السبت، 30 يناير 2016

مذكرة أميركية: روسيا تلمّح إلى قدرتها على استبدال الأسد في أي وقت

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

تداولت الاوساط الحكومية الاميركية مذكرة ورد فيها تقييم للعلاقة المباشرة التي تسعى حكومة روسيا اقامتها مع ضباط في «الجيش العربي السوري» التابع للرئيس بشّار الأسد. وتضمنت المذكرة سيناريوات افتراضية لنجاح الحملة العسكرية الروسية، المستمرة منذ 30 سبتمبر الماضي، في فرض سطوة القوات الحكومية على غالبية الاراضي السورية، ومرحلة ما بعد الانتصار.

وتشير المذكرة الى ان المسؤولين الروس يكررون التلميحات، اثناء لقائهم نظراءهم الاميركيين، الى ان موسكو نجحت في اقامة علاقات وثيقة بكبار ضباط الأسد، وانه يمكن لروسيا ان تستبدل الأسد بأحد اركان نظامه في اي ساعة تشاء.

وتعكف الاوساط الاميركية على دراسة سيناريوات ما بعد توقف القتال في سورية، وتعتقد غالبية المسؤولين الاميركيين انه حتى لو قيض للأسد الانتصار، من شبه المستحيل عودة الامور الى ما كانت عليه قبل العام 2011، اي عودة الرئيس السوري الى السيطرة المطلقة والانفراد بالقرار داخل سورية.

كما يعتقد المسؤولون الاميركيون أن صراعا خفيا بين روسيا وايران، للسيطرة على سورية، يتطور منذ فترة. ويقول أحد المسؤولين الاميركيين، على شرط عدم ذكر اسمه، ان المشاركين في التحالف «روسيا وايران والأسد يقفون اليوم في صف واحد لأنهم يعتقدون انهم في خطر وأن المرحلة تتطلب الحاق الهزيمة بالمعارضة السورية اولا».

لكن من الواضح انه في حال انتصر الأسد والتحالف المؤيد له، فان صراعا سينشأ بين الاطراف المنخرطة في هذا التحالف، حسب المصادر الاميركية التي تضيف: «ستسعى ايران الى تثبيت دور الميليشيات التي عملت على انشائها، وسوف تحاول دفع الميليشيات لتكون لها اليد العليا على حسب الأسد ونظامه».




ويعتقد المسؤولون الاميركيون ان ضباطا من النخبة من الدولتين، ايران وروسيا، يشرفون على القتال ضد المعارضة السورية ويشاركون فيه وفي توجيهه، ولو انتصر تحالف الأسد، سيعتبر كل من الطرفين، اي ايران وروسيا، انه خلف الانتصار، و«سينشأ حتما صراع خفي بينهما في محاولة كل منهما للسيطرة على سورية وفرص النفوذ بعد توقف القتال».

واثناء اشراف الضباط الروس على مجريات المعارك في محافظتي اللاذقية وادلب، والتنسيق مع نظرائهم السوريين في اماكن اخرى من البلاد، يبدو ان علاقة قوية نشأت بين ضباط في جيش الأسد وموسكو.

في الظروف العادية، تقول المصادر الاميركية، يمكن لأي من الضباط السوريين الذين يمكن ان يشكلوا تهديدا لزعامة الأسد «ان يموتوا في حوادث ما»، لكن الأسد يعرف ان حياة هؤلاء الضباط الذين يعملون لديه تحميها موسكو، وان التخلص منهم قد يكلفه الكثير في علاقته مع الروس التي لا يمكنه الاستغناء عنها.

ويبدو أن واشنطن تسعى منذ سنوات لتحديد طبيعة العلاقة بين روسيا وايران والأسد، خصوصا على ارض القتال. ويعتقد المسؤولون الاميركيون انه من الصعب ان تكون العلاقة مركزية محصورة بنظام الأسد وحده، اذ ان اشراف الروس على القتال يحتم اتصالا مباشرا بين ضباط موسكو وضباط «الجيش العربي السوري» من دون المرور بالتراتبية العسكرية او بالقنوات الرسمية للنظام، وكذلك الأمر بالنسبة للضباط الايرانيين ونظرائهم السوريين.

ويسعى المسؤولون الاميركيون الى معرفة من هم الضباط في الجيش السوري ممن تدعي موسكو انهم صاروا محسوبين عليها.

ويضيف هؤلاء المسؤولون: «منذ اندلاع الحرب السورية، تشير التقارير الواردة من ساحات المعارك ان التوتر يشوب العلاقة بين جيش الأسد، من ناحية، والميليشيات الشيعية المؤيدة لايران مثل حزب الله اللبناني ولواء ابو الفضل العباس العراقي، من ناحية اخرى».

وتتابع المصادر الاميركية ان حالات من التوتر بين قوات الأسد والقوات الشيعية المتحالفة معها كانت واضحة جدا في بعض الحالات. وتضرب المثل بالقول انه «كان حزب الله ينخرط في مفاوضات مع المعارضين السوريين المسلحين من دون مشاركة النظام، وكان الحزب احيانا يعطي وعودا، مثل وقف اطلاق النار لفترة معينة، ثم تقوم قوات الأسد بقصف المناطق المتفق على وقف اطلاق النار فيها لتقويض مصداقية الحزب».

وفي وقت ما زالت الدوائر الاميركية تسعى لتحديد التراتبية داخل التحالف الروسي - الايراني مع الأسد، تقول المصادر انه خارج الجيوش النظامية واقنية التنسيق الرسمية المعروفة بينها، يصعب التنسيق خصوصا بين مجموعات ذات مرجعيات مختلفة واهداف مختلفة في القتال، وفي سورية «يسعى كل طرف - الروس والايرانيون والأسد - الى اثبات انه المرجع الاعلى داخل هذا التحالف».

وتختم المصادر الاميركية بالقول: «حتما سمعنا من كل واحد من اطراف التحالف المذكور انه صاحب قرار هذا التحالف، لكن يبدو لنا ان الاكثر سورية بينهم (الأسد) هو الحلقة الاضعف، وانه لم يعد يتمتع بقرار يذكر، ما يجعل عملية استبداله بغيره من داخل التحالف عملية خاضعة لحسابات موسكو وطهران، او واحدة من هاتين العاصمتين دون الاخرى».

الجمعة، 29 يناير 2016

واشنطن تكذب والأمم المتحدة تنحاز

حسين عبدالحسين

ادارة الرئيس باراك أوباما تكذب في كل كلمة تقولها في الشأن السوري، فيما الأمم المتحدة منحازة بالكامل لروسيا وايران والرئيس السوري بشار الأسد، او هذه هي على الأقل حصيلة الاسبوعين الماضيين اللذين حاولت الأمم المتحدة خلالهما انقاذ ماء وجه مجلس الأمن الدولي، وقراراته “الملزمة” وجدوله الزمني للأزمة السورية، فأصرّت على عقد مفاوضات سورية، وزار وزير الخارجية الاميركي جون كيري الرياض، والتقى المعارضين السوريين، وحاول لي ذراعهم بتهديدهم بوقف المساعدات الاميركية الانسانية للاجئين السوريين ما لم يشاركوا في المفاوضات.

وعندما حاولت المعارضة انتزاع ضمانات من المسؤول الاميركي، اجابها “حليفها” بنفس العبارات التي يرددها في العلن، لناحية ان مصير الرئيس السوري بشار الأسد يحدده السوريون.

لم يحترم كيري عقول السوريين، ولا عقول متابعي الأزمة السورية، فجزء لا بأس به من المساعدات الانسانية للاجئين السوريين يذهب الى “الهلال الاحمر السوري”، الذي يديره نظام الأسد، وهو ما حمل قطر والسعودية على التقنين في تبرعاتها في المؤتمرات الماضية التي عقدتها الامم المتحدة لجمع التبرعات للاجئين السوريين.

ثم عندما يقول كيري ان مصير الأسد يحدده السوريون، هل يعني ذلك ان المقاتلات الروسية وضباط “الحرس الثوري الايراني” هم ايضا جزء من هؤلاء “السوريين” الذين يعملون على تحديد مصير الأسد؟ ام ان المسؤول الاميركي، بقوله ان مصير الأسد يحدده السوريون، يكرر عبارة تافهة دأب على تردادها المسؤولون الروس والايرانيون على مدى الاعوام الماضية؟

استخفاف كيري بالمعارضة السورية و”داعميها”، الذين اتهمهم مبعوث الأمم المتحدة الى سوريا سيتفان ديمستورا في رسالته الى مجلس الأمن بعرقلة المفاوضات، ربما دفع كيري للضغط عليهم. لكن ردة الفعل العربية فاجأت كيري ومساعديه، ودفعتهم الى التبرير، ودفعت العاملين في وزارته، مثل مسؤول سوريا مايكل راتني، الى التنصل من اقوال كيري في الرياض، ومحاولة التبرير بالقول انه تم تحويرها.

بيد انه لم يكن هناك اي تحوير او تزوير، كيري قال موقف أميركا الحقيقي المتمسك ببقاء الأسد، ثم راح هو وراتني يكذبان ويحاولان التملص من تلك الاقوال. 

وحتى لا نظلم كيري، قد يكون موقفه الشخصي هو نفسه الذي اعلنه يوم تثبيته وزيرا مطلع العام ٢٠١٢، عندما قال ان الوسيلة الوحيدة لاقناع الأسد بالرحيل هو دعم المعارضة عسكريا والاثبات ان لا سبيل للرئيس السوري للبقاء في الحكم. 

لكن رأي كيري لا يهم، فصانع السياسة الاميركية في سوريا هو الرئيس باراك أوباما نفسه، وهو يؤيد تماما قيام روسيا وايران بالاستيلاء على سوريا والقضاء على داعش والنصرة. لهذا السبب، دأب أوباما على اختيار سلسلة من العاملين في “مجلس الأمن القومي”، وهؤلاء هم الذين يقررون السياسة فعليا، ممن يعتقدون ان حل الأزمة السورية يتمثل في اعادة تأهيل الأسد، وابقائه في الحكم، والسماح له بإلحاق الهزيمة بكل خصومه.

بيد انه في السنوات الماضية، كان رأي أوباما المنحاز للأسد تحت الضوء وخاضعاً للرأي العام الاميركي وموقف حلفاء اميركا العرب والاتراك. لكن في السنة الاخيرة له في الحكم، لم يعد أوباما مهتما لا بالرأي العام الاميركي ولا بحلفاء اميركا، فأطلق العنان لسياسته ولفريقه، واوعز الى كيري بالقيام بما يلزم لفرض سطوة روسيا وايران والأسد داخل سوريا، وانهاء المعارضة السورية بكل اشكالها.

وكما في اميركا كذلك في الأمم المتحدة، التي استحت في الماضي ابان دعوتها ايران للمشاركة في جنيف ٢ وسحبت الدعوة بعد تهديد المعارضة بالمقاطعة، لم تعد الأمم المتحدة تخجل من بلاهة طروحاتها المنحازة للروس والأسد، وصارت تصر على عقد مفاوضات “بمن حضر”، على الأقل إضاعة للوقت حتى يتسنى للأسد وحلفائه السيطرة عسكريا على الارض السورية.

اميركا تكذب والأمم المتحدة تنحاز، وكلما ادرك المعارضون السوريون ذلك، كلما نجحوا في تحسين ادائهم والعمل على الأهم، اي الصمود عسكريا والانتظار حتى مجيء ادارة أميركية قد تكون اكثر انصافا.

الخميس، 28 يناير 2016

«لوبي» طهران في واشنطن يراهن على فوز كلينتون لاستكمال التقارب

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

أظهر حفل عشاء لجمع التبرعات، عقده الايراني - الاميركي مايكل شوغيني، ان اللوبي الموالي لطهران في الولايات المتحدة، يراهن على انتخاب المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون رئيسة، لاستكمال عملية التقارب الايرانية - الأميركية، التي بدأت تتسارع منذ توقيع الاتفاقية النووية في فيينا في يوليو الماضي.

وبيعت البطاقات للأفراد بسعر 250 دولاراً، فيما منح المنظمون لقب «بطل» لكل فرد تبرّع بمبلغ ألف دولار او اكثر. وحضرت العشاء تشيلسي، ابنة الرئيس السابق بيل كلينتون و هيلاري.

وشوغيني هو من اعضاء مجلس ادارة «المجلس القومي الايراني - الاميركي» الذي يرأسه تريتا بارسي، الذي يتمتع بعلاقات وطيدة بوزير الخارجية الايراني جواد ظريف، منذ ان عمل الاخير موفدا لبلاده في الأمم المتحدة في نيويورك.

وسبق لشوغيني ان اقام حفلات جمع تبرعات للرئيس باراك أوباما في العام 2007، وهو من الناشطين في الحزب الديموقراطي في ولاية كاليفورنيا، المعروفة بتواجد كثيف للايرانيين الاميركيين بشكل دفع بعض الاميركيين الى اطلاق لقب «طهرانجلس» على مدينة لوس انجلس.

واثار قبول عائلة كلينتون التبرعات الايرانية حفيظة المجموعات الأميركية اليمينية. وكانت شبكة «فوكس» التفلزيونية نشرت في سبتمبر الماضي، بريدا الكترونيا ارسله احد مساعدي بيل كلينتون الى وزارة الخارجية، اثناء عمل زوجته هيلاري فيها في العام 2012، طالباً الاذن للإدلاء بخطاب مدفوع في العشاء السنوي للمجلس القومي الايراني - الاميركي.

وتأتي انباء جمع اللوبي الايراني التبرعات لحملة كلينتون الرئاسية، في وقت نشر بارسي مقالة في موقع «هفنغتون بوست» حدد فيها 3 خطوات، اعتبر انها مطلوبة من اجل الحفاظ على العلاقة الايرانية - الأميركية المتجددة وتوسيعها في عهد الادارات المقبلة.

واعتبر بارسي ان عودة العلاقات الطبيعية بين البلدين قد تكون متعذَّرة في المستقبل القريب، خصوصا ان طهران تقوم بمضايقة كل من يحاولون استئناف هذا النوع من العلاقة. وقال ان العلاقة المباشرة بين وزيري الخارجية جون كيري وظريف جيدة، لكنها لا تكفي، داعياً الى اقامة «حوارات استراتيجية» بين الوكالات الحكومية المختلفة في البلدين.

ولفت بارسي الى عرض قدمه الايرانيون للرئيس السابق جورج بوش، رفضه الاخير، موضحاً انه لو قبل بوش العرض الايراني، لكان تغير الكثير في المنطقة، ولكان في الإمكان تفادي أحداث العراق والثورة السورية.

وبارسي هو مؤلف كتاب بعنوان «التحالف المخادع: التعاملات السرّية بين إسرائيل، ايران، والولايات المتحدة». وتطرق الكتاب الى العرض الايراني لبوش، واعتبر انه كان من شأن قبول أميركا العرض ان يعيد خلق المثلث الاميركي - الايراني - الإسرائيلي في منطقة الشرق الاوسط.

الخطوة الثانية التي تحدث عنها بارسي تهدف الى تبادل الزيارات بين الكونغرس الاميركي والبرلمان الايراني. وكانت محكمة اميركية كشفت رسائل بريد الكتروني سابقة لبارسي اظهرت انه كان يعمل - بالتنسيق مع ظريف ايام اقامة الاخير في نيويورك - على تنظيم رحلات لاعضاء الكونغرس الى ايران.

الخطوة الثالثة - وهي الاهم حسب بارسي - تقضي بزيادة التواصل بين مجتمعي اميركا وايران عن طريق ربط «مراكز الابحاث» في البلدين والاندية الرياضية، وحتى يحدث ذلك، لا يمكن حصر العلاقة الأميركية - الايرانية بالرئيسين باراك أوباما وحسن روحاني ووزيري خارجيتهما.

وفي خضم الحملة التي يشنها اللوبي الايراني من اجل تثبيت علاقة طهران بواشنطن وتوسيعها مع الادارات المقبلة، نشرت وكالة الانباء الايرانية الرسمية «إرنا» تقارير عن بدء محادثات بين جهات ايرانية واميركية لإعادة استئناف الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين لأول مرة بعد 36 عاماً من الانقطاع.

الثلاثاء، 26 يناير 2016

كيف تصمد المعارضة السورية ل 10 أشهر؟

حسين عبدالحسين

في تغريدة واحدة، لخصت الصحافية الأميركية لورا روزن، من حيث لا تدري، والتي تعمل في موقع إخباري يموله سوري - أميركي موالٍ للأسد، واقع المفاوضات السورية المتعثرة. وكتبت: "انتخابات الرئاسة الأميركية في عشرة أشهر، ما الذي يدفع القوات المعارضة (للرئيس السوري بشار) الأسد على المساومة قبل أن ترى من هو الرئيس المقبل؟". وأضافت: "يمكن (للمعارضة) تمرير الوقت حتى ذلك الحين".

روزن محقة في تساؤلها، فإدارة الرئيس باراك أوباما صارت بحكم المنتهية، وهي لا يمكنها ضمان تنفيذ حتى قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي عملت مع روسيا على اصدراه، والذي ينص على ضرورة تنظيم انتخابات رئاسية في سوريا منتصف العام 2017.

لكن الادارة الاميركية المقبلة غير ملزمة بالقرار 2254، ولا برؤية أوباما، ولا سياسته الدولية، ولا انحيازه لإيران ضد خصومها العرب، ولا تأييد أوباما للأسد، الذي لم يعد تأييداً ضمنياً، بل تحول علنياً على مدى الاسبوع الماضي، مترافقاً مع تقذيع الرئيس السوري، من باب ذر الرماد في العيون.

ويعرف المتابعون انه بعد 4 سنوات على اقفال الروس لمجلس الأمن، لم يكن القرار 2254 ليصدر لو لم تتراجع — لا موسكو حسبما يزعم المسؤولون الاميركيون — بل واشنطن. والتراجع الاميركي صار بادياً للعيان، على الأقل منذ زيارة وزير الخارجية إلى الرياض، السبت الماضي، حيث بدا جلياً أن الولايات المتحدة لا تشترط خروج الأسد، لا قبل مفاوضات جنيف ولا بعدها، ولا تشترط استبعاده عن اي انتخابات مقبلة، ولا ترضى مشاركة المعارضة السورية المسلحة — من غير داعش والنصرة — في المفاوضات، على الرغم من ان القرار 2254 ينص على مشاركة سورية متعددة.

ولأن لا حياء اميركياً بعد الآن في معاداة المعارضة السورية وداعميها العرب والاتراك، هدد كيري بوقف دعم المعارضة في حال امتنعت عن المشاركة في مفاوضات جنيف. أما المفارقة الأكبر، فتكمن في السؤال التالي: إذا كانت ادارة أوباما تعتبر أنها على مدى الاعوام الماضية كانت تدعم المعارضة السورية، فكيف يكون الحال في حال أوقفت واشنطن دعمها؟

منذ توقيع الاتفاق النووي مع إيران في تموز/يوليو الماضي، أصبحت ادارة الرئيس أوباما في صف واحد مع كل من روسيا وايران والأسد، لا في سوريا فحسب، وإنما في عموم المنطقة. روسيا تدرك ذلك، لذا سارعت الى تنفيذ عملية عسكرية لمساعدة الأسد في القضاء على الثوار عسكرياً، فيما تسعى موسكو لاختراق صفوف المعارضة بفرض معارضيها ديبلوماسياً.

وفي خضّم حملتها لفرض انتصار الأسد، تعرف موسكو، وربما طهران، أن أمامها 10 أشهر، أو 12 شهراً في أبعد تقدير. بعد ذلك، يأتي رئيس أميركي جديد، فإذا كان رئيس من الجمهوريين، لا بد أنه سيظهر قسوة ضد الروس والايرانيين في سوريا والعالم، وإن كانت الديموقراطية هيلاري كلينتون، فهي لا شك ستعكس سياسة أوباما الخارجية على الرغم من تظاهرها التماهي معه في حملتها الانتخابية من أجل كسب أصوات الكتلة الاميركية من أصل افريقي ضد خصمها بيرني ساندرز. وحده السناتور ساندرز سيكمل سياسة أوباما بالاستمرار في التماهي مع روسيا وايران، على حساب حلفاء أميركا التقليديين، في حال انتخابه.

على أن مهلة سنة طويلة جداً في عالم السياسة والعسكر، وسلسلة الانتصارات التي يحققها الأسد شمالي اللاذقية، وجنوبي حلب، تنذر بأن الحملة الروسية قد تنجح في حمله على استعادة معظم ما خسره امام المعارضين على مدى السنوات الاربع الماضية، باستثناء المناطق الجنوبية التي تحظر اسرائيل، بالاتفاق مع روسيا، على حلفاء الأسد — مثل حزب الله — القتال فيها، في وقت يعتقد الخبراء الاميركيون أن لا مقدرة للأسد على استرداد الجنوب بمفرده ومن دون الميليشيات المتحالف معها.

هكذا، يصبح سؤال روزن محقاً، فيما اجابتها عن السؤال تقتصر على كونها من باب التكهنات.

نظرياً، الافضل للمعارضة السورية أن تتجاهل أوباما بالكامل، وأن تركز على ادائها العسكري علّها تنجح في صد الحملة العسكرية الروسية، أو على الاقل احتوائها بأقل خسائر ممكنة على الارض. لكن واقعياً، تحتاج المعارضة السورية الى الكثير من مقومات الصمود، ومن غير الواضح إن كان داعموها سيخضعون لضغط الادارة الاميركية المنتهية صلاحيتها، أم أنهم سيستمرون بدعم المعارضة من دون الاكتراث لرئيس صارت قصته معروفة وسياسته مكشوفة وصلاحيته منتهية,

مفاوضات جنيف السورية تبدأ الجمعة «بمن حضر»

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

أعلن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا، أمس، أن المفاوضات بين النظام والمعارضة ستبدأ الجمعة المقبل في جنيف «بمن حضر» وتستمر لمدة ستة أشهر، لكن ليس بشكل متوصل، مضيفا ان الجولة الأولى ستستمر بين اسبوعين وثلاثة أسابيع.

وقال دي ميستورا في مؤتمر صحافي عقده في جنيف ان الدعوات لحضور هذه المحادثات ستوزع اليوم، موضحا: «سأرسل الدعوات بناء على تخويل مجلس الأمن».

ورفض دي مسيتورا الخوض في تفاصيل هذه الدعوات، أو ما إذا كان سيوجه دعوة لـ «وحدات حماية الشعب» الكردية التي تعترض على إشراكها أنقرة وقوى المعارضة، مضيفا أن «المحادثات ستكون مباشرة بين كل الأطراف ولن نسمح بشروط مسبقة».

واعتبر المبعوث أن الأمر الأساسي هو بدء الحوار بالحد الأدنى من التوافق، متوقعا «الكثير من الانسحابات خلال المفاوضات». وأشار إلى أنه لن يكون هناك افتتاح للمفاوضات التي ستبدأ «بمن حضر».

وقال أنه سيدفع باتجاه «وقف حقيقي للنار وليس فقط على نطاق محلي»، لكنه أشار إلى أن وقف النار مع تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) و»جبهة النصرة» ليس مطروحا على الطاولة.

عدا عن ذلك، لا يعتبر المبعوث الاممي اي تنظيمات مسلحة اخرى داخل سورية ارهابية، الا اذا قام مجلس الأمن بتصنيفها على انها كذلك، وهو ما يحتاج اجماع يصعب على موسكو فرضه.

وحسمت تصريحات المبعوث الدولي التي تمثل تراجعا الجدل الدائر حول رفض روسيا وايران والأسد اشتراك ممثلين عن «حركة احرار الشام» و»جيش الاسلام» في جنيف، وفتحت الباب امام بقاء ممثلي هذين التنظيمين في صفوف «الهيئة العليا للمفاوضات» المعارضة.

وكذلك تراجع وزير الخارجية الأميركي جون كيري بعد العاصفة التي اثارتها التصريحات المنقولة عنه، حول تهديده بسحب الدعم الاميركي للمعارضة السورية في حال تخلفها عن المشاركة بمؤتمر جنيف، فعاد ليقول انه لم «يهدد» المعارضين، انما قال لهم ان تخلفهم عن المؤتمر سيكون قرارهم وعلى مسؤوليتهم.

على انه على الرغم من سلسلة التراجعات التي قام بها كيري ودي مستورا لمصلحة المعارضة، مازال خبراء الشأن السوري من الاميركيين يعتبرون ان سياسة الرئيس باراك أوباما تجاه سورية خاطئة، وان مؤتمر جنيف المقرر للبحث في الأزمة السورية هو «اضاعة للوقت».

السفير الاميركي السابق في دمشق روبرت فورد اظهر امتعاضا من اداء بلاده، واعاد بث تغريدة جاء فيها ان «كيري يقول ان الأسد مجرم، وفي نفس الوقت يتخلى عن شرط خروجه من الحكم او شرط عدم ترشحه للرئاسة مستقبلا».

بدوره، كتب صديق فورد وزميله الذي عمل واياه على الملف السوري في الاعوام الثلاثة الاولى للثورة السورية فريد هوف ان هفي احسن الاحوال، المفاوضات السورية هي اضاعة للوقت، وفي اسوأ الاحوال، تشكل هذه المفاوضات تنازل الولايات المتحدة وقبولها بشروط الأسد وايران وروسيا.

وكتب هوف، الذي يعمل حاليا باحثا في «مركز رفيق الحريري» التابع لـ «مجلس الأطلسي»، ان «هدف الديبلوماسية الاميركية لا يجب ان يتمثل باجبار المعارضين السوريين على المشاركة في جنيف، بل يجب ان تسأل واشنطن نفسها سلسلة من الاسئلة حول ان كانت الشروط الديبلوماسية متوافرة لانعقاد ونجاح مؤتمر سلام مثل مؤتمر جنيف».

واوجز هوف الاسئلة التي اقترحها على الديبلوماسية الاميركية على الشكل التالي: «هل قبل نظام الأسد توصيات جنيف 2012؟ اذا لم يكن قبلها، هل تضغط عليه روسيا وايران ليقبلها؟ هل ستتخلى موسكو عن سعيها لفرض اصدقاء الأسد كمشاركين في وفد المعارضة السورية؟»

وأعلن المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة سالم المسلط إن الهيئة ستجتمع اليوم لبحث الجهود لعقد محادثات سلام مؤجلة وكرر مطالبة الحكومة السورية بأن تتخذ خطوات لاثبات حسن النوايا من بينها وقف القصف قبل إجراء أي محادثات.

واتهم المسلط روسيا والحكومة السورية بالقاء العراقيل في طريق المحادثات. وقال لقناة «العربية الحدث» أن «أمورا انسانية بحتة نريد تحقيقها هي ليست شروطا مسبقة... (إنه) قرار دولي أن يطبق ولو جزء منه حتى نرى جدية وحسن نية في هذا الأمر».

من جهته، اعتبر وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو ان إشراك «وحدات حماية الشعب» الكردية في المفاوضات كما تطالب روسية سيعطل عملية جنيف بكاملها.

ميدانيا، فجر انتحاري يقود شاحنة صهريج، أمس، نفسه عند نقطة تفتيش تديرها «حركة أحرار الشام الإسلامية» في مدينة حلب بشمال سورية ما أسفر عن مقتل 23 من أعضائها، بينهم 4 قادة.

وقال المرصد السوري لحقوق الانسان إن الهجوم الذي وقع في حي السكري في حلب دمر ثلاثة مبان وأصاب العشرات بجروح ويعتقد أن الكثيرين محاصرون تحت الأنقاض.

وقتل 16 شخصا بينهم 11 مقاتلا من «جبهة النصرة» وفصائل اسلامية اخرى جراء سقوط صاروخ بالستي على مقر تستخدمه الجبهة كمحكمة في سلقين بريف إدلب.

واستهدف الصاروخ مقر المحكمة فور انتهاء اجتماع مصالحة بين «جبهة النصرة» و«حركة أحرار الشام الإسلامية» اثر توتر شهدته المدينة بين الطرفين أول من امس، على خلفية مداهمة الجبهة احد مقار الحركة وتبادل لاطلاق النار ادى الى مقتل احد عناصر «جبهة النصرة».

السبت، 23 يناير 2016

العبادي يواجه إيران... ويقترب من العرب

واشنطن - من حسين عبدالحسين

يعتقد المتابعون الاميركيون ان الجمهورية الاسلامية في ايران غالبا ما تمنح حكومات الدول الصديقة التي تهيمن عليها طهران هامشا للحركة سياسيا. لكن ايران لا تسمح لهذه الحكومات، مثل في لبنان او العراق وربما قريبا في سورية، ان تتحول الى حكومات ندية. وحتى تقوض ايران مقدرة هذه الحكومات على اتخاذ القرار المستقل، غالبا ما تدعم «الاهالي» لانشاء ميليشيات مسلحة تتفوّق في قوتها على قوة حكوماتها وتكون الميليشيات، وتاليا ايران، صاحبة الكلمة العليا في معظم الامور، خصوصا الامنية منها والمتعلقة بشؤون السياسة الخارجية.

ويبدو ان طهران، حسب مصادر اميركية، قررت ان تضع حدا لرئيس حكومة العراق حيدر العبادي بعد قيامه بسلسلة من الخطوات، مثل موافقته على بيان الجامعة العربية الذي دان اعتداءات ايرانيين على سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد واستبعاده قوات «الحشد الشعبي» الشيعية عن معارك الرمادي.

هكذا، شهد الاسبوعان الماضيان سلسلة من الاحداث الامنية في العراق التي حملت بصمات ايرانية.

في بلدة المقدادية، شمال بغداد، وقعت اعتداءات على السكان واحراق مساجد للطائفة السنية، وهو ما أشعل غضب السياسيين السنة في بغداد، ودفع نوابهم الى مطالبة الحكومة بمحاسبة الفاعلين.

المرتكبون، والذين يجمع العراقيون انهم من ميليشيات «الحشد الشعبي» الذي صار يحمل اسم «الحشد الشعبي المقدس» (ربما تيمنا بحرب ايران «المقدسة» ضد العراق في الثمانينات)، حاولوا تبرير عنفهم بالقول انهم كانوا يطاردون عناصر تابعة او مؤيدة لتنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش).

لكن العبادي، الذي زار المقدادية مرتين في اسبوع وقام بجولات ميدانية والتقى سكانها، رد بقسوة على الميليشيات الشيعية التابعة لايران، من دون ان يسميها، بالقول ان «كل (عراقي) سيحمل السلاح خارج اطار الدولة سنعتبره داعشيا».

والحزم الذي يبديه العبادي في وجه ميليشيات «الحشد الشعبي» ليس مستجدا، فهو كان استبعدها عن معارك الرمادي، واستبدلها بقوات «الحشد العشائري» السنية.

وتعقتد المصادر الاميركية انه حتى تقوم ايران بتشتيت قدرات القوات العراقية، افتعلت القوات الموالية لها مواجهات أمنية في البصرة وبابل، ما اضطر القوات الحكومية الى ارسال تعزيزات الى هاتين المدينتين الجنوبيتين وشن حملات امنية فيهما. هذا في الأمن الداخلي.

اما في العلاقات الخارجية، يبدو ان طهران ارادت ارسال رسالة الى واشنطن، والعالم، مفادها انه عند التعامل مع العراق، ستبقى هي صاحبة الكلمة الاخيرة. اذا، في اليوم التالي لافراج ايران عن معتقلين اميركيين لديها بموجبة صفقة تبادل سجناء مع الولايات المتحدة، قامت خمس سيارات ذات دفع رباعي سوداء باختطاف 3 مواطنين عراقيين يحملون الجنسية الاميركية من حي الدورة جنوب بغداد، وقالت الاستخبارات العراقية ان الخاطفين اصطحبوا المخطوفين الى مدينة الصدر الشيعية.

في واشنطن، اشارت كل اصابع الاتهام باتجاه «عصائب اهل الحق»، الميليشيا العراقية الاكثر قربا من ايران. ويبدو ان طهران تود ابلاغ العبادي والاميركيين انها مازالت هي التي تمسك بالوضع الامني في العراق، وان السفارة الاميركية وديبلوماسييها والمستشارين العسكريين، الذين يناهز عددهم 3 الاف ويساهمون في قيادة معارك القوات الحكومية ضد «داعش»، كل هؤلاء الاميركيين في العراق هم في ضيافة ايران وميليشياتها، ولا يمكن للعبادي ان يضمن امنهم.

وزير الداخلية العراقي قام بمناقلات لـ 14 من قادة الفرق في وزارته، فيما تستعد وزارة الدفاع لتقديم اسم رئيس اركان الجيش ومساعديه للبرلمان للموافقة عليها. في نفس الاثناء، وصل وزير الدفاع العراقي الى القاهرة ووصل زميله وزير الرياضة الى عمان حاملا رسالة من العبادي الى ملك لاردن.

خطوات العبادي تشي بتقارب بينه وبين جيرانه العرب في المنطقة، ما يبدو انه اثار حفيظة ايران وميليشياتها، فبدأت حرب بين الطرفين كان ابرز ما قيل فيها تهديد رئيس الحكومة العراقي بأن يعامل كل القوات غير الحكومية كـ «دواعش».

6 خيارات سيّئة في سورية أمام الرئيس الأميركي المقبل


استحوذت دراسة وضعها البروفسور في جامعة جورجتاون دانيال بيمان بعنوان «ستة خيارات سيئة في سورية»، تتناول السيناريوات المتاحة للولايات المتحدة في سورية بعد 5 سنوات من اندلاع الأزمة، على اهتمام الاوساط السياسة الاميركية، وخصوصا المرشحين للرئاسة من الحزبين الجمهوري والديموقراطي

الخيار الاول هو «لندعها تحترق»، وهو خيار مبني على اعتبار الاميركيين انهم لم يفهموا يوما منطقة الشرق الاوسط، وان من الافضل لهم الابتعاد عن هذه المنطقة وممارسة سياسة العزلة الاميركية تجاهها. على ان هذا الخيار ليس خاليا من المضاعفات، اذ ان الأزمة السورية قد تمتد الى الدول المجاورة، وقد يؤدي تزايد المأساة الانسانية الى تصاعد الضغط على واشنطن للتدخل.

الخيار الثاني، هو «تدخل عسكري واسع النطاق»، في افضل الحالات يكون بالاشتراك مع حلفاء الولايات المتحدة الاوروبيين والعرب. بموجب هذا السيناريو، «تسحق» الولايات المتحدة والحلفاء نظام الرئيس السوري بشار الأسد وتنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش). بعد ذلك، يتم السماح للمهجرين السوريين بالعودة الى ديارهم، وهو ما من شأنه التخفيف من الاحتقان الاقليمي. ويتساءل بيمان: هل يمكن لخطوة من هذا النوع النجاح خصوصا وسط المعارضة الواسعة لها حول العالم؟ وكيف يكون شكل التدخل، خصوصا انه عملية تتطلب التزاما على مدى عقود (وهذا حيث يمكنها ان تتحول الى فوضى)؟

الخيار الثالث، هو العمل مع الحلفاء من اجل القضاء على «داعش»، وهو الخيار الاكثر شعبية بين الاميركيين، وهو يتطلب الاعتماد بشكل اساسي على الضربات الجوية، لكن هذه لا يمكنها وحدها القضاء على «داعش» من دون مشاركة قوات ارضية، ولا يبدو ان القوات المحلية المتوفرة قادرة على ان تقوم بالمهمة. اما القوات المحلية القادرة على محاربة «داعش»، فهي لا ترقى ان تكون حليفة لأميركا.

الخيار الرابع، هو «العمل مع الشيطان الذي نعرفه»، اي الأسد ونظامه، لكن المشكلة تكمن هنا في ان حلفاء اميركا الكبار، مثل السعودية وتركيا، لن تقبلان ذلك، وان التعامل مع الأسد سيؤدي الى تأجيج الشارع السني، وربما يرفع من شعبية «داعش»، هذا من دون التطرق الى المشكلة الاخلاقية التي تكمن في التعامل مع «مرتكب مجازر».

الخيار الخامس، هو اقامة منطقة حظر جوي او مناطق آمنة، وهو خيار من شأنه تأمين الحماية للمدنيين بتكلفة اقل بكثير من تكلفة الاجتياح الكامل. مشكلة هذا الخيار، يقول بيمان، انه يتطلب دخول أميركا الحرب لتدمير الدفاعات الجوية للأسد، وبعد ذلك قد يتطلب توفير قوات ارضية لضبط الأمن في المناطق الآمنة، اذ يمكن لقوات المعارضة ان ترتكب جرائم بحق السكان، او ان تتخذ من هذه الاراضي مناطق آمنة لتشن هجمات ضد دول الجوار او الغرب.

الخيار السادس، هو «احتواء العنف»، مع ما يتطلب ذلك من التدخل عسكريا لضبط ايقاع المتحاربين على الارض السورية، وتأمين الحاجات الانسانية للمهجرين. لكن هذا الخيار، حسب الاكاديمي الاميركي، هو ضمادة اكثر منه شفاء للمشكلة السورية.

في السياق نفسه، أطل مهندس العملية السياسية في افغانستان والعراق وسفير أميركا السابق الى الأمم المتحدة زلماي خليلزاد، وكتب في افتتاحية انه حان الوقت لمرشحي الرئاسة الاميركيين البدء بالتفكير بخيار الاطاحة بنظام الأسد. وعدد خليلزاد مزايا الاطاحة بالنظام والمشاكل التي ستنجم عنه، لكنه اعتبر انه خيار يجب البدء بالحديث عنه.

وبين بيمان وخليلزاد، يعقد المرشحون الاميركيون للرئاسة جلسات مع خبراء ومعارضين سوريين، الذين يقولون ان مواقف المرشحين حول سورية اقوى منها في الجلسات من اطلالاتهم العلنية. اما السبب في ذلك، فيعزوه المراقبون الى تخوف المرشحين من تأثير اي موقف يدلون به حول الأزمة السورية على فرص انتخابهم.

دي ميستورا ينحاز للأسد

حسين عبدالحسين

تظهر وثيقة مبعوث الأمم المتحدة الى سوريا ستيفان دي ميستورا، والتي سرّبها الوفد الروسي في نيويورك الى "مجلة فورين بوليسي" الاميركية، انحيازا فاضحا من قبل الأمم المتحدة لمصلحة الرئيس السوري بشّار الأسد وحلفائه روسيا وايران.

في وثيقته السرية الى مجلس الأمن، حمّل دي ميستورا "الهيئة العليا للمفاوضات"، والتي شكلتها المعارضة السورية في الرياض الشهر الماضي برئاسة رئيس الحكومة السوري السابق رياض حجاب، مسؤولية تأخير انعقاد المفاوضات في جنيف. كذلك، حمّل دي ميستورا "الدول الراعية" للهيئة مسؤولية عرقلة المفاوضات السلمية.

روسيا كانت قدمت لائحة من 16 من معارضيها الى الأمم المتحدة وطلبت إضافتهم الى وفد المعارضة في جنيف، ما دفع "الهيئة العليا للمفاوضات" الى رفض طلب اضافة معارضين يتم إسقاطهم على المعارضة من موسكو. وقيام المعارضة برفض اشراك "معارضي موسكو" في صفوفهم أثار حنق دي ميستورا، فحمّل المعارضة مسؤولية عرقلة جهوده.

طبعا لم يتنبه دي ميستورا الى بلاهة طلبه وطلب روسيا، فكيف يمكن لموسكو ان تكون راعية للأسد وتقاتل في صفوفه، وفي الوقت نفسه ترسل ممثليها للمشاركة في صفوف المعارضة؟

الاجابة تكمن في محاولة موسكو القضاء على السوريين المعارضين للأسد، عسكريا داخل سوريا ودبلوماسيا خارجها، وما تسريب وثيقة دي ميستورا السرية الى الاعلام الاميركي الا جزء من الحملة الروسية - الاميركية ضد معارضي الأسد.

الروس قاموا بتسريب مذكرة دي ميستورا السرية الى محرر "فورين بوليسي" كولوم لينش، فيما يبدو ان الروس ولينش يستخفون بعقول الناس، ويعتقدون ان مقالة بقلم لينش في "فورين بوليسي" تتمتع بمصداقية كافية لاتهام المعارضين السوريين بعرقلة جنيف 3، وادانة السعودية مع المعارضين، حسبما ورد في المقال.

على ان معارضي الأسد من السوريين، وداعميهم، يتحملون مسؤولية التراخي في مواجهة حملة التلاعب التي يشنها الروس والايرانيون والأسد لكسب الرأي العام. مثلا، كان مطلوبا من المعارضة السورية وداعميها ان يحركوا الاعلام العالمي ضد اعلان روسيا ارسالها لائحة بمعارضيها الى الأمم المتحدة لفرضهم على وفد المعارضة. وكان الاجدى بالمعارضة السورية وداعميها اظهار تناقض الطرح الروسي الذي يدعم الأسد ويطلب رعاية معارضته في الوقت نفسه.

كان لا بد للمعارضة السورية وداعميها ان يظهروا بلاهة الأمم المتحدة، التي تكاد تحارب في صفوف الأسد برفضها تصنيف حصار مضايا كحصار لتفادي محاسبة نظام الأسد بتهم جرائم حرب، فيما يقوم دي ميستورا باتهام المعارضة بالعرقلة لمجرد انها رفضت منح ازلام روسيا والأسد صفة معارضين. 

كما لا بد للمعارضة وداعميها ان يذكروا الرأي العام العالمي بأنه على مدى السنوات الخمس الماضية واغلاق روسيا مجلس الأمن، لم توجه الأمم المتحدة يوما أصابع اللوم الى روسيا او ايران او الأسد وهجومه الكيماوي، بل راحت تستجديهم للمشاركة في مفاوضات رفضوها مرارا.

ولأن الشيء بالشيء يذكر، لا بد من الاشارة الى انه الى جانب مذكرة دي ميستورا ومقالة لينش، اصدرت مجلة "فورين افيرز" مقالة بقلم اكبر مؤيدي الأسد في الولايات المتحدة، جوشوا لانديس، وشاركه في كتابتها ستيفن سايمون، الذي زار دمشق وقابل الأسد في آذار الماضي. في مقالة لانديس - سايمون فرضية ان الأسد يفوز الآن على معارضيه، وان مصلحة اميركا تكمن في المراهنة عليه. اما اسوأ ما في الأمر، فهو انه سبق لسايمون ان عمل مسؤول الشرق الاوسط في "مجلس الأمن القومي" في البيت الأبيض. اما خليفته اليوم في المنصب، والذي يدير سياسة اميركا تجاه سوريا، فهو صديق سايمون وصديق الأسد روبرت مالي.

ربما آن الاوان للمعارضين السوريين وداعميهم رمي قفازاتهم، والتوقف عن التظاهر وكأن التسوية مع الأسد ممكنة على قاعدة "إلحق الكاذب حتى باب داره"، وتحميل الامم المتحدة مسؤولية مئات آلاف القتلى السوريين، والمحاصرين الذين يموتون جوعا، وملايين المهجرين الذين ينامون في خيم في صقيع الشتاء وحر الصيف. 

الخميس، 21 يناير 2016

دي ميستورا يحمّل المعارضة و«داعميها» فشل المفاوضات

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

اغتيال أمير «النصرة» في أريحا و«داعش» يشدّد الحصار في دير الزورسرّب الوفد الروسي الى الأمم المتحدة مذكرة استلمها مجلس الأمن من مبعوث الأمم المتحدة الى سورية ستيفان دي ميستورا، يحمّل فيها «المعارضة السورية وداعميها» مسؤولية تعذر انعقاد المفاوضات المقررة للبحث في الأزمة السورية في جنيف.

وجاء في المذكرة، التي نشرتها مجلة «فورين بوليسي» ان دي مستورا اتهم تحالف المعارضة السورية بأن التحالف و»داعميه يصرون على تصدرهم وحصريتهم في دور تمثيل وفد المعارضة». وأورد المبعوث اسم «الهيئة العليا للمفاوضات»، التي تم تشكيلها في اجتماع المعارضة في السعودية.

واضاف دي مستورا ان «الحقيقة تكمن في ان الافرقاء مازالوا عالقين في مواقف ثابته ومنافسة (غالب ومغلوب)»، معتبرا ان «الافرقاء يختلفون لا على فحوى المحادثات فحسب، بل ما يقلقني هو انهم يشككون بما يجب على الأمم المتحدة فعله لتقديم لائحة نهائية بلائحة المعارضة».

وجاء في مذكرة دي مستورا: «كنت اتوقع ان تعترف كل الاطراف بالمسؤولية الملقاة على عاتقي تقديم لائحة نهائية بجميع المدعوين… لكن لا فرصة لدي انا والأمين العام للنجاح، او حتى احداث ثغرة اذا لم يقم الآخرون بدورهم».

وعلمت «الراي» من مصادر اميركية ان جوهر الخلاف الذي تفجر في الأمم المتحدة يكمن في قيام موسكو بتقديم لائحة من 16 معارضا طلبت اضافتهم الى وفد المعارضة المقرر مشاركته في جنيف، يتصدرهم هيثم مناع وقدري جميل وصالح مسلّم وسمير العيطة.

الا ان الاطراف الدولية الاخرى، وفي طليعتها فرنسا وبريطانيا، اعترضت على قيام موسكو بتقديم لائحة من المعارضين، وقال وفدا الدولتين في الأمم المتحدة انه «لا يمكن لروسيا ان تكون راعية السلام، وداعمة في الوقت نفسه لنظام (الرئيس السوري بشار) الأسد، وداعمة ايضا لمعارضيه».

في هذه الاثناء، انكب مؤيدو المعارضة السورية في العاصمة الاميركية على البحث في خلفية دي مستورا للوقوف على خلفية خطوته بتوجيه اصابع الاتهام الى «الهيئة العليا للمفاوضات» بعرقلة محادثات السلام في جنيف. وقال مشرعون في الكونغرس، في جلسات مغلقة عقدوها لتدارس التقرير الذي سربّه الروس: «غريب ان نرى الأمم المتحدة توجه اصابع الاتهام الى طرف دون آخر في الأزمة السورية، فعلى مدى السنوات الخمسة الماضية، اقفلت روسيا مجلس الأمن، وعرقل الأسد وايران المفاوضات، ووضعوا كل انواع الشروط، ولم نر او نسمع الأمم المتحدة توجه اصابع الاتهام الى روسيا او ايران او الأسد».

ويعتقد معارضو الأسد في العاصمة الاميركية ان دي مستورا «يأتي من خلفية عمل اثناءها عن كثب في بيروت مع نظام الأسد وحزب الله، وانه ينحاز اليهم، ان قيامه بتقديم هذا النوع من المذكرات يؤكد انحيازه الواضخ منذ تسلمه منصبه».

وقالت المتحدثة باسم دي ميستورا جيسي شاهين انه «من المرجح ان يتم ارجاء تاريخ 25 (الجاري) بضعة ايام لاسباب سياسية».

وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن المفاوضات بين النظام والمعارضة في سورية، المقرر أن تبدأ الإثنين في جنيف، قد تتأجل يوما أو يومين.

وسئل كيري لدى بداية اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عما إذا كان قلقا من حدوث تأجيل للمحادثات يمكن أن يفقدها زخمها، فقال: «حين نقول تأجيلا فهو ليوم أو يومين لتوجيه الدعوات لكن لن يحدث تأجيل كبير. العملية ستبدأ في 25 يناير».

وأفاد الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر، بأن تأخيراً لمدة يوم أو يومين لن يكون نهاية العالم.

واعلنت الحكومة السورية وفدها الى المفاوضات برئاسة ممثل سورية لدى الامم المتحدة بشار الجعفري

وأفادت صحيفة «الوطن» السورية أمس، أن دمشق «سلمت أسماء وفدها المفاوض إلى لقاء جنيف، على أن يرأسه الممثل الدائم لسورية في الامم المتحدة بشار الجعفري، ويشرف عليه نائب وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد، وبعضوية عدد من كبار المحامين وكبار موظفي وزارة الخارجية».

ويأتي تشكيل وفد الحكومة السورية غداة إعلان «الهيئة العليا للمفاوضات» وفدها إلى جنيف، الذي ضم المسؤول السياسي في «جيش الاسلام» محمد علوش كبيراً للمفاوضين، والعميد اسعد الزعبي رئيساً، ورئيس «المجلس الوطني السوري المعارض» سابقاً جورج صبرة نائباً للزعبي.

في غضون ذلك، اعلن «المرصد السوري لحقوق الانسان»ان مجهولين اغتالوا أمير«جبهة النصرة»في اريحا في ريف إدلب إياد العدل، والقيادي إلاداري في«النصرة»في المدينة نفسها محمد عبد الوهاب، عبر اطلاق النار على سيارة كانت تقلّهما في الحي الغربي من المدينة، قبل ان يلوذوا بالفرار.

وفي دير الزور، استمر تنظيم«الدولة الاسلامية» (داعش) لليوم الخامس على التوالي في شن هجماته على قوات النظام، وتشديد الحصار على مناطقه، ما أثار ذعراً بين السكان الذين باتوا يخشون الأسوأ بعد مقتل العشرات في الهجوم الاخير وخطف المئات من المدنيين.

الاثنين، 18 يناير 2016

عريضة في الكونغرس لمحاسبة الأمم المتحدة على تواطئها في مضايا

| واشنطن - من حسين عبد الحسين |

في محادثات سوريةيقول مساعدو اعضاء في الكونغرس إن مشرّعين من الحزبيْن الجمهوري والديموقراطي، يسعون الى صياغة نص عريضة، والحصول على اكبر عدد من تواقيع زملائهم عليها، حتى يوجهوها الى الرئيس باراك أوباما، لمطالبته بمحاسبة الأمم المتحدة، وخصوصاً المسؤولين فيها عن اعمال الإغاثة، بعد تكاثر التقارير والصور والأنباء الواردة من بلدة مضايا السورية، حول مجاعة اصابت سكانها، بسبب الحصار الذي تفرضه قوات الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه على البلدة منذ يوليو الماضي.

وكانت تقارير داخل واشنطن اتهمت هيئة الإغاثة في الأمم المتحدة ومنسّق الشؤون الانسانية فيها يعقوب الحلو، بالتواطؤ مع نظام الأسد، والتلكؤ في إطلاق وصف «حصار» على اي من الحصارات التي تفرضها قوات الحكومة السورية، إذ إن استخدام كلمة «حصار» يعني حكماً اتهام الأسد ونظامه بارتكاب مجازر حرب.

وفيما كان بعض مساعدي اعضاء الكونغرس يجرون الابحاث اللازمة للعمل على صياغة مشروع قانون، اصدرت الأمم المتحدة بياناً اعلنت فيه عن موت 5 سوريين في مضايا بسبب سوء التغذية، بعدما سمحت الحكومة السورية أخيراً، بإدخال كمية غير كافية من الغذاء والمستلزمات الطبية للمحاصرين الذين يقدر عددهم بـ 45 ألف شخص.

وتشير التقارير إلى ان قوات الأسد ترفض خروج اي من المحاصرين داخل مضايا، وتفرض طوقاً عسكرياً، يتضمن زرع ألغام أرضية أدت الى إصابات فادحة بين السكان الذين حاولوا الهرب.

وجاء في بيان الأمم المتحدة انه «منذ 11 يناير (الجاري)، ورغم (المساعدات التي أدخلتها المنظمة)، توفي 5 أشخاص بسبب سوء التغذية الشديد في مضايا».

ولفتت تقارير المنظمة الى ان «450 ألف سوري يعيشون في مناطق، تحاصرها إما قوات الأسد، او المعارضة، في عموم البلاد». إلا ان الهيئات الاهلية تعتقد ان رقم المحاصرين يصل إلى مليون، وأن 650 ألفاً من هؤلاء يعيشون في مناطق خاضعة لحصار الأسد، وأن الحصار الذي تفرضه قوات الأسد أشد وطأة من حصار المعارضة.

ويقول العاملون على كتابة نص عريضة تشريعية وإرسالها الى أوباما، انه في حال استمر تلكّؤ الأمم المتحدة وتغاضيها عن ارتكابات الأسد، فسيعملون على الاقتطاع من المساهمات الأميركية السنوية الى الأمم المتحدة.

في غضون ذلك، أعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ان «من الصعب جداً أن تشارك المعارضة المعتدلة في محادثات سورية بينما تتعرض للقصف»، موضحاً انه يأمل في إجراء المحادثات، لكنه لا يستطيع تأكيد عقدها في 25 الجاري.

روسيا تستكمل تطويع الأسد

حسين عبدالحسين

ليس من قبيل المصادفة ان تسرّب موسكو، في اسبوع واحد، وثيقتين تتعلقان بالشأن السوري. رسالة الكرملين الى العالم، من خلال الوثيقتين، هي أن روسيا تمسك بالرئيس السوري بشّار الأسد تماماً، وأن لروسيا حصة وازنة في الوقت نفسه بين صفوف معارضيه، ما يقدم لموسكو بدائل عن الأسد لو رأت يوماً أن مصلحتها تقضي باستبداله من الحكم.

ومن نافل القول انه صار مؤكدا ان الأسد، الذي يعتقد انه ورث عن ابيه الحذاقة السياسية التي تسمح له بالتلاعب على القوى العظمى وتأمين مصالحه من خلال تضارب مصالحها، لا يرقى الى مستوى أبيه، وبدلاً من ان يتلاعب هو بالقوى الاقليمية والعالمية، صارت هي تتلاعب به وبنظامه، وتقوّض سيادته.

كما صار مؤكداً أيضاً أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعمره في السياسة من عمر بشار الأسد، هو أحد اكثر اللاعبين الدوليين حذاقة، وهو تفوق على خصومه في الغرب، واظهر هيمنة على ايران، ولا شك انه يأخذ من الأسد كثيراً.. أكثر مما يعطيه.

الوثيقة الأولى التي سربتها موسكو، وترجمتها صحيفة "واشنطن بوست" الاميركية، تضمنت نص الاتفاقية بين روسيا وحكومة الرئيس السوري بشّار الأسد حول التدخل العسكري الروسي في سوريا، وهي اتفاقية وقع عليها وزيرا دفاع الدولتين في ٢٦ آب/أغسطس الماضي.

وتظهر الاتفاقية ان الأسد وافق تماماً على ما رفضه رئيسا حكومة العراق المتعاقبان نوري المالكي وحيدر العبادي، بتحريض من طهران، لناحية عدم الموافقة على بقاء جنود اميركيين على الاراضي العراقية بعد تاريخ انسحاب القوات الاميركية، والذي تم نهاية ٢٠١٢. وقتذاك، حاولت الولايات المتحدة انتزاع بند وحيد لإبقاء أي عدد من القوات الاميركية تتفق عليه مع بغداد، وهذا البند يقضي بمنح بغداد حصانة ديبلوماسية للجنود الاميركيين في العراق، ما يمنع الحكومة العراقية من محاسبتهم أمام القضاء العراقي أو حتى مقاضاتهم أمام محاكم اميركية في حال ثبت اعتداؤهم على عراقيين.

ما رفضه المالكي والعبادي لتحصين سيادة العراق منحه الأسد لروسيا، حسب الاتفاق الموقّع بين البلدين، والذي منح نظام الأسد بموجبه قاعدة حميميم الجوية للقوات الروسية، ومنح الروس حق إدخال وإخراج ما يشاؤون إلى البلاد من دون تفتيش سوري، أو رسوم جمركية أو ضرائب، كما منح الأسد الجنود الروس حصانة ديبلوماسية تتمثل بتخليه عن أي بنود محاسبة ضد اي جندي روسي قد يظهر عدم انضباط، أو يرتكب أي جرائم بحق مواطنين سوريين، ممن يسكنون في المناطق التي يسيطر عليها النظام أم المعارضون.

كذلك، تظهر الاتفاقية الروسية - السورية ان انهاء التعاون العسكري بينهما يشترط إبلاغ اي من الحكومتين نظيرتها خطياً، يلي ذلك مهلة عام من وقت الابلاغ لانهاء التعاون. هذا يعني ان الوجود العسكري الروسي مفتوح الأمد، وأنه حتى لو اراد الأسد انهاءه، في حال استتبت له السيطرة على الاراضي السورية وألحق الهزيمة بمعارضيه، يمكن للجيش الروسي البقاء عاماً إضافياً على الاراضي السورية، مع ما يمنح ذلك موسكو من قدرة على فرض اي ترتيبات تناسبها، بما في ذلك اجبار الأسد على الخروج من الحكم تحت ضغط قوتها العسكرية.

بكلام آخر، فيما سعت وسائل الاعلام الموالية لايران والأسد على تصوير تدخل روسيا عسكرياً في سوريا على انه مجاني، وانه ينبع من إيمان بوتين بصحة نظريات وسياسات "محور الممانعة"، يبدو ان تدخل موسكو العسكري المباشر في سوريا — وهو الأول من نوعه للروس في الشرق الاوسط في التاريخ الحديث — حوّل الأسد من حليف موسكو الى تابع لها، أي إن الأسد اصبح بمثابة محافظ يدير اراض تنفق روسيا عليها الاموال وتستثمر فيها عسكرياً وديبلوماسياً لتأمين مصالحها، فيما تأتي مصالح الأسد في الدرجة الثانية.

الوثيقة الثانية التي سرّبتها موسكو هي لائحة بأسماء ١٥ شخصية سورية "معارضة" قدمتها الى الأمم المتحدة لتأكيد مشاركتها في مؤتمر جنيف الثالث المخصص لحل الأزمة السورية. وتصدر اللائحة هيثم مناع وقدري جميل وصالح مسلّم وسمير العيطة.

وبينما يحاول الأسد الايحاء انه يخترق المعارضة السورية بهذه الشخصيات، وأخرى غيرها، يبدو في الواقع أن موسكو نجحت في اقامة علاقات مستقلة مع هؤلاء، ما يجعل مقدرة الأسد للسيطرة عليهم محدودة، وما يجعل امكان تخلصه منهم صعباً، بسبب الغطاء الروسي.

الوثيقة الاخيرة الناقصة هي لائحة باسماء ضباط "الجيش العربي السوري" ممن اقام الروس معهم علاقة مباشرة، خصوصاً منذ بدء التدخل العسكري الروسي في ٣٠ ايلول/سبتمبر الماضي. هذه اللائحة لا شك إنها موجودة، وتمثل المسمار الاخير في نعش سيادة سوريا واستقلالية الأسد بقراره، وهي لائحة تتطلب سرية، ولكن لا شك ان روسيا، بتسريبها الوثيقتين، نجحت في ايصال الرسالة الى المسؤولين في واشنطن وعواصم القرار الاخرى.

أوباما يعلّق العقوبات على إيران... فهل تعاد العلاقات المقطوعة منذ 1980؟

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
جريدة الراي

بعدما وقع الرئيس باراك أوباما مرسوما رئاسيا الغى بموجبه اربعة مراسيم سابقة تنص على فرض عقوبات مالية على ايران بسبب برنامجها النووي، عقد المسؤولون في البيت الابيض لقاء مغلقا مع الصحافيين. ولم يكد ينتهي اللقاء، حتى أعلم «الحرس السري» المولج حماية أوباما ان على الصحافيين المرافقين للرئيس الاستعداد لمغادرة البيت الابيض «في دقيقة واحدة».

كان الصحافيون يعلمون ان أمس يصادف عيد ميلاد السيدة الاولى ميشيل، وأن الرئيس كان ينوي الخروج بموعد برفقتها احتفالا بالمناسبة، فراهن الصحافيون على ان أوباما، وبمناسبة رفعه العقوبات عن ايران، سيصطحب ميشيل الى «مطعم فارسي رومنطيقي». وانطلق الموكب الرئاسي يجوب شوارع العاصمة الاميركية، الفارغة نسبيا بسبب عطلة نهاية الاسبوع، ليتوقف امام مطعم مكسيكي اختاره الزوجان أوباما للاحتفال بالمناسبة، فخسر صحافيون الرهان، وفاز آخرون.

واليوم «الايراني» الطويل، الذي توّجه أوباما بعشاء مع السيدة الاولى، بدا مبرمجا مسبقا لاجتياح وسائل الاعلام الاميركية بـ «اخبار حسنة» حول العلاقة مع ايران، اذ افتتحت الوسائل الاعلامية نشراتها الاخبارية الصباحية بأنباء عن افراج ايران عن اربعة اميركيين منهم مراسل «واشنطن بوست» جايسون رضيان، مقابل افراج الولايات المتحدة عن ايرانيين تسجنهم بسبب اختراقهم العقوبات المالية التي كانت مفروضة على طهران.

وبدا خبر الافراج عن الاميركيين منسقا مع وصول وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف الى فيينا، ثم اعلان الوكالة الدولية للطاقة النووية تجاوب ايران في تفتيش منشآتها النووية والتزامها بمفاعيل اتفاقية فيينا، المكرسة بقرار مجلس الأمن رقم 2231. ولأن أميركا كانت على وشك رفع العقوبات المالية عن الجمهورية الاسلامية، بدا من نافل القول ان سبب ابقاء ايرانيين في سجونها بسبب العقوبات انتفى، فكان افراج اميركا عن ايرانيين وافراج ايران عن اميركيين.

وجاءت اخبار الافراجات المتبادلة بعد يوم على افراج ايران عن 10 بحارة كانت اعتقلتهم الخميس لدخولهم مياهها الاقليمية خطأ. وبعد الافراج عن البحارة، توجه وزير الخارجية دون كيري برسالة الى طهران ابرز ما جاء فيها «شكرا ايران».

تصاعد الود بين واشنطن وطهران دفع المصادر الاميركية، لا الى الاشادة بحنكة الرئيس أوباما وديبلوماسيته فحسب، بل للبدء بالحديث عن امكانية استئناف العلاقات بين البلدين للمرة الاولى منذ العام 1980. وعندما سأل الصحافيون عن استمرار ايران في بعض الاعمال الاستفزازية، مثل اختراقها مفاعيل القرار 2231 بتجربتها صاروخ باليستي قادر على حمل رؤوس نووية، حسب خبراء الامم المتحدة في اكتوبر، ثم قيامها باطلاق صواريخ في المياه الدولية بالقرب من سفن حربية اميركية وفرنسية، أكدت المصادر الاميركية ان هذه الخطوات الاستفزازية الايرانية هي «للاستهلاك الداخلي»، وانها «لن تؤدي الى حرف مسار تحسن العلاقات المستمر بين الولايات المتحدة وايران».

في البيت الابيض، وعملا بالدستور، وقع أوباما على رسالتين وجههما الى رئيس الكونغرس بول ريان ورئيس مجلس الشيوخ نائب الرئيس جو بايدن. والرسالتان بمثابة تبليغ من الرئيس الى الكونغرس قيامه بالغاء المراسيم التنفيذية رقم 13574، و13590، و13622، و13645، وتعديل المرسوم 13628، وكلها مراسيم متعلقة بايران وتفرض عليها، وعلى المتعاملين معها، عقوبات مالية بسبب برنامجها النووي.

ومما جاء في نص أوباما الى الكونغرس: «انا، باراك أوباما، رئيس الولايات المتحدة الاميركية، قررت ان تطبيق ايران للاجراءات المتعلقة بالشؤون النووية… حسبما جاء في خطة العمل المشتركة الشاملة في 14 يوليو 2015، بين مجموعة دول خمس زائد واحد والاتحاد الاوروبي وايران، وكما أكدت وكالة الطاقة الذرية الدولية، يمثل انعطافة اساسية في الظروف المتعلقة ببرنامج ايران النووي. التزاما بوعود الولايات المتحدة، قام أوباما بالغاء المراسيم التنفيذية المذكورة اعلاه».

الجمعة، 15 يناير 2016

كابوس فوز ترامب بالرئاسة... هل يتحوّل إلى حقيقة؟

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

بدأ كابوس انتخاب رجل الاعمال دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة يتحول الى حقيقة، لا لمسلمي العالم وأميركا فحسب، بل للحزب الجمهوري نفسه، الذي يسعى منذ شهور لدفع السناتور الشاب ماركو روبيو بديلا عنه، لتفادي انتخاب رئيس كانت غالبية الاميركيين تعتبره، حتى الأمس القريب، اضحوكة ومصدر تندر.

وبعد الاداء القوي لترامب في مناظرة لمرشحي الرئاسة الجمهوريين استضافتها «قناة فوكس للأعمال»، أول من أمس، اظهرت اخر استطلاعات الرأي بين ناخبي الحزب الجمهوري اتساع الفارق في المقدمة لمصلحة ترامب، الذي يتصدر بـ 33 في المئة، يليه السناتور عن ولاية تكساس تد كروز بـ 20 نقطة، فروبيو بـ 13، ثم محافظ فلوريدا السابق ونجل وشقيق الرئيسين السابقين بوش الأب والابن جب بوش بواقع 5 نقاط مئوية، يتشاركها مع محافظ نيوجيرزي كريس كريستي.

ويقيم المرشحون للرئاسة، الجمهوريون العشرة والديموقراطيون الثلاثة، في ولاية آيوا، قبل 16 يوما من اول الانتخابات التمهيدية التي تجري في هذه الولاية، حيث يعملون وماكيناتهم الانتخابية على حشد المؤيدين وجمع الاصوات.

وكان ترامب قد جدّد هجومه ضد المسلمين في الندوة الرئاسية، وقال ان الحل الذي اقترحه، والذي يقضي باقفال الحدود الاميركية امام دخولهم البلاد، هو حل «موقت وليس دائما»، مضيفا ان لديه عددا كبيرا من «الاصدقاء المسلمين»، وان هؤلاء اتصلوا به ليعربوا لهم عن شكرهم وتأييدهم له ولمشروعه ابقاء المسلمين خارج الولايات المتحدة.

وفي وقت بدأ المرشحون الجمهوريون المشاركون في الجلسة يزايدون على بعضهم البعض في العداء للمسلمين، برز بوش وحده بكلام اعتبره المراقبون «رئاسيا»، وعمل على التمييز بين الارهاب والدين الاسلامي، وقال ان «على سبيل المثال، هناك ملايين المسلمين من الهنود والاندونيسيين»، متسائلا: «ماذا نفعل بهؤلاء؟ نقفل حدودنا في وجههم كذلك؟» الا انه رغم الافكار السديدة التي تفوق بها بوش على مناظريه، بقي تأييده الشعبي منخفضا، فيما لمع كل من ترامب واليميني المتطرف الآخر كروز، فيما يعكس جنوحا نحو اقصى اليمين لدى غالبية مؤيدي الحزب الجمهوري، على غرار الجنوح اليميني في الدول الغربية الاخرى، كما بدا جليا في تصدر متطرفي اليمين في فرنسا في الجولة الاولى من الانتخابات المحلية.

وبسبب تقدم المتطرفين، يتراجع اليمين المعتدل من امثال بوش، الذي افاد العاملون في حملته ان ممولي الحملة، وهم 13 من اصدقاء عائلة بوش، اتفقوا مع القيمين عليها بالاستمرار في تمويلها حتى انتخابات ولاية نيوهامبشير الشهر المقبل، وهي ثاني جولة انتخابات تمهيدية.

وقال العاملون في حملة بوش ان مموليه يستمرون في انفاق المال على الحملة فقط بسبب وفائهم لعائلة بوش، وانهم يستعدون «للقفز من السفينة ومنح اموالهم لروبيو» بعد انتخابات نيوهامبشير في حال لم يسجل بوش نجاحات تذكر.

ويعتقد المراقبون ان من شأن انسحاب بوش، وربما كريستي، بعد جولتي الانتخاب الاوليين في آيوا ونيوهامبشير، ان يعزز من قوة يمين الوسط، اي روبيو، في وجه اليمين المتطرف، اي ترامب وكروز. لكن انسحاب كروز، ان حصل على الرغم من انه مستبعد، من شأنه ان يضع متطرفي اليمين في موقع شعبي متقدم جدا على المعتدلين اليمينيين في الحزب الجمهوري.

في نفس الاثناء، يعتقد الخبراء ان صعود التطرف اليميني ادى الى ردة فعل لدى التطرف اليساري، وهو ما بدأ ينعكس في التقدم الهائل الذي يشهده المرشح الديموقراطي للرئاسة بيرني ساندرز على حساب وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، مرشحة الوسط اليساري، والتي كانت غالبية المراقبين تعتقد انها الاوفر حظا لنيل ترشيح حزبها.

واظهرت آخر استطلاعات الرأي ان الفارق بين كلينتون وساندرز في آيوا صار معدوما، بعدما كان وصل عشرين نقطة لمصلحة كلينتون قبل اسابيع.

وعلى عكس متطرفي اليمين وترامب، لا يكن متطرفو اليسار الاميركي وساندرز اي عداء لمسلمي أميركا والعالم. الا ان ساندرز واقصى اليسار يتبنون سياسة خارجية شبيهة بسياسة الرئيس الحالي باراك أوباما، وهي سياسية تؤيد عزل الولايات المتحدة عن شؤون العالم والاهتمام بشؤونها الداخلية فحسب، والتحالف مع اي قوى اقليمية في الشرق الاوسط يمكنها ان تقوم بدور حفظ الأمن، وهو ما يعتبره كثيرون مؤشراً لتمسك ساندرز، في حال انتخابه رئيسا، بالقوى الثلاثة التي تتناطح للسيطرة على الشرق الاوسط حاليا والمتمثلة باسرائيل وايران وروسيا.

هكذا، مع جنوح الاميركيين نحو التطرف يمينا ويسارا، يعاني مسلمو أميركا والعالم من عداء مباشر ضدهم، في حالة وصول اليمين الى البيت الابيض، ومن استمرار الوضع كما هو عليه، في حال وصول اليسار، وهو ما يعني ان أمل المسلمين يتمثل بعودة المعتدلين من الحزبين الى المنافسة: بوش وروبيو من اليمين وكلينتون من اليسار.

دمشق لإيران والجولان لإسرائيل

حسين عبدالحسين

فيما كان المعنيون في السياسة الخارجية في العاصمة الاميركية يتجادلون حول الصراع السعودي - الايراني، وقبل ان ترتفع الضوضاء حول حادثة اعتقال ايران عشرة من البحارة الاميركيين، وقبل ان يطلّ الرئيس باراك أوباما ليدلي بخطاب “حال الاتحاد” السنوي، افتتحت واشنطن اسبوعها السياسي بحدث بقي بعيدا عن الاضواء نسبيا، ولكنه كان لا شك الحدث الاهم لمجريات الاوضاع في منطقة الشرق الاوسط.

في ضيافة مركز ابحاث “وودرو ويلسون”، حضر مدير عام وزارة الخارجية الاسرائيلية دوري غولد ليشارك في ندوة كان هو أبرز متحدث فيها. طبعا المركز ليس من مراكز الابحاث الاميركية ذات الوزن الثقيل، وغولد من قياديي الصف الثاني في اسرائيل. هذا في الشكل.

لكن في المضمون، يكتسب “وودرو ويلسون” اهمية لأن القيمين عليه هم من المقربين من نظام الجمهورية الاسلامية في ايران، ولأن غولد هو ارفع مسؤول اسرائيلي في السياسة الخارجية نظرا لأن وزير الخارجية الفعلي هو رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو شخصيا.

غولد تحدث في أمور متنوعة، لكن اللافت في حديثه تمحور حول سوريا، وجاء مرمزا، ربما ليفهمه مضيفوه الايرانيون وينقلونه لاصدقائهم في طهران.

حول مستقبل الرئيس السوري بشّار الأسد، قال غولد ان اسرائيل لا تتدخل في شؤون سوريا الداخلية، وتحترم اي رئيس يختاره السوريون. قد يبدو تصريح غولد هذا متوازناً وعادلاً وبعيداً عن الانحياز، الا ان تصريح المسؤول الاسرائيلي يتطابق مع ما يردده المسؤولون الايرانيون والروس بطريقة حوّلت عبارة “احترام خيار السوريين لرئيسهم” الى عبارة ترمز الى التمسك فعليا ببقاء الأسد.

وكما الروس والايرانيين، يستخف غولد بذكاء المستمعين اليه. فأن تقول اسرائيل ان شؤون سوريا الداخلية لا تعنيها، وانها تحترم رأي السوريين في اختيار رئيسهم، فيما المقاتلات الاسرائيلية، مثل نظيرتها الروسية، لا تنفك توجه ضربة داخل سوريا هنا وضربة هناك، هو قول حق يراد به باطل، اذ من الواضح جدا ان اسرائيل معنية جدا بتطورات الاحداث في سوريا، وانها تتابعها بأدق تفاصيلها، وعن كثب، وتعرف من يقود اي سيارة ومن يخزن اي سلاح، وأين، ثم تقوم مقاتلاتها بضربة هنا او قتل هناك. 

الامر الثاني الذي تحدث عنه غولد، وأربك مستمعيه، كان قوله ان اسرائيل تعتبر ان “تشييع سوريا” أمر يطال أمنها القومي، وانها لن تسمح بحدوثه. غالبية الحاضرين لم يفهموا مغزى تصريح غولد، اذ ما الذي يعني الاسرائيليين في هوية مذهب غالبية السوريين، وهل فعليا يفضل الاسرائيليون ان تكون غالبية الشعب السوري على المذهب الحنفي او الشافعي، مثلا، بدلا من الجعفري؟

بيد ان العارفين في لغة الترميز الديبلوماسية يعلمون ان “تشييع سوريا” هي رمز يلجأ اليه المسؤولون الاسرائيليون عند حديثهم عن من يمسك الارض عسكريا في هضبة الجولان السورية التي تحتلها اسرائيل منذ العام ١٩٦٧. فمنذ العام ١٩٧٤ واتفاقية الهدنة التي أفضت الى نشر قوة اندوف لحفط السلام التابعة للأمم المتحدة، حافظ حكام دمشق من آل الأسد على هدوء جبهة الجولان واستقرار الحدود الاسرائيلية بشكل لا سابق له.

ومع اندلاع الثورة السورية في العام ٢٠١١، وتقلص امكانيات الأسد، وانكفاء قواته، ووقوع بعض مناطق الجنوب السوري المحاذي للجولان في قبضة الثوار، سارعت اسرائيل للحفاظ على ميزان القوى في الجولان على ما كان عليه في زمن الأسد، فاتصلت بالمجموعات السكانية السورية القريبة من الجولان، وسلحت بعضها، وفتحت لهم الانترنت (مع ما يعني ذلك من تجسس وتنصت عليهم)، وسمحت لجرحى الثوار بالعلاج في مستشفياتها (مع ما يمنحها ذلك من مقدرة على استنطاقهم وتحديد هوياتهم ورسم علاقاتهم ببعضهم البعض).
لكن ايران كان لها رأي آخر، وحاولت الاستيلاء على المناطق السورية المحاذية للجولان التي إنحسرت سيطرة الأسد عنها، فأغضب ذلك اسرائيل، وراحت تصطاد السلاح والقادة التابعين لإيران و”حزب الله” حتى لا تمنحهما تمدداً حدودياً معها يضاف الى الجنوب اللبناني.

لذلك وقف غولد في ضيافة الايرانيين، وأعلن قبول بقاء الأسد، في دمشق، ورفض توسع ايران الى الجولان. “دمشق لكم والجولان لنا”، كانت الرسالة الاسرائيلية المرمزة التي أرسلها غولد الى طهران.

أوباما وبوتين اتفقا على رعاية «حوار مثمر» بين النظام السوري والمعارضة

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

استحوذت الأزمة السورية على جزء كبير من الحوار الهاتفي الذي اجراه الرئيس باراك أوباما مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، اول من امس، في وقت ناقض مسؤولون أميركيون سابقون، خلال جلسة في الكونغرس، اقوال الادارة الاميركية، واعتبروا ان الحملة العسكرية الروسية «تؤخّر التوصّل الى تسوية في سورية بدلاً من ان تسرّعها».

وجاء في البيان الصادر عن البيت الابيض ان أوباما وبوتين «ناقشا ضرورة تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 حول سورية»، وانهما «اتفقا على اتخاذ خطوات لرعاية نقاش مثمر بين ممثلين عن المعارضة السورية والنظام تحت رعاية الأمم المتحدة».

اما الخطوات المطلوبة لبدء الحواء، فتتضمن «بشكل رئيس»، حسب البيت الابيض، «تقليص العنف، والالتفات إلى الحاجات الانسانية الطارئة للشعب السوري، خصوصاً حاجات من يعيشون في مجتمعات تعاني من الحصار او يصعب الوصول اليها» بسبب الاعمال القتالية الدائرة.

وينص قرار مجلس الأمن 2254، الصادر الشهر الماضي، على ضرورة بدء وقف للنار بتاريخ 18 الجاري، على ان يلي ذلك بدء الحوار بين الاطراف السورية المتحاربة. إلا ان استمرار الحملة العسكرية الروسية، جواً، والايرانية على الأرض، تشي بأن بدء الحوار السوري مازال بعيداً، خصوصاً بعد قول منسّق الهيئة العليا للمعارضة رياض حجاب، ان المعارضين يشترطون وقف النار قبل البدء بالمفاوضات.

وسبق لوكيل وزير الخارجية الاميركي أنتوني بلينكن، أن قال، في نوفمبر الماضي، ان الحملة العسكرية الروسية في سورية تعطي بوتين اليد العليا وتسمح له بممارسة ضغوط على الأسد للتوصّل الى حل.

على ان المراهنة على بوتين ورغبته في الحل قد تبدو في غير محلها، او هذ الانطباع الذي تولّد على إثر جلسة الاستماع التي عقدتها «لجنة القوات المسلحة» في الكونغرس، وشارك فيها السفير الاميركي السابق في سورية روبرت فورد.

وقال فورد، الذي يعمل باحثاً في مركز أبحاث «معهد الشرق الاوسط»، انه يعتقد ان«التدخّل الروسي جعل من الاصعب، بشكل لا يقاس، الحصول على التنازلات المطلوبة» من الأسد، ما يعرقل إمكانية التوصّل إلى إقامة حكومة وحدة وطنية.

وأكمل:«لأنهم (الروس) يستخدمون قذائف عنقودية، ولأنهم يستهدفون مناطق المدنيين باستمرار، ولأنهم يستهدفون قوافل الإغاثة، لا تبدو هذه سياسة روسية مصمَّمة لانتزاع تنازلات من (الرئيس السوري) بشار الأسد لدعم عملية السلام».

ورغم الاشادة المتواصلة من الادارة الاميركية بحق جهودها الديبلوماسية وتعاونها مع موسكو في الشأن السوري، يرى فورد انه«في الوقت الحالي، هناك الكثير من الألاعيب (السياسية) حول من يمكنه ان يمثّل المعارضة السورية». ويضيف:«يحاول الروس ان يضعوا اصدقاءهم في صفوف وفد المعارضة، وكذلك يحاول الايرانيون، وبصراحة، يتابع فورد:(يحاول الأتراك والسعوديون وضع بعض أصدقائهم)».

ومما قاله فورد ان«السوريين لا يمسكون» بالعملية السياسية المطلوبة، مردفاً:«بالنسبة لي، هذا يعني كارثة، خصوصاً اذا تم استثناء التنظيمات المسلحة المعارضة الجدّية، التي يمكنها ان تقبل الحل السياسي»، معتبراً انه في حال استثناء هذه الفصائل السورية المسلحة،«فلا أتخيل انها ستقدم دعمها لاتفاقية سياسية».

ويتابع:«حتى يقترب السوريون من التسوية، على المعارضة المسلحة ان تحرز نجاحات اكبر ضد نظام الأسد، وهو ما يحتاج دعم الولايات المتحدة». وختم فورد بالقول:«لن يحقق المعارضون انتصاراً عسكرياً، فذلك سيستغرق الى الأبد، وسيؤدي الى تدمير اي شيء تبقّى في سورية… لكن المطلوب هو إيقاع ألم كاف بحكومة الأسد ومناصريها حتى يفاوضوا بجدية على الطاولة».

ويمثّل اقتراح فورد ما سبق ان قاله وزير الخارجية جون كيري، في جلسة تثبيته في منصبه مطلع العام 2012، لناحية ان السبيل الوحيد لحمل الأسد على التنازل والرحيل هو بدعم معارضيه عسكرياً، حتى يقتنع ان لا مستقبل لديه في سورية، وحتى«يقرأ الأسد الكتابة على الحائط ويرحل».

إلا ان كيري تخلّى فيما بعد عن رؤيته هذه للحل السوري، في وقت يعتقد المراقبون ان مواقف وزير الخارجية الاميركي لا تنبع من وزارته، بل يفرضها عليه «مجلس الأمن القومي» في البيت الابيض، في ظل ادارة يكاد يُجمع كل من سبق ان عملوا فيها وخرجوا منها على انها مركزية بامتياز، وانها لا تقبل إلا رأياً واحداً، هو رأي رئيسها، دون غيره.

الأربعاء، 13 يناير 2016

أوباما: أميركا أقوى دولة على وجه الأرض

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

لا شك ان ابرز مفارقات خطاب «حال الاتحاد» الذي القاه الرئيس باراك أوباما امام الكونغرس تجلت عندما راح الرئيس الاميركي يكرر ان الولايات المتحدة «هي أقوى دولة على وجه الارض» في الوقت نفسه الذي كانت ايران تحتجز عشرة بحارة اميركيين كانت سيطرت على سفينتيهم العسكريتين واعتقلتهم قبل ساعات من الخطاب.

وعلى جاري عادة الخطابات من هذا النوع، ركز أوباما في خطابه امام الكونغرس بمجلسيه، على الشؤون الداخلية في «خطاب حال الاتحاد» الاخير لرئاسته، وافرد عبارات مقتضبة لشؤون السياسة الخارجية. وبدت عبارات أوباما حول الشؤون الدولية وكأنها «نقاط الكلام» نفسها التي دأب الرئيس وافراد ادارته على تكرارها على مدى السنوات الماضية.

فحول الموضوع السوري، على سبيل المثال، رفض اوباما ارسال قوات برية الى سورية وقال ان مقاربة بلاده «لصراعات مثل في سورية (يكمن في) الشراكة مع قوات محلية وقيادة جهود دولية لمساعدة ذلك المجتمع المكسور السعي الى سلام دائم». واثارت اشارة أوباما الى الشراكة مع قوات محلية سورية انتقادات المعلقين، الذين استعادوا تصريحات لمسؤولي ادارته افادت ان «برنامج تدريب المعارضة السورية المعتدلة» لم يخرّج اكثر من ٤ او ٥ مقاتلين.

والغالب ان أوباما كان يلمح الى شراكة واشنطن مع قوات كردية تقاتل تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش)، في العراق وسورية، وتشرف على تدريب وتسليح قوة عربية في سورية، شرقي الفرات، تطلق على نفسها اسم «قوات سورية الديموقراطية».

كذلك، هاجم أوباما سياسات الجمهوريين الخارجية، وخصوصا سياسة سلفه جورج بوش، وقال ان سياسة أميركا في العالم لا يجب ان تكون «خيارا بين قتل الاعداء او بناء الأمم»، ملوحا الى صوابية سياسته بالقول انها تستند الى الحكمة في استخدام القوة العسكرية، وفي حسن تقدير استخدام هذه القوة.

واعتبر أوباما ان «داعش» لا يشكل خطرا وجوديا على الولايات المتحدة، وان التنظيم يحاول تسويق رواية من هذا النوع بهدف استقطاب المقاتلين.

وقال ان «جموعا من المقاتلين المتمركزين فوق شاحنات صغيرة واشخاصا نفوسهم معذبة يتآمرون في شقق او مرائب سيارات، يشكلون خطرا هائلا على المدنيين وعلينا وقفهم، لكنهم لا يشكلون خطرا وجوديا على وطننا». وتابع: «هذه القصة التي يريد داعش أن يرويها... نوع الدعاية التي يستخدمونها للتجنيد. نحن لا نريد أن نعطيهم حجما أكبر لنظهر جديتنا ولا نريد أن نبعد حلفاء حيويين في هذا القتال بترديد أكذوبة أن تنظيم داعش ممثل لأحد أكبر الديانات في العالم.»

وتوجه الرئيس الديموقراطي الى خصومه الجمهوريين الذي يدينون غياب استراتيجية حقيقية في مواجهة تنظيم «الدولة الاسلامية» في سورية، ليحذر من على منبر الكونغرس من «التصريحات المبالغ فيها» التي تفيد انها «حرب عالمية ثالثة».

الا ان واشنطن، حسب الرئيس الاميركي، ستعاقب كل من يعتدي على اميركيين، ان كان زعيم تنظيم «القاعدة» اسامة بن لادن الذي قتلته قوات اميركية خاصة في باكستان، ام زعيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» أنور العولقي الذي اغتالته طائرات اميركية من دون طيار في اليمن، ام مخطط ومنفذ هجوم بنغازي احمد ابو ختالة الذي اعتقلته في ليبيا قوات اميركية خاصة وقدمته الى المحاكمة في نيويورك.

وفي هذا السياق، حذر أوباما كل من يسعى للاعتداء على اميركيين بالقول: «ذاكرتنا طويلة الأمد وامكانتنا في الوصول اليكم غير محدودة».

وانتقد أوباما مرشحي الرئاسة الجمهوريين لخطابهم المعادي للمسلمين واتهم منتقديه باعطاء ميزة لتنظيم «الدولة الإسلامية».

وفي ضربة مباشرة لمرشح الرئاسة الجمهوري المحتمل دونالد ترامب، قال أوباما إن «إهانة المسلمين أضرت بالولايات المتحدة وخانت هويتها (...) عندما يهين الساسة المسلمين... هذا لا يجعلنا أكثر أمنا»، ما أثار موجة تصفيق من الحاضرين في قاعة مجلس النواب. أضاف أوباما «هذا خطأ تماما. هذا يقلل من شأننا في عيون العالم. هذا يجعل من الصعب علينا أن نحقق أهدافنا».

وتطرق أوباما الى موضوع ايران في شكل عابر، وقال ان بلاده بنت تحالفا دوليا استطاعت عبره من خلال العقوبات والديبلوماسية المنضبطة منع قيام «ايران مسلحة نوويا». وقال: «فيما نتحدث، تقوم ايران بطوي برنامجها النووي، حيث شحنت مخزونها من اليورانيوم (الى روسيا)، وتفادى العالم حربا اخرى».

على ان ما لم يقله أوباما هو انه اثناء حديثه ايضا، كانت ايران تحتجز عشرة اميركيين.

وايران لم تدع أوباما، احد اكثر الرؤساء الاميركيين الذين توددوا لها، يلقي خطاب «حال الاتحاد» الاخير له من دون ان تتسبب له بحرج كبير، اذ قبل ساعات من الخطاب، انتشرت انباء قيام البحرية الايرانية بالسيطرة على سفينتين بحريتين صغيرتين اميركيتين واعتقال طاقميها المؤلفين من عشرة عسكريين، تسعة رجال وامرأة.

وانتقد المرشح الجمهوري للرئاسة السناتور ماركو روبيو ردة الفعل المتهاونة التي أبدتها الادارة الاميركية، ووعد انه في حال انتخابه رئيسا، فان اول ما سيسعى للقيام به هو الغاء الاتفاقية النووية مع ايران.