الاثنين، 30 مايو 2016

يحب فلسطين ويكره سوريا

حسين عبدالحسين

تعيين المرشح الديموقراطي للرئاسة بيرني ساندرز، للناشط الأميركي من أصل لبناني جايمس زغبي ممثلاً له، في اللجنة المكلفة صياغة برنامج السياسة الخارجية للحزب، لقي ترحيباً حاراً من قبل عدد كبير من العرب، والعرب الأميركيين. وساهم الاعلام الاميركي في تأجيج المشاعر العربية عندما عنونت غالبية المواقع الاخبارية ان ساندرز عين "مؤيداً لفلسطين" ممثلا له، وترافق ذلك مع صراخ اصدقاء اسرائيل ضد خطوة تعيين الزغبي.

وعلى قول المثل الشعبي، للزغبي "قرص في كل عرس"، فجمعيته تقيم احتفالاً سنوياً لتكريم الاديب اللبناني الراحل جبران خليل جبران، وعند اندلاع أزمة الفيلم المسيء للمسلمين، كان الزغبي في صدارة الزعماء المسلمين المستائين، مع أن الزغبي مسيحي الديانة. وعند أزمات فلسطين، يتصدر الزغبي المشهد ممانعاً ويعلو صراخ عروبته. وقبل اسبوع من انتخاب باراك أوباما رئيساً في العام 2008، مهر توقيعه الى جانب تواقيع اللبنانيين - الاميركيين الاربعة في الكونغرس، في حينه، للتعبير باسم اللبنانيين الاميركيين، وهم اكبر جالية عربية في أميركا، عن تأييد أوباما.

زغبي، الذي يطلق على نفسه وصف "منظّم سياسي"، يتأرجح في هويته بين مسلم ومسيحي، وفي مواقفه بين عربي فلسطيني وأقلوي مسيحي. أما أظرف ما في الأمر، فيكمن في أن لغته العربية تكاد تكون معدومة، وقد يكون الأمر الوحيد الذي يمنحه بعض العروبة هو انه يعدّ نجله لقيادة اللجان والراوبط الأميركية التي سيخلّفها بعد رحيله.

وبغض النظر عن دوافع زغبي السياسية واجنداته، المتعددة والمتضاربة احياناً، التزم الناشط العربي-الأميركي بموقف سياسي وحيد لم يحد عنه منذ زمن: تأييده للرئيس السوري بشار الأسد.

في زمن "الانخراط مع الأسد"، الذي بدأ مع دعوة وزيرة خارجية الجمهوريين، كوندوليزا رايس، لمساعد وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، للمشاركة في مؤتمر انابوليس للسلام صيف 2007، وتلاه وصول أوباما الى الحكم وارساله الديبلوماسي جيفري فيلتمان، وعضو الأمن القومي سابقاً (السفير في اسرائيل اليوم) دان شابيرو، الى دمشق للقاء الأسد في العام 2009، كان الزغبي في طليعة مؤيدي الانفتاح على الأسد، الى حد دفعه لتنظيم لقاء مع مسؤولي "مجلس الأمن القومي"، وهو أعلى هيئة في البيت الابيض، باسم اللبنانيين-الأميركيين (من اصدقاء الرئيس السابق اميل لحود والنائب السابق عصام فارس ومناصري الحزب السوري القومي) بهدف "فتح صفحة جديدة بين لبنان وسوريا"، والتنازل عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. لكن اللقاء لم يجر كما أراده الزغبي بعدما حشر أنصار 14 آذار أنفسهم في اللقاء، وانهارت الخطة.

وبعد اندلاع الأزمة السورية في العام 2011، استدار معظم من كانوا يناصرون "الانخراط مع الأسد"، وفي طليعتهم وزير الخارجية جون كيري، صديق الأسد. لكن الزغبي ونفر من صحبه يستمرون في مناصرة الأسد بشراسة لا متناهية، فيعقدون اللقاءات المغلقة مع الاميركيين من كل المستويات لتحذيرهم من الخطر الذي يفترض انه محدق بالاقليات في حال رحيل الأسد عن الحكم.

ولأن الزغبي يدرك ان الدفاع عن الأسد علنا هو نوع من الانتحار السياسي امام الرأي العام الاميركي، فهو انكفأ عن تأييده بشكل مباشر، وهكذا نقرأ في مقالة له حول الأزمة السورية، في موقع "هفنغتون بوست" العام الماضي، أن الحل في سوريا يكمن في إلحاق الهزيمة بالارهاب، ثم "ايجاد صيغة حكم". أي إنه، بعد خمس سنوات على قمع الأسد الدموي للسوريين، وفي وقت تعد الأمم المتحدة ملفاتها لإدانة الأسد بتهم جرائم حرب في المستقبل، يلتزم الزغبي الصمت حول الأسد.

لا شك أن الزغبي يحب فلسطين، فهو غالباً ما يطل مناصراً للفلسطينيين أمام البطش الاسرائيلي. لكنه، بلا شك أيضاً، يكره سوريا، إذ إنه ما زال مؤيداً عنيداً للأسد على الرغم من ان ضحايا الأسد صاروا اضعافاً مضاعفة لضحايا اسرائيل.

نموذج يحب فلسطين ليكره سوريا ليس حكراً على الزغبي. فكثيرون في العالم العربي، ممن يعلنون أن طريق القدس تمرّ في إدلب، أو حلب.. يتبنون هذه السياسة، وفي طليعتهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي يرأس سلطة مفتتة ترزح تحت الحذاء العسكري الاسرائيلي، لكنه مع ذلك وجد فرصة ليهنئ الأسد بانتخابه رئيساً لولاية ثالثة.

من يحرك الزغبي هو من يحرك عبّاس، الفائز بجائزة جبران خليل جبران التي منحه اياها الزغبي صيف 2008.

الجمعة، 27 مايو 2016

صور جنود أميركيين قرب الرقة تثير مخاوف من تورط على طريقة فيتنام

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

وجود «القاعدة» في إيران معروف و«خلية خراسان» التي ضربت في سورية كانت تتخذها مقراًأثارت الصور التي تناقلتها وكالات الانباء وظهر فيها جنود اميركيون، في شمال سورية الشرقي يتجولون في ناقلات مدنية تابعة لقوات سورية الديموقراطية، عاصفة من ردود الفعل الغاضبة في الكونغرس والاوساط المتابعة للسياسة الخارجية.

ومازالت صور جنود اميركيين في العراق او سورية تثير ذعر الرأي العام الاميركي، خصوصا مع اعلانات أوباما المتكررة عن زيادات في عدد «المستشارين العسكريين» في كلا البلدين. ويطلق الاميركيون تسمية «مهمة تتسلل» على الحروب التي تبدأ بعدد قليل من الجنود الاميركيين، وما تلبث ان تتوسع وتجبر أميركا على التورط اكثر فأكثر، على غرار ما حصل في حرب فيتنام.

ووصل التشنج حدود الشجار بين الصحافيين، من جهة، والناطق باسم وزارة الدفاع (البنتاغون) بيتر كوك، من جهة اخرى، بعدما رفض تقديم تفاصيل عن طبيعة المهمة الاميركية في سورية، وأصر على الالتزام بالقول ان دور الجنود الاميركيين الموجودين في سورية يقتصر على «تقديم المشورة والمساعدة»، موكدا ان «عدد المستشارين العسكريين الاميركيين ازداد خمسة اضعاف ليصل الى 250».

لكن الصحافيين ألحوا في اسئلتهم، ولفتوا نظر المسؤول العسكري إلى ان الصور اظهرت القوات الاميركية على بعد 32 كيلومترا فقط من الرقة، وهذا يظهرهم وكأنهم في الخطوط الامامية لا في الثكنات يرسمون خططا ويراقبون عن بعد. ثم ان ناقلات «البيك آب» العسكرية السورية كانت مجهزة بمدافع رشاشة وقاذفات، ما يشي بان الاميركيين يشاركون مع المقاتلين الاكراد السوريين على ارض المعركة، في وقت تكرر الادارة ان «لا حل عسكريا في سورية»، ويجد الثوار السوريون العرب انفسهم وحدهم في مواجهة جحيم نظام الأسد العسكري.

ووسط تكاثر التكهنات في العاصمة الاميركية، التزم مسؤولو الادارة الصمت، في وقت تعرض فريق الرئيس باراك أوباما الى المزيد من الهجوم السياسي، هذه المرة بسبب توافد تقارير متعددة تؤكد التعاون بين ايران و «طالبان» في افغانستان وباكستان. التقرير الاول اشار الى ان زعيم «طالبان» الملا أختر منصور، الذي اغتالته القوات الاميركية قبل ايام في المثلث الايراني - الافغاني - الباكستاني، كان يحمل جوازا مزيفا باسم وليد محمد، وان جوازه كان يحمل تأشيرة دخول ايرانية مع اختام دخول وخروج الى ايران.

وشن معارضو الرئيس أوباما، خصوصا من الجمهوريين في الكونغرس، هجوما واسعا ضد سياسة الرئيس الاميركي تجاه ايران، معتبرين ان لا الاتفاقية النووية ولا محاولات الانفتاح الاميركية الاخرى تبدوان انهما تجديان نفعا مع الايرانيين.

التقرير الثاني نشرته مجلة «فورين بوليسي» وجاء فيها ان ايران تتعاون مع «طالبان» بهدف احتواء تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش)، الذي يبدو ان محاولات تمدده داخل افغانستان جارية على قدم وساق.

واعتبرت مصادر الجمهوريين ان التعاون بين ايران و «طالبان» لا يمكن ان يكون وليد الساعة، فهذا النوع من العلاقات تنسجها الاستخبارات على مدى سنوات. وقالت المصادر لـ «الراي» ان «ادارة أوباما في مأزق، فهي اما كانت غافلة عن التعاون الايراني مع طالبان وتنظيم القاعدة، عدونا الأول، ما يجعله فشلا استخباراتيا اميركيا كبيرا، واما ان الادارة كانت تعلم بوجود تعاون بين ايران والارهابيين في افغانستان وباكستان، واشاحت بنظرها عنه بهدف عدم تعكير العلاقة مع الايرانيين».

وتابعت المصادر الجمهورية ان «وجود تنظيم القاعدة في ايران معروف منذ زمن، وكانت آخر المجموعات التي اجبرت قواتنا على توجيه ضربات لها شرق الفرات (في سورية) معروفة بخلية خراسان نظرا لاتخاذ ارهابييها من ايران مقرا لهم».

وبين الانحياز للقوات الكردية السورية ضد تركيا وحلفاء اميركا من الدول العربية التي ترعى فصائل سورية مقاتلة غالبا ما تتعرض لهجمات كردية، وبين الانحياز لايران رغم تعاونها مع «طالبان» و «القاعدة»، يعتقد الجمهوريون وبعض الخبراء المستقلين ان سياسة أوباما الخارجية، خصوصا في الشرق الاوسط، «هي عكس السياسة الاميركية التقليدية على مدى العقود الماضية».

ويقول الجمهوريون ان أوباما يخطئ عندما يتخلى عن حلفاء أميركا بسهولة، اذ ذاك سيخسر ثقة اي حلفاء في المستقبل.

ويأتي الحنق الجمهوري ضد أوباما في وقت يشتد صراع الكونغرس الجمهوري مع الادارة الديموقراطية على خلفية تمنع ادارة أوباما عن اتخاذ اي موقف من قيام روسيا بنقل انظمة صواريخ «اس - 300» للدفاع الجوي الى ايران. ومنذ 7 ابريل، عمد عدد من المشرعين الى توجيه رسائل الى الادارة للاستفسار عن موقفها حول الموضوع، حيث ينص القانون الاميركي على وجوب فرض عقوبات على طهران في حال ثبت استيرادها «اسلحة نوعية».

الخميس، 26 مايو 2016

اللوبي الايراني في واشنطن

حسين عبدالحسين

سال حبر كثير في وصف اللوبي الموالي لنظام الجمهورية الاسلامية داخل واشنطن، وقوبل في الغالب بسخرية من القراء، خصوصا من المؤيدين لايران وحلفائها في المنطقة. لكن قصة هذا اللوبي اصبحت مكشوفة تماما بعدما أكد نائب مستشارة الامن القومي بن رودز الصلة بين ادارة الرئيس باراك أوباما واللوبي الايراني في مقابلته الفضائحية في مجلة “نيويورك تايمز”، قبل اسبوعين.

ومما قاله رودز، في وصف تلاعبه بالاعلاميين الاميركيين، انه سبق ان اجرى جولات جس نبض ليعرف من يمكنه حمل رسالة الادارة بفاعلية، وان من المجموعات التي اثبتت مقدرتها جمعية خيرية تحمل اسم بلوشيرز. وهذه الجمعية معروفة برعايتها “المجلس القومي الايراني الاميركي”، الذي يرأسه في واشنطن الايراني تريتا بارسي، صديق وزير الخارجية جواد ظريف منذ ان عمل الاخير موفدا لبلاده في الأمم المتحدة في نيويورك، كما يظهر حكم محكمة صادر في حق بارسي. 

ولم تكد تمضي ايام على تصريحات رودز حول بلوشيرز حتى سارعت وكالة “اسوشتيد برس” الى اجراء ونشر تحقيق تمحور حول نشاطات هذه الجمعية الخيرية وتبرعاتها العلنية، والغالب ان الجمعية قدمت تبرعات سرية لا يفرض القانون الاميركي كشفها.

ولطالما دعمت بلوشيرز بارسي ومؤتمراته حول ايران. كذلك مولت اعمال ونشاطات باحثين نووين، وخبراء، وديبلوماسيين سابقين، حتى انها تبرعت بمبلغ ٧٠ الف دولار لجامعة برنستون المرموقة حتى ترعى الدبلوماسي الايراني النووي السابق حسين موسويان و تسوّق كتابه، وتحليلاته، واطلالته في الندوات والاعلام.

ومن مراكز الابحاث التي تسلمت اموالا من بلوشيرز“معهد بروكنغز”، و”مجلس الأطلسي”، و”مركز النزاهة العامة”، الذي يراقب عمل الاعلام للتأكد من حياديته. كذلك، تسلمت الاذاعة والتلفزيون شبه الرسمية “ان بي آر” ٧٠٠ الف دولار، وجاءت اذ ذاك تقاريرها الاخبارية مساندة للانفتاح على ايران.

ومولت بلوشيرز عمل واقامة صحافيين في طهران، مثل مراسل “نيويورك تايمز” توماس اردبرينك و”واشنطن بوست” جايسون راضيان، الذي اعتقله الايرانيون وبادلوه مع سجناء ايرانيين اميركيين كانت واشنطن تحتجزهم لمحاولتهم خرق العقوبات الاقتصادية ومحاولة تزويد طهران بتقنيات عسكرية ونووية.

ومن مستشارة أوباما الاقرب فاليري جاريت، المولودة في شيراز والتي تؤيد الانفتاح على النظام الايراني، الى سحر نوريزادة التي عملت في مجموعة بارسي قبل ان تنتقل الى “مجلس الأمن القومي” الاميركي، الى سلسلة مسؤولي الشرق الاوسط في هذا المجلس فيليب غوردن وستيف سايمون وروبرت مالي، والثلاثة من مؤيدي بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم واثنان منهم زارا الأسد في الماضي ويعرفونه شخصيا، كل هذه شخصيات داخل الادارة مؤيدة لايران وحلفائها.

واللوبيان الايراني والسوري في واشنطن يعملان مثل اللوبي المؤيد لاسرائيل، فالقانون الاميركي يفرض التصريح علنا عن الاموال التي تتبرع بها حكومات اجنبية او مواطنين غير اميركيين للحملات الانتخابية للسياسيين او للاعلاميين او مراكز الابحاث، وهو ما تفعله كبرى اللوبيات العالمية مثل التابعة لكندا والمانيا. 

لكن اللوبيات الايرانية والسورية والاسرائيلية لا تصاريح لديها لأن مموليها مواطنون اميركيون، ما يجعل من الصعب تحديد كمية الاموال التي يضخونها لشراء نفوذ سياسي داخل واشنطن، لكن يمكن فهم مصدر تمويل احدى ابرز الصحافيات الاميركيات لورا روزن، التي تعمل لموقع اعلامي يموله سوري - اميركي موالٍ للأسد والتي تابعت المفاوضات النووية مع ايران بيومياتها وتفاصيلها بتكاليف سفر واقامة باهظة في اوروبا، ونشرت تقارير مفصلة عنها، وحاولت تسويقها اثناء اطلالاتها الاعلامية وفي مراكز الابحاث الاميركية كونها من الخبراء ممن واكبوا المفاوضات.

عبر شبكة الانترنت قد تظهر علاقات وصداقات بين اعلاميين وخبراء، لكن من يعيشون في العاصمة الاميركية يشاهدون خريطة اللوبيات ونفوذها عن كثب أكثر، فعندما لا ينشر الاعلاميون مقالاتهم، وعندما لا يطل الخبراء عبر الاعلام ومراكز الابحاث، فهم يتسامرون سوية ويذهبون الى المطاعم، ويأخذون اولادهم معا الى الملاعب والنزهات، ومن يعيش في واشنطن، يرى من صديق من، ومن يؤيد من، ويعرف انه كما في باقي الدول حول العالم، اللوبيات هي شبكات مصلحية واجتماعية في الوقت نفسه، وفي حالة ادارة أوباما واللوبيين الايراني والسوري، فان الترابط بينهما سابق لتولي أوباما الحكم، وهو على درجات متعددة اجتماعية ومصلحية وغيرها.

اللوبي الايراني في واشنطن قهر نظيره الاسرائيلي وفرض التوصل لاتفاقية نووية مع ايران، ومازال يعمل لتكريس الانفتاح الاميركي على طهران، وبشروط ايرانية. في الماضي القريب، كان الحديث عن اللوبيين الايراني والسوري بمثابة دعابة و“نظريات مؤامرة”. اليوم من لا يصدق هذه “الدعابة”، يمكنه العودة الى تصريحات رودز وان يطالع بيانات تبرعات بلوشيرز.

«غراد داعش» يدمّر كتيبة مروحيات روسية في تدمر

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

أشارت تقارير كشفتها مجموعة «ستراتفور» الاستخباراتية الأميركية الخاصة ان تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) نجح في تدمير اربع مروحيات روسية من طراز «ام اي 24» الهجومية، تابعة للقوات الروسية، كانت رابضة في قاعدة «تي 4» القريبة من تدمر. ونجح التنظيم، عبر القصف بصواريخ غراد، بتدمير 24 شاحنة محملة بالذخيرة الروسية كانت متوقفة في القاعدة، فضلا عن مقاتلة «ميغ» معطلة تابعة لقوات الرئيس السوري بشار الأسد كانت جاثمة على ارض المطار العسكري، الذي تستخدمه القوات الروسية منذ دخولها الحرب السورية في 30 سبتمبر الماضي.

وسارعت موسكو، على لسان الناطق باسم وزارة دفاعها الجنرال ايغور كوناشنكوف، الى نفي التقارير الاميركية، وقال ان «كل المروحيات القتالية الروسية الموجودة في الجمهورية العربية السورية تقوم بالمهمات الموكلة لها والقاضية بتدمير الارهابيين، ولا توجد اي خسائر في صفوف القوات الروسية في اي قاعدة جوية».

الا ان مصادر استخباراتية اوروبية أكدت لـ «الراي» التقارير الاميركية، وترافقت التأكيدات الاوروبية مع نشر «ستراتفور» صور اقمار اصطناعية تؤكد ان المروحيات الروسية وشاحنات الذخيرة تم تدميرها فعلا في السابع عشر من الجاري. وكانت وسائل الاعلام التابعة للأسد اشارت الى وقوع انفجار عن طريق الخطأ في قاعدة عسكرية في تدمر، ليتبين بعد ذلك انه ناجم عن هجوم نفذه مقاتلو «داعش». وتظهر صور الاقمار الاصطناعية انه بتاريخ 14 مايو، كانت المروحيات الاربع رابضة في القاعدة القريبة من تدمر، فضلا عن مروحية نقل من طراز «ام اي 8». اما صور 17 مايو، فتظهر المروحيات الهجومية الاربع مدمرة بالكامل ومحترقة.

وتقدر تكلفة المروحية الروسية الواحدة 12 مليون دولار، ما يعني ان خسارة روسيا بلغت 48 مليون دولار، يضاف اليها مليونا دولار على الاقل تكلفة الذخيرة، ليصبح مجموع الخسائر الروسية اكثر من 50 مليون دولار على اثر هجوم واحد قام به «داعش».

وتشير التقارير الاميركية الى ان روسيا تركن سربي مقاتلات «سوخوي» تستخدمها في غاراتها في قاعدة «تي 4» المذكورة، وان من حسن حظ الروس ان مدى القصف الذي وجهه تنظيم «داعش» لم يتعد شمال شرقي القاعدة، وهو لو ابتعد اكثر من ذلك، لطال مقاتلات «السوخوي» ولكانت الخسارة الروسية المادية اكبر بكثير.

ويعتقد الخبراء الاميركيون ان هجوم «داعش» على القاعدة الروسية في تدمر يظهر ان استعادة قوات الأسد وحلفائه للاراضي السورية يبقى محفوفا بالخطر، وانه في معظم الاحيان، تتوغل قوات روسيا والأسد وحلفاؤهما داخل اراض بعمق يكشف خطوط الامداد، ونجاح «داعش» في اصابة القاعدة الروسية في تدمر ابرز دليل على ذلك.

الاثنين، 23 مايو 2016

روسيا تتلاعب بالاميركيين في سوريا

حسين عبدالحسين

بعد سنوات من اصرار الرئيس الاميركي باراك اوباما على أن نظيره الروسي فلاديمير بوتين سيتوصل الى استنتاج مشابه للرؤية الاميركية حول سوريا، والقائلة باستحالة الحسم العسكري واقتصار الحل على تسوية سياسية تقضي بمشاركة الحكم السوري بين الافرقاء المتحاربين، يبدو أن فريق الرئيس الاميركي ادرك في الاشهر القليلة المتبقية له في الحكم أن بوتين لم يحد عن هدفه الأوحد منذ اندلاع الثورة السورية في العام ٢٠١١، وهو التمسك بالأسد حاكماً أوحد في دمشق.

في الاشهر القليلة التي تلت الثورة السورية والقمع الدموي الذي تعرضت له على ايدي قوات الرئيس السوري بشار الأسد، والقوات المتحالفة معها، اعلنت موسكو موقفاً مفاده انها تحترم سيادة "الجمهورية العربية السورية" وتدعو كل الدول لعدم التدخل بشأن سوريا الداخلي، اي الوقوف والتفرج بينما تدك مدفعية الأسد ومقاتلاته بيوت السوريين فوق رؤوسهم.


لكن بعدما ظهر أن مقاتلي المعارضة السورية كانوا في طريقهم الى تحقيق انتصارهم على الأسد مع حلول منتصف العام ٢٠١٢، انقلب موقف المسؤولين الروس، الذين فاجأوا في حينه نظراءهم الأميركيين — مثل فرد هوف وروبرت فورد — بقبول موسكو "التدخل" في سوريا، وقدموا بالاشتراك مع الاميركيين رؤية تقضي بقيام هيئة حكم انتقالية سورية بصلاحيات تنفيذية كاملة. هكذا ولدت وثيقة جنيف التي اعتبر فيها الروس انهم انتصروا باجبارهم الاميركيين على التخلي عن رحيل الأسد كشرط للحل، فيما اعتقد الاميركيون انهم حققوا مكسباً بتغيير الموقف الروسي من السيادة المطلقة للأسد الى قبول تدخل دولي يشرف على مرحلة ما بعد الأسد.


وتحولت وثيقة جنيف حول سوريا، مثل كل قرارات الامم المتحدة حول فلسطين، الى ألاعيب كلامية وتلاعب في الالفاظ التي تلتف بغموض يسمح لكل طرف معني تفسيرها على هواه. كما تحولت وثيقة جنيف الى نموذج الديبلوملسية السفسطائية التي تم تكرارها مرارا في جنيف وفيينا، وتم تكريسها في قرار مجلس الأمن رقم 2254.


ومنذ مطلع العام، سعت ادارة اوباما الى "إنجاز" ديبلوماسي جديد في سوريا تضيفه الى ما تعتقده انجازاتها الديبلوماسية الاخرى مثل الاتفاقية النووية مع ايران، فزار وزير الخارجية جون كيري موسكو، والتقى بوتين، واكد له جدية الاميركيين في التوصل الى حل، في وقت اعتقد الاميركيون ان اعلان بوتين انسحابه من الحرب السورية يؤكد صحة اعتقاد اوباما ان روسيا ادركت ان سوريا هي مستنقع عسكري وتسعى للخروج منها والعمل مع اميركا ديبلوماسياً لتأمين هذا المخرج.


هكذا، وبينما كانت "مجموعة دعم سوريا" تلتقي والامم المتحدة تجري مفاوضات، راح الروس والاميركيون يعقدون لقاءات بعيدة عن الانظار للتباحث في الأزمة السورية، وقادها مستشار بوتين اليكس لافرينييف، ومسؤول شؤون الشرق الاوسط في مجلس الأمن القومي الاميركي روبرت مالي، وتمحورت حول التوصل الى مسودة دستور سوري جديد يوافق عليها الطرفان ثم يقومان بتسويقها لدى حلفائهما، عملا باعتقاد بوتين انه وواشنطن يمسكان بكل خيوط اللعبة السورية، كما في وثيقة جنيف.


في المفاوضات الروسية الاميركية، وافق الاميركيون على أن الدساتير والقرارات الدولية لا تتضمن اسماء اشخاص، لذا يجب ابقاء الأسد خارج اي قرار، لكنهم سعوا الى استبدال نظام سوريا الرئاسي الحالي بآخر برلماني، واناطة السلطات التنفيذية بحكومة وحدة وطنية، وتحويل منصب رئاسة الجمهورية الى منصب فخري كما في العراق ولبنان.


لكن يبدو أن بوتين يحب الدول على شاكلة دولته التي يختصرها بشخصه، مع برلمان شكلي وحكومة لا تحكم. في الحالة السورية، أراد الروس ابقاء الاجهزة الامنية الاربعة والجيش في أيدي رئيس الجمهورية، وإدخال معارضين في حكومة وحدة وطنية. حتى المعارضين، كان لموسكو تحفظات على معظمهم باستثناء اصدقائها واصدقاء القاهرة من المحسوبين على المعارضة.


والانتقال في سوريا، حسب ما تراه موسكو، يبدأ مع الأسد، ويحصل بإشرافه، ويؤدي الى بقائه حاكماً أوحد، وكل ذلك يحصل من دون تسميته لأن ذلك ينافي البروتوكول الديبلوماسي. فقط المجموعات المسلحة والمعارضين ممن لا تتفق معهم موسكو يمكن تسميتهم ووضع فيتوات على مشاركتهم في الحكم.


في الاشهر الاخيرة من عمرها، ادركت ادارة أوباما ان بوتين مازال على موقفه المتمسك بالأسد والرافض لمشاركة الحكم في سوريا منذ اليوم الاول، لذا صارت اقصى طموحاتها تقضي بتثبيت الهدنة وادخال المساعدات الانسانية الى المناطق المنكوبة، التي يبدو أن الأسد فطن لأهميتها في الاعاقة الديبلوماسية، فعمل على زيادة عددها.


أدرك فريق أوباما، وإن متأخرا، أن روسيا والأسد وايران لا يريدون تسوية جامعة في سوريا. لذا، صار هدف أوباما تسليم الملف السوري كما هو الى من سيخلفه. أوباما يعتقد نفسه نفد من ورطة سوريا لكن حكم التاريخ سيكون عليه اقسى بكثير مما يتصور. أما روسيا، فستتمسك بالأسد وبرفضها مشاركته الحكم مع أحد، من خصومه أم من حلفائه، وستنظر الى رئيس اميركا المقبل حتى تتلاعب به بالطريقة نفسها.

الخميس، 19 مايو 2016

لماذا يا مصر؟

حسين عبدالحسين

في مئوية اتفاقية سايكس بيكو، لا ضير من اعادة التذكير بأسس “الاخوة” بين الدول العربية، والتي كانت تقضي بالحفاظ على علاقة طيبة، وان شكليا، بين حكوماتها. في الماضي، خرج بعض الحكام احيانا عن اللباقة، من قبيل ان يطّل العقيد الليبي معمر القذافي مهرّجاً في القمم، او ان يشن نائب الرئيس العراقي عزت الدوري ردحاً يصل حد “يلعن ابو شواربك انت امام العراق العظيم”.

لكن بعيدا عن ألاعيب صدام حسين وحافظ الأسد، اللذين تبادلا العداء باشعال الحروب بين فصائل تحرير فلسطين، التزم معظم حكام العرب مبدأ عدم التدخل في شؤون الآخرين الا في الحالات المستعصية، كمجازر النظام السوري بحق السوريين. ولأن مواقف الدول العربية تجاه سوريا تتراوح بين الاجماع المطالب بالانتقال من حكم الرئيس بشار الأسد الى آخر انتقالي، او الحياد، يصبح موقف “جمهورية مصر العربية”، التي تشغل حاليا المقعد العربي غير الدائم في مجلس الأمن، خارجا عن المألوف.

مفهوم ان لا تكون حكومة مصر الحالية متحمسة لثورات عربية غير “ثورتها الثانية”، التي واكب فيها الجيش المصري “عفوية” الجماهير في الشارع، فأرسل رتلاً من عربات همفي اخرجت الرئيس السابق محمد مرسي من منزله واقتادته الى السجن. ولكن غير مفهوم نسبة العداء لدى المصريين، وحكومتهم، لثورات الآخرين، خصوصا الثورة السورية، فالحياد يتطلب على الأقل تأييد الهدنة وادخال المساعدات الانسانية، لا التمسك بمواقف تمليها مصلحة النظام السوري فحسب.

في نيويورك، تحولت البعثة المصرية الى شبه ناطقة باسم الأسد، وهو ما وفّر على روسيا احيانا حرج مواجهة العواصم الغربية التي تؤيد، الى حد ما، ثورة السوريين ضد رئيسهم ونظامه. هكذا، يحاول الاوروبيون تقديم مشروع قرار الى مجلس الأمن يفرض تنفيذ بنود القرار 2254 لناحية “وقف الاعمال القتالية في سوريا” و”السماح بايصال المساعدات الغذائية” الى المناطق السورية، فيأتي الاعتراض لا من روسيا، بل من مصر. ولأن سوريا شأن عربي، يحمل الاعتراض المصري ثقلا كونها تمثل الكتلة العربية.

ويترافق التأييد المصري المطلق للأسد مع نوع من العجرفة، فمن يتحدثون مع الديبلوماسيين المصريين في نيويورك ينقلون عنهم اعتقادهم ان القاهرة تتمتع بحكمة وحنكة لا تضاهيان، وانها تفضل “الديبلوماسية الهادئة”، وان مصر هي “أبرع دول العالم ديبلوماسيا”.

وتتطابق عجرفة البعثة المصرية مع المديح الذي تغدقه على نفسها القاهرة، التي ينفق حكامها وقتا على مد السجاد الاحمر لسياراتهم اكثر من الوقت الذي يخصصونه لفهم مشاكل مصر، السياسية والاقتصادية، ومعالجتها بحلول غير الحلول الخطابية الشعبوية التي يقدمونها.

أما ابرز مشكلة في الدعاية المصرية فتكمن في انها لا تنطلي غالبا الا على المصريين، ومن لا تنطلي عليه من المصريين او من المقيمين في مصر، يجد نفسه مسجونا او ملاحقا. 

ولا يبدو ان القاهرة، ولا بعثتها في نيويورك، تدركان ان العالم لا يراهما بالعظمة التي تريان نفسيهما عليها، فغالب المتابعين ينظرون الى مصر ويرون دولة ضعيفة سياسيا واقتصاديا، مفككة، مديونة، غارقة في ازماتها الادارية والأمنية والاجتماعية، لكنها مع ذلك تحاول الايحاء بعكس ذلك، وتسعى لاخراس أي رأي مخالف.

هذه هي مصر اليوم، كانت ام الدنيا، واليوم ترى الدنيا من مناظير البنادق العسكرية. عالمها اسود او ابيض: اما مع الثورات في العالم او مع الانظمة العسكرية. هي سياسة يحسبها المصريون حذاقة، ولكنها في الواقع مثيرة للشفقة، وتدفع المراقب الى الحيرة، والى عدّ الايام بانتظار خروج مصر من مجلس دولي هو أصلا معطل، ولم يُعِن السوريين في محنتهم بأكثر من بيانات القلق.

رد على رمزي الحافظ : ولّى زمن الأحزاب

حسين عبد الحسين - صحافي

أصاب الاستاذ رمزي الحافظ* في مطالبته حملة "بيروت مدينتي" للانتخابات البلدية بتخليها عن صفتها كهيئة مجتمع مدني، فالمجتمع المدني يتحول سياسيا لحظة انخراطه في اية انتخابات، لكنه أخطأ في مطالبته تحويلها حزبا سياسيا، معتبرا ان الأحزاب هي مستقبل الديموقراطية.
لا يمكن اي مراقب للديموقراطيات حول العالم الا ان يلاحظ ان زمن الأحزاب السياسية ولّى. الحزب الجمهوري الاميركي منقسم ومبعثر، ومرشحه للرئاسة دونالد ترامب نجم تلفزيون الواقع وتكاد تنعدم ثقافته السياسية. اما الحزب الديموقراطي، فغزاه مرشح للرئاسة من خارج الحزب، ونجح في تحفيز قواعد الحزب ودفعها الى تمويل حملته أكثر مما نجحت مؤسسة الحزب.
وكما في أميركا، كذلك في بريطانيا حيث "حزب العمال" مأزوم، وفي فرنسا يعاني اليمين من جنوح قواعده نحو التطرف، ما اضطره للاستعانة باليسار لوقف زحف اقصى اليمين نحو السلطة.
لقد قوّضت وسائل التواصل الاجتماعي الاحزاب، التي كانت تحتكر عملية تنظيم القواعد، واعداد الرأي العام وتوزيع الدعاية عبر ماكينة كانت مكلفة حتى الأمس القريب. وابان اندلاع الربيع العربي في العام 2011، شبّه بعض المراقبين انتشار وسائل التواصل الاجتماعي في الدول العربية بانتشار التلغرام الذي اشعل ثورات اوروبا قبل قرنين.
على ان انتصار قواعد الاحزاب على قياداتها دفع الى قلب المؤسسات من دون ان يقدم بديلا ناضجا، كما في الحالة المصرية، او قدم بديلا مطابقا للنموذج الماضي، كما في لبنان 2005 وسوريا 2011.
شكلت "بيروت مدينتي" محاولة تغيير قد تكون الاولى من نوعها عربيا بتقديمها بيانا واضحا لرؤيتها في الحكم. صحيح ان برنامج الحملة كان طموحا اكثر من الممكن، لكنه اظهر ان الناشطين ليسوا غوغاء فحسب، بل كوادر تحمل افكارا وخبرات، وانه يمكنها ان تشكل بديلا من الموت السياسي الذي فرضته الاوليغاركية اللبنانية على كل مؤسسات الدولة، من رأسها وحتى اخمص قدميها.
وافادت "بيروت مدينتي" من فرص لم تكن متوافرة لنظيراتها العربية في مصر او سوريا، فغالبية ناشطي "بيروت مدينتي"صاروا اليوم متمرسين في عملية التمرد على المؤسسة الحاكمة وحتى التغلب عليها، ومعظمهم ممن خاضوا في التسعينات تجارب على شكل ثورات طالبية ضد الاحزاب، واكتسحوا انتخابات جامعاتهم، وشكلوا اتحادات تجمع بين مجموعاتهم الطالبية، مثل "المجموعات اليسارية المستقلة" التي انتجت "حركة اليسار الديموقراطي"، قبل ان يستولي حزبيون قدامى على التجربة ويدخلوها في مماحكات السياسية اللبنانية، ويقضوا عليها بالكامل.
لكن إن كان الانقسام بين 8 و14 آذار، بصيغته اللبنانية، وبين السنة والشيعة، بصيغته الاقليمية، اعاق التجربة الشبابية اللبنانية المستمرة منذ التسعينات، فهو لم يقض على الناشطين، الذين عادت غالبيتهم من الانقسام الذي انعكس على صفوفهم، وبرزوا في الحملات ضد الاوليغاركية في تظاهرات الصيف الماضي، وفي انتخابات البلدية.
هؤلاء الناشطون انفسهم خاضوا معظم المواجهات من اجل التغيير على مدى العقدين الماضيين، كما في حملة تشريع قوانين ضد "العنف المنزلي"، وحملات تشريع "الزواج المدني"، وحملة منح اللبنانية الجنسية لاولادها، وغيرها كثير من التغييرات المطلوبة في لبنان، والتي تغيب عن الحوار السياسي الممل الذي لا يعكس اهتمامات اللبنانيين، ولا اولوياتهم، اذ غالبا ما يجد اللبنانيون انفسهم يتابعون مباريات في الشتائم بين السياسيين اللبنانيين حول لمن الاحقية في الحكم... في اليمن مثلا.
وكما اندثرت الاحزاب، تقلص تأثير التظاهرات او "التغيير في الشارع". لذلك، عانت حركات الصيف الماضي في شوارع بيروت بسبب غياب القنوات التغييرية المتاحة لأي عمل جماهيري، وضرورة اعتماده على "اجبار" الاولغاركية على التراجع، تحت طائلة اصطدامه مع القانون.
لكن الانتخابات تقدم قناة تغييرية تتضمن مواعيد محددة واهدافا واضحة هي الفوز في صناديق الاقتراع، لذا بدت خسارة "بيروت مدينتي" انتصارا لمؤيديها لأنها أظهرت ان احتكار اركان "مجلس الحوار الوطني" الجمهورية وكل أوجه حياتها العامة هو احتكار غير مبرر شعبيا.
اذن، تحتاج الحركات التغييرية مثل "بيروت مدينتي" الى جولات انتخابية متعددة وكثيرة، فالانتخابات تمتص النقمة الشعبية، وتفتح قنوات التغيير، وتمنح الناشطين حقل تجارب، وتبقي الاوليغاركية اللبنانية متحفزة خوفا من "البهدلة" في صناديق الاقتراع.
ولأن حكام لبنان يخشون "البهدلة"، فهم عمدوا اولا الى تقليص عدد الجولات الانتخابية وحصرها بالانتخابات النيابية والبلدية، وهذه تجري كل اربع او ست سنوات، وحتى عندما تجري الانتخابات، تجري غالبا بعيدا عن المنافسة، وللتصديق على ما اتفق حكام لبنان على تقاسمه مسبقا، فتجري حسب قانون انتخابي يناسبهم وحدهم ويسهل احتكارهم ويرفض التمثيل النسبي، وفي المناطق التي يخشون فيها اختراق اي تغييريين، يتحول الاخصام من حكام لبنان احباء فيخوضون المعارك الانتخابية في لوائح يسمونها "بوسطات" او "محادل".
"بيروت مدينتي" هي من التجارب القليلة للتغيير في صناديق الاقتراع، وهي قد تؤدي الى تحفيز تجارب مماثلة في المناطق اللبنانية. ليس مطلوبا من "بيروت مدينتي" ان تتحول حملة تجاري في حنكتها السياسية حنكة حكام لبنان، او ان تناور مثلهم، او ان تسعى للفوز بأي ثمن. المطلوب منها تقديم خيار بديل من الموت السياسي الذي تفرضه الاوليغاركية، عسى ولعل ان تدرك غالبية اللبنانيين قصور النظام الحالي القائم على القبلية الريعية، وان تدرك ان السبيل الوحيد لمستقبل أفضل يكمن في تطوير العمل السياسي، واجبار الطبقة السياسية على التخلي عن اسلوبها القروسطي، وعلى تبني اساليب اكثر حداثة، تحت طائلة تكرار "البهدلة" لحكام لبنان في الصناديق، او ربما إطاحتهم يوما.

الأربعاء، 18 مايو 2016

إدارة أوباما تسعى إلى هدنة دائمة وإحالة الحل في سورية إلى خَلَفه

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

تعليقا على انعقاد لقاء دول «مجموعة دعم سورية» في فيينا، أول من أمس، أعربت مصادر اميركية رفيعة المستوى عن أملها التوصّل الى «هدنة دائمة» بين قوات الرئيس السوري بشار الأسد ومعارضيه في الاسبوعين المقبلين، كخطوة على مسار اعادة استنئاف المفاوضات السياسية والتوصل الى تسوية.
إلا أن المصادر نفسها اضافت انها «لا ترى حلاً سياسياً في المدى المنظور في سورية طالما مادامت الاطراف المعنية، الداخلية والخارجية، تتمسّك بمواقفها الحالية»، وهي أقوال عكستها تصريحات أدلى بها وزير الخارجية جون كيري، موضحاً فيها انه «يجب التوفيق بين مصالح عدة متضاربة»، ومعتبراً ان «على المعنيين بالصراع ان يجعلوا اولويتهم التوصّل الى سلام».

وتأتي التصريحات الاميركية في وقت استأنف اللوبي الاميركي المؤيد إبقاء الأسد في الحكم تحرّكاته على نطاق واسع. ويعتقد المعنيّون بالملف السوري في واشنطن انه من المعروف ان الادارات الاميركية تتراخى في الاشهر الاخيرة المتبقية لها في الحكم، وان مؤيدي بقاء الأسد يعلمون ذلك، ولذلك كثّفوا تحركاتهم السياسة في الاسابيع الماضية.

وكان لافتاً ما نشره رئيس مركز «رفيق الحريري» في «مجلس الأطلسي» الديبلوماسي المتقاعد فرد هوف، الذي سبق ان كان مكلفاً الملف السوري في الخارجية حتى العام 2013، لناحية ان معلومات توافرت لديها مفادها ان الحكومة الاميركية قد تتبنّى الحل الروسي القاضي بالتوصّل الى تسوية سياسية في سورية، من دون التطرق الى مصير الأسد. وكتب هوف على موقع المركز أن حلاً من هذا النوع سيولد ميتاً.

أما في سياق نشاط اللوبي الموالي للأسد، فكان لافتاً تحرك مسؤول الشرق الاوسط السابق في مجلس الأمن القومي فيل غوردون، الذي أطل عبر صديقه مراسل صحيفة «نيويورك تايمز» في البيت الابيض دايفيد سانغر، ليقول إن سياسة الولايات المتحدة في سورية اثبتت فشلها على مدى السنوات الماضية، ومن غير المتوقع ان تحرز اي نجاح في المستقبل، داعياً الى تبنّي سياسة جديدة تقضي بإسقاط الشرط القاضي بخروج الأسد من الحكم للتوصّل الى تسوية سياسية.

وكان سلف غوردون في منصبه في مجلس الأمن القومي وصديقه ستيفن سايمون زار الأسد قبل عام، وأطلق تصريحات أعلن فيها رأيه حول ان الحل يكمن في التعاون مع الأسد للقضاء على الارهاب. أما صديق الاثنين وخلفهما، روبرت مالي، فهو مازال يشغل المنصب نفسه في مجلس الأمن القومي، ويعقد لقاءات متواصلة مع مستشاري الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتباحث في الأزمة السورية.

ويعتقد المراقبون ان الثلاثي سايمون وغوردون ومالي، هم اصحاب التأثير الاكبر داخل البيت الابيض، لناحية تحسين وضع الأسد، وتقريب واشنطن من وجهة نظر الروسية، القاضية بعدم الإطاحة بالأسد كشرط للتسوية، بل التعاون معه، للتوصّل الى حل يسمح بالقضاء على تنظيمات مثل «الدولة الاسلامية» (داعش) و«جبهة النصرة».

ورغم حماسة بعض العاملين في ادارة أوباما لتبنّي الرئيس الاميركي الرؤية الروسية في سورية في الاشهر الاخيرة من حكمه، تعتقد المصادر الاميركية ان هدف ادارة أوباما صار ينحصر بتثبيت الهدنة في سورية واحالة الملف السوري الى الرئيس المقبل، على أمل ان تتمكن الادارة المقبلة من البناء على ما تم التوصّل اليه حتى الآن لناحية «شكل التسوية الممكنة».

ولا يبدو أن المسؤولين الاميركيين يعتقدون ان موعد التوصّل الى التسوية القاضية بإقامة هيئة حكم انتقالية - حسبما كان مقرراً، في الاول من اغسطس المقبل - يلوح في الافق.

ترامب يقلّص الفارق مع كلينتون إلى نقطتين

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

الهجوم الإعلامي المتواصل لساندرز على كلينتون يقدم خدمات مجانية لترامبتحوّل السيناتور عن ولاية فيرمونت بيرني ساندرز الى مصدر إزعاج لمنافسته وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، في إصراره على البقاء في السباق الرئاسي، رغم تقدمها عليه بعدد الموفدين الانتخابيين، وشبه استحالة فوزه بترشيح الحزب الديموقراطي.

فبعد حملة شاقة، أعلنت كلينتون فوزها على ساندرز، أول من أمس، في الانتخابات التمهيدية لولاية كنتاكي الجنوبية، بفارق ضئيل قدره 46.8 في المئة من الاصوات مقابل 46.3 في المئة لمنافسها، وغردت: «لقد فزنا في كنتاكي! شكرا لكل الذين شاركوا».

وتمنح كنتاكي وأوريغون 55 و66 موفدا انتخابيا على التوالي، يتقاسمها المرشحان نسبياً، بحسب كمية الاصوات التي فازا بها، ما يعني انه بشكل عام، يتقاسم المرشحان اصوات موفدي الولايات المتبقية بالتساوي، من دون ان يمثّل ذلك تهديدا لصدارة كلينتون.

وتحتاج كلينتون الى أقل من مئة صوت لبلوغ حاجز 2383 المطلوبة لنيل ترشيح حزبها تلقائياً الى انتخابات الرئاسة المقررة في 8 نوفمبر المقبل، وهي في طريقها الى تحقيق ذلك، في الغالب قبل نهاية الانتخابات التمهيدية نهاية الشهر المقبل، على الرغم من إصرار ساندرز انه «سيقاتل حتى النهاية» فقد بات لديها 2243 مندوباً في مقابل 1465 مندوباً لساندرز.

لكن ساندرز حقّق في المقابل فوزا سهلا على وزيرة الخارجية السابقة في الانتخابات التمهيدية في اوريغون، حيث نال 53 في المئة من الاصوات في مقابل 47 في المئة لكلينتون.

ووجه ساندرز رسالة تحد الى كلينتون عندما اشاد بأدائه في كنتاكي، وصرح أمام الآلاف من مؤيديه في كارسون في ولاية كاليفورنيا التي تنظم انتخاباتها التمهيدية في السابع من يونيو: «سنظل في السباق حتى اخر بطاقة اقتراع». اضاف وسط التصفيق: «اعتقد اننا سنفوز هنا، في كاليفورنيا!»، وتعهد بالصمود حتى المؤتمر العام للحزب المقرر في فيلادلفيا بين 25 و28 يوليو المقبل.

ويسعى ساندرز الى إبراز نقاط ضعف كلينتون بين الناخبين البيض من الطبقة العاملة، وهو امر لا يستهان به عند الاستحقاق الرئاسي في نوفمبر. وكان تغلب عليها في إنديانا وفي فيرجينيا الغربية في مايو الجاري.

ويفيد ساندرز بأنه يريد إقناع مئات «المندوبين غير الملتزمين» بالانضمام اليه، إلا أن هدفه يمكن ان يكون ايضا الإعداد لمستقبله في اليسار الاميركي.

ويعتقد المراقبون ان استمرار ساندرز في حملته الانتخابية صار امراً عبثياً، إذ هو في هجومه الاعلامي المتواصل على كلينتون يقدم خدمات مجانية للمرشح الجمهوري رجل الأعمال دونالد ترامب، فتتراجع شعبية كلينتون امام المرشح الجمهوري من دون ان يكون امام ساندرز فرصة لاقتناص الترشيح منها.

وترامب، الذي فاز في أوريغون، مع أن اسماء منافسيه كانت لا تزال على لوائح الاقتراع، قلص الفارق في استطلاعات الرأي بينه وبين كلينتون الى نقطتين فقط من أصل عشر نقاط.

ويقول أبرز خبراء استطلاعات الرأي نايت سلفر إنه «مازال من المبكر جدا معرفة من يتقدم على من في الانتخابات العامة بين كلينتون وترامب، وعلى الجميع انتظار خروج ساندرز وانتهاء المؤتمرين العامين الترشيحيين للحزبين، والمقررين في يوليو المقبل»، معتبراً استمرار ساندرز في ترشيح نفسه صار يؤذي كلينتون ويحسّن من حظوظ ترامب.

ولأن كلينتون تتحسب لقسوة المواجهة في الانتخابات العامة ضد ترامب، فهي تدخر اموالها الانتخابية ومجهودها لمواجهة الأخير فقط، وتوقفت عن تمويل اي دعاية انتخابية ضد ساندرز، كما توقفت عن القيام بحملات في الانتخابات التمهيدية، لاعتقادها ان ترشيحها في حزبها محسوم. هكذا، بعدما فازت في ولاية كنتاكي، لم تطل كلينتون على انصارها، على العادة، في مهرجان خطابي تشكرهم وتحض الولايات المقبلة على الاقتراع لها، بل اكتفت بمتابعة النتائج «مع عائلتها ومن منزلها»، حسب القيّمين على حملتها.

ويسعى الجمهوريون الى تحييد ساندرز وتوجيه سهام نقدهم الى كلينتون وحدها لأنهم يعتقدونها المرشح الاقوى في وجه مرشحهم، وكانوا يأملون ان ينال ساندرز الترشيح لاعتقادهم ان فرص إلحاقهم الهزيمة به اكبر، الى حد قيام نائب الرئيس السابق ديك تشيني بتأييد كلينتون لعلمه أن تأييده لها يؤذيها بين صفوف الديموقراطيين ويرجّح كفة ساندرز.

الاثنين، 16 مايو 2016

كيف صنعت روسيا والأسد "داعش"؟

حسين عبدالحسين

نشرت وكالة "رويترز" تحقيقاً مثيراً للاهتمام بعنوان "كيف سمحت روسيا لمتطرفيها بالذهاب للقتال في سوريا؟"، سلطت فيه الضوء على خمسة مقاتلين من مقاطعة داغستان الروسية الجنوبية تلاحقهم قوات الأمن الروسية منذ أعوام بتهم الارهاب. 

ومع اندلاع الثورة السورية في العام ٢٠١١، فاجأت موسكو متطرفيها بأن عرضت عليهم فرصة مغادرة البلاد نهائياً، وقدمت لهم جوازات سفر روسية بأسماء وتواريخ ميلاد مستعارة، وقدمت لهم بطاقات سفر وجهة واحدة الى اسطنبول، فوصل معظمهم شمال العراق وسوريا، حيث انضموا الى تنظيم "الدولة الاسلامية". واعتبرت الوكالة أن الروسية هي اللغة الثالثة في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم بعد العربية والانكليزية، بسبب العدد الكبير لاعضاء التنظيم من الناطقين بالروسية.

ويتبادل الرئيس السوري بشار الأسد وحلفاؤه روسيا وايران، من جهة، والولايات المتحدة وحلفاؤها تركيا والسعودية وقطر، من جهة ثانية، الاتهامات بصناعة "داعش"، ورعايته، وتمويله. إلا أن الروايات التي يقدمها تحالف الأسد غالباً ما تنهار أمام أي محاولة تدقيق، فيما الاتهامات في حق الأسد وحلفائه تبدو أكثر واقعية.

مثلاً، نشرت السفارة الروسية في لندن، في تغريدة على حسابها الرسمي في "تويتر"، صورة ثلاث شاحنات قالت إنها تحمل مواد كيماوية، أرسلتها أميركا وحلفاؤها الى المعارضة السورية في حلب، ليتبين بعد دقائق ان الخبر الروسي ملفق الى درجة أن الصورة مأخوذة من إحدى ألعاب الكومبيوتر.

قبل التزييف الروسي الأخير، تمسك الأسد وحزب الله اللبناني برواية مفادها أن تيار رئيس حكومة لبنان السابق سعد الحريري يموّل المتطرفين السنّة. ونجحت ماكينة دعاية الأسد بقيادة بثينة شعبان ومساعدها اللبناني ميشال سماحة في زرع تقرير في مجلة "نيويوركر"، ورد فيه أن تيار الحريري موّل وسلّح مجموعة "فتح الاسلام"، التي خاضت معارك ضد الجيش اللبناني في مخيم نهر البارد لللاجئين الفلسطينيين شمال لبنان في العام ٢٠٠٧. أما دليل "نيويوركر"، فقدمه ضابط مخابرات بريطاني سابق يسكن في بيروت اسمه اليستر كروك.

لم تمض اسابيع حتى هرب قائد "فتح الاسلام" ليختبىء عند الأسد، وتبين أن كروك يدير مركز أبحاث يموله حزب الله. وبعد سنوات، أثبت القضاء اللبناني تورط سماحة في محاولات تفجير إرهابية بأمر من علي مملوك مستشار الأسد.

ويوم مقتل الوزير اللبناني السابق محمد شطح، بثت وسائل الاعلام المؤيدة لحزب الله تقارير عن تواطؤ بين النائب بهية الحريري ومجموعات اسلامية متطرفة. على ان المشكلة تكمن في ان اتهام الأسد وحزب الله للحريري بتمويل الارهاب تتناقض مع الرواية التي فبركها تحالف الأسد والتي تدعي قيام الارهاب نفسه بقتل رفيق الحريري وشطح، إذ من غير المعقول ان يمول آل الحريري المتطرفين السنّة، وأن يقوم المتطرفون السنّة أنفسهم بقتل الحريري ومساعديه.

والى جانب التناقضات في اتهامات الأسد وحزب الله لخصومهم بتمويل ورعاية التنظيمات الاسلامية المتطرفة، سبق ان أصرّ مسؤولون من تحالف الأسد - روسيا - ايران على مسؤولية الأسد في رعاية اسلاميين متطرفين وارسالهم الى العراق. فعلى اثر تفجيرات بغداد في آب/اغسطس ٢٠٠٩، ثارت ثائرة رئيس حكومة العراق السابق نوري المالكي، واتهم الأسد برعاية المتطرفين السنّة وارسالهم الى العراق. وسحبت بغداد سفيرها من دمشق، واجبر العراق الأمم المتحدة على تشكيل لجنة تقصي حقائق حول التفجيرات، كخطوة اولى لاقامة محكمة دولية شبيهة بالمحكمة الخاصة بلبنان.

ربما لو قامت محكمة خاصة في العراق، لوجدت، كما نظيرتها الخاصة بلبنان، أن رواية قيام متطرفين سنّة باغتيال الحريري وشطح في بيروت، وبتفجيرات في بغداد، هم في الواقع انتحاريون يعملون برعاية من طهران وموسكو والأسد. لو أجرى المجتمع الدولي تحقيقاً جدياً لأمكنه معرفة مصير مصطفى نصر، المعروف بأبي مصعب السوري، أحد كبار قياديي القاعدة والمسؤول عن تفجيرات مدريد ولندن في العام ٢٠٠٤، والذي سلمته الولايات المتحدة الى الأسد لسجنه في العام ٢٠٠٥. وفي وقت لاحق، تداولت مواقع المتطرفين ان نصر اصبح خارج السجن، وربما ساهم في تأسيس داعش وقيادته. طبعاً، نفى قائد القاعدة أيمن الظواهري خروج نصر من السجن لأن أي رواية عكس ذلك تظهر تعاوناً بين القاعدة والأسد وتحرج الاثنين.

من أسس "داعش" و من يرعاه؟ قد يكون اتهام اي من الجهات الاقليمية او الدولية بالقيام بذلك مبالغاً فيه. لكن من يغض الطرف عن عمل "داعش" بالسماح برفده بمقاتلين، مثل روسيا، ومن يتشارك وإياه في انتاج النفط السوري وبيعه، مثل نظام الأسد، مسؤول أكثر عن استمرار "داعش" من الدول التي تعاني من تفجيرات هذا التنظيم، في تركيا والسعودية وغيرها من الدول التي تحاربه.

السبت، 14 مايو 2016

ناشطون سوريون لرودس: كم سوري يجب أن يُقتل بعد... حتى يصبح عندك ضمير

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

افاجأ عشرة ناشطين سوريين أميركيين يعملون في جمعيات تؤيد الثورة السورية نائب مستشارة الأمن القومي بن رودس، اثناء حفل عشاء اقامته هيئة اسلامية اميركية لتكريمه.

وتحدث الى «الراي» عضو «المجلس السوري - الاميركي» عمر حسينو، وهو احد السوريين الذين واجهوا رودس، قائلاً: «بكيت وانا اتوجه الى رودس، وقلت له انت سبب موت عائلاتنا وتشريدهم، انت المسؤول رقم واحد في الادارة المعارض لفرض منطقة حظر جوي في سورية».

واضاف حسينو انه قال لرودس ايضا: «أنا هنا لأسلمك رسالة من 21 مليون سوري، أعلم انه من المستحيل ان أغير رأيك، لذا نصلّي ان يصبح عندك ضمير، وأنتظر بفارغ الصبر نهاية ولايتكم وخروجكم من الحكم». وتابع حسينو: «كم سوري يجب ان يقتلوا بعد؟».

وأجاب رودس: «الموضوع أكثر تعقيداً من ذلك، عمر، أتمنى لو كان بهذه السهولة». فرد حسينو: «على العكس، هو سهل جدا، يمكنكم فرض حظر جوي، لكنكم ترفضون القيام بذلك، فيما مقاتلات (الرئيس السوري بشار) الأسد تقصف المستشفيات وسط الهدنة». وختم حسينو: «شكرا لما تقومون به ضد (تنظيم الدولة الاسلامية) داعش، ولكن عليكم ان تتحركوا ضد الأسد، وانتم لن تقوموا بذلك، لذا، نحن هنا فقط لتسليمكم هذه الرسالة باسم السوريين».

ويتعرض رودس إلى حملة سياسية عنيفة، بسبب مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» قال فيها انه يتلاعب بالصحافيين الاميركيين كما يحلو له، وان الوسائل الاعلامية الاميركية اغلقت مكاتبها في الخارج، وهي تكتب عن العالم من مكاتبها في واشنطن، ومعدل أعمار المراسلين يبلغ 27 عاما، ويمكن للادارة تلقينهم ما تشاء.

وصورت المقابلة رودس، البالغ من العمر 38 عاماً، والذي يرافق الرئيس باراك وباما منذ كان في العشرينات من عمره بانضمامه لحملة أوباما الرئاسية في العام 2007، على انه المستشار الاقرب للرئيس. ونسب رودس الى نفسه كيف تلاعب بالرأي العام الاميركي والكونغرس لحمله على قبول الاتفاقية النووية مع ايران.

وفي خضم الحملة ضد رودس، قامت احدى الجمعيات الاسلامية - الاميركية المغمورة بتكريمه. وفي عداد العاملين لدى رودس امرأة مسلمة محجّبة من جنوب شرقي آسيا، يبدو انها صلة الوصل مع الجمعية التي كرمته وشكرته لتوظيف مسلمين ولمواقفه بشأن بورما، ولكنها لم تأت على ذكر سورية.

وفيما كان رودس يتنقّل في قاعة حفل العشاء، فاجأه السوريون الاميركيون، وحاصروه، وانتقدوه بعنف.

وقال احد السوريين لصحيفة «ذي دايلي بيست» إن رودس بدا محرجاً، وحاول النأي بنفسه عن سياسة أوباما في سورية. لكن نيد برايس، مساعد رودس، نفى للصحيفة ان رئيسه تراجع عن سياسة الادارة تجاه سورية، بل أكد أنه تمسّك بها وحاول تفسيرها للسوريين، حيث قال لهم إن من يقتل السوريين ليس الولايات المتحدة بل الأسد، فانبرى احدهم للقول إن هذا التشبيه هو كالقول ان ادارة الرئيس السابق جورج بوش ليست مسؤولة عن ضحايا إعصار كاترينا، بل إن الاعصار هو المسؤول. والإعصار هو احدى اكثر النقاط سواداً في تاريخ بوش الابن، إذ يُجمع الاميركيون على تحميله مسؤولية مقتل مئات الاميركيين في كارثة كان يمكن مواجهتها بشكل افضل.

الجمعة، 13 مايو 2016

تقسيم العراق إلى 3 دول يلقى قبولاً أوسع في واشنطن

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

تتعالى الاصوات الاميركية المشككة بامكانية ابقاء العراق جمهورية فيديرالية موحدة. ويبدو ان الأكراد هم أول من تنبهوا الى وجود قابلية أميركية للموافقة على تقسيم البلاد الى ثلاث دول على اساس عرقي وطائفي، على غرار تقسيم السودان الى دولتين، فباشروا بحملة لوبي داخل واشنطن لاقناع مسؤوليها ورأي المعنيين فيها بجدوى التقسيم، كحل جذري لمشكلة العراق ومنطقة الشرق الاوسط.
ولحكومة اقليم كردستان مكتب تمثيلي مستقل عن السفارة العراقية في واشنطن. وباشر المكتب المذكور أخيرا حملة علاقات عامة من اجل دعم فكرة تقسيم العراق، واقامة دولة كردستان المستقلة وعاصمتها اربيل.

وفي هذا السياق، زار الولايات المتحدة محافظ كركوك نجم الدين كريم، ونظّمت له ممثلية حكومة اقليم كردستان عددا من اللقاءات، كان من بينها لقاؤه عددا من الصحافيين ممن شرح لهم المسؤول الكردي شبه استحالة التوصل الى حل في العراق، حتى بعد القضاء على تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش). واتهم كريم سنة العراق بأنهم يؤيدون «داعش» قائدا لهم، وانهم يعتقدون انه يمكن للتنظيم قيادة السنة واعادتهم الى الحكم في بغداد.

وجاءت تصريحات المسؤول الكردي في وقت بدا ان «داعش» يتقهقر، واذ به يعاود الهجوم بشنه سلسلة من التفجيرات طالت احياء مختلفة في عموم العراق، في الاشهر القليلة المتبقية من حكم الرئيس باراك أوباما.

ويعتقد عدد من المسؤولين والخبراء الاميركيين ان العقد الماضي اظهر استحالة اقامة عراق فيديرالي موحد، فحكومة بغداد المركزية ذات الغالبية الشيعية ترفض التخلي عن سيطرتها على الاقاليم، فيما تسعى الاقاليم الى تكريس حكم مستقل عن العاصمة، ان كان في كردستان في الشمال، او في مناطق غرب العراق السنية، او حتى في الجنوب الشيعي.

وكان نائب الرئيس جو بايدن من ابرز مؤيدي تقسيم العراق، على الأقل فيديراليا، اثناء عمله رئيسا للجنة العلاقات العامة في مجلس الشيوخ. الا انه تخلى عن موقفه بعد انضمامه لادارة الرئيس باراك أوباما، رغم ان أوباما عهد بالملف العراقي بأكمله الى بايدن وفريقه.

لكن رغم تراجع بايدن عن التقسيم بسبب التزامه السياسة الاميركية العامة، يبدو ان غالبية المسؤولين والخبراء الاميركيين صارت تؤيد التقسيم.

ومن بين الخبراء الاميركيين من انصار التقسيم مستشارون يعملون في حملات المرشحين المتوقع ان يتواجها في انتخابات الرئاسة المقررة في 8 نوفمبر المقبل، مثل جاك سوليفان مسؤول السياسة الخارجية في حملة وزيرة الخارجية السابقة ومرشحة الحزب الديموقراطي للرئاسة هيلاري كلينتون، ووليد فارس مسؤول شؤون الشرق الاوسط في حملة المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب. وسبق لسوليفان ان عمل في فريق بايدن، مع ما يعني ذلك من تماهيه مع الرأي القائل بضرورة تقسيم العراق. كما كان سوليفان واحدا من اثنين ممن ساهموا في فتح قناة ديبلوماسية سرية مع الايرانيين في عمان صيف العام 2013.

اما فارس، وهو لبناني أميركي، فهو من مؤيدي تقسيم دول منطقة الشرق الأوسط بأسرها، وفي طليعتها لبنان، وهو ما يعني انه في حال وصول ترامب للرئاسة، سيساهم فارس في دفعه الى تبني عملية التقسيم، ان كان في العراق او في دول اخرى في المنطقة.

وفي خضم الجو التقسيمي المتعاظم في العاصمة الاميركية، ومع اقتراب انتخاب رئيس جديد سيكون في عداد فريقه من يريدون تقسيم العراق بصيغة اكثر وضوحا من الفيديرالية، من المتوقع ان تسير الأمور أكثر فأكثر باتجاه التقسيم الكامل للعراق، وربما دول المنطقة الاخرى مثل سورية، وحتى لبنان.

هل ورّطت إيران روسيا في سورية؟

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

عودة الأسد لاستخدام البراميل ضد أحياء حلب دلالة على خروج روسيا من المعادلة الناريةذكرت مصادر أميركية رفيعة المستوى انها رصدت «تباينا وصل حد الخلاف بين روسيا وايران» حول مواضيع متعددة، ابرزها الحرب في سورية. وتتابع المصادر ان المسؤولين الاميركيين الذين زاروا موسكو أخيرا لمسوا خيبة أمل لدى نظرائهم الروس مما يعتبرونه وعودا ايرانية لم تتحقق.

ويبدو ان المسؤولين الايرانيين الذين زاروا موسكو قبل عام، قطعوا وعودا لمضيفيهم الروس مفادها ان الحسم العسكري في سورية ممكن، وان كل ما ينقصه هو قوة نارية ساحقة تواكب القوات الارضية التابعة لطهران وللرئيس السوري بشار الأسد. وعمل الأسد كذلك على اقناع موسكو بان الحسم ممكن في حال قدمت روسيا قوتها النارية المتفوقة.

وأوضحت المصادر: «رغم ان الرئيس (باراك) أوباما حذّر (نظيره الروسي فلاديمير) بوتين من مغبة تورطه في الحرب السورية ومن امكانية تحولها الى مستنقع... حاول بوتين انتزاع تنازل من واشنطن وحلفائها في سورية، ولما لم ينجح في ذلك، وافق على الاقتراح الايراني بدخول الحرب السورية بهدف تحقيق حسم عسكري».

الغطاء الجوي الروسي قدم لقوات الأسد فرصة لاقتحام مناطق المعارضين، لكن جيش الأسد مدرع، فلعبت صواريخ «تاو» الاميركية الصنع دورا حاسما في تكبيده خسائر هائلة وأوقفت تقدمه، ما أجبر الأسد على الاستعانة بالميليشيات التابعة لايران، اللبنانية والعراقية والافغانية، لتعزيز صفوف قواته من المشاة. وأدى الالتحام بين الأسد وحلفائه من جهة، ومعارضيه من جهة ثانية، الى خسائر بشرية كبيرة في صفوف الطرفين، مع تقدم بطيء للمهاجمين على الأرض.

وتابعت المصادر ان الروس والايرانيين عقدوا اجتماعا رفيع المستوى لتقييم الحملة، التي كان مقررا ان تستغرق ستة الى ثمانية اسابيع، لكنها طالت اكثر من ذلك، مضيفة: «اثار الروس تحفظهم على تواصل الحملة المكلفة على الخزينة الروسية المتهالكة. فطلب الايرانيون مهلة اضافية وعدوا تحقيق الحسم في اثنائها».

لكن الحسم العسكري للأسد ضد المعارضين لم يتحقق، وسط ضغط سياسي هائل على روسيا مارسته العواصم الغربية، خصوصا ألمانيا التي تعاني من تدفق اللاجئين السوريين، فاضطرت روسيا الى الخضوع، وهذه المرة أعلن بوتين منفردا تعليق عملياته الجوية، من دون اي تنسيق مسبق مع حلفائه في طهران.

وحتى تظهر ايران ان بامكانها الاستمرار في عملية القضاء على المعارضين السوريين، حتى من دون مشاركة روسيا، حثت الأسد على تكثيف غاراته الجوية وتوسيع نطاقها لتشمل مدينة حلب. ويعتقد المسؤولون الاميركيون ان «في عودة الأسد لاستخدام البراميل المتفجرة ضد احياء حلب دلالة على خروج روسيا من المعادلة النارية للحرب الدائرة».

ورغم ان روسيا حاولت ان تظهر وكأن تصعيد قوات الأسد وحلفائه في سورية، وهو تصعيد نسف المفاوضات وادى لانهيار الهدنة التي كانت قائمة، كان تصعيدا بتشجيع منها على اثر خلافها مع واشنطن حول مسودة الدستور السوري الجديد ودور رئيس الجمهورية فيه، الا انه يبدو ان موسكو كانت تحاول تغطية ان ايران والأسد صعدا الحرب من دونها.

اليوم، صار واضحا التباين بين روسيا وايران، حسب المسؤولين الاميركيين، «فالروس يعتقدون ان الايرانيين اما اساءوا تقدير مدى مقدرة المعارضة على الصمود عسكريا، او ان الايرانيين كانوا يعلمون ذلك ولكنهم آثروا اشراك روسيا في الحرب على كل حال».

الايرانيون، حسب المصادر الاميركية، لا يمانعون خوض حروب استنزاف، فتاريخ حربهم مع العراق في الثمانينات يشير الى انهم كرروا الحملات العسكرية نفسها التي واجهت المصاعب ذاتها، واستمروا في القتال ثماني سنوات ولم يحققوا الكثير. اما الروس، فهم أكثر حذرا من الغرق في مستنقعات عسكرية، بعد حربهم المكلفة في افغانستان في الثمانينات، وبعدما كاد الجيش الروسي يغرق في مستنقع مشابه في حرب جورجيا في العام 2008 قبل ان يقرر بوتين التوقف وتعزيز ما انتزعه من الجورجيين من دون المضي قدما لاسقاط حكومتها.

وبسبب حذر بوتين الزائد من المستنقعات العسكرية، فهو انتزع شبه جزيرة القرم في ساعات، وارسل قواته الخاصة الافضل تدريبا من دون اعلام روسية، وهو يدعم القتال شرق اوكرانيا عن طريق ميليشيات محلية ومرتزقة، فيما الجيش النظامي الروسي لا يتدخل الا بشكل طفيف جدا.

في سورية، اعتقد بوتين انه يمكنه تحقيق نتائج سريعة باستخدام مقاتلاته فحسب، لكن لا النتائج جاءت بسرعة، ولا التكلفة بقيت منخفضة، فانسحب، «وربما آثر العمل بنصيحة الرئيس (أوباما) وتفادي المستنقع السوري والعودة الى الديبلوماسية»،حسب مسؤول اميركي.

الايرانيون بدورهم اعتبروا القرار الروسي المنفرد في الخروج من الحرب السورية بمثابة خيانة، ويبدو انهم قرروا مواصلتها من دونهم والحسم، وهو ما دفع ايران الى ارسال جيشها النظامي الى سورية، الى جانب «الحرس الثوري»، بأعداد غير مسبوقة.

لكن رغم الخلاف، تقول المصادر: «تحتاج ايران قدرات روسيا الديبلوماسية ومكانتها في المجتمع الدولي، وروسيا تحتاج الى اصدقاء دوليين بسبب العزلة التي يفرضها عليها العالم… صحيح ان مشروعهما المشترك في سورية تعثر وادى الى توتير العلاقة بينهما، لكنهما سيستمران في العمل سويا بسبب انعدام الخيارات الاخرى».

الأربعاء، 11 مايو 2016

هدنة سوريا عبثية كحربها

حسين عبدالحسين

الاخبار من سوريا سوريالية. نقرأ خبرا في مطلعه ان وزيري خارجية اميركا وروسيا جون كيري وسيرغي لافروف اتفقا على هدنة تشمل كل الاراضي السورية، وفي تتمته عبارة “في سياق متصل”، ويكمل الخبر بالقول ان ضربات قوات الرئيس السوري بشار الأسد استمرت ضد هذه المنطقة السورية او تلك.

لم يعد واضحا في سوريا الفارق بين “وقف الاعمال العدائية” واستمرارها، فبتشجيع ودعم ومشاركة من ايران، استبدل الأسد ثورة شعبية ضد حكمه بحرب اهلية لا حسم فيها، فقط قتلى ودمار ونيران وانهيار اقتصادي ولاجئون وضياع جيل سوري كامل يكبر في المخيمات من دون افق ولا امل.

بشاعة عبثية حرب الأسد انه لم يعد لها حتى اهداف عسكرية تكتيكية. في مطلع المواجهات السورية المسلحة، كانت قوات الأسد تفتتح هجومها بقصف مدفعي عنيف، يليه تقدم لمقاتليها على محاورة متعددة، فاشتباك مع المعارضين، ففرض السيطرة على مناطق كانت تحت سيطرة المعارضة، وعزل مناطق معارضة اخرى مجاورة، وربما فرض حصار عليها بهدف انتزاع السيطرة عليها لاحقا.

في سنتي الحرب السورية الاولى، كتب الخبراء الغربيون باعجاب عن اداء قوات الأسد ورشاقتها، خصوصا لناحية تنقلها وعتادها الثقيل والمتوسط على مساحة سوريا الشاسعة. لكن الارهاق اصاب قوات الأسد، التي تضاءلت اعداد مقاتليها وراحت عملية تجنيد بدلاء تصبح اكثر تعقيدا بسبب انخفاض في عدد الشباب الموالين للنظام. هنا، إعتقد الأسد انه يمكنه اقتلاع المعارضين من ضواحي دمشق باللجوء لسلاحه النوعي، فقصف الغوطة بالكيماوي صيف العام 2013. وبعد ردة الفعل الدولية، سلم معظم ترسانته الكيماوية ولجأ الى القاء البراميل المتفجرة على رؤوس المدنيين كعقاب جماعي ضد اي منطقة يتواجد فيها مقاتلو المعارضة.

اليوم مرت اكثر من خمس سنوات على اندلاع الثورة السورية، ولم ينجح الأسد في ايقافها على الرغم من استخدامه كل اساليب القتال المتاحة: اجتياحات، حصارات، قصف كيماوي، براميل متفجرة على المدنيين، مشاركة المقاتلات والمروحيات الروسية الى جانب مرتزقة وخبراء عسكريين، وحرس ثوري ايراني وميليشيات شيعية عراقية ولبنانية. 

وعلى الرغم من الجحيم الذي صبه الأسد وروسيا وايران على رؤوس السوريين المطالبين بانهاء الديكتاتورية، لم ينجح الأسد حتى الآن في استعادة ضاحية صغيرة مثل داريا، وهو ما يثير السؤال التالي: ماذا في داريا، وغيرها من القرى والمدن السورية وضواحيها، حتى تبقى عصية على الأسد بعد خمس سنوات من الجحيم؟

ربما يعتقد الأسد انه ان استمر في القتال، يتعب خصومه، وينجح هو في استعادة سيطرته على الاراضي السورية رويدا رويدا، ثم ينتظر مرور الوقت، فينسى المجتمع الدولي دمويته، ويفتح له باب العودة الى حضنه.

لكن قتل نصف مليون سوري وسورية، بجرائم صارت موثقة في ملفات مصورة لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، يختلف عن قتل حفنة من المعارضين اللبنانيين، ثم انتظار مجيء حكام جدد في واشنطن وباريس ينهون عزلة الأسد الدولية. هذه المرة، دموية الأسد ثابتة وعصية على النسيان، ما يجعل استمراره في الحرب فعلا عبثيا لا افق له.

اضاعة الوقت اسلوب تلجأ اليه معظم الاطراف الدولية المعنية بالأزمة السورية: ادارة أوباما تسعى لاضاعة الوقت حتى خروجها من الحكم بعد ستة اشهر، وموسكو وطهران في انتظار حكام أميركا الجدد وفي انتظار فرصة سانحة لاقتناصها في سوريا. لكن الاميركيين والروس والايرانيين ينتظرون بشكل شبه مجاني، فيما الأسد ينتظر على حساب السوريين ودمائهم.

ستعود الاطراف الى الحوار للتوصل الى حل في سوريا برعاية الأمم المتحدة، وسينفرط عقد الحوار مرات متعددة لاسباب متنوعة ويعود الى الالتئام. وسيتفق الاميركيون والروس على هدنات كثيرة مستقبلا، ستنهار معظمها قبل العودة الى تثبيتها، وستستمر الحرب السورية الى ان يحدث تغيير ما في الموازين العالمية.

والى ان يحين موعد التغيير الدولي، سيستمر الكابوس السوري، الذي لم تعد له بداية ولا نهاية، بل صار حلقة مفرغة من القتال والهدنات والديبلوماسية المتقطعة، والعالم يشاهد وينتظر ويتحين الفرص، فيما يسبح السوريون بدمائهم ويختنقون برائحة البارود وغبار الأبنية التي تنهار يوميا فوق رؤوسهم.

الاثنين، 9 مايو 2016

أوباما وسعادة المستشار وسياسة الانهيار

حسين عبدالحسين

يوم أصرّت إدارة الرئيس باراك أوباما، على الاطاحة برئيس حكومة العراق نوري المالكي، في صيف 2014، وصل أحد المقربين من المالكي واشنطن في محاولة للاستفسار عن سبب الانزعاج الأميركي من "أبي إسراء"، فقدم أحد كبار المسؤولين الأميركيين لضيفه العراقي مقالة بقلم مدير مكتب وكالة "رويترز" في العراق ند باركر، كان كتبها قبل أن ينضم إلى الوكالة، وجاء فيها أن المالكي غالباً ما يلجأ إلى اصدار أوامره مباشرة إلى صغار الضباط في الجيش العراقي من رتبة ملازم، متجاوزاً بذلك التراتبية الإدارية والعسكرية، ومكرساً حالة شاذة في الدولة تُظهر أسلوب حكمه الملتوي وسعيه لاستزلام ضباط على حساب المؤسسة.

وعلى جاري عادتها، ترمى واشنطن القشة في عين غيرها ولا ترى الخشبة في عينها، فعندما أراد أوباما أن يتراجع عن توجيه ضربة ضد قوات الرئيس السوري بشار الأسد، إثر مجزرتها الكيماوية في غوطة دمشق صيف 2013، عقد الرئيس الأميركي اجتماعاً في المكتب البيضاوي للصف الثاني من مستشاريه، من أمثال نائبي مستشارة الأمن القومي توني بلينكن، وهو اليوم الرجل الثاني في الخارجية، وبن رودز، الذي مازال يعمل مسؤولاً "للاتصالات الاستراتيجية" في البيت الأبيض. ثم بعد أن قرر أوباما والمستشارون إحالة الضربة إلى الكونغرس، اتصل أوباما بوزيري خارجيته ودفاعه، بطلي حرب فيتنام وقدامى العمل السياسي في واشنطن جون كيري وتشاك هيغل، لإعلامهما بقراره المنجز.

ولأن أوباما يهمّش كبار مسؤوليه، وهم من أصحاب الخبرة في السياسة الدولية والمحلية من أمثال وزيرة خارجيته السابقة هيلاري كلينتون، ووزراء دفاعه الثلاثة السابقين روبرت غايتس وليون بانيتا وتشاك هيغل، وبطل حرب العراق دايفيد بترايوس، خرج كل هؤلاء من إدارته وكتب معظمهم مذكراتهم التي ضمّنوها هجمات لاذعة ضد أوباما وتفرده بقراراته وتهميشه لهم.

نفوذ رودز وأمثاله من الصف الثاني لدى أوباما، على حساب نائب الرئيس المخضرم جو بايدن والوزراء، كان أمراً معروفاً، فرودز، البالغ من العمر 38 عاماً والذي انضم إلى حملة أوباما الرئاسية في العام 2008 من دون أي خبرة سابقة في السياسة، هو الذي قاد وحده الديبلوماسية التي أدت إلى الانفتاح على كوبا.

لكن ما لم يكن معروفاً هو مدى الاحتقار الذي يكنه رودز، وأوباما، لا لحلفاء أميركا حول العالم فحسب، بل لأرباب السياسة الخارجية الأميركية. وهو ما كشفته مجلة "نيويورك تايمز" الأسبوعية في مقال كتبه دايفيد سامويلز، وسلط فيه الضوء على رودز وشخصيته وقربه من أوباما بشكل يختصر التراتبية الإدارية.

وظهر في المقال أن رودز يحتقر كل من عملوا في السياسة الخارجية الأميركية في الماضي، ومازالوا يعملون اليوم، وأن رودز يعتقد أنه يمكنه التلاعب بالرأي العام الأميركي كيفما يحلو له. وينقل سامويلز عن رودز قوله إن كل وسائل الإعلام الأميركية أغلقت مكاتبها حول العالم، وإنها تعد تقاريرها حول السياسة الخارجية من مكاتبها في واشنطن، وإن معظم المراسلين عمرهم لا يتعدى 27 عاماً ويمكن التلاعب بهم بسهولة.

كذلك، أظهر المقال أن رودز كان يعلم أن لا شيء قد تغير في إيران على أثر انتخاب حسن روحاني رئيساً، وأنه استخدم ذلك كوسيلة دعائية لدعم إصرار أوباما على التوصل لاتفاقية مع الإيرانيين. كما يشير المقال إلى أن أوباما طلب من وزراء دفاعه التنسيق عن كثب مع الإسرائيليين لمنعهم من توجيه ضربة لإيران، واقناعهم أن أميركا هي التي تضرب في حال اقتربت إيران من صناعة القنبلة. لكن رودز لا يعتقد أن أوباما كان سيوجه ضربة لايران حتى لو صنعت القنبلة. ما يعني أن أوباما كان يكذب على الإسرائيليين، على غرار كذبته حول الخطوط الحمراء التي وضعها للأسد، ووعوده بالقضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية"، ووعود كثيرة غيرها للحلفاء وفي وجه الخصوم.

المقالة أثارت عاصفة ردود من اليمين واليسار الأميركيين، ويرجح أنها ستستمر في إثارة أخذ ورد. لكن يجدر القول إن سامويلز من المقربين من اليمين الأميركي الذي يعادي الحكومة ويعتقد بضرورة تقييدها وممارسة الإعلام دوراً أوسع في مراقبتها، على غرار الليبرتاري المنفي في روسيا إدوارد سنودن. كما يعتقد سامويلز، بحسب إحدى اطلالاته في معهد هدسون اليميني قبل عام، أن النظام العالمي الذي شيدته أميركا إثر الحرب العالمية الثانية ينهار، وأن ذلك يشكل خطراً نووياً وجودياً على أميركا والعالم.

ويبقى السؤال: لماذا فتح اليساري رودز قلبه وأبواب مكتبه لصحافي يميني؟ الإجابة على الأرجح تكمن في محاولة رودز تعظيم دوره داخل فريق أوباما لاصطياد وظيفة مرموقة بعد خروج الإدارة من البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير 2017. بلينكن مثلاً اصطاد لنفسه وظيفة ثابتة ومرموقة في الخارجية، وكذلك فعل كثيرون ممن قفزوا من مركب الإدارة إلى وظائف اخرى. الباقون هم الأقل حظاً، وهم لذلك يسعون نحو مستقبل وظيفي أفضل، حتى لو أدى ذلك إلى كشف المستور وإظهار حقيقة أوباما وسعادة المستشار وسياسة الإنهيار الأميركية حول العالم.