الاثنين، 28 نوفمبر 2016

أكاديميو إيران وخليجهم الفارسي

حسين عبدالحسين

تعاني العقيدة المؤسِّسة للجمهورية الاسلامية في إيران، تناقضاً، يجمع القومية الفارسية وبعض التعاليم الاسلامية. ويبدو أن حكام إيران لا يهمهم هذا التناقض، بل يستخدمون العناصر المتناقضة لتبرير توسّع نفوذهم السياسي في منطقة غرب آسيا.

ولا يكتفي قادة طهران بالتصريحات السياسية او المقالات التي يكتبونها في الصحافة الغربية للإعلان بأن حدود "خليج فارس" تبلغ عدن، وتشمل البحر الأحمر، بل يرعون — بعيداً من أنظار السياسة والسياسيين — حركة أكاديمية، تصدر نصوصاً تحاول الإشارة الى المدى الجغرافي الذي بلغته الممالك الايرانية القديمة.

وعلى طراز التعليل الاسرائيلي نفسه، يحاول الفرس الاستعانة بأي من آثار ممالكهم البائدة في أراضي العرب لإثبات ملكيتهم للأرض، وهم لهذا الغرض أسسوا "جمعية خبراء الآثار الإيرانيين"، ومقرها طهران، وتصدر دورية يشارك فيها أكاديميون غربيون مرموقون، وغربيون من أصول ايرانية.

هذه الدورية أصدرت عددها الأخير بخلاصة عنوانها: "الخليج الفارسي (هو) بحر الساسانيين (حكام ايران بين 225 و651 ميلادية)". والعنوان حملته دراسة بقلم توراج دريائي، البروفسور في جامعة كاليفورنيا، استعار فيها تسمية الامبراطورية الرومانية للبحر الابيض المتوسط بـ"بحرنا". على أن دريائي تجاهل الفارق في الأهمية الاستراتيجية بين الاثنين، فمساحة المتوسط هي عشرة أضعاف مساحة الخليج، البالغة ربع مليون كيلومتر مربع، والمتوسط يربط ثلاث قارات، فيما الخليج بحيرة منبثقة عن "بحر العرب".

يقول دريائي إن بعض الدلائل تشير الى أن الساسانيين انشأوا بحرية للإفادة اقتصادياً، وإن بحريّتهم هذه ساهمت في الاستيطان الساساني على الساحل الجنوبي والشرقي للخليج، أي التابع اليوم للكويت والبحرين وقطر والإمارات وعمان، لا في شمالي الخليج وغربه التابعين لإيران فحسب.

ربما اضطر دريائي أن يجامل أصحاب الدورية، فلوى التاريخ بعض الشيء ليتناسب مع الخطاب السياسي الإيراني الحالي. إلا أن في نصه ثغرات عديدة. فدريائي نفسه أصدر، في العام 2009، كتاباً بعنوان "فارس الساسانية"، قال فيه ان الزرداشتية كانت تنظر باحتقار لكل من يعمل بالتجارة، مقتبساً من كتابها المقدس "مينوغ اي خاراد" أن الرجال ينقسمون إلى رجال دين ومحاربين ومزارعين، وهو ما قد يفسّر، بحسب كتاب دريائي، اشتغال المسيحيين واليهود في التجارة في إيران. كما ورد في كتاب دريائي أن الساسانيين كانوا، أثناء غزواتهم في العراق وسوريا ولبنان، يختطفون المتخصصين من أصحاب الخبرات، وينقلونهم الى فارس ليوظفوا خبراتهم، مثلاً في الإبحار والتجارة، في خدمة الامبراطورية الإيرانية.

وإذا ما قارنّا النصوص الزرداشتية المعادية للتجارة، مع الثقافة العربية، السابقة على الإسلام واللاحقة له، لوجدنا أن العرب احترفوا التجارة منذ أوقات سحيقة، وأنهم يحترمون التجار، وهو احترام ثبتته التعاليم والتقاليد الإسلامية، ما يعني أن الإبحار والتجارة عند العرب كانا أكثر قبولاً مجتمعياً منهما لدى الفرس.

والممالك الإيرانية المتعاقبة غير معروفة بقوتها البحرية: البارثيون والاخمينيون ينحدرون من مناطق إيران الداخلية، فيما لا يبدو أنه كان لدى الساسانيين تقليد بحري على غرار اليونان والفينيقيين وعرب الخليج. حتى لو نظرنا إلى تقاليد هذه الدول اليوم، لوجدنا أن عرب الخليج يتباهون بتاريخهم البحري أكثر من نظرائهم الإيرانيين، إلى حد أن شعار ثلاث دول خليجية، قطر والإمارات والكويت، هو سفينة.

وارتباط العرب بمهنة الإبحار وثيق إلى درجة أنهم منحوا اسمهم "بحر العرب" لجزء من المحيط الهندي. ويوم أراد البحار البرتغالي الشهير، فاسكو داغاما، الإبحار من شرق افريقيا غرباً، باتجاه الهند، اضطر للاستعانة بالبحار العربي الشهير أحمد ابن ماجد، الذي قاد السفن البرتغالية. 

ولأن شهرة البحارة العرب أوسع من شهرة نظرائهم الإيرانيين، فإننا نجد في الآثار الصينية ذكر لبحارة إيران بين الأعوام 650 و750، لكن اسم هؤلاء لا يلبث أن ينقلب الى عرب (طاشي بالصينية من طيائي نسبة الى عرب طي) من العام 760 للميلاد، بحسب المؤرخ الراحل جورج حوراني، شقيق ألبرت. 

ثم لو نظرنا الى الشواطئ الشمالية الشرقية للخليج، لوجدنا المرافئ فيها شحيحة، أشهرها يحمل أسماء عربية وتعيش في محيطها غالبية من العرب. ويتهم الإيرانيون هؤلاء العرب بأنهم وفدوا الى الشواطئ الإيرانية مع الاحتلال البرتغالي (بعد القرن السادس عشر)، لكن الاتهامات الإيرانية، عشوائية. وبندر عبّاس، أشهر المرافئ الإيرانية، يحمل اسمه نسبةً الى العباسيين العرب الذين أسسوا الدولة البستكية في محيط المرفأ المذكور. كذلك جزيرة خارك الايرانية، حيث المرفأ الايراني المعروف، يبدو اسمها اقرب الى كرخ، عاصمة مملكة ميسان العربية جنوب العراق. والمعروف أن للكرخيين، بالشراكة مع تدمريي سوريا وأنباط الأردن، تاريخاً تجارياً بحرياً - صحراوياً عريقاً، كان يصل الهند بأوروبا. وفي خارك، قبور ذات مواصفات عربية، منها ضريح يشبه قبر زبيدة في العراق، ويعتقد المحليون أنه قبر الإمام أبي حنيفة.

والمرافئ العربية على الخليج اكثر حضوراً في التاريخ من جارتها التابعة لايران، بسبب توافر المياه العذبة لدى العرب، فاسم البحرين مستقى من المياه العذبة التي كانت تنبع من سواحل الجزيرة. ولأن الماء العذبة لا تخالط ماء الملح، اكتسبت البحرين اسمها. كذلك كانت تتوافر المياه العذبة في واحة الجميرة في دبي، والدور في أم القيوين. ثم جبل الحجر العماني، وهو يتمتع بثروة مائية ابقته اخضر حتى اليوم. أما الجهة الإيرانية، فمعظمها قاحلة، ما عدا الجزء الشمالي في الاحواز ذات الغالبية العربية، وهو ما قلص تاريخياً من فرص تحول مرافىء إيران الى محطات للسفن. 

ولأن الدول البحرية العربية تفوقت على نظيرتها الايرانية تاريخياً، اقام العُمانيون سلطنة عُمان وزنجبار التي امتدت من شواطئ إيران ومضيق هرمز، الى القرن الافريقي، وصولاً الى جزر القمر ومدغشقر وتنزانيا، وهي سلطنة فككها الانكليز ومنحوا الإجزاء الايرانية منها الى حليفتهم طهران، ومنحوا إيران كذلك عدداً من الجزر العربية في الخليج، والمعروفة منها ابو موسى وطنب الكبرى والصغرى، وهذه ما زالت مصدر نزاع عربي - ايراني. 

لا شك ان الساسانيين اجتاحوا أراضي العرب حتى وصلوا عدن، لكنهم فعلوا ذلك من دون قوات بحرية، واستوطنوا شبه الجزيرة للسيطرة على ثرواتها، خصوصاً المعادن الثمينة، مثل في مهد الذهب القريبة من المدينة المنورة، غربي السعودية. والارجح ان الساسان سلكوا مجرى نهر الباطن - وادي الرمة، البالغ طوله 1200 كيلومترا، والذي يصل شمال غرب الكويت بالجبال المحيط بالمدينة. هذا النهر الجاف منذ 3500 سنة هو الذي يعتقد معلمنا الراحل كمال الصليبي أن يهود التوراة سلكوه في رحلتهم من جنوب العراق الى الحجاز، لكن لجغرافيا الحجاز وتاريخها حديث آخر. إلا أن اعتبار أن الفرس حكموا كل مناطق العرب وخليجهم، عبر كل التاريخ، أمر فيه مبالغة، والأرجح انه أقرب الى الدعاية السياسية الإيرانية منه الى التدوين التاريخي الرصين.

ترامب والصليبيون الجدد

حسين عبدالحسين

وسط الضجيج الذي يثيره صعود النازيين الجدد في الولايات المتحدة، وذاك الذي تثيره تعيينات الرئيس المنتخب دونالد ترامب في ادارته المرتقبة، لم يخرج الكثير عن المألوف. 

النازية، لن تجتاح الولايات المتحدة على الأغلب، لنفس السبب الذي لم تجتاحها الشيوعية، فالعقائد التوتاليتارية تحيا في الأزمات الاقتصادية الشديدة، مثل انهيار المانيا المالي بين الحربين الكونيتين، او الفقر المدقع الذي غرقت فيه روسيا القيصرية. لكن الاميركيين لم تجذبهم الشيوعية، فغالبيتهم من الطبقة الوسطى ممن يملكون منازل، ويقودون سيارات، ويتبضعون، ويذهبون في اجازات سنوية، وما النازيون الجدد الاميركيون، الذين تنتشر فيديوات احتفالاتهم عبر وسائل التوصال الاجتماعي، الا اثرياء اولاد اثرياء يسعدهم الاهتمام الذي ينالونه بمشاغبتهم.

ما يثير القلق في اميركا، بعيدا عن الضجيج، هي مداخلة ادلى بها، العام الماضي، المستشار الرئاسي الاستراتيجي المقبل ستيف بانون، اثناء اجرائه مقابلة على برنامجه الاذاعي مع المرشح ترامب، قال الاخير فيها انه لا يمانع ابقاء ابواب الهجرة الى أميركا مفتوحة امام المؤهلين علميا والمتفوقين في ارجاء العالم، كما في “وادي سيليكون” حيث تتمركز الادمغة العاملة في قطاع التكنولوجيا، فخر التفوق الاميركي، ليرد عليه بانون بالقول: “سيدي، لكن كل الذين يعملون في وادي سيليكون هم من آسيا”. هذا الرد، من الاعلامي الذي سيتبوأ منصب أعلى مستشار في ادارة ترامب، يشي بأن بانون، الذي ينفى تهم العنصرية بحقه، هو في الواقع عنصري مقيت.

في سياق مشابه، شارك بانون قبل عامين — عبر سكايب — في مؤتمر انعقد في الفاتيكان، عاصمة الكثلكة العالمية. ومضى بانون الكاثوليكي يتحدث امام مجموعة من المسيحيين حول الثورة المقبلة لأقصى اليمين في العالم، خصوصا في أميركا واوروبا، وراح يقدم الشعبية التي حققها برايتبارت، الموقع الاعلامي الذي يديره، على انها مؤشر على التفاعل الايجابي للجماهير المسيحية اليمينية مع الرسالة المتشددة التي يقدمها بانون وآخرون مثله حول العالم، والتي نجحوا حتى الآن بالاطاحة عبرها باليمين التقليدي المتمركز في “المؤسسة السياسية الحاكمة” (استابلشمنت). 

والمطالعة المفصلة لبانون امام مسيحيي الفاتيكان تظهر فكرا مضطربا في فهمه العالم وتاريخه، القديم والمعاصر. 

يعتقد بانون، وهو خريج هارفرد وسبق ان جنى ثروة من عمله في بنك غولدمان ساكس وفي هوليوود، ان الحضارة الغربية نهضت على اساس المبادئ اليهومسيحية قبل نحو 2500 عام، وانها قادت البشرية نحو كل نجاحاتها، ولكنها تعاني منذ الفية او اكثر من البربرية التي تغزو العالم، وتهدد وجودها. ومع ان بانون لم يشر الى الاسلام كمصدر خطر على هذه الحضارة، الا انه عندما توغل في الحديث السياسي، لم يقدم عدوا للحضارة الغربية غير الاسلام، الذي يعتقد انه يهدد العالم، والذي يعتقد ان اولى بوادره تمثلت في وصول تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) الى أسوار بغداد.

ثم يسترسل بانون في تقديم رؤيته للتاريخ، التي تتمحور حول الحرب العالمية الاولى. وقتها كانت التحالفات اوضح. تركيا المسلمة عدوة للغرب المسيحي ويجب ان تبقى خارج “تحالف الاطلسي”. لا يقولها بانون بهذا الوضوح، لكن هذا الانطباع الذي يتولد عن حديثه، وهو ما قد يفسر الغضب الذي اظهره ترامب ضد التحالف في حملته الانتخابية.

ويمضي بانون في الحديث عن نهضة اليمين الغربي المتطرف، في بريطانيا وفرنسا وبعض دول اوروبا الشرقية. حتى الهند، عادت الى جذورها التقليدية المحلية المعادية للغرب. ويقول بانون ان كل يمين سينتصر في بلاده، وربما يتحدون في ما بعد في تحالف عالمي لم يحدد بانون عدوه، ولكن الواضح هو العدو نفسه للحضارة اليهومسيحية المزعومة. 

قد يعتقد بانون نفسه رؤيويا وثوريا محدثا، لكن تفاهاته حول اتحاد الغرب المسيحي ضد الشرق المسلم ليست اكتشافا، فالتاريخ يحفل بالحملات الصليبية التي كان يحرض على القيام بها حكام مغمورون يصبون الى مغامرات وادوار عالمية، مثل بابا الفاتيكان او مملكة صقلية الصغيرة. واستمر التحريض لحروب مسيحية ضد المسلمين حتى وصل الاوروبيون الى أميركا في القرن الخامس عشر، فتلاشت اهمية السيطرة على طريق التجارة الى الهند. 

التناقضات في اقوال بانون، حتى السياسية وغير التاريخية، واضحة، فهو يمجد الرئيس الراحل رونالد ريغان ويعارض العولمة والتجارة الحرة التي اطلقها ريغان، وهو يسمي نفسه يمينياً محافظاً ويعارض الغاء الضوابط على البنوك الاميركية للمضاربة في سوق الاسهم (اليمين الاميركي يؤيد هذه المضاربة فيما اليسار وأوباما منعاها بقانون دود فرانك). 

بانون مراهق في التاريخ ويعتقد انه يبني حركة صليبية عالمية تاريخية لاستعادة التفوق المسيحي والقضاء على غير المسيحيين. والمراهقون في فهم التاريخ كثر. لكن ان يكون الرجل المفكر الاستراتيجي لرئيس أميركي كترامب معروف بضحالته الفكرية، هو أمر مثير للقلق. 

في الماضي القريب اسمى الرئيس السابق جورج بوش الابن مستشاره كارل روف “عقلي”، فتخبطت أميركا ومعها العالم بسبب نظريات “المحافظين الجدد”. اليوم، نصّب ترامب بانون “عقله”، في وقت تشير نصوص تصريحات المستشار الجديد الى همجية فكرية وتخلف ينذران بجولة جديدة من الجنون في واشنطن، هذه المرة على ما يبدو على ايدي “الصليبيين الجدد”.

الأحد، 27 نوفمبر 2016

أوباما يتباهى بإنجازاته الاقتصادية بعد صدور تقرير عن نمو الناتج

واشنطن - حسين عبدالحسين

يخرج الرئيس باراك أوباما من البيت الأبيض متباهياً بإنجازاته الاقتصادية، التي توّجها صدور تقرير نمو الناتج المحلي في الربع الثالث بنسبة 2.9 في المئة، وهي جيدة وتعوّض التباطؤ الذي أصاب اقتصاد الولايات المتحدة في النصف الأول من السنة، إذ بلغ معدل النمو 1.1 في المئة فقط.

وأشارت البيانات التي أصدرها «مكتب التقويـم الاقتصادي»، إلى «عاملَين دفعا النمو الأميركي في الفصل الثالث، أولهما قيام الشركات الكبيرة بالاستثمار في أعمالها وبضائعها، وثانيهما زيادة في الصادرات الأميركية هي الأعلى منذ العام 2013، وبلغت 10 في المئة مقارنة بالعام الماضي.

أبرز الأسباب التي تدفع إدارة أوباما إلى التباهي بإنجازها هو أنه يأتي في وقت خفّض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي للربع الأخير من هذه السنة، نظراً إلى تباطؤ اقتصادات العالم الكبيرة، مدفوعة بقلق من احتمال «هبوط حاد» للاقتصاد الصيني، الذي يدفع نموه باستثمارات مصدرها الدَين المتفاقم للشركات الحكومية الصينية.

وما يعزز الثقة الأميركية هو الاعتقاد السائد بين الاقتصاديين، أن الربع الأخير من هذا العام سيعزز النمو السنوي الأميركي، إذ غالباً ما تكون هذه الفترة من السنة الأعلى في نسب نمو الناتج المحلي بسبب الارتفاع في الإنفاق الاستهلاكي بين الأميركيين، مدفوعاً بسلسلة من الأعياد والمناسبات الاجتماعية. وكان مؤشر الاستهلاك الأميركي أشار إلى ارتفاع الثقة بين المستهلكين إلى أعلى معدلاتها منذ 10 سنوات، لتصل الى معدلات ما قبل الركود الكبير الذي بدأ في ايلول (سبتمبر) 2008.

وبعد خمسة فصول من تردد الشركات الأميركية، التي راحت تقنن في الاستثمار في بضائعها بسبب تباطؤ الاستهلاك الداخلي والصادرات، عادت إلى الإنفاق الاستثماري، فساهمت برفع نمو الفصل الثالث بنسبة 0.6 في المئة. اما ارتفاع الصادرات الأميركية، وعلى رغم تباطؤ الاقتصادات العالمية، فساهم في رفع نمو الربع الثالث بنسبة 1.2 في المئة.

وأظهرت البيانات أن ارتفاع الصادرات الأميركية دفعته تلك الزراعية في شكل كبير، خصوصاً فول الصويا الأميركية الى الصين. واعتبرت البيانات ذاتها أن على مدى العقد الماضي، ارتفعت صادرات الولايات المتحدة الزراعية الى الصين بواقع 200 في المئة، ما ساهم في تقليص العجز التجاري المزمن بين البلدين الذي يميل لمصلحة الصينيين.

وكان لافتاً أنها المرة الأولى منذ العام 2014، التي عاد فيها قطاع إنتاج الطاقة إلى الانتعاش.

وتشير التقارير إلى أن الاستثمارات في إنتاج الطاقة خصوصاً الأحفورية، تقلصت منذ الفصل الرابع من عام 2014 في الولايات المتحدة بواقع الثلثين، بسبب انخفاض سعر الطاقة عالمياً. ومع ارتفاع أسعار الطاقة في السوق العالمية، عــاد هذا القطاع الى النمو في أميركا، وربما في دول العالم المنتجة للطاقة. وكان برميل «برنت» بلغ سعره 31 دولاراً مطلع السنة، في وقت وصل إلى ٤٧ دولاراً هذا الشهر، ما أعاد قطاع الطاقة الأميركية إلى العمل والتوظيف. وساهم هذا النشاط المستجد في إضافة 0.1 في المئة الى نمو الفصل الثالث. ومع أن نسبة نمو قطاع الطاقة الأميركية في الفصل المذكور لا تزال طفيفة، إلا أنها مؤشر إلى أن قطاع الطاقة الأميركية الذي اقتطع 0.2 في المئة من نمو الناتج المحلي الأميركي على مدى الفصول السبعة الماضية، أنهى انهياره. وتالياً يمكن أن يتحول من عبء على الاقتصاد الأميركي إلى محرك للنمو.

ويرجح خبراء أميركيون أن يؤثر تقرير نمو الناتج المحلي الأميركي سلباً في عهد الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، الذي يعد الأميركيين بتحقيق نسب نمو تبلغ ٤ في المئة، والذي يلقي باللائمة في التراجع الاقتصادي الأميركي على التجارة مع بكين، في وقت أظهر التقرير الأميركي أن النمو في الفصل الثالث قارب 3 في المئة، مدفوعاً خصوصاً بالصادرات الأميركية إلى الصين.

الأربعاء، 23 نوفمبر 2016

خطة ترامب في سورية: حل سياسي بغض النظر عن التطورات العسكرية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في حديثه مع صحافيي «نيويورك تايمز»، لم يتمسك الرئيس المنتخب دونالد ترامب بمبدأ «غير قابل للنشر» باستثناء عند تطرقه للموضوع السوري، حيث طلب من الحاضرين ايقاف ماكينات التسجيل. وعلمت «الراي» من اوساط مطلعة ان رؤية ترامب للحل في سورية مبنية على مبدأ «التوصل الى حل سياسي بغض النظر عن التطورات العسكرية على ارض المعارك السورية»، على ان يلي الحل بين الافرقاء السوريين تقديم رؤية مشتركة بين «الحكم بصيغته الجديدة» والمجتمع الدولي لكيفية القضاء على «التنظيمات الارهابية» المتواجدة على الاراضي السورية، ومن ثم المباشرة في تنفيذ هذه الخطة باجماع دولي، ورعاية دولية كاملة تشمل عملية اعادة البناء.

ويقول المطلعون على «خطة ترامب» في سورية انه يعتقد ان ربط التسوية بالتطورات العسكرية على الارض، او بالتوصل الى هدنة، يعني حكما نسف التسوية قبل البدء بها، ويعني محاولة كل طرف تحقيق انتصارات عسكرية يقدمها على طاولة المفاوضات كوسيلة لتحقيق مكاسب سياسية اكبر.

لكن ترامب ومستشاريه المعنيين بالشأن السوري، وفي طليعتهم الجنرال السابق ومستشار الأمن القومي المقبل مايكل فلين، الذي يتمتع بعلاقات وطيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لا يرون ضرورة لتعقيد الامور وربط التسوية بالتطورات العسكرية، بل على العكس، يرون ان «تحقيق الانفراجات السياسية» برعاية دولية أسهل من ضبط الأرض.

كذلك، من شأن الانفراجات السياسية، حسب فريق ترامب، ان «تشكل اجماعا لكيفية التصرف على الارض في التخلص من الارهاب ووقف العنف كليا»، ومن شأن «تحقيق اي اختراقات سياسية ان يعكس ايجابا على الاوضاع على الأرض».

ورؤية ترامب هذه تختلف جذريا عمّا دأبت ادارة الرئيس باراك أوباما، بالتنسيق مع موسكو، التوصل اليه، وهو حل كان يقضي بالبدء بتهدئة على الارض كتوطئة لتسوية سياسية. «هذا يعني ان من يعارض التسوية السياسية له مصلحة في تصعيد العمليات العسكرية، ثم التلطي خلفها للتخلف عن السير في تسوية»، حسب المصادر المطلعة على رؤية ترامب لسورية.

واذا ما صحت الأنباء عن اقتراب تعيين ترامب للمرشح الجمهوري السابق للرئاسة رجل الاعمال ميت رومني وزيرا للخارجية، يعني ذلك ان ترامب يرى ان الحل في سورية هو عبارة «عن التوصل الى صفقة»، وهو ما يبرع به رجال الاعمال من طرازه وطراز رومني.

ورغم ان رومني، في حال توليه وزارة الخارجية، سيكون مكلفا التوصل لاتفاقية مع الروس والافرقاء الدوليين المعنيين في سورية وحلفائهم على الارض العسكرية، الا ان الاعتقاد السائد في واشنطن يشير الى حتمية لعب فلين دورا مركزيا في السياسة الخارجية لترامب، خصوصا ان فلين هو من اول مؤيدي ترامب ورئاسته، على عكس رومني الوافد حديثا.

الاثنين، 21 نوفمبر 2016

شركات الطيران الأميركية تريد احتكار أجواء الولايات المتحدة

واشنطن - حسين عبدالحسين

في تعليق على صفحته على «فايسبوك»، يلفت وزير العمل الأميركي السابق الاقتصادي روبرت رايخ، إلى أن أسعار النفط «انخفضت بنسبة 70 في المئة عام 2015، فيما لم تتراجع أسعار تذاكر السفر الجوي إلا بنسبة 4 في المئة».

ورايخ على حق، إذ يعاني المسافرون الأميركيون من التمادي في الاحتكار الذي تمارسه شركات الطيران الأميركية، التي تدنى عددها من 9 إلى 5 على مدى السنوات السبع الماضية. وتسيطر 4 من الشركات الخمس على ٨٠ في المئة من السوق، وهناك وجهات كثيرة تسيطر عليها شركة واحدة، ما يمنحها فرصة احتكار السعر ورفعه، من دون أن يكون أمام المسافرين خيارات أخرى.

لكنّ الشركتين المذكورتين وظفتا 120 محامياً ومتخصصاً، منهم من الموظفين السابقين في وكالة مكافحة الاحتكار الحكومية، وأنفقتا أكثر من 300 مليون دولار لتمويل اللوبي الذي أوكلتاه لرئيس موظفي البيت الأبيض السابق وعمدة مدينة شيكاغو حالياً رام ايمانويل، وهو صديق شخصي للرئيس باراك أوباما. ومن غير المعروف ما الذي جناه ايمانويل من دعمه عملية الدمج، لكنّ المراقبين يعتقدون بأن للشركتين نشاطاً واسعاً في مطار أوهير في شيكاغو، وأنهما توظفان عدداً من سكان المدينة، ما دفع عمدتها الى دعم الشركتين، في مقابل إبقائهما على هذه الوظائف وربما زيادة عددها. وبعد فترة قصيرة، تراجعت وزارة العدل الأميركية، وسحبت الدعوى التي أقامتها، وفعلت ذلك بأمر سياسي فاجأ العاملين في الوزارة، الذين عبّروا عن إحباطهم لسحب الحكومة القضية.

وكما في كل عملية دمج، تدّعي شركتا الطيران أن الدمج سيزيد من «فاعليتهما» في السوق، وأنه سيسمح للشركة الجديدة بمنافسة الشركات الكبرى الأخرى، وتالياً يؤدي التنافس إلى خفض أسعار تذاكر الطيران. كما تَعد الشركتان عادة برفع رواتب موظفيهما وتقديم خدمات أفضل للمسافرين.

لكن خدمات الشركات الأميركية للمسافرين داخلياً صارت معدمة، إذ بات المسافرون يسددون كلفة إضافية لحقائبهم، ولا تقدم لهم الشركات وجبات أثناء الرحلة، بل تكتفي بتوزيع عبوات مرطبات صغيرة وأكياساً من رقاقات البطاطس. وأخيراً أعادت غالبية شركات الطيران الأميركية ترتيب مقاعدها في الدرجة السياحية، فانخفضت المساحة المخصصة للراكب في بعض الشركات، مثل «سبيريت» إلى أدنى مستوى ممكن، لتصبح 71 سنتيمتراً بعرض ٤٥، وهي مساحة ضيقة جداً.

ولأن المسافرين لا يحصلون على خدمة توازي ثمن تذكرتهم، فإن العاملين في شركات الطيران يعانون أيضاً من شح في رواتبهم، إذ لا يتجاوز راتب بعض الطيارين ٢٥٠٠ دولار في الشهر، وهو يقارب حد الفقر بالمقياس الأميركي. فيما يعمل بعض المضيفين والمضيفات في وظائف أخرى، بسبب تدني الرواتب التي يتقاضونها من شركات الطيران. كل هذا التقنين، في خدمات المسافرين وفي نفقات العمال، يقابله تحقيق شركات الطيران الأميركية أرباحاً بلغت 70 في المئة عام 2015 مقارنة بعام 2014.

وبموازاة احتكارها السوق الداخلية، حاولت شركات الطيران الأميركية احتكار الخطوط الدولية التي تربط الولايات المتحدة بالعالم، فأقامت دعوى ضد ثلاث شركات طيران خليجية، هي «القطرية» و «الإماراتية» و «الاتحاد»، بحجة أن حكومات هذه الشركات تدعمها مالياً، وأن هذا الدعم الحكومي يتنافى مع التنافس الحر. وتالياً، طالبت الشركات الأميركية حكومتها بمنع هذه الشركات الخليجية من السفر من أميركا وإليها.

ومَن يعرف السوق الأميركية، يعلم أن الشركات الأميركية تكذب، فهي ذاتها تتمتع بدعم حكومي أميركي ولو كان مخفياً. هذا الدعم جاء على اثر هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2011 في نيويورك وواشنطن، حيث عانى قطاع الطيران الأميركي مالياً، بسبب الخوف الذي سيطر على المسافرين في الأشهر التي تلت الهجمات. وترافق ذلك مع ارتفاع في أسعار النفط، فتكبدت الشركات خسائر كبيرة، وأعلن بعضها إفلاسه.

ولتخفيف خسائرها، استخدمت شركات الطيران الأميركية اللوبي التابع لها، ودفعت الكونغرس إلى إصدار قانون حمل اسم «قانون أميركا تطير»، وهو يجبر كل الوكالات الحكومية الأميركية والوزارات والموظفين المسافرين في مهمات خاصة، وحتى أي جمعية أهلية أميركية أو غير أميركية تتسلم أموالاً من الحكومة، أن تشتري تذاكر سفرها من شركات الطيران الأميركية، حتى لو توافرت تذاكر بأسعار أرخص لدى شركات طيران غير أميركية. وهذا يعني أن الحكومة الأميركية قررت التخلي عن قاعدة السوق الحرة والعرض والطلب، وقررت إجبار كل من ينفق أموالاً حكومية لشراء بطاقات سفر، أن يشتريها من الشركات الأميركية، وهذه أموال طائلة بمثابة دعم حكومي مستتر لشركات الطيران الأميركية. ورد الطيران الخليجي بأن وظّف شركات لوبي كبيرة، وبادل الهجوم السياسي الأميركي بهجوم مضاد، وخرج الأمر الى العلن ولا تزال المعركة السياسية بين الاثنين مستمرة وحامية الوطيس.

ترامب يحارب إيران ويهادن الأسد

حسين عبدالحسين

بالنظر الى التشكيلة الحكومية للرئيس المنتخب دونالد ترامب، والتي بدأت تأخذ شكلها الاولي، يمكن القول إن واشنطن ستعود إلى سياستها التي كانت تتطابق مع مع سياسة حليفتها اسرائيل، وهي سياسة تقضي باعتبار ايران التهديد الاول والوحيد لمصالح الدولتين في منطقة الشرق الاوسط.

الرئيس باراك أوباما كان تباين مع الاسرائيليين في سياسته تجاه طهران، فهو اعتبر أن لإيران حضارة عريقة وتاريخاً طويلاً، وأن الملالي يفهمون حسابات الربح والخسارة، وانهم ليسوا انتحاريين سياسياً، بل هم يحرصون على مصالحهم، وهو ما يجعل التعامل معهم ممكناً، لا بل محبذاً، إذ إن تحويل ايران الى حليف موثوق لأميركا، وتلزيمها أمن المنطقة، يلبّي المصالح القومية للولايات المتحدة، خصوصاً لناحية محاربة التنظيمات الاسلامية التي تصنفها واشنطن ارهابية.


ولأن إيران تؤمّن مصالح الولايات المتحدة، تصبح واشنطن بغنى عن الخدمات التي اعتاد تقديمها نظام الرئيسين السوريين الراحل حافظ الأسد والحالي بشار، وهو ما اعطى الاميركيين هامشاً لانتقاد بشار الأسد علناً، والوقوف في صف الدول العربية المطالبة برحيله عن الحكم، وهي مواقف غير مكلفة لأوباما ولا ترتب عليه القيام بأي خطوات.


لكن لإدارة ترامب رؤية مختلفة تعتبر أن العداء تجاه إيران -في الغالب استرضاء لاسرائيل واصدقائها في واشنطن- حجر زاوية للسياسة الاميركية في الشرق الاوسط. وعندما تصبح ايران عدوة، يصبح مطلوباً انتزاع اوراق القوة من يدها، والضغط عليها في لبنان والعراق، ومحاولة إبعاد الأسد عنها، كما في سياسة "الانخراط مع الأسد"، التي بدأتها إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن قبل نهاية عهدها بسنة بتزكية اسرائيلية، واكملتها ادارة أوباما حتى منتصف العام ٢٠١١، اي حتى بعد اشهر قليلة من اندلاع الثورة السورية.


والمسؤولون الذين تم تعيينهم في فريق ترامب، أو الذين ما زالوا ينتظرون هذا التعيين، ينظرون الى ايران من زوايا سلبية متعددة، أولها العداء المطلق للاتفاقية النووية، التي وعد ترامب أثناء حملته الانتخابية بـ"تمزيقها". على أن "التمزيق" ليس بالسهولة التي قد يعتقدها ترامب، فالعقوبات الاقتصادية على ايران كانت مفروضة بإجماع دولي وقرارات صادرة عن مجلس الأمن، وهو اجماع يصعب اعادة تكوينه، خصوصاً بالنظر الى الهدوء الذي يلف المنشآت النووية الايرانية.


لكن، يمكن لإدارة ترامب والكونغرس الجمهوري فرض عقوبات أميركية أحادية، على غرار تصويت الكونغرس على وقف صفقة بيع بوينغ طائرات مدنية للايرانيين بقيمة ٥٠ مليار دولار. وهذا التصويت لن ينجح بوجود أوباما، لكن مع دخول ترامب البيت الابيض في ٢٠ كانون الثاني/يناير، يصبح سهلاً على الجمهوريين استصدار قوانين من هذا النوع، وهو ما يحرم ايران الطائرات المدنية، حتى من نوع ايرباص الاوروبية، التي تعتمد في صناعتها على قطع اميركية.


ثاني بند في ترسانة عداء ترامب للايرانيين يتمحور حول نية مسؤوليه كشف التعامل السري بين نظام طهران و"تنظيم القاعدة". وكانت القوات الاميركية الخاصة جمعت آلاف الوثائق اثناء عملية قتلها زعيم القاعدة أسامة بن لادن في باكستان في ٢٠١١. ويقول المطلعون إن الوثائق تشير الى رعاية ايرانية لهذا التنظيم، والسماح لقياديه وكوادره بالإقامة في ايران، وحتى السماح لهم بالاعداد لشراء واستخدام اسلحة دمار شامل ضد اهداف غربية.


عداء ترامب للنظام الايراني يذكّر بعداء بوش للنظام العراقي، وهو عداء مبني على اتهامات تتنوع بين علاقة النظام بإرهابيين ووجود أسلحة دمار شامل. لكن هذه المرة، مع ابتعاد أميركي عن الحروب، لن يصل الامر حد اجتياح اميركي وقلب نظام ايران، بل سيقتصر على ضغوط دولية هائلة.


هكذا، ستعود واشنطن الى معاداة ايران ومصادقة الأسد، لكن هذه المرة الأسد "مادة سامة" من دون مواربة في الغرب، وهو ما سيضطر فريق ترامب الى التعاون معه بطريقة غير مباشرة، في الغالب عن طريق موسكو والقاهرة.


صحيح ان ترامب سبق ان وصف الأسد بـ"الرجل السيء"، لكن ادارته التي بدأت تتخذ لنفسها شكلاً "مسيحياً" وتسعى لتشكيل تحالف مسيحي دولي ضد "الاسلام"، حيث لا تكلّف ادارة ترامب نفسها بالتمييز فيه بين متطرفين أو معتدلين، ستجد في الأسد مادة ملائمة للمشاركة في هذا التحالف.


يوم وصل بوش الابن الى الحكم، أغرق ادارته بشخصيات كان يدور حولها جدل واسع، من "أمير الظلام" ريتشارد بيرل، إلى "دارث فايدر" ديك تشيني، وبول وولفوويتز، وغيرهم من الصقور الذين أخافوا العالم من انفلات القوة الاميركية من عقالها، وهي قوة انفلتت فعلاً، لكنها ارتدت على أصحابها، فاضطر بوش الى طردهم، وعزل تشني، وعاد الى السياسات الاكثر حكمة التي نصّها له صديق عائلة بوش المخضرم في السياسة الدولية جايمس بايكر.


أما في حالة ترامب، فلا يلوح بايكر ولا أي حكيم غيره في الافق، وهو ما ينبىء بأن أميركا قد تغوص في ازمات دولية لن تعرف كيف تخرج منها هذه المرة.

«نصف مليون اعتراض» عطّل بدّالة الكونغرس

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

واصل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب سلسلة مفاجآته، هذه المرة باشراكه ابنته ايفانكا وزوجها جارد كوشنر في اللقاء الذي عقده في منزله في «برج ترامب»، في مدينة نيويورك، مع رئيس حكومة اليابان شينزو آبي، ما فجر اعتراضات مجموعات واسعة من الاميركيين بسبب ما اعتبروه «لا قانونية» حضور ابنته وزوجها الاجتماع. ولزيادة الطين بلة، كسر ترامب التقاليد الرئاسية الاميركية المعروفة بمنعه الصحافيين من التقاط اي صور او تسجيل تصريحات اي من الجانبين قبل او بعد الزيارة.

وبدلا من اللجوء الى الوسائل الاعلامية التقليدية، قام ترامب بنشر صورة حول الزيارة على موقع «انستغرام»، ارفقها بعبارة عن سعادته لاستصافة آبي في منزله، في خبر بدا وكأنه شأن عائلي، لا استقبال رئيس الولايات المتحدة المنتخب رئيس حكومة واحدة من اهم حلفاء أميركا في العالم.

وفور شيوع الخبر، انفجرت وسائل التواصل الاجتماعي، وغصت باعتراضات الاميركيين على مشاركة ايفانكا وزوجها في اللقاء. واعتبر المعترضون ان لا ايفانكا ولا زوجها يتمتعون باذونات امنية تسمح لهم حضور لقاء مع رئيس دولة حليفة على هذا المستوى، ولا ايفانكا، المكلفة ادارة امبراطورية ترامب المالية، يمكنها المشاركة بنشاطات رئاسية بسبب التضارب في المصالح.

ونشر الناشطون المعترضون على كسر ترامب البروتوكولات الرئاسية الاميركية المعروفة ارقام هواتف «لجنة مراقبة الحكومة» في الكونغرس، ودعوا الاميركيين الى الاتصال بممثليهم في الكونغرس، بغرفتيه، من اجل ابداء اعتراضهم، ودعوة الهيئات المسؤولية في السلطة التشريعية الى فتح تحقيقات في امكانية «تضارب المصالح» لدى ترامب.

الجمعة، 18 نوفمبر 2016

الكويت وسّعت فجأة صفقة مقاتلات «إف - 18» من 3 مليارات دولار إلى... 10 مليارات

| كتب محمد الهزيم ورضا السناري |

وقفت مصادر سياسية كويتية رفيعة المستوى عند الاخبار الآتية من واشنطن عن طلب الكويت توسيع صفقة شراء المقاتلات الى 40 مقاتلة من طراز «إف/‏إي-18 إي» و«إف/‏ إي-18 إف» والمعدات الخاصة بها بقيمة تتجاوز 10 مليارات دولار، بعدما كانت في الصفقة الاولى 24 مقاتلة بقيمة 3 مليارات دولار.

واستغربت المصادر ان تلجأ الكويت الى طلب مثل هذه الصفقة «في وقت تطرح الدولة سندات خزينة للاستدانة قيمتها 5 مليارات دينار داخليا وخارجيا، وترفع الدعم عن المحروقات وربما عن سلع اساسية لاحقا، وفي ظل استمرار تراجع اسعار برميل النفط، والتوجه الى اقرار قانون للضريبة، وضريبة اخرى على الدخل وضريبة القيمة المضافة»، متسائلة عن حاجة الكويت الى هذه الصفقات الضخمة التي سبقتها صفقة يوروفايتر وتجاوزت أيضا سقف المليارات التسع، وعن فاعلية هذا النوع من المقاتلات (اف 18) في ظل التطور الهائل الذي تشهده صناعة المقاتلات الاميركية والانواع الحديثة التي تنتج وتستفيد منها حصريا دول اخرى.

ووفقا لما أوردته «الراي» في اغسطس الماضي، حسمت ادارة الرئيس باراك أوباما موضوع بيع الكويت مقاتلات اميركية حربية قبل خروجه من الحكم في 20 يناير المقبل، بعدما قام الكونغرس بعرقلة صفقة سابقة. واوضحت وكالة التعاون الدفاعي الامني، في بيان اعلامها الكونغرس، ان «حكومة الكويت طلبت شراء 32 مقاتلة إف 18 اي و 8 مقاتلات اف 18 اف ورادارات وخوذات طيارين وصواريخ ارض - جو وخزانات وقود. وبلغت قيمة المقاتلات الحربية ومعداتها 10.1 مليار دولار». مع وجود ممثل مقيم في الكويت لمتابعة تنفيذ الصفقة وكذلك الامور المتعلقة بعمليات الصيانة الدورية.

وكانت ادارة أوباما وافقت، صيف العام 2015، على بيع الكويت وقطر والبحرين 76 مقاتلة اميركية بسعر اجمالي بلغ 8 مليارات دولار. وكانت تلك الصفقة تقضي بتزويد الكويت بـ 24 مقاتلة من طراز «اف 18 سوبر هورنيت» بسعر اجمالي بلغ 3 مليارات دولار، وبيع قطر 36 مقاتلة «اف 15» بسعر اجمالي بلغ 4 مليارات دولار. أما البحرين، فكانت ستتسلم 16 مقاتلة «إف 16»، بسعر مليار دولار. الا ان اصواتا داخل الكونغرس اعترضت على صفقة الاسلحة تلك، خصوصا بالشق المتعلق بقطر، فعرقل الكونغرس الصفقة بأكملها.

هذه المرة، قامت ادارة أوباما بفصل الصفقات وتقديم بلاغين منفصلين الى الكونغرس، واحد يطلب الموافقة على بيع الكويت 40 مقاتلة «اف 18» باجمالي 10.1 مليار دولار، وآخر يطلب موافقة الكونغرس على بيع الولايات المتحدة قطر 72 مقاتلة من طراز «اف 15» بإجمالي 21.1 مليار دولار. ولم تفصح الادارة الاميركية عن مصير مقاتلات «اف 16» التي كانت مخصصة للبحرين، الا ان مصادر الادارة قالت ان من شأن فصل الصفقات تسهيل عملية البيع، وانه في حال اعترض الكونغرس على بيع قطر، مثلا، تكون صفقة الكويت مضمونة.

يذكر أن «بوينغ» هي المتعاقد الرئيسي في صفقة البيع المحتملة لقطر في حين أن المتعاقدين الرئيسيين في صفقة الكويت هي «بوينغ ونورثروب غرومان وريثيون وجنرال إليكتريك».

ترامب يواجه اتهامات بـ «استغلال السلطة»

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

الرئيس المنتخب أقرب إلى «تاجر شنطة» يحاول استغلال شهرته لتسويق شركاته وفنادقه ومنتجاتهلم يكد الأسبوع الأول يمر على انتخاب الجمهوري دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة حتى انهالت عليه الاتهامات بالفساد والمحاباة واستغلال السلطة. وبدلا من ان يقدم الرئيس الاميركي المقبل صورة تليق برجل دولة، اذ به يقدم صورة اقرب الى «تاجر شنطة» يحاول استغلال شهرته السياسية لتسويق شركاته وفنادقه ومنتجاته. وكذلك فعلت عائلته.

ويرى الاميركيون انها المرة الاولى التي يصل فيها الى البيت الابيض «عائلة رئاسية» كاملة. صحيح ان الرئيس جورج بوش الاب كان آخر الرؤساء ممن كان لديهم اولاد راشدون، الا ان اولاد بوش الاب لم يقربوا البيت الابيض الا في المناسبات الاجتماعية، ولم ينخرطوا في اعمال ابيهم بصفة مستشارين رئاسيين، كما يفعل اولاد ترامب وابنته اليوم.

أول فصول الفساد لاحت في فريق ترامب جاءت من جارد كوشنر، صهر الرئيس وزوج ابنته ايفانكا، الذي اتضح ان محافظ ولاية نيوجيرزي كريس كريستي - الذي كان مكلفا ادارة المرحلة الانتقالية للسلطة من ادارة الرئيس باراك أوباما الى ادارة ترامب - سبق ان ادعى قضائيا على والد كوشنر عندما كان كريستي يعمل مدعيا عاما. وللثأر من كريستي، لم يطح كوشنر به فحسب، بل اطاح بكل من قام كريستي بتعيينه في الفريق الانتقالي، بعدما قام هذا الفريق بتوقيع البيانات القانونية المطلوبة لعملية الانتقال، فتوقفت العملية الانتقالية كليا وتعثرت.

وعائلة كوشنر هم من يهود نيويورك الاثرياء ممن يعملون في قطاع العقارات، مثل ترامب. ويعتقد المتابعون ان لآل كوشنر فضائل كثيرة في انقاذ ترامب من مآزق مالية كادت تؤدي الى افلاسه التام. ويبدو انه بهدف رد الجميل، جعل ترامب من صهره جارد يده اليمنى واقرب المقربين اليه، حتى أكثر من بنته ايفانكا وابنيه دونالد الابن واريك.

في هذه الاثناء، قامت ايفانكا ترامب بعرض نماذج مشابهة للساعة التي كانت ترتديها في المقابلة الرئاسية التلفزيونية الاولى التي أدلى بها ترامب بمشاركة كل افراد عائلته. وبدا ان ايفانكا تستغل المقابلة لتسويق الساعة التي تبيعها شركات ترامب، وهو ما يعد استغلالا للسلطة، اذ ان المقابلة لم تكن اعلانا مدفوعا، بل تم اجراؤها لأن ترامب صار رئيسا للاميركيين.

وكما فعلت ايفانكا، كذلك فعل فريق ترامب، الذي نشر سيرته الذاتية وسيرة السيدة الاولى زوجته ميلانيا.

في سيرته، عدد ترامب الفنادق ومنتجعات الغولف والوكالات التي يملكها، وكذلك فعلت ميلانيا التي قدمت نفسها كصاحبة «خط مجوهرات». واعتبر المراقبون ان ربط هذه العلامات التجارية بشخص الرئيس المنتخب، وتضمين سيرته الذاتية المنشورة على موقع تابع للحكومة الفيديرالية اسماء مصالحه التجارية، هو استغلال للشهرة التي يتمتع بها الرئيس الاميركي، من اجل تسويق شركات ترامب ومنتجاته وفنادقه ومنتجعاته.

وفي السياق نفسه، اندلع نقاش واسع بين الاميركيين حول الخط الفاصل بين ترامب الرئيس وترامب رجل الاعمال. صحيح انه سبق لاثرياء اميركيين ان تولوا منصب الرئاسة، الا ان ثروات هؤلاء لا تضاهي ثروة ترامب العملاقة.

ودرج رؤساء الولايات المتحدة على تجميد اموالهم المنقولة وغير المنقولة، ووضعها في عهدة وكلاء لا يقابلونهم الى ما بعد نهاية رئاستهم. الا ان ترامب يرفض تفويض ادارة ثروته الى وكيل خارج عائلته، في نفس الوقت الذي تنخرط فيه العائلة في لعب ادوار سياسية استشارية للرئيس ترامب، وهو ما يقوض الخط الفاصل بين عملهم كرجال اعمال، وعملهم كمستشاري رئيس البلاد، وهو ما يعطي شركات ترامب في الوقت نفسه دفعا تجاريا لا سابق له، على حساب المنصب الرسمي الذي يموله دافعو الضرائب الاميركيون.

استغلال السلطة هذا، الذي بدأه ترامب وعائلته منذ الساعات الاولى لفوزه بالانتخابات الرئاسية، يقترن مع انعدام في الكفاءة لا سابق له، فالاشخاص الذين تواصل معهم فريق ترامب الانتقالي للانضمام للادارة المقبلة، لم يتم الطلب إليهم ملء استمارات معينة لكشف تاريخهم وميولهم السياسية وارتباطاتهم، وهذه استمارات عمل تختلف عن «التراخيص الامنية» التي تمنحها وكالات الاستخبارات، اثر اجرائها تحقيقات مكثفة، قبل الموافقة على تعيين اي من المرشحين في مناصبهم.

هكذا، مرت الايام العشرة الاولى وبالكاد عيّن ترامب حفنة من المسؤولين، في وقت كانت الادارات السابقة عينت على الاقل نصف الفريق المتوقع مشاركته في الادارة في الاسبوعين الاولين اللذين يليان الانتخابات الرئاسية عادة.

ولم يسهّل الجمهوريون من مهمة ترامب، فالرؤساء عادة ما يستقطبون الى اداراتهم عاملين في الادارات السابقة التي ترأسها رئيس من حزبهم، مثلا عيّن أوباما عددا كبيرا ممن سبق ان عملوا في ادارة الرئيس السابق بيل كلينتون، فيما عين الرئيس السابق جورج بوش كثيرين ممن سبق ان عملوا في ادارة والده جورج بوش الاب وسلفه الراحل رونالد ريغان.

الا ان عائلة بوش توعز الى مقربيها بالبقاء بعيدين عن ادارة ترامب، وكذلك يفعل عدد كبير من الجمهوريين، كان ابرزهم الطبيب الجراح والمرشح الرئاسي السابق بن كارسون، الذي انسحب من امكانية مشاركته في الحكومة من دون تقديم مبررات. ومع النزيف الذي يعانيه فريق ترامب في الكوادر، ومع الثأر الذي يخوضه كوشنر ضد كريستي وآخرين داخل فريق ترامب نفسه، ومع انغماس ترامب وعائلته في تسويق منتجاتهم وشركاتهم، يبدو الاسبوع الاول لرئاسة ترامب من الاسابيع الاكثر فوضى في الحكم التي مرّت على الاميركيين في ذاكرتهم المعاصرة.

الخميس، 17 نوفمبر 2016

لو كان بيض أميركا عرباً

حسين عبدالحسين

لو جرت الانتخابات الاميركية في أية دولة عربية وخسر الفائز بغالبية الاصوات الرئاسة لمصلحة خصمه، لكان صوت واشنطن من أعلى الاصوات في العالم ضد التزييف الذي لحق بالعملية الانتخابية وضد تزوير الارادة الشعبية.

لو وعد اي مسؤول عربي، بطرد طائفة دينية بأكملها من بلاده، على غرار وعد الرئيس المنتخب دونالد ترامب بطرد الجالية المسلمة واقفال حدود أميركا في وجه المسلمين، لثارت أمم العالم على السياسي العربي، وعلى ابيه، وعلى دينه، وعلى ثقافته البربرية.

لو دعا اي عربي الى عدم التمييز في الحرب بين المقاتلين والمدنيين وقتلهم جميعا، على غرار دعوة الرئيس المنتخب ترامب، اثناء حملته الانتخابية، الى قتل عائلات الارهابيين العرب عقابا لهم “وأخذ النفط”، لاتهمت كل عواصم العالم العرب بالارهابيين بطبيعتهم وبسبب ثقافتهم الصحراوية الجاهلية القروسطوية.

لو دعا اي عربي، ثائر سوري مثلا، الى انشاء بنك معلومات مخصص للمسيحيين والعلويين وباقي الاقليات السوريين، بهدف التأكد من ولائهم لسوريا بدلا من ولائهم للحكومات المسيحية او الشيعية حول العالم، على غرار دعوة ترامب لتسجيل المسلمين في قاعدة بيانات ومراقبتهم ومراقبة دور عبادتهم، وعلى غرار ما فعل عمدة نيويورك السابق والمرشح لمنصب وزير خارجية اليوم ردي جولياني بالمسلمين الاميركيين في مدينته، لقامت الدنيا ولم تقعد على العرب المسلمين الذين يسعون لطرد مسيحيي المشرق وباقي الاقليات.. لأن المسلمين، طبعا، عدائيون بفطرتهم. 

لو عين اي مسؤول عربي مستشاراً له يؤمن بتفوق العرب المسلمين على شعوب العالم ويسعى لاستبدال الحكومات بنظام حكم مخالف، على غرار مستشار ترامب ستيف بانون، العنصري الابيض الذي تم تعيينه مستشارا في البيت الابيض، والذي يؤمن بتفوق الأمة الاميركية المسيحية على كل شعوب العالم، والذي يسعى لهدم الحكومة الاميركية واستبدالها بحكم البيض المسلحين، على طريقة الكاوبوي، لثارت الدنيا في وجه العرب واتهمتهم بانهم ارهابيون يعادون مبدأ الدولة، ويكرهون النظام العالمي ومعاهدة وستفاليا للسيادة، ولاتهمت الدنيا العرب بانهم يسعون لهدم النظام العالمي وحكوماته واستبدالها بحكم الخلافة الاسلامية المستبدة.

لو صرّح اي عربي بضرورة تحريض العرب والمسلمين ضد باقي شعول العالم، وتحريك الكراهية التي بداخلهم لأن الكراهية هي محرك التغيير الاول، على غرار ما يفعل بانون الذي يسعى لتحريك كراهية البيض اليمينيين لاثارة انتفاضة داخل اليمين على اليمين الحالي الذي يراه خانعا وخاملا ومتواطئا بسبب مصالحه، لاعتبر المجتمع الدولي هؤلاء العرب وكأنهم يمثلون كل فرد عربي، وكأنهم يقولون حقيقة ما يدور في خلد كل عربي، لأن العرب ذئاب يلبسون ثياب نعاج حتى يتسنى لهم الاستيلاء على مقاليد السلطة حول العالم وتثبيت حكمهم على حساب الشعوب الاخرى.

لو حمل اي عربي لافتة تتهم اليهود، لا اسرائيل، بالسيطرة على الاعلام والمال حول العالم، على غرار ما فعل مؤيدو ترامب، الذين رفعوا لافتات اثناء اطلالاته الانتخابية الحاشدة كتبوا عليها “جو اس اي”، مستبدلين اول حرف من اسم أميركا بكلمة يهودي، لثارت البشرية على العرب العنصريين المعادين لليهود والسامية.

لو وصف اي عربي الرئيس باراك أوباما بالقرد، بسبب بشرته الداكنة، على غرار ما فعلت مسؤولة حكومية في ولاية “وست فيرجينيا” عندما وصفت السيدة الاولى ميشال أوباما بـ “القرد الذي ينتعل حذاء ذا كعب”، لسمعنا اصوات كل السياسيين في العالم، من شرقه الى غربه، وهم يدينون عنصرية العرب وتمسك العرب بالعبودية التي لم يتخلوا عنها بعد.

هذا هو الطاقم الذي يستعد لحكم أميركا. هو حفنة من البيض المسيحيين العنصريين المتطرفين الذين يكرهون كل من هو ليس منهم، والذين يحرضون البيض الآخرين على الكراهية والعداء، ويسعون لتحطيم الحكومات، بما فيها الاميركية، لتثبيت حكم الاقوى، الذي يعتقدون أنه العرق الابيض حصرا. 

هذا الطاقم الاميركي الابيض لا يمثل بيض أميركا ولا مسيحييها، كما لا يمثل داعش العرب او المسلمين. لكن الطاقم الاميركي العنصري يدخل البيت الابيض ليحكم، فيما العرب والمسلمين يحاربون داعش حتى يتخلصوا منه. 

فليحكم من يحكم البيت الابيض، لكن العرب سيتمسكون بحضارتهم واخلاقهم وتساميهم عن العنف والعنصرية، او حسبما قالت السيدة الاولى أوباما ونقلت عنها المرشحة الرئاسية الخاسرة هيلاري كلينتون: “عندما ينحدرون هم الى الاسفل، نصعد نحن نحو الاعلى”.

المرشحون لإدارة ترامب... يغرقون في الفضائح

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

انتقال السلطة في الولايات المتحدة عملية سهلة يندر ان تستأهل اي تغطية اخبارية.

لكن في هذه الانتخابات، تتصدر عملية انتقال البيت الابيض من الرئيس باراك أوباما الى خلفه المنتخب دونالد ترامب الاخبار، فهذه هي المرة الأولى التي يصل فيها رئيس لا مقربين لديه غير عائلته، اي ابنيه وابنته وزوجها، وهو ما دفع ترامب الى طلب «تراخيص امنية» حتى يتسنى لهؤلاء الاطلاع على معلومات حكومية سرية.

لكن في الولايات المتحدة قوانين منع الوساطة والفساد والمحاباة، خصوصا عبر العلاقات العائلية، وهو ما يمنع الادارة الحالية من اصدار هذه التراخيص لافراد عائلة ترامب.

وخلال حملته الانتخابية، لطالما اجاب الرئيس المنتخب عن امكانية تضارب مصالح بين امبراطوريته المالية ومنصب الرئاسة بالقول انه سيتخلى عن منصبه على رأس شركاته، وسيسلمها لاولاده، وسيتفرغ للرئاسة.

لكن في أقل من اسبوع، تراجع ترامب عن وعده المذكور، فقام بتعيين ابنته ايفانكا وزوجها جارد كوشنر، وابنيه دونالد جونيور واريك، اعضاء في فريقه الانتقالي.

وكان ترامب عيّن، قبل فوزه في الانتخابات، حاكم ولاية نيوجيرزي الجمهوري كريس كريستي رئيسا لفريقه الانتقالي.

لكن اثبات محكمة اميركية ان كريستي أمر باغلاق جسر يصل الى مقاطعة انتخابية رفضت انتخابه، وتاليا احداث ازدحام خانق، اثار فضيحة في وجهه، ما اجبر ترامب على استبداله بنائب الرئيس المنتخب مايك بنس.

على ان بنس بدوره، تسلم منصبه كرئيس الفريق الانتقالي من دون ان يستقيل من منصبه حاكما لولاية انديانا.

اما سبب رفض نائب الرئيس الاستقالة، فمرده الى اصراره على الابقاء على مراسلاته عبر البريد الالكتروني سرية، وهو ما يبدو ان محكمة اميركية سترفضه وتجبره على كشف هذه المراسلات التي يعتقد البعض انها قد تكون فضائحية بحق نائب الرئيس.

في السياق نفسه، اثار تعيين ترامب مدير موقع «برايتبارت» الاخباري اليميني المتطرف ستيف بانون مستشارا للشؤون الاستراتيجية عاصفة من الانتقادات ضد المستشار المعين، الذي تتهمه غالبية الاميركيين بالعنصرية.

وبانون، وهو جندي سابق في البحرية ومتمول، جمع ثروته من العمل في «وال ستريت»، أسس ويترأس مركز ابحاث يحمل اسم «معهد محاسبة الحكومة»، وهو اسم يشبه «مكتب محاسبة الحكومة» التابع للكونغرس. والمعهد الذي يترأسه بانون يتمتع بامكانات ضخمة، وهو يقوم باستقصاء اي قصص فضائحية عن السياسيين الذين يسعى بانون لاحراجهم، مثل المرشحة الديموقراطية السابقة للرئاسة هيلاري كلينتون والمرشح الجمهوري جب بوش.

ولبانون تصريحات يقول فيها انه يهدف الى تأجيج الكراهية لدى البيض لأن الكراهية وحدها تؤدي الى التغيير. كما يقول بانون انه معاد لكل الحكومات، وانه يسعى لتفتيت النظام الاميركي.

في هذه الاثناء، مازال فريق ترامب يبحث، متعثرا، عن من يشغلون المناصب الحكومية التي سيرثها.

وكانت مصادر الادارة الحالية أكدت ان ترامب وفريقه تفاجآ حين علما ان كل موظفي البيت الابيض سيرحلون وسيتم استبدالهم قبل حلول 20 يناير المقبل، يوم قسم اليمين وانتقال السلطة، وهو ما دفع أوباما الى تعديل جدول اعماله من اجل الانخراط، اكثر من المعتاد، في عملية اعداد الادارة المقبلة.

ولأن ترامب لا يجد من يمكنه تعيينهم في مراكز في ادارته، خصوصا الحساسة منها، فهو لجأ الى محاولة منحها الى المقربين منه، بغض النظر عن كفاءتهم.

ويقول المتابعون ان ترامب يسعى الى تعيين عمدة نيويورك السابق رودي جولياني وزيرا للخارجية.

وجولياني كان استحدث فرع استخبارات لجهاز شرطة نيويورك، وسمح بتفتيش المواطنين لمجرد الاشتباه بجذورهم العرقية، كما فرض رقابة لصيقة على المساجد الاسلامية.

على انه لم تلبث اخبار تعيين جولياني ان تذيع، حتى راحت وسائل الاعلام الاميركية تنشر انباء مفادها ان وزير الخارجية المتوقع سبق ان تقاضى اجورا من حكومات وجهات اجنبية مقابل القيام بأعمال «لوبي» لمصلحتها. وتظهر البيانات المالية ان جولياني سبق ان عمل لمصلحة حركة «مجاهدين خلق» الايرانية المعارضة، كما سبق ان عمل لمصلحة حكومة فنزويلا، التي يعاديها غالبية الجمهوريين، ولمصلحة حكومة خليجية.

ورغم نفي الرئيس المنتخب ان تكون المحادثات القائمة لتشكيل فريقه تجري في اجواء فوضوية او متوترة،تبقى مشكلة تضارب المصالح بين شركاته والرئاسة والمحاباة لاولاده، الى «فضيحة الجسر» التي اطاحت بكريستي، ففضيحة البريد الالكتروني التي تهدد نائب الرئيس بنس، الى أزمة تعيينه مستشارا يؤمن بالعنصرية البيضاء، الى فضائح تقاضي وزير خارجيته المتوقع جولياني اموالا من جهات خارجية، لا تكاد تمر ساعة او اثنتين حتى يبرز اسم مرشح لمنصب في الادارة المقبل عبر الاعلام الاميركي، يلي الاسم فضيحة او فضائح مرتبطة به، يلي ذلك تراجع ترامب، وهذا ما جعل من عملية نقل السلطة في واشنطن تبدو، للمرة الأولى في تاريخها، وكأنها أمر شديد التعقيد. فاذا كانت العملية الانتقالية السهلة نسبيا على هذا الشكل، فكيف سيكون شكل الحكم في رئاسة دونالد ترامب؟

الاثنين، 14 نوفمبر 2016

ترامب قد يسعى لتحالف مع روسيا ضد... إيران


| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

قلب انتخاب الجمهوري دونالد ترامب رئيسا الموقف المتوقع للولايات المتحدة تجاه ايران.

المرشحة الخاسرة الديموقراطية هيلاري كلينتون كانت تتباهى بالاتفاقية النووية مع ايران، فيما وعد فريقها للسياسة الخارجية بمتابعة سياسة الانفتاح على طهران، من دون التنازل لها في بعض المناطق الساخنة مثل سورية.

اما ترامب، فهو وعد منذ اليوم الاول لترشيحه بتمزيق الاتفاقية النووية مع الايرانيين، في الوقت نفسه الذي تباهى فيه المرشح الجمهوري بصداقته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

صداقة ترامب مع بوتين لا تعني انخراط الولايات المتحدة في «محور الممانعة» الذي يفترض ان ايران تقوده في المنطقة، فهذا رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو يتمتع بصداقة متينة مع موسكو، لكن من دون ان يعني ذلك تقاربا بين اسرائيل والايرانيين.

صداقة ترامب مع بوتين تبدو جزءاً من «محور مسيحي» عالمي، فلبوتين شعبية واسعة بين اليمين الاميركي المحافظ بسبب دفاعه المزعوم عن المسيحيين في الشرق، وبسبب اقراره قوانين اجتماعية محافظة في روسيا، مثل قانون حظر المثلية الجنسية. ترامب يعتقد ان مكافحة «الارهاب المسلم» تتطلب الانخراط في جبهة واحدة مع بوتين في حربه ضد الاسلاميين الارهابيين، لا مواجهة بوتين نفسه.

ويبدو ان المسؤولين الذين يتوقع ان يشغلوا مناصب رفيعة المستوى في الادارة الاميركية المقبلة، يرون الارهاب من منظار اوسع بكثير من نظرة ادارة الرئيس باراك أوباما، التي حصرت رؤيتها للارهابيين بتنظيم «القاعدة» والتنظيمات المشابهة له او المنشقة عنه كتنظيمي «الدولة الاسلامية» (داعش) و«جيش فتح الشام» (جبهة النصرة سابقا).

مسؤولو ترامب يرون تنظيمات مثل «حزب الله» اللبناني في خانة الارهاب ايضا، وهو ما يعني ان ايران - من وجهة نظر ترامب ومساعديه - دولة راعية للارهاب وهو ما يتطلب مواجهتها.

وكان وزير الخارجية جون كيري اجاب معارضين سوريين، لدى اثارتهم عداء أميركا لبعض التنظيمات الارهابية مثل «النصرة» ومهادنتها مع اخرى مثل «حزب الله»، ان «(حزب الله) لا يفعل حاليا ما من شأنه ان يؤذينا».

الجنرال مايك فلين، رئيس «الاستخبارات العسكرية» سابقا والذي يتوقع ان يشغل منصبا رفيعا جدا في ادارة ترامب، يعتبر ان ادارة أوباما اخطأت، بل ضللت الاميركيين، لابقائها علاقة ايران بـ «القاعدة» سرا. فلين، الذي يتمتع بعلاقة وطيدة جدا ببوتين، اعتبر في كتاب اصدره بعنوان «حقل القتال» ان الحكومة الاميركية تعرف، على وجه اليقين، ان «القاعدة» تعد لهجوم بأسلحة دمار شامل ضد الولايات المتحدة، وان هذا التنظيم يعد لهذا النوع من الهجوم عن طريق استعدادات وتدريبات يجريها في ايران.

وقال فلين ان من الوثائق الكثيرة التي جمعتها القوات الاميركية الخاصة، اثناء عملية قتل زعيم «القاعدة» اسامة بن لادن في باكستان في 2011، تشير بعضها الى الاستعدادات المذكورة التي كانت تجري في ايران.

وكانت ادارة أوباما اصدرت، في يوليو الماضي، سلسلة من العقوبات على ثلاثة من قياديي «القاعدة». اثنان منهما، ياسر محمد ابراهيم بيومي وابو بكر محمد غمين، يقيمان في ايران.

ولفت خبراء اميركيون الى ان المسؤول في «القاعدة» سليمان ابو غيث، والذي تم اعتقاله في الاردن العام 2013 ونقله الى نيويورك حيث تمت محاكمته وانزال عقوبة المؤبد به، كان يسكن في ايران بين 2002 و2012. واقامة مسؤولي «القاعدة» هؤلاء في ايران تحمّل طهران مسؤوليتهم، وقد تسمح لعائلات ضحايا هجمات ارهابية، مثل ضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001، بالادعاء ضد الجمهورية الاسلامية والمطالبة بتعويضات، بموجب قانون «جاستا» الصادر أخيرا. كما يبدو ان عائلات ضحايا تفجير الخبر في 1996 يستعدون لرفع دعاوى قد تطول الحكومة الايرانية.

هذا التصعيد الاميركي، بقيادة ترامب، ضد ايران عن طريق ربطها بالارهاب ورعايته، يختلف تماما عن السياسات الاميركية الماضية للادارات المتعاقبة.

كذلك، تساءل بعض مراقبي السياسة الخارجية عن كيفية تأثير اي تصعيد أميركي ضد ايران على الجبهة ضد الارهاب التي يسعى ترامب لاقامتها مع بوتين.

وينقل البعض عن فلين اعتقاده ان روسيا وايران ليستا جبهة واحدة، وانهما تحاربان في سورية ضد الولايات المتحدة لأن سياسة أوباما اجبرتهما على ذلك، لكن ان وجدت روسيا خيارا بديلا، يمكن ان تبدل موقفها من العلاقة مع الايرانيين في منطقة الشرق الاوسط.

ويضرب مؤيدو سياسة «فصل روسيا عن ايران» مثالا بالاشارة الى اعتراض ايران على اقلاع قاذفات روسية من قواعد ايرانية لتنفيذ غارات في سورية. ويقول هؤلاء ان الايرانيين رفضوا ان يبدوا وكأنهم في تحالف تحت قيادة الروس، فأقفلوا قاعدتهم في وجه القاذفات الروسية، وهو ما يشي بأن العلاقة بين الاثنين ليست على شكل التماهي الذي يظنه البعض.

رجل الأسد لدى ترامب

حسين عبدالحسين

بين أول زيارة له إلى دمشق في العام 1984 ولقائه بالرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وآخر زيارة له في العام2010 ولقائه بالرئيس الوريث بشار الأسد، أمضى السناتور الأميركي الراحل عن ولاية بنسلفانيا آرلن سبكتر 26 عاماً من حياته وهو يزور سوريا بشكل سنوي ويلقى حفاوة الضيافة من آل الأسد.

ولرد الجميل، تحول سبكتر، وهو يهودي أميركي، إلى ممثل الأسد في مجلس الشيوخ، وسخّر علاقاته العامة لإقامة علاقات بين نظام الأسد وكبار المسؤولين في الكونغرس والادارات الاميركية المتعاقبة، ومنهم زمرة من زملاء سبكتر من امثال السناتور باراك أوباما، والسناتور جون كيري، والسناتور تشاك هايغل. وحده السناتور جو بايدن كان صاحب رأي مستقل ومختلف تجاه المنطقة والأسد.

مات سبكتر في أكتوبر/تشرين الأول 2012 عن عمر 82 عاماً، لكن دايفيد ايربان، الرجل الذي يعتبر سبكتر معلمه، والذي عمل أمينا لسرّه على مدى خمس سنوات، يلعب اليوم دوراً محورياً في فريق الرئيس الجمهوري المنتخب دونالد ترامب، وهو من أبرز المساهمين في هندسة فوز ترامب بالرئاسة، ومن المتوقع أن يتبوأ منصباً رفيعاً في الادارة الاميركية المقبلة.

ايربان، وهو مثل سبكتر يهودي أميركي من ولاية بنسلفانيا، انتسب الى الجيش الاميركي وعمل ضابطاً للمدفعية في حرب الخليج الاولى في العام 1991. ثم تخصص في القانون، ومع حلول العام 1997، أصبح مديراً لمكتب السناتور سبكتر لمدة خمسة أعوام، ورافقه في رحلاته وترحاله، بما في ذلك الى منطقة الشرق الاوسط، فوجد ايربان نفسه وجهاً لوجه مع الأسد، الأب ثم الابن، ومع رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتيناهو، ومع الرئيس المصري السابق حسني مبارك.

في العام 2002، حمل ايربان خبرته الدولية والمحلية الواسعة وانضم الى عالم اللوبي في واشنطن، وتحول إلى أحد أقوى وجوه هذا القطاع، ما حدا بترامب إلى الاستعانة بخدماته، وخصوصاً لمساعدته في تنشيط حملة المرشح الجمهوري في ولاية بنسلفانيا. وفعلاً، نجح ايربان في تقديم أداء متفوق في الولاية المذكورة، فانتزعها من الديموقراطيين للمرة الاولى منذ 28 عاماً، وأهدى معلمه الجديد ترامب 20 صوتاً، كانت مفصلية في فوزه بالرئاسة.

والعلاقة المتينة التي نشأت بين ايربان وترامب لا بد أنها ساهمت في تشكيل رأي الاخير وموقفه وسياسته حول الأزمة السورية، فترامب بالكاد يمكنه الاشارة الى سوريا على خريطة العالم، وهو في مناظرته الانتخابية مع كلينتون، بدا جلياً أنه لا يعرف الفارق بين حلب السورية والموصل العراقية، وهو ما يشي بأن موقف ترامب الواضح جداً حول الأزمة السورية، على عكس آرائه المتخبطة في السياسات الداخلية أو الخارجية، هو موقف تبناه الرئيس الأميركي المنتخب من شخص على دراية بالملف السوري وصاحب موقف واضح منه، وهو لا شك ايربان.

ولطالما سعى سبكتر، معلم ايربان، الى تقوية العلاقة الاميركية مع عائلة الأسد، معللاً موقفه بأنه يمكن لواشنطن ان تجد حليفاً قوياً في دمشق ضد خصم أميركا، إيران، وفي وقت لاحق ضد الارهاب. لكن رعاية الأسد للمقاتلين الاجانب الذين عبروا حدوده الى العراق لشن تفجيرات أودت بحياة مدنيين عراقيين وجنود أميركيين، جعل من الأسد مادة سامة في العاصمة الاميركية، فتوترت علاقة سبكتر مع ادارة الرئيس الجمهوري السابق جورج بوش الى حد رشّح الحزب بديلا عنه. ومع صعود نجم السناتور المرشح للرئاسة باراك أوباما، الذي تلاقت رؤيته حول الأسد مع رؤية سبكتر، انفصل الاخير عن حزبه الجمهوري وانضم الى الديموقراطي، في خطوة أجمع الاميركيون من الحزبين أنها غير أخلاقية ووصولية، فخسر مقعده، ولكنه مع ذلك لم يوقف زيارته الى الأسد.

ليس معلوماً المنصب الذي سيشغله ايربان بعد، لكن نفوذه لدى ترامب واسع، وهو ما يحسّن من وضع الأسد في واشنطن. أوباما، ومعه اصدقاء الأسد الآخرين في فريقه، كالثلاثي المتعاقب في مجلس الأمن القومي ستيف سايمون وفيل غوردن وروب مالي، كانوا اظهروا تهاوناً اميركياً مع حرب الأسد على السوريين، الا ان فريق أوباما ابدى بعض الحياء تجاه الكارثة الانسانية. أما فريق ترامب - ايربان، فلن يبدي في الغالب أي حياء، وقد يقضي على ما تبقى من حياد أميركي وينحاز لمصلحة روسيا والأسد.

كيف فاز ترامب برئاسة أميركا، وماذا يعني فوزه؟

بقلم حسين عبد الحسين

نشر حصريا في الكويت من قبل الراي للدراسات الإستراتيجية والبحوث

واشنطن: بعد ما اجمعت استطلاعات الرأي على تقدم المرشحة الديموقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون على منافسها الجمهوري دونالد ترامب، وبعدما اظهرت عملية الاقتراع المبكر تقدمكلينتون، وفيما نجحت كلينتون في جمع تبرعات بلغت ضعفي ما جمعه ترامب وتاليا بثت اضعاف الدعاية الانتخابية التي بثّها، وبعدما تباهت ماكينة كلينتون الانتخابية بـ “عملية ارضية” لاخراج الاصوات للاقتراع اظهرت تفوقا تنظيميا باهرا جعل حملة ترامب تبدو هباء، فاز ترامب على كلينتون واصبح رئيسا للولايات المتحدة.

وفوز ترامب مفاجأة مكتملة العناصر. صحيح انه وحملته سبق ان اشارا الى مفاجآت على غرار مفاجأة خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، على عكس استطلاعات الرأي التي سبقت الاستفتاء البريطاني، الا ان المسرح الذي كان اعده ترامب لاطلالته بعد الانتخابات كان صغيرا جدا بالقياس لمسرح كلينتون، في مؤشر انه كان يتوقع الادلاء بخطاب اعتراف بالخسارة وتنازل، فيما كانت كلينتون مستعدة لخطاب وحفل انتصار.

الخاسر الاكبر، بعد كلينتون، كانت مؤسسات وخبراء استطلاعات الرأي، التي اجمعت على تفوق كلينتون على ترامب شعبيا، وفوزها في الانتخابات. قلّة قليلة من هذه المؤسسات توقعت تقدم ترامب على كلينتون شعبيا، وهو ما لم يحصل ايضا، فكلينتون فازت على ترامب بـ ٦٠٠ الف صوت، لكنها خسرت الانتخابات بسبب نظام “الكلية الانتخابية”، الذي يمنح كل من الولايات عددا من الاصوات يتناسق مع عددها السكاني. ويحصد الفائز كل عدد اصوات موفدي الكلية الانتخابية في الولاية الواحدة حتى لو كان هامش فوزه الشعبي ضئيلا، ما يعني انه يمكن للخاسرة كلينتون ان تكتسح ولايات ضخمة مثل كاليفورنيا ونيويورك شعبيا، وان تخسر بهوامش ضئيلة في ولايات اخرى، مثل فلوريدا، فتفوز باجمالي اصوات المقترعين ولكن تخسر السباق.

اما الخطأ الضخم الذي وقعت فيه مؤسسات استطلاعات الرأي وخبراؤها، فله سببين. الأول هو الخجل الذي لف مؤيدي ترامب ومنعهم من الاعتراف امام المستفتين بنيتهم الاقتراع له، ولكن خلف ستارة الاقتراع، اطلق هؤلاء العنان لتأييدهم له. اما السبب الثاني، حسب خبراء استطلاعات الرأي انفسهم، فيرتبط بكيفية تصميم الاستفتاءات، التي تعتمد عينات نتائج الانتخابات الماضية. ما حصل في حالة ترامب، هو ان مؤيديه هم خليط من الكتل الناخبة البيضاء، التي كانت موزعة في الماضي ويبدو انها التفت حوله في هذه الانتخابات.

اما الاسباب غير التقنية التي ساهمت في خسارة كلينتون، فعديدة، ابرزها الرسالة التي وجهها مدير “مكتب التحقيقات الفدرالي” (اف بي آي) جايمس كومي الى اعضاء الكونغرس، قبل اسبوع من الانتخابات، اعلمهم فيها بنية مكتبه اعادة فتح التحقيق في استخدام كلينتون بريد الكتروني خاص اثناء عملها وزيرة للخارجية. ومع ان كومي وجه رسالة ثانية، عشية الانتخابات التي جرت في ٨ نوفمبر، قال فيها ان لا اسباب تتوفر للادعاء ضد كلينتون، الا ان الضرر لسمعة كلينتون كان احدث فعله في عيون الناخبين.

على ان الاسباب الانتخابية التقليدية لا يبدو انها لعبت دورا يذكر في هذه الدورة. فترامب هو المرشح الرئاسي الاول، منذ العام ١٩٧٦، الذي لم يقدم بياناته الضريبية. وترامب هو اول مرشح يواجه دعاوى مرفوعة بحقه، على خلفية عمليات تزوير في “جامعة ترامب” المفلسة، وقد يضطر للحضور امام المحكمة قبل قسمه اليمين الدستورية في ٢٠ يناير. لكن فضائح ترامب لا يبدو انها أثرت في رأي ناخبيه.

واذا كانت فضائح ترامب لا تؤثر في الناخبين، يعتقد بعض الخبراء ان من اقترعوا له ارادوا رفع صوتهم في وجه المؤسسة السياسية الحاكمة (استابلشمنت). لكن الانتفاضات ضد المؤسسات السياسية الحاكمة يندر ان تحدث في الاوقات التي ينمو فيها الاقتصاد وتنخفض فيها معدلات البطالة الى حدها الادنى، مثل في هذه الانتخابات. صحيح انه من الاصعب على الحزب الحاكم، في هذه الحالة الديموقراطيين، الحفاظ على البيت الابيض لولاية ثالثة، الا ان شعبية أوباما مرتفعة الى حدود قياسية تتفوق على الشعبية التي كان يتمتع بها الرئيس الاسطوري الجمهوري رونالد ريغان في الاسابيع الاخيرة من حكمه.

اذن، لا يبدو ان من اقترعوا لترامب يهتمون لشخصيته الفضائحية وتصريحاته المبعثرة والمتناقضة. ولا يبدو ان الهم الاقتصادي يحركهم، اذ ان الاقتصاد الاميركي كان في وضع جيد، عشية الانتخابات، مع اظهار البيانات الاقتصادية ان الناتج المحلي حقق نموا مرتفعا بلغ ٢,٩ في المئة في الفصل الثالث، وانخفضت البطالة الى ٤,٩ في المئة، في وقت ارتفعت مداخيل الاميركيية بواقع ٢,٤ في المئة مع حلول خريف هذا العام، مقارنة مع خريف العام الماضي.

هكذا، يتضح ان الدافع الاول خلف تغلب ترامب على كلينتون هو ما يطلق عليه الاميركيون تسمية “الحروب الثقافية”. وعلى الرغم من اسمها، لا تمت هذه الحروب الى الثقافة بصلة، بل هي تنبع من قلق ديموغرافي يسود البيض الاميركيين بسبب تقلص اعدادهم، في مقابل نمو اعداد الاميركيين من غير البيض. وتساهم هجرة اللاجئين غير الشرعيين من اميركا اللاتينية، عبر حدود الولايات المتحدة الجنوبية مع المكسيك، في المزيد من التوتر لدى البيض، الذين يعتبرون ان هؤلاء “يسرقون” اعمالهم، وانهم يحملون معهم عادات غير اميركية، ويرفعون من نسبة الجرائم وتعاطي المخدرات في البلاد. كذلك، يلقي البيض باللائمة على تراجع نفوذهم على مهاجرين آخرين، مثل العرب والمسلمين وحتى اليهود. وفي خضم هذه العداوة لدى البيض ضد غير البيض، صعدت مجموعات اليمين العنصري المتطرف بين البيض، مثل “كو كلوكس كلان”، المعادية للسود، و”الت رايت”، وهي مجموعة “النازيين الجدد”.

هذا الخوف المبالغ به بين البيض هو الذي استغله ترامب، ووعدهم باعادة البلاد الى الزمن الذي تتصوره غالبية البيض على انه زمنها وزمن أميركا الذهبي، اي عقدي الخمسينات والثمانينات (فيما يعتقد الديموقراطيون ان “ربيع الحب” والحركات الاجتماعية التحررية التي يمجدونها عاشت ذروتها في الستينات والسبعينات).

ولأن ترامب استغل الصراع العرقي، فهو بالغ في تصريحاته المعادية للأقليات، مثلما فعل ضد المسلمين الاميركيين. وقبل يومين من الانتخابات، وفي محاولة منه للفوز بولاية مينيسوتا الشمالية الاقرب للحزب الديموقراطي، وقف فيها ترامب يحذر سكانها علنا من الجريمة المتفشية بسبب جالية صومالية كبيرة مقيمة في ضواحي مدينة مينيابوليس عاصمة الولاية. هكذا، حرك ترامب حمية البيض، ودفعهم بكثافة الى صناديق الاقتراع، فتغلب على كلينتون.

لكن ترامب ارفق خطابه العنصري بوعود اقتصادية شعبوية، من قبيل نيته الانسحاب من معاهدات التجارة الحرة، واغلاق الحدود امام الورادات الصينية، وتهديد الشركات الاميركية بفرض غرامات مالية عليها ورفع التعريفات الجمركية على بضائعها المصنوعة خارج البلاد والمستوردة الى اميركا، في حال لم تعيد هذه الشركات مصانعها الى الولايات المتحدة. كما وعد ترامب بخفض الضرائب، بهدف تحفيز الاستثمارات وانفاق المستهلكين، ووعد بلجم الدين العام، وفي نفس الوقت انفاق ترليون دولار على تحديث البنية التحتية في العقد المقبل. اما الاهم في وعود ترامب، فيتجلى في اصراره ان الاقتصاد الاميركي سينمو بمعدل ٤ في المئة سنويا في سنوات حكمه الاربع المقبلة، وهو وعد يعتبره غالبية الاقتصاديون صعب المنال.

هذا يعني انه في حال لم ينجح ترامب في تحقيق النجاحات الاقتصادية التي وعد بها، قد يواجه غضبا شعبيا يهدد استمرار الغالبية الجمهورية في الكونغرس في الانتخابات النصفية في العام ٢٠١٨، وقد يهدد فرص اعادة انتخاب ترامب لولاية ثانية في العام ٢٠٢٠. والحال هذه، يخشى البعض ان يحاول ترامب الاستعاضة عن فشله في الحكم بالمزيد من تأجيج الكراهية العنصرية بين البيض والاقليات، وهي سياسة قد تكون تأثيراتها على الاميركيين وعلى مستقبل امنهم الاجتماعي غير محمودة.





*حسين عبدالحسين باحث مقيم في واشنطن – الولايات المتحدة.

الأحد، 13 نوفمبر 2016

ترامب يتخلّى عن وعود انتخابية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في مفاجأة لا تقل أهمية عن مفاجأة انتخابه رئيسا، وفي أقل من اسبوع على انتخابه، أدلى الرئيس الاميركي المنتخب الجمهوري دونالد ترامب بسلسلة من المواقف أظهرته وكأنه تخلى عن معظم وعوده الانتخابية، وكأنه غادر موقعه السياسي في اقصى اليمين في اتجاه يمين الوسط، وهو ما يجعله يتماهى مع «المؤسسة الحاكمة» في الحزب الجمهوري، على عكس وعده لناخبيه بالانتفاض على واشنطن وتحطيمه كل «المؤسسة الحاكمة» (استابلشمنت) فيها.

أول الوعود التي نقضها ترامب، تراجعه عن إصراره القاطع على انهاء قانون الرعاية الصحية، الذي اقرّه الرئيس باراك أوباما العام 2010 وحمل اسمه «أوباما كير».

وقال ترامب انه لا يمانع في اعادة النظر في القانون، وفي الابقاء على بعض مواده وتعديل مواد اخرى.

ومن المعروف ان القضاء على القانون بأكمله من شأنه ان يضع 20 مليون اميركي من دون تأمين صحي، والقضاء على القانون هو المطلب الذي حمله الجمهوريون منذ يوم إقراره قبل ستة اعوام، معتبرين القانون معوقا للنمو الاقتصادي الاميركي.

ثاني الوعود التي تخلى عنها ترامب، قوله انه بعد انتخابه، سيعمد الى ترحيل كل المسلمين من الولايات المتحدة، واقفال الحدود في وجههم، وتسجيل المسلمين الاميركيين في قاعدة بيانات خاصة لدى اجهزة الاستخبارات الأميركية.

ومنذ اليوم الذي تلى انتخابه الاسبوع الماضي، رفع فريق ترامب بند حظر دخول المسلمين الى الولايات المتحدة عن موقع الحملة الانتخابي، ثم على اثر سؤال احد الصحافيين لترامب حول قاعدة بيانات للمسلمين الاميركيين، قال ترامب انه ما زال يؤيد إنشاءها، لتتراجع حملته عن التصريح، وتعتبر في بيان ان «المراسل هو الذي اقترح قاعدة بيانات للمسلمين وليس الرئيس المنتخب».

ثالث الوعود الانتخابية التي تخلى عنها ترامب، إصراره على بناء سور عملاق على حدود الولايات المتحدة مع المكسيك، واجبار الاخيرة على تسديد تكاليفه المقدرة بعشرين مليار دولار.

وسبق لحملة ترامب ان قالت انها تنوي استصدار قانون في الكونغرس يمول بناء السور، مع بند يجبر المكسيك على تسديد النفقات، لكن محامي الكونغرس لفتوا نظر الاعضاء إلى ان قوانين الكونغرس ليست ملزمة - حسب القانون الدولي - للحكومة المكسيكية. لذلك تراجع ترامب عن المشروع المكلف، وبدأت حملته تصدر تصريحات مفادها ان ترامب سيفعّل مراقبة حدود البلاد الجنوبية الى اقصى حدود لمنع المهاجرين غير الشرعيين من دخول البلاد.

رابع الوعود الانتخابية التي تخلى عنها ترامب، وعده بتعيين مدع عام يخصصه لملاحقة منافسته السابقة المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون بتهم فساد، ورميها في السجن.

وعلى العكس من ذلك، وصف ترامب اتصال كلينتون له لتهنئته بالفوز انه كان «اتصالا لطيفا جدا».

ولدى سؤال صحافيين لترامب حول وعده بسجن كلينتون، تفادى الرئيس الاميركي المنتخب الاجابة بالقول انه يتفرغ حاليا لأولويات اكثر اهمية مثل تعديل قانون الرعاية الصحية ودفع الاقتصاد الى النمو وخلق وظائف.

وحدها سورية مازالت على حالها في خطاب ترامب، الانتخابي والرئاسي، اذ كرر الرئيس المنتخب قوله ان الرئيس السوري بشار الأسد وروسيا يحاربان الارهابيين، بمن فيهم تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش)، وان توجيه القوة الأميركية ضد من يحارب «داعش» يضعف الجبهة ضد هذا التنظيم. لذا، من الطبيعي ان تساند أميركا كل من يدير بنادقه ضد الارهابيين، حتى لو كانت روسيا والأسد، حسب ترامب وأعوانه.

هذه التراجعات السريعة والحادة التي ناقض فيها ترامب الرئيس وعود ترامب المرشح تصدّرت الحوار المندلع في دوائر السياسة الأميركية، فعلى لوائح البريد الالكتروني التي تدور عليها النقاشات السياسية «الواشنطونية»، اعتبرت مجموعة من السياسيين الجمهوريين انهم كانوا على حق بمراهنتهم على ترامب، وان الاخير ليس الرئيس «الذي سيحرق المنزل بأكمله»، بل انه استخدم خطابا متطرفا للوصول الى البيت الابيض فحسب، وهو ما حدا بمعارضي الرئيس المنتخب الى الرد بالقول «وما ضمانتنا ان كان هذا الرئيس يغير مواقفه بهذه السرعة انه لن ينقلب على اي اتفاقية ندخل معه فيها؟».

تضارب مصالح مؤيدي ترامب أنتج سياساته الاقتصادية المبهمة

واشنطن - حسين عبدالحسين

على مدى الأيام الـ 70 المقبلة، سيسعى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى تعيين فريق يعاونه في البيت الأبيض ويتسلم زمام الحكم من إدارة الرئيس باراك أوباما. لكن إلى جانب الفريق المزمع تعيينه، ينتظر خبراء بفارغ الصبر السياسات التي سيعلنها ترامب، خصوصاً الاقتصادية، التي جعل منها نقطة ارتكاز حكمه ووعوده التي أطلقها للأميركيين الذين اقترعوا له.

ويكرر ترامب ومؤيدوه أن الرئيس المقبل صنع إمبراطورية عقارية ومالية باهرة، وسيوظف خبرته التي اكتسبها ليحقق نجاحاً مماثلاً على صعيد الاقتصاد الأميركي. لكن عالم المال يختلف عن عالم الاقتصاد، والولايات المتحدة ليست شركة، وهو تباين يفوت ترامب ومناصريه.


والطروح الاقتصادية التي قدمها ترامب حتى الآن عبارة عن أفكار مبعثرة ومتناقضة، فعلى رغم إعلانه تبني «ريغونوميكس»، أي السياسة الاقتصادية للرئيس الراحل رونالد ريغان، إلا أن ترامب ناقض بنوداً عدة تندرج في إطار سياسات ريغان الاقتصادية، أبرزها العداء الذي أعلنه ضد التجارة الخارجية، والوعود برفع التعريفات الجمركية على الواردات بهدف إنهاء العجز التجاري الأميركي مع شركاء الولايات المتحدة الدوليين، خصوصاً الصين والمكسيك.

وتبدأ السياسة الاقتصادية لترامب من ما يعرف بـ «منحنى لافر»، نسبة إلى الاقتصادي الأميركي آرثر لافر، صاحب النظرية القائلة إن خفض الحكومة ضرائبها لا ينتقص بالضرورة من إجمالي وارداتها، بل إن خفض الضرائب يطلق العنان لرأس المال ويحفزّه، ما ينشّط الاقتصاد والنمو، ويوسّع قاعدة النشاطات الاقتصادية، فترتفع العائدات الضريبية للحكومة بسبب النمو، على رغم خفض الضريبة.

ويعتبر الجمهوريون أن هذه النظرية كانت سرّ النهضة الاقتصادية للبلاد في عهد ريغان، لكن ما لا يقولونه إن حكومة ريغان غطّت العجز الذي تكبدته بسبب خفض الضرائب بالاستدانة، فارتفع النمو في القطاعين الخاص والعام، لكن لفترة محدودة أجبرت ريغان على رفع الضرائب لاحقاً، وأدت إلى ركود أجبر خلفه جورج بوش الأب على رفع الضرائب أيضاً، وسط ركود أطاح بفرص إعادة انتخاب بوش لولاية ثانية عام 1992.

مع ترامب، وبسبب بلوغ نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي 100 في المئة، سيكون أصعب على حكومته خفض الضرائب واللجوء إلى مزيد من الاستدانة. وتعاني سياسة ترامب تناقضات تنسف «خطة لافر» الهادفة إلى حفز رأس المال، إذ شدد الرئيس المنتخب على ضرورة أن تعيد الشركات الأميركية مصانعها إلى داخل الولايات المتحدة وتشغيل عمّال أميركيين، كما في القرن الماضي، تحت طائلة فرض غرامات مالية ضخمة عليها وتعريفات جمركية مرتفعة على منتجاتها التي تصنعها خارج البلاد وتستوردها إلى السوق الأميركية. ولا يتناسق إجبار الشركات الأميركية على اختيار موقع مصانعها وهوية عمّالها، تحت طائلة تغريمها، مع ادعاءات ترامب أنه يسعى إلى خفض الضرائب لإطلاق العنان لرأس المال، إذ تبدو رؤيته خليطاً من اقتصاد قومي موجّه وسوق حرّة من دون ضرائب، وهو خليط متناقض ويشي برؤية اقتصادية متخبطة.

وهذا التخبط في رؤية ترامب ينبع من الانقسام في الرؤية الاقتصادية للحزب الجمهوري، فممولو الحزب يسعون إلى السماح بوفود العمال المهاجرين إلى البلاد لأن انخفاض الأجور يعزز أرباح شركاتهم. أما الجمهوريون من العمال، فلا تناسبهم اليد العاملة الرخيصة، ولذلك يسعون إلى إغلاق الحدود بهدف رفع أجور العمّل. وينقسم الجمهوريون بين العامة المستهلكين، الذين يطالبون ببضاعة مستوردة رخيصة في الأسواق وبعودة المعامل الأميركية إلى الولايات المتحدة لمنحهم وظائف ذات أجور مرتفعة، تحت طائلة رفع التعريفات الجمركية على الواردات.

والخياران اللذان يقدمهما عامة الجمهوريين وترامب للشركات يؤديان إلى رفع أسعار البضائع بالنسبة إلى المستهلك. إذاً، التناقض هو في رغبات قاعدة الحزب الجمهوري، وتضارب بين مصالح أثرياء الحزب والعمّال ذات الدخل المحدود. وهذا التناقض أدى إلى تقسيم الأحزاب الأوروبية على أسس التباين في رؤيتها الاقتصادية، ما يُرمز إليه سياسياً باليمين واليسار. لكن ترامب، مثل باقي زعماء العالم الشعبويين، جمع متناقضات كثيرة من اليمين واليسار وقدمها كلها كوعود انتخابية لكتلة متناقضة داخل الحزب الجمهوري، ما سمح له بتوسيع وعوده وقاعدته الانتخابية ووصوله إلى الرئاسة.

لكن الحُكم يختلف عن الفوز بالانتخابات، والآن سيجد ترامب وفريقه أنفسهم مجبرين على تبني خيارات اقتصادية محددة، وأي خيارات يتبنونها ويجعلون منها سياستهم، ستؤدي إلى تحييد وإغضاب فريق معّين، وبذلك تبدأ شعبية ترامب بالانخفاض، فينفض عنه بعض المؤيدين ويعتبرون أن مرشحهم خيّب آمالهم.

ولإنصاف ترامب، فان التناقضات في تلبية كتلة متضاربة من المصالح أصابت الرئيس الديموقراطي باراك أوباما، الذي وجد نفسه في مواجهة مع قاعدة الديموقراطيين الشعبية بسبب تأييده «اتفاق الشراكة عبر الأطلسي»، الذي يُجمع خبراء أنها لمصلحة الاقتصاد الأميركي، وحاز بذلك على تأييد غالبية الكونغرس من الحزبين. لكن جزءاً كبيراً من القاعدة الانتخابية للحزبين هي من العمّال الذين يريدون إقفال الحدود لحماية أجورهم، فتراجع الكونغرس وتراجع مرشحو الحزبين الجمهوري والديموقراطي عن تبني الاتفاق، ووعدوا بتعديلها، ما يشبه وعد ترامب بتعديل اتفاق «نافتا» للتجارة الحرة التي تجمع الولايات المتحدة مع كندا والمكسيك.

قلق داخلي وخارجي من «أفكار» ترامب المبعثرة

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

تتباين الأسباب التي تدفع الاميركيين الى القلق من انتخاب الجمهوري دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، وتلك التي تدفع بقية العالم للقلق.

الأميركيون يخشون إلغاء ترامب اجزاء من قانون الرعاية الصحية يحظر على شركات التأمين رفض المرضى ممن يعانون ازمات صحية سابقة. كما يخشون ان يسمح لاجهزة الاستخبارات التجسس على المواطنين، خصوصا من غير البيض، وتفتيشهم وتفتيش منازلهم من دون مبرر او إذن قضائي.

اما العالم، فيقلق لأن ترامب كمية مجهولة في السياسة الخارجية اكثر منه في الداخلية. في المرات التي قدم فيها ترامب رؤيته حول الشؤون الدولية، جاءت أفكاره مبعثرة، وبدا انه لا يعرف الفارق بين حلب السورية او الموصل العراقية. كما اقترح ترامب افكارا مبهمة وغير قابلة للتطبيق، من قبيل قوله ان الحل للقضاء على تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) يقضي بـ «أخذ النفط» العراقي. لكن سحب المخزون العراقي النفطي دفعة واحدة أمر مستحيل، الا اذا كان ترامب يعتقد بوجوب سيطرة اميركية على منابع النفط العراقية تحرم وصول داعش اليه. لكن السيطرة الاميركية تحتاج الى قوات ارضية في العراق متمركزة في قواعد ثابتة، وهو ما يجعلها اهدافا سهلة للارهابيين، فضلا عن ان غالبية ساحقة من مؤيدي ترامب تعارض استخدام قوات أميركية ارضية في اي مكان حول العالم.

ربما يريد ترامب تسليم ملف «داعش» في العراق الى الايرانيين، على غرار اعتقاده ان ابقاء الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم وتسليم ملف الأزمة السورية الى روسيا وايران أمر جيد. لكن ترامب وعد بـ «تمزيق» الاتفاقية النووية مع الايرانيين، وهذا ممكن، خصوصا مع سيطرة الجمهوريين على الكونغرس بغرفتيه. إذن، كيف يمكن لترامب التعاون مع الايرانيين في العراق وسورية، وفي الوقت نفسه التصعيد معهم نوويا؟

سياسة ترامب الخارجية كمية من التناقضات. يقول الجمهوريون انه سيعهد بها الى ابرع المستشارين اثناء قيامه بتشكيل فريقه للحكم في الايام السبعين المقبلة. لكن بالحكم على التجربة الماضية، ناقض ترامب اقرب مقربيه، بمن فيهم نائبه مايك بنس، عندما قال الأخير ان سياستهما في سورية سترتكز على استعراض قوة في وجه الروس، لأنها اللغة الوحيدة التي تفهمها موسكو، ليطل ترامب بعد ذلك ويقول انه يختلف وبنس، وأنهما لم يتناقشا في الأمر.

وما يزيد من التضارب في ملامح سياسة ترامب الخارجية، في الموضوع السوري مثلا، ان مستشاريه لشؤون الشرق الاوسط، هم من الاقليات الذين يدعون منذ عقود الى اقامة «تحالف اقليات» شرق أوسطي، فيه المسيحيون واليهود والشيعة والعلويون، ضد الغالبية السنية. هؤلاء المستشارون هم من رعوا «مؤتمر مسيحيي المشرق» في واشنطن، وهم من حاولوا، وان بفشل، تمهيد اعادة انفتاح الرئيس باراك أوباما على الأسد، علما ان فريق أوباما المخصص لسورية كان من انصار الاستناد الى الأسد «للقضاء على الارهابيين».

تجاه دول الخليج، الجمهوريون عادة يدعون لصلات اميركية افضل مع هذه الدول، التي يرى فيها الجمهوريون مصادر عقود مالية تغنيهم.

لكن خطاب ترامب الانتخابي حمل كراهية كبيرة لكل الدول العربية والإسلامية، بما فيها الخليج، وحمّل حكوماتها مسؤولية تمويل التنظيمات المتطرفة مثل «القاعدة» و«داعش».

كذلك ستعاني العلاقة الخليجية - الاميركية من امكانية رعاية ادارة ترامب للقضايا التي سيرفعها اميركيون امام المحاكم للمطالبة بتعويضات بموجب قانون جاستا. ومن يعرف واشنطن يعلم ان ترامب سيلجأ الى قوانين شعبوية من هذا النوع، خصوصا ان تَعَثَّرَ أداؤه في الشؤون الاهم شأنا، خصوصا الداخلية.

تجاه اسرائيل، ستكون علاقة ترامب معقدة. صحيح ان الخطاب الاميركي الرسمي، خصوصا الجمهوري، يكرر لازمة التحالف الأبدي مع الاسرائيليين، الا ان حملة ترامب شهدت عداء لليهود مشابها للعنصرية ضد غير البيض عموما، وكانت مألوفة بين انصاره نظريات المؤامرة حول سيطرة اليهود المزعومة على المال والاعلام في أميركا وحول العالم. لكن اعلان ترامب نيته تمزيق الاتفاقية النووية مع ايران تشي بأنه قد يحصر تحالفه مع الاسرائيليين بمواجهة ايران، من دون الالتفات ابدا الى مواضيع الصراع العربي - الاسرائيلي او معاناة الفلسطينيين.

في العلاقة مع قوى العالم الاخرى، من المرجح ان يحاول ترامب ان ينسج علاقات مع الاوروبيين اليمينيين، من امثال الحكومة البريطانية الحالية، وربما يشجع انتخابه المزيد من الصعود ليمينيي فرنسا بزعامة لوبين، وستتعثر في الغالب علاقته مع الألمان، الذين كانوا ينتظرون وصول الديموقراطية هيلاري كلينتون لوضع حد للأزمة السورية وانهاء ازمة تدفق اللاجئين السوريين تجاه اوروبا.

وستكون أنظار العالم شاخصة نحو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعلاقة ترامب معه. لكن الأمر لن يكون ورديا، فالشخصيتان تتشابهان في اعتناقهما القوة سبيلا للعلاقات، وسيحاول كل منهما السيطرة على نظيره، وهو ما قد يؤدي الى سباق واصطدام، لكنه اصطدام سيتطلب حكمة قد لا يتمتع بها الرئيس الاميركي المنتخب.

الافكار الشحيحة التي قدمها ترامب حول الشؤون الدولية تولد صورة غير مكتملة، وهو كان وعد بتعيين رئيس الكونغرس السابق نيوت غينغريتش وزيرا للخارجية. والاخير لا يتمتع برصيد في الموضوع، باستثناء علاقته المتينة مع اقصى اليمين الاميركي من صقور عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن. اما كيف يمكن توليف سياسات اليمينيين الصقور مع سياسة ترامب القاضية بالانسحاب من شؤون العالم وعدم استخدام القوة العسكرية، بل اجبار الحلفاء على القيام بالمهمات العسكرية، فتناقض سيحتاج المزيد من الوقت ليتضح كيف يمكن تذليله.

انتخاب ترامب... ثورة الأغنياء على الفقراء

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

اندلعت وفي شكل عفوي تظاهرات في كبرى المدن الاميركية، مثل نيويورك وشيكاغو وسياتل، تظاهرات بالآلاف ضد انتخاب الجمهوري دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة. وفي مدينة نيويورك، امام مقر الرئيس المنتخب والمقيم في البرج الذي يحمل اسمه، وقف المتظاهرون ساعات، وهتفوا عبارات نابية بحقه.

وجاءت التظاهرات تزامنا مع حملة اطلقها ناشطون اميركيون معارضون لرئاسة ترامب عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحت عنوان «ترامب ليس رئيسي». وهذه من المرات النادرة التي تنبري فيها حشود شعبية للاعتراض على اي من الرؤساء الاميركيين المنتخبين من اي من الحزبين. ومن غير الواضح ان كانت الحملة الاعتراضية ستتطور وتتوسع، ام انها فورة وستنحسر.

وبينما استقبل الرئيس باراك اوباما مساء امس، ترامب في البيت الابيض بصفته الرئيس الجديد حيث أجريا محادثات في شأن انتقال السلطة، وفي حين اجتمعت الاميركية الاولى ميشيل اوباما في مقر اقامتها في البيت الابيض بميلانيا ترامب، انكب الخبراء الاميركيون على دراسة نتائج الانتخابات الاميركية لفهم كيفية تصويت المجموعات العرقية والعمرية والاجتماعية المختلفة. وفي وقت يجمع المتابعون ان المفاجأة التي فجرها الرئيس، في وجه منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون، كانت بمثابة «ثورة المهمشين» ضد الطبقة السياسة الحاكمة، التي تمثلها كلينتون، الا ان الاتجاه الحقيقي - حسب نتائج صناديق الاقتراع - يظهر ان الانتفاضة الانتخابية التي تزعمها ترامب هي في الواقع «ثورة الاغنياء على الفقراء».

وتظهر الارقام ان 35 في المئة من الناخبين بلغ معدل دخلهم السنوي اقل من خمسين الف دولار، وان 53 في المئة ممن يتقاضون اقل من 30 الف دولار سنويا، وهم الفئة الاكثر فقرا في الولايات المتحدة، اقترعوا لمصلحة الديموقراطيين وكلينتون، فيما اقترع 41 في المئة من هؤلاء لترامب والجمهوريين. كذلك منح 51 في المئة ممن يتراوح دخلهم السنوي بين 30 و55 الفا سنويا لمصلحة كلينتون، و42 في المئة منهم فقط أيدوا ترامب.

اما الفئة الاميركية الميسورة، اي، ثلثا الناخبين الاميركيين، فهم رجحوا كفة الانتخابات لمصلحة ترامب والجمهوريين. وجاء في البيانات الانتخابية ان نصف من يترواح دخلهم بين 50 و100 الف دولار سنويا صوتوا لترامب، فيما اقترع 46 في المئة من هؤلاء لكلينتون. اما في فئة 100 الى 200 الف دولار، وهم يشكلون النخبة الاميركية وربع اجمالي الناخبين، فاقترع 48 في المئة منهم لترامب، و47 في المئة لكلينتون.

وتفوق ترامب بنقطة مئوية، 49 مقابل 48 في المئة، لدى الفئة التي تتقاضى 200 الى 250 الف سنويا، وهؤلاء شكلوا 4 في المئة من الناخبين. اما من يجنون اكثر من ربع مليون دولار سنويا، فشكلوا 6 في المئة من اجمالي الناخبين، واقترعت غالبيتهم لترامب بواقع 48 في المئة مقابل 46 في المئة لكلينتون.

هذه الارقام تظهر بوضوح ان غالبية فقراء أميركا اقترعوا لكلينتون والحزب الديموقراطي، فيما اقترعت غالبية الاغنياء لترامب وحزبه الجمهوري، وهو ما قد يفسّر تمسك الرئيس باراك أوباما وحزبه الديموقراطي بقانون الرعاية الصحية، واصرار الجمهوريين على نسفه، اذ يعتقد الجمهوريون ان اموال ضرائبهم تمول علاج الاقل دخلا، وهم يرفضون ذلك، ويصرون على «حرية الاستشفاء» عن طريق الشركات الخاصة.

وكان زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ السناتور ميتش ماكونيل افتتح مؤتمره الصحافي، اول من امس، بالقول ان المشروع الاول على جدول اعمال الكونغرس المقبل هو نسف قانون الرعاية الصحية الذي أقرّه أوباما. ومع سيطرة الحزب الجمهوري على الكونغرس بغرفتيه وعلى البيت الابيض، اصبح من الممكن نسف القانون، على الرغم من ان خطوة من هذه النوع ستنزع الضمان الصحي عن حوالي 25 مليون أميركي.

في هذه الاثناء، اظهرت بيانات الاقتراع ان الناخبين الذين تراوحت اعمارهم بين 18 و25 عاما صوتوا بغالبية ساحقة لمصلحة الديموقراطيين وكلينتون، وانه لو قيض لهؤلاء تحديد نتائج الانتخابات حسب اصواتهم وحدهم، لنالت كلينتون 504 اصوات في «الكلية الانتخابية» مقابل 23 صوتا لترامب فقط. كذلك، اظهرت البيانات نفسها ان غالبية من تترواح اعمارهم بين 19 و44 صوتوا للديموقراطيين ايضا، فيما اقترعت غالبية من تبلغ اعمارهم 54 عاما فما فوق لترامب والجمهوريين.

ومن شأن هذه البيانات ان تثير قلق قيادة الحزب الجمهوري مستقبلا. وكان الحزب الجمهوري، على اثر خسارة انتخابات الرئاسة في دورتي 2008 و2012، عمل على اعداد دراسات جاء فيها ضرورة تعديل الخطاب الحزبي لاستقطاب الشباب، بما في ذلك تعديل الموقف الحزبي المعادي لأمور مثل الاستخدام الفردي لحشيشة الكيف الماريوانا وانهاء معاداة حقوق المثليين الجنسيين. لكن فورة ترامب، وتحفيزه البيض على اسس عرقية ودينية ضد الآخرين، انتج موجة انتخابية سمحت له وللحزب الجمهوري بالفوز بالرئاسة والكونغرس حتى من دون الاستعانة بالناخبين ممن هم دون الـ 25 من العمر.

واستخلص مراقبو الانتخابات الاميركية ان انتصارات الجمهوريين في الرئاسة في الاعوام 2000 و2004 و2016، هي انتصارات غير كاسحة، مقارنة بالاكتساحات الجمهورية في دورات 1992 و1996 و2008 و2012، اي انه عندما يفوز الجمهوريون بالرئاسة، ففوزهم بالكاد يتخطى حاجز الاصوات المطلوبة، فيما انتصارات الديموقراطيين في الرئاسة غالبا ما كانت على شكل تفوق كاسح.

كما استخلص الخبراء انه على الرغم من الخسارة المدوية للديموقراطيين، فان استعادتهم مقعدين في مجلس الشيوخ، وعشرة مقاعد في مجلس النواب، يشي بأن قاعدتهم لم تكن خائرة القوى بشكل مطلق. على ان الخبراء يجمعون ان الديموقراطيين فوتوا فرصة استعادة مجلس الشيوخ، بما ان النواب عصي على الديموقراطيين بسبب التلاعب بخرائط المقاطعات الانتخابية الذي اقره الجمهوريون بعد الاستفتاء السكاني في العام 2010، وان الفرصة المقبلة للديموقراطيين ستكون في العام 2020، بدلا من الانتخابات النصفية في 2018.

ولأن البيض الاميركيين وقواعد الحزب الجمهوريين اكثر تحفزا للاقتراع، فغالبا ما يتفوقون على الديموقراطيين في الانتخابات النصفية. وللمقارنة، بلغت نسبة الانتخاب في العام 2012 اكثر من 53 في المئة من اجمالي الناخبين الاميركيين، وانخفضت هذه النسبة الى 36.4 في المئة فقط في الانتخابات النصفية في العام 2014، والتي تفوق فيها الجمهوريون واستعادوا الغالبية في مجلس الشيوخ.