السبت، 31 مايو 2014

واشنطن والقاهرة.. هل ستعود المياه إلى مجاريها؟

حسين عبدالحسين

لم يسبق أن قدَّم المسؤولون الأميركيون موقفًا من الأحداث في مصر بمثل الصراحة التي قدَّمها الرئيس “باراك أوباما” أثناء خطابه في حفل التخرج في أكاديمية “وست بوينت” العسكرية المرموقة، والذي حدَّد فيه شكل سياسته الخارجية للسنتين ونصف المتبقيتين في حكمه.

يقول أوباما: “في مصر، نحن نعترف أن علاقتنا (مع الحكومة المصرية) مبنية على مصالحنا الأمنية، من اتفاقية السلام مع إسرائيل، إلى الجهود المشتركة ضد التطرف، لذا لم نقطع التعاون مع الحكومة الجديدة”، مضيفًا أن الحكومة الأميركية ستستمر بالمطالبة “بالإصلاحات التي طالب بها المصريون”.

يختصر أوباما العلاقة الأميركية – المصرية بالشؤون الأمنية فحسب، ويقول صراحة إنه طالما تؤمِّن الحكومات المصرية المتعاقبة هذه المصالح الأمنية الأميركية، فإن واشنطن لن توقف مساعداتها لمصر، ولن تقطع علاقاتها مع أي حكومة مصرية.

وما لم يقله أوباما، وغالبًا ما يردده المسؤولون الأميركيون، هو أن المصالح الأميركية مبنية على ثلاث نقاط هي: إضافة إلى اتفاقية السلام، وأمن الحدود مع إسرائيل، حرية الملاحة الدائمة في قناة السويس، وحق الطائرات الأميركية العسكرية عبور الأجواء المصرية.

ومنذ ثورة يناير 2011 والإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك، وافقت واشنطن على التغيير بعد مشاوراتها مع المؤسسة العسكرية المصرية، التي تعهدت الحفاظ على المصالح الأميركية، حتى بعد رحيل مبارك. هكذا، لم تكترث واشنطن كثيرًا للتغييرات التي تلت، من حسين طنطاوي، إلى محمد مرسي، إلى عبد الفتاح السيسي، وأبدت استعدادها التعاون مع أيٍّ منهم – حتى مرسي والإخوان المسلمين الذي كانوا حتى الأمس القريب في صفوف خصوم الولايات المتحدة- طالما أن مصالحها المذكورة مؤمنة، وهو ما عبّر عنه أوباما في خطابه المذكور.

لكن من باب رفع العتب، تكرر واشنطن حديثها عن ضرورة احترام الحكومات المصرية المتعاقبة لحقوق الإنسان وحكم القانون. وفي وقت لاحق، بعدما بدا أن المطالبات الأميركية الخجولة أصلاً أزعجت السلطات المصرية، تراجع أوباما عن هذه المطالبات، وحصر موقف أميركا من شؤون مصر الداخلية بالقول: إن واشنطن ستستمر بالمطالبة “بالإصلاحات التي طالب بها المصريون”.

ما هي الإصلاحات التي تحدَّث عنها أوباما؟ ومن هم المصريون الذين طالبوا بها؟! لا يهم، بل إن الغموض مطلوب عند أوباما، فأميركا مهتمة بشؤون أمنية محددة في مصر، وهو ما يعني أنه مع أن خطاب أوباما صادف مع اليوم الثالث للانتخابات الرئاسية المصرية، إلا أن الرئيس الأميركي لم يعر الموضوع أيَّ اهتمام، ولم يتطرق إلى ذكره لا سلبًا ولا إيجابًا وكأنه لم يحدث.

أما المواقف الأميركية الأخرى حول مصر، فضوضاء لا تؤثر في موقف الإدارة.

في الكونغرس، يتنطح من حين إلى آخر أعضاء من الحزبين للحديث عن ضرورة التزام الحكومات المصرية المتعاقبة بحقوق الإنسان وحكم القانون، وفي بعض الأوقات يقوم الكونغرس بإصدار قوانين تجبر الإدارة على وقف المعونة الأميركية السنوية إلى مصر، والبالغة قرابة ملياري دولار، وربط استئنافها بالحصول على تعهدات من القاهرة بتغيير أدائها السياسي.

إلا أن الحكومات الأميركية، جمهورية أو ديموقراطية، استخدمت صلاحياتها التنفيذية بشكل شبه متواصل لتعليق قوانين الكونغرس، وإرسال المعونة حتى لو لم تستوف الحكومات المصرية شروط الكونغرس الأميركي. وفي التغيير المصري الأخير، في يوليو الماضي، مارس الكونغرس ضغطاً كبيرًا على الإدارة لتسمية التغيير انقلابًا، إلا أن إدارة أوباما تهرّبت من الموضوع بشكل دائم، وادعت أن موقفها من الأحداث المصرية كان في طور الدراسة.

وتستمر دراسة الإدارة لما حصل في مصر العام الماضي حتى اليوم، حتى إن الإدارة قبل أن تنجز دراستها وتقدم موقفها، أطلّ وزير الخارجية “جون كيري” ليقول للكونغرس: إن جزءًا من المساعدة التي تم وقفها في يوليو الماضي، سيتم الإفراج عنها، وستعود -على الأرجح- المياه إلى مجاريها بين العاصمتين.

الجمعة، 30 مايو 2014

مسؤول أميركي: نعمل مع شركائنا لدعم المعارضة السورية لتحقيق تغيير ميداني

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أكد مسؤول رفيع المستوى في البيت الأبيض ان واشنطن تعمل «عن كثب مع شركائها العرب والأوروبيين» على زيادة «الدعم للمعارضة السورية المعتدلة»، بما في ذلك الدعم العسكري، معربا عن اعتقاده ان «منحى المساعدة تصاعدي، ويمكنه ان يحقق تغييرا حقيقيا» على الأرض.

وفي جلسة مغلقة مع الصحافيين خصصها لمناقشة خطاب الرئيس باراك أوباما حول السياسة الخارجية في اكاديمية وست بوينت العسكرية الأربعاء الماضي، قال المسؤول: «نحن نعتقد ان تقوية المعارضة هو أفضل ثقل موازن لـ (الرئيس السوري بشار) الأسد، وكذلك أفضل ثقل موازن للعناصر المتطرفة داخل سورية». وتابع المسؤول: «نحن ان نريد ان نعمل على إمكانية المشاركة العسكرية للولايات المتحدة في هذا المجهود».

والمشاركة العسكرية هنا لا تعني ضربة أميركية لقوات الأسد، بل مشاركة المؤسسة العسكرية الأميركية في الاشراف على تسليح وتدريب ثوار سورية.

ولفت المسؤول الى قيام لجنة الشؤون الدفاعية في مجلس الشيوخ برئاسة السناتور الديموقراطي كارل ليفين بإقرار قانون الدفاع الوطني للعام 2015، والذي اشارت اليه «الراي» قبل أسبوع، ورصدت اللجنة بموجبه أموالا لتدريب وتسليح عناصر المعارضة السورية المعتدلة الذين يتم اختيارهم بعد فحص وتمحيص.

وقال المسؤول ان البند الذي اقرته لجنة الشؤون الدفاعية هو بمثابة تخويل لوزير الدفاع الأميركي «لتقديم المساعدة العسكرية للمعارضة السورية المعرف عنها»، وإقرار البند يمثل، حسب رأي المسؤول الأميركي، تغييرا طرأ على نظرة الكونغرس الى الصراع في سورية، كما يشير البند المذكور الى قبول الكونغرس تقديم هذا النوع من التخويل لمؤسسة الولايات المتحدة العسكرية للمشاركة في دعم المعارضة السورية.

وعلمت «الراي» في هذا السياق، انه على مدى الأسابيع التي سبقت إقرار اللجنة الدفاعية للموازنة والتخويل المذكورين، انقسم أعضاؤها الى قسمين.

القسم الأول أيد استمرار دعم اميركا للمعارضة السورية تحت البند 50 من قانون الدفاع، والذي يخول الإدارة تقديم مساعدة ومعونات عسكرية بطريقة سرية، وهو البند الذي قامت بموجبه «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي ايه) بتدريب 250 من الثوار السوريين شهريا على القتال على مدى السنتين الماضيتين.

اما القسم الثاني فطالب بدعم ثوار سورية تحت البند العاشر لقانون الدفاع، والذي يمنح التخويل – كما الأموال المرصودة – لوزارة الدفاع والمتعاقدين معها، فتقوم الأخيرة بتدريب الثوار وتسليحهم. ويبدو ان بند ليفين مبني على البند العاشر الذي يوكل مهمة تسليح وتدريب ثوار سورية الى وزارة الدفاع (البنتاغون) بدلا من الـ «سي آي ايه».

ويقول المسؤول الأميركي ان «هذا نقاش نود ان ننخرط فيه مع الكونغرس فيما هم يطورون مقارباتهم، وفيما نطور نحن المزيد من الأفكار حول كيفية زيادة تدفق الموارد الى المعارضة السورية»، مضيفا: «هذا شيء سنناقشه مع الكونغرس في الأسابيع والاشهر المقبلة، واعتقد ان النقطة الأساسية هي تحديد أفضل طرق لتقديم الدعم للمعارضة السورية، وما هي السبل المختلفة لذلك».

وحديث المسؤول الأميركي يشي بأن إدارة أوباما صارت تنوي فعليا تسليح الثوار السوريين، ولكنها تصر على مشاركة مسؤولية خطوتها مع الكونغرس وبإذن منه حتى لا تتحمل الإدارة وحدها مسؤولية أي أخطاء مستقبلية قد تقع او انعكاسات سلبية ممكن حدوثها.

وبعد إصرار الصحافيين على معرفة نوعية الدعم الأميركي المقرر لثوار سورية، أجاب المسؤول: «لقد كنا واضحين دوما اننا نقدم المساعدة العسكرية للمعارضة السورية، ولكننا لا نتحدث عن تفاصيل هذا الدعم».

ويتابع المسؤول ان الجديد في السياسة الخارجية الأميركية هو ان إدارة أوباما قررت اقحام المؤسسة الدفاعية في دعم المعارضة السورية، وهذه خطوة تحتاج الى تخويل من الكونغرس، وهذا فحوى النقاش بين الإدارة والكونغرس، «وهذا ما ورد في بند ليفين»، حسب المسؤول.

في الوقت نفسه، كان المسؤول حريصا على تحديد هدف زيادة الدعم العسكري الأميركي للمعارضة السورية الذي وصفه على انه إيجاد «ثقل وزان مع الأسد»، من دون ان يشير الى إمكانية الإطاحة به.

اما الحل الفعلي في سورية، فلا يمكن ان يكون عسكريا، حسب قول أوباما في خطابه، بل سيكون حلا سياسيا، وهو ما دأبت الإدارة على قوله منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة السورية في مارس 2011.

وقال المسؤول ان «التحديات في سورية هي ازمة إنسانية ضخمة ومسألة مكافحة الإرهاب المتنامي»، في تصريح لا يشي ان إدارة أوباما تعتقد ان في هزيمة الرئيس السوري بشار الأسد مصلحة استراتيجية أميركية. فقط «ثقل موازن» للأسد والإرهاب، او هذا كان على الأقل انطباع غالبية الصحافيين الذين شاركوا في الجلسة.

الخميس، 29 مايو 2014

أوباما.. عودة إلى 'مكافحة الإرهاب'

حسين عبدالحسين

أراد الرئيس الأميركي باراك أوباما، ان يكحلها، فأعماها، على حسب القول المأثور. فبعد أشهر من الانتقادات حول سياسته الخارجية، أطل الرئيس الأميركي في خطاب أعلن فيه ضمنيا التخلي عن سياسة "الاستدارة" نحو آسيا، وأعاد تقديم "مكافحة الإرهاب" كأولى أولويات ادارته في السنتين والنصف المتبقية له في الحكم.

ويبدو ان أوباما لا يعتقد ان المشكلة تكمن في سياسته الخارجية، وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط المشتعلة، بل هو يرى أن المشكلة هي في عدم تقديم هذه السياسة بفصاحة كافية. هكذا، أطل الرئيس الأميركي في خطاب امام اكاديمية "وست بوينت" العسكرية المرموقة، ليكرر ما دأب هو وافراد فريقه على قوله على مدى السنوات الماضية، بل ليزيد من غموض مواقفه تجاه بعض القضايا المطروحة.

في سوريا، لم يعد الهدف ان يقف الأسد جانباً ليفسح المجال امام الإصلاح، بل صارت المشكلة هي "المعاناة الرهيبة" التي لا يمكن ايقافها بالقوة العسكرية، بل حصراً بالحل السياسي الذي تعثر في جنيف مطلع العام، وتوقف حتى إشعار آخر، حتى أن الأمم المتحدة لم تكلف نفسها عناء تعيين خلف لمبعوث السلام المستقبل الأخضر الابراهيمي.

وتمسك أوباما بفزاعة التهويل من أي تدخل أميركي في سوريا بربطه بأي نوع تدخل بمشاركة قوات أميركية على الأرض السورية، وهو سيناريو لم يحصل ان اقترحه أحد لا من السوريين ولا من الاميركيين المؤيدين لتدخل أميركي في سوريا. اما هدف أوباما من التهويل، فهو البقاء بعيداً عن الصراع السوري المسلح.

وبمزيد من الغموض، أضاف أوباما: "لكن ذلك لا يعني اننا لا يجب ان نساعد الشعب السوري للوقوف في وجه ديكتاتور يقصف ويجوع شعبه، وفي مساعدة أولئك ممن يقاتلون من اجل حق كل السوريين في اختيار مستقبلهم". وكلمة "يقاتلون" في الإنكليزية تحتمل التأويل، ويمكن ان يكون "القتال" سلمياً وغير عسكري.

لكن من يستمع الى مجمل خطاب الرئيس الأميركي، يدرك ان أوباما لا يريد البقاء خارج الصراع السوري كما يدعي، إذ ان هذا الصراع يقع ضمن سياق أوسع، تتبناه الولايات المتحدة وهو مكافحة الإرهاب. لذا، أصر أوباما ان بلاده تسعى لمكافحة "الاعداد المتزايدة للمتطرفين الذين يجدون ملاذا آمنا في الفوضى" في سوريا.

هنا يصبح السؤال: كيف تكافح أميركا التطرف في سوريا من دون أن تتدخل عسكريا؟ الإجابة نظرياً تكمن في الشق العام، الذي قال فيه أوباما أن على واشنطن ان تسعى الى شراكة مع حكومات العالم لتدريب قواتها وتسليحها لمساعدتها على مكافحة الإرهاب. 

في الوضع السوري، من هو شريك واشنطن في مكافحة "التطرف المتزايد"؟ المعارضة التي لا تسلحها واشنطن أم الأسد؟ الإجابة غائبة، ولكن الحديث داخل أروقة القرار الأميركي تردد انه على المعارضة والأسد سوية مكافحة الإرهاب.
واليوم، عندما تتحدث واشنطن عن الأسد، فإنها لا تعني النظام السوري، بل تفكر في الإيرانيين. بمعنى آخر، في حال تم التوصل الى اتفاق نهائي حول ملف إيران النووي، لا تمانع واشنطن من التعاون مع طهران في "مكافحة الإرهاب"، وهذه لازمة يكررها المسؤولون الإيرانيون، وخصوصاً عند إطلالاتهم المتكررة عبر الإعلام الأميركي، مثلما فعل وزير الخارجية جواد ظريف عبر مقالة نشرها في مجلة "فورين افيرز" واتبعها بمقابلة مع مجلة "نيويوركر".

الحل في سوريا، حسب تفكير أوباما غير المعلن، يكون في اتفاقية إيرانية مع المعارضة السورية، برعاية أميركية، لمكافحة الإرهاب.

وفي مصر، كما في سوريا، قدم أوباما رؤيته بصراحة وغلفها بغموض، فللمرة الأولى يقول أرفع مسؤول أميركي ان مصالح واشنطن في مصر امنية فقط، وتتركز على الحفاظ على اتفاقية السلام مع إسرائيل، ومكافحة الإرهاب. وغالباً ما يضيف المسؤولون الاميركيون أن مصالحهم تتضمن كذلك حرية الملاحة في قناة السويس، وحق استخدام طائراتهم العسكرية للمجال الجوي المصري. ولأن هذه المصالح مؤمنة، لم تقطع أميركا مساعداتها عن مصر، لا في ظل حكومة طنطاوي، ولا مرسي، ولا السيسي، ولا تنوي أن تقطعها بغض النظر عن التقلبات المصرية الداخلية.

هكذا، في الشؤون الداخلية المصرية، قال أوباما أن بلاده ستسمر بالمطالبة "بالإصلاحات التي طالب بها المصريون". ما هي هذه الإصلاحات؟ وعن أي مصريين يتحدث؟ غموض استخدمه أوباما للتعبير عن عدم اهتمامه للصراعات السياسية في الداخل المصري.

ختاماً، كرر الرئيس الأميركي اعتقاده بوجود فرصة تاريخية سانحة للتوصل إلى اتفاق حول ملف إيران النووي، واعتبر أن أي اتفاق سيكون أكثر فاعلية ومتانة من أي عمل عسكري.

أين الجديد في سياسة أوباما الخارجية للفترة المتبقية من حكمه؟ لا جديد. غير انه تخلى عن سياسة "الاستدارة" نحو آسيا الخيالية، التي تحدث عنها على مدى الأعوام القليلة الماضية، والتي تحولت إلى مدعاة سخرية بين منتقديه. أما سياسة أميركا في الشرق الأوسط، فهي تبدو أنها عادت إلى الصدارة في واشنطن، لكن ذلك لا يعني أن أوباما ينوي تغيير شيء فيها.

الأربعاء، 28 مايو 2014

أوباما: سندعم المعارضة السورية لأنها البديل للأسد ... والإرهابيين

| واشنطن – من حسين عبدالحسين |

قدم الرئيس باراك أوباما سياسته الخارجية لفترة السنتين ونصف السنة المتبقية في حكمه بالقول إن أولويات أميركا اليوم تتصدرها «مكافحة الإرهاب»، التي ترتكز بدورها على شراكة مع حكومات العالم، وتدريب وتسليح قوات هذه الحكومات، حتى لا تضطر أميركا الى التدخل عسكرياً حول العالم.

وتشكل رؤية اوباما الجديدة انقلابا على سياساته الخارجية السابقة، التي افتتحها بخطابه في القاهرة في العام 2009 بالقول ان أميركا مهتمة بدعم الديموقراطية حول العالم، بدلا من نشرها حسب سياسة سلفه جورج بوش. وفي العام 2012، تراجع أوباما عن «نشر الديموقراطية» واستبدلها باعتبار ان بلاده نجحت في إلحاق الهزيمة بـ«تنظيم القاعدة»، وهو ما يحتم انهاء حربي العراق وأفغانستان و«الاستدارة» نحو الشرق الأدنى.

وفي خطابه أمس في حفل تخرج ضباط أميركيين في كلية وست بوينت العسكرية المرموقة، «استدار» أوباما مرة أخرى من الشرق الأدنى الى الشرق الأوسط، وأعاد «مكافحة الإرهاب» الى صدارة سياسته الخارجية، وأعرب عن عزمه دعم المعارضة السورية لأنها البديل للأسد والإرهابيين.

على ان «مكافحة الإرهاب» تختلف لدى أوباما عما كانت عليه في زمن سلفه جورج بوش. فأوباما لا ينوي استخدام القوة العسكرية الأميركية الا حيث تكون أميركا عرضة لتهديد مباشر. اما حيث تكون التهديدات غير مباشرة، فعلى الولايات المتحدة «توسيع الأدوات التي تستند اليها وتضمينها الديبلوماسية والعقوبات». وفي مرحلة لاحقة، يمكن للولايات المتحدة استخدام قوتها العسكرية، على شرط ألا تكون منفردة في ذلك، وان تكون في إطار حملة عسكرية دولية تشارك فيها قوات عسكرية من دول أخرى.

«السؤال ليس جديدا»، قال أوباما في خطابه، «فمنذ زمن جورج واشنطن كان هناك أولئك من حذروا من التورط في أزمات خارجية لا ارتباط مباشراً لها مع امننا او اقتصادنا». وأضاف: «اليوم يقول الواقعيون ان الصراعات في سورية وأوكرانيا وجمهورية افريقيا الوسطى ليست لنا لنحلها، وليس مفاجئا انه، بعد حربين مكلفتين وتحديات داخلية، يشارك هذه النظرة أميركيون كثر».

ثم قدم أوباما النظرية المعاكسة وقال ان «مناصري التدخل، من اليسار واليمين، يقولون اننا نتجاهل هذه الصراعات على مسؤوليتنا، وان استخدام أميركا للقوة حول العالم هو الضمانة الاساسية ضد الفوضى، وان فشل أميركا في التحرك ضد الدموية السورية والاستفزازات الروسية لا تتجاوز ضميرنا فحسب، بل تفتح المجال لتصعيد العدوان في المستقبل».

وبعد ان قدم النظريتين مع وضد التدخل، قدم الرئيس الأميركي رأيه هو وسياسته الجديدة بالقول انه «في المستقبل المنظور يبقى الإرهاب التهديد الأبرز لأميركا داخليا وخارجيا، لكن استراتيجية مبنية على اجتياح كل دولة تؤوي شبكات إرهابية هي ساذجة وغير قابلة للاستمرار»، وهو ما يدفع أوباما الى الاعتقاد انه «علينا ان ندفع استراتيجية مكافحة الإرهاب - بالبناء على نجاحاتنا واخفاقاتنا في العراق وأفغانستان - لإنشاء شراكات أكثر فعالية مع دول حيث تسعى الشبكات الإرهابية الى إيجاد موطئ قدم».

واعلن أوباما عن انشاء «صندوق شراكة» بهدف جمع 5 مليارات دولار لمكافحة الارهاب، مشيرا الى ان جزءا حاسما من مكافحة الارهاب سيتركز على سورية، ومضيفا ان جزءا من الـ 5 مليارات دولار سيذهب الى جيران سورية بما في ذلك الاردن ولبنان وتركيا والعراق، الذين يتحملون عبء اللاجئين ويواجهون هجمات عبر الحدود من قبل ارهابيين.

أقوال أوباما تعني، على الأقل نظريا، ان حكومته لن تمانع شراكة مع نظام الرئيس بشار الأسد في سورية لتطبيق رؤيته الجديدة لمكافحة الإرهاب.

على ان الرئيس الأميركي نأى بنفسه عن تأييد الأسد واصفا إياه بالديكتاتور، بل قال انه سيعمل مع الكونغرس على حشد الدعم للمعارضة السورية المعتدلة التي تشكل البديل الافضل للأسد والارهابيين على السواء، مضيفا انه «على الرغم من كل الاحباطات، لا توجد إجابات سهلة» في سورية، و«لا حل عسكرياً يمكنه التخلص من المعاناة الرهيبة في أي وقت قريب». وأضاف أوباما انه يتمسك بقراره عدم «وضع أي جزمات أميركية على الأرض السورية».

وفي وقت أشار مراقبون الى ان كلمات أوباما قد تعني تغيرا في الموقف الأميركي باتجاه تسليح الثوار السوريين، أضاف هؤلاء ان أوباما يعتقد ان من شأن تسليح الثوار أيضا مواجهة «الاعداد المتزايدة للمتطرفين الذين يجدون ملاذا آمنا في الفوضى» السورية، حسب الرئيس الأميركي.

وقدم أوباما اعترافا صريحا بالقول انه «في مصر، نحن نعترف ان علاقتنا مبنية على مصالحنا الأمنية – من اتفاقية السلام مع إسرائيل الى الجهود المشتركة ضد التطرف، لذا لم نقطع التعاون مع الحكومة الجديدة».

وعن إيران، قال الرئيس الأميركي انه «للمرة الأولى منذ عقد، لدينا فرصة حقيقة جدا بالتوصل الى اتفاقية تشكل اختراقا، (اتفاقية) أكثر فاعلية ومتانة مما يمكن تحقيقه من خلال استخدام القوة».

لقاء «جبنة ونبيذ» في البيت الأبيض أظهر الافتقار لاستراتيجية حول سورية

| واشنطن – من حسين عبد الحسين |

من المتوقع ان يلقي الرئيس باراك أوباما، اليوم، خطابا في اكاديمية «وست بوينت» العسكرية المرموقة يعيد فيه تعريف اهداف سياسته الخارجية على إثر الانتقاد الواسع الذي لحقه في الأسابيع الأخيرة، وخصوصا بعد الملاحظات الارتجالية التي ادلى بها في مانيلا قبل أسابيع وبدا فيها مرتبكا.

ولطالما اعتقدت الإدارات الأميركية المتعاقبة ان السياسة الخارجية، التي تمنح الرئيس صلاحيات أوسع بكثير من السياسات الداخلية، يفترض ان تساهم في زيادة شعبية الرئيس وحكمه، الا انها تبدو في حالة أوباما وكأنها تأكل من شعبيته ومن رصيده السياسي، وهو ما أجبره على محاولة تقديم وجه جديد لسياسته الخارجية، خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية المقررة في نوفمبر المقبل.

ويعتقد الخبراء ان أوباما هو أحد أكثر الرؤساء الذي يرسمون سياستهم الخارجية بناء على استطلاعات الرأي الشعبية، وبما ان مزاج الاميركيين اليوم هو أقرب الى العزلة والابتعاد عن شؤون العالم بعد حربين مضنيتين ومكلفتين في العراق وأفغانستان، فان الرئيس الأميركي يحاول اقصى ما يمكنه الابتعاد عن الازمات العالمية، مثل في سورية.

الا ان ابتعاد أوباما صار يظهره مرتبكا ويظهر اميركا ضعيفة، وهي صورة لا يحبذها الاميركيون، حتى لو كانوا يميلون الى ابقاء اميركا خارج شؤون العالم.

وحتى يتفادى الرئيس الأميركي النقد الكبير الذي تتعرض له سياسته الخارجية، عمد وافراد ادارته على التلويح بالحرب. فمن دون المفاوضات النووية مع إيران، حرب، والتدخل في سورية في مختلف اشكاله، حرب كذلك.

لكن سياسة الإدارة التي تستخدم الحرب كفزاعة ارتدت على أصحابها، فراح المنتقدون يشككون بنجاعة سياسة مبنية على خياري «اما الحرب او العزلة».

وقال نائب مستشارة الامن القومي لشؤون الاعلام بن رودز: «نحن نعلم ان هناك أسئلة متعددة، لا حول سياستنا الخارجية فحسب، بل حول دور اميركا في العالم»، مضيفا، في معرض تعليقه على خطاب اليوم، ان أوباما: «سيتحدث عن ضرورة التدخل الأميركي في شؤون العالم، ولكن من دون المبالغة في التدخل». ويتابع: «نحن نقود العالم، او بالأحرى نحن الدولة الوحيدة التي يمكنها ان تقود العالم، ولكن هذه القيادة يجب ان تكون في خدمة النظام الدولي».

المراقبون في العاصمة الأميركية يدركون ان ازمة أوباما في السياسة الخارجية لن تجد حلولا لها في خطاب، فالتصاريح والخطابات هي في صلب الازمة، اذ يكثر الرئيس الأميركي من التصاريح، ولكنه يندر ان يقرنها بأفعال، وهو ما بدا جليا في وقوفه متفرجا في وجه التجاوزات المتعددة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد للخطوط الحمراء التي وضعها أوباما نفسه. والعجز نفسه اظهره أوباما في تعاطيه مع الأزمة الأوكرانية وأزمات أخرى حول العالم.

ما تحتاجه السياسة الأميركية الخارجية، يقول البعض، هو استراتيجيات وخطط لوضعها موضع التنفيذ.

«لقد أدركت مساء أمس انه ليس لدى الإدارة سياسة حول سورية، وليس لديها استراتيجية في سورية»، يقول كبير أعضاء لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ من الجمهوريين بوب كوركر، الذي خرج من لقاء في البيت الأبيض عقدته الإدارة كجزء من حملتها لتحسين صورتها في السياسة الخارجية. حتى اللقاء، الذي انعقد بشكل غير رسمي تحت عنوان «جبنة ونبيذ»، كان «لقاء غريبا»، حسب السناتور الجمهوري.

العارفون ببواطن الأمور يعلمون ان سياسة أوباما الخارجية، وخصوصا في الشرق الأوسط، ليست على وشك ان تتغير، فهو يعتقد ان إيران ستصبح حليفة اميركا بعد التوصل الى اتفاق نووي نهائي، وإذ ذاك يمكن لإيران ان تحفظ للولايات المتحدة مصالحها في المنطقة، بما في ذلك التوصل الى حل سياسي سلمي في سورية.

اما خطاب اليوم في «وست بوينت»، والذي تحاول الإدارة تسويقه على انه مفصلي وفيه مواقف جديدة، فهو على الأرجح لن يشهد تجديدا في السياسة نفسها، بل سيكون فقط حملة علاقات عامة يقودها الرئيس لتحسين صورة سياسته وتجميلها بدلا من تغييرها او تعديلها.

الاثنين، 26 مايو 2014

الكونغرس وافق على تزويد ثوار سورية بمضادات للطائرات ... فهل يقبل أوباما؟

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

ثلاثة تطورات رافقت الملف السوري على مدى الأسبوع الماضي، أولها كان توصل واشنطن والعواصم الغربية الى اقتناع مفاده ان نظام الرئيس السوري بشار الأسد لن ينجح في الالتزام بموعد تدمير ترسانته الكيماوية نهاية الشهر المقبل، وثانيها اشارة تدل على ازدياد الضغط على إدارة الرئيس باراك أوباما من اجل تسليح وتدريب الثوار السوريين، وثالثها بدء الحديث في بعض مراكز الأبحاث الأميركية عن «الخطة باء» في حال استمرار الوضع السوري كما هو عليه.


على الصعيد الكيماوي، قال مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) للصحافيين ان المئة طن مكعب المتبقية في حوزة نظام الأسد «بدأت رحلتها الى مرفأ اللاذقية شمال غربي سورية فيما نحن نجري حديثنا هذا». وأعرب المسؤولون الاميركيون عن ثقتهم في ان الأسد سيسلم المتبقي من المواد الكيماوية المحظورة التي صرح عنها، والتي بلغت 1300 طن مكعب، الا انهم قالوا ان المئة طن المتبقية قد تخرج من سورية «قبل او بعد يوم 30 يونيو» بقليل.


وينص القرار 2118 الصادر عن مجلس الأمن على ضرورة تفكيك نظام الأسد لترسانته الكيماوية، وتسليم المواد الكيماوية لدول تعمل على تدميرها، وكذلك تدمير المنشآت الاثني عشر التي أنتج فيها النظام هذه المواد وخزّنها.


ومنذ صدور القرار في سبتمبر الماضي، تأخر نظام الأسد عن بعض مواعيد التسليم التي تم تحديدها سلفا بحجة الوضع الأمني غير المستقر وسيطرة الثوار على بعض المناطق وقطعهم الطرق، وهو ما ساهم في منع نقل هذه المواد.


الا ان واشنطن تعتقد ان الأسد يحاول تأخير تسليم المئة طن المتبقية للتفاوض حول مصير المنشآت الاثني عشر التي مازال النظام يحتفظ فيها بمواد كيماوية «اما محظورة ولم يصرح عنها»، حسب المسؤولين الاميركيين، او «مواد كيماوية صناعية غير محظورة» مثل مادة الكلور التي تعتقد واشنطن وباريس ان قوات الأسد استخدمتها مؤخرا في هجمات ضد الثوار، مثل في بلدة كفرزيتا في ريف حماة.


ويقول المسؤولون الاميركيون ان «حكومة الأسد اقترحت اقفال منشآتها الكيماوية وفرض رقابة اممية عليها، وهو ما يناقض قرار مجلس الأمن الذي ينص صراحة على وجوب تدميرها».


وأضاف المسؤولون الاميركيون ان «موقف واشنطن واضح وصريح، وينص على التزام قرار مجلس الأمن بحذافيره بما في ذلك ضرورة تدمير، لا اغلاق، المنشآت السورية». وتابع المسؤولون انهم اثاروا الأمر مع نظرائهم الروس، الذين تعهدوا بأن الأسد سيقوم بتسليم كل المادة الكيماوية المتفق عليها، وسيعمد بعد ذلك الى تدمير المنشآت في «مهلة لا تتعدى الأسبوعين».


في هذه الاثناء، تصاعد الحديث لدى عدد من المسؤولين الاميركيين، خصوصا في الكونغرس ومن الحزبين الديموقراطي والجمهوري، حول ضرورة تسليح ثوار سورية.


وقال في هذا السياق العضو الديموقراطي في مجلس الشيوخ ورئيس لجنة الشؤون الدفاعية كارل ليفين ان الحزبين اتفقا على تضمين قانون الدفاع الوطني للعام 2015، والذي يحدد موازنة وزارة الدفاع للعام المقبل، بندا يخوّل – من دون ان يطلب او يملي او يجبر إدارة أوباما -- تدريب وتسليح عناصر معتدلة من الثوار السوريين، وهو ما يعني ان اللجنة رصدت في مشروع القانون الأموال المطلوبة لتدريب وتسليح الثوار.


وقال ليفين: «لدينا بند في القانون يخوّل، الكلمة الأساس هنا يخوّل، تدريب وتجهيز عناصر من المعارضة السورية ممن تم اختيارهم بعناية حتى يتمكنوا من حماية الشعب السوري من الهجمات المريعة التي ترونها من نظام الأسد».


واوضح ان البند يحدد «أنواعا معينة من التجهيزات»، من دون ان يكشف عنها، في وقت قال عاملون في لجنة الشؤون الدفاعية لـ «الراي» ان الكونغرس وافق على تزويد الثوار بصواريخ مضادة للطائرات ومحمولة على الكتف المعروفة بمانباد».


ومع ان تصريحات ليفين تتوافق وتصريحات رئيس الائتلاف السوري المعارض احمد الجربا، الذي زار واشنطن وباريس على مدى الأسبوعين الماضيين، والذي قال ان عواصم الغرب وعدت ببدء تزويدها الثوار بالسلاح قريبا، الا ان الكلمة الفصل تبقى بيد أوباما وحده، الذي لا يبدو بدوره متحمسا لفكرة التسليح حتى الآن، بل يبدو أقرب الى فكرة انتصار قوات الأسد على المجموعات المسلحة والمتطرفة، ومن ثم التوصل الى اتفاق حول سورية على إثر الاتفاق الأميركي مع إيران.


ختاما، عادت بعض مراكز الأبحاث الأميركية الى الحديث عن إمكانية توجيه الولايات المتحدة لضربة جوية لقوات الأسد، وكتب في هذا السياق الجنرال في القوى الأميركية الجوية تشاندلر آتوود مقالا مشتركا مع الباحث في «معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى» جيفري وايت ورد فيه ان دفاعات الأسد الجوية، والتي عمل على تحسينها وتعزيزها بشكل مكثف منذ الغارة الإسرائيلية التي دمرت مفاعل الكبر السوري النووي في العام 2007، قد عانت منذ اندلاع الثور السورية في مارس من العام 2011.


«بعض العمليات ذات الاهداف الهامة، مثل تجريد قوات الأسد من إمكاناتها ودعم المهمات الإنسانية داخل سورية، يمكن القيام بها اليوم بمخاطر قليلة واستخدام مقبول من الموارد الأميركية»، جاء في الدراسة التي ختمت ان «حملة جوية في سورية ليست مجبرة ان تكون اما كل شيء او لا شيء».

السبت، 24 مايو 2014

الغرب يوعز لحلفائه الليبيين بتأييد حفتر

| واشنطن - «الراي» |

يلتزم المسؤولون الاميركيون صمتا مطلقا ومريبا حول الأزمة الليبية، كما ان الديبلوماسيين الأوروبيين في واشنطن يفضلون الصمت كذلك، ولكن بعضهم الذي يتكلم بالإيماء افاد ان «الولايات المتحدة لن تتخذ موقفا من الأزمة الليبية، ولكن لنقل انها لن تتأسف على المجموعات المسلحة التي ستذهب ضحية الحملة التي يشنها اللواء المنشق (خليفة) حفتر».

واوضح أحد هؤلاء انه «يستحيل ان تتحرك مقاتلات في السماء الليبية من دون علم مسبق من القوات الأميركية المتمركزة في البحر الأبيض المتوسط وقوات تحالف الأطلسي». يشرح أحد هؤلاء المسؤولين لـ «الراي» انه بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، لم يعد في المجال الجوي الدولي الكثير من الطائرات التي تطير من دون معرفة السلطات الدولية، فماذا يحصل لو قررت مقاتلة ان تغافل أنظمة الدفاع الجوي في أوروبا مثلا؟».

ويقف على رأس الفصائل الإسلامية تنظيم «أنصار الشريعة»، الذي تصنفه واشنطن إرهابيا والذي تعتقد الولايات المتحدة ان عناصر منه قادوا الهجوم الذي أدى الى مقتل أربعة اميركيين في 11 سبتمبر 2012، منهم السفير في ليبيا كريس ستيفنز.

وقائد التحرك العسكري اللواء المتقاعد حفتر يحمل جواز سفر اميركياً، وهو انشق عن جيش معمر القذافي في الثمانينات، وحاولت وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) ان تموله وليبيين معارضين آخرين، قبل ان تتخلى عن الأمر وقبل ان يصبح الجنرال الليبي في صفوف الليبيين المتقاعدين في المنفى حيث سكن في ضاحية من ضواحي واشنطن.

لكن الثورة الليبية في العام 2011 أعطت حفتر، البالغ من العمر 71، فرصة جديدة للعودة الى الحياة السياسية، فانضم الى الثوار من دون ان ينجح في ترؤسهم بعد صعود نجم اللواء عبدالفتاح يونس، الذي تم اغتياله في صيف ذلك العام. ومنذ ذلك الحين، حاول حفتر ان يقدم نفسه كقائد منقذ يوحد الفصائل الثورية المسلحة والمتبقي من الجيش الليبي، من دون ان يكتب له النجاح حتى مطلع الأسبوع الماضي، عندما شن ما سماه عملية «كرامة ليبيا» لتخليص البلاد من «الإسلاميين»، على حد قوله.

يقول الديبلوماسي الأوروبي: «للشخصيات الليبية المختلفة والفصائل اتصالات مع واشنطن وعواصم أوروبية وعربية، وكل واحدة من العواصم المعنية اوعزت لحلفائها داخل ليبيا بتأييد الجنرال حفتر، ولذلك نرى دائرة تأييده آخذة في الاتساع يوما بعد يوم».

وتوقع المسؤول الأوروبي ان تزداد رقعة تأييد حفتر اتساعاً في الأسابيع المقبلة، كما توقع ان يقوم خصومه بتنظيم أنفسهم في تحالف عريض مواجه. وقال: «نحن امام مواجهة قد تطول، وحركة حفتر ستؤدي حتما الى فرز الليبيين الى مجموعتين أساسيتين، والتي تفوز منها في المواجهة ترسي قواعد الحكم الجديد في ليبيا».

واضاف المسؤول ان «المجموعتين تتألفان من مزيج من الثوار والجيش والقبائل، مع افضلية لجانب حفتر» الذي يرجح الديبلوماسي الأوروبي ان يقود المجموعة الأكبر.

نعود للسؤال عن إمكانية صدور موقف أميركي، يجيب المسؤول الاوروبي: «الولايات المتحدة ما زالت حتى الآن تدرس ان كان وصف انقلاب ينطبق على اطاحة (وزير الدفاع المصري عبدالفتاح السيسي) بـ (الرئيس السابق محمد مرسي)، ولا يبدو اننا أو الاميركيين في عجلة من امرنا لإعلان موقف من الاحداث الليبية او تأييد علني لأي من الطرفين المتحاربين».

على ان في الصمت الأميركي مواقف أكثر من الكلام، فليس من عادات واشنطن ان تسكت عن أي تحرك – عسكري او غيره – يستهدف سلطة منتخبة مثل حالة المجلس الانتقالي الليبي، وليس معروفا عن واشنطن تأييدها مجموعات إسلامية حتى لو كانت هذه تواجه شخصيات لا تحبذها الولايات المتحدة مثل الرئيس السوري بشار الأسد.

وبما ان مواقف اميركا وحلفائها في أوروبا والمنطقة تبدو أقرب الى حفتر، يصبح السؤال: ماذا يعني تأييد هذه الدول لحفتر؟ هل يعني مده بالمال او السلاح؟

يجيب المسؤول الأوروبي ان «الدعم لحفتر ممكن ان يتنوع ويغطي شؤونا عديدة غير السلاح، المتوافر بكثرة أصلا في ليبيا». ويختم: «يمكن للدول المؤيدة لحفتر ان تطلب من حلفائها الليبيين تأييده، وان تؤيده ديبلوماسيا وعالميا، وان توحي لليبيين انها ستوافق على أي حكم ينبثق عن حركته المسلحة، وهذه كلها أمور لا يمكن للجنرال الليبي ان ينجح في حركته، حتى وان هزم خصومه على الأرض، من دونها».

الجمعة، 23 مايو 2014

روس ليتنن: إدارة أوباما تدفع حلفاءنا في الخليج إلى أحضان إيران

واشنطن - من حسين عبدالحسين

اشتدت المواجهة بين الكونغرس، بمجلسيه الشيوخ والنواب من جهة، والرئيس باراك أوباما وادارته من جهة أخرى، وأقحم الطرفان كل الوسائل والحجج المتوافرة لهما بما في ذلك دول الخليج والكويت، فعقدت «اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية» في مجلس النواب جلسة استماع اتهمت فيها أوباما بتقويض حلفاء اميركا في المنطقة، وضعضعة دول الخليج، ودفعها نحو أحضان إيران، فيما حاول مجلس الشيوخ تعديل قانون التحالف الاستراتيجي الأميركي مع إسرائيل لتضمينه بندا يعطي الكونغرس حق نقض أي اتفاقية نووية مع إيران.

وقالت رئيسة اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط وشمال افريقيا وعضو الكونغرس من الحزب الجمهوري عن ولاية فلوريدا اليانا روس ليتنن: «هذا الأسبوع تم اعلان أن امير الكويت سيزور إيران نهاية الشهر، فيما وجهت العربية السعودية دعوة الى وزير الخارجية الإيراني (محمد جواد ظريف) للزيارة».

وأضافت ليتنن انه «لا يجب تذكير أحد منا بمخطط إيران لاغتيال سفير السعودية في الولايات المتحدة، هنا في واشنطن، لفهم الى أي مدى يمكن ان تذهب إيران في محاولاتها لقلب ميزان القوى في المنطقة في مصلحتها» معتبرة ان «ليست فكرة إيران النووية وحدها هي التي تهددنا وحلفاءنا في المنطقة، ولكن كذلك دور إيران كأكبر راع للإرهاب الذي تجب مواجهته».

وتابعت روس ليتنن ان «إيران تسعى لشن حروب بالوكالة وهجمات ضد الولايات المتحدة وضد حليفتنا دولة إسرائيل اليهودية الديموقراطية، وضد مصالحنا القومية الأمنية في المنطقة، كذلك ضد عدد من الدول الشرق أوسطية».

وقالت: «لذلك، اعتقد ان على دول مجلس التعاون (الخليجي) الامتناع عن إقامة علاقات أكثر قرباً مع إيران، وان تتمسك بخط لمواجهة ضد هذا النظام الإرهابي وان تتخلى عن أي طموح في تعميق تحالفاتهم الاقتصادية مع طهران».

واضافت المسؤولة الأميركية انه «إذا تخلينا عن حلفائنا في الخليج في محاولتنا التوصل الى اتفاقية سيئة مع إيران تبقي على بنيتها التحتية النووية وتسمح لها بالاستمرار بتخصيب اليورانيوم، لن نخسر فقط ما تبقى لنا من ثقة مع دول مجلس التعاون، بل سنفتح الباب على مصراعيه لسباق تسلح في الشرق الأوسط».

وقالت: «في نهاية المطاف، كانت الولايات المتحدة هي التي مارست الضغط على هذه الدول لفرض عقوبات على النظام الإيراني، وهي الآن تنظر الى حماس الإدارة للتوصل الى اتفاقية مع طهران وكأن الولايات المتحدة تبيعها للإيرانيين الذين سيجبرونها على التوصل الى اتفاقيات مع طهران».

لكن إدارة أوباما لا تخالف الكونغرس في توجسه من إيران وحلفائها في المنطقة فحسب، بل هي تدعو الى تحالف واشنطن مع طهران في مواجهة «الإرهاب» لأن في ذلك مصلحة الولايات المتحدة. وكان لافتا في هذا السياق المقال الذي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» بقلم جوناثان ستيفنز، وهو سبق ان عمل حتى العام الماضي كمسؤول في شؤون الشرق الأوسط في «مجلس الأمن القومي».

في مقالته، التي تعكس الى حد كبير تفكير أوباما وفريقه، كتب ستيفنز: «اعجبكم ام لا، في الوقت الحالي نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد وخصوم الولايات المتحدة الشيعة إيران وحزب الله يشكلون أفضل مضاد للمجموعات الجهادية العابرة للدول، (هذه المجموعات) التي تستجمع قواها في سورية وفي جوارها والتي تكسب المزيد من القوة».

وستيفنز ليس وحيدا داخل إدارة أوباما ممن يعتقدون ان الصداقة مع إيران الشيعية هي في مصلحة الولايات المتحدة، خصوصا لناحية مواجهة المجموعات السنية المتطرفة، وليس ستيفنز أكثر المؤيدين للأسد او «حزب الله»، اذ داخل «مجلس الأمن القومي» الأميركي الحالي أعضاء ممن سبق ان التقوا الأسد في دمشق مراراً ومعروف عنهم تأييدهم له ولبقائه في الحكم حتى اليوم.

ولأن الكونغرس، الذي تسيطر عليه غالبية من الحزب الجمهوري يخشى ان يوافق أوباما على «أي اتفاقية» مع إيران، حتى لو كانت على حساب مصالح اميركا وحلفائها في المنطقة وفي صدارتهم إسرائيل، راح اعضاؤه بمجلسيه يبحثون في السبل المتاحة لهم لمواجهة الرئيس الأميركي، وبدأوا بشن حملة تشريعية وسياسية ضد سياسة أوباما القاضية بالتقارب مع إيران بأي ثمن.

لكن الرئيس الأميركي رمى بثقله في المواجهة مع الكونغرس واتصل شخصيا بمشرعين، من الحزبين، لإجبارهم على التخلي عن التعديل الذي قدمه السناتور الجمهوري بوب كوركر، والذي يقضي بتعديل قانون التحالف الاستراتيجي الأميركي مع إسرائيل لتضمينه بندا يعطي الكونغرس حق نقض أي اتفاقية نووية مع إيران، ما حمل المعلقة في صحيفة «واشنطن بوست» جينيفر روبن على الكتابة ان خطوة أوباما «تتعارض مع ما سبق ان اعلنه مسؤولو ادارته لناحية ان الكونغرس سيكون مشاركا في أي اتفاقية نهائية مع ايران تؤدي الى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها».

ومع ان رفع العقوبات الأميركية عن إيران يحتاج الى قانون في الكونغرس، الا ان لرئيس الولايات المتحدة الصلاحية لتعليق أي عقوبات بموجب مرسوم اشتراعي يتم تجديده على أساس سنوي.

ومواجهة أوباما، شخصيا، مع أعضاء الكونغرس حول سياسته الخارجية ليست الأولى من نوعها، فقبل أسابيع، سرت تقارير مفادها انه على إثر قيام عضو مجلس الشيوخ الديموقراطي عن ولاية ديلاوير، كريس كونز بربط الصراع في أوكرانيا بأحداث سورية والتشبيه بينهما اثناء جلسة استماع علنية، استشاط أوباما غضبا واتصل بكونز هاتفيا وقال له: «إذا كنت تريد الفوز لحزبنا (الديموقراطي) في الانتخابات المقبلة (في نوفمبر) فلا تثير موضوع سورية».

ظريف: مصالحنا مع واشنطن كثيرة وعدم الاتفاق يؤدي الى صراع أكبر

| واشنطن - من حسين عبد الحسين |

اكد وزير خارجية إيران جواد ظريف ان المصالح المشتركة بين بلاده والولايات المتحدة كثيرة، وان إعادة وصل ما انقطع بين البلدين في العام 1979 ممكن، لكن بعض المجموعات التي يقول المسؤول الإيراني انها «لا تريد ان ترى اتفاقا، أولئك الذين يرون مصالحهم في انعدام الثقة المتبادلة والصراع، يعملون بكد من اجل منع الاتفاق».

واطل الوزير الإيراني للمرة الثانية في اقل من أسبوعين، عبر القنوات الأميركية الكثيرة التي تشكل جزءا من اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة. هذه المرة اختار الصحافية روبن رايت، التي زارت طهران في مارس الماضي والتي تتمتع بعلاقات وثيقة بالنظام الإيراني خولها الحصول على تأشيرة دخول متعددة الاستخدام، وهو شرف موصوف للأميركيين من أصدقاء طهران.

رايت بدورها اختارت مجلة «نيويوركر»، المعروفة بقربها من أوساط النظامين السوري والإيراني، لتنشر مقابلتها مع ظريف، التي قال فيها ان المفاوضات النووية بين بلاده ومجموعة الدول الست «ليست حول المقدرات النووية، (بل) هي حول كرامة وسلامة إيران».

وكرر ظريف التهديدات الإيرانية من مغبة عدم التوصل الى اتفاق، وتوقع ان يكون «هناك صراع أكبر، وتوتر اعلى، وانعدام ثقة أكثر،» معتبرا انه في غياب الاتفاق سيكون هناك المزيد مما كان في الماضي، «ولكن هذه المرة قد لا تكون ادارته سهلة كما في الماضي، وقد تسوء الأحوال، وتصبح أكثر خطورة».

وتابع ظريف انه لا يعتقد ان حربا ستندلع بين بلاده، من ناحية، وإسرائيل والولايات المتحدة، من ناحية أخرى.

على ان الوزير الإيراني قال ان الخيار
الآخر هو ان تعمل «القوى العالمية»، التي يبدو ان ظريف يجزم ان إيران من بينها، «على أمور جدية تثير قلقا مشتركا لديها وان تحاول معالجتها». هذه المشاكل، حسب ظريف، «تتضمن مشاكل عدم الاستقرار، التطرف، الإرهاب في الشرق الأوسط وأفغانستان».

وألمح ظريف، في وسط الازمة الغربية مع روسيا وتقارب الأخيرة من الصين، انه يمكن لإيران ان تحل محل روسيا كشريك موثوق به للغرب. وقال ان المصالح المشتركة بين إيران والغرب تتضمن «كون إيران مصدرا موثوقا للطاقة لأوروبا».

ولأن رايت استنتجت انه يمكن لإيران العودة كي تلعب الدور الذي كانت تلعبه قبل الثورة في العام 1979، عندما «كانت تشكل وإسرائيل احدى
الركيزتين للسياسة الأميركية في المنطقة»، حاول وزير الخارجية الإيراني التنصل من تبني هذا التشبيه، لكنه كرر فكرة المصالح المشتركة بالقول: «هل قلت مصالح مشتركة... لدى إيران مصلحة أمن قومي بمكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل، فاذا كانت الولايات المتحدة مهتمة بهذا الأمر، فهذا موضوع مشترك».

وأضاف: «لدى إيران مصلحة أمن قومي في حرية الملاحة في الخليج الفارسي... لدينا مصلحة أمن قومي في محاربة الإرهاب في أفغانستان، عدم الاستقرار في أفغانستان». وتابع: «لدينا مصلحة امن قومي في الاستقرار وفي الحفاظ على حكومات مستقرة في المنطقة... ولدينا مصلحة امن قومي في وضع حد لسيل الدماء في سورية».

وختم ظريف مقابلته في «نيويوركر» بالقول: «إذا ما اخذت ما تقوله الولايات المتحدة حرفيا، فستجد فيه تقارباً (مع إيران)».

ورغم دعوته الى تحالف يعيد إيران الى سابق عهدها كمتعهد أمن لدى الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لم يقل ظريف في «نيويوركر» مباشرة ما ورد في مقالته في مجلة «فورين افيرز» المرموقة قبل اقل من أسبوعين، والتي جاء فيها ان على دول العالم «ان تقبل واقع ان دور إيران بارز في الشرق الأوسط وما بعده، وان تحترم حقوق إيران القومية الشرعية، ومصالحها، ومخاوفها الأمنية».

ومما ورد في المقالة ان «على الغربيين، خصوصا الاميركيين، ان يعدلوا من مفاهيمهم تجاه إيران والشرق الأوسط، وان يطوروا مقاربات أفضل لفهم واقع المنطقة ولتفادي أخطاء الماضي في التقدير والممارسة».

وفي حال التوصل الى اتفاق، ستعمل إيران على توثيق العلاقات مع الولايات المتحدة، وكذلك مع الاتحاد الأوروبي، حسب ظريف، الذي اقترح انشاء «ترتيب للأمن والتعاون في منطقة الخليج الفارسي»، معتبرا ان إيران «كقوة إقليمية مسؤولة، ستشارك بفاعلية في محاربة واحتواء التطرف والعنف من خلال تعاون ثنائي ومتعدد الأطراف مع دول المنطقة وما بعدها».

الثلاثاء، 20 مايو 2014

بقاء الأسد.. مبادرة إيرانية للحل في سوريا

حسين عبدالحسين

قدمت طهران مبادرة الى باريس وواشنطن لحل الأزمة في سوريا. أسمتها "المبادرة الإيرانية" وقالت انها تهدف من ورائها لوضع حد لإراقة الدماء السورية، وان الأطراف التي لن تتعاون هي التي تتحمل مسؤولية المزيد من الدماء المسالة. المبعوث الفرنسي الذي يزور طهران قال ان المبادرة يمكن البناء عليها. الاميركيون يعولون أصلاً على مصالحتهم مع الإيرانيين للتوصل الى حل سوري، لأن الازمة هناك ليست حول سوريا، على حد تعبير رئيس الأركان مارتن ديمبسي الأسبوع الماضي، بل هي أزمة "من بيروت الى دمشق الى بغداد".

وحتى يسيل لعاب الاميركيين، تصدرت النقاط الإيرانية الأربع لازمة "مكافحة الإرهاب". تقول طهران انه بعد وقف إطلاق النار في سوريا، يتحول انتباه الطرفين المتقاتلين الى مواجهة الإرهاب والإرهابيين هناك. النقطتان الثالثة والرابعة تبدوان سهلتين: تشكيل حكومة مؤقتة موسعة بين المعارضة والنظام، حسب ما تنص اتفاقية جنيف، ثم تنظم الحكومة الموسعة انتخابات رئاسية وبرلمانية بمشاركة جميع الأطراف السياسية، وليفز الطرف الأقوى.

طبعاً لا تتطرق الخطة الإيرانية الى مصير الرئيس السوري بشار الأسد، لكن الحديث عن مشاركة الجميع يشي بأن إيران تعتقد ان من حق الأسد الترشح لولاية ثالثة والبقاء في منصبه في حال فاز في الانتخابات. حتى فوزه، يحتفظ الأسد بقواه الأمنية والاستخباراتية، وكذلك يحتفظ بجزء يسير من الحكومة المؤقتة، ربما نصفها، فضلا عن سيطرته على معظم مقدرات الدولة.

بكلام مختصر، يقول مراقبون اميركيون اطلعوا على فحوى المبادرة الإيرانية، ان طهران تعتقد انه يمكن بقاء الأسد حاكماً أوحد لسوريا، على ان يتحول حاكماً كالمالكي، يسيطر على الدولة ومقدراتها فيفوز بالانتخابات إثر الانتخابات، ولكنه في الوقت نفسه يجاري ويساير ويشارك في أمور الحكم الداخلية، وخصوصاً غير المتعلقة بسياسات الامن والخارجية.

والاقتراح الإيراني حول سوريا يشبه الاقتراحات الإيرانية في لبنان، والتي قدمها "حزب الله" الى معارضيه في "تحالف 14 آذار"، إذ قدم امين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، مراراً وعلناً، عرضاً الى رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، بأن يشغل الأخير نفسه في شؤون "إعادة الاعمار" والاقتصاد، وان يترك المقاومة، أي السياسات الأمنية والخارجية في لبنان، في ايدي الحزب منفرداً.

وعرض إيران–"حزب الله"، للحريري، مازال قائماً، وأعاد تقديمه النائب ميشال عون اثناء لقاء، الاثنين، في باريس، طالباً من الحريري انتخابه رئيساً، في مقابل عودة الحريري الى رئاسة الحكومة، فيهتم الاثنان في شؤون الاقتصاد والاجتماع، بمشاركة على طريق المثالثة مع رئيس البرلمان نبيه بري، ويبتعد الثلاثة عن شؤون الامن والخارجية، بل يهللون للحزب في أي خطوة يخطيها، أو في أي أمر يفعله في هذا الإطار، ومن دون مساءلة.

ذلك كان تصور الحزب لدخوله في تحالف مع الحريري ووليد جنبلاط، وحتى سمير جعجع، في العام 2005، وذلك كان تصور الحزب عندما وافق على تعيين الحريري رئيساً للحكومة، وعدم قبول الحريري بالترتيب المذكور هو الذي أدى الى فرط عقد حكومته واجبره على مغادرة البلاد في ما بعد.
إذاً، في سوريا كما في لبنان، مواضيع الحكم الداخلية، كالاقتصاد والاجتماع، هي للقوى السياسية المتنوعة جميعها، فيما مواضيع السياسات الخارجية والأمنية هي حكر على محور المقاومة، الذي يضم طهران و"حزب الله" والأسد، وأي إخلال بهذا الترتيب، يؤدي الى قيام المحور المذكور بفرضه عنوة حتى إعادته.

في الماضي، وافقت باريس وواشنطن على هذا الترتيب في لبنان بعد الحرب الاهلية، وعلى إثر الانسحاب السوري في العام 2005، وفي اتفاقية الدوحة في العام 2008، ويبدو ان العاصمتين مستعدتان لقبوله مجدداّ الآن، في لبنان وفي سوريا.

المشكلة الوحيدة لباريس وواشنطن تكمن في شخص بشار الأسد نفسه، واثارته للانقسام في سوريا، كما في لبنان وباقي دول المنطقة، وسابقة استخدامه للأسلحة الكيماوية، وتحويل نفسه ونظامه الى مشاكس يصعب غفران ما قام به ويجبر كل من العاصمتين على الإصرار على محاكمته بتهم جرائم حرب.

لكن، اذا خرج الأسد، حتى لو بقي كل نظامه، تنقلب الصورة، وهو ما تأمل واشنطن أن تفعله طهران، وأن تتخلى عن بشار في مقابل حصولها على الترتيب الذي ترتضيه في سوريا، كما حصل في لبنان والعراق.

طهران ليست معروفة بتخليها عن أصدقائها، ولكنها تدرك استحالة احتفاظها بسوريا مع بقاء الأسد فيها، فتحاول تغيير حسابات الغرب بتغيير الواقع العسكري على الأرض، فهل يؤدي ذلك الى تراجع أميركا، المتراجعة دوماً، وتحول باريس، المتقلبة يومياً؟

السبت، 17 مايو 2014

الجمهوريون ينتقدون أوباما لوضعه «البيض كله» في سلة إيران ... وإغفاله الضغط عليها

| واشنطن - من حسين عبد الحسين |

وشاركت الولايات المتحدة في المفاوضات على مستوى وكيلة وزارة الخارجية مع ترؤس وندي شيرمان وفدها المفاوض، فيما حضرت إيران بشخص وزير خارجيتها محمد جواد ظريف.

وقال مسؤولون اميركيون للصحافيين انهم لا يعتقدون ان الاتفاق ناجز بعد، وان الخلافات المتبقية التي يعمل الطرفان على تذليلها معقدة، وقد «تسوء الأوضاع قبل ان تنفرج»، على ان نبرة المسؤولين الاميركيين لا تشي بأن المفاوضات هي في طريقها الى التعثر، او أن الطرفين قد يحتاجان الى تمديد الاتفاقية الموقتة لستة أشهر أخرى.

على انه رغم الحذر الأميركي المصطنع، تشير كل الدلائل الى حتمية توقيع الاتفاقية بحلول يوليو.

من الدلائل الاستعدادات الظاهرة التي تقوم بها الشركات الأميركية والأوروبية للعودة الى السوق الايرانية، كما تعمل المؤسسات الدولية كالبنك وصندوق النقد الدوليين على العودة الى طهران.

وتوقعت الأوساط الأميركية ان تؤدي عودة الإنتاج الإيراني الى سوق النفط الدولية الى خفض اسعار النفط. يضاف ذلك الى وصول الإنتاج النفطي العراقي الى مراحل قياسية بلغت 3.25 مليون برميل يوميا، وعودة انتاج ليبيا النفطي، وزيادة في الإنتاج المحلي الأميركي.

ويقول الخبراء الاميركيون ان انخفاض سعر برميل النفط الى 89 دولارا، وهو المستوى الذي كان عليه في ديسمبر 2010 قبل اندلاع ثورات الربيع العربي، من شأنه ان يضيف نصف نقطة مئوية الى نمو الناتج المحلي الأميركي على مدى العام المقبل، فيتعدى الأخير عتبة 4 في المئة، وهي نسبة إيجابية وتقلص الفارق مع الاقتصاد الصيني المتباطئ الذي صارت التوقعات تشير الى قرب انخفاض نموه الى 6 في المئة سنويا.

هذه هي الاعتبارات التي تحرك واشنطن في تقاربها مع طهران ورؤيتها لضرورة التوصل الى تسوية مع الإيرانيين.

وبعيدا عن الشركات الأميركية التي تستعد لدخول السوق الإيرانية وخبراء الاقتصاد الذين يتوقعون انعكاسات إيجابية للتوصل الى اتفاقية مع إيران، يردد مؤيدو الاتفاقية النهائية مع الإيرانيين ان التسوية سيكون لها تأثيرات إيجابية على الجانب السياسي كذلك، وان الإيجابية ستؤدي الى «خفض للتوتر في منطقة الشرق الأوسط بين إيران وجيرانها»، والى «إدخال إيران في الحلول التي يمكن التوصل اليها لأزمات مثل سورية».

وكان رئيس الأركان الأميركي الجنرال مارتن ديمبسي قال في اطلالة له اول من أمس ان الازمة في سورية ليست حول سورية، بل هي ازمة من «بيروت الى دمشق الى بغداد»، وان الحل فيها لا يكون الا عبر تسوية إقليمية، ما يعني ان الإدارة الأميركية تعول على تقاربها مع طهران كمخرج وحيد للأزمة السورية.

لكن المشككين في نجاعة سياسة أوباما، وخصوصا من الحزب الجمهوري، يعبرون عن حذرهم من الخطة الأميركية الحالية.

ويقول هؤلاء ان أكبر الأخطاء التي يرتكبها أوباما هو انه «يضع كل بيضه» في سلة التسوية الإيرانية، وهو ما يضع الإيرانيين في موقف أفضل في المفاوضات. وينتقد أحد كبار المسؤولين الجمهوريين في الكونغرس إدارة أوباما بالقول ان السياسات الأميركية في الماضي كانت تخوض مفاوضات في نفس الوقت الذي تخوض فيه مواجهات، وانه لو عملت واشنطن على تسليح ثوار سورية، كان يمكن لها ان تساهم في زيادة الضغط على إيران، والعكس صحيح، اذ كلما تقدم حلفاء إيران في سورية، وجدت طهران نفسها في موقع أفضل على طاولة المفاوضات مع المجتمع الدولي.

كذلك يتهم الجمهوريون إدارة أوباما بعدم تقديم رؤيتها للحل مع إيران مخافة من ان تتحول هذه الرؤية الى موقف ملزم في حال اضطرت الإدارة الى تقديم تنازلات من اجل ضمان التوصل الى تسوية مع الإيرانيين.

في هذه الاثناء، تعتقد الغالبية من الجانبين - الديموقراطي والجمهوري - ان التسوية مع الإيرانيين حاصلة، وان طهران ستتراجع عن ملفها النووي، وهو ما حدا ببعض الجمهوريين الى الانتقال في الحديث حول أمور أخرى، مثل حقوق الانسان، والقول ان واشنطن أخطأت بتركيزها على النووي الإيراني دون غيره، ما سيعطي الإيرانيين حصة كبيرة جدا تفوق ما تم الحديث عنه في الماضي وتم وصفه بـ«التسوية الكبرى».

ومن المتوقع ان يعقد المفاوضون ثلاث جلسات مقبلة في فيينا قبل التوصل الى توقيع اتفاق نهائي قبل 20 يوليو، وهو امر يبدو انه صار ممكنا من وجهة نظر غالبية الوفود الغربية والإيرانيين على حد سواء.

الجمعة، 16 مايو 2014

التغيير أين: في إيران أم في رؤية الغرب إليها؟

حسين عبدالحسين

«من المهم جدا للدول الأخرى أن تقبل واقع أن دور إيران بارز في الشرق الأوسط وما بعده، وأن تحترم حقوق إيران القومية الشرعية، ومصالحها، ومخاوفها الأمنية». بهذه الكلمات لخص وزير خارجية إيران جواد ظريف مطالب بلاده في مقالة في مجلة «فورين أفيرز»: «على الغربيين، وخصوصا الأميركيين، أن يعدلوا من مفاهيمهم تجاه إيران والشرق الأوسط، وأن يطورا مقاربات أفضل لفهم واقع المنطقة ولتفادي أخطاء الماضي في التقدير والممارسة»، يضيف الوزير الإيراني، الذي يؤكد أن هذه الفرصة قد لا تلوح مجددا، و«أن علينا أن لا نضيعها».

لم يسبق أن قدم مسؤولو «حكومة التغيير» المزعومة، التي انتخبها الإيرانيون باختيارهم حسن روحاني رئيسا لهم قبل عام، رؤيتهم بهذه الصراحة: المشكلة مع الغرب ليست نووية، ولا ترتبط بتغيير مزعوم في القيادة الإيرانية. مشكلة إيران مع الغرب، حسب ظريف، تكمن في رؤية الغرب نحو إيران ودورها الإقليمي والعالمي، وضرورة تغيير الرؤية الغربية حتى تتقبل إيران ودورها، وحتى يتم التوصل إلى حل يرفع العقوبات الدولية عن نظام طهران.
المقالة بحد ذاتها تحمل مؤشرات متعددة، أولها أن اللوبي الإيراني ينشط بشكل مكثف من أجل تسويق اتفاقية أميركية مع إيران مبنية على تعديل – لا السياسات الإيرانية – بل الموقف الأميركي من هذه السياسات.

المؤشر الثاني يتمحور حول قبول، بل تشجيع، المؤسسة الأميركية الحاكمة (الاستابلشمنت) للتغيير في الرؤية الغربية نحو إيران، وضرورة الاعتراف بدور لها شرق أوسطي وعالمي، فمجلة «فورين أفيرز» ليست من المطبوعات الهامشية أو اليسارية، بل هي في صلب النقاش الأميركي حول السياسة الخارجية، واستخدامها منبرا يعني أن طهران تسعى كي تخاطب التيار الأميركي الرئيسي.

ومقالة جواد ظريف مليئة بالتناقضات، التي لا يبدو أن الناشرين في «فورين أفيرز» يعبأون بها.
أبرز هذه التناقضات هي أن ظريف يقدم انتخاب روحاني على أنه العنوان الرئيس للتغيير في العلاقة الإيرانية مع العالم، ويعتبر أن الإيرانيين قالوا كلمتهم بالتصويت من أجل هذا التغيير. لكن التغيير المزعوم في القيادة الإيرانية لا ينعكس تغييرا في مواقف إيران، أو دعمها لمجموعات تقوض سيادات حكومات في المنطقة، مثل «حزب الله» في لبنان وسوريا، و«عصائب أهل الحق» في العراق، وغيرها، بل عليه أن ينعكس تغيير في سلوك الغرب ورؤيته لنظام طهران.

طبعا، تمنع النرجسية ظريف، وهو من الفريق الإيراني العامل على المبالغة بمعنى التغيير في القيادة الإيرانية، من رؤية التناقض الذي يقدمه، كما تمنعه نرجسيته كذلك من أدراك أن تقديمه التغيير على أنه تاريخي قد ينطبق على إيران، لكنه بالتأكيد لا ينطبق على الغرب أو على الدول غير إيران، فما الذي تجنيه دول العالم من استمرار إيران في برنامجها النووي، أو في تقويضها سيادات الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وفي تغذيتها الصراع الطائفي فيه؟
ويعتقد ظريف أن انتخاب روحاني أمر تاريخي، ولكن هذا الانتخاب لا يعني الدول في شيء إلا أن تمت ترجمته إلى تغيير في التصرفات والسياسات الإيرانية، وطبعا هذا لم ولا يبدو أنه سيحصل. ما يعني أن لا تاريخية لانتخاب روحاني، ولا أهمية لهذا الانتخاب إلا في عقل من يعملون على تسويق هذا الانتخاب وتصويره إنجازا للغرب، فيما هو في الواقع لا يغير في الأمور كثيرا.

وبعد أن يمر ظريف في مقالته مرور الكرام على الموضوع النووي، ويكتب بثقة عن أن الاتفاقية النهائية بين إيران والمجتمع الدولي سيتم التوصل إليها لا محالة، يقدم الوزير الإيراني تصوره لدور إيران بوصفها قوة إقليمية يتصورها.
إيران الجديدة ستعمل على توثيق العلاقات مع الولايات المتحدة، وكذلك مع الاتحاد الأوروبي، حسب ظريف، الذي يقترح أيضا إنشاء «ترتيب للأمن والتعاون في منطقة الخليج الفارسي»، وكأن المشكلة هي غياب يجمع هذه الدول مع إيران في منظمة واحدة، وكأن المنظمات القائمة، مثل «مجلس دول التعاون»، غير موجودة.

أما الأهم في رؤية ظريف، فهو أنها «بوصفها قوة إقليمية مسؤولة، ستشارك إيران بفاعلية في محاربة واحتواء التطرف والعنف من خلال تعاون ثنائي ومتعدد الأطراف مع دول المنطقة وما بعدها»، يكتب الوزير الإيراني، الذي زار ضريح قائد «حزب الله» العسكري عماد مغنية، والذي رفضت بلاده – القوة الإقليمية المسؤولة – حضور «مؤتمر جنيف» لأنها رفضت عملية انتقال السلطة في سوريا، على الرغم من أن بشار الأسد نفسه أرسل وفدا إلى المؤتمر الذي انتهى بفشل ذريع.

ديمبسي: لو أخذ الأسد عائلته وأزلامه ورحل... فكيف ستدير سورية نفسها؟

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

رحيل الرئيس السوري بشار الأسد لا يحل الازمة في سورية، والحل يأتي باتفاق إقليمي فقط. هذا ما تعتقده الإدارة الأميركية، وهذا ما أوردته «الراي» مرارا، وهذا ما قاله أول من أمس رئيس الأركان في الجيش الأميركي الجنرال مارتن ديمبسي، الذي شكك في جدوى رحيل الأسد متسائلا: «لو اخذ الأسد عائلته وازلامه جميعهم وغادر سورية اليوم، كيف ستدير هذه البلاد نفسها؟».

وقال ديمبسي خلال حوار اثناء مؤتمر حول السياسات الدفاعية في مركز أبحاث «مجلس الأطلسي» انه لا يوافق المعارضة المسلحة اعتقادها ان أسلحة مضادة للطائرات تساهم في التوصل الى حل، بل هي تؤدي الى حلول موقتة فقط.

واوضح: «عندما ننظر الى المستقبل ونحاول ان نرى كيف سينتهي (هذا الصراع)، في مرحلة ما، ستحتاج المعارضة السورية الى بضعة أشياء، ستحتاج الى منظومة حكم يمكنها ان تقدم من خلالها خدمات جيدة وأمناً للسكان، (وان لم تفعل ذلك) تفشل بسرعة». وأضاف ان: «كائنا من كان (ان لم يقدم ذلك) سيفشل تقريبا فورا».

وتابع الجنرال الأميركي: «ثانيا، سيحتاجون الى قوة للحفاظ على الأراضي التي يسيطرون عليها، واستخدامها من اجل الإغاثة الإنسانية ومن اجل استكمال النشاط ضد النظام... وبالمناسبة، للقيام بمكافحة إرهاب مع تزايد هذا النوع من الخطر واستمرار نموه».

وأوضح ديمبسي: «عندما أتحدث انا عما تحتاجه سورية، اضع الأمور في هذا الشكل، أي انهم يحتاجون الى القوة التي بحوزتهم الآن التي يحاولون من خلالها حماية القرى المحلية، ويحاولون مضايقة النظام وموازنته على الأرض، ويحتاجون الى ما يمكنهم للحفاظ على الأراضي، ومكافحة الإرهاب، وكل ذلك يجب ان يتحقق بشكل مسؤول امام الشعب السوري».

وقال الجنرال الأميركي ان بلاده «ليست حاليا في طور تزويد المعارضة السورية بذلك، وهذا ما يجب علينا ان نناقشه»، مستدركا ان «النقاش ليس اميركيا فقط، بل متعدد الأطراف دوليا وإقليميا».

وأضاف: «بالمناسبة، الموضوع ليس سورية، بل هو من بيروت الى دمشق الى بغداد».

وهنا تدخل المحاور قائلا ان الثوار في سورية يعتبرون انه لا يمكنهم الدفاع عن الأراضي التي يسيطرون عليها في وجه تفوق جوي لقوات الأسد وانهم يحتاجون لأسلحة مضادة للطائرات لمواجهته، فرد ديمبسي: «هذا رأيهم». وبعد محاولات من المحاور للحصول على رد من ديمبسي في هذا الشأن، أجاب الجنرال الأميركي: «هذا رأيهم، وان لا اوافقهم بالضرورة».

وتابع ديمبسي: «انظر، إذا ما اخذ الأسد عائلته وازلامه جميعهم وغادر سورية اليوم، كيف تدير هذه البلاد نفسها؟» وأجاب ديمبسي السؤال الذي طرحه بالقول انه في حال رحيل الأسد سيكون هناك صراعات تلي الصراع الحالي، وقال: «سيكون هناك تتابع في الصراعات، هناك الصراع القائم حاليا، ثم يكون هناك صراع ثان وهو سيكون نوع من الصراع الداخلي، ثم سيكون هناك الصراع الثالث ضد التنظيمات الإرهابية التي تنمو هناك».

إذا، لا حلول عسكرية في سورية حسب الجنرال الأميركي، والحل يكون بتسوية إقليمية فقط، وهذا تصور يتزامن مع كشف مبعوث الأمم المتحدة الأخضر الابراهيمي، الذي قدم استقالته أمس، خطة إيران للحل التي تكون بتشكيل حكومة وحدة وطنية تحت رئاسة الأسد، ثم اجراء انتخابات رئاسية بمراقبة دولية، وعلى الأرجح تسمح بترشح الأسد وربما فوزه بولاية ثالثة.

واشنطن، بدورها، لا تمانع الاقتراح الإيراني من حيث تشكيل حكومة انتقالية تتألف من المعارضة ونظام الأسد وتشرف على انتخابات رئاسية مقبلة. الاختلاف الوحيد بين واشنطن وطهران في سورية هو حول بقاء بشار الأسد نفسه، وهو ما تريده طهران، فيما تريد واشنطن رحيل الأسد وبقاء نظامه، فهل تؤدي التسويات المقبلة بين اميركا وإيران الى التوصل الى تسوية بينهما حول هذا الموضوع؟ ومن يتنازل للآخر؟ هل توافق طهران على رحيل الأسد مقابل احتفاظها بنفوذها في سورية ومعظم منطقة الشرق الأوسط باعتراف اميركي؟ ام تتنازل واشنطن وتعتبر ان بقاء الأسد هو جزء من الاعتراف بدور إيران ونفوذها في المنطقة؟

الخميس، 15 مايو 2014

نجاحات حافظ الأسد وخيبات ابنه بشار

حسين عبدالحسين

الحديث عن الأحداث الكبرى التي غيّرت في أوضاع لبنان وسوريا غالبا ما يتطرق الى الثورة الإيرانية، ونهاية الحرب الباردة، وأحداث 11 سبتمبر (أيلول)، وحرب العراق. لكن أبرزها، وهو ما يندر الحديث عنه، هو رحيل الرئيس السوري حافظ الأسد. ربما بقاء نظامه من بعده، في عهدة ولده بشار، قد يكون سببا لاعتبار ان يوم موت حافظ في 10 يونيو (حزيران) 2000 لم يكن تاريخا مفصليا، لكن الحقيقة هي ان الأسد الاب كان الرجل الوحيد الذي أخرج سوريا من دوامة انقلاباتها، ونجح في تثبيتها، ثم تثبيت لبنان من بعدها، وإبقاء الصراع الإقليمي السني – الشيعي خارج البلدين، فيما الأسد الابن هو الذي أدخل سوريا في حرب دموية طائفية ودمار لم تعرف له مثيل منذ زمن الاجتياح المغولي.

على أننا اليوم، بعد 14 عاما على رحيل حافظ الأسد و11 عاما على انهيار صدام حسين ونظامه، صرنا نعرف ان الأنظمة القمعية ليست مؤسسات ولا أجهزة، بل هي منظومات تتمحور حصريا حول فرد واحد، وحول شخصيته ومزاياه ومزاجه. وبرحيل الشخص، ترحل منظومته بأكملها، وبحلول ابنه مكانه – كما في الحالة السورية – تحل منظومة جديدة تتمحور حول شخصية جديدة وأسلوب مختلف.

القصص عن حافظ الأسد كثيرة. هنا في واشنطن، يكرر وزير الدفاع تشاك هيغل أنه أثناء عمله سيناتورا قرر لقاء حافظ الأسد، فطلب من وزير الخارجية السابق جيمس بيكر – الذي التقى الأسد مرارا – نصائح؛ «لا تشرب أي سوائل عند الفطور او قبل لقائك به... لا قهوة ولا شاي ولا عصير برتقال».. كانت تلك نصيحة بيكر لهيغل لأن الاجتماعات مع الأسد الأب كانت تمتد لساعات، وكان يقول ما يريده فعليا في كلمات قليلة قبل النهاية بقليل فيما ضيفه يستعجل الخروج.

وفي لبنان، تقول الرواية إن حافظ الأسد قال لوليد جنبلاط، الذي زاره بعد مقتل ابيه كمال، «هنا جلس ابوك»، ما اعتبره البعض تهديدا ضمنيا لجنبلاط الابن بالتخلي عن خط الأب او مواجهة المصير نفسه. وتقول رواية أخرى إن اللقاء الأخير الذي منحه حافظ الأسد للوزير والنائب السابق وأمين حزب البعث السابق في لبنان عبد الله الأمين، قال له فيه: «سمنان يا عبد الله».

وفي سنوات من اللقاءات بين رئيس حكومة لبنان الراحل رفيق الحريري وحافظ الأسد، لم ينقل أحد عن الحريري انه عاد مذعورا وأنه تلقى تهديدات، فحافظ الأسد حكم لبنان بواسطة الحريري وجنبلاط ورئيس مجلس النواب نبيه بري و»حزب الله» وغيرهم. وحدهم المسيحيون لم يأنسوا لفكرة أنهم لم يعودوا أسياد الشرق ولا شياطينه، وأن حاكم دمشق هو الذي يسيّر أمور سوريا ولبنان.

المؤرخون يستخفون أحيانا بحافظ الأسد. يقولون إن اميركا كافأته لمشاركته في حرب الخليج الأولى بتوكيل أمر لبنان إليه. لكن ذلك لم يحدث من باب المصادفة. الأسد أنفق سنوات، حقق في بعضها نجاحات أكثر من أخرى، قبل أن يسيطر على سوريا ولبنان كليا.

مثلا، أقلق الأسد تمدد الثورة الإيرانية شيعيا في لبنان، فهو كان عمل منذ أوائل السبعينات مع الإمام موسى الصدر على إنشاء قوة شيعية لبنانية موالية له، فيما إيران دخلت الساحة اللبنانية بالاستعانة بمقدرات وعلاقات ياسر عرفات، غريم الأسد. لكن الأسد، لفطنته، لم يواجه الإيرانيين فورا، بل ماشاهم، واختار الوقت المناسب لإخضاعهم.

هكذا، لم يكن من قبيل المصادفة أن الأسد اختار مطلع العام 1987 ليرسل قواته لتصفية مقر «حزب الله» في ثكنة فتح الله. كانت القوات الإيرانية في ذلك الوقت تشن حملات «كربلاء» للاستيلاء على البصرة العراقية. الدول العربية كانت تطلب من الأسد تأييد العراق. إيران كانت تحتاج لحلفاء عرب. ولعلمه أن الجميع يخطبون وده، اجتاحت قوات الأسد مقر «حزب الله»، ولم يستقبل الأسد موفدي إيران الذين سارعوا للشكوى والاستيضاح، وهو عندما فعل ذلك، أجبر الإيرانيين على قبوله آمر لبنان الفعلي، وهو ترتيب بقي قائما حتى العام 2005.

بلدة لبنانية بعد بلدة، طائفة بعد طائفة، عاصمة إقليمية بعد الأخرى، لم يطل العام 1990 وانهيار صدام حسين آخر عرابي بعض القوى اللبنانية، حتى أصبح الأسد «آخر الواقفين» في لبنان، ففاز هو، وفاز حلفاؤه، ولكنه مع ذلك لم يطح بخصومه، بل سمح لهم بالبقاء، على شرط احتفاظه بالكلمة الأخيرة، وهذه كان يقولها بالترميز في اجتماعاته معهم.

بشار الأسد شخصية مختلفة. منذ تسلمه «ملف لبنان» في العام 1998، عمد إلى بناء حلفاء جدد من صفوف العسكر والاستخبارات، وحاول استنساخ نظام سوريا الأمني في لبنان. حليفا الأسد الأب، الحريري وجنبلاط، حاولا عبثا تكريس الترتيب القائم، والذي يحفظ لكل زعيم لبناني حقه في الداخل ويعطي سوريا حق الوصاية. لم يعبأ بشار الأسد بالترتيب السابق، ولم يعمد إلى الترميز في حواراته حتى، وهو إن صحت الرواية، هدد بـ «كسر لبنان على رأس الحريري و(رئيس فرنسا السابق جاك) شيراك».

هكذا أطاح بشار الأسد بإنجازات حافظ، في لبنان أولا، ثم في سوريا. خرجت قوات بشار الأسد من لبنان بعد 29 عاما، وأصبح نفوذ آل الأسد في لبنان مستندا إلى قوة «حزب الله» وإيران، التي ارتمى الأسد الابن في أحضانها تماما، من دون أن يفطن أن الموازنة بين إيران والدول العربية كانت سر سطوة الأسد في لبنان كما في سوريا.

وكما أخطأ في لبنان، كذلك فعل في سوريا، وإن صحت الرواية الأخرى عن زيارة وفد درعا إلى بشار الأسد، على أثر التعذيب الذي لقيه أولادهم على أيدي الاستخبارات، والمذلة التي وجهها الأسد الابن إليهم، لصار مفهوما أن الاختلاف في الشخصية بين الأسدين هو في صلب التغيير الكبير الذي طال لبنان ثم سوريا.

ربما لو زار وفد درعا الأسد الأب، لقال لهم «تكرم عيونكم»، ولحاول تحديد الشخصية الأبرز من بينهم وصادقه ضد الثاني منهم، ثم يصادف أن يموت الثالث في «حادث» بعد شهور. ثم بعد سنوات، ينظر زعيم الوفد إلى وفده فيجده تبعثر ويجد نفسه وحيدا، فيختار إما الانصياع لحافظ الأسد، أو السجن، أو النفي.

اليوم، حتى لو تغلب الأسد الابن على معارضيه في سوريا، من الصعب أن يتخلص من وصاية إيران. في لبنان، خسر الأسد نفوذه كليا لمصلحة «حزب الله». في سوريا، أصبح حاكما باسم إيران. لم تكن الظروف هي وحدها التي فرضت على بشار الأسد الموقف الذي يجد نفسه فيه اليوم، بل هو الاختلاف الهائل في الشخصية بين الأب الحاذق والصبور والابن العديم الخبرة والمتهور.

* كاتب لبناني