السبت، 31 مارس 2018

تقرير / تصريحات ترامب العلنية تُعاكس سياسته الخارجية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بيلي بوش هو مقدم برامج ترفيهية كان على تواصل دائم مع دونالد ترامب، رجل الأعمال ونجم تلفزيون الواقع. في إحدى الرحلات المشتركة على متن باص، تحدث ترامب إلى بوش عن مغامراته الجنسية بشكل فاضح، وظهر الشريط إلى العلن قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية في خريف 2016، ما أدى إلى قيام الشبكة التي يعمل فيها بوش الى طرده، فيما وصل ترامب الى البيت الابيض.
يروي بوش عن سني عمله مع ترامب، فيقول إنه خابر ترامب يوماً، وأبلغه بأن برنامجه التلفزيوني «ذي ابرنتيس» حل في المرتبة الثالثة لناحية البرامج الأكثر مشاهدة، على عكس ما أدلى به ترامب لبوش في مقابلة. أصرّ ترامب على أنه في الصدارة، وعندما واجهه بوش بالأرقام، رد ترامب: «أعرف أننا في المركز الثالث، ولكن قل للعالم دائماً أننا في المركز الأول، وسيصدقونك».
تلك الحادثة التي رواها بوش على برنامج «بيل ماهر» تعكس بالضبط أسلوب عمل الرئيس الاميركي، الذي يعتقد أن إصراره على تكرار أفكار معينة علناً، وإن كانت غير صحيحة، تدفع الناس إلى تصديقها، وهو الأسلوب الذي يبدو أن ترامب يمارسه في سياسته الخارجية، التي يعلن فيها عكس ما يفعله.
في صدارة مواربة ترامب يأتي الموضوع الروسي، إذ بثت شبكة «إن بي سي» تقريراً مفاده أن الرئيس الأميركي أصدر تعليمات للعاملين في فريقه بألا يدلوا بأي تصريحات علنية تتعلق بقيام واشنطن بطرد 60 ديبلوماسياً روسياً، ردا على قيام موسكو بشن هجوم بغاز الأعصاب على عميل استخبارات روسي مزدوج سابق يقيم في بريطانيا. 
وبالفعل، اكتفى مسؤولو البيت الابيض بعقد جلسة مغلقة مع الصحافيين، شرحوا فيها أسباب طرد الديبلوماسيين الروس بالقول ان الولايات المتحدة تسعى لعلاقة جيدة مع موسكو، وهو ما دأب على تكراره ترامب، لكن شرط العلاقة هو «قيام موسكو بتغيير تصرفاتها». تغيير التصرفات هذا يبدو أنه السياسة التي تبنتها إدارة ترامب أخيراً تجاه موسكو. المشكلة الوحيدة أنها سياسة سرية، يتم تداولها خلف الأبواب الموصدة فحسب، في وقت يصر ترامب على التصرف وكأنه صديق لنظيره الروسي فلاديمير بوتين.
والسرية في السياسة الخارجية كان ترامب تبناها منذ أيامه الاولى في البيت الابيض، إذ ان أول القرارات التي اتخذها قضى بوقف وزارة الدفاع الإعلان عن عديد الجنود الأميركيين المنتشرين في مناطق الصراع حول العالم، خصوصاً في أفغانستان والعراق وسورية. علّلت وزارة الدفاع قرارها يومذاك بأن عديد القوات يجب أن يرتبط بالحاجة العسكرية إليها حسب المهمة المولجة بها، وأن ربط هذا العدد برضى الرأي العام الاميركي يؤدي إلى سيطرة الرأي السياسي - لا العسكري - على قدرات القوات الاميركية القتالية.
والسياسة الاميركية تجاه سورية صارت جليّة منذ نجاح التحالف الدولي في القضاء على مقاتلي تنظيم «داعش» واستعادة الأراضي التي كان يسيطر عليها. منذ ذلك الوقت، تبنت واشنطن مقولة ضرورة بقاء قواتها منتشرة في منطقة الجزيرة شرق الفرات لاستكمال الحرب على «داعش» ولتأكيد عدم عودة التنظيم إلى الحياة مجدداً. لكن السياسة الفعلية لواشنطن كانت ترتبط أكثر بحماية الحلفاء، الأكراد من تركيا، وإسرائيل من خطر الهلال الايراني، الممتد من طهران إلى بيروت عبر العراق وسورية.
ومع تعيين ترامب السفير السابق لدى الأمم المتحدة، وأحد أبرز اصدقاء اسرائيل في واشنطن، جون بولتون مستشاراً للأمن القومي، من المرجح أن تستمر سياسة أميركا القاضية في بقاء قواتها شرق الفرات تعزيزاً لهدف حماية الحليفين الشرق أوسطيين.
في ظل مواقف واشنطن الواضحة تجاه بقاء قواتها شرق سورية، يصبح تصريح ترامب الأخير عن قرب انسحاب القوات الاميركية من سورية وترك المنطقة «لآخرين» تصريحاً خارج سياق السياسة الخارجية للولايات المتحدة، بل يناقض هذه السياسة، خصوصاً أن العاملين في الفريق الرئاسي ردوا على تصريح رئيسهم بشكل غير مباشر، بالقول ان «سياسة الولايات المتحدة في سورية والعراق والشرق الاوسط باقية على ما هي عليه».
والحال هذه، يصبح تصريح ترامب حول قرب الانسحاب الأميركي من سورية تصريحاً للاستهلاك الداخلي فحسب، إذ يعد الرئيس الاميركي مناصريه بخروج البلاد من سلسلة الحروب حول العالم، وهي الحروب التي هاجمها عندما كان مرشحاً مراراً ووعد بإنهائها والانتصار فيها خلال أسابيع، لكنها وعود من قبيل الكلام فحسب، من دون أي تأثير في مجرى السياسة الخارجية الاميركية أو تغيير فيها. 
تصريح ترامب عن سورية هو، كما قال لبيلي بوش يوماً، «قل للعالم دائماً وسيصدقونك»، ولكن الواقع لا يبدو أنه سيتغير.

الثلاثاء، 27 مارس 2018

من أحرق الشرق الأوسط؟

حسين عبد الحسين

نشر الباحث المرموق روبرت كابلان مقالة بعنوان "البعث سبب الفوضى في العراق وسورية"، قدم فيها ـ بالصدفة ـ رأيا ممتازا حول مشكلة الدور الأميركي في الشرق الأوسط، وهو رأي يغيب عن نقاشات الشرق أوسطيين، خصوصا المتمسكين منهم بنظريات المؤامرة على أنواعها.

ينسف كابلان التهم التي تحمل الولايات المتحدة مسؤولية احتراق الشرق الأوسط، ويقول إن أميركا تدخلت عسكريا في العراق في العام 2003، فاحترق العراق، ثم امتنعت عن التدخل في سورية منذ العام 2011، فاحترقت سورية، ما يشي أن خلف الحرائق الشرق الأوسطية ما هو أعمق من الدور الأميركي.

ويمكن تعزيز رأي كابلان بسلسلة من الأمثلة حول سياسات أميركا المتنوعة في الشرق الأوسط، من مجاراة "الطغاة الأصدقاء" حرصا على الاستقرار، إلى خلعهم لنشر الديموقراطية مثل العراق، إلى فرض الحصار عليهم ثم مفاوضتهم، مثل الحالة الإيرانية. لم تترك الولايات المتحدة أسلوبا في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط إلا ولجأت إليه، ومع ذلك لم تنجح في وقف، أو الحد من، تدفق شلالات الدماء الشرق أوسطية.

ويعزو كابلان حرائق العراق وسورية إلى "حزب البعث العربي الاشتراكي" الحاكم، ويقول إنه على عكس مصر وتونس، الدولتين ذواتي الحضارة العريقة التي أنجبت قومية حديثة لكل منهما، ينقص العراق وسورية هوية، فيما عزز حزب البعث فقدان هذه الهوية، وبنى حكمه على دموية بشعة استوردها من الكتلة السوفياتية. هنا يخطئ كابلان.


في الأرض بين دجلة والفرات، المعروفة بـ"ما بين النهرين"، قامت أول مدينة بشرية قبل 7400 عاما، وحملت اسم عروق، ومنها اسم عراق. وهي في المؤلفات الإسلامية الورقاء، في الغالب نقلا عن التسمية اليونانية أوروك. انقسمت حضارة "ما بين النهرين" إلى شمالية وجنوبية، وتداور الإقليمان على حكم المساحة التي تشكل العراق الحديث.

وورث عراقيو اليوم انقسام الماضي السحيق، على شكل شمال غربي سني ومسيحي أقرب إلى المشرق، وجنوب شرقي شيعي ويهودي أقرب إلى فارس. لكن على الرغم من الانقسامات السياسية، بقيت الهوية العراقية واضحة وضاربة في القدم، وما تزال اللهجة العراقية تحمل مفردات أكادية وسومرية تنفرد بها بين باقي اللهجات العربية المحكية الأخرى.

للعراق هويته، وللبنان كذلك، ولمعظم الشام، وهي المنطقة غير الساحلية للمشرق، كما لمعظم غور الأردن النبطي، الذي يصل تخوم المدينة شمال الحجاز. كذلك لمصر هوية، ولتونس هوية تشبه لبنان. كلها هويات يتكلم أصحابها العربية اليوم بلهجات صنعتها لغات أجدادهم.

دول الشرق الأوسط ما تزال تعيش على ما انفطرت عليه منذ فجر البشرية، أي "حكم الأقوى"

ليس غياب الهوية مشكلة العراق وسورية، بل تأخر الشرق الأوسط، وغالبية دول العالم، عن اللحاق بركب عصر التنوير، الذي حملت مبادئه الثورتان الأميركية والفرنسية. في صلب هذه المبادئ أن الإنسان مولود مع حقوق، يفوض بعضها إلى حكومة تختارها غالبية المتعاقدين بموجب وثيقة اسمها "الدستور"، الذي يجبر الحكومة المنتخبة على حماية الحقوق المادية والمعنوية والأمن الجسدي للمواطنين كأفراد، لا كجماعات ذات امتيازات بحسب عديد أو نفوذ الجماعة.

دول الشرق الأوسط ما تزال تعيش على ما انفطرت عليه منذ فجر البشرية، أي "حكم الأقوى"، أو على حسب القول العشائري "إما قاتل أو مقتول". هكذا نشأ صدام حسين وهكذا نشأ حافظ الأسد وعلي خامنئي وقاسم سليماني وغيرهم. لم يأت هؤلاء من المريخ، بل هم نتاج ثقافة غزو وقوة. أما التاريخ، فيثبت أن المنطقة الممتدة من حدود الصين إلى المحيط الأطلسي، تعيش في دوامة حروب منذ قيامها.

اقرأ للكاتب أيضا: ماذا بقي من سيادة الأسد؟

قد تتوقف الحروب في عهد حاكم باطش قوي، مثل صدام أو حافظ، لكن الاستقرار هذا هو الاستثناء، وكل دولة في هذه البقعة من العالم معرضة لنفس مصير العراق وسورية في حال انهيار طاغيتها، والثورات فيها أفضل دليل. إيران كادت تدخل في حرب أهلية بعد انهيار حكم الشاه، فسارع الإسلاميون إلى بناء ميليشيات سمحت لهم بالإمساك بالبلاد، وهو النموذج الذي يحاولون تكراره في لبنان والعراق وسورية واليمن. أما في مصر، فاهتز الاستقرار في ليلة واحدة بعد إجبار حسني مبارك على التنحي، ولم يعد إلا بعد استعادة الجيش زمام الحكم بالكامل.

طبعا هذه ليست دعوة للاستسلام للأمر الواقع وقبول الاستقرار الذي يأمنه بقاء الطغاة في الحكم، بل المطلوب هو عودة الغرب الديموقراطي التنويري إلى نشر ثقافة الديموقراطية في كل دول العالم غير الديموقراطية، واستخدام المال والديبلوماسية لدعم أي ديموقراطيين ممكن أن ينجموا عن برامج التعليم والتدريب (وهؤلاء غير المعارضين الذين يدعون الديموقراطية من أجل نيل الدعم الغربي، ثم يتبين أنهم أسوأ من الطاغية نفسه، مثل في التجربة مع المعارضين العراقيين والسوريين).

كابلان على حق أن من أحرق الشرق الأوسط هو أهله لا أميركا، وأن الحل يكمن في الحكمة اليونانية القديمة "اعرف نفسك"، وفي نشر الديموقراطية، لا الحديث عن هويات وقوميات، هي في الغالب متخيلة، حتى في الدول الديموقراطية المستقرة.

الاثنين، 26 مارس 2018

ترامب يسعى لإثبات أنه غير مدين لبوتين وقادر على مواجهته

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في خطوة فاجأت معظم المراقبين، أعلنت ادارة الرئيس دونالد ترامب، أمس، طردها 60 ديبلوماسياً روسياً وإغلاقها القنصلية الروسية في مدينة سياتل بولاية واشنطن، شمال غربي البلاد. 
وكان البيت الابيض استدعى الصحافيين على عجل، مساء الاحد الماضي، لعقد جلسة مغلقة صباح أمس، للاعلان عن هذه الخطوة وشرح تفاصيلها. ومع أن مسؤولي البيت الابيض لم يحيدوا عن التمسك بالهجوم بغاز الاعصاب ضد العميل الروسي المزدوج في لندن سيرغي سكريبال وابنته، الا ان التصعيد الاميركي ضد موسكو حمل في طياته رسائل عدة موجهة للداخل الاميركي، وستنعكس في الغالب على علاقات الدولتين في الخارج، خصوصاً في ملفي إيران وسورية.
تجاه الداخل الاميركي، يسعى ترامب لإظهار أنه غير مدين لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، وانه يمكنه خوض مواجهة ضد روسيا لو هو أراد ذلك. وكان الاسبوعان الماضيان شهدا سلسلة من الاحداث التي أظهرت ترامب وكأنه مضطر لمماشاة بوتين، على الرغم من تطورات الاحداث، فالرئيس الاميركي هنأ نظيره الروسي إثر انتخاب الأخير لولاية رئاسية رابعة، في نفس الوقت الذي كانت لندن، أبرز حليف لواشنطن، تطرد ديبلوماسيين روساً وصفتهم بالجواسيس.
كما أن طرد ترامب أكبر مسؤولَيْن في إدارته، وزير الخارجية ريكس تيلرسون ومستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، جاء بعد أن ادلى الاثنان بتصريحات حادة ضد روسيا.
لكن بعض المراقبين رجحوا ان طرد المسؤوليْن جاء لاسباب لا تتعلق بروسيا، في حالة تيلرسون، لخلاف شخصي، وفي حالة ماكماستر، بسبب تسريب الأخير أنباء مفادها ان ترامب اتصل ببوتين على عكس رجاء فريق الأمن القومي العامل لديه بعدم القيام بذلك. 
ثم ان ترامب، الذي يواجه تحقيقات في امكانية تواطئه مع روسيا للفوز في الانتخابات الرئاسية قبل عامين، يحتاج لإثبات انه ليس عميلاً لدى الروس، وانه يمكنه مواجهتهم.
وريثما تنجلي التفاصيل الحقيقية خلف طرد اميركا الديبلوماسيين الروس، للمرة الثانية في أقل من سنتين، بعد قيام الرئيس السابق باراك أوباما بطرد 23 ديبلوماسيا روسياً، في ديسمبر 2016، بسبب ثبوت تورط روسيا في مهاجمة أميركا إلكترونيا، تتجه الانظار نحو انعكاسات الخطوة الاميركية على علاقات البلدين الثنائية، وفي ملفات الشؤون الدولية حول العالم.
ثنائياً، ما يزال ترامب متأخرا عن الكونغرس في فرض المزيد من العقوبات، التي أقرها المشرعون بغالبية حزبيهم، على موسكو. اما حول العالم، فالملفات شائكة، يتصدرها موضوع الاتفاقية النووية مع ايران، التي صار من شبه المؤكد ان ترامب سينسحب منها في مايو المقبل، وسيفرض انهيارها في مجلس الأمن، ما من شأنه ان يعيد العقوبات الدولية تلقائيا على ايران.
روسيا، التي تتنافس وايران على زعامة الشرق الاوسط، تحاول الدفاع عن الاتفاقية لابقاء ايران تحت جناحها، وهي في نفس الوقت تستخدم نية الاسرائيليين وترامب القضاء على الاتفاقية لابقاء الايرانيين متراصين خلف موسكو، حسب الاوساط الاميركية.
كذلك، تتوقع واشنطن ان تحاول موسكو التصعيد عسكرياً على الأرض في سورية. وفي السياق، كرر المسؤولون الاميركيون انهم رسموا خطوطاً حمراء لروسيا وحلفائها على الأرض السورية لن تسمح أميركا بتخطيها، خصوصا شرق الفرات، حتى لو تطلب ذلك اشراك الجيش الاميركي بأكمله لابقاء روسيا وحلفائها خارج مناطق نفوذ اميركا وحلفائها في عموم الشرق الاوسط.
الوضع بين واشنطن وموسكو يتطور من أزمة الى أخرى، إنْ كان في المواجهة الالكترونية والجاسوسية بين الحكومتين، او في ملفات العالم، وهو ما ينذر بأنه، بعد بداية بطيئة، بدأت الولايات المتحدة تدرك ان بوتين لا يقوم بخطوات استعراضية فقط، بل هو عازم على خوض مواجهة مع الاميركيين، وهي مواجهة بدأ الاميركيون يقتنعون بعدم جدوى تفاديها، مع ما يعني ذلك من بدء التعبئة الاميركية لخوض جولة ثانية، بعدما كسب الاميركيون الجولة الاولى مع نهاية الحرب الباردة مع حلول العام 1990.

الجمعة، 23 مارس 2018

ترامب يُعزّز «فريقه الحربي» بـ ... بولتون

واشنطن - من حسين عبدالحسين,
القدس - من زكي أبو حلاوة
القدس - من محمد أبو خضير


عزّز الرئيس الأميركي دونالد ترامب صفوف الصقور في حكومته، إذ بعد تعيينه مدير وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي اي» مايك بومبيو وزيراً للخارجية، أعلن البيت الأبيض (فجر أمس بتوقيت الكويت) تعيين السفير السابق لدى الأمم المتحدة جون بولتون مستشاراً للأمن القومي خلفاً للجنرال هربرت ماكماستر، الذي انضم لقافلة طويلة ممن سبق أن عيّنهم ترامب في إدارته ثم قام بطردهم، فيما لاقى القرار الجديد ترحيباً إسرائيلياً واسعاً على الأصعدة كافة. 
إعلان الرئيس استبدال مستشاره للأمن القومي فاجأ ماكماستر وبولتون نفسه، الذي أطل عبر قناة «فوكس نيوز» اليمينية المتطرفة، التي يعمل فيها محللاً سياسياً، ليقول إنه قرأ تغريدة ترامب ولا يزال يحاول أن يستوعب الأنباء.
وبولتون هو من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في الأوساط السياسية الأميركية على مدى ربع القرن الماضي، وهو سبق أن شغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون أسلحة الدمار الشامل في الولاية الأولى للرئيس السابق جورج بوش الابن، في العام 2001، وهو في منصبه هذا كان في طليعة الأميركيين ممن أكدوا حيازة نظام صدام حسين أسلحة دمار شامل، ما سمح لبوش بشن حرب أطاح فيها نظام صدام، ليتبين في ما بعد أن لا أسلحة لدى النظام العراقي السابق.
وبسبب دوره هذا، رفض الديموقراطيون قطعياً قيام بوش بتعيين بولتون موفداً دائماً للولايات المتحدة في الأمم المتحدة في العام 2005، فأجبروا الرئيس الأسبق على تعيين بولتون، أثناء عطلة مجلس الشيوخ السنوية، سفيراً موقتاً لمدة عام.
أما ما يعنيه تعيين ترامب لبولتون مستشاره للأمن القومي، فهو أن ترامب يتبنى الخط المتشدد جداً لبولتون في الشؤون الدولية، فمستشار الأمن القومي الجديد من أبرز الداعين إلى استخدام القوة العسكرية لنزع أسلحة إيران وكوريا الشمالية النووية، وحتى لقلب نظامي هذين البلدين.
أما الرسالة الأبرز خلف التعيين فمفادها أن ترامب ماضٍ في تقويضه المؤسسات الدولية على أشكالها، فالرئيس الأميركي لا يكن أي احترام لتحالف شمال الأطلسي، ولا للأمم المتحدة، ولا لمنظمة التجارة الدولية، ولا للقانون الدولي بشكل عام، وهذه سياسة تتفق مع مواقف بولتون والمجموعة السياسية التي يتجانس معها في العاصمة الأميركية.
وينتمي بولتون إلى مجموعة تعتقد أن استخدام القوة الأميركية، حتى لو خارج القانون الدولي، هو حق للولايات المتحدة، وأن النظام العالمي لا يعمل، ويجب استبداله بحكم الأقوى. وينتمي إلى هذه المدرسة نفسها مجموعة يديرها اليهودي الأميركي دانيال بايبس، الذي يسوّق نظرية مفادها أن إسرائيل تغلبت على الفلسطينيين عسكرياً، وأن التاريخ يقضي بأن من ينتصر يفوز بالأرض، ما يعني أن على إسرائيل طرد كل الفلسطينيين من إسرائيل ومن الأراضي الفلسطينية، وإعلان دولة إسرائيل على كل المساحة الممتدة من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط.
صعود الصقور في إدارة ترامب، بعد أقل من 16 شهراً على تسلمه الحكم، يشي بأن الرئيس الأميركي ينوي تبني سياسة خارجية تعتمد أكثر على قوة أميركا من ديبلوماسيتها. ويأتي في هذا السياق موضوع اتفاقية إيران النووية، فترامب يحرّض على انسحاب أميركا من الاتفاقية، وهو ما يعني انهيارها في مجلس الأمن وعودة العقوبات الدولية تلقائياً، وهو ما يعني أيضاً أن طهران قد تعود إلى تخصيب اليورانيوم، ما يجعل العمل العسكري الأميركي ضد إيران الحل الوحيد لمشكلة النووي الإيراني، في غياب البدائل الديبلوماسية.
ماكماستر ووزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون كانا من الأصوات القائلة بضرورة التمسك بالاتفاقية النووية مع إيران، لأن البديل هو الحرب، والعمل على تعديل بعض البنود الواردة فيها بما يتناسب ومصالح أميركا وأصدقائها، خصوصاً إسرائيل.
لكن حلول بومبيو في الخارجية وبولتون مستشاراً للأمن القومي يعني أن صوت الصقور سيعلو، وأن صوت الديبلوماسية سيخفت، أو أنه سينحصر بوزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس، في مفارقة لا تخفى على أحد.
في هذه الأثناء، لاقى تعيين بولتون ترحيباً واسعاً من السياسيين في إسرائيل، الذين يعتبرونه «صديقاً حقيقياً» للدولة العبرية ومن أشد مناصريها في الولايات المتحدة، ما أثار موجة من التساؤلات في شأن نيات بلاده المستقبلية من القضية الفلسطينية بشكل عام وقضايا العالم على وجه العموم.
وذكر موقع «واللا» الإسرائيلي أنه من المعروف عن بولتون معاداته للفلسطينيين وحقهم في إقامة دولتهم، موضحاً أنه لا يؤمن بـ«حل الدولتين»، بل حل الدول الثلاث، بحيث يرى وجوب ضم ما تبقى من الضفة الغربية للأردن، وضم غزة لمصر على أن تكون إسرائيل دولة ثالثة من دون تنازلات تمس بأمنها، في حين برزت معارضته لانسحاب إسرائيلي من كامل مناطق الضفة خشية على أمنها.
وكان بولتون تحدث بعد حرب العام 2008 و2009 على غزة عن «حل الدولتين»، قائلاً إن هذا الحل يسير إلى الخلف، وأن على الفلسطينيين الاعتراف بفشل سلطتهم وبتداعيات اختيار الشعب لحركة «حماس»، و«معنى ذلك أن يقبل الفلسطينيون بالأمر الواقع وليس بالأماني حتى لو كان الواقع مؤلماً»، مؤكداً أن «السلطة الفلسطينية ضعيفة وفاسدة وغير موثوقة ولا يمكن أن تتحول إلى دولة في أي مرحلة تقبل بها إسرائيل، طالما بقيت (حماس) أو أي قوة إرهابية أخرى تحافظ على قوة سياسية كبيرة».
ونُقل عن بولتون قوله خلال مؤتمر دولي إن خيار «حل الدولتين» لم يعد حلاً عملياً ويتوجب البحث عن حلول أخرى معرباً عن ثقته بقدرة ترامب على التوصل إلى حل من هذا القبيل.
توازياً، رحبت حكومة بنيامين نتنياهو بتعيين بولتون الذي حصل في العام 2017 على جائزة «الانتماء» من مركز إسرائيلي متشدد لقاء مواقفه الداعمة، مؤكدة أن اختياره بمثابة خبر سار للدولتين.
كما أثنى السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون على الخطوة ذاتها، قائلاً إن «جون بولتون صديق لإسرائيل منذ سنوات، التقيته ويقول ما يجب قوله بصورة واضحة».
أما وزيرة العدل الإسرائيلية أييلت شاكيد، فأكدت أن «الرئيس ترامب يواصل تعيين أصدقاء إسرائيل الأوفياء في المناصب الرفيعة، وجون بولتون من أبرزهم، خصوصاً أنه يملك الخبرة والتجربة وصفاء الذهن، إدارة ترامب تثبت يوماً بعد يوم أنها الإدارة الأكثر مناصرة لإسرائيل».

الخميس، 22 مارس 2018

خلافات في شأن «الإستراتيجية القانونية» تدفع كبير محامي ترامب لـ... الإستقالة

واشنطن - من حسين عبدالحسين

فيما لا تزال مناصب سفراء الولايات المتحدة في دول حليفة، مثل كوريا الجنوبية والسعودية، شاغرة، ينغمس الرئيس دونالد ترامب في تعيين محامين جدد في صفوف فريقه المولج الدفاع عنه في عدد من القضايا، بما فيها التحقيق في إمكانية تورطه وحملته الانتخابية مع موسكو، ومواجهته محاكمات بتهم إقامة علاقات جنسية مع نجمات الافلام الإباحية، أو تحرشه جنسياً بمشاركات في برنامجه التلفزيوني الشهير. 
لكن يبدو أن استراتيجية الرئيس الأميركي هذه، أدت إلى خلافات شديدة، أفضت لاستقالة كبير محامي الدفاع عنه في ما يخص التحقيق الذي يجريه المحقق الخاص روبرت مولر في التدخل الروسي المحتمل في الانتخابات الرئاسية التي جرت العام 2016.
ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مصدرين مطلعين، مساء أمس، نبأ استقالة كبير المحامين جون دود، بعد ما خلص إلى أن ترامب يتجاهل بشكل متزايد مشورته.
وجاءت استقالة دود بعدما طالب الأسبوع الماضي بإقالة روبرت مولر، الأمر الذي أحدث هزة في واشنطن، خاصة أنه قال في البداية إنه يعبر عن موقف الرئيس قبل أن يتراجع عن ذلك.
وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن «دود أصبح محبطاً، خاصة بعد خلاف شديد حصل مع ترامب حول استراتيجيته القانونية، وذهابه نحو تعيين محامين جدد».
وفي السياق نفسه، يعاني ترامب من أزمة أكبر بعد استصدار مولر مذكرة قضت بمصادرة وثائق «منظمة ترامب» التجارية. وسبق للرئيس الاميركي أن هدد بأن خوض مولر في حساباته الشخصية وحسابات عائلته هو خط أحمر قد يؤدي إلى طرد المحقق. 
وبعدما تواترت التقارير عن تحقيقات مولر في حسابات ترامب، شن الرئيس الأميركي حملة، هي الأولى من نوعها، ضد مولر، واعتبر أنه لا أساس للتحقيق في امكانية التواطؤ. لكن هجمات البيت الأبيض أثارت عاصفة ردود من الجمهوريين، قبل الديموقراطيين، فقال أحد كبار أعضائهم في مجلس الشيوخ، السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، ان قيام ترامب بطرد مولر خطوة ستؤدي الى بدء عملية الاطاحة بترامب نفسه.
وكان الأسبوع الماضي قد شهد أولى هزائم ترامب في قضايا التحرش، إذ حاول محاموه إقناع قاضية فيديرالية بأنه لا تجوز محاكمة رئيس الولايات المتحدة أثناء ولايته، لكن القاضية رفضت الدفاع الشكلي، معتبرة أنه لا تجوز محاكمة الرئيس أثناء قيامه بأعمال تتعلق بالحكم والخدمة العامة، أما القضايا الشخصية للرئيس، فهي خاضعة للقضاء كأي مواطن أميركي عادي.
الأسبوع الماضي أيضاً، سعى ترامب إلى إضافة عدد من أبرز المحامين، في خطوة أظهرت أن الرئيس الاميركي بات يعي دقة الموقف وضرورة التعامل مع التحقيق بجدية أكبر من محاولة نسف مصداقيته عبر موقع «تويتر». إلا أن غالبية المحامين ممن تواصل معهم البيت الابيض رفضوا المرافعة عن الرئيس، باستثناء أحد المحامين من المعروفين بتبنيهم «نظريات المؤامرة»، التي من بينها ان وزارة العدل ووكالات الاستخبارات اخترعت موضوع التعامل مع روسيا، افتراء على ترامب في محاولة للإيقاع به.
وتصاعدت متاعب ترامب القضائية، مع اقتراب موسى مولر من الذقن الرئاسية، مع قيام الرئيس الأميركي بإجراء اتصال هاتفي هنأ بموجبه نظيره الروسي فلاديمير بوتين على فوز الأخير بولاية رئاسية رابعة. ورد الفريق الرئاسي على خطوة ترامب بتسريبه للإعلام نص المذكرة التي قدمها للرئيس، ونصحه فيها بعدم التقدم بأي تهنئة لبوتين، في ظلّ المواجهة التي تخوضها بريطانيا (ومعها أوروبا)، أقرب حلفاء أميركا، ضد روسيا. 
كما ورد في المذكرة، التي قدمها فريق الأمن القومي للرئيس، انه في حال حصول المكالمة، فإن المطلوب من ترامب هو إدانة ما قامت به روسيا في إنكلترا (محاولة اغتيال الجاسوس السابق المزدوج)، وتذكير بوتين بأن الولايات المتحدة لا تؤيد الانتخابات الشكلية التي أجراها لتمديد بقائه في الحكم، بل ترغب في رؤية انتخابات روسية حرة ونزيهة. 
على أن ترامب لم يقبل أياً من نصائح فريقه، ومضى بتهنئة بوتين، واتفق معه على اللقاء «في المستقبل القريب»، الأمر الذي أثار حفيظة الفريق الرئاسي، الذي سرّب التفاصيل للإعلام، فأثار بذلك غضب ترامب من التسريبات المتكررة التي يسعى لوقفها، منذ بداية ولايته، من دون أن ينجح في ذلك.
وفي سياق محاولات ترامب وقف التسريبات من داخل دائرته الضيقة، تناقلت وسائل الاعلام الاميركية ان الرئيس الاميركي أجبر العاملين في البيت الابيض على توقيع «اتفاقية عدم إباحة» أي من المعلومات العائدة له. على أن المشكلة تكمن في أن طريقة تعاطي الموظفين الحكوميين مع المعلومات تتم وفقاً لبروتوكول معتمد لدى الحكومة الفيديرالية، ولا يمكن لأي مسؤول أميركي، بمن فيهم الرئيس، حجب معلومات لا تشملها القوانين الفيديرالية بالحجب، وهو ما يضع ترامب، مجدداً، في مواجهة القوانين الاميركية المرعية الاجراء، وتالياً، على عادته أثناء رئاسته وقبلها، في مواجهة القضاء والقضاة.

الأمير السعودي يلتقي البائع الاميركي

حسين عبدالحسين

في اشارة واضحة الى مدى قوة العلاقات بين بلديهما، التقى الرئيس دونالد ترامب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للمرة الثالثة في غضون سنة، وللمرة الثانية في البيت الابيض. وفيما بدا الامير السعودي حذقا وملتزما نقاط الحوار، بدا الرئيس الاميركي مبعثر الافكار، غير قادر على رؤية العلاقات الاميركية – السعودية خارج اطار ارقام التجارة الثنائية، واصفا تاريخ العلاقة بشكل خاطئ دفع ولي العهد الى تصحيحه. وفي حديثه الى الصحافيين، غطى ترامب ثلاث نقاط: قدّم رقم قيمة مبيعات الاسلحة الاميركية الى السعودية حتى الآن، ثم، على غرار ما يفعل الباعة، توجه الى ولي العهد السعودي بالقول ”هذه بمثابة فستق بالنسبة اليكم“، للدلالة ان تكلفة شراء الاسلحة ضئيلة بالنسبة لثروة السعوديين، وتابع ترامب: ”كان عليكم زيادتها“. هكذا، جعل ترامب العلاقات العسكرية الاستراتيجية بين البلدين تبدو وكأنها عملية بيع فستق، حرفيا.

الانطباع عن اللقاء انه من الآن وصاعدا، دول الخليج العربي هي المولجة تحديد روحية واتجاه علاقاتها مع الولايات المتحدة.

الأربعاء، 21 مارس 2018

هل يخلِف «النمر» الأسد في رئاسة سورية ... بأوامر «بوتينية»؟

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تابعت الأوساط الأميركية، باهتمام، تبادل الرسائل العلني بين الضابط السوري العميد سهيل الحسن، الملقب بـ«النمر»، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد أن قام الأول بإرسال رسالة تهنئة للثاني بمناسبة فوزه بولاية رئاسية رابعة. 
وأفادت وسائل الإعلام الروسية أنه على خلاف البروتوكول المعمول به للمراسلات بين رؤساء الدول، اخترق بوتين الأعراف بتوجيهه رسالة رد إلى الحسن، أرفقها بعبارة «انتظر مني شخصياً مفاجأة سارة».
واحتارت الأوساط في العاصمة الأميركية في تفسير معنى «المفاجأة السارة» التي يعد بها بوتين الضابط السوري: هل هو وعد برعاية وصول الحسن إلى الرئاسة السورية بدلاً عن الرئيس الحالي بشار الأسد؟ 
وكانت «الراي» نقلت عن مصادر أميركية، قبل نحو عام، أن الروس أبلغوا الأسد أن أمن الحسن من مسؤوليته، وأنه يتحمل مسؤولية أي مكروه قد يصيب الرجل الذي يبدو أنه صار في عداد المنافسين على الرئاسة السورية لمرحلة ما بعد الأسد. 
وتكشف التقارير المتواترة في العاصمة الأميركية أن الحسن يتنقل في سورية بمرافقة قوات أمن روسية مولجة حمايته، وأنه أثناء زيارة بوتين قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية غرب سورية في ديسمبر من العام الماضي، أولى الرئيس الروسي اهتماماً كبيراً لمحادثاته مع «النمر»، فيما تعامل مع الأسد ببرود.
وما أكد للأوساط الأميركية أن سهيل الحسن، وهو من الطائفة العلوية نفسها التي ينتمي إليها الأسد، هو رجل روسيا في سورية، بغض النظر عن رأي الأسد وحليفته ايران، قيام موقع قناة «العالم» الايرانية ببث خبر تبادل الحسن وبوتين رسائل التهنئة، ثم حذفه الخبر في وقت لاحق، في خطوة بدت وكأنها جاءت بتعليمات من القيادة السياسية.
لماذا يهتم بوتين لأمر «النمر» ويسعى لدفعه إلى منصب الرئاسة السورية؟ 
تقول الأوساط الأميركية إن بوتين حاول في البداية المراهنة على الأسد، بيد أن أداء الأخير عسكرياً، واعتماده الكلّي على إيران والميليشيات المتحالفة معها للقتال على الأرض، خيّب آمال الروس، الذين راحوا يبحثون عن ضابط سوري لا يعمل بإمرة ايران وقادر على الإمساك بالأرض بغطاء روسي، ومن دون الحاجة إلى ميليشيات ايران.
ووفقاً للتقارير، يُدير «النمر» ميليشيا غير نظامية قوامها ثمانية آلاف رجل، لكنها على قلّة عديدها، قدمت أداء ساهم في حسم معارك أساسية ضد المعارضة السورية، بعدما فشلت قوات الأسد والميليشيات الموالية لإيران في حسم المعارك نفسها.

ترامب يحضّ السعودية على الانخراط في جبهة إقليمية... لمواجهة إيران

واشنطن - من حسين عبدالحسين

شغلت إيران وأنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة الحيّز الأكبر من محادثات الرئيس دونالد ترامب مع ضيفه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حسب مصادر البيت الابيض، تلاها الحديث عن التجارة الثنائية وحجم الاستثمارات المتبادلة بين أميركا والمملكة.
الجانب الأميركي أطلع الجانب السعودي على تطورات المفاوضات التي تخوضها واشنطن مع لندن وباريس وبرلين حول تعديل الاتفاقية النووية مع إيران، خصوصاً لناحية تعديل البنود التي تسمح بتفتيش المنشآت العسكرية الايرانية للتأكد من خلوها من التجارب النووية، كما تعديل البنود التي تتيح انتهاء صلاحية منع التخصيب الإيراني، وتحويل الحظر إلى حظر مفتوح الأمد.
وقالت المصادر الأميركية إن ترامب رجّح أمام ضيوفه السعوديين، مساء أول من أمس، أن الأوروبيين لن يسيروا في ما يطلبه الأميركيون، «لكن علينا المحاولة والانتظار، وسنرى». 
وتنتهي مفاعيل الاعفاء الأخير الذي منحه ترامب لرفع العقوبات الأميركية عن ايران، بموجب الاتفاقية النووية، في 10 مايو المقبل، وهو التاريخ الذي يتوقع أن يعلن فيه ترامب موقفه من الاتفاقية بناء على نتائج المحادثات الأميركية مع الاوروبيين. ويعتقد المتابعون ان واشنطن في الغالب ستطلب من مجلس الأمن تفتيش بعض المواقع الايرانية، وعندما ترفض إيران ويذهب التصويت إلى مجلس الأمن، لن تشارك أميركا في توفير الإجماع المطلوب، ما ينسف الاتفاقية حُكماً ويعيد العقوبات الأممية تلقائياً.
ووفقاً للمصادر، دعا ترامب السعودية إلى الانخراط في جبهة إقليمية لمواجهة المخاطر الايرانية على المملكة وعلى بقية دول المنطقة.
بدوره، أبدى ولي العهد السعودي قلقه في شأن نشاطات إيران غير النووية المزعزعة للاستقرار والأمن في المنطقة. 
وتصدّر اليمن الاهتمام السعودي، حسب المصادر الأميركية، التي نقلت عن السعوديين انهم «اتهموا إيران برعاية المجموعات المتطرفة، بما فيها تنظيما القاعدة وداعش المتطرفان»، فضلاً عن الدعم الايراني المعروف للمجموعات التي تصنفها أميركا والسعودية ارهابية، مثل جماعة «أنصار الله» اليمنية و«حزب الله» اللبناني.
ومما دار في اللقاء، يقول مسؤولون أميركيون، «شكرٌ» من الرئيس الاميركي لولي العهد السعودي لقيام المملكة بتحمل أعباء جزء كبير من التكاليف الدفاعية في المنطقة، وانخراط القوات السعودية في عملية مواجهة النشاطات الايرانية التخريبية، مثل ما يحصل في اليمن.
وقالت المصادر ان الزعيمين تطرقا إلى موضوع العراق، وكان هناك توافق على ضرورة دعم الحكومة العراقية وجهود اعادة الاعمار والمصالحة، على غرار الدعم الانساني السعودي، الحالي والمستقبلي، في اليمن.

الثلاثاء، 20 مارس 2018

كيماوي واغتيالات بوتين وخامنئي والأسد

حسين عبد الحسين

لخصت موفدة الولايات المتحدة الدائمة إلى الأمم المتحدة نيكي هايلي عبثية التعاطي مع الطغاة بتوجهها إلى نظيرها الروسي بالقول إنه إذا كانت روسيا تعتقد أن العالم لا ينقطع عن انتقادها، فالأحرى بموسكو أن تتوقف عن استخدام السلاح الكيماوي لتصفية معارضيها حول العالم، وأن تتوقف عن دعم الرئيس السوري بشار الأسد، الذي لا ينفك عن قصف معارضيه بأسلحة كيماوية.

نموذج الحكم الذي يقدمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويحاول تعميمه دوليا، ويسعى لحماية كل الأنظمة التي تعمل بموجبه، هو نموذج بسيط يقوم على استخدام العنف المفرط للبقاء في الحكم ولحماية الأزلام والمنتفعين. في بلاد بوتين والأسد، ومعهما "مرشد الثورة" الإيراني علي خامنئي، عملية الحكم بسيطة وقائمة على حكم الأقوى.

حتى في العلاقة بينهم، يتعامل الأقوى مع الأضعف بتكبر وعنجهية، فصور لقاءات بوتين والأسد يندر أن تخلو من مشاهد الإذلال الذي يفرضه الأول على الثاني: مرة يستعرض بوتين وجنرالاته الأسد وحيدا في سوتشي، ومرة يحط بوتين في قاعدته العسكرية في سورية، وعندما يحاول الأسد مرافقته إلى باب الطائرة، حسب الأعراف الديبلوماسية بين الدول، يمسك ضابط روسي بذراع الأسد ويمنعه من اللحاق بالرئيس الروسي.

هذه الأنظمة تعيش بموجب شريعة الغاب بين بعضها البعض، وتفرض الشريعة نفسها على مواطنيها، وتمارس عنفا مفرطا على معارضيها أينما كانوا في أنحاء المعمورة، لتقديمهم عبرة لكل من تسوغ له نفسه التمادي على الطاغية، أو عصابته، أو حتى صورته.

اقرأ للكاتب أيضا: ماذا بقي من سيادة الأسد؟

لم تكن محاولة بوتين اغتيال عميل الاستخبارات الروسي السابق سيرغي سكريبال الأولى من نوعها. في العام 2006، سمم عملاء بوتين في لندن الروسي ألكسندر ليتيفنكو بمادة البلونيوم. وبين الحادثتين، تعرض المعارضون الروس في لندن وباريس وبرلين، وحتى في واشنطن ونيويورك، إلى سلسلة من الأحداث الغامضة التي أدت إلى وفاتهم.

ومثل بوتين، يواصل نظام "الجمهورية الإسلامية" سلسلة اغتيالاته التي بدأها منذ اندلاع "الثورة" في العام 1979، منذ محاولته اغتيال شاهبور بختيار، رئيس حكومة إيران قبل الثورة، في باريس. فشلت المحاولة الإيرانية الاولى واعتقلت السلطات الفرنسية مدبرها، وهو اللبناني أنيس النقاش، الذي سبق أن شارك الإرهابي كارلوس في عملية اختطاف وزراء نفط أوبيك في فيينا منتصف السبعينات. والنقاش يعزو إلى نفسه فكرة إنشاء وتسمية "الحرس الثوري الإيراني"، لحماية الثورة الفتية من إمكانية ردة فعل ضباط الشاه بعد الثورة.

واظبت طهران على محاولة اغتيال بختيار حتى نالت منه في العام 1991، وتم اعتقال أحد المنفذين وسجنه 18 عاما. بعدها عاد القاتل إلى إيران، وتم استقباله استقبال الأبطال.

ومطلع العقد الحالي، حاولت إيران اغتيال سفير السعودية في واشنطن، وزير الخارجية الحالي، عادل الجبير. وفي نيسان/أبريل الماضي، اغتال عملاء "وزارة الاستخبارات" الإيرانية المعارض البريطاني من أصل إيراني سعيد كريميان، أثناء زيارة كان يقوم بها إلى اسطنبول.

اقرأ للكاتب أيضا: إيران جمهورية الكذب

أما الأسد، ربيب الكيماوي بوتين ونظام الاغتيالات الإسلامي، فهو ـ ووالده الراحل حافظ الأسد من قبله ـ مارسا مزيجا من الاثنين.

في لبنان، يحفظ اللبنانيون عن ظهر قلب لائحة ضحايا اغتيالات نظام الأسد، من زعيم الدروز كمال جنبلاط والصحافي سليم اللوزي، إلى رئيس الجمهورية المنتخب بشير الجميل، ورئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، والصحافي سمير قصير، والنواب بيار الجميل ووليد عيدو وأنطوان غانم، والضباط فرنسوا الحاج ووسام عيد ووسام الحسن.

أما عندما يتوقف الأسد عن اغتيالاته في لبنان، فهو يفعل ذلك لانشغاله بقصف مواطنيه بالأسلحة الكيماوية، كما في هجومي غوطة دمشق وخان شيخون، وبينهما وبعدهما سلسلة من الهجمات بالغازات المسموحة للاستخدام المدني ولكن المحظورة دوليا في الاستخدام العسكري.

على الرغم عن ثرثرة أنظمة بوتين وخامنئي والأسد عن ضرورة احترام سيادة الدول، يمعن كل من الثلاثة باختراق كل القوانين الدولية، من قتل معارضيهم المقيمين حول العالم، إلى استخدام الكيماوي، المحظور منه وغير المحظور، للقضاء على الخصوم.

هي أنظمة ظلامية قاتلة، تغتال بالكيماوي ومن دونه. ثم تتحدث عن عظمة شعوبها، أو ما تبقى من هذه الشعوب المغلوب على أمرها تحت حكم قبضات حديدية تحمي الفساد والمجرمين وتطال الأبرياء والمنفيين.

“قضية تجسس” تؤكد على ضرورة الانتهاء من السياسة الطائفية في لبنان

حسين عبدالحسين

في ما بدا وكأنه اختراق في مجال التجسس المضاد في لبنان، اعتقل مكتب أمن الدولة في شهر نوفمبر 2017 الممثل زياد عيتاني واتهمته بالتجسس لصالح إسرائيل. ثم سرب المسؤولون أدلة دامغة ضد عيتاني وادعوا أنه اعترف. لكن القاضي وجد لاحقاً أن ادعاءات جهاز أمن الدولة غير قابلة للإثبات، ونقل التحقيق إلى إدارة أخرى تسمى بفرع المعلومات. وكانت الخلاصة أن الأدلة ضد عيتاني ملفقة، وأعلن أنه بريء في وقت سابق من هذا الشهر. ثم استدعي القضاء لاستجواب الضابط الذي كان مسؤولاً عن القضية في مكتب أمن الدولة.

قد تبدو قصة عيتاني للوهلة الأولى مجرد خطأ بشري بسيط. لكن لدى التعمق في التفاصيل نجد مشاكل مترسّخة: أي عدم الكفاءة في السياسة الرسمية والسياسة الطائفية التآكلية في لبنان.

هكذا بدأت القضية. ”أعجبت“ الرائد سوزان الحاج من أمن الدولة بتغريدةً نشرها لبناني كان قد استخفّ بالمرسوم السعودي الذي سمح للنساء بقيادة السيارات. لكنه على ما يبدو سرعان ما حذفها. لكنّ زياد عيتاني آخر ، وهو ضابط صحافي مقرب من وزير العدل الأسبق أشرف ريفي، التقط في غضون لحظات لقطة عن إعجابها لهذه التغريدة وأعاد مشاركة اللقطة. تم الحطّ من رتبة هذا العيتاني.

ثم ازدادت المسألة إثارةً حيث يبدو أن أحد القراصنة راح يبحث عمّا قد يخفيه عيتاني. غير أنه وفي ذاك الحين أخطأ بشخص زياد عيتاني. وحتى ذلك الحين، لم يتم العثور على أي شيء يدعو للتجريم أو الإدانة. في ما يبدو الآن، ظهرت سلسلة من التبادل الإلكتروني المفبركة بين عيتاني وضابط مخابرات إسرائيلي خيالي.

أدّت الاتهامات الباطلة إلى مهزلة وفأصبحت شبه نكات. وقد تضمنت التعليمات الإسرائيلية الوهمية إلى عيتاني جمع المعلومات الاستخبارية عن الأشخاص الذين يعتبرون في الغالب سياسيين، “لنشر ثقافة التطبيع مع إسرائيل بين المثقفين” و”الترويج لحلّ الدولتين” بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

الجمعة، 16 مارس 2018

«روليت روسي»: إدارة ترامب طلبت من المعارضة السورية التخلي عن مطلب رحيل الأسد

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في أيامها الأولى في الحكم، طلبت إدارة الرئيس دونالد ترامب من المعارضة السورية العمل مع الروس، والتوقف عن المطالبة برحيل الرئيس السوري بشار الأسد، والتركيز على محاربة تنظيم «داعش»، حسب كتاب «روليت روسي»، الصادر أمس، عن صحافيين أميركييْن مرموقين هما مايكل ايزيكوف وديفيد كورن. 
ويسرد الكتاب تفاصيل علاقة ترامب بموسكو، مستنداً إلى سلسلة من المقابلات التي أجراها الرجلان مع عدد من كبار المسؤولين في الإدارتين الحالية والسابقة، ومع المعنيين بالشؤون الدولية في العاصمة الأميركية.
وجاء في الكتاب انه بعد أيام على تعيين ترامب مستشاره للأمن القومي مايكل فلين في منصبه، اتصل فلين بأحد داعمي المعارضة السورية من المقيمين في واشنطن، وقال له «سيكون علينا أن نعمل مع روسيا». استراتيجية ترامب حول سورية، كما قدمها فلين للمعارضة السورية، كانت تقوم على «التخلي عن مطلب رحيل الأسد المسبق، الذي كانت ادارة الرئيس (السابق باراك) أوباما قد تبنته، والتركيز على تدمير (داعش) وقاعدته في مدينة الرقة السورية، وهو هدف قال فلين ان افضل طريقة لتحقيقه تكمن في التنسيق عسكرياً مع روسيا».
ووفقاً للكتاب، كان فلين قد ناقش مسبقاً هذه السياسة مع سفير روسيا (السابق) في واشنطن سيرغي كيسيلياك، وانه أثناء حديثه مع المعارض السوري، تحدث بحرية عن محادثاته مع السفير الروسي. 
وينقل الكتاب عن الناشط في واشنطن المؤيد للمعارضة السورية أن فلين «كان يتحدث مع كيسلياك بكثرة».
ويشير إلى أن أحاديث فلين وكيسلياك أصبحت أمراً مألوفاً إلى درجة أن فلين، الآتي من دائرة الاستخبارات العسكرية، يبدو أنه نسي أن كل محادثاته مع السفير الروسي كانت مراقبة.
«في الوقت الذي كان فلين، باسم ترامب، يتواصل مع الروس من أجل التوصل الى تسوية في سورية»، حسب الكتاب، «كان وزير الخارجية جون كيري قد فقد الأمل من العمل مع موسكو». في صيف 2016، اعترض كيري مراراً داخل إدارة أوباما على إمكانية قيام الولايات المتحدة بأي خطوات - من قبيل تسليح وتدريب المعارضين السوريين - من شأنها أن تتعارض مع مجهوده الساعي للتوصل إلى تسوية للحرب السورية الدموية مع نظيره الروسي سيرغي لافروف. 
لكن مع حلول الخريف، أدرك كيري أن لا جدوى من مساعيه. ومع ازدياد الغضب في صفوف زملائه الديموقراطيين، خصوصاً من أعضاء الكونغرس، ضد روسيا على خلفية تدخلها في مجرى الانتخابات الاميركية، ابتكر كيري فكرة فتح تحقيق للكشف عن هذه التدخلات.
ويروي الكتاب ان بعض العاملين في إدارة أوباما أرادوا مواجهة روسيا بشكل قاس، لكن الرئيس السابق رفض القيام بما قد يبدو ردة فعل حزبية بسبب خسارة الديموقراطيين الانتخابات. على أن أوباما وفريقه عكفا على تثبيت الأدلة الاستخباراتية خوفاً من أن يخفيها ترامب بعد دخوله البيت الابيض، فراح العاملون في الادارة السابقة يجرون جلسات يطلعون فيها أعضاء الكونغرس على الدلائل الاستخباراتية السرية حول التدخل الروسي. كما ابتكر فريق الرئيس السابق وسيلة قام بموجبها المسؤولون بكتابة الدلائل في ايميلات وجهوها الى أنفسهم ومنحوها تصنيفاً سرياً، وهو ما يمنع تدميرها إلا بأمر من المحكمة، وذلك بعد اطلاع المحكمة عليها، وهو ما يعني إعادة القاء الضوء على هذه الادلة. وفي السياق، لفت الكتاب الى انه أثناء مكالمة هاتفية بين ترامب ونظيره المصري عبدالفتاح السيسي في ربيع 2017، سأل الأخير ترامب عن موضوع التحقيقات في إمكانية تورطه مع الروس، حسبما ينقل الكاتبان عن مسؤولين حاليين في البيت الأبيض، ويضيفان «أن يقوم زعيم أجنبي بالتطرق الى موضوع التحقيق الروسي أغضب ترامب الى أقصى حد».
الكتاب شيّق ويتضمن سلسلة من الروايات المثيرة للاهتمام، ويأتي في وقت لا يزال الرئيس الاميركي يصارع التحقيق والمحققين، ويبحث عن وسائل للتخلص منهم أو القضاء عليهم. كما يأتي الكتاب في وقت تتراكم الادلة التي تشير الى انحياز الرئيس الاميركي، بشكل غير مبرر، الى موسكو، فهو رفض حتى الآن فرض أي من العقوبات التي أقرها الكونغرس، بإجماع الحزبين، ضد روسيا. 
كذلك، في وقت تعاني بريطانيا - أبرز حليف للولايات المتحدة في العالم - من تكاثر عمليات اغتيال المعارضين الروس المقيمين في المملكة المتحدة. ورغم إعلان رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي رزمة من العقوبات ضد موسكو، من بينها طرد 23 ديبلوماسياً روسيا، لايزال ترامب متردداً في توجيه أي كلام قاس يدين فيه التورط الروسي في عمليات الاغتيال المذكورة، وهو ما يشي ان خلف الأكمة ما خلفها، وأن لترامب علاقة يخفيها مع روسيا، بغض النظر عن موضوع تدخلها في الانتخابات الاميركية، وان هذه العلاقة تعوق عمل الرئيس الاميركي وضرورة تصديه للمشاغبات الروسية، سواء داخل أميركا أو حول العالم.

الخميس، 15 مارس 2018

واشنطن تخطط لـ «خلط الأوراق» الدولية عبر صفقة مع كوريا الشمالية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

ربما كان الأمر محض صدفة، لكن الرئيس دونالد ترامب، الذي عانى من تعذّر حصوله على الموافقة على قوانين في الكونغرس كان وعد ناخبيه بها، اكتشف قوته الرئاسية التي لا تضاهى في كل الشؤون الخارجية، من فرضه تعريفات جمركية على الواردات الأجنبية للولايات المتحدة، إلى موافقته على لقاء زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون في اجتماع، إن تم، سيكون الأول من نوعه تاريخياً.
ترامب كان سعى منذ أيامه الاولى في الرئاسة الى استخدام الشؤون الخارجية للإفادة منها داخلياً، خصوصاً في سعيه للفوز بولاية رئاسية ثانية في انتخابات 2020. من هذا القبيل، كانت استعراضات ترامب المؤيدة لاسرائيل في محاولة للفوز بأصوات وأموال اليهود الاميركيين، فتحوّل إلى أول رئيس أميركي يزور حائط المبكى، وإلى أول رئيس يعلن نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس الغربية.
في فرضه تعريفات جمركية على واردات أميركا من الفولاذ والألمينيوم، نجح ترامب في الإيفاء ببعض الوعود التي كان قدمها إلى ناخبيه بفصل الولايات المتحدة عن مجرى العولمة الاقتصادية، النظام الذي كانت واشنطن في طليعة مهندسيه والعاملين على إنشائه.
أما في سعيه للتوصل لاتفاقية، وجهاً لوجه مع زعيم كوريا الشمالية، يسعى الرئيس الأميركي لتأكيد صورته كصاحب مقدرة على التوصل لاتفاقيات، تناسقاً مع كتابه الشهير الذي يحمل عنوان «فن الاتفاق». ويعتقد ترامب أنه طالما أن الكوريين الجنوبيين موافقون، لا تحتاج الاتفاقية مع كوريا الشمالية الكثير، بل هي عملية بسيطة مبنية على تخلي بيونغ يانغ عن برنامجها النووي والصاروخي، مقابل انفتاح دولي كامل عليها والاعتراف بسلالة كيم حاكمة للبلاد. 
بكلام آخر، يسعى ترامب لاتفاقيته التاريخية على غرار الاتفاقيات التاريخية التي سعى إليها أسلافه، من جيمي كارتر واتفاقية السلام المصرية - الإسرائيلية، إلى بيل كلينتون واتفاقية أوسلو الفلسطينية - الاسرائيلية، ثم جورج بوش واتفاقه لنزع أسلحة الدمار الشامل من ليبيا، وبعده باراك أوباما وحلمه بالتوصل لـ«اتفاقية عظمى» يتخلى بموجبها الايرانيون عن «النووي»، ويستعيدون دورهم كشرطي واشنطن في منطقة الشرق الأوسط. 
ترامب يسعى لاتفاق مع الكوريين الشماليين يظهره بمظهر المتفوق على أسلافه جميعاً ممن سعوا لاتفاقية مشابهة وفشلوا في التوصل إليها. 
على أن «المؤسسة الحاكمة» الأميركية المعنية بالسياسة الخارجية تنقسم حول قرار الرئيس لقاء كيم، فيقول فريق ان اللقاء الرئاسي هو بمثابة اعتراف أميركي بعائلة كيم الحاكمة، ومكافأة تحصل عليها بيونغ يانغ بعد التوصل لاتفاق معها لوقف برنامجيها النووي والصاروخي.
الفريق الثاني يعتبر ان القمة الأميركية - الكورية الشمالية هي أعلى مراحل المفاوضات، على غرار تلك التي عقدها الرئيس الراحل رونالد ريغان مع زعيم الاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، وهي لقاءات لم تؤدِّ لخفض السلاح النووي لدى الدولتين فحسب، بل أدت في ما بعد لانهيار الشيوعية ومعسكرها عن بكرة أبيها.
بشكل خاص، يعوّل مؤيدو ترامب ممن يأملون في حدوث اختراق مع كوريا الشمالية على الأوراق التي ستؤدي اتفاقية من هذا النوع إلى خلطها على المسرح الدولي. يقول هؤلاء إن روسيا سعت لتغذية الصراع الدولي مع كوريا الشمالية بمحاولتها تقويض العقوبات الدولية، ويضيفون ان التقارير الاستخباراتية الغربية تشير إلى أن محركات الصواريخ البالستية الكورية الشمالية تم صنعها في روسيا.
مصلحة روسيا في تأزيم الوضع أمام الغرب في كوريا الشمالية هي نفسها في تأزيم الوضع في سورية. 
وفي هذا الإطار، تقول المصادر الحكومية الأميركية: «روسيا تسعى لخلق بلبلة وإثارة فوضى تأمل أنه يمكنها مبادلة دورها في التوصل الى تسويات حول العالم بالتوصل الى تسوية تضمن انتقال سيادة شبه جزيرة القرم الاوكرانية (التي احتلها الروس في 2014) الى موسكو».
لكن نزع فتيل أزمة كوريا الشمالية لا يسحب ورقة من أيدي الروس فحسب، بل هو يساهم في ضعضعة «الدول الراعية للإرهاب»، التي تساهم بيونغ يانغ، حسب التقديرات الاميركية، في تزويدها بتقنيات صواريخ وتخصيب نووي. 
في حالة الرئيس السوري بشار الأسد، تعتقد وكالات الاستخبارات الأميركية أن كوريا الشمالية قامت بتزويده بمخزون من الكيماوي الذي يمكن استخدامه لصناعة أسلحة دمار شامل، حتى بعدما أعلنت دمشق انضمامها لاتفاقية حظر انتشار هذه الاسلحة واتمام تسليمها ترسانتها الكيماوية مع نهاية العام 2015. 
من دون كوريا الشمالية في محور روسيا - إيران، «يفقد هذا المحور أحد أركانه الاساسية في عملية التخريب التي يقودها حول العالم لابتزاز المجتمع الدولي»، تختم المصادر الاميركية، وهو ما سيؤثر على عدد من الملفات الدولية، خصوصاً في الشرق الاوسط، أو هذا على الأقل ما يطمح إليه مؤيدو محادثات ترامب- كيم.

الثلاثاء، 13 مارس 2018

ترامب يُطيح تيلرسون بسبب خلافات حول «النووي الإيراني» والأزمة الخليجية... وروسيا

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في خطوة مفاجئة، فجّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في تغريدة صباحية أمس، قنبلة من العيار الثقيل، بإقالة وزير الخارجية ريكس تيلرسون وتعيين المدير الحالي لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي إي) مايك بومبيو مكانه.
كما عيّن جينا هاسبل على رأس «سي آي إي» لتصبح أول امرأة تتولى هذا المنصب.
وكتب ترامب في تغريدته «مايك بومبيو مدير سي آي إي سيصبح وزير خارجيتنا الجديد وسيقوم بعمل رائع! نشكر تيلرسون على خدماته! جينا هاسبل ستصبح المديرة الجديدة لسي آي إي وهي أول امرأة تتولى هذا المنصب. مبروك للجميع!».
وأضاف: «استحق بومبيو عندما كان مدير سي آي إي ثناء الحزبين على تعزيزه جمع المعلومات الاستخباراتية وتطويره قدراتنا الهجومية والدفاعية واقامته علاقات وثيقة مع حلفائنا في أوساط الاستخبارات».
وقال ترامب: «لقد تم إنجاز الكثير في الاشهر الـ14 الماضية وأنا أتمنى له ولعائلته التوفيق».
وأضاف متحدثاً عن خلافاته مع تيلرسون: «كنا متفقين بشكل جيد لكن اختلفنا حول بعض الامور... بالنسبة الى الاتفاق (النووي) الايراني أعتقد انه رهيب بينما اعتبره (تيلرسون) مقبولاً وأردت إما الغاءه وإما القيام بأمر ما بينما كان موقفه مختلفاً بعض الشيء، ولذلك لم نتفق في مواقفنا».
وجاء هذا التغيير الحكومي بعد أيام على الاعلان المفاجئ عن قمة بين ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون والتي لم يحدد موعدها ولا مكان انعقادها، وسط ترجيحات بانعقادها في مايو المقبل.
ودعا ترامب الى تثبيت تعيين بومبيو بسرعة فيما تتجه إدارته الى المحادثات مع كوريا الشمالية.

تيلرسون لا يعلم
في المقابل، كشف مسؤول أميركي بارز أن تيلرسون لم يتحدث إلى الرئيس قبل إقالته، كما لم يتم له توضيح أسباب الإقالة. وقال مساعد وزير الخارجية للشؤون الديبلوماسية ستيف غولدشتاين في سلسلة تغريدات «الوزير لم يتحدث الى الرئيس صباح اليوم (أمس) لا يعلم سبب (اقالته)، إلا أنه يبدي امتناناً لحصوله على فرصة للخدمة، ولا يزال يؤمن بقوة بأن الخدمة العامة أمر نبيل لا يندم عليه».
وأكد أن تيلرسون «كان يعتزم البقاء بسبب التقدم الملموس الذي تم إحرازه في قضايا الامن القومي الحساسة. وقد أقام علاقات مع نظرائه». 
وتابع أن الوزير «سيفتقد زملاءه في وزارة الخارجية، واستمتع بالعمل مع وزارة الدفاع التي أقام معها علاقة قوية استثنائية»، في اشارة الى العلاقات الوثيقة بين تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس. 
وبُعيد إدلائه بهذه التصريحات التي متعارضة مع رواية البيت الأبيض، أقيل غولدشتاين من منصبه، بقرار من ترامب.

الخلافات
وفي معرض تفسيره أسباب إقالة تيلرسون الذي كان عاد إلى واشنطن قبيل فجر أمس بعد جولة في عدد من الدول الافريقية، أعلن مسؤول أميركي كبير أن ترامب أراد تغيير فريقه قبل المفاوضات المرتقبة مع كوريا الشمالية.
وإلى ملفي كوريا الشمالية وإيران، برز خلاف آخر بين ترامب وتيلرسون قبل ساعات من الإقالة، إذ وجه الأخير أصابع الاتهام إلى روسيا في تسميم جاسوس روسي مزدوج سابق وابنته في إنكلترا، فيما امتنع البيت الأبيض وترامب نفسه عن فعل ذلك.
ووفقاً لمصادر أميركية، فإن إقالة تيلرسون لم تفاجئ المتابعين في واشنطن بل ان المفاجأة كانت تكمن في المدة التي استغرقها ترامب لاتخاذ القرار، بعدما قام البيت الابيض بتسريب نيته الاستغناء عن وزير الخارجية قبل ستة اشهر على الأقل.
ويأتي طرد تيلرسون قبل أسبوع من الموعد المقرر لاستقبال ترامب ولي عهد السعودية الامير محمد بن سلمان، وهو لقاء يسبق استقبال ترامب ولي عهد الامارات الشيخ محمد بن زايد، ولقاء أمير قطر الشيخ تميم بن حمد الشهر المقبل. 
والاستغناء عن تيلرسون في وقت تستعد واشنطن للخوض في ملفات دولية معقدة، مثل التوصل الى تسوية للأزمتين الخليجية والكورية، يقدم إدارة ترامب على ما هي عليه: فريق الشخص الواحد المتمثل بالرئيس. 
وكان هذا النوع من الانفراد بالحكم والقرار ظهر الى العلن الاسبوع الماضي، يوم أعلن ترامب موافقته على لقاء زعيم كوريا الشمالية.
وفي التفاصيل من داخل أروقة قرار البيت الابيض، ان وفداً كوريا جنوبيا برئاسة مستشار الأمن القومي كان يزور نظيره الاميركي هربرت ماكماستر ويحمل إليه رسالة من بيونغ يانغ، ويسعى لاقناعه بعقد لقاء قمة بين ترامب وكيم. في نفس الاثناء، كان ترامب أنهى للتو اعلانه المفاجئ بإقرار زيادات جمركية على واردات أميركا من الفولاذ والالومينيوم، وكان يجلس في مكتبه عندما علم بوجود الوفد الكوري الجنوبي في المكتب المجاور، فطلب من الكوريين وماكماستر الانضمام إليه في المكتب البيضوي. 
ولم يكد الكوريون الجنوبيون يفتتحون مطالعتهم حول فوائد لقاء ترامب - كيم، حتى قاطعهم الرئيس الاميركي بالقول: «حسناً، سألتقيه، سوف أفعل ذلك»، في موقف أذهل ماكماستر وفريق الأمن القومي الاميركي، الذي وجد نفسه محرجاً إلى درجة انه اضطر للطلب من الكوريين الجنوبيين الاعلان عن موافقة ترامب على اللقاء أمام مدخل البيت الابيض، في خطوة تجاوزت كل البروتوكولات الديبلوماسية المعمول بها.
وكان لافتاً أن قنبلة موافقة أول رئيس اميركي لقاء زعيم كوريا الشمالية انفجرت فيما وزارة الخارجية ووزيرها تيلرسون في ظلام دامس، في وقت لا يزال شاغراً منصب سفير أميركا لدى كوريا الجنوبية، كما هي الحال في دول ذات أهمية استراتيجية بالنسبة لواشنطن، مثل السعودية. 

تهميش «الخارجية»
وأوضحت المصادر أن وزارة الخارجية تقبع على الهامش منذ غادرتها الوزيرة السابقة هيلاري كلينتون، التي كانت تتمتع بثقل لدى الرئيس السابق باراك أوباما. أما بعد رحيل كلينتون وتعيين جون كيري وزيراً للخارجية، صار «مجلس الأمن القومي» التابع للبيت الابيض هو الذي يدير السياسة الخارجية برمتها، وهي عادة حافظ عليها ترامب، بل ان الرئيس الحالي عززها بحصر القرار بيده منفرداً. حتى ماكماستر تفاجأ من طلب ترامب إليه والوفد الكوري عقد اللقاء في المكتب البيضوي، قبل أن يُفجّر ترامب قنبلة موافقته على عقد لقاء قمة مع كيم.
بالاضافة الى تهميش أوباما للخارجية، وتهميش ترامب لكل المؤسسات والمسؤولين، عانى تيلرسون أثناء عمله وزيراً للخارجية من تقلبات ترامب، التي وضعت الوزير السابق في مواقف حرجة أمام الحلفاء ممن عكفوا على مطالبته بتفسير مواقف الرئيس الاميركي المتقلبة، وكان المثال الابرز على افتراق ترامب وتيلرسون في الأزمة الخليجية حيث راح الرئيس يهاجم قطر، وراح وزير خارجيته يمتدحها.

حقدٌ لسببين
على أن الأزمة بين الرجلين اختلطت مع حقد الرئيس على وزير خارجيته بسبب حادثتين: الاولى رفض تيلرسون تكذيب التقارير الاعلامية التي نقلت عن لسانه، في مجلس خاص، قوله ان ترامب «أحمق». أما الحادثة الثانية، فجاءت بعدما رفض ترامب إدانة المتظاهرين من النازيين الجدد الذين أدت تظاهرتهم في ولاية فيرجينيا الى مقتل مواطنة. وقتذاك، أطل تيلرسون عبر أحد البرامج الحوارية في نهاية الاسبوع، وعندما سُئل عن موقف الرئيس تجاه التظاهرة، رفض تيلرسون تبنيه وتأييده، بل اعلن معارضته، وقال: «لكل منا رأيه».
لم يعتد ترامب على النقاش، وهو الآتي من امبراطوريته الخاصة للأعمال حيث يُعيّن من يشاء، ويعاقب من يشاء، ويصرف من يشاء، لذا، كانت مسألة وقت قبل أن يقوم بطرد تيلرسون واستبداله ببومبيو، عضو الكونغرس السابق الذي يلعب دوراً محوريا في الاشارة الى ان «وكالات الاستخبارات لم تستنج أن روسيا دعمت ترامب أثناء الانتخابات»، وهو تصريح عارضته كل الوكالات الاستخباراتية، بما فيها وكالته.
ترامب يحتاج الى من يوافقونه الرأي ويدافعون عن كل أقواله، الصحيحة منها وأيضاً تلك التي تثير دهشة، بل سخرية، الأميركيين.
ولفتت المصادر إلى أن لطرد تيلرسون فوائد لترامب لناحية محاولته دحض تقرير نشرته مجلة «نيويوركر»، جاء فيه ان ترامب كان ينوي تعيين المرشح السابق للرئاسة ميت رومني وزيراً للخارجية، الا ان موسكو أوعزت إليه باختيار تيلرسون، وهو حائز على وسام الرئاسة الروسية أثناء عمله مديراً لشركة «إكسون» للنفط. 
هكذا، يكون ترامب استبدل وزيراً صاحب رأي، بوزير يؤيده بكل اقواله، ويكون أنهى الإشاعات حول دور موسكو في اختيار تيلرسون.
أما الملفات الشائكة في السياسة الخارجية، فترامب لم يكن يستمع لمستشاريه أصلاً، سواء بوجود تيلرسون وماكماستر أو بغيابهما.

وزير الخارجية الجديد شارك في حرب تحرير الكويت

أفادت معلومات أن وزير الخارجية الأميركي الجديد مايك بومبيو كان أحد المقاتلين في حرب تحرير الكويت العام 1991.
وبومبيو، هو أحد الأعضاء البارزين والناشطين في الحزب الجمهوري الذي ينتمي له الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وكان ممثلاً عن ولاية كنساس في الكونغرس خلال الفترة من العام 2011 وحتى العام 2017 عندما تم تعيينه مديراً لوكالة الاستخبارات.
ويعتبر بومبيو أحد السياسيين المعروفين في الولايات المتحدة، وهو من مواليد ولاية كاليفورنيا في 30 ديسمبر 1963، أما أصوله فتعود إلى إيطاليا.
وفي العام 1982، أنهى بومبيو دراسته الثانوية في «فاونتن فالي» بكاليفورنيا قبل أن يصبح لاعب الهجوم في فريق محلي للعب التنس. أما في العام 1986 فحصل على شهادة «الهندسة الميكانيكية» من «الأكاديمية العسكرية الأميركية» في «ويست بوينت».
وأظهرت معلومات جمعها موقع «العربية نت» أنه خلال الفترة من العام 1986 حتى العام 1990 خدم بومبيو في الجيش الأميركي كضابط في سلاح المدرعات، كما خدم مع السرب الثاني في فرقة المشاة الرابعة بالجيش الأميركي خلال حرب الخليج الأولى، التي انتهت بتحرير الكويت من الاحتلال العراقي في العام 1991.
وفي العام 1994 حصل بومبيو على شهادة الدكتوراة من كلية القانون في جامعة «هارفارد»، وهي واحدة من أقوى وأشهر الجامعات في العالم، وبعد ذلك عمل محرراً للمجلة العلمية التي تصدر عن كلية القانون في «هارفارد»، والتي يكتب فيها كبار فقهاء القانون وأشهر القضاة في العالم، كما عمل بعد ذلك في مجال المحاماة.

المرأة الحديدية من إدارة «عين القطة» إلى عرش «سي آي إي»

واشنطن - وكالات - تربعت جينا هاسبل على عرش أهم جهاز استخبارات في العالم، لتكون أول امرأة تشغل منصب المدير العام لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إي»، ويبدو أنها ستكون «المرأة الحديدية» التي ستشغل الأميركيين خلال الفترة المقبلة.
وكانت هاسبل حتى الآن تستحوذ على منصب نائب رئيس الوكالة منذ أن كلفها الرئيس دونالد ترامب بهذه المهمة في أعقاب توليه منصبه مطلع العام الماضي.
ارتبط اسم هاسبل بالسجون السرية التي أدارتها الوكالة في مختلف أنحاء العالم، وتعرض فيها المعتقلون بشبهة الارهاب لعمليات تعذيب. وأطلق على هذه السجون السرية اسم «الحفر السوداء». وتُفيد المعلومات المتوافرة عن هاسبل، بأنها كانت واحدة من أهم وأبرز ضباط الاستخبارات الأميركيين الذين حاربوا تنظيم «القاعدة» وعملوا في مكافحة الارهاب خلال السنوات الماضية، حيث كانت منذ العام 2002 تُدير موقعاً سرياً تابعاً للاستخبارات الأميركية في تايلند ويحمل اسم «عين القطة».
وقالت هاسبل عقب الاعلان عن تعيينها في هذا المنصب: «أنا ممتنة للرئيس ترامب الذي منحني الفرصة والثقة لقيادة وكالة الاستخبارات المركزية». وهاسبل، هي ضابطة مهنية في الاستخبارات المركزية، ومحط إعجاب وتقدير زملائها في العمل، وهي أيضاً من المدافعات عن التنسيق والتكامل بين أجهزة الاستخبارات الأميركية.
وقال عنها مديرها السابق مايك بومبيو، الذي أصبح وزيراً للخارجية، «جينا في غاية الذكاء ووطنية مخلصة، ولها خبرة تمتد على مدى أكثر من 30 عاماً في الاستخبارات المركزية، وأثبتت أنها قائدة وقادرة على الإنجاز ومصدر إلهام للمحيطين بها». 
وانضمت هاسبل إلى الاستخبارات العام 1985، وأمضت معظم حياتها المهنية بعيدة عن الأضواء، ما جعل من الصعب الحصول على صورة لها، حتى عندما تولت منصب نائبة مدير الوكالة العام الماضي. وهذا كله يؤهلها لأن تكون واحدة من أقوى سيدات العالم وخبيرة من الطراز الرفيع في مجال الأمن والاستخبارات ومكافحة الارهاب.

ماذا بقي من سيادة الأسد؟

بقلم حسين عبد الحسين

بعد سبع سنوات على اندلاع الثورة السورية المطالبة بإنهاء حكم عائلته، قد يبدو الرئيس السوري بشار الأسد وكأنه خرج منتصرا على خصومه، ممسكا بالجزء الأكبر من مناطق سورية المأهولة بالسكان ومدنها الكبرى. لكن الواقع هو أن الأسد اليوم لم يعد كونه سوى ظل الأسد الذي قرر حسم المواجهة عسكريا ضد المطالبين برحيله.

للوهلة الأولى، يبدو بشار الأسد وكأنه التزم أسلوب أبيه الراحل حافظ في الحكم لناحية دفع معارضيه نحو العنف والتطرف، وتصوير عنفهم وكأنه يندرج في خانة الإرهاب العالمي الذي يهدد مصالح الغرب واستقراره، ثم تصوير تحالف الأسد مع الدول المناوئة للغرب، مثل روسيا وإيران، وكأنه تحالف مؤقت، وكأن الأسد يمكنه الخروج من هذا التحالف متى يشاء، أو حتى يمكنه أن يلعب دور الوسيط بين روسيا أو إيران، من ناحية، والغرب من ناحية ثانية.

بعد سبع سنوات على الثورة السورية، تحول الأسد إلى واحد من مجرمي الحرب الذين سيذكرهم التاريخ

تلك كانت وصايا المحنك حافظ الأسد لولده بشار، وهي وصايا اكتسبها حافظ بالتجربة، إذ هو أفاد من الصراعات الإقليمية والعالمية، وجعل نفسه مفيدا لكل الأطراف الدولية المتخاصمة في الوقت ذاته، من دون أن يذوب تماما في تحالف مع أي منها.

حافظ الأسد، وإن بدا يوما في صف المعسكر الشيوعي، فهو لم ينخرط فيه، وكان من حلفاء الاتحاد السوفياتي القلائل الذين زارهم رؤساء أميركيون. كانت للأسد أهمية استراتيجية بالنسبة لإسرائيل وأمن الجولان، وكان يضبط "المقاومة" ضد إسرائيل في لبنان، فلا يتركها تنفلت إلا يوم كان يسعى لابتزاز الغرب للحصول على مطالبه.

اقرأ للكاتب أيضا: إيران جمهورية الكذب

هكذا تحول حافظ الأسد إلى الوجه الثوري الوحيد الذي يمكن للمسؤولين الغربيين زيارته. رجل يلبس بذلة وربطة عنق، يجلس في قصر رئاسي، يستقبل ضيوفه، ويفي بوعوده، أحيانا. هكذا تلاعب الأسد الأب بكل مسؤولي العالم، يعطيهم ما يطلبونه مقابل أن يلبوا هم شروطه، وعندما يتأخرون عن التلبية، يطلق عليهم مخربي الأمن الدولي والاستقرار على أنواعهم.

ومثلما أفاد حافظ الأسد من الحرب الباردة والصراع العربي مع إسرائيل، كذلك أفاد من الصراع العربي مع إيران: استخدم حافظ الأسد علاقته الطيبة مع إيران ليركض العرب لاسترضائه، واستخدم في الوقت نفسه عروبته لإخضاع الإيرانيين له، خصوصا في لبنان. فتصفية ثكنة فتح الله العسكرية وقتل مقاتلي "حزب الله"، في الوقت ذاته الذي أعلنت فيه إيران شنها هجوما للسيطرة على البصرة العراقية، لم يكن مصادفة.

عرف حافظ أن إيران متورطة في حرب وستخضع لشروطه، وعرف أن العرب كان يرتعبون من الإيرانيين قرب البصرة، فسلموه أمرهم. هكذا، أصبح حافظ الأسد سيد سورية ولبنان والتنظيمات الفلسطينية، وتحول لاعبا يتمتع بأهمية استراتيجية بسبب مناوراته، على الرغم من ضعف سورية وقلة أهميتها الدولية.

بعد سبعة أعوام على الحرب السورية، أصبحت إيران سيدة سورية، مع حصة لروسيا لم يتم الاتفاق على حجمها الكامل بعد، ومع بقاء الأسد رئيسا صوريا

لم يفهم بشار الأسد جوهر سياسة أبيه، فمارس العنف مجانا، أحيانا لنزواته الشخصية، ورمى نفسه في أحضان بعض الحلفاء، خصوصا إيران، دون آخرين. اعتقد بشار الأسد أن إيران تدعمه بلا ثمن، فلم تمر أعوام قليلة على رحيل أبيه حتى خسر لبنان لمصلحة طهران. صحيح أن حلفاء إيران في لبنان حافظوا شكليا على زعامة بشار الأسد في بلادهم، ولكنها زعامة صورية. بعد العام 2005، حلت إيران، الممثلة بـ "حزب الله"، مكان الأسد في موقع الآمر الناهي في لبنان.

من راقب الأحداث اللبنانية ربما توقع انهيارا مماثلا للأسد في سورية. على ذمة بعض الرواة ممن عاصروا الأشهر الأولى للثورة السورية، اعتقد الأسد أنه لا يجدر بأقليته العلوية الانخراط في حرب شاملة ضد الغالبية السنية، وحاول التنازل قليلا، اعتقادا منه أن الأزمة إن عدت ببعض التنازلات، يمكنه بعدها استعادة ما تنازل عنه مع تحسن الظروف. لكن إيران، التي لا يبدو أنها تفقه لغة الأكثرية والأقلية، أقنعته بمواجهة شاملة. ولما نفذ عتاد بشار وعديده، استلمت إيران الدفة. ولما تقهقهرت الأخيرة، طلبت مساعدة القوة النارية الروسية.


بعد سبعة أعوام على الحرب السورية، أصبحت إيران سيدة سورية، مع حصة لروسيا لم يتم الاتفاق على حجمها الكامل بعد، ومع بقاء الأسد رئيسا صوريا، على شكل ميشال عون وسعد الحريري في لبنان، يحكمون الشؤون المالية والداخلية، ويتركون السياسة الخارجية والأمنية لإيران.

بعد سبع سنوات على الثورة السورية، تحول الأسد إلى واحد من مجرمي الحرب الذين سيذكرهم التاريخ. ربما تبدو الصورة مختلفة له وهو في قصره يحيطه أزلامه ويصفقون له، لكن الأسد تخطى نقطة اللاعودة إلى المجتمع الدولي، على الرغم من بعض محاولات موسكو، الخجولة والمتعثرة في الوقت نفسه، في إعادة تأهليه.

ربما يرغب رئيس روسيا فلاديمير بوتين في إعادة الأسد إلى المجموعة الدولية لأن بوتين نفسه خارج القانون الدولي بسبب احتلاله القرم. لكن بوتين يمكنه الانسحاب من القرم الأوكرانية والعودة إلى المجتمع الدولي، أما الأسد، فلا يمكنه العودة عن مجازره، الكيماوية منها وغير الكيماوية، وهو لو عاد، لن تعيد له إيران سورية.

الجمعة، 9 مارس 2018

ثرثرة ترامب عن التحقيق الروسي قد تنقلب ضده

واشنطن - من حسين عبدالحسين

منحت أفلام هوليوود الشهرة لتقليد قانوني تمارسه الشرطة الأميركية إبان اعتقالها مشتبهاً بهم، وهو تقليد معروف بـ«حقوق ميرندا» نسبة إلى معتقل أفلت من المحاكمة بعد استخدام الشرطة أقواله ضدّه، وهي أقوال كانت حصلت عليها من دون أن تبلغه بأنه مشتبه به أو معتقل، وهو ما يخترق التعديل الخامس للدستور، الذي يمنح الحق لكل أميركي بالامتناع عن الإدلاء بأقوال قد تؤدي لإدانته. لذا، يحتم القانون الأميركي على الشرطة إبلاغ من ترغب في اعتقالهم بأمرين: أولاً، انهم صاروا معتقلين لحظة اعتقالهم، وثانياً، تذكيرهم أن أي ما قد يصدر عنهم بعد الاعتقال قد يتم استخدامه ضدهم أمام المحكمة. 
وحده الرئيس دونالد ترامب يبدو قاصراً عن فهم النظام القانوني الأميركي، فهو منذ شيوع أنباء عن تحقيقات كان يقوم بها مكتب التحقيقات الفيديرالي (اف بي آي) في إمكان تورطه أو مساعديه في حملته الانتخابية الرئاسية، في العام 2016، بالتواطؤ مع روسيا للتأثير في نتائج الانتخابات، راح يصدر التصريح تلو الآخر، ويتخذ الخطوة تلو الأخرى، ليتضح أن معظم تصريحاته وخطواته يمكن لأي ادعاء عام استخدامها ضده لإدانته بتهمة التعامل مع حكومة أجنبية، ثم محاولة إعاقة مجرى العدالة والتحقيقات التي كانت تجري لكشف هذا التعامل.
ويبدو أن مشكلة ترامب الرئيسية نفسية، وترتبط بضعف عقلي يمنحه قدرة على إقناع نفسه أنه لم يقل التصريح الفلاني، أو لم يقدم على الخطوة الفلانية. وبعد إقناع نفسه أنه لم يقل أو لم يفعل ما سبق أن قال أو فعل، يدلي بتصريح جديد يناقض ما سبق أن قاله، وهو ما يفتح شهية المحققين والمدعين العامين للبحث عن الحقيقة.
في السياق، طرد ترامب المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيديرالي «اف بي آي» السابق جيمس كومي في مايو الماضي، وأرفق قراره بصفحتين صادرتين عن وزارة العدل جاء فيهما أن قرار الطرد يرتبط بسوء إدارة كومي للوكالة الأمنية، بما في ذلك سوء تعامله مع موضوع التحقيقات في استخدام منافسة ترامب السابقة للرئاسة هيلاري كلينتون بريداً الكترونياً خاصاً أثناء عملها وزيرة للخارجية في الولاية الأولى للرئيس السابق باراك أوباما.
في اليوم التالي، أجرى ترامب مقابلة مع ليستر هولت من شبكة «ان بي سي»، قال فيها إنه طرد كومي بسبب التحقيق الروسي، مناقضاً البيان الصادر قبل ذلك بيوم، ومقدماً للمحققين ما يمكنه أن يشكل قرينة ضد الرئيس بتهمة إعاقة عمل التحقيق والعدالة، ناهيك عن أن محاولة عرقلة تحقيق تثير حشرية غالبية الأميركيين حول ما الذي يخيف ترامب في حال استمرار التحقيق في إمكانية تواطؤه مع روسيا.
وبعد إعلان المحقق الخاص روبرت مولر، في ديسمبر، أن مستشار الأمن القومي السابق لدى ترامب مايكل فلين قرر الاعتراف بالذنب والتعاون مع التحقيق، مقابل حكم يتم التفاوض على تخفيفه فيما بعد، حاول ترامب تبرئة ساحته بالقول، في تغريدة، إنه طرد فلين بسبب تعامل الأخير مع الروس، وهو تصريح بمثابة اعتراف، إذ انه حتى ذلك التاريخ كان الاعتقاد السائد أن لا علم لترامب بتعامل فلين مع الروس حتى قبل طرده بيوم.
ولتدارك المشكلة، قام أحد المحامين العاملين لدى ترامب بادعاء أنه هو من كتب ونشر التغريدة بلا علم الرئيس، في خطوة ربما خففت التأثير القانوني، لكنها لم تقنع غالبية الأميركيين.
أما آخر هفوات ترامب فتكمن في محاولته معرفة فحوى جلسات التحقيق التي أجراها فريق مولر مع عاملين سابقين في فريق ترامب، مثل المدير السابق لموظفي البيت الأبيض رينس بريبس، الذي حاول ترامب الاستفسار منه عمّا يعرفه مولر وعن التحقيقات. 
وفي السياق نفسه، طلب ترامب من محاميه الخاص دون ماغان طرد وكيل وزارة العدل المشرف على التحقيقات رود روزنستاين، لكن المحامي رفض ذلك وهدد بالاستقالة إن قام ترامب بطرد روزنستاين، محذراً الرئيس من العواقب القانونية والسياسية لخطوته. تسرب الخبر إلى الصحف، وطلب ترامب عبر أحد مساعديه من ماغان نفي الحادثة، في بيان إلى الاعلام، تحت طائلة التخلي عنه. ماغان لم ينف الحادثة، وأبلغ ترامب ان نفيها يعني الكذب، وان الكذب يضعه في دائرة المستهدفين للتحقيقات ويمكن ان يعرضه لمسؤولية قانونية وربما السجن. أما المفاجأة فكانت تكمن في إصرار ترامب أنه لم يطلب من مساعديه ما طلب، وهو ما يضع المساعدين في موقع حرج، وهو ما يثبت أن الرئيس يقنع نفسه بأن أموراً لم تحدث أو أنه لم يقل ما قاله فعلياً، مثل إصراره أن صوت من يتحدث عن التحرش في النساء في فيديو منسوب إليه ليس ترامب، مع أن ترامب نفسه خاطب الأميركيين أثناء ترشحه للرئاسة معتذراً عمّا بدر عنه في الفيديو، وهو ما دفع الشبكات الأميركية إلى الاستعانة بعلماء نفس لتحليل ظاهرة إصرار ترامب على التراجع ونفي ما هو مؤكد وموثّق، أو عمّا سبق للرئيس نفسه أن اعترف به.
تصرفات ترامب هذه أجبرت فريق المحامين الموكل الدفاع عنه في موضوع التورط مع روسيا بالاختلاء به والإصرار على إقناعه بضرورة تفادي الإدلاء بأي أقوال، في مجالسه الخاصة أو علنا، تتعلق بالتحقيق، بأي شكل، حتى لا يستخدم الادعاء أقواله ضده في وقت لاحق. وأعلن المحامون أنهم رسموا «خطاً فاقع اللون» حتى يراه ترامب ولا يتجاوزه، لكن الرئيس الأميركي لا يبدو ممن يمكن ضبطهم بأي شكل من الأشكال، وهو كلّما أمعن في التعبير عن غضبه واستيائه بإدلائه بتصريحات حول مجرى التحقيقات، بدا أنه يورّط نفسه أكثر فأكثر.

الخميس، 8 مارس 2018

الديمقراطية لم تنجح قط في لبنان، ونجاحها شرط رئيسي لازدهار البلاد

حسين عبد الحسين
سينديكايشن بيرو

إن لبنان لم يكن قط دولة ديمقراطية، والمشكلة هي أن اللبنانيين لا يدركون ذلك تماماً، فهم يعتقدون أنهم يختارون قادتهم فعلياً من خلال الانتخابات المتفرقة التي ينظمونها بين الحين والآخر. أمَّا الفهم السليم للغليان السياسي المستمر في لبنان فقد يؤدي على الأقل إلى إزالة اللبس عن خبايا حالة الأزمة الدائمة في البلاد، إن لم يكن سيوضحها بشكل تام. فإذا أخذنا على سبيل المثال ما جرى مع رئيس الوزراء سعد الحريري، الذي لم يلبث أن قدم استقالته حتى هَمَّ بسحبها، سنجد أن وضعية الحريري هي بالفعل دليل على اللبس الذي يهيمن على السياسة في لبنان. وإذا كانت الدولة اللبنانية تسعى بالفعل إلى تحقيق ذاتها من خلال الطاقات التي تزعم أنها تمتلكها، فإن هناك حاجة ماسة لاتخاذ خطوات جادة من أجل إصلاح حالة البلاد، مع العلم أن الانتخابات المقبلة من المقرر انعقادها هذا الصيف، ولكنها لا تعِد بالشيء الكثير.

من أجل فهم السياسة اللبنانية، لننطلق من الاسم الذي أطلقه اللبنانيون على النظام السائد في بلادهم: “الديمقراطية التوافقية”. اسم يعتبر تناقضاً في حد ذاته، ففي حين يتطلب التوافق موافقة الجميع، فإن الديمقراطية هي حكم الأغلبية، حتى وإن تمثلت في الحصول على نسبة 50 بالمائة زائد واحد فقط. لكن نرجع ونقول إن الديمقراطية التوافقية في لبنان في حقيقتها لا هي ديمقراطية ولا هي توافقية. وأبسط مثال على ذلك هو عندما أوعز النظام الحاكم في سوريا إلى البرلمان اللبناني تمديد فترة ولاية الرئيس السابق إميل لحود سنة 2004، صوت الدروز، وهم من أهم الفرق اللبنانية، ضد هذا الاقتراح الذي واجه معارضة كبيرة من قبل المسيحيين، إلا أن النظام السوري وحلفاؤه، وفي مقدمتهم “حزب الله”، قالوا إن “الديمقراطية قد تحققت”، وتم منح لحود استثناءً دستورياً شرعياً للبقاء في كرسي الرئاسة لثلاث سنوات إضافية، لذلك فلا وجود للتوافق في هذه الحالة.

لكن “حزب الله” لم يكن من أشد مناصري الديمقراطية حين فاز غرماؤه المعروفون بحركة “14 آذار” بالأغلبية البرلمانية سنة 2009. ورغم أن زعيم الحزب حسن نصر الله قد صرَّح عشية الانتخابات بأن حزبه سيحترم قرار الأغلبية، إلا أنه تراجع عن وعده هذا وطلب من حركة “14 آذار” تقديم تنازلات لصالح “حزب الله” والأقلية عن طريق تشكيل “حكومة وحدة وطنية”، إذ ليس هناك مجال لحكم لبنان إلا عن طريق التوافق، أو هكذا قال نصر الله. وقد أصر “حزب الله” على موقفه هذا حتى أرغم حركة “14 آذار” على انتخاب المرشح المفضل للحزب، وهو الجنرال السابق المسيحي ميشال عون، رئيساً للبلاد. لا أثر للديمقراطية في هذه العملية كذلك.

وبين الديمقراطية والتوافق يوجد عامل آخر شديد الأهمية. إن لبنان، في واقع الحال، بلد يحكمه منطق القوة، و”حزب الله” وميليشياته المهيبة هو الوحيد الذي يقرر متى يحين وقت “الديمقراطية” ومتى يجب اللجوء “للتوافق”.

لقراءة المقالة كاملة

الثلاثاء، 6 مارس 2018

إيران جمهورية الكذب

بقلم حسين عبد الحسين

مذهلة هي كمية النفاق والكذب التي تبثها الدعاية الإيرانية. ثماني صفحات من النسخة الإنكليزية لصحيفة كيهان المقربة من النظام الإيراني كافية لتقديم كمية هائلة من التزوير والحقد الذي تبثه الجمهورية الإسلامية. في كل مقالة، تحريض ضد الولايات المتحدة، واتهامها بنشر الإرهاب في العالم، والحرص على تقسيم الشعوب. حتى في الصفحة الاقتصادية، مقالة تتوقع نجاح روسيا والصين في تعزيز احتياطيهما من الذهب لتقويض الدولار الأميركي كعملة العالم.

في افتتاحية الصحيفة اتهام إيراني لأميركا برعاية الإرهاب في سورية وتقويض مجلس الأمن الدولي. يكتب محررو الصحيفة الإيرانية، من دون أن يلاحظوا بلاهة المفارقة التي يقدمونها، أن واشنطن دعمت، على مدى ثماني سنوات، نظام الأقلية البعثية في العراق في حربه على إيران، وأن أميركا تدعم اليوم بالطريقة نفسها إرهابيي سورية. لا يلاحظ المحررون الإيرانيون أن نظامهم يساند الأقلية البعثية في سورية.

ثم تتهم الصحيفة الولايات المتحدة بالتلاعب بمجلس الأمن، وتقول إن أميركا لم تستصدر قرار وقف إطلاق نار في مجلس الأمن أثناء الحرب العراقية الإيرانية إلا بعدما بدأت القوات الإيرانية تحقق انتصاراتها ضد العراقيين. لكن "سيد العصر" روح الله الخميني رفض القرار، مرددا أن "السلام المفروض أسوأ من الحرب المفروضة". ثم فشل "الاستكبار العالمي"، وانتصرت الجمهورية الإسلامية في حرب السنوات الثمان، حسب الصحيفة.

التاريخ ليس أسودا وأبيضا كما يعتقد بعض ليبراليي الغرب، والتاريخ حتما ليس مزورا كما يقدمه النظام الإيراني

كيهان لا تكذب فحسب. كيهان تزور التاريخ. إيران لم تنتصر في حربها ضد العراق، والخميني وافق في العام 1988 على قرار مجلس الأمن رقم 598 القاضي بوقف إطلاق النار، وشبه خطوته بتجرع السم. الرواية الرسمية الإيرانية عن الحرب مع العراق هي كذب في كذب.


وكما تكذب الجمهورية الإسلامية عن حربها مع العراق، وعن أحداث سورية، كذلك تكذب حول أحداث الكوريتين. حسب الصحيفة الإيرانية، تشعر واشنطن بالاستياء لتوحيد الكوريتين وفديهما أثناء الألعاب الأولمبية لأن الولايات المتحدة ترغب في رؤية الشعب الكوري منقسما وفي حالة حرب حتى تبقي على قواعدها العسكرية الضخمة في كوريا الجنوبية. لا يفيد أن لا كوريا الجنوبية وحدها، بل اليابان والفليبين وأستراليا، كلها عاتبت الولايات المتحدة وطالبتها بتعزيز قوتها العسكرية لمواجهة صعود الاستبداد الصيني واستيلائه على مساحات بحرية أوسع مع مرور الأشهر. لكيهان روايتها الخيالية التي تتمسك بها.

أكاذيب إيران ليست سطورا في جريدة تابعة للنظام، بل هي دعاية يصدقها كثيرون، خصوصا من ليبراليي الغرب ممن يصرون أن الامبريالية هي سبب مصائب الإيرانيين، وأن التاريخ بدأ مع الانقلاب على حكومة محمد مصدق في الخمسينات.

يعتقد الكثيرون اليوم أن الخميني وصدام كانا عدوين منذ الأزل، فيما الحقيقة هي أن صدام ساهم في رعاية وإطلاق حركة الخميني في بداياتها

لكن قصة الانقلاب على مصدق، مثل قصص إيران الكثيرة، انتقائية. مثلا، يعتقد الكثيرون اليوم أن الخميني وصدام كانا عدوين منذ الأزل، فيما الحقيقة هي أن صدام ساهم في رعاية وإطلاق حركة الخميني في بداياتها كجزء من مواجهة صدام شاه إيران، ويوم حاضر الخميني عن الحكومة الإسلامية ونشرها في كتاب، كان ذلك في النجف تحت عيون ورعاية استخبارات صدام الساهرة. ولم يتخل صدام عن الخميني إلا يوم أجبره شاه إيران محمد رضا بهلوي على توقيع اتفاقية الجزائر لتفادي هزيمة عراقية عسكرية كانت مؤكدة.

اقرأ للكاتب أيضا: لماذا يكره العالم أميركا؟

ثم عاد الخميني إلى إيران برعاية غربية، واتصل قادة الثورة بمسؤولي إدارة الرئيس السابق جيمي كارتر، مثل في لقاء مهدي بازركان ومستشار الأمن القومي الأميركي الراحل زبيغنيو بريزينسكي في الجزائر. ولم ينقلب الخميني على أميركا ويعلنها شيطانا أكبر إلا بعدما شعر بالتفاف "حزب تودة" الشيوعي الإيراني عليه، فالتف الخميني باقتحام أنصاره السفارة الأميركية لاستقطاب قاعدة الشيوعيين المعادين لأميركا، وأعلنها عدوا لإيران. وفي العام 1986، فيما كان الخميني ما يزال مرشدا للثورة، زار بد ماكفرلين، مستشار الأمن القومي للرئيس الراحل رونالد ريغان طهران سرا، والتقى شابا ثوريا اسمه حسن روحاني، في مناورة إيرانية للحصول على سلاح ضد صدام.

اليوم، يكرر الإيرانيون، ويصدقهم غربيون كثيرون، أن طهران لا تكذب في برنامجها النووي، وأن جل ما تفعله هو ممارسة "حقها" النووي. طبعا، لا تقول إيران إنها كانت تبني مفاعل فوردو النووي الجبلي المحصن سرا، وإن المفاوضات لم تكن لتجري لو لم تكتشف الاستخبارات الغربية الخديعة الإيرانية.

التاريخ ليس أسودا وأبيضا كما يعتقد بعض ليبراليي الغرب، والتاريخ حتما ليس مزورا كما يقدمه النظام الإيراني، وهو ما يدفعنا للتساؤل: إن كانت أحداث جرت في الماضي القريب الذي ما يزال حيا في ذاكرة كثيرين قد تم تحويره على هذا الشكل، فما هي نسبة الكذب في التاريخ الذي وصلنا من ماض أبعد، وكم عمر الدعاية والكذب الذي يبدو أنه تقليد يلازم حكام إيران، وحكام دول كثيرة أخرى؟ وكيف يمكن لغير العارفين تمييز الواقع من الوهم؟

الجمعة، 2 مارس 2018

ترامب يسعى لتسوية الأزمة الخليجية قبل الاستحقاق «النووي الإيراني»

واشنطن - من حسين عبدالحسين 

المصاعب التي يواجهها الرئيس دونالد ترامب داخلياً، والتي كان آخرها إعلان الكونغرس الذي يسيطر عليه حزبه الجمهوري تأجيل خطة إعادة تأهيل البنية التحتية الأميركية بتكلفة تريليون ونصف التريليون دولار إلى العام المقبل، دفعته إلى محاولة تحقيق إنجازات في السياسة الخارجية يمكنه تقديمها لناخبيه كجزء من سجل إنجازاته، المتواضع نسبياً.
من الانجازات التي يسعى إليها ترامب تجديد محاولته رأب الصدع الخليجي تحت عنوان أولوية الصراع مع إيران. وفي هذا السياق، بعدما كان متوقعاً أن يستقبل الرئيس الأميركي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، منتصف الشهر الجاري، وبعدما كان مقرراً أن يرحب بولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، بعد ذلك بأسبوع أو اكثر بقليل، أضاف البيت الابيض إلى جدول استقبالات الرئيس لقاء مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، منتصف الشهر المقبل.
ومع أن الملفات التي يسعى ترامب لمناقشتها مع الزعماء الخليجيين الثلاثة متنوعة ومتشعبة، إلا أنه يأمل في إقناعهم بالتوصل إلى تسوية تنهي الأزمة المندلعة بينهم منذ يونيو الماضي.
ونقلت مصادر أميركية مطلعة عن مسؤولين في البيت الابيض قولهم إن «12 مايو (المقبل) هو موعد انقضاء المهلة المحددة للتوصل إلى تعديل للاتفاقية النووية مع ايران»، وإن الرئيس ترامب يرغب في «ترميم الجبهة الأميركية» استعداداً لكل الاحتمالات، وفي طليعتها لإمكانية إعادة فرض عقوبات على إيران لإجبارها على تعديل الاتفاقية. 
وأضافت المصادر أنه «يصعب على أميركا مواجهة إيران فيما ينقسم حلفاؤها على بعضهم البعض ويستنجد بعضهم بطهران على الآخر»، وهو ما يجعل من التوصل إلى تسوية خليجية أولوية تتساوى في أهميتها مع أولوية مواجهة إيران وتعديل الاتفاقية النووية معها. 
على أن المسؤولين الأميركيين يعون تعقيدات التوصل إلى تسوية، ويحاولون تفادي «خيبة الأمل» التي مُني بها الرئيس الأميركي بعد اتصاله بالزعماء الثلاثة في محاولة لإبرام تسوية، لم تحصل، في سبتمبر الماضي.
وأوضحت المصادر أن «الوساطة الكويتية ما تزال الحل الانسب»، وهي تقضي بالتزام قطر بمطالب السعودية والامارات، باستثناء البنود التي تعتبرها قطر سيادية ، مثل المطالبة بإغلاق قناة «الجزيرة» الفضائية. 
وتابعت أنه «من ناحية المبدأ، لا تتدخل الولايات المتحدة في ما تبثه أي وسيلة إعلامية أميركية أو حول العالم»، وانه «حتى عندما كانت (الجزيرة) تبث أشرطة لإرهابيين اعتبرتها واشنطن في حينها تهديداً للأمن القومي الأميركي»، لم تتدخل الولايات المتحدة في الموضوع.
لكن «بما أن (الجزيرة) قناة ممولة بالكامل من حكومة قطر»، لا بد من الممولين الإيعاز للقناة بالتراجع عن الانتقادات الحادة بحق جيرانها، ولا بد لإعلام جيرانها من التعامل مع الدوحة بالمثل. 
وختمت المصادر أن «الوساطة الأميركية المتجددة ستبدأ من ضرورة وقف الهجمات الإعلامية المتبادلة بين الطرفين، وهي النقطة نفسها التي طالبت الكويت الطرفين بالانطلاق منها».
وفي حال تمت التسوية الخليجية، تقول المصادر الأميركية، فإن ترامب سيدعو زعماء الدول الاعضاء في مجلس التعاون الخليجي إلى لقاء قمة في ضيافته في البيت الأبيض.

الأزمات تحاصر ترامب وإدارته

واشنطن - من حسين عبدالحسين 

لخّص الكوميدي ستيفن كولبير الوضع السيئ الذي بلغته إدارة الرئيس دونالد ترامب، خصوصاً، بعد استقالة أقرب المستشارين إليه، مديرة الاتصالات هوب هيكس، بالقول إن الادارة الحالية أصبحت «بلا أمل»، وهو تلاعب على اسم المستشارة السابقة هوب والذي يعني «أمل» بالإنكليزية، فيما أجمعت وسائل الإعلام الأميركية أن ترامب أصبح وحيداً في البيت الابيض، بعد خروج آخر المستشارين القدامى من فريقه، بعد 13 شهراً فقط على فوزه بالرئاسة. 
الأسبوع الماضي كان شهد تدهوراً سياسياً لا سابق له لترامب مع ارتفاع عدد المقاعد في مجالس الولايات المحلية التي تنتقل من أيدي «جمهوريي» ترامب إلى أيدي الحزب الديموقراطي المعارض، والتي بلغ عددها 39 مقعداً حتى الآن، في ظاهرة تنذر بأن الانتخابات النصفية المقررة في شهر نوفمبر المقبل قد تكون كاسحة للديموقراطيين، وتالياً تقضي على رئاسة ترامب سياسياً.
آخر الصفعات التي تلقاها ترامب تمثلت بقيام رئيس موظفي البيت الأبيض جون كيلي بتخفيض الإذن الممنوح لصهر ترامب وكبير مستشاريه جاريد كوشنر، الذي صار متعذراً عليه الاطلاع على الملفات الاستخباراتية السرية، وهو ما يعرقل مهامه، مثلا في موقعه موفداً رئاسياً لعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وقبل أن يتسنى لترامب الدفاع عن صهره، سربت وكالات الاستخبارات للإعلاميين سبب عدم منح كوشنر الأذونات المطلوبة، وهي تتلخص بأمرين: الاول ان صهر الرئيس متورط في دين كبير بسبب عقارات لا تعود عليه بالربح المطلوب، خصوصا العقار رقم 666 على «الجادة الخامسة» في مدينة نيويورك، والثاني ان كوشنر غارق في سذاجة مدقعة في الشؤون الدولية ولا يعرف أقل أصول التعاطي مع الدول ومسؤوليها.
ولفتت الاستخبارات الاميركية إلى أن 4 دول، من بينها الصين واسرائيل ودولة خليجية، تنبهت لسذاجة المستشار الرئاسي ووضعت خططا لاستغلالها، وهو ما يحتم حرمانه الاطلاع على اكثر الملفات الاميركية السرية.
وقبل ان يستفيق البيت الابيض من صفعة كوشنر، تداولت وسائل الاعلام الاميركية ان المحقق الخاص في امكانية تواطؤ ترامب مع موسكو، اثناء حملته الرئاسية، عقد سلسلة من الاستجوابات التي تظهر انه يحقق سرا في اعمال ترامب قبل ترشّح الاخير الى الرئاسة في العام 2016. وتتضمن تحقيقات مولر البحث عن ماهية علاقة ترامب مع روسيا منذ زيارته موسكو في العام 2014 للاشراف على مسابقة ملكة جمال العالم، التي تنظمها «مؤسسة ترامب» وتشرف عليها سنويا.
ويبدو ان التقارير عن التحقيق الذي يطول اعمال ترامب قبل ترشحه اثارت حفيظة الرئيس، الذي اطلق سلسلة من التغريدات، الغاضبة صباح الاربعاء الماضي، وصف فيها التحقيق أنه «صيد ساحرات»، وهي العبارة التي يستخدمها الاميركيون للاشارة الى امكانية افتراء القضاء على ابرياء. 
وفي اليوم التالي، شن ترامب هجوما على وزير عدله جيف سيشنز مطالبا اياه بالتحقيق بممارسات «المحقق الداخلي» في وزارة العدل، الذي كان عينه الرئيس السابق باراك أوباما. اما المفاجأة فتمثلت في قيام سيشنز، وهو سيناتور جمهوري سابق، بالرد للمرة الاولى على هجمات ترامب المتكررة عليه. وقال سيشنز انه طالما انه يعمل «مدعيا عاما»، وهي الصفة القانونية التي تستخدمها الحكومة الاميركية بدلا من «وزير عدل»، فهو سيقوم بممارسة مهامه بنزاهة. 
متاعب ترامب للأسبوع لم تنته قبل ان تعلن محكمة اميركية يوم 12 سبتمبر المقبل موعدا لمحاكمة مدير حملته الرئاسية السابق بول مانافورت، الذي ادعى عليه مولر بسلسلة من الاتهامات منها التهرب من الضرائب وتبييض الاموال. 
وتعيين القاضي الفيديرالي موعد المحاكمة يجبر مولر على التحرك بشكل اسرع، اذ ان اي نوع محاكمة ستجبر المحقق الخاص على الكشف عن بعض الدلائل كجزء من عملية الادعاء، وهي دلائل يحاول عادة المحققون الحفاظ على سريتها قدر الامكان من اجل الايقاع بالمزيد من المتورطين.
ومع حلول مساء الاربعاء الماضي، اجبر تسارع الاخبار السلبية التي تلاحق ترامب البيت الابيض على الغاء الايجاز الصحافي اليومي المعتاد، وهو ما عكس الارتباك الكبير الذي يغرق فيه الرئيس وفريقه. 
ولم تكن الفضائح القضائية والتحقيقات وحدها التي اربكت ترامب على مدى الاسبوع الماضي، بل اضاف اليها الكونغرس، الذي تسيطر عليه غالبية جمهورية مؤيدة لترامب، مشكلة اخرى باعلانه انه لن ينظر هذا العام في اقتراح خطة اعادة تأهيل البنية التحتية التي كان قدمها ترامب بتكلفة مليار ونصف المليار دولار. 
وتأجيل خطة البنية التحتية يعني تلقائيا تأجيل مشروع ترامب بناء سور كبير على الحدود الاميركية الجنوبية مع المكسيك، وهو السور الذي جعله ترامب احد اكثر وعوده الانتخابية اهمية، وهو ما يعني ان الحزب الجمهوري سيذهب الى الانتخابات النصفية في نوفمبر المقبل من دون انجازات تشريعية تذكر له، منذ سيطرته على البيت الابيض والكونغرس قبل عامين، باستثناء قانون تحفيض الضرائب. حتى هذا القانون، قد لا يعود بالتأييد الشعبي الذي يأمل به ترامب اذا ما لم تتحسن اوضاع الاميركيين المالية بشكل ملحوظ.

الخميس، 1 مارس 2018

«أصدقاء إسرائيل» ينسفون محاولات لإدخال تعديلات «طفيفة» على «النووي الإيراني»

واشنطن - من حسين عبدالحسين


نسف أصدقاء اسرائيل في واشنطن مساعي أميركية وأوروبية لإدخال تعديلات شكلية وطفيفة على الاتفاقية النووية مع ايران، وهي تعديلات كانت تهدف الى حفظ ماء وجه للرئيس دونالد ترامب أمام مناصريه، من دون نسف الاتفاقية. 
ويعقد الديبلوماسيون الاميركيون لقاءات مكثفة مع نظرائهم في مجموعة «أوروبا 3»، المؤلفة من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، للبحث في تعديل الاتفاقية تلبية لطلب الرئيس الاميركي. 
ولأن الأوروبيين، وغالبية الوكالات الحكومية الاميركية والمعنيين بالاتفاقية النووية مع إيران، يتمسكون بضرورة الحفاظ عليها، فهم باشروا في عقد مفاوضات أميركية - أوروبية لإدخال تعديلات قبل الموعد الذي حدده ترامب لنسفها، ما لم تتم التعديلات، وهو 12 مايو المقبل.
وفي التفاصيل، ان المفاوضات تركزت على ثلاثة محاور في الاتفاقية يرغب الفريق الرئاسي في إدخال تعديلات جذرية عليها، هي: «التحقق» من التزام إيران ببنود الاتفاقية، ووقف «تجارب ايران الصاروخية»، و«مدة صلاحية» بعض البنود في الاتفاقية.
في موضوع التحقق، يقول أصدقاء اسرائيل والبيت الابيض إن وكالة الطاقة الذرية الدولية تخشى مطالبة إيران بفتح أي من منشآتها العسكرية لقيام المفتشين بالتحقق من أن لا نشاطات نووية تجري فيها. وحسب الاتفاقية، لا يتضمن التفتيش أياً من المواقع الايرانية المصنفة سيادية، وفي طليعتها القواعد العسكرية. وتنص الاتفاقية على أنه في حال اشتباه أي من الأطراف بوجود نشاط نووي في موقع عسكري إيراني، بناء على معلومات استخباراتية، تقوم الوكالة بتقديم طلب للحصول على موافقة الايرانيين للتفتيش.
ترامب يسعى لتحويل آلية تفتيش المنشآت العسكرية الايرانية مفاجئة حتى لا يتسنى للايرانيين «إخفاء» أي تجارب نووية محتملة. مفتشو الوكالة، بدورهم، أعربوا عن امتناعهم عن تقديم طلبات تفتيش لمنشآت عسكرية ايرانية بناء على طلب أميركي فحسب، وقالوا إنهم «لن يعطوا ترامب ذريعة للتصعيد ضد الايرانيين في طريقه لنسف الاتفاقية».
وبهدف التسوية، توصل الديبلوماسيون الاميركيون ونظراؤهم الأوروبيون إلى تعديل مفاده أن التفتيش الدولي يمكنه أن يطول أي موقع إيراني، عسكري أم سيادي أم غيره، شرط أن يكون بالتنسيق مع الايرانيين وبعد توجيه طلب الى طهران. أصدقاء إسرائيل، من جهتهم، اعتبروا أن هذا النوع من التعديل هو التفاف، ولا يشكل إصلاحاً للاتفاقية، ما يعني أن ترامب سيرفضه.
في موضوع الصواريخ، توصل الأميركيون والأوروبيون إلى إضافة بند للاتفاقية يحظر على الايرانيين صناعة أو تجربة صواريخ بالستية طويلة المدى. هنا، اعترض أصدقاء إسرائيل مجدداً على اعتبار أن منع ايران من إنتاج صواريخ طويلة المدى فقط، يبقي إسرائيل في مرمى النيران الايرانية، وهو ما يشكل التفافاً وتعديلاً شكلياً للاتفاقية بدلاً من إصلاحها جذرياً.
وفي المحور الثالث، يسعى أصدقاء إسرائيل إلى تعديل البنود التي تنهي مفاعيل الاتفاقية بعد عشر سنوات أو أكثر من تاريخ توقيعها، وهو ما يسمح للإيرانيين باستئناف تخصيب اليورانيوم، خصوصاً مع إعلان طهران نيتها شراء وتجهيز مفاعلات نووية على متن سفن، وهي مفاعلات ستحتاج إلى كميات مخصبة جديدة من اليورانيوم. أما مطلب البيت الأبيض، فيقضي بنسف البنود الحالية حول انقضاء مدة التفتيش وتحويل الاتفاقية النووية مع إيران إلى دائمة ومفتوحة الأمد.
وتندرج مساعي أصدقاء إسرائيل في واشنطن، في إطار الحملة التي دأبوا على شنها ضد وزارة الخارجية والعاملين فيها، متهمين غالبيتهم بأنهم ممن عينهم الرئيس السابق باراك أوباما، وهو ما يعني أنهم مايزالون يعملون على تنفيذ رؤيته والحفاظ على الاتفاقية النووية مع ايران بشكلها الحالي. 
على أنه من دون التوصل الى تسويات قبل موعد 12 مايو، يصبح التصعيد ضد الاتفاقية النووية الخيار الوحيد المتاح أمام ترامب، إلا إذا قرر الرئيس الاميركي النكث بوعوده. لكن بقاء الوضع على ما هو عليه وتمسك ترامب بالتعديل ينذر باقتراب موعد اندلاع أزمة، لا بين العالم وإيران، بل بين ترامب وباقي الوكالات الحكومية الاميركية، من ناحية، كما بين ترامب وأقرب حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، من ناحية ثانية.
وكانت المفوضية الاوروبية أعلنت في بروكسيل تمسكها بالاتفاقية النووية مع ايران بشكلها الحالي، ما حدا بمسؤولي إدارة ترامب إلى محاولة التخفيف من أهمية الاعلان بقولهم ان الثقل الاقتصادي الأوروبي يتمثل بمجموعة «أوروبا 3»، وان موافقة هذه الدول الأوروبية الثلاث على فرض عقوبات على ايران، بالتزامن مع عقوبات أميركية جديدة، يحرم الايرانيين من التعامل مع الجزء الأكبر من الاقتصاد العالمي، ما من شأنه تقويض الاقتصاد الايراني وإجبار طهران على الإذعان لمطالب ترامب.

الحكومة الإيرانية ترفض فرض الحجاب بالقوة

طهران - ا ف ب - أعلنت نائبة الرئيس المكلفة شؤون المرأة والاسرة معصومة ابتكار أن الحكومة الايرانية لا تؤيد «استخدام القوة» لفرض ارتداء الحجاب في الأماكن العامة على المرأة.
وقالت خلال مؤتمر صحافي في طهران، أول من أمس، «لا توجد أي مدينة في العالم يمكنك أن تسير عارياً في أحد شوارعها من دون أن يتم توقيفك من قبل هيئة لحفظ النظام. إنه قانون اجتماعي لكن فرضه بالقوة أسلوب لا نؤيده».
وأضافت: «هذا (الفرض بالقوة) مخالف للمبادئ الأساسية والفلسفة التي تطبقها حكومة» الرئيس حسن روحاني، وهي تصريحات تتناقض مع الحزم الذي تظهره الشرطة والسلطات القضائية في هذه المسألة، علماً أن القانون في إيران يفرض على المرأة ارتداء الحجاب.
ومنذ نهاية ديسمبر من العام الماضي، أعربت عشرات النساء في طهران عن معارضتهن لقوانين اللباس المفروضة ووقفن سافرات الرأس ملوحات بالحجاب.
وتم اعتقال نحو ثلاثين من المتظاهرات اللواتي يواجهن عقوبة السجن حتى 10 سنوات في حال اعتبر القضاء أن تحركهن يرمي إلى تشجيع نساء اخريات على القيام بالمثل.
والسبت الماضي، أثار فيديو أظهر اعتداء شرطي على محتجة ضد الحجاب جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي.