الخميس، 30 مايو 2013

مسؤولون أوروبيون يتوقعون عدم انعقاد «جنيف - 2»

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
جريدة الراي

قال مسؤولون اوروبيون رفيعو المستوى انهم تبلغوا من نظرائهم الاميركيين استبعادهم انعقاد «مؤتمر جنيف»، الذي كان من المقرر ان يشارك فيه ممثلون عن بشار الاسد ومعارضيه، وكان من المرجح انعقاده منتصف الشهر المقبل.
وأوضح المسؤولون الاوروبيون لـ «الراي» ان الاميركيين ابلغوهم انهم باتوا غير مقتنعين أن موسكو صادقة في دعوتها الى التوصل الى حل سلمي، وانها تعلن ذلك من باب المناورة فقط، وان واشنطن «لم تحدد بعد ماهية الخطوات المقبلة الواجب اتخاذها، ولكنها تبدو اقرب الى تبني الدعوات القائلة بضرورة تسليح مقاتلي المعارضة».
ويقول الاوروبيون انهم بحثوا مع الاميركيين «فكرة تزويد الثوار 50 طنا من الاسلحة شهريا، بما في ذلك الصواريخ المضادة للدروع»، وان واشنطن «صارت مقتنعة بأنه لا مفر من تسليح المعارضين على نطاق واسع بشكل يقلب الموازين على الارض، شرط حصر التسليح بقائد الجيش السوري الحر الجنرال سليم ادريس والقوات الموالية له».
ومن المعروف انه، على رغم عدم تورط الاميركيين في تسليح المعارضين السوريين، الا ان ممثلين عن «وكالة الاستخبارات المركزية» يعملون منذ اليوم الاول لبدء عمليات تسليح الثوار السوريين بالتأكد من هويات هؤلاء واجنداتهم السياسية. لكن الحرص الاميركي لم ينفع، على ما يبدو، في منع وصول كميات من السلاح الى مجموعات متطرفة، بعيدا عن اعين الاستخبارات الاميركية وحلفائها.
وكان الاتحاد الاوروبي قد اعلن الاثنين رفع الحظر الذي كان مفروضا على توريد الاسلحة الى قوات المعارضة السورية، وهي خطوة دانتها موسكو ورحبت بها واشنطن، ما يشير الى مدى التناقض في الرؤية نحو الصراع والحل في سورية، بين العاصمتين.
وكان الناطق باسم الخارجية الاميركية باتريك فنتريل وصف القرار الاوروبي بأنه «يرسل رسالة الى الاسد مفادها ان الدعم الى المعارضة هو في طريقه الى ازدياد مضطرد».
المسؤولون الاوروبيون يعتقدون ان سبب التراجع الاميركي عن التمسك بمؤتمر جنيف سببه الشروط المتتالية التي اخذ الروس يفرضونها على مدى الاسابيع القليلة الماضية، والعقبات التي يضعونها بشكل متواصل بعد كل محاولة تقوم بها واشنطن لتذليل العقبات، الواحدة بعد الاخرى.
وينقل مسؤول اوروبي عن زميل اميركي له قوله: «وعدنا الروس اولا بتذليل عقبة اشتراط المعارضة خروج الاسد من الحكم قبل انعقاد المؤتمر وترك الامر للمؤتمرين للتحاور حوله والتوصل الى نتيجة، ثم قبلنا ان يشارك مسؤولون مقربون من الاسد في المؤتمر، ثم وافقنا على ضرورة كبح كمية الاسلحة المرسلة الى الجانبين».
وأوضح المسؤول انه في مقابل كل تنازل قدمه الاميركيون للروس، كانت موسكو تخرج عبر الاعلام بخطوات تصعيدية وشروط تعجيزية «فهي في يوم تريد تزويد الاسد بنظام صواريخ اس 300، وهي التي ارادت تزويد الايرانيين ثم تراجعت عنه. ثم جاء الينا الروس بشرط مشاركة الايرانيين في المؤتمر، مع ان الاتفاق الدولي كان يقضي بحصر اي حوار دولي مع ايران بملفها النووي الى حد انه عندما حاول الوفد الايراني تكرارا، اثناء المفاوضات النووية، الحديث حول سورية، قام المفاوضون الدوليون، والروس من بينهم، برفض التطرق الى الموضوع السوري وحصر المفاوضات بالشأن النووي فقط».
ويؤكد الاوروبيون ان من الافكار المتداولة بينهم وبين الاميركيين، والحلفاء العرب والاتراك، تقضي ايضا بضرورة تجنيد وتدريب الاف المقاتلين من الثوار السوريين، اما خارج سورية او على اراض سورية قريبة من الحدود مع تركيا او الاردن ويسيطر عليها الثوار. وتابع الاوروبيون ان مشاكل معقدة تتخلل هذه العملية «اولها ان عملاء الاسد يخترقون بعض صفوف الثوار منذ اليوم الاول، ما يتطلب حكما تكثيفا للعمليات الاستخباراتية المضادة للتأكد من عملية اختيار من سيشملهم الاعداد والتسليح».
ثانيا، يقول الاوروبيون، ان «مساحة المواجهة في سورية واسعة جدا وتتطلب مشاركة كل المقاتلين لفترات طويلة، وهو ما يجعل من الصعب خروج عدد منهم لفترات تصل الى اسابيع لتأهيل مهاراتهم القتالية وتدريبهم».
الافكار المطروحة لدعم الثوار السوريين لقلب الوضع على الارض داخل سورية تبدو كثيرة، ويبدو ان العواصم الاوروبية وواشنطن صارت تتشارك والعواصم العربية وانقرة بضرورة تسليح الثوار كحل ضروري ممكن ان يشكل مقدمة لمفاوضات وحلول ديبلوماسية في وقت لاحق.
بكلام آخر، يبدو ان وزير الخارجية الاميركي جون كيري عاد الى فكرته الاساسية القائلة بوجوب تغيير «حسابات الاسد» وجعله «يقرأ الكتابة على الحائط» من ان لا مستقبل له في سورية، لا بمؤتمر ولا من دون مؤتمر.
وان صحت التوقعات الاوروبية بعدم انعقاد المؤتمر، تكون عواصم العالم المتحالفة قد اتخذت قرارا بالخوض في مواجهة ضد موسكو وطهران في سورية، اما تفاصيل هذه المواجهة وتنفيذها على الارض، فسيتطلب لا شك ما هو اكثر من مباحثات بين هذه العواصم، ولن تظهر اثاره قبل اسابيع، او حتى اشهر، على الوضع القتالي في الداخل السوري.





السبت، 25 مايو 2013

أداء «حزب الله» المتعثر في القصير يلفت الأنظار في واشنطن

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في مايو من العام 2008، تداعى نفر من الديبلوماسيين والمحللين الاميركيين الى اجتماع عاجل في وزارة الخارجية وحاولوا تحديد موقع قرية لبنانية لم يكن معظمهم سمعوا باسمها: مرستي.
كيف تمكنت قرية لبنانية متواضعة من الحاق هزيمة نكراء بما يسمى بـ «قوات النخبة» لـ «حزب الله»؟ 
بادر احد المحللين الى القول ان «مقاتلي الغالبية الدرزية في تلك القرية معروف عنهم البأس في القتال»، فيما قال ثان ان «الحظ ممكن انه لعب دورا اساسيا»، واعتبر ثالث ان «الطريق يصل الى مرستي وينتهي هناك، ما يجعلها قرية نائية ويجعل القتال فيها مفاجأة لاي قوة غازية».
ومن المشاركين في الاجتماع من اعتبر ان «الارض كانت في مصلحة المدافعين عن قريتهم، وتاليا ضد مصلحة حزب الله». ختاما، تحدث احد ابرز المحللين العسكريين الاميركيين وقال: «ربما حزب الله لا يتمتع بالقوة التي يدعيها».
منذ نهاية الحرب مع اسرائيل في صيف 2006 وواشنطن تراقب عن كثب وعبر اقمارها الاصطناعية، سرا وعلنا، اعادة «حزب الله» تدريب مقاتليه وتسليح نفسه. 
القوة الصاروخية للحزب جاءت دائما في صدارة الاهتمام الاميركي: نوعية الصواريخ التي يمتلكها والتي يحاول ان يحصل عليها من ايران عبر سورية، وكذلك عدد المقاتلين في الحزب ممن تم تدريبهم في سورية على استخدام هذه الصواريخ. في الدرجة الثانية، اهتمام اميركي متواصل للجوانب الاخرى لقوة الحزب وعلاقته بايران، ونفوذه داخل لبنان على المستويات المتعددة: الامنية، ثم السياسية، فالاجتماعية. 
اما اهم ما تسعى واشنطن الى رصده باستمرار فهو النشاط المالي للحزب، وخصوصا عبر القطاع المصرفي اللبناني وعبر الانتشار اللبناني حول العالم. وغالبا ما يتصدر موضوع ضرورة عزل «حزب الله» عن القطاع المصرفي اللبناني لقاءات الوفود الرسمية الاميركية التي تزور العاصمة اللبنانية وتلتقي المسؤولين فيها. 
وفي الموضوع المالي كذلك، تعتقد واشنطن ان «حزب الله» يساعد طهران على تجاوز العقوبات الدولية المفروضة عليها بسبب نشاطاتها النووية، وهو ما يدفع الولايات المتحدة الى المزيد من التشدد في مراقبة النشاط المصرفي للاثنين، «حزب الله» وايران، وحلفائهما في لبنان.
ويقول مراقبون اميركيون انهم غالبا ما يرصدون التقارير التي تنشرها «الراي» حول نشاطات «حزب الله» العسكرية والسياسية، وكان ابرزها في الفترة الاخيرة الزيارة التي قام بها الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله الى ايران ولقائه مرشد الثورة الايرانية علي خامنئي. 
كذلك، تقول هذه المصادر انها تابعت عبر «الراي» التفسيرات التي اطلقها مسؤولون في «حزب الله» حول سبب الارتفاع في عدد الضحايا في صفوف مقاتلي «حزب الله» اثناء الايام الاولى لهجوم هؤلاء على القصير السورية في محاولة لانتزاعها من ايدي الثوار السوريين.
المصادر نفسها تعتقد ان «حصر خسارة حزب الله هذا العدد المرتفع من مقاتليه بالالغام الارضية وحدها لا يكفي»، وانه «لا بد من ان الثوار في القصير اعتمدوا مزيجا من الاساليب تتضمن الالغام الارضية، وقصف عبر المدفعية الخفيفة مثل الهاون، واستخدام القناصة، واللجوء الى عمليات مطاردة كرّ وفرّ». 
على ان الانطباع العام السائد في العاصمة الاميركية هو ان الاعلام الموالي للرئيس السوري بشار الاسد ولـ «حزب الله» بالغ في وصف سير المعارك لمصلحته. «ربما كانوا متأكدين من حسمهم المعركة ما دفعهم الى الحديث مسبقا عن حسم لم يأت»، حسب المصادر الاميركية، «او انهم حاولوا استخدام الاعلام كجزء من الحرب النفسية ضد الثوار ومؤيديهم».
كبير الباحثين في «مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات» توني بدران قال للـ «الراي» انه «في الماضي، ربما بالغت عواصم العالم في تقدير قوة حزب الله القتالية، او انها كانت ببساطة مخطئة». وتابع انه «حتى لو نجح الحزب في اخذ القصير، من غير الواضح من الذي سيبقيها تحت سيطرته، فهل يتحول الى قوة احتلال لبنانية في حمص، ويبقي مقاتليه فيها، مع ضرورة المحافظة على خطوط الامداد لهم من لبنان؟» 
هذه المشكلة، حسب بدران، «واجهتها قوات الاسد على مدى السنتين الماضيتين، اذ هي غالبا ما تنجح في الاستيلاء على مساحات من الاراضي من الثوار، ولكن ليس لديها العدد الكافي للمحافظة على هذه المساحات». 
بدران اضاف انه «في وقت يرسل حزب الله المزيد من التعزيزات وقوات النخبة الى سورية، على ايران ان تقلق كيف ساهمت الاحداث في سورية في ابراز ضعف القوة القتالية لهذا الحزب على يد الجيش السوري الحر، الذي كان يفترض ان ينجح حزب الله في القضاء عليه بسهولة». 
وختم بدران: «ان كان الايرانيون اساءوا تقدير قوة حزب الله في مواجهة خصم مثل الجيش السوري الحر، لا نعرف ما هي ادوات القوة الايرانية الاخرى التي تسيء ايران في تقديرها كذلك».

أوباما يمر بأقسى أزمة سياسية منذ انتخابه ... ويحكم حسب استطلاعات الرأي

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

الرئيس باراك اوباما يحكم حسب استطلاعات الرأي. لم يتحرك عسكريا في سورية لعلمه ان حركة من هذا النوع لا تلقى رواجا بين الاميركيين. كما يحرص الرئيس الاميركي على ابعاد نفسه عن الفضائح. عندما تكلم آمر القوات في افغانستان الجنرال ستانلي ماكريستال ضد الادارة، عزله أوباما. وعندما انتشرت انباء عن المغامرات الجنسية لمدير «وكالة الاستخبارات المركزية» الجنرال دايفيد بترايوس، طلب الرئيس منه الاستقالة وقبلها. اما عندما شن الجمهوريون هجوما ضد مرشحته الى منصب وزيرة الخارجية سوزان رايس، تخلى عنها الرئيس الاميركي بطرفة عين.
ويبدو ان حرص أوباما على سمعته دفعه الى اقفال ابواب ادارته وتحويلها الى قلعة عصية على الصحافيين، حتى على كبارهم من امثال بوب وودوارد، الكاتب الذي كشف فضيحة «ووتر غايت» التي اطاحت بالرئيس الراحل ريتشارد نيكسون. وكان وودوارد تعرض أخيرا لما يشبه التهديد بعزله عن مصادر معلوماته من احد المساعدين للرئيس الاميركي بعدما اصرّ الصحافي على نشر مقالة يحمّل فيها اوباما، بدلا من الجمهوريين، مسؤولية سياسة التقشف.
وفي الوقت نفسه، يعلم كل صحافي في واشنطن عاصر عهد الرئيس السابق جورج بوش ان الادارة السابقة كانت اكثر انفتاحا على الصحافيين. وزراة الخارجية، مثلا، كانت تعقد بشكل دوري لقاءات بين مسؤولين رفيعي المستوى وصحافيين للحديث عن شتى الامور، شرط عدم ذكر اسماء المسؤولين.
اليوم، حتى وزارة الخارجية لم تعد في موقع القرار في السياسة الخارجية التي صارت تنحصر بأيدي نفر قليل من المقربين من الرئيس في «مجلس الامن القومي». حتى داخل اروقة البيت الابيض، هناك حالة اطباق على المعلومات وتسريب من الاخبار ما يتناسب واجندة اوباما فقط.
وفي هذا السياق، لاحظ الخبراء انه حتى جاي كارني، الناطق باسم البيت الابيض، ليس من مجموعة النخبة المحيطة بأوباما، ما يجعله يقف في وجه الصحافيين للدفاع عن سياسات غالبا هو ليس على علم كامل بتفاصيلها. اما ما يثبت المزاعم بأن كارني هو خارج دائرة القرار فجاء في سلسلة الايميلات التي تبادلها مسؤولون في الادارة، في البيت الابيض والخارجية ووكالة الاستخبارات، حول صناعة والموافقة على «نقاط الكلام» التي تم تزويدها للمسؤولين للتعليق على احداث هجوم بنغازي في 11 سبتمبر. ويظهر جليا في تلك الرسائل ان كارني لم يكن مشاركا بالنقاش حول موضوع الهجوم، ولكنه مع ذلك انبرى فيما بعد للدفاع عن تعاطي الادارة معه.
الاطباق على المعلومات هذا وابقاؤه خارج متناول الصحافيين لا يبدو انه كاف من وجهة نظر ادارة اوباما التي يبدو انها تسعى الى ملاحقة الصحافيين قضائيا، فالحكومة الاميركية الحالية، والتي تقدم النصائح لحكومات العالم، مثل الكويت، حول ضرورة عدم ملاحقة الصحافيين والافساح لهم بالتعبير عن رأيهم بغض النظر عن مضمونة، يتضح انها اكثر حكومة في تاريخ الولايات المتحدة التي عمدت الى ملاحقة الصحافيين.
وتشير الارقام الى انه منذ صدور قانون مكافحة الجاسوسية العام 1917، وحتى وصول اوباما الى الحكم في 2008، قامت الحكومات الاميركية المتعاقبة بمحاكمة ثلاثة صحافيين فقط بتهمة افشاء اسرار الامن القومي. في عهد أوباما وحده، بلغت عدد الملاحقات الحكومية القضائية بحق الصحافيين ستة، بتهم افشاء اسرار الامن القومي، منها اثنتان ظهرتا الى العلن في الاسبوعين الاخيرين، كانت الاولى بحق وكالة انباء «اسوشيتد برس» بعدما نجحت الاخيرة في الانفراد بقصة حول خطة تنظيم «القاعدة» في اليمن ارسال عبوة متفجرة عبر البريد في طائرة في طريقها الى الولايات المتحدة.
وبعد صدور المقالة، سمحت وزارة العدل للمحققين بالتجسس على المكالمات الهاتفية لعدد من المحررين والكاتبين من الوكالة، اضافة الى شخصين من البيت الابيض، على مدى شهرين، وهو ما اثار زوبعة من الانتقادات في البلاد ضد الحد من حرية الصحافة.
اما في الواقعة الثانية، فقام «مكتب التحقيقات الفيدرالي» (اف بي آي) بمراقبة الصحافي في شبكة «فوكس نيوز» التلفزيونية اليمينية جايمس روزن، ومراقبة حركة دخوله وخروجه الى مبنى وزارة الخارجية، كما مراقبة حركة مكالماته الهاتفية لتحديد هوية من يقوم بتسريب المعلومات له حول سياسات تتعلق بكوريا الشمالية.
ثم قامت النايبة العامة بالادعاء على روزن بتهمة افشاء اسرار الامن القومي، وهو ما اثار كذلك عاصفة من ردود الفعل ضد ادارة اوباما قادها الديموقراطيون من مؤيديه قبل الجمهوريين من معارضيه.
الهجوم الاعلامي ضد ممارسات فريق اوباما بحق الصحافيين اجبرت الرئيس الاميركي على التراجع، فأطل كارني امام الاعلاميين في البيت الابيض ليقول ان الرئيس يؤمن بأنه من غير المسموح ملاحقة اي صحافي بأية تهمة جنائية اثناء تأديته عمله، وهو ما اثار تهكم بعض المعلقين من امثال دانا ميلبانك، الذي كتب في صحيفة «واشنطن بوست» انه على «الرئيس الاميركي ان يقول ذلك للأف بي آي».
ولم تتخلف صحيفة «نيويورك تايمز»، المؤيدة عادة لاوباما والديموقراطيين، في هجومها على الرئيس الاميركي، فكتبت في افتتاحية ان «قضية روزن تأتي في اعقاب مؤشرات اخرى على ان الادارة تمادت في عثورها على، وتكميمها، مصادر الاخبار داخلها».
وجاء في الافتتاحية ان «المسؤولين في ادارة اوباما يتحدثون عن التوفيق بين حماية الاسرار وحماية الحريات الدستورية لاعلام حر، ولكن اتهام صحافي بأنه متواطئ في مؤامرة، بالاضافة الى سرية التحقيقات، تظهر انحيازا فاضحا عند الادارة لمصلحة السرية وعدم الاكتراث بالاعلام الحر».
وترافقت الفضائح بحق الاعلاميين مع ظهور تقارير حول قيام وكالة الضرائب باستهداف مجموعات يمينية دون غيرها، يضاف الى ذلك اصرار الجمهوريين على ملاحقة اوباما وادارته في قضية ما يسمونه «تغطية على الفشل» في التعاطي مع هجوم بنغازي.
ومايزيد في الطين بلة، ان الفضائح تبدو وكأنها اخذت أوباما وادارته على حين غرة، ففي موضوع الضرائب، قال اوباما انه سمع بالامر من الاعلام مثل كل الاميركيين، ليتبين في ما بعد ان البيت الابيض كان يعرف بالموضوع منذ ابريل، وهو ما دفع بعض اعضاء الكونغرس الى تكرار عبّارة «نريد ان نعرف من كان يعرف ماذا ومتى»، وهي عبارة ذاع صيتها اثناء التحقيقات التي اطاحت برئاسة نيكسون، فاذا كان اوباما يعلم واخفى ذلك فمشكلة، واذا كان فريق اوباما يعلم فيما الرئيس لا يعلم، فهي مشكلة كذلك تشير الى عدم سيطرة الرئيس على مفاصل حكمه.
باراك أوباما يمر بأقسى ازمة سياسية يتعرض لها منذ انتخابه رئيسا. الارجح ان هذه الازمة لن تؤدي الى الاطاحة برئاسته، على غرار نيكسون، ولكن من شبه المؤكد انها شوهت اسطورته والتاريخ الذي سيكتب عن عهده، وهو موضوع يهم أوباما كثيرا، ولكن لسوء حظه يبدو انه لا يسير على حسب رغبات الرئيس الاميركي.

الأربعاء، 22 مايو 2013

أوباما لأردوغان: أنت كنت ضد التدخل في ليبيا بينما كان القذافي يفعل ما يفعله الأسد الآن

| اسطنبول - من حسين عبدالحسين - واشنطن - «الراي» |

في تركيا خيبة امل عميقة من لقاء رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان والرئيس الاميركي باراك اوباما في واشنطن، الاسبوع الماضي. سورية استهلكت معظم وقت اللقاءين، الرسمي نهار الخميس والعشاء ليلا، وحاول الزعيم التركي شرح موقف بلاده لنظيره الاميركي بالقول ان الازمة السورية تشكل اكبر تحد لتركيا منذ عقود، وان انقرة تطلب من واشنطن «كعاصمة صديقة حليفة، ممارسة دور اكبر للمساهمة في تغيير الوقائع القتالية» على الارض السورية. 
«لكن اوباما تمسك بتصلبه واصراره على حصر الدور الاميركي بنقطتين: المساعدات الانسانية للاجئين السوريين والدول التي تؤويهم، والسعي الديبلوماسي من اجل رعاية حوار سوري يفضي الى وقف القتال والتوصل الى حل»، حسب مسؤول تركي رفيع مقرّب من مشاركين في لقاءات واشنطن. 
بدورها، أكدت مصادر أميركية لـ «الراي» الموقف الاميركي حسب الرواية التركية.
المسؤول التركي قال ان اردوغان اشار بلباقة الى «التذبذب» في الموقف الاميركي، واضاف متوجها الى اوباما اثناء العشاء، الذي حضره ايضا وزيرا خارجية البلدين الاميركي جون كيري والتركي داود اوغلو، بالقول، وهو يدل على كيري من دون ان ينظر اليه، ان كيري سبق ان وعده ان الخطة الاميركية في سورية تقضي «بتغيير الوقائع العسكرية على الارض لمصلحة المعارضة، حتى يقرأ بشار الاسد الكتابة على الحائط ويدرك ان لا افق لبقائه، وان الحل الانسب له هو الخروج» من السلطة.
وتابع اردوغان متوجها الى أوباما: «اليوم حديثكم مختلف، واختفت الكتابة على الحائط، وصار التركيز على مؤتمر في جنيف سيحضره اركان الاسد وهم يعتقدون ان موقفهم العسكري قوي وان بامكانهم الاستمرار، ما يعني انهم لن يقدموا اي تنازلات»، تابع اردوغان.
ثانيا، اشار اردوغان الى تراجع واضح لاوباما عن «الخطوط الحمر التي وضعها في حال اقدام نظام الاسد على الاسلحة الكيماوية». واردف الزعيم التركي ان «الحلفاء المطالبين برحيل الاسد صارت مصداقيتهم في الحضيض بسبب التذبذب الاميركي، وانه كان من الافضل لو لم تأخذ اميركا اي موقف على ان تتخذ مواقف وتتراجع عنها في ما بعد».
وختم رئيس الحكومة التركي مطالعته امام اوباما بالقول ان «مصداقية تحالف الاطلسي تتعرض للاهتزاز كذلك، فتركيا دولة عضو في التحالف، وهي تعرضت لهجوم واضح (تفجير الريحانية) من قبل الاسد، ولم يهب التحالف للدفاع عنها». 
ما لم يقله المسؤول التركي سمعته «الراي» من مسؤولين اميركيين افادوا صحة الرواية التركية، ولكنهم اضافوا اليها ان اوباما رد بقسوة على اردوغان، قائلا ان «تركيا لم تلتزم يوما بمواقف التحالف (الاطلسي) التي لا تتناسب ومصالحها القومية»، وانها وقفت «ضد الحرب في ليبيا على الرغم من تعرض مدنيين لمجازر على يد قوات معمر القذافي على غرار ما يفعله الاسد». واضاف اوباما انه «حتى في العام 2003، اقفلتم قاعدة انجيرليك (في تركيا) في وجه القوات الاميركية اثناء الحرب في العراق». 
واعتبر اوباما ان «تحالف الاطلسي متين، ولكن كل دولة تتصرف ضمن مصالحها، خصوصا ان لم تكن اي من الدول الاعضاء تتعرض لخطر امني داهم يتطلب تحرك التحالف بشكل مشترك للدفاع عنها».
وتابع اوباما ان «الولايات المتحدة مستعدة للمشاركة في اي عمل عسكري متعدد للدفاع عن تركيا في وجه اي خطر، سوري او غيره، ولكن اميركا لن تفعل ذلك بمفردها، وستتصرف كدولة عضو، فان تحرك التحالف، اميركا مستعدة للتحرك». بكلام آخر، يقول المسؤول الاميركي، لمح اوباما الى ان «ليست كل مشكلة في العالم مشكلتنا، ولكننا مستعدون للمساهمة ضمن اطار التحالفات الدولية او الامم المتحدة».
وختم اوباما بحض اردوغان على استخدام علاقاته بموسكو من اجل تغيير موقفها في سورية، وقال اوباما: «علاقاتنا بـ (الرئيس الروسي) فلاديمير (بوتين) ليست في احسن احوالها، اما انتم، فمصالحهم التجارية معكم كبيرة، وربما يمكن لكم التأثير في قراراتهم ذات الشأن».
في وسط التصلب الاميركي والاصرار على عدم القيام بخطوات من شأنها ان تؤدي الى تغيير في الوضع السوري، يقول المسؤول التركي ان بلاده صارت «تعول على بناء تحالف اقليمي من شأنه ملء الفراغ الذي يتركه غياب واشنطن».
في هذا السياق، تأتي زيارة ولي العهد السعودي الامير سلمان بن عبدالعزيز الى تركيا، امس، بدعوة من الرئيس التركي عبدالله غول.
ويقول المسؤول التركي ان «تركيا والسعودية تعملان على معالجة الازمة السورية واجبار الاسد على الخروج من الحكم كمقدمة للدخول في حوار وطني والبحث عن حلول لمرحلة ما بعد الاسد».
وختم المسؤول التركي بالقول ان «الافكار المطروحة للنقاش بين البلدين حول الازمة السورية كثيرة»، وان «انقرة ستبلغ الرياض عن فحوى لقاءات اردوغان في واشنطن»، وانه «بعد الزيارة الى اميركا، صارت تركيا تعول على تحالفاتها الاقليمية من اجل التعاطي مع الازمة السورية».


الأربعاء، 15 مايو 2013

فضيحة أميركية: المبنى الذي هوجم في بنغازي كان منشأة سرية لـ «سي آي اي» وليس قنصلية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

مازال الجمهوريون في وسط هجومهم السياسي ضد الرئيس باراك اوباما وحزبه الديموقراطي، خصوصا مرشحته المتوقع للعام 2016 وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، لتحميلهم مسؤولية ما يصفونه فشلا في مواجهة هجوم بنغازي في 11 سبتمبر الماضي، حتى انكشف ما حاولت الحكومة الاميركية ابقاءه طي الكتمان حتى اليوم: قنصلية بنغازي لم تكن قنصلية، بل منشأة تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي اي)، كانت تستخدمها كمقر لعملية جمع الصواريخ المضادة للطائرات والمحمولة على الكتف، والتي انتشرت في ليبيا على شكل واسع بعد انهيار نظام معمر القذافي.
السفير كريس ستيفنز، صادف وجوده ذلك اليوم في المبنى المذكور، الذي يبدو ان القيمين عليه عمدوا الى ابقائه من دون حراسة مشددة تفاديا للفت الانظار اليه، عندما تعرض المبنى لهجوم بقذائف الهاون، تلاه اجتياح للمبنى واحراقه، ما ادى الى مقتل ستيفنز. 
ولأن المبنى لم يكن خاضعا لوزارة الخارجية الاميركية، فهو لم تشمله الحماية التي تقدمها حكومة الدولة المضيفة، الليبية في هذه الحالة. ولأن المبنى كان تابعا للـ «سي آي اي»، لم تجرؤ الحكومة الاميركية على تحميل نظيرتها الليبية مسؤولية حمايته، ولم تطلب منها صراحة الدفاع عنه ليلة الهجوم، بل حاولت ارسال نفر من القوات الخاصة المولجة حماية القنصلية الاميركية الفعلية، التي تبعد قرابة كيلومتر ونصف الكيلومتر، لسحب ستيفنز واتلاف اي وثائق او كومبيوترات تابعة للاستخبارات الاميركية والتي من شأنها ان تكشف هوية بعض العملاء المحليين وتعرض حياتهم للخطر.
ويبدو ان «وكالة الاستخبارات المركزية» الاميركية كانت مدركة للمخاطر المحيطة بأمن المبنى التابع لها في بنغازي، وهي رصدت في الاسابيع التي سبقت الهجوم 5 هجمات مشابهة، وان على صعيد اصغر، قامت بها مجموعات متطرفة، يعتقد ان من بينها المدعوة «انصار الشريعة»، والتي يعتقد ان ناشطين منها هم من نفذوا الهجوم، المخطط مسبقا، ليلة 11 سبتمبر.
ولأن واشنطن كانت تعمل على جمع الصواريخ المضادة للطائرات، فهي خشيت ان تقوم بارسال مقاتلات او مروحيات للدفاع عن مبنى الاستخبارات في بنغازي، لأن الاميركيين لا «يسيطرون على المجال الجوي»، ما يعني ان اي غارة جوية يقومون بها قد تتعرض لنيران أرضية، اما تجبرها على التحليق عاليا، او تعرضها لخطر السقوط في حال اصرت المقاتلات على التحليق على علو منخفض للمشاركة في المعركة.
كل هذه الوقائع العسكرية قيدت يدي واشنطن في ساعات وقوع الهجوم. ومع ان اوباما وكلينتون وكبار المسؤولين العسكريين تابعوا أحداثه، الا ان الجنرالات رفضوا ارسال اي تعزيزات لاعتقادهم بأنها ستصل متأخرة، وبأنها ستكون عرضة للخطر، ما دفعهم الى محاولة احتواء الوضع بارسال مقاتلين محليين لم ينجحوا في قلب الموازين، بل تحولوا انفسهم الى ضحايا.
كل هذه الوقائع كانت واضحة وضوح الشمس امام أعين اوباما وكبار مسؤوليه المدنيين والعسكريين، لكنهم لم يستطيعوا الحديث عنها علنا خوفا من الحرج الذي سيطالهم لان لا مبنى الاستخبارات موجود رسميا، ولا اميركا كانت بلغت حلفائها الليبيين عن نشاطاتها السرية في بنغازي، ولا هي كانت تنوي فضح طبيعة العملية التي تقوم بها هناك.
لكن الحزب الجمهوري رأى في الواقعة فرصة كبيرة لتحقيق مكاسب سياسية على حساب الديموقراطيين، فكان اول الجمهوريين مرشحهم ميت رومني، الذي حاول احراج اوباما باتهامه بأنه لم يعمد الى اطلاق كلمة «ارهابي» على الهجوم في اليوم التالي لوقوعه، ليتضح في ما بعد ان رومني كان مخطأ. 
وفي وقت لاحق، اتهم كبار اعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين سفيرة اميركا في الامم المتحدة، والمرشحة حينذاك الى منصب وزيرة خارجية، بالتستر عما حدث -- اثناء مقابلة تلفزيونية -- وقلب الوقائع في محاولة كذب على الاميركيين. ونجح الجمهوريون اثر ذلك في نسف ترشيح رايس.
الاسبوع الماضي، وبعد مرور اكثر من 8 أشهر على الواقعة، ظل يعتقد الجمهوريون انه يمكنهم استغلال الحادثة لتشويه صورة اوباما سياسيا، وخصوصا صورة كلينتون، الوزيرة في حينه والمرشحة مستقبلا.
وفي هذا السياق، نظم رئيس «لجنة الاعتمادات» في الكونغرس، العضو الجمهوري من اصل لبناني عن ولاية كاليفورنيا، داريل عيسى جلسات استماع، شارك في ابرزها الرجل الثاني سابقا في ليبيا بعد ستيفنز، غريغ هيكس. ومع ان الاخير المح الى محاولة الادارة ابقائه بعيدا عن اعضاء الكونغرس للتعمية على الوقائع، الا ان شهادته لم تأت بتأثير سلبي على اوباما وادارته كما كان يأمل الجمهوريون.
لكن تقارير صحافية نشرها مقربون من الحزب الجمهوري كشفت عن ايميلات تبادلها مسؤولون في ادارة اوباما على اثر الحادث، تظهر انشقاقا كبيرا بين الخارجية والـ«سي آي اي»، حول النقاط التي يمكن كشفها للعامة. في هذه التقارير، ظهرت «عملية تنقيح» متبادلة بين الوكالتين، وظهرت كذلك محاولة تبادل القاء اللوم بينهما، وهذه افضت بدورها الى اعتماد رواية مبهمة طرحت اسئلة اكثر من تقديمها اجابات. نقاط هذه الرواية هي التي استخدمها فيما بعد مسؤولو الادارة، وعلى رأسهم رايس، تعليقا على هجوم بنغازي.
وفي السياق نفسه، اخذ الناطق باسم البيت الابيض جاي كارني يؤكد ان الادارة لم تعمد الى اجراء اي «عملية تنقيح» لتقرير بنغازي الصادر عن وكالات الاستخبارات، عدا استبدال كلمة «قنصلية» بـ «منشأة ديبلوماسية». وقتذاك، لم يكن مفهوما السبب وراء هذا الابهام او الفرق بين الاثنين او المقصود بالتنقيح، لكن اليوم، صار معروفا ان التغيير كان سببه رفض الخارجية، والمرشحة كلينتون من وراءها، تحمل مسؤولية امن مبنى لم يكن يوما في عهدتها.
وفي خضم الحملة السياسية ضد اوباما، وجد الجمهوريون انفسهم في مواجهة وكالات تتمتع بنوع من الاستقلالية، فالجنرالات رفضوا الاغاثة على عكس تعليمات الخارجية، والحماية للمبنى لم تكن مسؤولية الخارجية او كلينتون لان المبنى لا يتبع لهم، والـ سي آي اي» تعمل بنوع من الاستقلالية عن الادارة نظرا لسرية عملها، ورئيسها في ذلك الوقت كان من الجمهوريين وبطل حرب العراق الجنرال دايفيد بترايوس. ثم ان الاصرار على تحديد المسؤوليات ساهم في كشف عملية استخباراتية سرية كانت تجري لمصلحة الامن القومي الاميركي، وهي سرية يدعمها الجمهوريون من دون تحفظ، ولكنهم وجدوا انفسهم يكشفونها عن غير قصد.
الجدال السياسي الاميركي اباح المحظورات، وهو ما حمل بعض كبار الجمهوريين الى التراجع عن موضوع هجوم بنغازي بهدف عدم كشف المزيد من اسرار الامن القومي. 
لكن مع تراجعهم، وجد الجمهوريون ان «وكالة عائدات الضرائب» عمدت الى استهداف المجموعات اليمينية والمحافظة بنوع من الكيدية السياسية، وهو ما اثار فضيحة اخذت تطغى على موضوع بنغازي، ولكن بعدما انكشف ان وراء الاكمة ماوراءها.

الاثنين، 13 مايو 2013

هيغل: مرسي أبلغني التزامه معاهدة «كامب ديفيد»

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

قال وزير الدفاع الاميركي تشاك هيغل ان الرئيس المصري محمد مرسي ووزير الدفاع عبد الفتاح السيسي شددا امامه على التزامهما معاهدة كامب دايفيد للسلام مع اسرائيل، وان الحكومة المصرية تعمل على «تحسين التعاون في امن الحدود وسيناء»، وان واشنطن «تعمل مع المصريين لمساعدتهم على تحسين قدراتهم في التعاطي مع هذه التحديات، وفي مكافحة الارهاب». 
كلام المسؤول الاميركي، اول من امس، جاء اثناء اختتام مؤتمر سوريف السنوي الذي يعقده «معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى». 
هيغل افتتح خطابه باقتباس مقولة الباحث من الحزب الجمهوري روبرت كابلان بأن «الشرق الاوسط اليوم هو خريطة من القرون الوسطى حيث الحدود ليست معروفة بوضوح او بدقة»، فيما المنطقة هي عبارة عن «عالم حيث ظلال النفوذ غامضة ومتضاربة».
وقال هيغل ان تصاعد العنف في سورية يهدد بالتمدد عبر حدودها الى الدول المجاورة، معتبرا ان «دعم ايران لنظام الاسد وحزب الله اللبناني، ونشاطاتها المزعزعة للاستقرار في منطقة الخليج، وطموحاتها النووية، تشكل خطرا واضحا على مصالح الولايات المتحدة». واضاف: «في نفس الاثناء، حتى لو تم اضعاف مقدرات تنظيم القاعدة بشكل كبير في السنوات الاخيرة، الا ان تنظيمات متحالفة معه مثل جبهة النصرة تسعى الى ايجاد موطئ قدم جديد في المنطقة».
وتحدث الوزير الاميركي مطولا عن التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة واسرائيل، وكذلك بين الولايات المتحدة ومصر، وقال ان احدى اهم العلاقات الدفاعية الاميركية «هي شراكتنا الدفاعية مع مصر، فعلاقة الجيش مع الجيش لعبت دورا اساسيا في تثبيت الاستقرار في مصر اثناء الثورة». واضاف: «اثناء زيارتي القاهرة، اجتمعت مع الرئيس مرسي ووزير الدفاع السيسي من اجل تأكيد التزام اميركا المستمر بشراكتنا الاستراتيجية، والتعبير عن رغبتنا في العمل سوية من اجل التوصل الى اهداف امنية مشتركة، وهذه تتضمن مكافحة التطرف، وضمان امن حدود مصر ومنطقة سيناء، والحفاظ على اتفاقية سلام كامب دايفيد مع اسرائيل، ودعم العملية الانتقالية الديموقراطية في مصر».
وتابع الوزير الاميركي ان «مرسي والسيسي شددا على التزامهما معاهدة سلام كامب دايفيد، وعلى تحسين التعاون في امن الحدود وسيناء»، وقال: «فيما يعمل الرئيس مرسي والحكومة المصرية على تطبيق الاصلاحات السياسية والاقتصادية، سيجدا في الولايات المتحدة شريكا قويا، وهو ما شدد عليه الرئيس (باراك) اوباما ووزير (الخارجية جون) كيري».
وعن الاردن، قال هيغل انها كمصر، شريكة اساسية لبلاده في المنطقة. 
هيغل أكد التقارير التي تحدثت عن وجود عسكريين اميركيين في المملكة الاردنية، وقال ان «مئات موظفي وزارة الدفاع (الاميركية) يعملون مع نظرائهم الاردنيين على تفعيل امن حدود الاردن، وعلى مواجهة خطر الاسلحة الكيماوية». وتابع ان واشنطن تدعم كذلك «جهود الملك عبدالله (الثاني) في سعيه الى تحقيق اصلاحات سياسية واقتصادية داخل الاردن».
ثم انتقل هيغل الى الموضوع السوري، وقال ان محادثاته اثناء زيارته الاخيرة الى اسرائيل والاردن تركزت على سورية، وقال ان الصراع في سورية يتصاعد «ويصبح اكثر طائفية»، وان «فرص التقسيم في ازدياد، كذلك مخاطر التطرف وانتشار اسلحة الدمار الشامل»، فيما الوضع الانساني «يزداد سوءا». ولفت الى ان مساهمة بلاده في المساعدات الى السوريين بلغت 510 مليون دولار. 
وفي تصريح اشار فيه ضمنيا الى أن الجيش الاميركي على اتصال بالثوار السوريين، قال هيغل: «لقد قدمنا مساعدة غير فتاكة الى المعارضة السورية، بما فيها المسلحة، والدعم في ازدياد، والجيش الاميركي مشارك في تسليم هذه المساعدات».
وختم هيغل ان بلاده حثت روسيا والصين على فعل المزيد للمساهمة في حل الصراع، لان «في مصلحتهم ايضا انهاء الحرب»، معتبرا ان هدف بلاده هو «انهاء العنف، ومساعدة الشعب السوري على الانتقال الى سلطة ما بعد الاسد»، وهو ما «سيساعد في اعادة الاستقرار والسلام»، وهو «هدف نتشاركه مع حلفائنا في المنطقة، ليس الدول التي تجاور سورية فحسب، بل دول الخليج ايضا».


الخميس، 9 مايو 2013

وفي “فيس بوك” رقابة أيضا

حسين عبدالحسين

على أثر اجتماع عقدوه في منزل يقع على شارع كالوراما في وسط العاصمة الأميركية، خرج عدد من ممثلي أهم جمعيات المجتمع المدني وقد بدا التجهم على وجوههم. “وداعا فيس بوك” قال أحدهم، مضيفا “ من الآن فصاعدا، سنعلنها حربا على مارك زوكربرغ مؤسس وصاحب فيس بوك”.
الجمعيات المشاركة معروفة بالـ«تقدمية» وأبرزها «موف أون»، و«تقدميون متحدون»، و«كريدو»، و«ديمقراطية من أجل أميركا»، و«ديلي كوس» و«سييرا كلوب». ناشطو هذه الجمعيات هم عصب الحزب الديمقراطي، ويعزى إليهم فوز الرئيس باراك أوباما في حملتيه الرئاسيتين. ولكن لماذا قررت هذه الجمعيات مقاطعة زوكربرغ، المحسوب على الحزب الديمقراطي أصلا؟.
“فيس بوك”، موقع التواصل الاجتماعي الذي يعزى إليه الفضل الكبير في إشعال انتفاضات شعبية حول العالم منها ما عرف بـ«الربيع العربي»، رفضت إدارته إعلانا مدفوعا قدمته جمعية «كريدو» تنتقد فيه سياسة «فوروورد»، الجمعية السياسية التي أسسها زوكربرغ بالاشتراك مع كبار مديري المواقع العملاقة وأرباب ما يعرف بـ«السليكون فالي»، عاصمة صناعة التكنولوجيا الأميركية، من أمثال إريك شميدت من «غوغل»، وميريسا ماير من «ياهو»، وبيل غيتس من مايكروسوفت.

«فوروورد» هي جمعية حديثة التأسيس، تسعى إلى ممارسة الضغط السياسي على الكونغرس من أجل إقرار قانون للهجرة يسمح للولايات المتحدة بتسهيل عمل وإقامة الأدمغة الوافدة إلى البلاد من حول العالم. وكان زوكربرغ شخصيا افتتح الجمعية بنشره مقالا في «واشنطن بوست» كتب فيه أن جديه عملا ساعي بريد ورجل شرطة، مما سمح بحياة أفضل لوالديه اللذين تخصصا في الطب، مما سمح له بدخول هارفارد، وهي من أعرق الجامعات في العالم، ومن ثم قام بإنشاء الموقع الأسطوري «فيس بوك».

لكن بما أن زوكربرغ وجمعيته تورطا في السياسة، فهما يحاولان دعم أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين ممن يشاركون في صناعة قانون الهجرة الجديد.
قاعدة الحزب الجمهوري عموما معارضة لاستقبال أي مهاجرين جدد لاعتقادها أنهم «يسرقون فرص العمل من أمام الأميركيين»، مما يضع أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين في موقف حرج أمام مناصريهم ويهدد فرص إعادة انتخابهم، وتاليا تأييدهم للقانون. لكن زوكربرغ يحاول استخدام نفوذه وجمعيته من أجل دعم هؤلاء الأعضاء. عليه، قامت «فوروورد» ببث إعلانات حاولت فيها إظهار السيناتور ليندسي غراهام، مثلا، على أنه من أبرز الداعمين لقضايا الجمهوريين، مثل إنشاء أنبوب «كي إكس» للبترول بين كندا وأميركا، وهو موضوع يعارضه الديمقراطيون والجمعيات التقدمية.
هكذا، عندما وجدت «كريدو» أن زوكربرغ يدعم مواضيع تهم الجمهوريين من أجل الحصول على موافقتهم في مجلس الشيوخ حول قانون الهجرة، قامت بإنتاج إعلان خاص بها يهاجم، لا موضوع أنبوب «كي إكس» فحسب، بل زوكربرغ نفسه.

ولأن «كريدو» اعتادت على نشر إعلاناتها المدفوعة على موقع «فيس بوك»، فهي حاولت هذه المرة فعل الشيء نفسه، لكن إدارة الموقع رفضت الإعلان المعارض لزوكربرغ وسياساته، وعللت رفضها بالقول إن الإعلان «يستخدم صورة مارك، وهو يتعارض مع سياسات الموقع المنشورة سلفا».
هكذا، اندلعت الحرب بين زوكربرغ وجمعيته وموقعه من ناحية، والجمعيات التقدمية من ناحية أخرى، فقررت الأخيرة شن حملة مقاطعة ضد موقع «فيس بوك»، أولا بوقفها جميع إعلاناتها المدفوعة في الموقع، وثانيا بشنها حملات بين مناصريها لحثهم على إغلاق حساباتهم الشخصية في الموقع.

لا نتوقع أن تؤدي مقاطعتنا إلى إفلاس زوكربرغ أو (فيس بوك)، لكننا نسجل اعتراضنا على الرقابة التي يمارسونها ضد الآراء التي لا تتوافق معهم على الموقع، يقول نيك باروت أحد الناشطين المشاركين في الاجتماع لكاتب هذه السطور. ويضيف باروت “هناك خط رفيع بين (فيس بوك) الشركة التي يملكها زوكربرغ، و(فيس بوك) الموقع الاجتماعي الذي صنعه المشتركون به والذين يحق لهم التعبير عن رأيهم حتى لو لم يعجب رأيهم مارك”.
أذكّر باروت بأن فضل الموقع كبير في قضايا عديدة متعلقة بحقوق الإنسان والحريات، فيجيب إما الحرية لجميع الآراء، أو أنها حرية انتقائية وصاحبة أجندة، وتاليا لا يحق لأحد وصفها بحرية رأي.

كيري يرغب في لقاء الأسد... لإقناعه بالتنحي

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

علمت «الراي» من مصادر في الكونغرس ان وزير الخارجية جون كيري قال في دردشة غير رسمية مع احد الاعضاء انه يعتقد انه لو قيض له لقاء الرئيس السوري بشار الاسد، لتمكن من اقناعه بالتخلي عن السلطة، والسماح تاليا ببدء عملية انتقال سياسية سلمية من دونه. 
تصريحات كيري تتناسب وسياق مواقفه، ومواقف الرئيس باراك اوباما والحزب الديموقراطي عموما، التي انقلبت في الايام الاخيرة من مشككة في جدوى اي تدخل عسكري اميركي في سورية الى معارضة لاي احتمال تدخل، في وقت يزور وزير الخارجية موسكو في محاولة متكررة لاقناع الروس بالتخلي عن الحماية الديبلوماسية التي يقدمونها للأسد دوليا منذ اندلاع الثورة المطالبة بانهاء حكمه في منصف مارس 2011.
وكانت صداقة تجمع الاسد بكيري حتى بعد اشهر قليلة من اندلاع الثورة السورية، وكان كيري حتى ذلك الوقت، مع وزير الدفاع تشاك هيغل، من اكثر المطالبين بما عرف بسياسة الانخراط مع دمشق، والانفتاح على الاسد، وتجنيده للمساعدة في الاستقرار في العراق ولبنان، وفي وساطة مع طهران حول برنامجها النووي.
ويقول العارفون بحركة كيري ان المسؤول الاميركي يعتقد ان مفتاح الحل يبقى في اقناع الاسد ان لا افاق مستقبلية له غير الخروج من الحكم، وهو ما سعى كيري الى اقناع الروس به. 
لكن الوزير الاميركي قال لنظرائه في موسكو، هذه المرة، انهم امام الفرصة الاخيرة، وانهم ان لم يقنعوا حليفهم في دمشق بتغيير موقفه، فان واشنطن لن تمانع من الآن وصاعدا، بل ستشارك في، عملية تسليح وتدريب الثوار سعيا الى قلب موازين القوى على الارض بشكل يفرض على الاسد تغيير رأيه.
وفي هذا السياق، جاء تقديم رئيس لجنة الشيوخ السناتور الديموقراطي بوب مينينديز لمشروع قانون يدعو اوباما الى «تقديم المساعدة الفتاكة»، اي عموم انواع الاسلحة ماعدا صواريخ ارض-جو المضادة للطائرات، «للعناصر المعتدلة في المعارضة السورية بعد عملية تمحيص دقيقة».
اما لائحة الاسلحة الاميركية المقترحة، والتي صار الحديث عنها في مناسبات متعددة مع قائد اركان «الجيش السوري الحر» اللواء سليم ادريس، فتتضمن مدافع ثقيلة وصواريخ غراد و«كل ما من شأنه دك تحصينات قوات الاسد في جبل قاسيون والمناطق الغربية والشمالية الغربية للعاصمة (دمشق)».
ويقول العاملون في اللجنة ان مشروع مينينديز جاء بايعاز من سلفه في رئاسة اللجنة وزميله السابق كيري نفسه. وأمل كيري ان يرسل القانون اشارات جدية الى الروس ان واشنطن عازمة على تسليح المعارضة حتى تتراجع موسكو عن حمايتها للأسد.
في هذه الاثناء، ومع ان الازمة السورية صارت تتصدر معظم البرامج الاخبارية والسياسية في الولايات المتحدة، الا ان الحماسة الاميركية لأي تدخل في سورية مازالت غائبة، حسب آخر استطلاعات الرأي. 
اوباما والديموقراطيون يدركون البرودة الشعبية، ما يجعلهم يحذرون من عواقب التدخل، وهم يفعلون ذلك غالبا باستحضار المأزق العراقي الذي تورطت به الولايات المتحدة العقد الماضي. ولهذه الغاية، ابتكر الديموقراطيون عبارة يرددها معظم سياسييهم والمحللين المؤيدين لهم، وهي تقول ان «كل خيارات اميركا في سورية سيئة»، لذا الافضل البقاء خارج هذه الازمة.
وعلى برنامج «رايتشل مادو» الاكثر شعبية بين الديموقراطيين، اطل عضو الكونغرس السابق باتريك مورفي، وهو سبق ان خدم في فرقة المارينز 82 المحمولة جوا برتبة نقيب وشارك في حرب العراق، ليشكك
في دعوات اعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، من امثال جون ماكين وليندسي غراهام، بجدوى التدخل في سورية. 
وكرر مورفي مقولة ان دفاعات الاسد الجوية اقوى بخمس مرات من الدفاعات الليبية، وقال ان على الولايات المتحدة ان تستمع الى قائد اركان الجيش الجنرال مارتن ديمبسي، الذي ابدى ترددا، في الاطلالات الاخيرة له، حيال اي تدخل عسكري اميركي في سورية.
وفي اليوم التالي، كتب المعلق في صحيفة «واشنطن بوست» يوجين روبنسون، وهو من الحزب الديموقراطي، مقالة حملت عنوان «اسئلة حول التدخل في سورية»، قال فيها انه على الرغم من مقتل اكثر من 70 الف سوري، لا يجب على واشنطن التدخل لان هناك مجازر كثيرة اخرى حصلت وتحصل حول العالم مثل في راوندا والكونغو، معتبرا ان على الولايات المتحدة تحديد معايير واضحة للتدخل او عدم التدخل في الحالات الانسانية، كما في سورية.
وربط روبنسون امكانية استخدام الاسد للاسلحة الكيماوية بالحديث عن برنامج مشابه كانت اميركا تعتقد انه بحوزة صدام حسين في العراق، وقال ان العاملين في اجهزة الاستخبارات الاميركية مازالوا هم انفسهم، وان من اخطأ في العراق، ممكن ايضا ان يخطئ في سورية.
الا ان زميل روبنسون الكاتب الجمهوري ريتشارد كوهين اعتبر ان المشكلة في ادارة اوباما ليست سورية فحسب، بل غياب اي سياسة خارجية متماسكة بشكل عام. وكتب كوهين ان «جل ما تريده الادارة هو تفادي المشاكل في الخارج من اجل خلق هدوء في الداخل، وهذا طموح ولكنه ليس سياسة».
لكن مواقف عضوي مجلس الشيوخ ماكين وغراهام والكاتب كوهين لا تعني بالضرورة ان غالبية الحزب الجمهوري متحمسة لتدخل عسكري اميركي في سورية. اما ابرز دليل على غياب الحماسة الجمهورية فكانت واضحة قبل اسابيع عندما قدم عضو الكونغرس الديموقراطي اليوت انغل مشروع قانون من اجل حض ادارة اوباما على تقديم المزيد من المساعدة للثوار السوريين ضد الاسد.
وقالت مصادر الكونغرس انه «بعد اكثر من اسبوع، لم يتقدم اي من الاعضاء الجمهوريين لوضع اسمه على مسودة القانون حسب العادة، ما دفع برئيس لجنة الاستخبارات الجمهوري مايك روجرز الى وضع اسمه الى جانب اسم انغل تفاديا للاحراج الذي عاشه الاخير عندما لم يتبن اي عضو غيره، لا ديموقراطي ولا جمهوري، مشروع القانون». 
وفي ظل معارضة الديموقراطيين الكاملة لاي تدخل عسكري في سورية، وفي ظل برودة الجمهوريين وغياب حماستهم، ماعدا بعض الاستثناءات من بينهم، وفي ظل استفتاءات الرأي
التي تشير صراحة الى ان غالبية الاميركيين تعتبر نفسها غير معنية بالمأساة السورية رغم تعاطفها مع الضحايا السوريين، لا يبدو تردد اوباما خارج السياق الاميركي، ولا يبدو تراجعه عن «الخطوط الحمر» التي وضعها في حال استخدم الاسد اسلحة كيماوية غريبا، فموقف اوباما من سورية لا يتناقض وموقف غالبية الاميركيين، بل يتماهى معه بشكل كامل.


لماذا يخشى العرب التطبيع مع اسرائيل؟

بقلم حسين عبدالحسين - واشنطن

في الثقافة السياسية الاميركية تفادي الامور المعقدة يؤدي الى التعييب. ففي النقاش حول تضخم الدين العام، مثلا، يتحدث المسؤولون من الحزبين عن ضرورة تدارك المشكلة بدلا "من ركل القارورة الى اسفل الشارع"، اي تأجيلها للاجيال القادمة. 
في دنيا العرب، يكاد يكون هذا المفهوم الاميركي معكوسا. فالصراع مع اسرائيل، مثلا، مبني في الغالب على مفهوم صراع الاجيال، اي ان العرب ان لم يرموا اسرائيل في البحر اليوم، فيمكن الجيل القادم، او الذي يليه، او الذي بعده، ان يفعل ذلك. هكذا، لا مانع من بلوغ اول جيل فلسطيني من مواليد مخيمات اللجوء سن التقاعد. ولا مانع كذلك من ان هذا الجيل بأكمله، والاجيال التي تلته، تعيش في بؤس قل مثيله، وكأن الشقاء الفلسطيني قدر. 
في الاسابيع الماضية، عادت العملية السلمية الى الاضواء. وزير الخارجية الاميركي جون كيري يعتقد ان السلام فرصته لدخول التاريخ، كذلك قطر، التي تأمل ربما في دور قد يؤدي الى نقل مقر "جامعة الدول العربية" الى الدوحة. لكن هذا الاهتمام السياسي، المتكرر منذ عقود، يندر ان يقترن بنقاش عام عربي جدي حول المصالح العربية، خارج الخطابات الشعبوية، والشعارات، والمسلمات التي ترى ان اي سلام مع اسرائيل هو حكما في مصلحة الاسرائيليين، دون العرب.
في 65 عاما من الصراع، حصر العرب مصلحتهم باستعادة الارض. بساتين برتقال فلسطين، وعطرها، وشجر زيتونها وموزها، لم تكن ذات قيمة عاطفية فحسب، بل اقتصادية كذلك في زمن كانت معظم الدول تطمح لتحقيق الاكتفاء الذاتي. حتى الاسرائيليون بنوا تعاونيات زراعية. اما المطالبة بالقدس، فلم تكن لرمزيتها الدينية فقط، بل لاعتبارها نقطة مركزية في ربط المناطق الاقتصادية المختلفة. كذلك حيفا، كانت مرفأ اساسيا لا يمكن الاستغناء عنه.
لكن مع انتشار العولمة واستبدال معظم الاقتصادات فكرة التنويع والاكتفاء الذاتي بالتخصصية والتجارة، تراجعت اهمية الارض في الدول ذات المساحة الصغيرة نسبيا، حتى الاوروبية، وانحصر معظم الانتاج الغذائي العالمي بما يعرف بدول "سلال الخبز"، كأميركا والصين والبرازيل، وتخلت اسرائيل عن مزارعها التعاونية، واستبدلتها بصناعات غير ثقيلة وتكنولوجيا تعتمد على مواردها البشرية. 
ومع ان الارض لم تعد بنفس الاهمية المادية كما قبل عقود، لكنها تحولت الى غاية قائمة بذاتها لدى معظم الفلسطينيين والعرب، من جهة، ولدى المتطرفين من الاسرائيليين، كالمستوطنين، من جهة اخرى.
ومع مرور الوقت، تحول الصراع العربي الاسرائيلي بأكمله من مصلحي حيوي الى رمزي عاطفي، فبدلا من ان يسعى العرب الى تحسين وضع الفلسطينيين اينما وجدوا في معاشهم واقتصادهم، صاروا يصرون على بؤس الفلسطينيين في شتاتهم كثمن للتضحية في سبيل ارض لم تعد اهميتها مفهومة خارج المبادئ غير المادية مثل "الكرامة الوطنية"، و"العزة"، و"الكبرياء". ثم ادلت المفاهيم الشعبية بدلوها، فصار مطلوبا ان "لا ينسى" العرب مآسي الصراع، بدلا من العمل على تجاوز الماضي من اجل مستقبل افضل. 
كذلك ساهم الاسلام السياسي في تكريس اخراج الصراع مع اسرائيل من المادي الى المعنوي، فصارت اهم خطابات الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات تتمحور حول قيمة "الشهادة"، والثبات على طريق "الرباط"، فيما استعاد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين معركة حطين وصور نفسه على انه صلاح الدين آمر جيوش المسلمين. ولم يتخلف الاسلام الشيعي عن نظيره السني، فقال مرشد الثورة الايراني الراحل روح الله الخميني انه "اذا القى كل مسلم دلو ماء على اسرائيل ستزول من الوجود"، فيما تحدث السيد موسى الصدر عن ان "اسرائيل شر مطلق"، ودعا لقتالها بالاسنان والاظافر.
ولا شك في ان خلط الماورائي بالمادي، خصوصا في شؤون الدول، يحول المصالح الى عواطف، وشؤون الحكم الى خطابات، او حسب ما ينقل ولي نصر في كتابه عن ان احدهم ذهب ليناقش الخميني في تدهور الوضع الاقتصادي لايران بعد الثورة، فأجابه الاخير ان "الثورة لم تأت لتخفض سعر البطيخ". 
ولأن الصراع العربي - الاسرائيلي خرج من المعقول الى المتخيل، يندر ان يخوض العرب في نقاط الضعف والقوة عند الاسرائيليين، اوعندهم، في وقت تسود الخرافة في جوانب كثيرة، مثل تكرار الحديث عن "بروتوكولات حكماء صهيون"، واعتقاد ان اسرائيل تسعى للسيطرة على العالم بأكمله، او العربي منه على الاقل "من الفرات الى النيل"، في وقت بالكاد تقوى اسرائيل على تثبيت حدودها مع قطاع غزة واحتواء المليون ونصف مليون فلسطيني الذين يعيشون فيه.
ويغيب الحديث العقلاني العربي كذلك عن تقويم اسرائيل او الالتفات الى المؤشرات التي تجعل منها قوة بامكانها مواجهة العرب لفترة طويلة، في المدى المنظور، بسبب ارتفاع ناتجها المحلي، وتطور قطاعيها التربوي والعلمي، وتقدم صناعاتها التكنولوجية، والاهم من ذلك كله، مقدرة الاسرائيليين، على الرغم من تباين الثقافات بينهم بسبب شتاتهم، على بناء ديموقراطية تنظم اختلافاتهم بدلا من ان تفجرها في حروب أهلية متواصلة كجيرانهم الفلسطينيين والعرب الآخرين.
هكذا، من دون حسابات دقيقة، يتصور العرب ان عزلهم اسرائيل يصب في مصلحتهم، او ان عدم الاعتراف بوجودها، كاف لاخضاعها، من دون القيام بمراجعة جدوى المقاطعة القائمة منذ عقود، او جدوى عرقلة التطبيع كما في مصر والاردن.
ومعارضة التطبيع هي الاسوأ، فمعارضو التطبيع يعتقدون انه يمكن قبول سلام على مضض على مستوى الحكومات من دون الشعوب، وهذا يشي انهم لا يعتقدون ان حكوماتهم تمثلهم، اوانها منهم ولهم.
التطبيع بدوره يطرح السؤال التالي: لماذا يخشى 280 مليون عربي من تطبيع العلاقة مع خمسة ملايين اسرائيلي (يهودي)؟ وكيف يمكن الملايين الخمسة هؤلاء السيطرة، على اي صعيد ان كان ماليا ام ثقافيا ام سياسيا، على كل هؤلاء العرب؟ والاصح، ان من يجب ان يخشى التطبيع هم الاسرائيليون، فالحفاظ على طابع الاقلية ثقافيا ولغويا وحتى اقتصاديا، سيكون صعبا في حال ساد السلام على مستويين شعبي وحكومي بين اسرائيل والدول العربية.
لقد حان الوقت ليستبدل العرب مفاهيم "الكرامة" و"الاباء" و"حتى آخر شبر" بمفاهيم مثل "الحقوق المدنية"، و"الناتج المحلي" و"فرص العمل"، ووضع الصراع مع اسرائيل في ميزان المصالح بدلا من ميزان العواطف، فان كان حسم الصراع ممكن عسكريا في مدى قصير او متوسط، فليكن، وان كان مستحيلا، كما علمنا التاريخ، فلا ضير من سلوك الطرق الاخرى مثل السلام، حتى لو لم يكن مثاليا، لكنه قد يعطي العرب والفلسطينيين حياة فيها مقومات اكثر للعيش، وتاليا كرامة وشرف.

صحافي مقيم في واشنطن

الأربعاء، 8 مايو 2013

أوباما 2013: نعم… لا نستطيع!

حسين عبدالحسين

في مؤتمره الصحافي بمناسبة مرور مائة يوم على ولايته الثانية، كرر الرئيس الأميركي باراك اوباما كلمة “صعب” ومشتقاتها، حتى كادت تصبح عنوانا لاطلالته الصحافية، فقال عن مشاركة المعلومات الاستخباراتية بين الأجهزة الأمنية الأميركية إن “هذا موضوع صعب”، وعن إغلاق معتقل غوانتانامو “انها قضية صعبة”. وعن محاولة المحافظين الجمهوريين في الولايات عرقلة قانون رعايته الصحية، قال انها “تجعل الأمر أكثر صعوبة”. أما عن القضية السورية، فاعتبر الرئيس الأميركي أنها “مشكلة عويصة”.
وما لم يقله اوباما كان مكتوبا على جبينه، فهو فشل في إقرار قانون تنظيم حمل السلاح الفردي في البلاد، ووعد بالاقتصاص من قاتلي السفير الأميركي في ليبيا كريس ستيفنز وثلاثة اميركيين آخرين في 11 ايلول (سبتمبر) الماضي، ولم ينجح في ذلك حتى الآن. كما تعثرت محاولات أوباما في وقف التخفيض التلقائي من عموم موازنات الدولة، ما أدى الى عرقلة عمل بعض المنشآت الحيوية كالمطارات.
ولنتصور للحظة أن اوباما قال هذا الكلام في العام 2008، عندما كان يلهب مشاعر، لا غالبية الأميركيين فحسب، بل غالبية سكان الكوكب. “نعم نستطيع”، كان شعار المرشح الذي بدا الأكثر تألقا منذ الرئيس المحبوب لدى الأميركيين والعالم، الراحل جون كينيدي.
اوباما تراجع كذلك عن اصراره على اعادة احياء عملية السلام، واقّر انه اساء تقدير صعوبة التوصل الى سلام، وهو ارسل المزيد من الجنود الى افغانستان، لكنه لم يرسل بما فيه الكافية، فجاءت خطته لزيادة القوات هناك بمثابة “نصف خطة لزيادة القوات”، فتحسن الأمن في بعض المحافظات، وتراجع في اخرى.
حتى في الأفلام، يظهر تردد اوباما القاتل، ففي فيلم “زيرو دارك ثيرتي” الذي يروي قصة تعقب اسامة بن لادن وقتله، يظهر الفيلم عميلة “الاستخبارات المركزية” وهي محبطة من التأخير الذي تعدى المائة وعشرين يوما منذ اليوم الذي كشفت فيه واشنطن مكان اقامته.
وكما في افغانستان المفتتة، والعراق الذي يبدو انه عائد الى حربه الأهلية، كذلك في سوريا، حيث حديث اوباما عن “خط أحمر” في حال استخدم نظام بشار الأسد الأسلحة الكيماوية تحول الى مجرد ثرثرة رئاسية، فالبيت الابيض اعتبر أن النظام السوري استخدم فعلا هذه الأسلحة، لكن خط اوباما تحول الى خطوط.
والعارفون بشخصية اوباما يقولون ان مثاله الأعلى هو سلفه الرئيس الجمهوري دوايت “آيك” ايزنهاور، الذي انهى حرب الكوريتين ورفض التدخل في فيتنام لانقاذ الفرنسيين من مستنقعهم. وفي عهد آيك، شهدت منطقة الشرق الأوسط أكبر حالة بلبلة بدأت مع الثورة المصرية التي أطاحت الملكية في العام 1952.
لكن على الرغم من وقوف اميركا في زمن آيزنهاور جانبا فيما الشرق الاوسط كان يشهد تحولات جذرية، تماما كما تتفرج اميركا في عهد اوباما اليوم على تحولات مماثلة في المنطقة بسبب “الربيع العربي”، ابدى آيك، على عكس اوباما، عزما وتصميما في سياسته الخارجية، فهو أعطى أوامره لتحريك قطع الأسطول السادس المرابض في المتوسط لتأكيد انذاره لحلفائه الفرنسيين والبريطانيين والاسرائيليين بضرورة الانسحاب من سيناء في العام 1956 بعد العدوان الثلاثي. آيك نفسه أمر بانزال قوات المارينز على الشاطىء اللبناني في العام 1958 من أجل الدفاع عن حلفائه اللبنانيين.
صحيح أن سياسة آيزنهاور الخارجية كانت محافظة، لكنها لم تكن يوما مترددة. اما سياسة اوباما، فهي مترددة ومتعثرة، وضعيفة، وتساهم في تأزيم وضع حلفاء اميركا اكثر من دعمهم.
ضعف أوباما الرئيس، مقارنة بأوباما المرشح، دفع الاعلاميين الى الحديث عن نهاية عهد الأوبامية حتى قبل ثلاث سنوات من نهاية ولايته الثانية. “اذا وضعتها هكذا يا جوناثان، ربما علي أن أوضب أغراضي وأذهب إلى بيتي”، قال اوباما لصحافي أصر على الحصول على اجابات حول تقصير الرئيس.
ربما كان اوباما محقا، فذهابه الى بيته قد يكون أجدى من بقائه مترددا ومتعثرا في كل جانب من جوانب سياساته الداخلية والخارجية. لقد تحول شعار حملة اوباما في العام 2013، بحق، الى “نعم… لا نستطيع”.