واشنطن - من حسين عبدالحسين
يمرّ الحزب الجمهوري الأميركي، الذي يسيطر على غالبية الكونغرس بغرفتيْه، بفترة عصيبة أدت الى الإطاحة برئيس الكونغرس جون باينر، اليميني المعتدل الذي قدم استقالته ومن المتوقع ان يغادر السلطة التشريعية نهاية الشهر الجاري.
والمشكلة التي يعاني منها الحزب الجمهوري، وربما غالبية أحزاب يمين الوسط في الغرب، هي صعود اليمين المتشدّد، في ظاهرة، يعزوها الباحثون الى ردة فعل على التغييرات التي يشهدها العالم، مثل صعود تنظيمات إسلامية متطرفة حول العالم، والهجرة المستمرة الى دول الغرب، بطريقة تنذر بتغيير التركيبة الديموغرافية، وتالياً بعض التقاليد التي قامت عليها هذه الدول وحكوماتها.
والذعر من المهاجرين الوافدين لا يقتصر على الخوف من المسلمين، فالجمهوريون الاميركيون - وهم في غالبيتهم من المسيحيين - يعارضون الهجرة حتى للوافدين من أميركا الوسطى والجنوبية، وجلّ هؤلاء المهاجرين عادة مسيحيون يتحدثون الإسبانية، ما يشي ان خوف الجمهوريين من المهاجرين ليس دينياً انما عرقياً ولغوياً.
والخوف الجمهوري من الهجرة قدم فرصة لبعض السياسيين الشعبويين، ومنهم عدد لا بأس به من المرشحين الجمهوريين الى الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في نوفمبر 2016.
رجل الاعمال ومتصدّر المرشحين الجمهوريين في استطلاعات الرأي دونالد ترامب، بنى جزءا لا بأس به من شعبيته حول معارضته القاسية للمهاجرين، ووعد ببناء جدار عملاق على الحدود الأميركية الجنوبية مع المكسيك لمنع المهاجرين من التسلّل بصورة غير شرعية. ويعارض أكثر المرشحين الجمهوريين الهجرة، ويطالبون بترحيل كل المقيمين في البلاد بصورة غير شرعية.
مثال آخر على شعبوية المرشحين الرئاسيين الجمهوريين يتجلّى في السيناتور الجمهوري عن ولاية تكساس، تيد كروز، الذي يقدم نفسه على أنه أكثر المرشحين الملتزمين بمبادئ الحركة اليمينية المحافظة. وكروز هذا لا يطالب بالانقضاض على المهاجرين غير الشرعيين واغلاق الحدود في وجه الوافدين الجدد منهم فحسب، بل يدعو الى وقْف الإنفاق الحكومي الفيديرالي، ما عدا المخصّص للشؤون العسكرية والدفاعية.
وكجزء من استعراضه عرقلة تمويل الحكومة، شنّ كروز حملة لتعطيل تمديد قانون الإنفاق الذي انتهت صلاحيته أمس. وطالب كروز بوقْف تمويل صندوق التنظيم الاسري، وهو صندوق يموّل برامج، منها الإجهاض.
وراح كروز يتهم زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل بالكذب، وحاول عرقلة أي قانون تسوية مع الديموقراطيين يؤدي الى استمرار تمويل الحكومة، فما كان من قيادة الحزب في الكونغرس إلا ان قمعته بعنف، ورفضت منحه النظام في الجلسة، ولم يجد كروز من يسعفه من الشيوخ الجمهوريين الحاضرين.
ويبدو ان مشكلة الحزب الجمهوري هي مبالغة بعض قيادييه، وخصوصاً المرشحين الى الرئاسة، في استعراض مدى التزامهم بالمبادئ «اليمينية المحافظة». فعلى الرغم من مشاغبة كروز ومحاولته تعطيل «الإنفاق الحكومي»، اظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «كوينيباك» ان «67 في المئة من الاميركيين يعارضون وقْف الكونغرس تمويل الحكومة الفيديرالية». واللافت في الاستطلاع ان 59 في المئة من الجمهوريين يعارضون وقْف التمويل، ما يشي ان مواقف كروز لا تتماشى حتى مع غالبية الجمهوريين، ما يعني انها مواقف تستهدف كسب رضى اقلية متشددة داخل الحزب.
ويعاني الحزب الجمهوري من عدد من الأعضاء في الكونغرس مثل كروز، ممن يجدون في الشعبوية الطريق الأقصر لتسلّق سلم الزعامة ولفت الأنظار، فيزايدون على مواقف قيادة الحزب، ويتّهمونها بالتراخي في المواقف المبدئية. وفي المرة الأخيرة التي صادق فيها الكونغرس على رفع سقف الاستدانة في فبراير 2014، لم ينجح باينر في حشد تأييد أعضاء حزبه في الكونغرس، باستثناء قرابة 25 منهم، فاستند الى الكتلة الديموقراطية ليشكّل معها غالبية ويسمح للحكومة تفادي عدم تسديد أي من ديونها، وهو أمر إن حدث فسيكون له تأثيرات بالغة على الثقة المحلية والعالمية بالحكومة الأميركية وسنداتها والدين الذي بحوزتها. ومنذ ذلك التاريخ، يحرّض اليمينيّون داخل الحزب الجمهوري، من أمثال كروز، ضد باينر، ويعملون على الإطاحة به في أقرب فرصة ممكنة، وهو ما دفع الأخير الى استباق أي تحرك ضده بإعلان تقاعده وخروجه من العمل العام.
وخروج باينر يأتي بعد فترة قصيرة من خروج زعيم الغالبية الجمهورية السابق أريك كانتور، الذي خسر في الانتخابات التمهيدية داخل حزبه العام الماضي، أمام مرشح متشدد مغمور، فقط لأن كانتور ابدى ليونة في موضوع الهجرة.
خروج اليمنيين الوسطيين ممن دخلوا في تسويات حول مواضيع خلافية عديدة مع الرئيس باراك أوباما والحزب الديموقراطي ينذر بأن الحزب الجمهوري ينحو باتجاه اليمين المتطرف، مع ما يعني ذلك من تهوّر في السياسة وتعطيل عمل الحكومة.
كذلك، من شأن ابتعاد الحزب الجمهوري عن الوسط واقترابه أكثر من اليمين ان يقلّص فرص الحزب في استعادة الرئاسة من الديموقراطيين، فالفوز بالرئاسة يحتاج الى بناء تحالف واسع فيه شرائح متنوعة، بما في ذلك جزء من كتلة الاميركيين من أصول أميركية جنوبية، الذين ابعدهم الجمهوريون من معارضي الهجرة. وما حصل للجمهوريين في انتخابات العام 2012 هو ان سطوة اليمين أجبرت المرشحين على الجنوح يميناً اثناء الانتخابات التمهيدية داخل الحزب، ما جعل عودتهم الى الوسط في الانتخابات العامة امراً صعباً ومعقداً، إلا لو أرادوا التراجع عن مواقف سبق ان التزموا بها، وهو ما يؤثر سلباً في فرص انتخابهم.
الحزب الجمهوري يجنح نحو اليمين، وهو ما يجبر الوسطيين على التقاعد، وهو كذلك ما دفع بعض الجمهوريين الى رفع الصوت ضد اتجاه الحزب الحالي، فأطل ابنا الرئيس الجمهوري الأسطوري الراحل رونالد ريغان ليقولا انهما لا يعتقدان ان والدهما كان ليفوز بترشيح الحزب الجمهوري لو كان حياً اليوم. وقام ناشطون ببث مواقف مصورة لريغان تظهره يؤيد تنظيم الهجرة، وهو الرئيس الذي أصدر عفواً عاماً عن أكثر من 10 ملايين مقيم بصورة غير شرعية في منتصف الثمانينات. ويوم وجد ريغان ان الضرائب لا تكفي لتمويل الحكومة، قام برفعها، وهو أمر يبدو شبه مستحيل على أي جمهوري قبوله اليوم.
الحزب الجمهوري يمر بفترة عصيبة تسمح للظواهر الشعبوية الصعود على حساب المعتدلين والقابلين للوصول الى البيت الأبيض، وإن لم يكن الامر كذلك، فكيف يمكن تفسير انه بعد أشهر عدة على بدء السباق الرئاسي، مازال جب بوش، سليل عائلة بوش التي تقع في صميم الحزب الجمهوري ومبادئه وأفكاره، مازال في المركز الثالث بين المرشحين الرئاسيين حسب استطلاعات الرأي المتكررة؟