الخميس، 28 سبتمبر 2017

واشنطن تتجه نحو «الخطة باء» في مواجهة طهران

| واشنطن - من حسين عبد الحسين |

أربكت تصريحات رئيس الأركان الأميركي جوزيف دانفورد، عن التزام إيران بالاتفاقية النووية المبرمة بينها وبين الدول الكبرى، إدارة الرئيس دونالد ترامب، الذي يبدو أن فريقه يعكف على تبني سياسة جديدة ترفع من الضغط في وجه الإيرانيين، بعيداً عن «النووي» وشؤونه.

وقال دانفورد، أثناء مثوله الثلاثاء الماضي في جلسة استماع أمام لجنة «شؤون القوات المسلحة» في مجلس الشيوخ شهدت المصادقة على التجديد له في منصبه، ان التقارير التي تصله تشير إلى أن إيران ملتزمة ببنود الاتفاقية النووية، معتبراً أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية يُضعف من مصداقيتها، ويدفع دولاً مثل كوريا الشمالية إلى تفادي الدخول في اتفاقيات مشابهة إذا ما رأت أن أميركا لا تحترم هذا النوع من الاتفاقيات.

كما اعتبر دانفورد أن انسحاب الولايات المتحدة أحادياً من الاتفاقية سيثير حلفاء أميركا ضدها، وأن إعادة فرض العقوبات الاميركية على قطاع النفط الإيراني بشكل أحادي لن تؤتي ثمارها ما لم تلتزم دول العالم بتطبيق العقوبات الأميركية الجديدة، وهو أمر مستبعد.

ويأتي موقف دانفورد في وقت تنخرط الإدارة في نقاش حامي الوطيس في شأن تقريرها المقبل إلى الكونغرس منتصف الشهر المقبل، الذي تفيد فيه الادارة المشرعين إن كانت إيران ملتزمة بالاتفاقية أم لا.

ويسعى ديبلوماسيو وزارة الخارجية، وعلى رأسهم الوزير ريكس تيلرسون، إلى تقديم إفادة تؤكد أن إيران متجاوبة، وهو ما يعني ضرورة تمديد الإعفاءات المرتبطة بالعقوبات الأميركية، فيما يسعى العاملون في مجلس الأمن القومي التابع للبيت الابيض، وغالبيتهم من المعينين سياسياً، إلى رفع تقرير للكونغرس يشير إلى أنه «رغم التزام إيران بنص الاتفاقية، إلا أنها لا تلتزم بروحيتها». ويبرر البيت الابيض «عدم التزام إيران بروح الاتفاقية» بالاشارة إلى قيام طهران بتجارب على الصواريخ البالستية، وهو ما يعتقد معارضو تمديد الإعفاءات بأنه يقوّض الاتفاقية.

على أن المتابعين في العاصمة الاميركية يرصدون إشارات مُفادها أن المطالبين بالانسحاب من الاتفاقية النووية بدأوا بالتخلي عن مطالباتهم، وباشروا على ما يبدو بتطبيق «الخطة باء»، وهي خطة تقضي بتفادي الحديث عن الاتفاقية، وحشد التأييد السياسي الأميركي والعالمي ضد نشاطات إيران الأخرى المسماة «نشاطات مزعزعة لاستقرار المنطقة»، مثل التجارب الصاروخية، وتمويل ودعم ميليشيات في العراق وسورية ولبنان واليمن، وهي الميليشيات التي تُقوّض سيادات الحكومات المحلية وتتسبب بزعزعة استقرار المنطقة عموماً، حسب معارضي الاتفاقية.

أولى بوادر الاستراتيجية الجديدة للمطالبين بزيادة الضغط على ايران جاءت في دراسة أصدرتها «جمعية الدفاع عن الديموقراطيات»، وهي من مراكز الأبحاث اليمينية المحسوبة في عداد «أصدقاء إسرائيل». وجاء في الدراسة انه منذ التوصل للاتفاقية النووية مع إيران وإفراج العالم عن أرصدتها المجمّدة، رفعت طهران من كمية الأموال المخصصة لـ «حزب الله» اللبناني إلى 800 مليون دولار سنوياً. واضافت الدراسة ان ميزانية الحزب مرهقة بسبب انخراطه في الحرب السورية.

واتهمت الدراسة الحزب اللبناني بابتزاز المغتربين الشيعة اللبنانيين، وتهريب المخدرات، وتبييض الأموال. كما اتهمت نائب رئيس فنزويلا طارق العيسمي، وهو من أصل لبناني، بفتح حسابات مصرفية له في ولاية فلوريدا الأميركية، يقوم من خلالها بتبييض الأموال لمصلحة الحزب.

وأكد بعض معارضي الاتفاقية مع إيران أن حلفاء الولايات المتحدة أعربوا عن استعدادهم للتصدي للنشاطات الإيرانية الصاروخية وتلك الداعمة لميليشيات في المنطقة، وأنه يمكن العمل مع هؤلاء الحلفاء، مثل رئيس فرنسا ايمانويل ماكرون، على مواجهة طهران في الشؤون غير النووية، فيما الانسحاب الأميركي الأحادي من الاتفاقية النووية يُبعد حلفاء مثل ماكرون، ويجعل من التعاون معهم ضد طهران أمراً صعباً ومعقداً.

في المقابل، أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في تصريحات نقلتها قناة «الجزيرة»، مساء أمس، أن بلاده ستنسحب من الاتفاق النووي إذا قررت الولايات المتحدة الانسحاب منه، معتبراً أن «واشنطن ستكون في موقف أفضل إن التزمت بالاتفاق».

الأزمات تُحاصر ترامب وتظهره كـ «إمبراطور بلا ثياب»

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

عاش الرئيس دونالد ترامب أسبوعاً عصيباً، تصدرته خسارة مرشحه في الانتخابات الحزبية الفرعية في ولاية ألاباما الجنوبية السيناتور الجمهوري لوثر ستراينج، أمام مرشح اليمين المتطرف روي مور، المدعوم من مستشار ترامب السابق ستيف بانون ومساعده سباستيان غوركا.

ترامب، الذي لا يتحمل الخسارة أبداً، زار ألاباما قبل الانتخابات في محاولة لحشد التأييد لمرشحه، لكنه أثناء خطاب أدلى به بحضور ستراينج، قال انه ربما ارتكب غلطة بدعمه السيناتور الحالي.

ومع صدور النتائج التي أظهرت فوزاً ساحقاً لمور بواقع 56 في المئة، مقابل 43 في المئة فقط حازها ستراينج، ثارت ثائرة ترامب أمام مساعديه في البيت الابيض، وراح يصرخ ويشتمهم، وأقسم أنه سيطيح بزعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونل، الذي كان هو من بادر إلى دعم ستراينج، فتبعه ترامب.

ومع الخسارة، بدا ترامب كالامبراطور بلا ثياب، إذ إن حشده التأييد لمرشحه لم يثمر حتى داخل حزبه، فيما وجّه ستيف بانون صفعة لترامب، ووجه إليه رسالة مفادها أن لا شعبية ولا نفوذ لترامب من دون اليمين المتطرف، ومن دون بانون نفسه.

أما ماكونل، فهو يغرق في أزمة عميقة، إذ لم ينجح حتى الآن، أي بعد مرور تسعة اشهر على الانتخابات وسيطرة الجمهوريين على غالبية مجلس الشيوخ، في تمرير تشريع واحد. وتجلّت آخر خسارات ماكونل في فشل الغالبية الجمهورية في حيازة غالبية لإلغاء قانون الرعاية الصحية المعروف بـ «أوباما كير»، داخل مجلس الشيوخ، وذلك للمرة الثالثة في شهرين.

ترامب وجد كعادته كبش فداء لفشله الانتخابي، هذه المرة في ماكونل، فبدأ البيت الابيض يتصل بأعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين لإقناعهم بضرورة استبدال زعيم الغالبية الحالي بسيناتور آخر، علماً ان زوجة ماكونل، ايلين تشاو، تشغل منصب وزيرة المواصلات في حكومة ترامب، وهو ما يعني أن توتر العلاقة بين الرئيس وزعيم الغالبية في مجلس الشيوخ قد ينعكس توتراً داخل الحكومة الاميركية.

على أن أولى هزائم ترامب الانتخابية لم تكن خاتمة مصائبه، إذ ترددت أنباء مفادها أن وزير الصحة توم برايس قام باستئجار طائرة خاصة من الأموال العامة، للقيام برحلاته داخل البلاد، بما في ذلك رحلة للقاء ولده على موعد غداء، وأخرى للمشاركة مع اصدقائه في لعبة الغولف.

ولا تقدم الولايات المتحدة لوزرائها طائرات خاصة، باستثناء وزيري الدفاع والخارجية. وتزامنت الأنباء عن سوء استخدام برايس لأموال دافعي الضرائب مع أنباء أفادت ان وزير المالية ستيف منوشن طار وزوجته على متن طائرة عسكرية ليتفقد مخزون الاحتياطي من الذهب الاميركي في ولاية كنساس الجنوبية، ليتبين في ما بعد ان رحلة وزير المالية تزامنت مع كسوف الشمس، الذي طار مئات آلاف الاميركيين لمشاهدته كاملاً في الولاية نفسها.

وفي ظل الفساد الشائع في إدارة ترامب، سأل الصحافيون الرئيس الاميركي إن كان سيطرد وزير الصحة بسبب تبذيره الاموال الحكومية واستخدامها لغايات شخصية، فأجاب ترامب: «سنرى».

على صعيد متصل، يمضي المحقق الخاص روبرت مولر، الذي يحقق في إمكانية تورط ترامب مع مسؤولين روس ومساعدته لهم في التدخل بالانتخابات الاميركية الماضية، في تشديد الخناق على ترامب والعاملين في البيت الابيض. وكانت آخر التقارير الاعلامية اشارت الى تباين في أقوال ترامب حول معرفته باللقاء الذي عقده نجله دونالد الابن، وصهره جاريد كوشنر، ومدير حملته السابق بول مانوفورت، مع مجموعة من المسؤولين الروس المقربين من الكرملين.

وكان ترامب أكد انه لم يسمع باللقاء إلا من الإعلام الأميركي، أي بعد أكثر من عام على حصوله، إلا أن خطابات ترامب أثناء حملته الانتخابية أظهرت أنه، بعد يوم من اللقاء الاميركي - الروسي، وعد ترامب الاميركيين بتقديم فضائح عن منافسته المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، وهو ما كان الروس وعدوا به فريق ترامب أثناء الاجتماع.

أمام هزيمته الانتخابية الاولى، ووسط غرق وزارئه في الفساد، وفي ظل الانقسامات داخل حزبه وحكومته، ومع تشديد الطوق في التحقيقات حول عنق بعض العاملين في البيت الابيض، اظهرت احدث استطلاعات الرأي ان 60 في المئة من الاميركيين لا يرون ترامب صادقاً، وان نسبة مماثلة ترغب في رؤيته يتوقف عن التغريد عبر موقع «تويتر»، وان غالبية الاميركيين تشعر بالاحراج أن ترامب هو رئيسها.

وحسب استطلاع أجراه معهد «كوينيبياك»، قال 56 في المئة ممن شملهم ان ترامب «ليس أهلاً» للرئاسة مقابل 42 في المئة اعتبروا أنه أهل لها. وانقسمت هاتان الفئتان بشدة حسب الانتماء السياسي للمستطلعين وجنسهم ولون بشرتهم.

لا حرية بلا تمثال العذراء في البصرة

حسين عبدالحسين

أزالت السلطات المحلية في مدينة البصرة الجنوبية في العراق تمثالا للسيدة العذراء، كان عمل على صناعته نحّات مسلم، برعاية عراقي من المسيحيين الأرمن، كان قد استحصل بدوره على كل الموافقات الحكومية المطلوبة لنصب التمثال في ساحة عامة. وعللت السلطات العراقية إزالة التمثال بالإشارة إلى طلب الإزالة من مطرانية البصرة، التي بررّت بدورها طلبها بالقول إنها تخشى قيام أحدهم بالاعتداء على التمثال، فيشعل ذلك فتنة بين مسيحيي البصرة ومسلميها.

كاتب هذه السطور من المؤمنين بوجوب خلو الساحات العامة من التماثيل واللوحات والكتابات الدينية. حتى العلم العراقي، من غير المقبول أن يحمل عبارة "الله أكبر". فمن العراقيين من لا يؤمنون بهذه العبارة، ولا يجوز ربط عراقيتهم بمعتقدات دينية لا يؤمنون بها. حتى بين المسلمين أنفسهم، هناك تضارب يحتم إبقاء الدولة والحيّز العام خارجه. مثلا، هل تحتفل الدولة في رأس السنة الهجرية، على غرار ما يفعل المسلمون السنة؟ أم تعلن الحداد لبدء أول يوم من أيام عاشوراء، حسب تقاليد المسلمين الشيعة؟

لكن العراق لا يتبنى العلمنة في الأماكن العامة. في البصرة نفسها تمثالان للمسلمين الشيعة، الأول يمثّل "يدي العبّاس" والثاني "فرس الحسين"، وهو ما يقودنا إلى السؤال: لماذا لا يخشى الشيعة على تماثيلهم من الفتنة، فيما على المسيحيين وحدهم الاختباء في الأماكن المغلقة والخوف من التعبير عن معتقداتهم؟

أما الإجابة، فهي في الغالب قبلية مرتبطة بالأعداد السكانية، وبموازين القوة، وبتقاعس دولة العراق عن ضمان العدالة وحرية المعتقد لجميع المواطنين، بغض النظر عن المذهب أو الدين. والأغلب أن شيعة البصرة أنفسهم لا يستسيغون نصب تمثال يعتبرونه من رموز مجموعة دينية تعود لغيرهم، على الرغم من أن السيدة وعذريتها مذكورة في القرآن، حيث خصّها كتاب المسلمين بسورة تحمل اسمها.

يوم أعلن الرئيس السابق جورج بوش الحرب في العراق، أطلق عليها اسم "عملية حرية العراق". لم تطلق واشنطن تسمية "العثور على أسلحة الدمار الشامل"، على الرغم من أن انتزاع الأسلحة كان أحد الأسباب المعلنة للحرب. على أنه منذ اندلاع هذه الحرب، أي منذ العام 2003، وأعداد غير المسلمين العراقيين في تناقص متسارع.

حتى قبل أن يستولي إرهابيو داعش على الموصل ويخضعون الأقليات، الأيزيدية والمسيحية والتركمانية وغيرها، إلى معاملة دموية واستعباد، كانت مناطق العراق الخالية من داعش، مثل بغداد والبصرة، تفرغ من غير المسلمين.

قبل أسابيع، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية نيتها إعادة أرشيف يهود العراق إلى بغداد، بعدما كانت القوات الأميركية عثرت عليه في أقبية الاستخبارات العراقية في العام 2003، ونقلته إلى الولايات المتحدة، حيث تم العمل على صيانته ونسخه إلكترونيا.

ويعارض عدد كبير من يهود العالم، خصوصا من أصحاب الماضي العراقي، إعادة الأرشيف إلى دولة لا يمكن لليهود العيش فيها، ولا ممارسة طقوسهم ومعتقداتهم، ولا التمتع بحقوق مواطنية تساويهم مع العراقيين المسلمين. على الرغم من ذلك، أصرّت بغداد، ووافقت واشنطن، على إعادة الأرشيف الذي يتضمن نسخة من التوراة تعود إلى القرن السادس عشر، في خطوة تمزج السخرية بالسريالية.

للحرية أثمان، وحرية العراق، دفع ثمنها عراقيون وأميركيون بدمائهم، وأطاحوا بنظام الرئيس الراحل صدام حسين، بعدما بطش الأخير بالعراقيين، من كل المذاهب والأديان. لكن أن يستبدل العراقيون حكم البعث بحكم الولي الفقيه لا يشبه الحرية الموعودة، وحكام العراق يعلمون، أكثر من غيرهم، معنى الاضطهاد والبطش السياسي أثناء هروبهم من حكم صدام.

ليت العراق وحكامه ومحكوميه يدركون ثمن الحرية، ومعناها، وقيمتها، وأهميتها، خصوصا لدى الأقل عددا والأضعف نفوذا.

الأربعاء، 27 سبتمبر 2017

السلام مع إسرائيل.. أو السجن

حسين عبدالحسين

على إثر إثبات أميركا للسعوديين أن واشنطن ستخلّصهم من الخطر الايراني، "يمكن الطلب الى السعوديين اعلان ارسالهم وفدا الى اسرائيل لمناقشة التهديدات (الايرانية) المشتركة التي يواجهانها في المنطقة، والضمانات الامنية لاسرائيل تحت عنوان مبادرة السلام العربية… في المقابل تعلن اسرائيل انه بسبب التزامها بدولتين لشعبين، لن تبني خارج الكتل الاستيطانية، وستتخلى عن السيادة شرق السور الأمني، او ما يشكل ٩٢ في المئة من الضفة الغربية". هذا تصور "شيخ" مبعوثي السلام السابق دينيس روس، كما قدمه في مقالة في "نيويورك دايلي نيوز".

يمكن إذ ذاك للسعوديين تقديم انجازهم هذا للفلسطينيين، والانضمام للولايات المتحدة في الضغط على الفلسطينيين لوقف سعيهم لتقويض شرعية اسرائيل في المحافل الدولية، ووقف السلطة الفلسطينية رواتب عوائل "من ينخرطون في عنف ضد الاسرائيلين"، ويعترف الفلسطينيون بقوميتين: يهودية وفلسطينية. هذه هي "الاتفاقية العليا" التي يعد بها الرئيس دونالد ترامب، حسب روس.

كلام جميل ومنمق صادر عن واحد من اعتق ديبلوماسيي الولايات المتحدة. ولكن، فلنفترض ان ترامب والخليج نجحا في التوصل الى هذه "الاتفاقية العليا"، ماذا ستكون الحصيلة؟

يجني الاسرائيليون التخلص من ايران، والسلام مع السعودية، اكبر دول العرب اقتصاديا وعضو "مجموعة العشرين". كما يجني الاسرائيليون ثمانية في المئة من الضفة الغربية، فضلا عن القدس كاملة، ويحصلون على مصادقة الفلسطينيين على يهودية اسرائيل.

الفلسطينيون، بدورهم، يخسرون ثمانية في المئة من الضفة الغربية، والقدس، ويتوقفون عن مطالبة العالم بالاعتراف بدولتهم تحت ضغوط اميركية وسعودية، ويتعرضون لضغوط سعودية اضافية ليفرضوا عقوبات جماعية على عائلات فلسطينية بأسرها بسبب تصرفات افراد من هذه العائلات. ثم يعترف الفلسطينيون بيهودية دولة جارة لهم، وهو طلب غريب، اذ كيف يمكن لشعب ان يعلن يهودية او مسيحية او علمانية دولة اخرى؟ فاذا اراد الاسرائيليون اعلان يهودية دولتهم، فليفعلوا هم ذلك. اما علاقة الدولة الفلسطينية المستقلة، لو قامت، باسرائيل، فتكون ندية، ولا تتدخل بيهودية ام عدم يهودية اسرائيل.

لم يظن اي من العرب يوما ان اسرائيل ستوافق على قيام دولة فلسطينية. في ذروة السلام والمفاوضات، اعتقد البعض ان الفلسطينيين قد يحصلون على دولة منزوعة السلاح، او حكم ذاتي من نوع او من آخر.

على ان ما يقدمه السيد روس لا يرقى حتى الى حكم ذاتي، بل مجرد تجميد اسرائيل الاستيطان، مقابل استمرار "السلطة الفلسطينية" في لعب دور شرطي البلدية لدى الاسرائيليين، مع تخليها عن السعي لاي اعتراف دولي بدولة او سيادة، وتخليها عن حقوق فلسطينيين آخرين لا تمثلهم يعيشون في الشتات او داخل اسرائيل.

يوم حط الرئيس المصري الراحل انور السادات في القدس، قال للفلسطينيين ان سلام مصر مع اسرائيل سيؤدي الى صداقة مصرية - اسرائيلية تعيد للفسطينيين حقوقهم. وبدلا من ان تعيد اسرائيل حقوق الفلسطينيين، أعلنت ضم الجولان السوري في الوقت الذي كانت تنسحب تدريجيا من سيناء، فاضطر السادات لالتزام الصمت عن الجولان حتى لا يعرقل الانسحاب الاسرائيلي من ارضه.

الخطر الايراني على العرب ومصالحهم القومية مفهوم وواضح، ويعود الى العام 538 قبل الميلاد. لكن خطط السلام الخنفشارية التي تخلّص العرب من خطر ايران عليهم بمعاقبتها عربا آخرين والتفريط بحقوقهم ليست حلا.

حتى لا يعتقد الاسرائيليون اننا نتحدث عن "حقوق الفلسطينيين" ونعني بذلك القضاء على اسرائيل، نقول لهم ان هذه الحقوق تعني اعتراف اسرائيل بدولة فلسطينية بموجب قرار وحدود التقسيم، واعتراف عربي في المقابل باسرائيل والعيش بسلام معها. اذ ذاك يمكن للاسرائيليين اعلان يهودية دولتهم واستقبال يهود الشتات، ويمكن للفلسطينيين اعلان سيادتهم واستقبال فلسطينيي شتاتهم، فالسلام لا يكون بين دولة، من جهة، وبلدية مع وصيين عليها، من جهة اخرى. السلام يكون بين انداد.

قد يكون مبعوثا السلام الاميركيان جارد كوشنر وجايسون غرينبلات من حديثي العهد في السياسة الدولية وفي موضوع الصراع العربي الاسرائيلي، لكن السيد روس مخضرم، وسبق له أن التقى عرباً كثيرين، ويعرف اي سلام يعجب العرب، ويعرف اي سلام يتم تبليعهم اياه، تحت طائلة رمي كل من يغرد منهم ضد السلام في السجن.

الثلاثاء، 26 سبتمبر 2017

هل يحذو أكراد العراق حذو الأسكتلنديين ويتراجعون عن خطئهم؟

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

على الرغم من تأييد إسرائيل وأصدقائها في واشنطن استقلال كردستان العراق، التزمت الولايات المتحدة رسمياً سياستها المؤيدة لوحدة العراق والمعارضة لانفصال أكراده واستقلالهم.

ومع أن حكومة الولايات المتحدة لا تخصص مسؤولين متفرغين لشؤون الأكراد أو لحكومة إقليم كردستان، إلا أن واشنطن شهدت بعض النقاشات حول التطورات الكردية والموقف حيال إمكانية إعلان أربيل استقلالها عن بغداد.

في إحدى الجلسات التي انعقدت تحت قوانين «تشاتام هاوس»، قال أحد المسؤولين الاميركيين، إن للولايات المتحدة ثلاث مصالح استراتيجية مع أكراد العراق، هي انخراطهم في «الحرب ضد الإرهاب»، وخصوصاً قتالهم ضد تنظيم «داعش»، وتصديرهم نصف مليون برميل نفط يومياً للسوق العالمية، ومساهمتهم في تثبيت الأوضاع في العراق عموماً، خصوصاً الاوضاع السياسية.

مع اقتراب الحرب ضد «داعش» من نهايتها، ومع إجراء الأكراد الاستفتاء الاستقلالي، ومع تهديد أنقرة بوقف إمدادات النفط من أربيل عبر الأنبوب الذي يمر في أراضيها، ومع تلويح جيران كردستان (حكومة بغداد وإيران وتركيا) بإغلاق الحدود، ومع التوتر السياسي الذي يتسبب به استقلال الأكراد وإمكانية دفعه العراق إلى التفتت لدويلات قد يفوق عددها الخمسة، لا يعود للولايات المتحدة أي فوائد استراتيجية تجنيها من تحالفها مع الأكراد.

حتى لو قررت واشنطن، تحت تأثير «أصدقاء إسرائيل» في العاصمة الأميركية، دعم استقلال كردستان العراق، فستؤدي خطوة من هذا النوع إلى توتير علاقة اميركا بحليفتيها تركيا والعراق.

وقال بعض المشاركين في جلسة كردستان، إنه حتى لو أرادت واشنطن تبني استقلال الأكراد والدفع في اتجاهه، ذلك لن يحل مشكلة أن كردستان العراق دولة من دون منافذ بحرية، وهو ما يجعلها تحت رحمة جيرانها الاقليميين الاربعة: تركيا والعراق وإيران وسورية.

بإصرارها على استفتاء الاستقلال، أغضبت كردستان جيرانها الأربعة، ودفعتهم لاتخاذ إجراءات «عقابية» و«تأديبية» ضدها، وهو ما يعني أن تأييد أميركا لأي استقلال كردي سيعني لعب واشنطن دور الوسيط لدى حكومتي العراق أو تركيا، حتى توافق إحداهما على الاستقلال الكردي.

لكن أي وساطة من هذا النوع ستؤدي لتحمل الأميركيين تكلفة سياسية، وهو ما يعني دخولهم في عملية حسابية لتقييم إن كانت المواجهات السياسية مع حلفاء أميركا أو الضغط عليهم من أجل كردستان يعود بمنفعة مساوية على الولايات المتحدة ومصالحها.

«نصف مليون برميل نفط يومياً لا تدخل في إطار الحسابات الاستراتيجية للدول الكبرى»، قال أحد المشاركين، مضيفاً انه «حتى قتال (داعش)، تقوم بها جماعات كردية ليست منضوية تحت لواء أربيل وتحافظ واشنطن على علاقة مع هذه الجماعات بغض النظر عن استقلال كردستان العراق أو عدمه، بل إن العلاقة بين أكراد العراق وأكراد سورية من حلفاء أميركا هي علاقة متوترة ويشوبها التنافس».

وللمقارنة، قدم المشارك في الجلسة أرقام الصادرات النفطية للدول التي تتمتع بوزن جيو استرايتجي لدى واشنطن، وقال ان السعودية تنتج 9 ملايين برميل يومياً، وان انتاج العراق قارب 3 ملايين برميل، وهذه الارقام تجعل من رقم كردستان أقرب الى رقم سورية، التي كانت تصدر 200 ألف برميل يومياً قبل العام 2011، وهو ما يعني أن الأهمية النفطية لاقليم كردستان ليست كبيرة بالنسبة لغالبية عواصم القرار العالمي.

كذلك، لا تقع كردستان في موقع جغرافي وازن يتطلب سعي واشنطن لصداقتها، مثل موقع مصر الجغرافي مثلاً، حيث تدخل حرية الملاحة في قناة السويس وتحليق الطيران الحربي الأميركي في الاجواء المصرية من ضمن الاهمية الاستراتيجية لمصر بالنسبة لواشنطن.

هل أخطأ أكراد العراق بإعلان سعيهم لاستقلال سيؤدي إلى تناقص أهميتهم الاستراتيجية بدلاً من زيادتها؟ أجمع غالبية الحاضرين أن أربيل قد تكون أساءت تقدير نفوذها وأهميتها الاستراتيجية، وهو ما قد يدفعها للتراجع عن خطوتها، خصوصاً في حال اشتدت العزلة التي سيفرضها جيرانها عليها.

قال أحد الحاضرين انه «يمكن للأكراد الاحتفال بتصويت غالبيتهم على الاستقلال، لكن يمكن لأربيل وقف التنفيذ بداعي عدم ملاءمة الأوضاع الاقليمية والعالمية»، ويختم بالتذكير بأن «الأسكتلنديين يسعون للاستقلال عن بريطانيا منذ قرون، لكن عندما قال لهم الاتحاد الأوروبي إنه لن يسمح لهم بالدخول في مساحة عملة اليورو بديلا عن الجنيه الاسترليني في حال الانفصال، تراجعت غالبية الأسكتلنديين، وتمسكت بالواقعية الاقتصادية والسياسية على حساب العاطفة القومية».

حرية بلا أحرار في “الأميركية”

حسين عبدالحسين

بعد اعلان الصحيفة الطلابية “اوتلوك” منع ادارة “الجامعة الاميركية في بيروت” صدورها، انهمرت علي الرسائل من اصدقاء كثر طلبوا ان ادلو بدلوي حول تجربتي في رئاسة تحرير هذه الصحيفة قبل عقدين من الزمن، وانخراطنا يومذاك في مواجهة مع الادارة الماضية، بعد قيام الاخيرة بمنع صدور عدد او اكثر، اعتراضا على مضمون ما كنا ننوي نشره.

في ذلك الزمن، حصلنا على تقرير سري حول بحث كانت مولته ادارة الجامعة لتقييم ادائها الاكاديمي. جاء في التقرير ان بعض الكليات كانت تشكو من المحاباة في مكاتب عمدائها، وان الدكاترة كانوا يعانون من انخفاض في المعنويات بسبب تلك الاساليب الملتوية. قرأ رئيس الجامعة مقالتنا المفصلة حول الموضوع، التي حملت عنوانا تساءلنا فيه ان كان على عميد كلية الاداب والعلوم الاستقالة، وعينّ لقاء، قال لي فيه: انا عينته، واذا كنت تريد استقالته، فعليك ان تطالب باستقالتي. ثم اضاف بلهجة الأمر: اقتل المقالة. وكان ذلك.

مرت اسابيع، استضفنا بعدها في مكاتب الصحيفة ندوة لممثلي الاحزاب في الجامعة حول رأيهم بالوجود السوري في لبنان. جاء رد غالبيتهم سلبيا، وطالبوا بالانسحاب. هذه المرة، ادعت ادارة الجامعة ان ترخيص “اوتلوك” ليس سياسيا، وان علينا سحب المقالة. لكن عددنا الاسبوعي كان قد عاد من المطابع، فامضينا في التحرير يوما او اكثر ونحن نمزق صفحة المقالة، ووزعنا الجريدة ناقصة صفحة، وهو ما اثار حفيظة رئيس الجامعة، فأمعن في ضغوطه الرقابية علينا، فخرجنا الى الاعلام اللبناني انتقاما، ونشرت “النهار” المقالة حول التقييم الاكاديمي السري، فزار وفد من قيادة الجامعة ناشر “النهار” الراحل غسان تويني، وهو كان عضوا في مجلس الأمناء، وطالبوه بحظر اي مقالات قد تأتي من ناحيتنا.

هذا بعض من تجربتنا في النضال من اجل حرية الرأي في “الاميركية” ولبنان. للانصاف، لا بد من القول ان ادارة الجامعة كانت بدورها تخضع لضغوط هائلة من استخبارات رئيس سوريا حافظ الأسد، الذي كان يحكم لبنان، وقال لنا مرة قيادي غير لبناني في الجامعة، اثناء اجتماع الحكومة الطلابية، ان تفجير مبنى “كولدج هول” كان جزء من الصراع بين الأسد وطهران على الامساك بلبنان، وهو صراع حسمه الأسد الأب لمصلحته بعدما قتلت القوات الامنية متظاهري “حزب الله” على طريق المطار. وقال لنا القيادي يومها انه بعد سيطرة الأسد، مرت سيارة “بيجو” عليها صور الأسد، والقت اصابع ديناميت من فوق سور الجامعة. لم يتأذ احد، لكن رسالة دمشق وصلت ادارة الجامعة: بيروت في عهدة استخبارات الأسد.

اليوم انحسرت ضغوط استخبارات الأسد، وحلّت ادارة في “الاميركية” اكثر شبابا وتحررا من سابقاتها، فالادارة في زماننا كانت من مخلفات الحرب الاهلية، وابقت على تعاملها مع القيادات الطلابية على ما هو عليه في زمن الحرب، لناحية منع الحريات على انواعها كنوع من النأي بالنفس وتحييد الجامعة عن الصراع اللبناني.

لكن بدلا من ان يفيد طلاب اليوم من اتساع صدر الادارة ومساحة الحرية في الجامعة، تحولت غالبية القيادة الطلابية — ربما متأثرة بثقافة لبنان والمنطقة المعادية للحرية عموما — الى جلاّد بحق الآخرين.

دكتور السوسيولوجيا سمير خلف، صاحب اجمل مقولة في كتابه عن الحرب اللبنانية يتساءل فيها “ما الأهلي في الحرب الأهلية اللبنانية؟” خلف ينتمي الى جيل كانت فيه “الاهانة على المونة”، خصوصا عندما تأتي الاهانة من الاكبر عمرا بحق الأصغر. اعترضت تلميذة في صفه انها لا تسمعه، فقال انها لو رفعت الخرقة البالية التي تلف رأسها بها لأمكنها سماعه. ثارت ثائرة الطلاب. تظاهروا. رفعوا لافتات كتبوا عليها “حجابك أغلى من دمي”. طالبوا بطرد خلف، الذي اعتذر بدوره، ثم استقال، بعد “هذه الكبرة”، وهو اصلا في عمر التقاعد. ومن لا يعرف خلف، فهو كان من اكثر الاصدقاء قربا للمفكر الفلسطيني الراحل ادوار سعيد، صاحب كتاب “الاستشراق”. وسبق لخلف ان كتب مقدمة احد كتب سعيد.

لكن الزمن لم يعد زمن النضال الشاق، ولكن الانيق والمثقف في الوقت نفسه. صارت للحرية في “الجامعة الاميركية في بيروت” لافتات تنادي بالدم والثأر، وصار رئيس الحكومة الطلابية يزور “مجلس النواب”، ويلتقي رئيسه ليهديه الانتصار الانتخابي، في مشهد لا تكفي السطور لوصف بشاعته القبلية وتخلفه ورجعيته.

تصفحت مقالات “اوتلوك” بحثا عن مقالة او اكثر قد تكون اثارت حفيظة ادارة الجامعة كما في زماننا، فوجدت مقالات اثارت حفيظتي: واحدة تمجّد الايراني الراحل روح الله الخميني وتعتبر فكره منارة لتحرر المرأة. مقالة ثانية تعتقد ان ادارة الجامعة لا تحمي حرية الرأي لأنها لا تقوم بأي جهد “لتحسين القضية الفلسطينية”. اين هي مبادئ تحرر الشعوب وحرية المرأة وحرية الرأي التي خضنا مواجهات مع الادارة من اجلها؟

في “الجامعة الاميركية في بيروت” اليوم حرية كبيرة، ولا احرار، بل جلادين تابعين فكريا وقبليا، يرددون شعارات ثأرية ودموية، ويطيحون بأكاديميين ساهموا في صناعة فكر ثوري عربي انيق، ويسعون لاستبدالهم بمثقفي المدونات ودكاترة نظريات المؤامرة.

الأحد، 24 سبتمبر 2017

التحقيقات في «فضيحة روسيا» تطول اتصالات ترامب من الطائرة الرئاسية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

مع اتساع التحقيق الذي يقوده مدير مكتب التحقيقات الفيديرالي (اف بي آي) السابق روبرت مولر، في شأن إمكانية تورط الرئيس دونالد ترامب ومساعديه مع مسؤولين روس أثناء الحملة الانتخابية ومنذ انتخاب ترامب رئيساً، يسود القلق أوساط الادارة الأميركية، التي يبدو أن العاملين فيها، وخصوصاً في البيت الأبيض، يسعون بجدية للخروج منها والعثور على وظائف بديلة.

وتظهر الأرقام أنه منذ تولي ترامب الحكم في يناير الماضي، استقال أو تم طرد 23 عاملاً في الفريق الرئاسي، منهم خمسة على الأقل ممن كانوا شغلوا أعلى مناصب ممكنة، مثل مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين، ورئيس موظفي البيت الابيض رينس بريبس، ومستشار الرئيس للشؤون الاستراتيجية ستيفن بانون، والناطق باسم البيت الابيض شون سبايسر.

ومن عادات العاصمة الأميركية أن يعمل الخبراء في البيت الأبيض، أو في مواقع حكومية أخرى لفترة ما، وهو ما يحسّن سيرتهم الذاتية بشكل كبير جداً، ويضعهم في موقع جيد لاقتناص وظائف في القطاع الخاص برواتب كبيرة. الا أن تجربة الموظفين السابقين في إدارة ترامب لا تعكس التقليد السائد، إذ لم توفّق غالبية الخارجين من الادارة في توقيع عقود وظيفية كبيرة، وذلك بسبب ما يعتقده البعض «سمعتهم التي تلطخت بسبب عملهم مع ترامب».

وبرز سبايسر كواحد من ضحايا «السمعة الملطخة»، إذ حاول اقتناص عقد كمحلل سياسي مع إحدى الشبكات الإعلامية الأميركية الكبيرة، على غرار ما فعل أسلافه، من دون أن يوفق في ذلك. حتى قناة «فوكس نيوز» اليمينية المتطرفة، والمحسوبة على الجمهوريين وترامب، رفضت توظيفه بحجة «انعدام مصداقيته». كما لم يوفق سبايسر في تحصيل عقود مع دور نشر لإصدار كتاب يروي فيه مذكراته أثناء عمله إلى جانب ترامب في البيت الابيض.

وما زاد في الطين بلة، بالنسبة لسبايسر، قيام فريق مولر بالطلب إليه تسليم مفكرته، التي كانت يحتفظ بها أثناء عمله في الفريق الرئاسي. كما طلب مولر من البيت الابيض تزويد فريق التحقيق بفحوى اتصالات كان الرئيس قام بها من الطائرة الرئاسية مع نجله، دونالد الابن، تلقى فيها نص بيان حول ما دار في لقاء جمع ترامب الابن ومدير حملة الرئيس الانتخابية السابق بول مانوفورت وصهر الرئيس جاريد كوشنر، مع مجموعة من القياديين الروس المقربين من الكرملين.

وجاء في البيان ان اللقاء تمحور حول حديث الروس عن إمكانية عودة السماح للأميركيين بتبني أطفال روس، ليتبيّن في ما بعد أن البيان كان كاذباً، وأن البريد الالكتروني المتداول لتنسيق اللقاء حمل عنوان «تزويد روسيا معلومات قذرة عن (المرشحة الديموقراطية للرئاسة هيلاري) كلينتون».

ويسعى مولر لمعرفة إن كان ترامب ساهم، بأي شكل من الاشكال، في عرقلة التحقيقات التي كانت تقوم بها الاجهزة الأميركية حول تورطه أو مساعديه مع مسؤولين روس في اختراق حسابات البريد الالكتروني التابع لقياديي حملة كلينتون الرئاسية. كما يعتقد بعض المتابعين أن لترامب علاقات مالية مع روسيا قد تجعله مديناً للكرملين، وهو ما يدفع مولر إلى محاولة تحديد ورسم العلاقة بين الرئيس الاميركي وموسكو، قبل انتخاب ترامب رئيساً وبعد دخوله البيت الابيض.

ويعتقد كثيرون أن قيام ترامب بطرد مدير «اف بي آي» السابق جيمس كومي جاء في سياق محاولة الرئيس عرقلة التحقيقات في فضيحة تورطه مع روسيا.

وفي خضم ما يكشفه الاعلام الاميركي بشكل شبه يومي حول «فضيحة روسيا»، سرت أنباء أن ترامب يسيطر على ما يقارب 70 مليون دولار من التبرعات التي جمعها من أجل حفل التسلم والتسليم الرئاسي، الذي أقامه في يناير الماضي. وبلغ حجم التبرعات يومذاك 107 ملايين دولار، فيما قدر الخبراء أن الحفل كلّف أقل من 40 مليون دولار. وكان ترامب وعد بإحالة الفائض الى الجمعيات الخيرية، على ما هو معتاد، لكنه لم يفعل ذلك.

وعلى الرغم من إطباق ترامب على المبلغ المذكور، الا أنه كلّف اللجنة المركزية للانتخابات في الحزب الجمهوري بتسديد أتعاب المحامين الذين عينهم للدفاع عنه وعن افراد عائلته في «فضيحة روسيا». كما ينفق ترامب على تكاليف المحامين من الأموال التي جمعها في إطار جمعية إعادة انتخابه رئيساً لولاية ثانية، فيما يعاني مساعدو ترامب، وفي طليعتهم نائب الرئيس مايك بنس والمطرود فلين، من شح في الاموال المطلوبة لتمويل عمل المحامين المدافعين عنهم في قضية التحقيقات الروسية، وهو ما حدا بـ «مكتب الاخلاق» في البيت الابيض بالسماح لهؤلاء بتقاضي الأموال من مانحين ومتبرعين لتمويل الدفاع عن أنفسهم.

صورة ترامب، المالية والقضائية، مهزوزة، باستثناء بين مؤيديه الأكثر تطرفاً، وهو واقع يبدو أنه يدفع الرئيس الاميركي الى محاولة الاستعانة بعنتريات في السياستين الخارجية والداخلية لإبقاء التأييد الشعبي له مرتفعاً، إذ إن أي لحظة يخسر فيها تأييده، يصبح مكشوفاً بالكامل أمام التحقيقات، وأمام كونغرس قد لا يهب لحمايته في حال تدنت شعبيته.

إستراتيجية الغرب الجديدة ترتكز على «إبقاء الأسد في البَردْ»

| واشنطن - حسين عبد الحسين |

المواقف الدولية التي تبلورت في الأمم المتحدة حول الأزمة السورية أظهرت تعديلاً بسيطاً في موقف العواصم الغربية تجاه الرئيس السوري بشار الأسد، وإنْ كان التعديل لا يرقى إلى الانفتاح عليه في حال بقائه في الحكم في فترة ما بعد التسوية الانتقالية.

ومع تلاشي الدور القيادي الأميركي، واقتصاره على الاشراف على تدمير تنظيم «داعش» في شرق سورية وغرب العراق، تقدمت فرنسا لتقود الكتلة الغربية في الموقف نحو سورية، وفي التعاطي مع روسيا في هذا الموضوع.

وبدا أن الرئيس إيمانويل ماكرون ينتهج سياسة تناقض سياسة سلفه فرانسوا هولاند، لا سيما لجهة تساهله في موضوع التعاطي مع الأسد في الفترة الانتقالية، مقابل تصلب هولاند وتطرفه. وكان هولاند من الزعماء الغربيين القلائل ممن حرّكوا قواتهم العسكرية للمشاركة الى جانب الاميركيين في توجيه ضربة الى قوات الأسد، على اثر وقوع هجوم الغوطة الكيماوي في صيف 2013. وأدى تراجع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما إلى انزعاج كبير لدى الفرنسيين، وإلى زيادة في تصلبهم ضد الأسد، ودعوتهم لخروجه حتى قبل بدء العملية الانتقالية المزمعة.

في الجلسات التي انعقدت لمناقشة الوضع السوري، على هامش الأعمال السنوية للجمعية العامية في الأمم المتحدة، يبدو أن ماكرون تراجع عن شرط فرنسا خروج الأسد قبل التسوية، إذ انتهج ما وصفه ديبلوماسيوه بـ «الالتزام بالقوانين الدولية والمنطق بشكل عام».

وتعتقد حكومة فرنسا الجديدة انه «لا يجوز وضع شروط على المفاوضات، بل ممكن وضع الشروط داخل هذه المفاوضات»، أي أنه لا يمكن للمعارضين السوريين اشتراط خروج الأسد، كما لا يمكن للأسد اشتراط من هي الجهات المعارضة التي يتفاوض معها. في هذه المقاربة الغربية الجديدة، التي يقودها الفرنسيون، يبدو موقف ماكرون متراجعاً عن الموقف الغربي السابق المطالب برحيل الأسد قبل المفاوضات، وهو ما رفضه الروس مراراً.

على أن ما تحققه المقاربة الفرنسية تجاه المفاوضات السورية يتجلى بسحب أي حجج يمكن أن يقدمها الأسد أو الروس للاشتراط على من يمكن للمعارضين الحضور. وتقول جهات شاركت في محادثات نيويورك السورية ان «محور الأسد عمل، على مدى السنوات الماضية، على إقامة جبهات معارضة قريبة منه، وحاول إشراكها بدلاً من المعارضة الحقيقية»، وان «هذا الالتفاف لن يعود ممكناً في المفاوضات المقبلة».

ويتابع المشاركون في الحلقات السورية ان «الأسد كان مشاركاً أصلاً في المحادثات الماضية»، وانه «لا يمكن تسلم الحكم من الأسد من دون أن يكون الأسد مشاركا في عملية تسليم الحكم وانتقاله».

لكن الأسد قد يتخذ من المفاوضات ذريعة لتطبيع مشاركته في الحياة السورية في مرحلة ما بعد الصراع، وتكريس سيطرة حلفائه على الأرض السورية كأمر واقع لا يمكن للمعارضين تغييره أو تقديم أي مطالب تفرض خروجه من الحكم، وهو ما يعتقد الفرنسيون أنهم تحسبوا له بقولهم إن العواصم الغربية تمسك بورقة إعادة الاعمار في سورية، وان بقاء الأسد سيعني حكماً إحجام المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدولي عن تمويل أي مشاريع إعادة إعمار، مع بقاء الحصار الغربي.

ومن غير الواضح كيف يمكن للتلويح بحجب الإعمار لإقناع الأسد بالتخلي عن الحكم، إذ يمكن للرئيس السوري البقاء في الحكم على أنقاض مدنه، ومحاولة القيام بإعادة الاعمار عن طريق حلفائه روسيا وايران، خصوصاً عن طريق الصين، التي يندر أن تلتزم بالعقوبات الدولية، خصوصاً أن العقوبات المفروضة على الأسد حالياً هي بمعظمها غربية وليست أممية.

ختاماً، يعتقد الاسرائيليون ان مصلحتهم تقضي بقاء الأسد، على شرط تخلصه تماماً من الميليشيات الموالية لايران وإخراجها من البلاد. لكن خطوة من هذا النوع قد تؤدي لانهيار الأسد أمام معارضيه، إذ ذاك تصبح التسوية مع المعارضين شرطاً لعدم انهيار الأسد، وهو ما يعني أن الاسرائيليـــــين يؤيـــدون التوصل الى تسوية، لكنها تسوية يريدونها مترافقة مع بقاء الرئيس السوري في الحكم، وهو ما لن يوافق عليه المعارضون السوريون، ولا العواصم الغربية، التي تقودها باريس، وتصر على «إبقاء الأسد ونظامه في البرد» والعزلة الدولية ما لم يخرج هو شخصياً من الحكم.

الأفكار كثيرة، لكن أصحاب الأفكار لا يمسكون بالارض، فيما من يمسك بالأرض يتمسك بأفكار مغايرة، وهو ما يزيد من التعقيد في ملف الأزمة السورية، المعقد أصلاً، عسكرياً كما ديبلوماسياً.

الجمعة، 22 سبتمبر 2017

الأزمة الخليجية... مفتوحة؟

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

بدت تصريحات الرئيس دونالد ترامب، التي توقع فيها حلاً سريعاً للأزمة الخليجية، إبان لقائه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، الثلاثاء الماضي، كبقية تصريحاته المبالغ فيها والبعيدة عن الواقع، على غرار حديثه عن «الحائط الكبير» الذي ينوي تشييده على الحدود الجنوبية مع المكسيك، أو تهديده بإبادة كوريا الشمالية، أو إصراره على أن السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين سهل جداً وممكن في المستقبل القريب.

تقول المصادر الأوروبية في واشنطن إن «الاختراق الوحيد الذي كان ممكناً في جدار الأزمة الخليجية»، في الآونة الاخيرة، جاء أثناء زيارة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد إلى العاصمة الأميركية، ولقائه ترامب في البيت الابيض. يومذاك، وفور خروج الوفد الكويتي من اللقاء، أجرى ترامب ثلاثة اتصالات مع أفرقاء الأزمة: الشيخ تميم، وولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد.

وعقب اتصالات ترامب، أجرى أمير قطر اتصالاً مع ولي عهد السعودية، وبدت الأمور في طريقها إلى الحل، قبل أن يتلاشى التفاؤل في غضون ساعات، مع صدور موقف سعودي يعلن تعليق الحوار مع الدوحة حتى إشعار آخر اثر البيان الذي صدر من قطر.

منذ ذلك التاريخ، دأب مسؤولو الإدارة الأميركية على التعبير عن التفاؤل بقرب الحل، وحدّدوا اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك كموعد للانفراج الموعود، وقالوا إن ترامب كان ينوي رعاية لقاء بين الزعماء الخليجيين الثلاثة.

لكن مع انطلاق أعمال الجمعية العامة، بدأ يظهر أن الاميركيين يُمعنون في تفاؤل غير مبرر، فلا زعماء الدول المعنية كانوا في طريقهم إلى نيويورك، ولا الطواقم الديبلوماسية لهذه الدول كانت على اتصال لترتيب أي لقاء قمة مفاجئ.

وحده ترامب تمسك بالإصرار على الحل السريع، في غياب أي مؤشرات على وجود بوادر للحل.

تقول المصادر الأوروبية: «في تقديرنا أن القطريين أدركوا منذ اليوم الأول أن الأزمة ستكون طويلة الأمد، وتصرفوا على أساس ذلك، وأعادوا برمجة طرق تجارتهم، وصارحت القيادة القطريين بالتغييرات المقبلة». وتضيف المصادر ان واشنطن والعواصم الأوروبية تشاركت الرؤية ان الأزمة الخليجية ستطول، وقامت الحكومات الغربية بإصدار التعليمات لوزارات خارجيتها وأجهزتها المعنية بالتصرف على هذا الأساس. وما زالت الوكالات الغربية متمسكة بتقييمها.

وتتابع المصادر الأوروبية أن أمير قطر كان واضحاً في خطابه بالقول إن الدول المقاطعة لبلاده اعتقدت أن بإمكانها تحقيق نتائج فورية، وانه «بعد فشل الهجوم الأولي على الدوحة، عدّلت الرياض وأبو ظبي خطتها، وجعلتها حرباً بالاستنزاف، اعتقاداً منها أن قطر ستضعف مالياً وديبلوماسياً مع مرور الوقت».

على عكس كل التفاؤل الذي سربته المصادر الأميركية قبيل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، لناحية ان الحدث سيكون موعداً لنهاية الأزمة الخليجية، لم تصدر أي مؤشرات في الأيام القليلة الماضية، لا علناً ولا في الكواليس، تشير إلى العمل على تسوية خليجية، بل إن المؤشرات الوحيدة التي صدرت تشير إلى إدراك الدوحة أن المواجهة مع مقاطعيها مستمرة حتى إشعار آخر، وهو ما تطلب مشاركة أميرها في الجمعية العامة، والإطلال دولياً، وتوثيق علاقاته مع الادارة الاميركية بإجراء محادثات مع رئيسها، في لقاء وصفته الادارة الاميركية بـ «الممتاز». وقالت المصادر ان اللقاء طال أكثر مما كان مقرراً له، وان «الكيمياء بين الرجلين كانت جيدة».

الأزمة الخليجية لا تتجه نحو تسوية قريباً، وما يزيد في تعقيد الأمور شخصية الرئيس الأميركي المتناقضة والمتقلبة وغير القابلة للتوقعات. أما مناسبة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، ففرصة جديدة ضائعة تضاف إلى الفرص الكثيرة السابقة، التي ساهمت الكويت في توفير جزء لا بأس منها، من دون أن يستغلها المتخاصمون.

يذكّر الاوروبيون بما سبق ان نقلته «الراي» عن مصادر أميركية عندما حاولت واشنطن المساهمة في الوساطة خلال الأيام الأولى التي تلت اندلاع الأزمة. يومذاك قال الأميركيون إن واشنطن والكويت قد تقدمان حلولاً عدة للمتخاصمين لإنهاء الأزمة، لكن لا يمكنهما تحقيق اختراق من دون توافر النية لدى المتخاصمين أنفسهم.

الخميس، 21 سبتمبر 2017

كردستان ام برزانيستان

حسين عبدالحسين

في المسألتين الكردية والفلسطينية، لا شك ولا تشكيك في المظلومية والعنصرية التي طاولت وما تزال تطاول سكان شمال العراق وشرق سوريا، من الكرد والعرب والتركمان والايزيديين والمسيحيين وغيرهم، ولا شك ولا تشكيك في المظلومية والعنصرية التي لحقت وماتزال تلاحق الفلسطينيين، لا في فلسطين وحدها، بل في سوريا ولبنان ومصر وعدد من دول الشتات.

في ماضي بيروت، جمعتنا المظلومية. يسار عربي وكردي وعالمي، تشاركنا الاحباط. تسامرنا. كرد سوريا بلا اوراق ثبوتية، وكذلك فلسطينيو لبنان بوثائق لاجئين بالية، كانت بمثابة دعوة لعنصرية ضدهم من السلطات اللبنانية والسورية الحاكمة لبنان في ذلك الزمان.

كرد الجزيرة والبيشمركة، ومقاتلو الراحل ”ابو ميسا“ جورج حبش، والمنتفضون على ”وتوات“ الحزب الشيوعي اللبناني، ومجموعات يسارية مستقلة، والمعجبون بالثائر السوري قبل كل الثورات، رياض الترك، بكينا سويا، وضحكنا سويا، وتظاهرنا، وصرخنا من اجل حقوق الكرد والفلسطينيين واللبنانيين وسائر الشعوب. تذكرنا حصار الأسد لمخيمات اللجوء الفلسطيني في لبنان، وظلمه لكرد سوريا. الظلم واحد، فلمَ لا يتوحد المظلومون؟

اتسعت حانة الرفيق العزيز الراحل نايا، الضيقة جدا، لنا كلنا، على انغام عازف البزق الكردي زورو يوسف، وتراقص ابن خالته كاميران، ودندنة خالد الهبر، وتصفيق سهى بشارة، وابتسامات كوزو اوكاموتو. استضفنا السوري سميح شقير، الذي غنى في مناسبات نوروز في مسبح عجرم عن ”صديق له من كردستان اسمه شيفان“، وهللنا لأغاني شيفان، حتى لو لم يفهم غالبيتنا معاني كلمات اغنياته، الا اننا فهمنا نغمتها، فالمظلومون يغنون بنغم واحد، وان بلغات متعددة، وكنا نردد مع شيفان ”بيجي كردستان“.

لم تتغير شؤون كرد العراق، على الرغم من تغير هوية حكامهم، من عرب الى كرد. كما في فلسطين، كذلك في كردستان العراق، حكام يخفون فسادهم واستئثارهم بالسلطة خلف قضايا محقة، فينفد الحكام مع فسادهم، فيما يغرق المحكومون بالفساد والشقاء.

في كردستان، كما في سوريا ولبنان، طغمة حاكمة منذ عقود، تآمرت على بعضها البعض، وخاضت حروبا داخلية دموية. مات الكرد، وبقي امراء الحروب.

في الايام القليلة المقبلة، يحاول الحاكم تغطية عوراته باستثارة عواطف المحكومين. لم يجر السيد رئيس اقليم كردستان مسعود برزاني اية انتخابات منذ انتهاء ولايته الثانية في العام ٢٠١٣، واخترق الدستور الكردي، الذي يجبر الرئيس على الخروج من الحكم بعد ولايتين، ومدد لنفسه عامين. وبدلا من خروجه من الحكم في العام ٢٠١٥، أقفل السيد برزاني برلمان كردستان، وعلّق الانتخابات فيها، بحجة تدهور الاوضاع الأمنية.

اليوم، بعد اربعة اعوام على وجوب خروجه من الرئاسة، ما يزال برزاني حاكما، وبدلا من اجرائه انتخابات برلمانية ورئاسية، قرر استثارة عواطف الكرد باعلان موعد استفتاء لانفصال كردستان عن العراق.

لا ضير في الاستفتاءات الشعبية. بريطانيا انفصلت عن اوروبا وجنوب السودان عن السودان، فيما لم تنفصل كاتالونيا عن اسبانيا، ولا اسكتلندا عن المملكة المتحدة.

المشكلة هي في ان يصوّر لنا برزاني استفتاء كردستان وكأنه عملية ديموقراطية، وان يعيّب على من لا يؤيدها، فيما السيد برزاني نفسه يضرب الديموقراطية بعرض الحائط منذ سنوات، فاذا كان السيد رئيس اقليم كردستان جديا في ديموقراطيته وحقوق الكرد، فليشرف على انتخابات برلمانية ورئاسية، وليخرج من الرئاسة، وليقرر حكام كردستان الجدد خطوتهم المقبلة.

فليعط السيد برزاني الكرد حقوقهم السياسية، بالسماح لهم بالانتخاب وتداول السلطة، وليعطهم حقوقهم المالية، بوقفه احتكار ثرواتهم ومواردهم. ثم، بعد ان يظهر برزاني احترامه للغالبية الكردية، اذ ذاك يمكنه الطلب الى العالم احترام رأي الغالبية الكردية في العراق.

لكن تصرفات السيد الرئيس برزاني تشي بأن الهدف الاول من خطوته الاستقلالية هي الخروج من مأزق اقفاله برلمان كردستان وبقائه في منصب الرئاسة من دون مسوّغ دستوري. ومن يدري، ربما في كردستان مستقلة، يلغي برزاني بند تحديد الرئاسة بولايتين، ويصبح رئيسا الى الأبد، فان كانت سوريا الأسد، والأسد طبعا حامي حقوق العرب وقائد لواء تحرير فلسطين، فلمَ لا تكون كردستان برزاني، او برزانيستان.

نحن من نشأنا على نصرة الشعوب المظلومة وحقوق مواطنيها، لا يرى بعضنا مصيرية استفتاء كردستان، بل يرى مناورة سياسية يقوم بها برزاني لمصلحته الذاتية. وحتى لو كان للسيد برزاني اصدقاء اقليميون، لن يكفيه ذلك، ولا نفط كردستان، في اقامة دولة تعطي مواطنيها حقوقهم، غير الدولة الاستخباراتية الفاسدة التي يديرها اليوم.

من كوريا الشمالية إلى إيران: وطن حرّ وشعب تعيس

بقلم حسين عبدالحسين

"وطن حرّ وشعب سعيد" هو من شعارات الأحزاب الشيوعية العربية، المعادية للإمبريالية والاحتلالات الأجنبية، والتي بشّرت بأن السيادة الوطنية هي باب سعادة شعوبها. لكن التجربة العربية، والعالمية عموما، أثبتت عكس ذلك تماما، والمثال الأبرز يأتي من الكوريتين.

في النصف قرن الأخير الذي أعقب الحرب الكورية، وتقسيمها إلى شمال شيوعي مستقلّ وجنوب رأسمالي يستضيف قواعد عسكرية أميركية، من شبه المستحيل أن لا يلاحظ المراقب الفارق الشاسع في تقدم كوريا الجنوبية، اقتصاديا ومعرفيا وثقافيا وصناعيا وتكنولوجيا، في مقابل تخلّف الشمالية في كل هذه الحقول.

كوريا الشمالية، بدورها، تنفرد في حقل وحيد: تكنولوجيا الصواريخ وصناعة القنابل النووية، وهي التكنولوجيا التي قامت بيونغ بانغ بتصديرها لحكومات تشبهها بالديكتاتورية والمشاغبة الدولية، وفي طليعتها حكومتي "الجمهورية الإسلامية" في طهران و"البعث العربي الاشتراكي" في سوريا الأسد.

جداول الحوكمة تثبت تفوق جنوب كوريا على شمالها، فالناتج المحلي للفرد في كوريا الجنوبية بلغ 18 ضعفا مقارنة بنظيره الكوري الشمالي. في الشفافية ومكافحة الفساد، تحلّ كوريا الجنوبية في المرتبة 52 من بين 176 دولة، فيما تحتل جارتها الشمالية المرتبة 174. في الحريات الصحافية، تحلّ كوريا الجنوبية في المركز 63 من 180 دولة يشملها التصنيف، فيما تحلّ كوريا الشمالية في المركز الأخير في العالم. في كوريا الجنوبية، يبلغ متوسط العمر المتوقع 83 عاما، مقابل 70 عاما في الشمالية. وهكذا دواليك، في كل مؤشر اقتصادي واجتماعي وسياسي، تحتل كوريا الجنوبية التي تستضيف قواعد عسكرية "إمبريالية" أميركية، في مراتب متقدمة، فيما تحلّ كوريا الشمالية، أم الكرامة الوطنية والعنفوان ومواجهة الإمبريالية، في المراكز الأخيرة.

التباين في النموذجين، الكوري الجنوبي الخاضع للإمبريالية والذي يعيش في بحبوحة وحرية واستقرار، ونظيره الشمالي الاستقلالي الممانع الذي يعيش في فقر وشقاء وانعدام الحرية، يكاد ينطبق على كل دول العالم. إيران مثلا، انتقلت من حكم الشاه "الظالم" و"عميل الإمبريالية"، والذي كانت تنعم ايران تحت حكمه بأداء اقتصادي قوي وعلاقات دولية متينة، إلى نظام "الجمهورية الإسلامية المقاوم للاستكبار العالمي"، والذي يغرق في الفقر والتضخم والفساد.

والمشكلة أن نظام إيران ما زال ينعم بكل ما ورثه من الشاه، فالبنية التحتية لإنتاج وتصدير النفط والغاز، عصب الاقتصاد الإيراني، هي من صنيعة الشاه الظالم، والطائرات الأميركية الإيرانية - العسكرية والمدنية - هي أيضا من عهد الشاه. حتى البرنامج النووي الإيراني، بدأ في زمن الشاه وبإشراف غربي، قبل ان يأخذه الملالي في اتجاهه العسكري وبرعاية كوريا الشمالية.

في عالم العرب، من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر، لم تخرج أي من الدول العربية عن القاعدة: الممالك والإمارات التي تمسكت بنماذج الرأسمالية وبعلاقات جيدة مع الغرب، قدمت لمواطنيها مستوى معيشة أفضل بما لا يقاس من "الجمهوريات" العربية التي زعمت أن اشتراكيتها أكثر عدالة وستعمل على توزيع الثروات الوطنية، فلم تبق فيها ثروات وطنية أصلا حتى يتم توزيعها. صحيح أن النموذجين العربيين عانيا من فقدان الحرية، مع تباين في الحريات بين الدول العربية الاثنين وعشرين، إلا أن الشعوب العربية صاحبة الحكومات القريبة من الغرب قدمت "سعادة" معيشية أكبر بكثير من نظيرتها الممانعة والمقاومة والمتحالفة مع كوريا الشمالية وأشباه كوريا الشمالية.

بعد قرابة قرن على انتشار المبادئ الويلسونية (نسبة لرئيس أميركا الراحل وودرو ويلسون) والقاضية بأهمية تقرير الشعوب مصيرها، صار جليا أن السيادة وحدها لا تصنع السعادة، وأن العصابات الحاكمة، من كوريا الشمالية وروسيا إلى إيران وسوريا، تعلن الاستقلال هدفا، فيما هي تخفي فسادها وطغيانها خلف معاداتها المزعومة للإمبريالية، وهي شعارات لم تعد تنطلي على غالبية المحكومين. وحدهم المستفيدون من العصابات الحاكمة، والمغلوبين على أمرهم، هم من يهللون للأخ الزعيم القائد المرشد، أما الاحرار، فيرفضون نعيم السيادة في أيدي العصابات، ويصرخون لسعادة اساسها الحرية والمساواة.

الاثنين، 18 سبتمبر 2017

إسرائيل قلقة من «حزب الله» في سورية... لا في لبنان

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

على الرغم من ضخامة المناورات التي أجراها الجيش الاسرائيلي وحاكى فيها إمكانية اقتحامه لبنان والقتال في قراه وبلداته، وعلى الرغم من التهديد والوعيد المتبادل بين اسرائيل و«حزب الله»، يستبعد أصدقاء إسرائيل في العاصمة الاميركية ان تنخرط تل أبيب في حرب ضد الحزب في لبنان.

ويقول أصدقاء اسرائيل، ومنهم كثيرون على تنسيق وتماس متواصل مع المسؤولين في تل أبيب، ان ما يشغل بال الاسرائيليين ليس «حزب الله» في لبنان، بل «حزب الله» في سورية.

ويشرح هؤلاء بالقول ان حرب يوليو 2006 أرست قواعد اشتباك بين القوة العسكرية الاسرائيلية وميليشيا «حزب الله»، وان العقيدة الاسرائيلية لأي مواجهة عسكرية مقبلة مع اللبنانيين معروفة بـ «عقيدة الضاحية»، أي أن الاسرائيليين سيعمدون الى ايقاع أكبر قدر من الخسائر في البنيان والبنية التحتية اللبنانية، خصوصاً في المناطق التي يسكنها مناصرو الحزب ومؤيدوه.

دفاعياً، يبدو أن المؤسسة العسكرية الاسرائيلية تتوقع ان يعمد مقاتلو «حزب الله» الى اقتحامات ومحاولة القيام بهجمات ضد اسرائيليين، خصوصاً في القرى الشمالية الاقرب للحدود اللبنانية. وقد يحاول الحزب تنفيذ اختراقات عبر أنفاق تحت الأرض خلف الخطوط الاسرائيلية، كما فعلت «حماس» في حرب غزة الأخيرة، إما للاشتباك مع الجنود الاسرائيليين وايقاع عدد كبير من القتلى في صفوفهم، وإما لمحاولة أسر أفراد منهم.

إسرائيل، حسب اصدقائها في واشنطن، متحسبة لمعظم السيناريوهات، وهي تعتقد أنها - في حال نشوب اي حرب مع الحزب اللبناني - لن تسمح لمقاتليه بالتقاط أنفاسهم والمبادرة لشن هجمات واقتحام أراض إسرائيلية، بل هي ستعمل على نقل ساحة القتال الى الداخل اللبناني، وهو ما يجبر الحزب على القتال دفاعياً لا هجومياً، وتالياً يبعد خط الجبهة شمالاً بعيداً عن البلدات الاسرائيلية، باستثناء الهجمات الصاروخية، التي تعتقد تل أبيب أن دفاعات «القبة الحديد» ستلعب هذه المرة، على عكس العام 2006، دوراً في اصطياد عدد كبير منها، إن لم يكن غالبيتها.

لكن كل هذه السيناريوهات هي من باب التحسب واليقظة، وإسرائيل تعتقد انه بسبب صعوبة فتح الجبهة اللبنانية، تحاول ايران و«حزب الله» إقامة بنية تحتية لشن حرب انطلاقاً من سورية، حيث «عقيدة الضاحية» متعذرة، إذ ان الحزب يقاتل في أراض لا يعيش فيها أنصاره ومؤيدوه. كذلك، لا نفع في شن اسرائيل ضربات ضد أهداف تابعة للحكومة السورية الفاقدة للسيطرة، فمعاقبة الرئيس السوري بشار الأسد على هجمات قد يشنها «حزب الله» من أراض سورية لا تأتي بفائدة.

ويعتقد بعض الخبراء الاميركيبن ان الأسد يدرك إصرار اسرائيل على إعادة سيادته على الاراضي السورية الجنوبية لأن ذلك يضمن إمكانية محاسبة مسؤولين عن أي هجمات عبر الحدود ضد اسرائيل، والسؤال هو الى اي مدى يمكن للأسد الوقوف على رجليه، من دون الايرانيين، ومع مساعدة الروس؟

موسكو كررت مراراً لتل ابيب أنها قادرة على الامساك بالأسد وإبعاد الشبح الايراني عن حدود الاسرائيليين، لكن الضربة الاخيرة التي شنتها المقاتلات الاسرائيلية، ضد أهداف في محافظة حماة، على مقربة من القواعد العسكرية الروسية، يشي بأن الاسرائيليين لا يأخذون تعهدات الروس على محمل الجد، وان تل أبيب مستمرة في عملية الدفاع عن نفسها لوحدها عن طريق شن الهجمات المتكررة ضد أهداف تابعة لايران داخل سورية.

ويسعى بعض أصدقاء إسرائيل الى تحميل واشنطن بعض المسؤولية عن الفوضى في سورية ووصول الميليشيات المؤيدة لايران الى مناطق قريبة من الحدود الاسرائيلية، ويعتقد هؤلاء ان على الولايات المتحدة القيام بدور أكبر لمساعدة الاسرائيليين في هذا السياق، وعدم ترك تل أبيب تقوم لوحدها بعملية تعطيل قيام بنية عسكرية تحتية في سورية.

إذاً، هو «حزب الله» في سورية الذي يقلق الاسرائيليين. أما «حزب الله» في لبنان، فكل السيناريوات معروفة للطرفين، ولا يبدو أن أياً منهما ينوي تجريب حظوظه والانخراط في مواجهة عسكرية معروفة نتائجها من قبل الجانبين.

امبراطورية الاستخبارات الروسية

حسين عبدالحسين

يتواصل انكشاف فضائح اختراقات الاستخبارات الروسية داخل الولايات المتحدة بشكل يهز الحكومة، والرأي العام الأميركي. آخر الفضائح، أشارت إلى تحقيقات أميركية في واشنطن مع فريقي فضائية "روسيا اليوم" ووكالة أنباء "سبوتنيك" الروسيتين، قامت على أثرها السلطات الأميركية بالطلب من الوسيلتين الإعلاميتين حيازة ترخيص "تنظيم اجنبي يعمل كذراع دعائية لحكومة أجنبية".

وتجلت الاثباتات على عمل "روسيا اليوم" كفرع للاستخبارات الروسية، الصيف الماضي، يوم بثت القناة تغريدة عبر "تويتر" أشارت فيها إلى قيام موقع "ويكيليكس"، العامل بأمر استخبارات موسكو كذلك، بنشر دفعة من الايميلات المسروقة من حسابات قياديين في الحزب الديموقراطي. وجاءت تغريدة "روسيا اليوم" حتى قبل قيام موقع "ويكيليكس" بأي إعلان عن الدفعة الجديدة التي كان ينوي نشرها.

ويبدو أن السلطات الأميركية توصلت الى نتيجة مفادها أن الكادر الروسي العامل في "روسيا اليوم" و"سبوتنيك"، والذي يقيم أفراده في الولايات المتحدة بموجب تأشيرة صحافية، هو كادر يعمل بأمرة الاستخبارات الروسية، وهو ما يتطلب وضع هؤلاء الروس تحت المراقبة ومعاملتهم كجواسيس لموسكو.

وتزامن تصنيف أميركا لـ"روسيا اليوم" و"سبوتنيك" على أنهما محطتا استخبارات روسية في واشنطن، مع الأنباء الواردة من عمالقة التكنولوجيا الأميركية، أي مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فايسبوك"، الذي أعلن القائمون عليه أن "مزرعة أبحاث الانترنت"، وهي فرع من الاستخبارات الروسية مقرها مدينة سان بطرسبرغ، عملت على شراء دعايات انتخابية بقيمة 100 ألف دولار، للتأثير في مسار الإنتخابات الأميركية، الخريف الماضي، بالتزامن مع إدارة هذه الوكالة الاستخباراتية الروسية لحسابات لأميركيين وهميين في "فايسبوك" و"تويتر"، واستخدام هذه الحسابات للتأثير في الرأي العام الأميركي في اتجاهات تخدم مصالح موسكو.

هذه الممارسات الاستخباراتية الروسية في الولايات المتحدة جديدة على غالبية الأميركيين، وفاجأتهم بشكل كبير، على الرغم من أنها ممارسات بديهية تعرفها غالبية المواطنين الذين عاشوا في ظل أنظمة استخباراتية. فالقنوات التلفزيونية السورية كانت ترتب أثار هجمات تنسبها لإرهابيين مزعومين على الهواء مباشرة، فيما بعض مراسلي الفضائيات، مثل "العالم" و"المنار" و"الميادين"، ينخرطون في القتال في سوريا إلى جانب المليشيات الموالية لايران في جولة، ويصورون ويبثون أخبار الجبهات في الجولة التالية. أما الجيش المصري، فيظهر في لقطات فيديو وهو يُعدمُ مصريين في سيناء، ثم يرمي أسلحة فوق جثثهم، ويصورها على أنها جثث لإرهابيين قتلوا في المعارك.

هكذا تعمل حكومات الاستخبارات: السياسيون والحزبيون والديبلوماسيون والإعلاميون والمواطنون، كلهم مخبرون وعناصر استخبارات وعمليات سرية، يصنعون عالماً زائفاً، يعيشون داخله، ويقضون على خصومهم بتهم كاذبة، ويتظاهرون وكأنهم يعيشون في حرية ورخاء وبحبوحة. فيما الواقع أنهم زمرة من رجال الاستخبارات ممن يقتاتون الفتات التي يطعمهم إياها الطغاة، الذين يُمعنون فساداً ودموية بحق شعوبهم وشعوب أخرى يسعون لاستعبادها.

انهى مستنقع حرب العراق "اجماع واشنطن" ونشر الديموقراطية، وأدمى الغرب، وفتح الباب أمام "اجماع موسكو"، وهو نموذج قديم قائم على عسس الاستخبارات والخديعة والفساد والدموية والجوع على أبواب قصور الاباطرة، مثل بوتين ورئيسي سوريا ومصر بشار الأسد وعبدالفتاح السيسي.

و"اجماع موسكو" في طور التعميم على دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة، وما انتخاب الرئيس الأمّي دونالد ترامب، إلا أول المؤشرات على امكان انتصار روسيا في تعميم نموذجها الذي تقوده، والذي تحاول أن تبني عليه زعامتها العالمية لتحل محل الزعامة الأميركية.

أما واشنطن، فردود فعلها الأولى تقضي بالحد من حرياتها العامة لاخراج المرض الاستخباراتي الروسي من جسدها، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة ستتجه في اتجاهات لا ديموقراطية، مثل مراقبتها الصحافيين الأجانب، واغلاقها بعض الحسابات في مواقع التواصل الاجتماعي، ومراقبة حسابات اخرى.

هكذا، بدلاً من أن تفتح الإنترنت دولاً مغلقة مثل الصين وإيران وروسيا، وتنشر فيها مبادئ الحرية والديموقراطية، أغلقت استخبارات بوتين مساحات من الحرية الأميركية، في مواجهة ما زالت جارية أمام عالم يشاهد في انتظار معرفة من يفوز ويحكم: الاستخبارات وأساليبها ونموذجها، أم الحريات والديموقراطية والانفتاح.

الخميس، 14 سبتمبر 2017

أدلة متزايدة على تورط ترامب مع الروس

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

استفاق الأميركيون، أول من أمس، على خبر مفاده أن موسكو موّلت حملات داخل الولايات المتحدة ضد الهجرة إلى أميركا، وهو ما أثار حفيظة غالبية الاميركيين ضد التدخلات الروسية في شؤونهم الداخلية، خصوصاً بعدما أعلن موقع «فيسبوك» للتواصل الاجتماعي أن الاستخبارات الروسية كانت اشترت دعاية انتخابية، بقيمة 100 ألف دولار، للتأثير في الانتخابات الرئاسية الأميركية التي جرت العام الماضي، وهو ما يخرق القانون الاميركي الذي يحظر على غير الاميركيين تمويل أي مرشحين أو نشاطات انتحابية.

وصباحاً أيضاً، بثت شبكة «ان بي سي» معلومات مفادها أن المحقق الخاص في قضية إمكانية تورط الرئيس دونالد ترامب في التعامل مع روسيا روبرت مولر يسعى للتحقيق مع مايكل فلين الابن، نجل مستشار الأمن القومي المعزول الجنرال مايكل فلين. ويبدو أن مولر يعتقد ان لفلين الابن اتصالات مباشرة مع جهات في روسيا قد تساهم في حل ألغاز تعامل ترامب وحملته مع موسكو ضد الحزب الديموقراطي، وقيام الروس باختراق البريد الالكتروني لقياديي هذا الحزب، ونشر رسائلهم الالكترونية بشكل فضائحي لإضعاف حظوظ مرشحتهم الى الرئاسة هيلاري كلينتون في الفوز.

ظهراً، نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» معلومات عن أن فلين أخفى عن السلطات الاميركية مشاريع بناء 40 مفاعلا نوويا لانتاج الطاقة في دول عربية، منها 16 في السعودية و4 في مصر و2 في الاردن. ويبدو أن فلين كان يعمل على هذه الصفقة بالاشتراك مع الاسرائيليين والروس، وانه تابع عمله هذا حتى بعدما عيّنه ترامب في منصب مستشاره للأمن القومي مطلع العام الحالي. ولم يصرّح فلين عن مشروعه هذا لنيل «تراخيص أمنية» مطلوبة لاطلاعه على تقارير الاستخبارات الاميركية بموجب منصبه الجديد، وهو ما يخالف القانون الأميركي.

مساء، أطلت شبكة «سي ان ان» بكشفها ان مستشارة الأمن السابقة سوزان رايس هي التي كشفت هويات ثلاثة من مساعدي ترامب، هم فلين وصهره جاريد كوشنر ومساعده السابق ستيفن بانون، على اثر اجتماع هؤلاء مع مسؤول عربي زار نيويورك بعد انتخاب ترامب، وقبل تسلم الأخير الحكم، من دون تنسيق الزيارة مع إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، حسبما تملي الاعراف.

وجاءت تصريحات رايس أثناء مثولها في جلسة مغلقة أمام لجنة تحقيق في إمكانية تورط ترامب مع الروس تابعة للكونغرس. ويبدو ان اللجنة المعنية تعتقد ان المسؤول العربي ساهم في إقامة قنوات خلفية سرية بين ترامب وموسكو، وأنه رعى لقاء بين اريك برينس، شقيق بتسي دافوس أكبر مانحة لحملة ترامب الانتخابية والتي تشغل اليوم منصب وزيرة التعليم، وبين مسؤول روسي مقرب من الرئيس فلاديمير بوتين. وتم اللقاء في إحدى جزر المالديف. وبرينس هو رئيس شركة «بلاك ووتر» الأمنية، ذات الصيت السيئ بسبب قيام عدد من العاملين لديها بقتل مدنيين في بغداد قبل نحو عقد من الزمن.

هكذا، بين الصباح والمساء، تتسارع الخبطات الإعلامية، وتحدث كل منها هزّة تشغل شبكات التلفزة والراديو الأميركية لساعات. وعلى الرغم ان استطلاعات الرأي تظهر تحسناً طفيفاً في شعبية ترامب، بسبب كيفية تعاطيه مع إعصاري «هارفي» و«إيرما» اللذين ضربا جنوب البلاد الشرقي، وبسبب توصله لاتفاقية تعويضات للاعصار ولتمويل عمل الحكومة حتى نهاية العام مع الديموقراطيين، الا أن وضع الرئيس الاميركي القانوني يبدو مهتزاً أكثر فأكثر مع مرور الساعات.

ومن غير المعروف متى سيقوم مولر بتسليم نتائج تحقيقاته الى وكيل وزير العدل رود روزنستاين، الذي يشرف على عمل لجنة التحقيق بسبب تحييد وزير العدل جيف سيشنز نفسه، إذ كان الوزير من مسؤولي حملة ترامب ممن ثبت تعاملهم مع مسؤولين روس، كان في طليعتهم سفير موسكو السابق في واشنطن سيرجي كيسيلياك.

عن سلام لبنان مع اسرائيل

بقلم حسين عبد الحسين

أثار احتجاز جوازي سفر المخرج اللبناني الفرنسي زياد دويري، لدى وصوله مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت هذا الاسبوع، ثم التحقيق معه في المحكمة العسكرية اللبنانية، بسبب زيارته إسرائيل قبل خمس سنوات، عاصفة من ردود الفعل اللبنانية، التي انقسمت بين مؤيد لمحاسبة الدويري ومعارض لها.

مؤيدو محاسبة دويري اعتبروا أن الرجل زار دولة عدوة، أي إسرائيل، ولذا تجب محاكمته. معارضو المحاسبة اعتبروا أن الدويري زار إسرائيل لإنتاج عمل سينمائي ضد إسرائيل. فعليا، اتفق مؤيدو محاسبة المخرج اللبناني ومعارضوها على مواجهة إسرائيل، وانقسموا حول كيفية وأساليب مواجهتها.

يكتب السيد بيار أبي صعب في ”الاخبار“ اللبنانية الموالية لـ ”حزب الله“ أن محاسبة دويري ضرورية لأن ما فعله ليس من باب ”الاختلاف والمغايرة، ولا تربطه علاقة عضوية بمعاركنا الفعلية من أجل الحرية والتقدم واستعادة الحقوق“. ويختم أبي صعب مقالته بالقول إنه ”حتى إشعار آخر، إسرائيل ليست وجهة نظر في لبنان ولا دولة جوار، بل عدو غاصب، وعملاؤها ليسوا أبطالا، بل خونة ومتعاونين“.

في ”معركة الحرية“ التي يخوضها أبي صعب، الموقف من إسرائيل ”ليس وجهة نظر“، وهو ما يعني أن ”معركة الحرية“ هذه هي من أجل فرض بعض وجهات النظر التي تعجب السيد أبي صعب، ومحاكمة وجهات النظر التي لا تعجبه. هذه هي ”معركة الحرية“ التي تخوضها جريدة الأخبار و“حزب الله“ وأبي صعب.

لا مفاجآت في سطحية الفكر المؤيد للثورة الإيرانية، فهذه الثورة نفسها تحمل كمية من الأفكار البالغة في التضارب إلى حد الهول، وسبب التضارب هو قيام بعض ”المفكرين الإسلاميين“ الإيرانيين والعراقيين، في الستينيات والسبعينيات، بتبني الشيوعية ومزجها بالإسلام، فنتج عن ذلك فكر هجين متناقض. مثلا، إذا كانت ثورة إيران هي ثورة المستضعفين، فلماذا حكومة إيران هي حكومة إسلامية؟ إلا إذا اعتبرنا أن كل المسلمين مستضعفون، وكل غير المسلمين مستكبرون، وهو تعميم لا حاجة للإشارة إلى تفاهته.

فكر المستضعفين والمستكبرين هو فكر ماركسي يرى الشعوب طبقات اقتصادية واجتماعية، ولا يراها هويات قومية، فيما الفكر الإسلامي هو فكر شوفيني قومي، يصنف العالم على أساس انتمائهم المذهبي الديني، لا الاقتصادي، وجمع النظريتين هو من باب التضارب الذي لا يأبه له الشعبويون، مثل مؤسس الجمهورية الاسلامية الراحل روح الله الخميني، الذي يكتب عنه مؤيد النظام، الأكاديمي الإيراني الأميركي ولي نصر، أن الخميني رفض الانخراط في مواضيع الحكم، وقال إن ”الثورة الإيرانية لم تأت لتخفيض أسعار البطيخ“.

من هذا التخبط الفكري يأتي أبي صعب "حزب الله"، وهذا التخبط الفكري هو الذي يدير الصراع اللبناني مع إسرائيل، فيصبح صراعا غير مفهوم سببه ولا أهدافه.

نائب أمين عام ”حزب الله“ نعيم قاسم واضح في موقفه، فهو يقول في كتابه إن لبنان جزء من محور ”مقاومة الاستكبار العالمي“، أي أن لبنان يرفض النظام العالمي بأسره، والقائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

مجموعة أخرى من ”حزب الله“ تربط الصراع اللبناني بالقضاء على إسرائيل كليا، ويكتب بعضهم أن ”السيد“ (يعني أمين عام ”حزب الله“ حسن نصرالله) وعدهم بالصلاة في المسجد الأقصى في القدس.

أما المجموعة الثالثة، فهي التي تربط الصراع اللبناني مع إسرائيل بالتاريخ الثنائي بينهما. لكن هذا التاريخ توقف بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في العام 2000، وحتى لو كانت إسرائيل ماتزال تحتل أراضي لبنانية حدودية، إلا أنها أراض مقفرة ولا يسكنها لبنانيون، ما يعني أن ما بقي من الصراع بعد العام 2000 لا يعدو كونه خلافا حدوديا.

مجموعة رابعة من اللبنانيين تربط السلام اللبناني مع إسرائيل بموقف الجامعة العربية، وضرورة التزام لبنان إجماع الجامعة، وانتظار حصول الفلسطينيين على حقوقهم. طبعا لا إجماع في جامعة لعضوين منها اتفاقيات سلام مع إسرائيل. أما الحقوق الفلسطينية، فواجب تحديدها، والغالب أن ذلك يتضمن قيام دولة فلسطينية، إذ أن قطع علاقات لبنان مع أي دولة، بسبب حقوق الإنسان داخل هذه الدول أو ممارسات حكومية أخرى، قد تجبر لبنان على قطع علاقاته مع حكومته نفسها، التي تتمتع بسمعة عنصرية لا يستهان بها.

الحرية تعني حرية النقاش حول أسباب استمرار العداء اللبناني مع إسرائيل، والأهداف المطلوبة لانهائه والتوصل إلى سلام لبناني إسرائيلي، أو الاستمرار في حرب وجودية بينهما على مدى أجيال.

والحرية تعني استحالة حصول أي إجماع لبناني على موقف واحد من إسرائيل، أو حول أي موضوع آخر، وهو ما يحصر تهمة العمالة بمن يتورطون بإفشاء أسرار حكومية وعسكرية لبنانية، لا لإسرائيل فحسب، وإنما للدول الصديقة كذلك، وهذا هو تعريف العمالة أصلا. عدا عن ذلك، تدخل عبارات مثل ”التطبيع الثقافي“ في باب اعتقاد انه يمكن لأي حكومة أو حزب أو مجموعة تحديد الفكر والعلاقات بين البشر.

المعركة من أجل الحريات في لبنان تعني إلغاء قوانين تحديد مع من يمكن للبنانيين أن يتحاوروا، وأي دول يمكنهم أن يزوروا، وأي أفلام يمكنهم أن يشاهدوا، أو أي كتب يمكنهم أن يقرأوا، أو التغريدات التي يمكنهم أو لا يمكنهم كتابتها (تحت طائلة السجن). هذه هي الحريات. أما اعتبار أن موضوع ما ”ليست وجهة نظر“، فهذا في صميم القضاء على الحريات، لا القتال من أجلها.

الأربعاء، 13 سبتمبر 2017

ترامب يسعى لاجتماع الأسبوع المقبل يضم قادة السعودية والإمارات وقطر

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

باستثناء الأوضاع الطارئة، مثل أزمة كوريا الشمالية التي أجبرت الرئيس دونالد ترامب على اجراء اتصالين برئيس حكومة اليابان شينزو آبي في ساعات، يندر أن يتصل الرئيس الاميركي بزعماء الدول أكثر من مرة واحدة في الأسبوع، وهو ما يشي أن الادارة الاميركية قررّت الانخراط بجدية للتوصل إلى تسوية للأزمة الخليجية، على اثر زيارة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد إلى واشنطن ولقائه ترامب، الاسبوع الماضي.

في هذا السياق، جاء الاتصال الذي أجراه ترامب، مساء أول من أمس، مع ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، للحديث عن الأزمة الخليجية المستمرة منذ نحو 6 أسابيع، وهو الاتصال الثاني بين الزعيمين في أقل من أسبوع، ويأتي في أعقاب الاتصالات التي كان أجراها ترامب، الاسبوع الماضي، مع كل من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، وولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان، فضلاً عن الشيخ محمد بن زايد.

ووصفت مصادر الادارة الاميركية اتصال ترامب الأخير بولي عهد أبوظبي بـ«الجيد» و«الإيجابي»، وقالت انه تم التطرق الى موضوع التسوية لأزمة الخليج، فضلاً عن كيفية الاستمرار في مكافحة تمويل الارهاب والقضاء على الارهابيين.

وذكر البيت الأبيض، في بيان، أن الرئيس الأميركي سلط الضوء على «أهمية الوحدة بين حلفاء أميركا في المنطقة، وحاجة جميع الدول لفعل المزيد لإيقاف تمويل الجماعات الإرهابية وإضعاف الأيديولوجية المتطرفة وهزم الإرهاب».

وكانت سلسلة اتصالات ترامب مع زعماء الخليج الثلاثة أفضت لاتصال أجراه أمير قطر مع ولي عهد السعودية، وهو ما اعتبره المراقبون «اختراقاً» على طريق حل الأزمة، إلا أن وزارة الخارجية السعودية أعلنت في وقت لاحق «تعليق» الحوار مع قطر، وعزت موقفها الى ما وصفته بـ «تحوير الحقائق»، الذي ذكرت أن وسائل إعلام قطرية مارسته في وصفها لفحوى الحوار الذي دار بين الزعيمين.

لكن المصادر الاميركية تعتقد أن المشكلة تتعلق بامتناع أمير قطر عن الاتصال بولي عهد أبوظبي، على غرار اتصاله بولي عهد السعودية، فيما كان لافتاً أن ترامب لم يجر أي اتصالات مع زعماء الدول الأخرى المقاطعة لقطر، أي مصر والبحرين.

وتقول المصادر الاميركية انها تعتقد بوجود خشية لدى دول خليجية من أن تستغل الدوحة هذه الثغرة وتقوم بمصالحة السعودية فقط.

ورغم صعوبة الموقف وتعقيدات الأزمة، يبدو أن الرئيس الأميركي مصمم على «اقتناص» صيد سياسي ثمين بتوصله إلى تسوية يضيفها إلى سجله الفتي، الذي يحوي إنجاز توصله الى تسوية مع معارضيه الديموقراطيين، قضت بمصادقة الكونغرس على أموال إغاثة منكوبي الاعاصير جنوب البلاد وتمويل عمل الحكومة حتى نهاية العام الحالي.

وإصرار ترامب هو الذي يدفع العاملين في الإدارة الأميركية إلى التمسك بالتفاؤل حيال قدرة الرئيس على النجاح في التوصل إلى تسوية «في المستقبل القريب»، رغم التشاؤم الذي يسيطر على متابعي الوضع الخليجي في ظل التصعيد الإعلامي من قبل أطراف الأزمة.

ورغم أن مصادر الادارة الاميركية ترفض تحديد موعد لانفراج الأزمة الخليجية، الا أن الجدول الزمني الظاهر يشير الى امكانية عقد لقاء قمة يجمع زعماء السعودية وقطر والامارات، برعاية ترامب، على هامش اعمال الجمعية السنوية للأمم المتحدة، التي تبدأ دورة انعقادها في نيويورك الأسبوع المقبل.

اميركا والمعضلة الروسية

حسين عبدالحسين

تداولت الاوساط الحكومية الاميركية تقارير مفادها ان موسكو تساهم في تأزيم الوضع الدولي مع كوريا الشمالية. وافادت التقارير ان اجزاء كبيرة من الصواريخ الكورية الشمالية التي تم تجريبها مؤخرا كانت روسية الصنع. ويعتقد الاميركيون ان موسكو تشارك في صناعة المشكلة الكورية حتى تلعب دورا في الحل، كما بدا في استضافة روسيا للقاء هدف لتسوية مع الكوريين الشماليين. اما هدف موسكو الأبعد، فادارة ديبلوماسية دولية من دون واشنطن.

والتصرف الروسي في كوريا الشمالية لا يختلف عمّا فعلته، وماتزال تفعله موسكو، في الشرق الاوسط، حيث تتدخل عسكريا لمصلحة الرئيس السوري بشار الأسد في سوريا، وتحاول ان تصنع منه حليفا يعتمد عليها، ثم تسوق ديبلوماسيتها، المبنية على نفوذها لديه، للتوصل الى تسوية سورية، ايضا من دون الاميركيين، وهي تسوية ظهرت بوادرها في الاتفاقيات الروسية الايرانية التركية، من دون الاميركيين، لرسم مناطق خفض تصعيد وضمان الهدنة فيها.

ومن كوريا الشمالية وسوريا الى الخليج، حيث تعتقد وكالات حكومية اميركية ان موسكو ساهمت في الاشراف على قيام دولة الامارات العربية في الاختراق الالكتروني ضد وكالة الانباء القطرية (قنا)، وهو الاختراق الذي اشعل أزمة الخليج قبل ستة اسابيع، ليطلّ وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف في زيارة لعواصم الأزمة، مقدما نفسه كصانع سلام. 

الاسلوب الروسي في محاولة انتزاع صدارة الديبلوماسية العالمية ليس حديثا، بل هو من زمن السوفيات، وهو الاسلوب الذي تبناه وبرع به الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، الذي كان يدعم حركات التحرر العالمية بيد، ويقبض على ناشطيها وقادتها باليد الأخرى، ويسلمهم للغرب على انهم ارهابيون، فتصبح قيمته غربيا عالية، وتتم دعوته الى كل مؤتمرات السلام العلنية، ولقاءات الاقبية الاستخباراتية.

حتى ان الأسد استخدم الصراع العربي الاسرائيلي برمته في سياق تسويق نفسه صانع سلام عالميا، فهو كان يشعل حدود لبنان مع اسرائيل، فيما يضبط الجولان ويرسل وزير خارجيته فاروق الشرع ليتسامر ورئيس حكومة اسرائيل السابق ايهود باراك في منتجع كامب دايفد الرئاسي الاميركي.

اسلوب الأسد هذا وضعه في مواجهة مع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، اذ لم يألُ الأسد جهدا لتقويض عرفات وتقديم نفسه بديلا عن القيادة الفلسطينية، والتفاوض مع اسرائيل والغرب باسم الفلسطينيين. هذا يعني ان كل طلقة قدمها نظام الأسد الى ”حركات التحرر“ العالمي، بما فيها بعض الفصائل الفلسطينية، كانت بهدف توريط هؤلاء في مواجهات ضد الغرب، ثم تقديمهم قرابين زعامته الاقليمية، حتى اتى اليوم الذي وجد الأسد الابن نفسه مدعوما من قوى تسعى نفسها للسيطرة على قراره، وبناء زعامتها الدولية على حسابه.

والاسلوب الروسي السوري هو نفسه الذي تبنته ايران امام اميركا في افغانستان والعراق، فاجبرت الرئيس جورج بوش الابن على ايفاد سفيره ريان كروكر سرا الى جنيف للقاء كبار المسؤولين الايرانيين، وفتح قناة ديبلوماسية مازالت قائمة حتى اليوم، على جثث عرب سوريين وعراقيين كثيرين، وما استمرار النزاع في الجنوب السوري الا مباراة بين ايران والأسد وروسيا حول من يمسك بحدود سوريا مع اسرائيل، حتى يبتز الغرب وأميركا، ويصبح نجم الديبلوماسية الدولية، وصانع سلام الحروب التي يشعلها.

الولايات المتحدة تدرك ان روسيا تشاغب لتسيطر على الديبلوماسية العالمية. على ان مشكلة اميركا تكمن في انها تدرك ان اللعبة الروسية اصابت القلب الاميركي في الصميم: رئيس في البيت الابيض مدين ماليا للمافيا المالية الروسية، ومتواطئ مع الروس في اختراق الحسابات الالكترونية الاميركية والتلاعب بالعملية الانتخابية.

وحتى يحسم الاميركيون مصيرهم بالتخلص من دونالد ترامب والكابوس الروسي، ان هم نجحوا في ذلك، ستبقى زعامتهم العالمية مهزوزة، وهو ما يسمح لموسكو بالمزيد من التوسع وصناعة تحالفات مع دول تحكمها مجموعات تشبه الحكم الروسي في تسلطه داخليا ومشاغبته دوليا.

الأحد، 10 سبتمبر 2017

واشنطن: الأزمة الخليجية على سكة الحل رغم تعليق الحوار

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في المعايير المحلية، كانت زيارة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد واشنطن من أفضل الزيارات التي شهدتها العاصمة الأميركية منذ بدء عهد الرئيس دونالد ترامب، مطلع العام الحالي. وتزامنت زيارة سموه مع اعتقاد ترامب أنه كان حقق أكبر انتصار سياسي له منذ انتخابه، عبر التوصل مع الحزب الديموقراطي المعارض إلى تسوية قضت بموافقة الكونغرس على إنفاق 15 مليار دولار لتعويض الجنوب الأميركي المنكوب بالإعصارات، وبتمويل عمل الحكومة حتى نهاية العام.

هكذا، كان ترامب مزهواً ويتمتع بمزاج جيد وروحية عالية لدى استقباله سمو الأمير. وساهم مزاج ترامب في رغبته بتحقيق اختراق آخر والتوصل إلى صفقة في السياسة الخارجية يُضيفها إلى سجله الرئاسي، بعد صفقته الداخلية مع الديموقراطيين، فالرئيس الأميركي وصل البيت الابيض بعدما وعد الأميركيين أنه رجل الصفقات والتسويات، وهو يحاول إثبات أنه كذلك.

وهكذا، عندما التقى ترامب سمو الأمير في المكتب البيضاوي، خرج الرئيس الاميركي عن النص الذي كان مُعدّاً له، حسب مصادر أميركية، إذ كان من المفترض أن يشكر أمير الكويت على جهوده في الوساطة ومساعيه لحل الأزمة الخليجية، وأن يبلغ ضيفه الكويتي أن المصلحة القومية للولايات المتحدة تقضي بإعادة لم شمل حلفائها، خصوصاً الخليجيين، وأن واشنطن مستعدة لتقديم أي دعم وإيفاد أي موفدين تعتقد الكويت أنهم قد يساهمون في دعم الوساطة الكويتية والتوصل إلى حل للأزمة بين قطر والدول الأربع (السعودية والإمارات ومصر والبحرين).

على أن ترامب تجاوز البروتوكول مرات عدة أثناء استقباله سمو الأمير، بتخصيص ضيفه بتغريدات ترحيب من حسابه الشخصي حول الزيارة، وهذا قلّما يفعله ترامب على حسابه على «تويتر» الموجه عموماً للداخل الأميركي، وخصوصاً اليمين منه المعادي لكل ما هو خارجي. كذلك تجاوز ترامب العادات بمضيه في فسح مجال واسع للصحافيين الأجانب بتوجيه الأسئلة إليه ولسمو الأمير، أكثر من المتعارف عليه في العادة.

وفي لقاء القمة، ذهب ترامب أبعد من المتفق عليه في الحوار مع الوفد الكويتي حول الأزمة الخليجية، فقال لسمو الأمير إنه مستعد للقيام بما يلزم لحل هذه الأزمة، فأبلغه الأمير بما يمكن أن يفعله للتوصل إلى تسوية، فرد الرئيس الأميركي، حسب المصادر، أن أولويته أن توقف أي دولة معنية «تمويل الإرهاب»، فأبلغ سمو الأمير ترامب بأنه يكفل قطر في حال تم التوصل لاتفاق، فرد ترامب (حسبما سبق ان أوردت «الراي») بالقول «ديل» بالانكليزية، وتعني «اتفاق» بالعربية.

هكذا، لم يكد ينته لقاء القمة الاميركي - الكويتي، حتى أجرى ترامب ثلاثة اتصالات بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد، وحض الثلاثة على بدء التواصل فوراً، ووعد باستضافتهم في الولايات المتحدة قريباً. وفعلاً بادر أمير قطر بالاتصال بولي العهد السعودي، واتفقا على لقاء موفدين عنهما لتسوية النقاط العالقة.

ورغم إعلان السعودية في ما بعد «تعطيل» الحوار مع قطر حتى إشعار آخر، تتمسك المصادر الاميركية بالقول إن «المصالحة ستتم في غضون أسابيع». على أنه في الوقت نفسه، ما زالت التعليمات الى دوائر الديبلوماسية الاميركية تقضي بالتعامل مع الأزمة الخليجية وكأنها طويلة الأمد، بالرغم من التفاؤل غير المسبوق الذي ساد القيادة السياسية. ويقول المسؤولون ان «السياسة والبيروقراطية تعملان بتوقيت مختلف»، وتوقع احدهم أن تصدر تعليمات سياسية جديدة إلى الديبلوماسية الاميركية في وقت قريب.

الشق الثاني، والأكبر، من زيارة سمو الأمير الى واشنطن، كان له تفاعلات إيجابية أوسع لدى الادارة الاميركية، إذ وصف أحد المسؤولين الاميركيين تحالف الولايات المتحدة مع الكويت بأنه «نموذجي»، معتبراً أنه «لو كانت علاقة الولايات المتحدة مع كل أصدقائها وشركائها على شاكلة علاقتها بالكويت، لكان العالم في موقع أفضل مما هو عليه».

وتضمن الشق الثاني لقاءات على كل المستويات، تصدرها غداء العمل في البيت الأبيض بين الرئيس والأمير، بمشاركة وفديهما، تلى ذلك اجتماعات ثنائية على مستوى الوزارات، وتوقيع معاهدات تجارية وجمركية، وإبرام عقود مالية بين الدولتين.

في المحصلة، يعتقد الأميركيون ان زيارة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الى الولايات المتحدة وقمته مع ترامب «حققت كل المتوقع منها، بل أكثر من ذلك». ويعتقد بعض المسؤولين أن «المزيد من النتائج الإيجابية ستظهر في المستقبل القريب»، في إشارة إلى احتمال التوصل إلى حل للأزمة الخليجية، في وقت لم يعد كثيرون يؤمنون بأن هذه الأزمة ستصل إلى خاتمتها في المستقبل المنظور.

ترامب يطرد المسيحيين العرب

حسين عبدالحسين

أكثر من 40 ألفاً من المسيحيين العراقيين الاميركيين، من طائفة الكلدان، أدلوا بأصواتهم لمصلحة المرشح الرئاسي دونالد ترامب العام الماضي، وساهموا — دون شك — في فوز الرئيس الاميركي بولاية ميشيغان، بفارق 11 الف صوت فقط. هؤلاء المسيحيون العراقيون هم من صوّرهم "مستشار ترامب" المزعوم السيد وليد فارس، وهو لبناني أميركي، على انهم "تحالف الشرق اوسطيين" الداعمين لترامب اثناء حملته.

يومذاك، اجتاحت "حمّى ترامب" المسيحيين العراقيين ومعظم المسيحيين العرب الاميركيين، وهللوا للمرشح ترامب كلّما شتم الاخير المسلمين الاميركيين، أو المسلمين عموماً، وتفاءل المسيحيون العرب الاميركيون ان ترامب سيلعب دورحاميهم وحامي الاقليات في الشرق الاوسط، واستبشروا خيرا يوم أعلن ترامب مرسومه الاشتراعي، الذي منع بموجبه مواطني ست دول، ذات غالبية مسلمة، من دخول الولايات المتحدة.

وكانت المفارقة أن أول من تم تطبيق قرار حظر السفر بحقّهم عائلة من السوريين المسيحيين، كانت وصلت الولايات المتحدة من دمشق. لم تعر السلطات الأميركية أهمية لمذهب هؤلاء السوريين، حتى بعدما تبين ان شقيق رب العائلة كان من المواطنين الاميركيين، المقيمين في ولاية بنسلفانيا، ممن صوتوا لترامب، وممن ساهموا في اقتناص الولاية الديموقراطية عادة لمصلحة الجمهوريين.

في ذروة "حمّى الاقليات"، حذّر كثيرون "الشرق أوسطيين" من اللعب بنار العنصرية، ومن أن اليمين الاميركي الابيض لا ينظر اليهم كأخوانه في الدين المسيحي، بل يراهم عرباً ذي بشرة داكنة، ولهجة انكليزية ثقيلة، ومأكولات ذات رائحة. وقتها، تنطح نفر من جماعة فارس، وكالوا الاتهامات للمنتقدين بأنهم من "الاخوان المسلمين"، المغرضين، الذين يكرهون المسيحيين والاقليات، في الشرق الاوسط وفي اميركا.

الأسبوع الماضي، نشرت مجلة "اتلانتيك" تقريراً عن المسيحيين العراقيين الذي صوّتوا لترامب بكثافة، ليجدوا انفسهم في مواجهة عناصر "دائرة الهجرة"، التي تنقض عليهم في منازلهم، وترحّل منهم اللاجئين ممن انقضت مدة تأشيراتهمالسياحية، وممن لا يحملون تأشيرات هجرة صالحة.

والاسبوع الماضي ايضاً، نشر موقع "بوليتيكو" أن السيد فارس "يطلب 15 الف دولار أو أكثر“ حتى يمثل امام السلطات الاميركية وتقديم شهادته أن المسيحيين ممن سيتم ترحيلهم من الولايات المتحدة يواجهون خطر الاضطهاد، وربما القتل، في وطنهم الأم العراق.

"(ترامب) وحش ساهم (فارس) في خلقه، والآن يطلب (فارس) الاف الدولارات حتى يساعد (المسيحيين) في حمايتهم منه"، يقول العراقي الاميركي الكلداني ستيف أوشانا. ويضيف "من المعيب استغلال الناس وهم في اضعف حالاتهم".

السيد فارس طلب من المسيحيين العرب تبرعاتهم واصواتهم ليترأس باسمهم مجموعة "الشرق اوسطيين من اجل ترامب"، والآن يطلب فارس من المسيحيين انفسهم اموالهم لحمايتهم من ترامب نفسه، وهذا ما يسميه اللبنانيون في العامية بـ"المنشار"، الذي يتقاضى الاموال "على الطالع وعلى النازل"، وهي صفة تلائم فارس، والأهم انها تلائم ترامب، الذي يتقاضى اموال اليمين المسيحي حتى يهاجم مسلمي العالم، ثم يتقاضى اموال مسلمي العالم — على شكل استثمارات في مشاريعه — ليوقف هجومه عليهم، في ابتزاز واضح وعلني وصريح.

المشكلة في السيدين فارس وترامب ليست في تعاليم المسيحية ولا في تعاليم الاسلام، بل المشكلة تكمن في صميم شخصيتيهما، وفي المنظومة الاخلاقية والفكرية الفاسدة التي يتبنيانها، والتي تقضي ببيع الكلام، وتحريض الشعوب والمذاهب على بعضها البعض، وتحقيق الكسب في زمن الحرب، كما في زمن السلم.

ربما ما يزال بعض "الفينيقيين الجدد" غارقون في تحليلاتهم الجينية حول "الهوية المتوسطية الاوروبية" للبنانيين، على عكس البرابرة العرب الذين اجتاحوا فينيقيا في القرن السابع الميلادي ومازالوا يحكمونها ببطش ودموية. لكن الواقع أن هذه النظريات العنصرية التافهة لا تسمن ولا تغني، والحماية الوحيدة لأقليات الشرق الاوسط، كما لأكثرياته، تكمن في المواطنية والمساواة، بغض النظر عن العرق او الدين او الثقافة، وهو الدرس الذي يبدو انه يفوت بعض مسيحيي الشرق، مراراً وتكراراً.

الخميس، 7 سبتمبر 2017

الأمير متفائلاً بحل قريب للأزمة الخليجية: الحمد لله... أوقفنا الخيار العسكري

| واشنطن - من حسين عبد الحسين |

غطى الحديث عن أزمة الخليج في البيت الأبيض على كل المواضيع والملفات التي بحثت في القمة التاريخية التي جمعت صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد والرئيس الأميركي دونالد ترامب، حتى أن وسائل الاعلام العالمية «استنفرت» للتركيز على هذه الأزمة عندما عقد الزعيمان مؤتمرا صحافيا مشتركا عقب المحادثات، خصوصا مع المقاربة الصريحة والشفافة التي أجراها سمو الأمير لهذا الملف معربا عن أمله في حل للأزمة مع استعداد قطر للجلوس الى طاولة المفاوضات والبحث الجدي في المطالب الـ13 التي قدمتها دول المقاطعة، وكاشفا أن الوساطة الكويتية استطاعت لجم الخيار العسكري الذي كان مطروحا.

وكشف سمو الشيخ صباح الأحمد في المؤتمر المشترك ان الأزمة الخليجية تتجه نحو الانفراج، معلناً موافقة قطر على الجلوس إلى طاولة حوار لبحث المطالب الثلاثة عشرة التي قدمت إليها من دول المقاطعة الأربعة (السعودية والإمارات والبحرين ومصر». وقال «الأمل لم ينته لحل النزاع بين قطر وزميلاتها في الخليج، خصوصاً أن أصدقاءنا في الولايات المتحدة وأصدقاءنا الآخرين يعاونوننا في حل هذه القضية، وانا متفائل بأن الحل سيأتي قريباً جداً».

وأكد سموه استعداد الدوحة لتلبية مطالب قدمت إليها، مشيراً إلى ان «المطالب الـ13 يمكن بحثها على طاولة الحوار، ويمكن أن يتم حل كل النقاط التي تضر بمصالح الدول والعلاقات بين دول المنطقة».

وأمام إلحاح الصحافيين على سموه لكشف تفاصيل الانفراجة التي تحدث عنها، قال «ليس هناك عقدة لا حل لها... صحيح أن الأزمة معقدة، ولكن نجتمع على طاولة واحدة، ولدينا تأكيد من الدولة المعنية (قطر) بأنها مستعدة لبحث المطالب، ونحن لسنا من الدول التي قدمت المطالب، ولكن ضامنين وسنضغط على قطر، لأنه ليس من مصلحتها أن تبقى خارج الشمل، بل عليها أن تكون مع إخوانها في مجلس التعاون».

وأضاف سموه: «تلقيت جواباً على رسالتي إلى قطر ابدت فيه استعدادها للجلوس على طاولة الحوار وبحث كل المطالب، وأنا متأكد من أن قسما كبيراً من هذه المطالب سيُحل، والبعض الآخر نحن قد لا نقبله، فكل ما يمسّ السيادة لا نقبله»، معرباً عن تفاؤله بأن الأمور في طريقها إلى الحل.

وفيما قال سموه «نحمد الله أننا أوقفنا أن يكون هناك شيء عسكري»، بين «أن كل شيء سياسي يمكن أن يحل ونحن نعول على حكمة إخواننا في الخليج، بأن يقدروا الوضع في المنطقة، في سورية والعراق وليبيا، فالوقت الآن لتناسي الخلافات».

وإذ استنكر سموه المستوى الذي وصل إليه الخطاب الإعلامي في بعض الدول، اعتبر ان «انحدار الإعلام شيء غير مقبول لا تقبله الشعوب، وهذا الانحدار يسيء الى الشعوب وليس الى الحكام»، قائلاً: «نزلنا إلى أمور غير صحية وواطية في الإعلام».

وأضاف: «أننا في الكويت من أكثر الناس الذين تعرضنا لمثل هذا الأمر من إخواننا في قطر، ومع ذلك اجتمعنا مع إخواننا هناك وتم حل الموضوع».

من جهته ،مازح ترامب سمو الأمير بالقول: يسرني أن لديكم مشاكل مع وسائل الإعلام مثلنا».

وقال الرئيس الأميركي: «نشكر الكويت على جهودها في الحرب ضد تنظيم (داعش)، وهناك تعاون استخباراتي بين الكويت والـ(اف بي أي)»، معربا عن أمله «بأن يتوصل سمو الأمير بوساطته الحميدة لحل الأزمة الخليجية، ونأمل عودة العلاقات بين دول مجلس التعاون إلى طبيعتها وأن تكون موحدة»، قائلا إن البيت الابيض سيلعب دورا في حل الأزمة ان تعقدت.

واشار إلى ان «الكويت تسلمت خلال هذه السنة 10 طائرات بوينغ»، واعداً ببذل الجهد «لتسريع صفقات أخرى بقيمة 5 مليارات دولار تشمل مقاتلات سوبر هورنت، ما يعود بالنفع على البلدين».

هل يجمع الأمير وترامب زعماء «الخليجي» في نيويورك أو... كامب ديفيد؟

| واشنطن - من حسين عبد الحسين |

علمت «الراي» أن الرئيس دونالد ترامب ابدى استعداده للقيام بما يلزم من اجل دعم الوساطة الكويتية للتوصل الى حل للأزمة الخليجية. وقالت مصادر مطلعة على مجريات لقاء القمة الأميركي الكويتي إن سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد «حدد ما يمكن للرئيس ترامب أن يقوم به من أجل المساهمة في انفراج الأزمة»، وأن ترامب وافق على الاقتراحات الكويتية بالقول «ديل» (Deal وتعني اتفاقاً بالإنكليزية).

وتقول المصادر إنه «بسبب موافقة ترامب على الاقتراحات الكويتية للتوصل إلى حلول للأزمة الخليجية، ابدى الزعيمان تفاؤلا غير مسبوق لناحية اقتراب الأزمة الخليجية من خاتمتها». وفيما رفضت المصادر الأميركية توضيح سبب التفاؤل أو إمكانية وجود جدول زمني للتوصل الى حل خليجي، إلا أنها ألمحت إلى أنه من المتوقع أن يصل زعماء الدول — ومنهم الخليجيون ورئيس مصر عبد الفتاح السيسي — مدينة نيويورك في الأيام المقبلة للمشاركة في اللقاء السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة.

وتناقل متابعون أميركيون تقارير، لم يمكن التأكد من صحتها، أفادت أن الأفكار التي ”يتداولها الديبلوماسيون الأميركيون وشركاؤهم الكويتيون“ تتضمن إمكانية استضافة سمو أمير الكويت نظراءه الخليجيين في مقر إقامته في نيويورك. ويبدو أن الرئيس ترامب عرض كذلك استضافة زعماء النزاع الخليجي، في البيت الأبيض في واشنطن او في المنتجع الرئاسي في كامب دافيد، الواقع بين نيويورك وواشنطن، للحوار والتوصل الى اتفاقية تنهي الانقسام القائم بينهما.

وختمت المصادر ان ترامب وسمو الأمير توافقا على ان مصلحة كل من الولايات المتحدة والكويت تكمن في انهاء الخصومة الخليجية، وتوحيد الصف، واعادة ”مجلس التعاون الخليجي“ ليلعب دوره في الخليج ومنطقة الشرق الأوسط عموما.