووي في مهلة زمنية قصيرة، لا الانتظار حتى تقوم ايران بصنع القنبلة النووية فعلا ومن ثم محاولة التعاطي مع النتائج».
على ان المسؤولين الاميركيين حاولوا تقديم تطمينات على ان «واشنطن تعلم ماذا تفعل»، وان لديها خطة «لمنع ايران وقائيا، اما بالديبلوماسية وإما بالوسائل الاخرى، من حيازة المقدرة على صناعة سلاح نووي في مدة زمنية قصيرة».
وسرت انباء مفادها ان الرئيس باراك اوباما سيقدم «الرؤية الاميركية كاملة لكيفية التعاطي مع الملف النووي الايراني الى رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو اثناء لقائهما» المقرر في اسرائيل في وقت لاحق من هذا الشهر.
على ان الخبراء في العاصمة الاميركية توقعوا ان يشهد لقاء اوباما - نتنياهو تباينا كبيرا في وجهات النظر، اذ من المتوقع ان يحاول الرئيس الاميركي تسليط الضوء على قضية السلام الفلسطيني - الاسرائيلي، فيما سيعمل نتنياهو على حصر الحوار بما يسميه عادة «التهديد النووي الايراني لوجود دولة اسرائيل».
وكان وزير الخارجية جون كيري استثنى اسرائيل والاراضي الفلسطينية من جولته الدولية الاولى التي شملت عواصم اوروبية وشرق اوسطية، لكنه صادف الرئيس الفلسطيني محمود عباس اثناء جولته الخليجية، فعقد معه غداء عمل على وجه السرعة.
وتقول المصادر الاميركية ان سبب تفادي كيري لاسرائيل كان بهدف «عدم التشويش على الزيارة الرئاسية» التي سيشارك فيها وزير الخارجية الاميركي.

لبنان يرفض هبة بمليار دولار لخصخصة «الكهرباء»

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في الوقت الذي ترفض حكومة لبنان، برئاسة نجيب ميقاتي، مطالب «هيئة التنسيق النقابية» بمنح موظفي القطاع العام زيادة في الرواتب بحجة عدم توافر الاموال اللازمة لدى الخزينة اللبنانية، علمت «الراي» من مصادر ديبلوماسية رفيعة في العاصمة الأميركية أن كبار المسؤولين «في البنك الدولي» زاروا بيروت أخيراً، وعرضوا تقديم هبة فورية بمبلغ مليار دولار، شرط ان تقوم الحكومة اللبنانية بخصخصة شركة «كهرباء لبنان»، لكن المسؤولين اللبنانيين رفضوا العرض، مع العلم أن هذه الشركة التي تعمل تحت ما يسمى وصاية وزارة الطاقة والمياه» ووزيرها جبران باسيل صهر النائب ميشال عون، تكبد الخزينة اللبنانية خسائر تقدر بملياري دولار سنوياً.
المصادر الديبلوماسية قالت لـ «الراي» إنه «بشكل مختصر، تنفق الحكومة اللبنانية نحو 8 مليارات دولار سنوياً، وتجني 7، ما يعني أن العجز السنوي يبلغ قرابة المليار»، لافتة إلى أن الانفاق اللبناني، حسب المصادر المتابعة ينقسم إلى 4 بنود كبرى حسب بيانات وزارة المالية اللبنانية.
هذه البنود هي 3 مليارات لخدمة الدين العام المتراكم وإعادة تغذيته، وملياران دولار تكاليف الجيش اللبناني والقوى الامنية، وملياران دولار لشركة كهرباء لبنان، ومليار دولار لعموم مصاريف الحكومة بما فيها رواتب الموظفين غير العسكريين، وصيانة المنشآت الرسمية وتكاليف أخرى.
ويقدر الدين العام في لبنان بنحو 57 مليار دولار، وهو من الأعلى في العالم مقارنة بالناتج الإجمالي المحلي، وتلفت المصادر إلى أن الحكومة اللبنانية والمصرف المركزي يحاولان منذ فترة ابتكار وسائل للجم الارتفاع المضطرد والهائل للدين، وإلى أن من هذه الوسائل إبقاء الدين داخليا لتفادي التعاطي مع مستثمرين دوليين قد يحجمون عن الاستدانة مستقبلاً كما حصل مع اليونان.
وفي هذا السياق، ارتفع الدين العام الداخلي بواقع 66 في المئة بين العام 2006 و2012، فيما ارتفع الدين العام الخارجي بواقع 13 في المئة للفترة نفسها ايضاً حسب بيانات وزارة المالية.
كما تعتقد المصادر الديبلوماسية المتابعة للموضوع الاقتصادي اللبناني، أن «بيانات وزارة المالية اللبنانية تظهر تنامي اكتتاب القطاع العام ومصرف لبنان في سندات المديونية، وأن الأرجح هو أن الحكومة تدفع صندوق الضمان الاجتماعي وصناديق التعاضد الاخرى، لاستخدام أموالها لشراء سندات الدين بدلاً من إيداعها في المصارف الخاصة كما في الماضي.
هذا المأزق المالي والاقتصادي اللبناني المتنامي دفع باقتصاديين دوليين إلى محاولة تقديم المساعدة إلى لبنان، وارتأى هؤلاء أن الوسيلة الأفضل تكمن في الاقتطاع من الانفاق، وبما أنه لا يمكن للحكومة اللبنانية وقف الإنفاق على قواتها الأمنية أو على موظفيها، كما لا يمكنها التقاعس عن تمويل دينها العام، يصبح البند الوحيد الممكن التخلص منه هو خسائر شركة كهرباء لبنان. وتنقل المصادر الديبلوماسية عن الاقتصاديين قولهم إنه «لو نجحت الحكومة اللبنانية في التخلص من خسائر الكهرباء وتحويلها الى ارباح، على غرار شركات الهاتف النقال التي تعود بنحو ملياري دولار من الإيرادات سنوياً على الخزينة اللبنانية، لانقلبت الصورة».
وتضيف المصادر: «يعتقد الاقتصاديون انه لو تخلصت الحكومة من شركة كهرباء لبنان، ينقلب العجز السنوي البالغ مليار دولار الى فائض بواقع مليار دولار، ما يسمح للحكومة بزيادة الرواتب والاستثمار في منشآتها والبنية التحتية والجامعة اللبنانية والمستشفيات والمدارس وما شابهها».
وتتابع المصادر ان مسؤولين في «البنك الدولي» زاروا لبنان منذ فترة قصيرة، و»عرضوا تقديم هبة بقيمة مليار دولار تساهم في اعداد شركة كهرباء لبنان للخصخصة، اي انها تسدد ديون الشركة وتعويضات العاملين فيها حتى تصبح جذابة للمستثمرين».
المستثمرون بدورهم يسددون دفعة اولى كبيرة للحكومة للتملك، يلي ذلك تسديد مبالغ شهرية او سنوية للحكومة حتى نفاد العقد بين الطرفين، وهو ما يساهم ايضا في تعزيز الوضع المالي للخزينة بزيادة الواردات، وتاليا زيادة الفائض السنوي. المسؤولون اللبنانيون رفضوا العرض الدولي لخصخصة شركة كهرباء لبنان ورفضوا الهبة النقدية، حسب المصادر الديبلوماسية.
«الراي» سألت عن الاسباب، فأجاب الديبلوماسيون ان «المسؤولين في لبنان لم يقدموا اجابات قاطعة، لكن الانطباعات الاولية لدينا مفادها ان هناك مافيا مولدات كهربائية تجني ارباحا طائلة من استمرار الوضع كما هو عليه، وهذا مبني على استمرار تقنين الكهرباء حتى يتمكن هؤلاء من الاستمرار في بيع الكهرباء الخاصة للمواطنين».
واضاف الديبلوماسيون انه «ربما يكون المسؤولون هم انفسهم اصحاب هذه المولدات، او ان اصحاب المولدات يدفعون مبالغ طائلة كرشوة للمسؤولين للضغط عليهم، ولكن كيفما اتفق الحال، يبدو ان المستفيدين من انقطاع الكهرباء في لبنان لديهم نفوذ سياسي كاف ليعطل التوصل الى حل لهذا الموضوع»، وهذا ما سيبقي الوضع المالي الحكومي اللبناني مأزوما، وهو ما سيبقي على الاغلب الاضطرابات العمالية قائمة.

الثلاثاء، 5 مارس 2013

وفاة مراسل «واشنطن بوست» الذي غطى الحرب الأهلية اللبنانية

| واشنطن - من حسين عبد الحسين |

«أسود برج البراجنة يهزمون أرانب بيروت الشرقية»، حسب لافتة كانت معلقة في الحي الواقع في ضاحية بيروت الجنوبية في مارس من العام 1984، بعد اسابيع قليلة على ما عرف بـ «انتفاضة ستة شباط»، التي طردت خلالها ميليشيات «حركة امل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، واخرى اقل نفوذا، الجيش اللبناني مما كان يعرف بـ «بيروت الغربية».
وليام كليربورن، الذي عمل مراسلا لصحيفة «واشنطن بوست» في عواصم عربية عديدة، منها بيروت والكويت، كتب تقريرا من الضاحية الجنوبية، التي اطلق عليها تسمية «الحي الفقير»، في 7 مارس 1984، ووصف «المزاج الشيعي» يومها بالمزاج الذي ينتظر نتائج انتصاره بدلا من تعويله على الانتقام من المسيحيين.
كان قادة لبنان، من سياسيين تقليديين ومن امراء حرب، يستعدون للذهاب الى لوزان، في سويسرا، للمشاركة في واحدة من جلسات «الحوار الوطني» الكثيرة، والتي تستمر حتى يومنا هذا. 
كليربورن تحدث الى مختار برج البراجنة في حينه حسين علي ناصر، الذي قال ان قصف الجيش اللبناني للحي، والذي دام اربعة ايام، كان «عشر مرات اقسى من اي شيء قام به الاسرائيليون اثناء اجتياحهم لبنان في العام 1982». 
واوضح ان الجيش اللبناني كان «يعمل على تدمير منطقتنا، ولكننا نعيش في هذه المنطقة، وسوف نموت فيها، ولن نتحول الى لاجئين».
واضاف ناصر انه من واجب زعيم «حركة امل» نبيه بري ان «يحدد مسؤولية القصف، في مؤتمر لوزان، وان يعول على انتصار امل في 6 شباط من اجل تحصيل مكاسب سياسية للشيعة». وتابع: «حتى الآن لم نجن من الحكومة الا الدمار... حان الوقت ان نأخذ حقوقنا في سويسرا». 
وختم ناصر: «اذا لم نذهب الى لوزان، لا يمكننا ان نتوقع ان نحصل على اي شيء، ولكن علينا ان نذهب وان نتحاور... و(الرئيس اللبناني السابق امين) الجميل سوف يدفع ثمن هذا الدمار. لقد خسر وعليه ان يدفع».
تلك هي الصورة التي نقلها كليربرون بمهارة، في ذلك الربيع من العام 1984، من لبنان الى القراء الاميركيين. 
كليربورن، وهو من مواليد العام 1936، بلغ سن التقاعد في العام 2001، واستقر في استراليا، موطن زوجته، ونادرا ما زار الولايات المتحدة منذ ذلك التاريخ لتفقد وحيدته التي بقيت تسكن في موطن والدها.
في العام 2004، زار الكاتب الاميركي واشنطن، وشارك في احد اللقاءات التي كانت تناقش الحرب الاميركية في العراق واحداث الشرق الاوسط عموما. كان كليربورن يبدو متقد الذهن وهو في سن الثامنة والستين، وكان يتحدث، على هامش اللقاء، الى عدد من المشاركين عن السنوات التي امضاها في لبنان بكثير من الحنين.
وتوجه كليربورن الى اللبنانيين بالقول ان العبارات المفضلة التي كان يسمعها في لبنان كانت «اوكي، طيب»، و«يالله باي». وتحدث عن مفارقة انه في الوقت الذي انشأت فيه «منظمة التحرير الفلسطينية» ما عرف بـ «فتح لاند» في الجنوب اللبناني، كان اكثر المنتجعات اللبنانية شهرة ذلك المدعو «سمرلاند»، في منطقة الجناح في بيروت، يعج برواد الشاطئ والحفلات. 
وقال كليربورن انه يوما ما في العام 1984، وقف الى جانب مقاتل يختبئ في مدخل احدى البنايات في منطقة الحمراء ويخرج بين الحين والآخر ويطلق النار من بندقيته الكلاشينكوف باتجاه الشارع المجاور. «عندما سألته عن خطوته المقبلة»، قال كليربورن: «قدم لي راديو صغيرا كان يضعه في جيبه وقال لي، اسمع، هذه اغنية يا بنت السلطان لراغب علامة جديدة واكتسحت الاسواق». 
كانت الحرب الاهلية في لبنان سوريالية، حسب الكاتب الاميركي الذي عاش فترات في اشد ايامها.
ثم اخذ الكاتب الاميركي يسأل عن اماكن معينة في العاصمة اللبنانية، مطاعم ومحلات سندويش، وعن السياسيين الذين عاصرهم: امين الجميل ونبيه بري ووليد جنبلاط. «المطاعم اقفلت والناس تغيرت»، اجاب احد المتحلقين حول كليربورن من اللبنانيين، «لكن بري وجنبلاط والجميل مازالوا هم انفسهم ولم يتغيروا».
قبل ايام، رحل كليربورن عن عمر يناهز 77 عاما بعد صراع مع المرض، وسياسيو لبنان طبعا مازالوا هم انفسهم، لم يتغيروا، وان تغير قليلا نفوذهم وادوارهم.

الجمعة، 1 مارس 2013

الصحافي الذي أطاح نيكسون ينقضّ على أوباما

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

أن يتكلم أي من مسؤولي ادارة الرئيس باراك اوباما بعصبية مع احد الاعلاميين هو أمر مألوف ويتكرر بين الحين والآخر. لكن أن يعلو صراخ مستشاره للشؤون الاقتصادية جين سبيرلينغ، اثناء مكالمة هاتفية مع الصحافي بوب وودوارد، يعقبها ايميل يكتب فيه سبيرلينغ لوودوارد «اعتقد انك ستندم على المزاعم التي ستطلقها» هو أمر لا يمكن أن يمر مرور الكرام في واشنطن.
وودوارد هو الصحافي الذي كشف عن قيام موظفين تابعين للبيت الابيض بمحاولة الدخول خلسة الى مقر لجنة الحزب الديموقراطي للانتخابات في مبنى ووترغايت، في يونيو من العام 1972، في محاولة لسرقة ملفات انتخابية وزرع اجهزة تنصت. تلك العملية التي تحولت الى فضيحة اعطت اسم «غيت» لكل الفضائح التي تلتها، اجبرت ريتشارد نيكسون على الاستقالة تحت طائلة اجبار الكونغرس له على الخروج من الحكم. 
أما المسؤول الاول عن الاطاحة بنيكسون فكان وودوارد، النجم الصاعد حينذاك في صحيفة «واشنطن بوست»، والذي ما زال يعمل في صفوف الصحيفة نفسها، وتتمتع تقاريره حول خبايا الادارات المتعاقبة، والتي يقدمها الى العلن بين الحين والآخر، بمصداقية كبيرة. 
هذه المرة، صادفت ان وودوارد كان في صدد تأليف كتاب حول المفاوضات بين قادة الكونغرس الجمهوريين والرئيس الديموقراطي اوباما، الصيف الماضي، حول رفع سقف الاستدانة، مع تهديد الجمهوريين بحجب كل التمويل عن الحكومة واغلاقها تماما. 
وقتذاك، توصل الطرفان الى اتفاق قضى بموافقة الجمهوريين على رفع سقف الدين العام، في مقابل تقليص النفقات الحكومية، وتحت طائلة فرض تقليص الزامي وعشوائي على مصاريف الحكومة، بواقع ترليون و200 مليار دولار على مدى السنوات العشر المقبلة، في حال فشل الطرفان في الاتفاق على بنود الموازنة التي سيطولها التقليص. 
فشل الطرفان في تحديد أي بنود سيطولها التخفيض، ما ادى الى تبني «التقليصات التلقائية»، التي كان يفترض ان تدخل حيز التنفيذ مطلع هذا العام، ولكن تم تأجيل بدء العمل بها حتى اول من امس.
في هذه الاثناء، اخذ الاقتصاديون من الديموقراطيين والجمهوريين يحذرون من مغبة التقليصات العشوائية وتأثيرها السلبي على النمو الاقتصادي وعلى جهوزية القوات المسلحة الاميركية. وشنت ادارة اوباما حملة اعلامية شاملة في محاولة لالقاء اللوم على الجمهوريين لفرضهم خفض النفقات، ولاقناع الكونغرس باعادة النظر بها.
لكن وودوارد، وهو المعروف بميله نحو الديموقراطيين سياسيا، تصدى لادارة اوباما بالقول ان «التقليصات التلقائية» كان في الواقع فكرة اوباما لا الجمهوريين، وهو ما يلقي بأي تبعات سلبية على عاتق الادارة لا الجمهوريين.
هنا استشاطت ادارة اوباما غضبا، وحاول الناطقون باسمها التقليل من مصداقية وودوارد وادعاءاته، لكن الاخير كان على تواصل مع كبار المسؤولين في الادارة طالبا منهم التعليق على ما جمعه من معلومات حول مفاوضات التقليصات، وتقديم الدلائل التي تضحض ما يقوله.
ويوم الجمعة 22 فبراير، اتصل وودوارد بسبيرلينغ هاتفيا ليعلمه انه سينشر مقالا في «واشنطن بوست» يوم الاحد يلقي به اللائمة على الادارة، فما كان من الاخير الا ان بادر الى «الصراخ لمدة نصف ساعة»، ثم ارسل ايميلا ليعتذر عما بدر منه، ويتابع الحوار بالقول ان التقليصات التلقائية «كانت مصممة لاجبار الجميع على العودة الى الطاولة للنقاش في مواضيع تقليص نفقات المكتسبات الاجتماعية وزيادة المداخيل».
لكن سبيرلينغ اضاف: «يمكن اننا لن نتفق في هذا الموضوع، ولكني اعتقد انك ستندم اذا ما قمت بهذا الادعاء».
كلمة «ستندم» هذه اثارت عاصفة اعلامية في وجه اوباما وادارته، ودفعت الوسائل الاعلامية المختلفة، ديموقراطية وجمهورية، الى استنكار ما اعتبرته تهديدا معنويا للصحافة. كما ادت الحادثة الى حملة تقييم كامل لتعاطي الادارة مع الاعلام، ليتم التوصل الى نتيجة مفادها ان افراد هذه الادارة متعجرفون، وبعيدون عن الاعلاميين، ولا يقبلون النقد. 
وقال وودوارد في لقاء مع صحافيين: «ستندم... ولو... اعتقد ان اوباما نفسه لو رأى كيف يتعاطون معنا لقال مهلا، لا نقول لاي مراسل انك ستندم ان تحديت وجهة نظرنا». واضاف الصحافي المعروف: «عليهم ان يكونوا مستعدين للعيش في العالم الواقعي حيث يتم تحدي اقوالهم». 
وتابع وودورد: «لقد اشتبكت مع كثيرين من المسؤولين (في حياتي)، ولكن لنفرض ان هناك مراسلا حديث العهد ولديه سنتان فقط، او عشر سنوات خبرة، ويرسل له البيت الابيض ايميلا يعلمه فيه انه سيندم على ما سيكتبه». وختم: «تعلمون ما سيحصل للمراسل الحديث العهد... يرجف، يرجف... لا اعتقد ان هذه طريقة تعاطي مقبولة».
وتفاعلت قضية وودوارد اعلاميا، وحاول بعض المؤيدين للادارة القول ان وودوارد اثار المواجهة بهدف الشهرة، ولكن تبرير من هذا النوع بدا انه يصعب تصديقه بحق واحد من اشهر صحافيي الولايات المتحدة. 
وفي وقت لاحق اطل وودوارد عبر البرامج التي يقدمها جمهوريون معروفون من امثال شون هانيتي على شبكة «فوكس» اليمينية، وبدا ان الصحافيين الاميركيين قاموا بتجاوز الانقسامات الحزبية وابدوا وحدة في المواجهة التي تخوضها السلطة الرابعة مع السلطة الاولى، والتي تبدو فيها الاخيرة خاسرة حتى الآن وفي موقف محرج.