الجمعة، 30 نوفمبر 2018

استانة وفشل «المقايضات» حول سورية

حسين عبدالحسين

في تقييمهم لمؤتمر استانة الذي انعقد للتباحث في الشأن السوري، تحدث عدد من المسؤولين الاميركيين عمّا آلت اليه الاوضاع في سورية، وخلصوا الى ان «الحرب السورية انتهت بلا منتصر واضح»، على الرغم من نجاح الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه في حسم الوضع على معظم الأرض لمصلحتهم. 
وقال بعض المسؤولين ان «الوضع السائد في سورية فتح باب المقايضات بين الدول على مصراعيه»، وان بعض العواصم - خصوصا موسكو - تحاول احياناً مقايضة ما لا تملكه، فلا هي تفي بالتزاماتها، ولا تصل مبادراتها الى نتيجة. 
المقايضة الاولى، والأبرز، تعرضها الولايات المتحدة والعواصم الغربية على تحالف روسيا وايران والأسد، وهي مقايضة تربط رفع العقوبات الاقتصادية عن الأسد - وتقديم مساعدات مالية لمجهود اعادة الاعمار وعودة المهجرين - بعد التوصل الى تسوية سياسية شاملة بين الأسد ومعارضيه. 
من دون «تسوية سياسية»، لن يرفع الغرب عقوباته، ولن يموّل عملية اعادة الاعمار، وهو ما يعني ان «الأسد يبقى حاكما فوق ركام، في وقت لا مقدرة عند الروس ولا الايرانيين على تقديم اي مساعدة جدية لتمويل اعادة الاعمار»، حسب المصادر الأميركية.
روسيا تدرك ان «التسوية» هي مفتاح الاموال الغربية، التي تحتاجها اي حكومة سورية حاجة ماسة. لذا، تسعى منذ شهور عديدة، الى التوصل الى تسوية وان سورية، يمكن للعواصم الغربية الركون اليها لتبرير رفع عقوباتها عن الحكومة السورية. 
في سياق التسوية الشكلية، خالت موسكو ان تشكيل لجنة مشتركة من نظام الأسد ومعارضيه لكتابة دستور جديد يمكنها ان تكون هي التسوية التي ينشدها الغربيون، وهي المهمة التي تلقفها مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا وحاول تقديمها كخطته للخروج من الأزمة السورية، بعد فشل كل الخطط السابقة التي كان قدمها على مدى اكثر من 1600 يوم شغل فيها منصبه. 
الا ان الأسد ادرك ان اي اعتراف دولي، باشراف الأمم المتحدة، بسوريين غيره، ينتقص من سيادته كممثل اوحد ووحيد لسورية، فرفض المشاركة بأي لجنة من هذا النوع، وأصرّ ان اي تعديل دستوري يكون عبر القنوات الرسمية، اي في «مجلس الشعب» السوري، الذي تعتبره الحكومات الغربية شكليا، ولا أي قرار مستقل له عن الأسد.
هكذا، تحول مؤتمر استانة الى «فرصة ضائعة»، حسب وصف دي ميستورا، وبقيت المقايضة الغربية مع روسيا متعثرة برفض الأسد اي مشاركة فعلية مع معارضيه في الحكم. 
المقايضة الثانية، حسب المصادر في واشنطن، قدمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو، اثناء لقاء بينهما على هامش المشاركة في ذكرى الحرب الكونية الاولى، في باريس، قبل اسبوعين. 
تقول المصادر ان بوتين اقترح على نتنياهو قيام ايران بسحب كل المقاتلين الموالين لها من سورية، بمن فيهم مقاتلو «حزب الله»، مقابل موافقة الولايات المتحدة على تخفيف العقوبات الاقتصادية التي تفرضها واشنطن على طهران. 
ويبدو أن العرض استهوى عددا لا بأس به من أهل القرار في أميركا واسرائيل، الا ان غالبية المسؤولين في البلدين شككت في مقدرة بوتين على ضمان الانسحاب الايراني من سورية، اذ سبق للرئيس الروسي ان وعد الاسرائيليين مرارا بحتمية انسحاب القوات الايرانية بالكامل من سورية، من دون ان يحصل ذلك. ويعتقد بعض المسؤولين الاميركيين ان بوتين لم يحمل العرض من إيران، بل ان العرض هو من بنات افكار الرئيس الروسي، وانه قد يأخذ اي موافقة اميركية على تخفيض بعض العقوبات ليحاول اقناع ايران بها. 
ويكاد المسؤولون الاميركيون يجمعون على ان ثمن خروج إيران من سورية اكبر بكثير من رفع بعض العقوبات، وان ايران «لم تنفق كل هذه الاموال والدماء من اجل رفع بعض العقوبات»، وهو ما يدفع الاميركيين للاعتقاد بان الايرانيين لن ينسحبوا الا تحت ضغط روسي - اميركي مشترك، وهو مجهود لم يتعهد بوتين الانخراط به حتى الآن.
أما المقايضة الثالثة والاخيرة، فهي موافقة اميركا على سحب قواتها من شرق الفرات، وتاليا تسليم الحكومة السورية آبار النفط، في حال انسحاب القوات الايرانية من سورية، وهو العرض الذي أعلنه المبعوث الاميركي المفوض شؤون سورية جيمس جيفري، قبل اسابيع. 
طهران اعتبرت ان هذه المقايضة فاشلة لأن أميركا تسعى للانسحاب من سورية في اقرب فرصة، وهي والحال هذه لا يسعها مقايضة مصلحتها، اي الانسحاب، بمصلحة اخرى، اي انسحاب القوات الايرانية.
على ان جيفري أعلن ان القوات الأميركية ليست في عجلة من امرها للرحيل، وانه بوسعها البقاء شرق الفرات حتى اشعار آخر. 
هي مجموعة من المقايضات تشترك فيها الدول الكبرى والقوى الاقليمية، ولا يشترك فيها السوريون، الذين اقصى ما يمكنهم فعله هو اقصاء واحدهم الآخر عن التسوية، على ما دأب على فعله الأسد في المؤتمرات الدولية العديدة المتعاقبة، او على ما اعتادت فعله فصائل المعارضة المحسوبة على عواصم مختلفة، والتي حملت معها ثارات هذه العواصم، فراحت «منصات» المعارضة تقصي الواحدة الأخرى، وتطعن بمصداقيتها، حتى صارت المؤتمرات حول سورية بمشاركة معظم دول العالم، غالبا باستثناء السوريين. 
واختتمت جولة جديدة من مفاوضات أستانة، الخميس، من دون تحقيق أي اختراق في الأزمة.
وعبرت وزارة الخارجية الأميركيّة في بيان عن الأسف لعدم تحقيق أي تقدّم. وقالت الناطقة هيذر ناورت، «على مدى عشرة أشهر، أدّت مبادرة أستانة/سوتشي إلى مأزق» في ما يتعلّق باللجنة الدستوريّة السوريّة.

الخميس، 29 نوفمبر 2018

المحقق مولر يقارب الاختراق وترامب يكثّف عرقلة العدالة

حسين عبدالحسين

ضجّت وسائل الإعلام الأميركية، بخرق قانوني غير معهود قام به محامي بول مانوفورت، رئيس حملة دونالد ترامب الانتخابية، بإحاطته محاميي الرئيس الأميركي، بآخر مداولاته مع فريق التحقيق الخاص، في إمكانية تواطؤ الحملة مع روسيا، في الانتخابات الرئاسية قبل عامين. 
وكان مانوفورت وقّع وثيقة تعاون مع فريق التحقيق، الذي يقوده المدير السابق لـ«مكتب التحقيقات الفيديرالي» (اف بي آي) روبرت مولر، أقرّ فيها بالذنب، وتعهد بالتعاون مع المحققين للتوصل الى الحقيقة، مقابل تخفيف مدة الحكم بالسجن، الذي سيطلبه مولر من القاضي بحق مانوفورت. 
ويجبر التعاون محامي مانوفورت الانفصال عن نظرائه ممن كان يشترك معهم بوثيقة دفاع مشترك، خصوصا محاميي ترامب، لكن المحامي تجاهل التعهد، وواصل التنسيق مع فريق محاميي ترامب حول التحقيقات مع مولر، وهو ما يعطي المحامين الرئاسيين لمحة عمّا يعرفه المحقق الخاص، ويسمح لهم بتدبير دفاع قوي لا يمكن اختراقه عن طريق عنصر المفاجأة. 
إلا أن مولر يبدو انه ردّ على مفاجأة تنسيق محاميي مانوفورت وترامب بتفجير مفاجأة من ناحيته، أورد فيها ان مانوفورت لم يلتزم الاتفاقية مع فريق التحقيق لأنه «قام بالكذب» على هذا الفريق. أما أبرز كذبة أدلى بها أمام المحققين، فتمثلت بنفيه وجود أي تنسيق مع مؤسس موقع «ويكيليكس» الأسترالي اللاجئ في السفارة الإكوادورية في لندن جوليان اسانج. 
ويعتقد فريق مولر أن اسانج يعمل بإمرة الاستخبارات الروسية، التي تزوده بالوثائق الأميركية المسروقة، التي عمد إلى نشرها على مدى السنوات الماضية، وكان آخرها مراسلات البريد الإلكتروني للمرشحة الديموقراطية للرئاسة وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، وكان ذلك قبل الانتخابات بخمسة أسابيع، وهي الخطوة التي يعتقد الخبراء انها رجحت كفة ترامب على كلينتون. 
وكانت وزارة العدل أصدرت مذكرة توقيف غيابية بحق اسانج. ويبدو أن الضغط الأميركي على حكومة الإكوادور لتسليم مؤسس موقع «ويكيليكس» بدأ يؤتي ثماره، مع قيام الرئيس الإكوادوري لينين مورينو بتنحية سفيره في لندن، صديق اسانج، كارلوس اورتيز، في خطوة بدت وكأنها تمهيد لنقل المؤسس الى الولايات المتحدة، حيث ستتم محاكمته واستنطاقه حول موضوع علاقته بروسيا وبمسؤولين في حملة ترامب. 
في هذه الأثناء، قام ناشط آخر من حملة ترامب، واسمه جيري كورسي، برفض اتفاقية اعتراف بالذنب كان مقبلاً على توقيعها مع مولر. 
وأظهر نص الاتفاقية اعترافاً بتنسيق كورسي في التواصل بين اسانج وروجر ستون، وهو من كبار المشاركين في حملة ترامب. 
وتكمن المفاجأة في حيازة مولر على مراسلات إلكترونية كان حاول كورسي إخفاءها والكذب في شأنها، وهو ما يبدو أنه اثبت لترامب أن مولر يعرف، ولديه إثباتات، اكثر بكثير مما يعتقد كثيرون، ما قد يكون دفع الرئيس إلى الإمعان في محاولاته عرقلة العدالة، وهي العملية التي بدأها بعد فترة قصيرة من دخوله البيت الأبيض، حسب ما يرى بعض المراقبين، وتجلى ذلك بقيام ترامب بطرد وزيرة العدل بالوكالة سالي يايتس، فمدير «اف بي آي» جيمس كومي، ثم كرت السبحة لتطول وزير العدل الذي كان عينه الرئيس نفسه، جيف سيشنز. 
بعد كل عملية طرد، كان ترامب يصرّح بأن دافعه هو «التحقيق في موضوع التواطؤ مع روسيا»، الأمر الذي يعتبره القضاء الأميركي قيام الرئيس بممارسة صلاحياته التنفيذية لإعاقة مسار تحقيق يطوله. 
من يفوز في السباق بين المحقق الخاص والرئيس ترامب؟ يبدو أن ترامب يتمتع بأفضلية موارد الرئاسة وصلاحياتها، لكن يبدو أيضاً ان مولر صار يعرف الكثير، ومن الأسئلة التي وجهها لترامب تمحورت حول ان كان يعرف أن مانوفورت التقى اسانج ثلاث مرات. على هذا السؤال، أجاب ترامب أنه «لا يتذكر». 
لكن مولر قد يكون بحوزته دلائل دفعته الى توجيه سؤاله المذكور، وهي دلائل قد لا تطيح برئيس تحتاج الإطاحة به الى صوت 67 سناتوراً، فيما يقتصر عدد الشيوخ الديموقراطيين على 47. 
حتى لو لم تؤد إثباتات مولر، حول تورط ترامب مع روسيا، الى الإطاحة بالرئيس الأميركي، لكن ظهورها الى العلن، في وقت لاحق، قد يكون كفيلاً بإنهاء رئاسة ترامب، بعد ولاية واحدة، بعدما ينفك عنه مؤيدوه لثبات ضلوعه في مؤامرة ضد الوطن، ومحاولته في وقت لاحق التستر عليها واعاقة مجرى العدالة لكشفها. 
لكن ترامب، لم يستبعد إصدار عفو رئاسي عن مدير حملته السابق. وقال لصحيفة «نيويورك بوست» في حديث في مكتبه الأربعاء «لم نناقش ذلك من قبل لكنني لم أستبعد (هذا الخيار)، لماذا سأفعل ذلك»؟
ويشبه الرئيس الأميركي، المدعي الخاص بالسناتور الجمهوري السابق جوزف ماكارثي الذي أطلق في خمسينات القرن الماضي حملة تهدف إلى إقصاء أي شخص يشتبه بأنه شيوعي أو يتعاطف مع النظام السوفياتي.
وأمس، أقر مايكل كوهين، المحامي السابق لترامب، بذنبه بأنّه أدلى بإفادة كاذبة أمام مجلس الشيوخ خلال جلسة استماع حول اتصالاته بروسيا.
وكوهين الملاحق بتهم جنائية عدّة سبق له وأن أقرّ في نهاية أغسطس بأنّه مذنب بتهم عديدة.

الثلاثاء، 27 نوفمبر 2018

المؤامرة الأميركية الكبرى!

حسين عبد الحسين

في عقل عامة العرب أن الولايات المتحدة تدير مؤامرة كبرى على العالم، وخصوصا على العرب والمسلمين. لا يصل ديكتاتور إلى السلطة إلا بتآمر أميركي، ولا تجري الإطاحة بديكتاتور إلا بتآمر أميركي. أميركا هي التي عيّنت صدام حسين طاغية للعراق، وهي التي أطاحت به. وأميركا هي التي عينت حسني مبارك حاكما أوحد لمصر، ثم أطاحت به. ثم صادقت أميركا "الإخوان المسلمين" وعينت محمد مرسي رئيسا، ثم أطاحت به، ومنحت الحكم للعسكري عبد الفتاح السيسي. أميركا هي التي تنصّب الحكام، وهي من تطيح بهم عندما "ينتهي دورهم".

وعند عامة العرب أيضا، أميركا هي التي أسست الحركات الجهادية الإسلامية للقتال في أفغانستان ضد السوفيات، ثم قضت عليها في حربها في أفغانستان. وأميركا هي التي تسلّح وتمول تنظيم "داعش" الإرهابي في العراق وسوريا، وأميركا نفسها تقاتل بجيوشها التنظيم نفسه.

هذا الوهم العربي حول المؤامرة الأميركية الكبرى لا يفسد علاقة العرب بالولايات المتحدة فحسب، بل يعكس سذاجة عربية تقارب الهبل، إذ إن الأحاديث العربية عن هذه المؤامرة تسبغ على أميركا صفة تقارب الألوهية بسبب قدراتها الخارقة على القيام بالأمر ونقيضه في الوقت نفسه. وهو وهم يصوّر العرب وكأنهم يتفرجون على التاريخ، من دون أن يساهموا في التأثير في مجرياته أبدا.

طغاة العالم على أشكالهم، وعلى مر التاريخ، من برلين هتلر إلى موسكو بوتين وطهران خامنئي، أفادوا من الهبل العربي، فبنوا عليه دعايتهم. ويمكن لأي متابع أن يرى كمية التزوير التي يبثها إعلام بوتين وخامنئي بين العرب. مثلا، هناك التصريح المنسوب زورا إلى وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، مفاده أنها قالت إن الولايات المتحدة هي من أسست "داعش"، ودربته، ومولته، وسلّحته.


طبعا التصريح مزيف ولا أساس له. لكن الدعاية الإيرانية تبني عليه. على مواقع التواصل الاجتماعي تنتشر فيديوهات لمقاتلين من "الحشد الشيعي"، المعروف بـ"الشعبي"، أي الميليشيات العراقية الموالية لإيران، يظهرون فيها وهم يشيرون إلى أسلحة وعتاد، صناعة أميركية، غنموها من "داعش". يدعو المقاتلون المصورين إلى "إظهار حقيقة" أن أميركا هي التي تقف خلف "داعش".

ومن نافل القول إن مقاتلي "الحشد الشيعي" لا يدعون المصورين إلى إظهار حقيقة أن الغطاء الجوي، الذي منحهم التفوق العسكري لإلحاق الهزيمة بـ"داعش"، تقدمه مقاتلات أميركية، بتكلفة مالية عالية جدا. ومن نافل القول أيضا إن الدعاية الإيرانية تخفي الحقائق، فـ"داعش" اكتسح مدينة الموصل العراقية، واستولى على أسلحة وعتاد الجيش العراقي، وهي أميركية الصنع. كما استولى "داعش" على احتياطي العملات الأجنبية لدى "مصرف الرافدين" المركزي، فرع الموصل.

وهناك الدعاية الزائفة التي تحمل الولايات المتحدة عموما، وقبلها الغرب الأوروبي الذي كان يتزعم العالم، مسؤولية تقسيم العرب والمسلمين والتفرقة بينهم. لا يهم إن الحروب الإسلامية الداخلية لم تهدأ يوما منذ فتح مكة في العام 628 ميلادية، بما في ذلك حروب الردة، وواقعة الجمل بين علي وعائشة، وحرب صفين بين علي ومعاوية، ويوم كربلاء بين يزيد والحسين، ومعركة الزاب بين العباسيين والأمويين، وحرب الأمين والمأمون ولدي الخليفة العباسي الرشيد، وصولا إلى الحروب الأهلية في لبنان والعراق وليبيا واليمن والسودان. حتى الفترة المزعومة ذهبية للدولة الإسلامية، أي دولة الخلفاء الراشدين، شهدت اغتيال ثلاثة من الخلفاء الأربعة.

كل هذا الاقتتال العربي الداخلي، السابق لقيام الولايات المتحدة والامبراطوريات الغربية بألف عام على الأقل، ثم يتنطح السذّج من العرب ليصرّوا أنه لطالما عاش المسلمون في وئام، لولا "مخططات الإمبريالية والصهيونية وقوى التآمر العالمي".

غالبية عربية لا تعجبها الحقائق، بل تستهويها نظريات المؤامرة، عن حفنة وهمية من "الماسونيين والصهاينة والأميركيين" الناقمين على عظمة المسلمين ودينهم. وهؤلاء العرب المسلمون يعتقدون أنهم ليسوا بغافلين عن الحقيقة، بل هم يعون كل ما يحاك ضدهم من مؤامرات وغيرها من الخزعبلات التي تنتجها أدوات الدعاية لدى الطغاة العرب وغير العرب، ويتم توزيعها على غالبية عربية، تقوم بدورها بتكرار المقولات المزيفة، فتتحول إلى حقائق دامغة تتناقلها الأجيال، ويزداد الجهلة جهلا.

الأميركيون، بدورهم، جرّبوا كل الطرق الممكنة: دعموا ديكتاتوريات عربية، وحاصروا بعضها مثل في العراق وليبيا، وخلعوا بعضها الآخر مثل في العراق، وحاولوا احتلال دول لتأسيس حكومات ديمقراطية فيها مثل في العراق، وحاولوا دعم انتفاضات للديمقراطية في دول أخرى مثل لبنان ومصر، وحاولوا سياسة "الانخراط" مع الرئيس السوري بشار الأسد، ثم حاولوا النأي بنفسهم عن الحرب الأهلية في سوريا، وأشرفوا على تقسيم السودان.

اقرأ للكاتب أيضا: عالم عربي بلا مثليين

كل التجارب الأميركية في الدول العربية ـ التي تراوحت بين الديبلوماسية والحصار والدعم للديمقراطية والاحتلال المباشر لنشر الديمقراطية والنأي بالنفس ـ كلها لم تنتج إلا عالما عربيا غارقا في الدماء والفساد والفشل، كالذي يعيش فيه العرب اليوم. ثم يحمّل بعض العرب مسؤولية مصائبهم لـ"المؤامرة الأميركية الكبرى"، بدلا من دراسة التجربة الأميركية، وتحديد أسباب نجاحها، ومحاولة صناعة تجربة مشابهة في الحكم، تصنع من العرب مواطنين يملكون أوطانهم وحكوماتهم، وينتخبون حكامهم، بدلا من أن يخال عدد كبير من العرب أنفسهم محللين سياسيين يكشفون خبايا الأمور، فيما هم يتخبطون في معلومات زائفة يزاحمها غياب مقلق في المنطق.

ترامب يريد نفط الدول الحليفة

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أكّدت تسريبات نشرها موقع «اكسيوس» رؤية الرئيس دونالد ترامب الانتهازية تجاه الدول الحليفة للولايات المتحدة، خصوصا من التي تتمتع بمخزونات من النفط. 
ونقل الموقع عن مصادر في الادارة الأميركية ان الرئيس طلب إلى مستشاريه، مرارا، العمل على خطط لاستغلال النفط في المناطق العراقية التي ينتشر فيها جنود اميركيون، مبررا طلبه بان أميركا انفقت تريليونات الدولارات على حرب العراق، وان استخراجها واستغلالها النفط هو حق مشروع لاستعادة دينها على العراقيين. 
وذكر الموقع ان ترامب اثار الأمر في لقاءين مع رئيس الحكومة العراقي السابق حيدر العبادي، وانه توجه اليه بالقول «ماذا عن النفط»؟ ليرد العبادي بان الحكومة تعاقدت مع عدد كبير من الشركات الأميركية وان «لشركات الطاقة الأميركية اهتماما في بلدنا». 
وتعكس حادثة مطالبة ترامب المسؤول العراقي بالنفط، تفكير الرئيس الاميركي وتصريحات مماثلة له، فهو اثناء حملته الانتخابية، كرر القول ان الطريقة الامثل للقضاء على تنظيم «داعش» تقضي بأن «نأخذ النفط منهم». 
واثناء استقباله زعماء حلفاء دول نفطية، خليجية خصوصا، لم يتردد ترامب في مطالبتهم علنا بزيادة انفاقهم على شراء السلاح الاميركي، مكررا تصريحات على طراز ان ما تنفقه هذه الدول حاليا هو بمثابة «خردة» مقارنة باحتياطيات النفط التي تملكها وعائداتها النفطية المرتفعة. 
على ان مواقف الرئيس الفجة أقلقت مستشاريه، الذي دأبوا على محاولة اقناعه التخلي عن مطالباته، وحاولوا افهامه انها «غير قانونية» حسب القانون الدولي، وانها تجعل اميركا تبدو وكأنها زمرة لصوص ساعية لاستغلال ثروات الدول الحليفة. 
فضلا عن لا قانونية طلبات ترامب للحلفاء، لناحية السيطرة على النفط العراقي او مطالبة حلفاء خليجيين بانفاق اكبر على شراء السلاح الاميركي، يبدو ان ترامب طالب باستخراج الولايات المتحدة لموارد اولية في افغانستان، لاعتقاده بان هذا الاستخراج من شأنه ان يفي أميركا جزءا من الاموال التي انفقتها على الحرب. 
مرة اخرى، حسب «اكسيوس»، تدخل المسؤولون في ادارة ترامب لاقناعه، لا بعدم قانونية الخطوة فحسب، بل بصعوبة تنفيذها، اذ ان استخراج موارد اولية يتطلب مشاريع ضخمة متخصصة ومكلفة وبنية تحتية يحتاج بناؤها سنوات، ولا يمكن للجنود انفسهم الحفر واستخراج هذه الموارد. 
لكن رغم كل محاولات المستشارين، يبدو ان ترامب لا يزال يرى صداقة الولايات المتحدة ببعض حلفائها النفطيين، من زاوية ما يمكن لبلاده ان تجنيه من النفط وعائداته، ان بصورة مباشرة او غير مباشرة، من قبيل تصريح ترامب، في تغريدة، ان سعر النفط بلغ أدناه في أشهر، الاسبوع الماضي. وقام ترامب بتوجيه الشكر الى نفسه لاعتباره ان سياسته مع الحلفاء النفطيين هي التي حملتهم على رفع الانتاج لخفض الاسعار، وهو ما يفيد الاميركيين واقتصادهم. 
ويرى خبراء الطاقة في الولايات المتحدة ان اهتمام القوى الكبرى في العالم، ومنها اميركا، بالنفط، تغير على مدى العقود القليلة الماضية، اذ كانت هذه القوى تحتاج، في الماضي، الى السيطرة المباشرة على حقول انتاج النفط حول العالم لتضمن حصولها عليه وتيسير امور اقتصادها. 
لكن بعدما راحت الحكومات تتسابق على بيع نفطها في السوق العالمية، لجني عائداته، لم تعد الاقتصادات الكبرى بحاجة الى حماية منابع النفط بشكل مباشر، اذ يمكنها شراؤه من السوق التي تتسابق الدول المنتجة على تأمين عقود وزبائن لها من خلاله. وحده ترامب يبدو انه لا يزال عالقا في تفكيره ورؤيته لعلاقة الولايات المتحدة بالنفط بزمن مضى.

الجمعة، 23 نوفمبر 2018

انتقادات أروقة القرار: سياسة ترامب ضد إيران «فاشلة»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بعد قرابة ثلاثة اسابيع على دخول الدفعة الثانية من العقوبات الأميركية على إيران حيز التنفيذ، علت أصوات الانتقاد داخل أروقة القرار في واشنطن ضد ما يراه المعنيون بالسياسة الخارجية «فشل» الرئيس دونالد ترامب وادارته في تقديم «سياسة متكاملة ينجم عنها نتائج ايجابية». 
وقال المنتقدون، وهم في غالبيتهم من الديموقراطيين في الكونغرس، ان إدارة ترامب دأبت على تكرار الحديث حول «تصفير» صادرات ايران النفطية، من دون ان تحتسب عواقب سياسة من هذا النوع، فما كان من الحكومة الأميركية إلا ان تراجعت في الساعات الاخيرة عن سياستها، وذلك بمنحها ثماني دول مستوردة للنفط الايراني اعفاءات، شرط وضع العائدات في حساب مخصص لاستيراد طهران للحاجات الانسانية الاساسية. 
ورغم ان ادارة ترامب أعلنت ان مدة الاعفاء المذكور 180 يومياً، ابتداء من الرابع من نوفمبر الجاري، الا ان مصادر الكونغرس رجحت قيام الحكومة بـ«تمديد الاعفاء على صادرات ايران النفطية». ورجحت ان تقوم بذلك «بصمت». 
وتقول مصادر الكونغرس: «يبدو ان تصريحات الادارة العنترية حول نيتها تصفير صادرات ايران النفطية انتهت». 
واشار منتقدو سياسة ترامب إلى ان ادارته «أخطأت في الحساب»، وانه رغم نجاح واشنطن في سحب مليون برميل إيراني يوميا من السوق، من دون رفع السعر، الا ان صادرات ايران النفطية تبلغ ميلونين ونصف المليون برميل يوميا، ما يعني ان السوق تحتاج الى مليون ونصف المليون، وهذه حاجة تسدها طهران، ولم تنجح أميركا في العثور على مصادر بديلة لتصفير الصادرات الايرانية من دون رفع السعر العالمي. 
ويعتقد الخبراء الاميركيون ان سحب المليون ونصف المليون برميل إيراني المتبقية من السوق الدولية من شأنه ان يرفع سعر النفط عالمياً الى أكثر من 100 دولار، وهو ما يؤذي الاقتصاد الاميركي، وقد يدفعه الى الدخول في مرحلة ركود. واي ركود قد يشهده الاقتصاد من شأنه ان يطيح بحظوظ اعادة انتخاب ترامب لولاية ثانية بعد عامين، خصوصا ان الرئيس الاميركي بنى صورته على اساس انه الوحيد القادر على قيادة الاقتصاد الى معدلات نمو عالية. 
في هذه الاثناء، رصدت الوكالات الحكومية عمليات التفاف لبيع النفط نفذتها طهران بنجاح، عن طريق سوق سوداء، استوعبت نحو 700 الف برميل نفط يومياً، بسعر أدنى 10 في المئة من السوق للبرميل الواحد، اي ان طهران باعت 7 ملايين برميل على مدى الايام العشرة الماضية، وجنت 455 مليون دولار، وهو ما ادى الى تحسين سعر صرف الريال، ليرتفع من 150 الفا مقابل الدولار الواحد، قبل اسبوعين، الى 120 الفاً، في الايام القليلة الماضية. 
لهذه الاسباب، بدت حملة ترامب العقابية الاقتصادية ضد النظام الايراني متعثرة منذ ساعاتها الاولى، في ظل غياب اي مؤشرات تشي بأنه «يمكن للادارة اخراج ارنب من قبعتها لتفاجئ به العالم والايرانيين»، حسب تعبير مصادر الكونغرس، التي تضيف ان «الاستعراض هو ميزة الرئيس ترامب، فهو في اعماله التجارية كما في رئاسته، يطلق وعودا يستحيل تحقيقها، وبعد ان تنهار وعوده، اما يصمت عن الأمر، او يحمل مسؤولية الفشل للجميع باستثناء نفسه». 
وتخشى مصادر الكونغرس ان تبان اخفاقات ترامب في نواحٍ اخرى في السياسة الخارجية، اذ لا يبدو ان «صفقة القرن» بين العرب واسرائيل موجودة، ولا يبدو «ان لدينا سياسة مفهومة تجاه سورية، او حول انهاء الأزمة الخليجية، او في مواجهة ايران».
وتختم المصادر بأن المشكلة الاكبر تكمن في انه من بين كل المواضيع السياسية الاخرى، ينفرد النظام الايراني في اجماع الكونغرس على مواجهته. «مع ذلك، ورغم اجماعنا على مواجهة إيران، قدم رئيسنا للأسف سياسة لا تتعدى التصريحات العنترية الفارغة، مع غياب اي نتائج ملموسة على أرض الواقع».

الثلاثاء، 20 نوفمبر 2018

الديمقراطية الأميركية والربيع العربي

حسين عبدالحسين

تيم فارلي هو البرنامج الإذاعي الذي أسمعه كل يوم أثناء قيادتي الصباحية. فارلي يلخص أحداث اليوم الفائت، ويقدم برنامج الأحداث المتوقعة في اليوم نفسه. كل صباح، يحيي فارلي المستمعين. يردد اليوم والتاريخ، ويذكر عدد الأيام المتبقية للانتخابات المقبلة. في اليوم الذي تلا فوز الديمقراطيين بغالبية مجلس النواب وحفاظ الجمهوريين على الغالبية في مجلس الشيوخ، قال فارلي، بعد التحية: إن 728 يوما متبقية على انتخاب الكونغرس المقبل، وكذلك الرئيس.

حكومة الولايات المتحدة وشعبها يعيشان وفق جدول انتخابات الكونغرس، كل عامين؛ والرئيس، كل أربعة أعوام. وهو ما يعني أن الأميركيين، الذين انتخبوا لتوهم الكونغرس الرقم 116 منذ قيام الدولة، لم ينقطعوا عن الانتخابات، كل عامين، على مدى 232 عاما خلت. لم تثن الحرب الأهلية الأميركية ولا حربان عالميتان، الأميركيين عن الانتخابات؛ بل إن نسب الانتخاب ارتفعت إبان الأحداث الكبرى، بسبب اهتمام المواطنين بالشأن العام، وتراجعت في السنوات التي عاشت فيها أميركا بهدوء، مثل العام 1996، الذي شهد أدنى نسبة مقترعين في الانتخابات الرئاسية.

هذا العام، سجلت الانتخابات النصفية نسبة مشاركة ناخبين لم تشهدها البلاد منذ 104 أعوام، أي قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى. وقد يكون السبب الأبرز خلف الارتفاع الكبير في نسبة المقترعين شخصية الرئيس دونالد ترامب وتصريحاته النارية، التي تحرك مؤيديه ومعارضيه على حد سواء.

رأى الديموقراطيون في انتصار ترامب والجمهوريين في انتخابات العام 2016 هزيمة نكراء لهم ولحزبهم ولبرنامجهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فتداعى نفر منهم من العاملين سابقا في الكونغرس، وألفوا كتيبا بعنوان "غير قابل للانقسام"، والعنوان مستلهم من قسم الولاء للبلاد.

اقرأ للكاتب أيضا: عالم عربي بلا مثليين

أورد المؤلفون في الكتيب إرشادات لمناصري الحزب الديمقراطي حول كيفية انخراطهم في الحياة العامة وتأثيرهم في أحداثها، فافتتح المواطنون أكثر من 500 فرعا لمجموعة "غير قابل للانقسام" في عموم البلاد، وراحوا ينظمون صفوفهم، ويتظاهرون أمام مقار ممثليهم في الكونغرس، فأجبروا كثيرين من المشرعين الجمهوريين على التقاعد. ثم تبرع المواطنون، على قدر مستطاعهم، لتمويل الحملات الانتخابية لمرشحين منهم، فشهدت الانتخابات "موجة زرقاء"، نسبة إلى لون الحزب الديمقراطي، أطاحت بغالبية حزب الرئيس ترامب في مجلس النواب، ودفعت أكثر من 60 عضوا من حديثي العهد بالسياسة إلى الكونغرس.

و"الموجة الزرقاء"، هذا العام، لم تكن فريدة من نوعها. قبلها، كانت "موجة حمراء"، من الجمهوريين، اكتسحت غالبية الديمقراطيين الكونغرسية في العام 2010، وقبل ذلك "موجة زرقاء" اقتلعت الجمهوريين في 2006، وقبلها "موجة حمراء" في العام 1994. هكذا هي الديمقراطية الأميركية: تداول سلطة، وإدخال وجوه جديدة إلى الحكم، ودفع المخضرمين إلى التقاعد.

الديموقراطية هي حكم الأكثرية، وهو ما يعني أن لا نهضة بلا نهضة الأكثرية، ولا وعي بلا وعي الأكثرية، ولا تقدم بلا تقدم الأكثرية. والتقدم يأتي من القواعد، وتنبثق عنه القيادات، لا العكس، على ما يخال عرب كثيرون.

هذه هي الديمقراطية الأميركية: ربيع يأتي مرة كل عامين، تقول فيه الغالبية كلمتها، ويبدأ العد العكسي للانتخابات المقبلة، ويمضي الحزب الخاسر في إعادة تنظيم صفوفه، وتجديد دماء قادته ومرشحيه، وتحديث خطابه ومواقفه لتتناسب أكثر مع تطور الرأي العام وتقدمه.

أما في دنيا العرب، فالربيع يأتي مرة كل نصف قرن، تنقض فيه الغالبية على الأقلية الحاكمة، فيتولد عنف يتراوح بين قتل الحاكم أو إغراق المحكومين بدمائهم. في الحالتين، لا أفكار عربية جديدة لحكم جديد، بل اجترار لنفس الأفكار البالية المبنية دائما على تحميل مسؤولية الشقاء العربي للآخرين: الإمبريالية، والصهيونية، والاستعمار، والماسونية، وأعداء الإسلام، وإلى آخره من الخطاب الخشبي المعروف.

اقرأ للكاتب أيضا: تفاهة المقاطعة الأكاديمية

لا تقاليد في الحكم وتداول سلطة عند العرب. التقليد الوحيد المعروف هو الشخصانية وحب الظهور والنرجسية. أما الأبرز في الفشل العربي والإسلامي، فيتمثل في غياب شعور المواطنين بملكية الوطن، بل اعتقادهم أنه مشاع، وأن الزعيم الأفضل هو من يستولي على المشاع ويطعمهم.

ربيع العرب لن يأتي من الحكام، ولا من قوى العالم. ربيع العرب يتحقق يوم تعي عامة العرب ماهية الحكومة، وملكيتهم لها، وحرصهم عليها، وتقويض من يهدد انتظام عملها ومواقيت انتخابها. يومذاك، لن يأتي ربيع العرب مرة كل نصف قرن ليتحول إلى ديكتاتورية أو حرب أهلية، بل سيصبح ربيعا يحلّ دوريا، فيبقى الازهار في ديار العرب عابقا برائحة الورد والياسمين، بدلا من رائحة الموت والبارود.

الأحد، 18 نوفمبر 2018

خسارة الانتخابات النصفية الأميركية تهزّ فرص ترامب لولاية ثانية وتعكّر مزاجه

واشنطن - من حسين عبدالحسين

لم تفرغ بعض الدوائر الانتخابية الأميركية من فرز وعدّ أصوات مقترعيها بالكامل، حتى بدأت التكهنات الانتخابية حول مصير الرئيس دونالد ترامب، وإمكانية فوزه بولاية ثانية في الانتخابات المقبلة بعد عامين.
وتناقلت وسائل إعلام أميركية أنه بسبب الخسارة الفادحة التي مُني بها حزب ترامب، الجمهوري، وهي خسارة لا تزال معالمها تتضح أكثر مع اقتراب عملية فرز الأصوات من خاتمتها، يسيطر على الرئيس مزاجاً قاتماً، في وقت تبدو حظوظ إعادة انتخابه في أدنى مستوياتها، مقارنة بأي رئيس في التاريخ الأميركي الحديث.
وتثير قلق ترامب مجموعة عوامل يمكنها، على المدى القصير، أن تؤدي إلى حرمانه ولاية ثانية، وأن تجعل منه رئيساً لولاية واحدة. 
و«رئيس لولاية واحدة» هي عبارة تكاد تقارب الشتيمة، يرددها الجمهوريون غالباً بحق الرئيس الديموقراطي السابق جيمي كارتر، ويرددها الديموقراطيون بحق الرئيس الجمهوري السابق جورج بوش الأب.
أما ما يقلق الحزب الجمهوري، فمجموعة عوامل يمكنها، على المدى البعيد، أن تقصي الحزب عن السياسة عموماً، وأن تحوله الى حزب المعارضة الدائم، مع تعذر عودته الى السلطة.
مجموعة الأسباب التي تقلق ترامب يتصدرها واقع أن خارطة الانتخابات النصفية الأخيرة بدت مطابقة للانتخابات الرئاسية في العام 2012، والتي تغلب فيها الرئيس الديموقراطي السابق باراك أوباما على نظيره السيناتور الجمهوري المنتخب ميت رومني، باستثناء ولاية أوهايو، التي فاز بها أوباما وحافظ عليها الجمهوريون في انتخابات الأسبوع الماضي. ولكن حتى من دون أوهايو، إن بقيت الخارطة الانتخابية بعد عامين على شكلها الحالي، يعني ذلك حتما خروج ترامب من البيت الأبيض.
كما أن من بين الأسباب التي تقلق ترامب أسلوبه، الذي يعتقد الرئيس أنه أسلوب ساحر تفوق فيه على كل السياسيين الأميركيين المنافسين، من داخل حزبه وخارجه، يبدو أنه لم يكن أسلوباً ناجحاً، بل يبدو أن فوز ترامب في انتخابات 2016، كان من قبيل الصدفة، خصوصاً بسبب الملل الذي كان أصاب غالبية الأميركين من عائلة كلينتون. 
ويتبنى ترامب أسلوباً تقسيمياً، يعمل بموجبه على تحريض القاعدة اليمينية المحافظة ضد الشرائح الأميركية الأخرى، وهو ما يعطي الرئيس الأميركي تأييداً صلباً داخل الحزب يمكّنه من الفوز على خصومه، ولكنه تأييد أصغر من أن يحمله لانتصارات على مستوى البلاد. 
ربما اعتقد ترامب أن بوسعه التخلي عن أسلوبه التحريضي بعد وصوله البيت الأبيض وتقديمه نتائج في الحكم، إلا أن أداء الرئيس الأميركي بان باهتاً ومرتبكاً، رافقته تغييرات متواصلة في كبرى المناصب في إدارته. 
كما فشل ترامب في إبطال قانون الرعاية الصحية، وهو أكبر انجاز للديموقراطيين وسلفه باراك أوباما، ولم ينجح ترامب في الحصول على تمويل لبناء الحائط الذي وعد به على الحدود الجنوبية مع المكسيك، على الرغم من سيطرة غالبية جمهورية على الكونغرس بغرفتيه.
الإنجاز الوحيد الذي حققه ترامب في الحكم يكمن في استصداره قانوناً قضى بتخفيض ضرائبي، فيما يصرّ الجمهوريون على أن الضرائب الأدنى تدفع إلى نمو اقتصادي أكبر. على أن النمو المذكور لم يصل الى المعدلات الموعودة، على الرغم من ارتفاع عجز الموازنة الفيديرالية المتوقع ثلاثة أضعاف ليتعدى الترليون دولار لهذا العام. وفي حال صدقت تنبؤات الاقتصاديين، الذي يعتبرون أن فترة نمو الاقتصاد الاميركي طالت، بعد عودته من الركود الكبير في العام 2008، وأن ركوداً من المتوقع أن يحصل في أي لحظة، يمكن لأي نكسة اقتصادية أن تقضي على حظوظ ترامب لولاية ثانية، خصوصاً ان جاءت النكسة على مقربة من موعد الانتخابات.
أما الحزب الجمهوري، فيعاني من مشكلة ديموغرافية تكمن في تقلص غالبية البيض بين السكان، في وقت صار معظم مؤيدي الحزب من مسنين، إذ أظهرت انتخابات الأسبوع الماضي أن ثلثي الناخبين بين عمر 18 و49 اقترعوا لمصلحة الديموقراطيين، وأن تحريض ترامب للقاعدة الجمهورية يؤدي في الوقت نفسه الى ردة فعل لدى القاعدة الديموقراطية، مع العلم أن الحزب الديموقراطي تفوق على نظيره الجمهوري شعبياً في كل انتخابات رئاسية منذ العام 1988، لكن الجمهوريين حصدوا الرئاسة بفضل «الكلية الانتخابية»، وهذه تلغي التفوق الشعبي بهوامش ضيقة، ولكنها غير قادرة على إلغاء هوامش واسعة في حال استمرت زيادة عدد الديموقراطيين شعبياً بالنسب الحالية.

الجمعة، 16 نوفمبر 2018

الولايات المتحدة تجدّد حملتها ضد «حزب الله»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في ديسمبر العام 2015، وفي ذروة التناسق الاميركي - الايراني، الذي أفضى للتوصل لاتفاقية نووية مع طهران، وقّع الرئيس السابق باراك أوباما قانون «منع التمويل الدولي لحزب الله»، بعدما صادق عليه الكونغرس بالاجماع. 
بعد انتهاء حكم أوباما، في يناير 2017، كشفت التقارير الصحافية ان الرئيس السابق لم يسمح للمؤسسات الأميركية، التي كانت نظمت حملة مطاردة لنشاطات الحزب اللبناني اطلقت عليها اسم «مشروع كاساندرا»، بملاحقة قادة الحزب اللبنانيين وقادتهم الايرانيين، على الرغم من حيازة المحققين الاميركيين على اثباتات دامغة كان من شأنها ادانة لبنانيين وايرانيين بتهم تهريب والاتجار بالمخدرات والاسلحة وتهم تبييض اموال. 
كانت مواجهة «حزب الله» تحوز اجماعاً اميركياً في واشنطن، بين الديموقراطيين والجمهوريين، رغم انقسام الحزبين حول ايران وامكانية التوصل الى تسوية نووية، وربما تطبيع العلاقة، مع نظامها. لكن الحزبين كانا في توافق تام حول ضرورة ملاحقة الحزب، بغض النظر عن تباين رؤيتهما حول ايران. وحده أوباما، بين الديموقراطيين، كان مندفعا لاعادة العلاقة ودية مع طهران، بما في ذلك التسامح مع «حزب الله»، بل التنسيق معه، وان بصورة غير مباشرة، عن طريق مسؤولين لبنانيين وايرانيين. 
بعد انتهاء ولاية أوباما الرئاسية، بقي الانقسام بين الديموقراطيين، المؤيدين لتسوية نووية وحوار، والجمهوريين، المصرّين على مواجهة طهران بأي ثمن. وفي السياق نفسه، حافظ الديموقراطي الذي فاز بغالبية مجلس النواب، الاسبوع الماضي، والجمهوري، الذي حافظ على غالبية مجلس الشيوخ، على اجماعهما على ضرورة تجفيف منابع التمويل للميليشيات العاملة بأمر الجمهورية الاسلامية في منطقة الشرق الأوسط، خصوصا «حزب الله». 
وفي هذا السياق، أطلّ السفير ناثان سايل، منسق شؤون مكافحة الارهاب في وزارة الخارجية، ليكرر اتهامات واشنطن لطهران بتمويلها «حزب الله» بمبلغ 700 مليون دولار سنويا. وقال ان ايران تنفق قرابة مليار دولار سنوياً على التنظيمات الارهابية في المنطقة، بما في ذلك منحها حركة «حماس» 100 مليون دولار كل عام. 
ومع ان سايل لم يحدد مصير الـ 200 مليون دولار المتبقية، الا انه من شبه المتوافق عليه ان جلّ الاموال الايرانية المتبقية يتم انفاقها على تنظيم «انصار الله» اليمني، المعروف بـ «الحوثيين». 
ورغم وجود عدد من الميليشيات العراقية المأتمرة بأوامر ايران، الا ان هذه المجموعات تتلقى تمويلها من وزارة الداخلية العراقية في إطار «الحشد الشعبي»، الذي شارك في قتال القوات الحكومية لطرد «داعش» من مناطق شمال غربي البلاد. 
وتزامنت اطلالة سايل وهجومه الاعلامي ضد «حزب الله» مع فرض وزارة الخزانة عقوبات على عدد من اللبنانيين، كان أبرزهم جواد نصرالله، نجل الأمين العام للحزب حسن نصرالله. 
وجاءت العقوبات على جواد في ظلّ تعالي الاصوات الأميركية ضد «الميليشيات الالكترونية» التي ينظمها ويمولها الحرس الثوري الايراني، والتي تقوم بشن هجمات تهكير على مواقع تابعة للولايات المتحدة وحلفائها حول المنطقة. 
وتعتقد اوساط واشنطن ان جواد هو من الناشطين وقياديي «الميليشيات الالكترونية» التابعة لايران.
وكانت دراسة صادرة عن «مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات»، اشارت الى تزايد الهجمات الالكترونية الايرانية، وخصوصا ضد دول الخليج، كساحة تدريبات للمهكرين الايرانيين لشن هجمات محتملة في وقت لاحق ضد مواقع اميركية. واشارت الى ان ايران رفعت موازنتها السنوية المرصودة لنشاطاتها على الانترنت من 76 مليون دولار سنوياً في 2011، الى مليار دولار مع حلول 2016.

الثلاثاء، 13 نوفمبر 2018

عالم عربي بلا مثليين

حسين عبدالحسين

قد لا يتذكر العالم كثيرا عن الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد مثلما يتذكر تصريحه الشهير أن "لا مثليين في إيران"، التي يعاقب القانون فيها على المثلية الجنسية بالإعدام.

في العالم العربي، لم يسبق لمسؤولين أن أدلوا بتصريحات مثيرة للسخرية مثل أحمدي نجاد؛ لكن العالم العربي، مثل إيران، يتصرف وكأنه خال من المثلية الجنسية. وعندما يضطر نفر من العرب لمواجهتها، غالبا ما يطلقون عليها تسمية "انحراف" أو "شذوذ"، ويتصرفون وكأنها مرض هرموني أو نفسي قابل للشفاء! وهو مرض يعتقدون أنه يستوجب مقاطعة المثليين ومعاملتهم كذليلين، إلى أن يتراجعوا عن مثليتهم ويقبلوا العلاج.

هذه السطور ليست لمناقشة أسباب المثلية، بل هي لمناقشة التصور العربي لكيفية التعامل مع كل ما يختلف عن السائد، إن كان مختلفا في الرأي الديني، أو مخالفا في التصرفات المجتمعية؛ وإلى أي مدى يتوجب على الغالبية، وتاليا الحكومة المنبثقة عنها (على الأقل نظريا)، أن تتدخل في هندسة المجتمع، ومراقبة تصرفاته، ومعاقبة ما لا يتوافق مع العادات والتقاليد.

وقد يكون عالم العرب، كما الإيرانيين والأفغان والباكستانيين، متأثرا بالمجتمع الإسلامي الفاضل، والدولة الإسلامية التي تعيش في ظل الحاكم الصالح، ويأمر أهلها بالمعروف وينهون عن المنكر. لكنه مجتمع وهمي في دولة خيالية، لم يصدف أن عاش المسلمون ـ ولا غيرهم ـ يوما في تاريخهم في مجتمع أو دولة من هذا النوع، ولن يعيشوا مستقبلا.

اقرأ للكاتب أيضا: تفاهة المقاطعة الأكاديمية

في "الجامعة الأميركية في بيروت"، عرين النخبة الليبرالية المفترض، كتبت طالبة في الجريدة الطلابية مقالة اعتبرت فيها أن المثلية مرض قابل للشفاء. لا مشكلة في أن تعبر الطالبة عن رأيها. المشكلة تكمن في أنها ختمت المقالة بتصنيف المثليين إلى قسمين؛ واحد ذو ميول يجب احتضانه و"إعادته" إلى رشده، وثان يمارس المثلية، وهؤلاء من "تجب مواجهتهم". كلمة "مواجهة" هي المشكلة؛ إذ تشي باعتقاد الكاتبة بأنها والرأي الذي تنتسب إليه وصية على الناس، وأن من مهامها القيام بهندسة مجتمعية تنتج المجتمع الفاضل الذي تتخيل أنها تعيش فيه.

وفي لبنان أيضا، منعت الرقابة حملة نظمها المجتمع المدني، كان من شعاراتها أن المثلية ليست مرضا، وأنه لا بأس في اختيار الهوية الجنسية من دون خوف أو ذعر من عنف مجتمعي أو نفسي، أو الخوف من إيذاء جسدي بحق المثليين أو المتحولين وما بينهما.

وفي لبنان، بادر أحد كبار رجال الدين المسلمين إلى دعوة أقرانه من الطوائف والأديان الأخرى لمنع نشاط طلابي في "الجامعة الأميركية في بيروت" اشتبه رجل الدين هذا وغيره بأنه حفل مخصص للمثليين. ووسع رجال الدين تحركهم، لا ضد المثليين فحسب، بل ضد كل ما لا يتوافق مع مذاقهم الاجتماعي أو الديني المحافظ.

لبنان، هو البلد الذي يموت سكانه بأعلى نسبة إصابات بمرض السرطان في المنطقة، أولا بسبب الفشل الحكومي المزمن والذريع في القيام بمهمات أساسية بسيطة مثل جمع النفايات والفصل بين مجاري المياه ومجاري الصرف الصحي، وثانيا بسبب الجهل المدقع الذي يغرق فيه اللبنانيون ويجعل منهم في صدارة الدول المستهلكة للتبغ في العالم. لبنان هو البلد الذي تشتَمّ فيه رائحة نتانة النفايات في اللحظة التي ينفتح فيها باب الطائرة على أرض مطار بيروت.

هذا البلد، لبنان، ترك كل مشاكله المستعصية والمزمنة، وراح يطارد المثليين، ويسعى لبرامج إعلامية خالية من أي قبلة أو عري. رجال الدين أنفسهم، تراهم صامتين أمام أي أنباء عن مقتل صحافي أو سجن ناشط، لكن ترى حماستهم للحفاظ على المجتمع الفاضل المتخيل تتفتق فقط ضد مثلية هذا أو قبلة ذاك على برنامج تلفزيوني.

وفي العراق، قتل مجرمون فتى في سن المراهقة بسبب نعومته، واغتالوا صاحبة مركز تجميل، وطاردوا ملكة جمال. مثل اللبنانيين، لا يلاحظ العراقيون أنهم يعيشون في حفرة من الجحيم: ماء النهرين الملوثة تجف، والأسماك تنفق، والحقول تغرق بالملح، ولا كهرباء، ولا ماء، ولا عمل.

في العراق الفقير المتهالك، ما يهم هو أن لا يقبل أحد أحدا، وأن لا يرى الناس نعومة في المساحات العامة؛ فالمساحات العامة في العراق مخصصة لصور من يخالون أنفسهم ممثلي الله على الأرض، العراقيين منهم والإيرانيين.

والمساحات العامة العراقية مشغولة بـ"الهوسات" و"الهلهولات" والهبل. والدوائر العامة العراقية تغرق في فساد، قد يكون الأعلى في الكوكب.

وسط كل مصائب العراق وفساده، لا يقلق حفنة من المجرمين إلا فتى لا يتصرف بخشونتهم نفسها. المجرمون لا يحبون الجمال ولا الجميلات، بل يحبون استعراضات الرجولة البائسة، التي تنجب إجراما ولا تنجب مجتمعات قابلة للحياة.

اقرأ للكاتب أيضا: العدالة لجمال خاشقجي

لو التفت اللبنانيون إلى مصائبهم، ولو اشتغل العراقيون بعيوبهم، لارتقى مجتمعهم. ولو فهم اللبنانيون والعراقيون وسائر "الأشقاء العرب" أنه يستحيل بناء مجتمعات فاضلة، وأنه يستحيل أن يتطابق الناس في الرأي والدين والذوق والخيار، وأن المجتمع الأفضل هو الذي يتسع لكل الآراء والأديان والأذواق والخيارات، وأن الحرية تحتاج إلى عنف أقل وإلى تسامح أكثر. لو تصالح العرب مع أنفسهم ومع من يختلف معهم، يومذاك قد يلوح في الأفق العربي المظلم بصيص ضوء وأمل.

ليست المثلية الجنسية ظاهرة حديثة، ولا هي بدعة، ولا هي من مظاهر الانحطاط والتشبه بالغرب، بل هي خيار وحق لمن يختارها، كما أن رفضها هو خيار لمن لا تعجبه، طالما أن يبقى الرفض في سياق النقاش والحوار، لا المواجهة والمنع والقتل والقصاص.

الخميس، 8 نوفمبر 2018

ترامب يطرد وزير العدل ويهين مراسل «سي ان ان»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

لم تتأخر مفاعيل انتصار الحزب الديموقراطي في الانتخابات النصفية الأميركية في الظهور، وكانت اولى بوادرها قيام الرئيس دونالد ترامب، بطرد وزير العدل جيف سيشنز، وبخوض ملاسنة حادة مع مراسل شبكة «سي أن أن»، واصفاًُ أياه بأنه «عدو الشعب». 
كما هدد ترامب بالرد إذا استخدم الديموقراطيون أغلبيتهم الجديدة في مجلس النواب، لفتح تحقيقات حول إدارته وموارده المالية. 
ووضعت الإقالة حداً لأكثر من عام من الانتقادات الحادة من الرئيس إزاء قرار مستشاره القانوني النأي بنفسه عن التحقيق في تدخل موسكو في الانتخابات الرئاسية 2016، ممهداً الطريق لتعيين المستشار الخاص روبرت مولر.
وفي إعلانه عن الإقالة في تغريدة شكر فيها السناتور السابق عن ألاباما «على خدمته»، عين ترامب على الفور ماثيو ويتيكر، مدير مكتب سيشنز في وزارة العدل، في منصب المدعي العام بالإنابة. 
وخلال مؤتمر صحافي اتسم بالتوتر وشهد جدال ترامب مع الصحافيين، تباهى الرئيس الأميركي بدوره في المكاسب التي حققها الجمهوريون في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وحذر من «وضع يشبه الحرب» في واشنطن إذا قام الديموقراطيون بالتحقيق معه.
وقالت نانسي بيلوسي، زعيمة الديموقراطيين في مجلس النواب والتي يمكن أن تكون الرئيسة التالية للمجلس إن الإطاحة بسيشنز «محاولة فاضحة» لتقويض التحقيق الروسي.
من ناحية ثانية، علّق البيت الابيض الأربعاء، التصريح الصحافي لمراسل شبكة «سي ان ان» جون أكوستا، الذي وصفه ترامب بأنه «شخص وقح وفظيع» بعد أن رفض الأخير الجلوس وتمرير الميكروفون لزملائه.

فوز الديموقراطيين في الكونغرس قد يضر ايران

حسين عبدالحسين

“العقوبات تلحق الضرر بالإيرانيين”؛ كان هذا هو الاكتشاف الغير مثير للدهشة الذي أفصح عنه أحد المفكرين الأمريكيين من “أصدقاء طهران” خلال مقابلة إذاعية، والواقع أن هذا الحديث صحيح، لكن الهدف الأكبر من العقوبات هو تغيير السلوك الإيراني بالقوة، وللأسف، وكي نكون منصفين؛ فإن إلحاق الضرر بطهران هو جزء من عملية الضغط التي تستهدف القيادة الإيرانية، والمفكر الذي أجريت معه المقابلة الإذاعية فاته أن يقول إن إيران تنتظر حتى رحيل دونالد ترامب عن سدة الحُكم في الولايات المتحدة، وقد تمت تلك المقابلة الإذاعية قبل الانتخابات التي جرت يوم الثلاثاء، وقد رأى المفكر صديق إيران ان إيران تأمل في أن يحصل الديمقراطيون على الأغلبية في مجلس الشيوخ أو مجلس النواب، لكن الحقيقة هي كالتالي: لو أن التاريخ هو النبراس الحقيقي فإن هزيمة الجمهوريين في انتخابات مجلس النواب من الممكن أن تلحق الضرر بالجمهورية الإسلامية، وإيران ستكون أفضل حالا إذا ما استعاد الجمهوريون السيطرة على الكونجرس بجناحيه “مجلس الشيوخ ومجلس النواب”.

ونظرًا لطبيعة تشكيل الحكومة في الولايات المتحدة؛ فإن السُلطة التنفيذية مستقلة بذاتها فيما يخُص السياسة الخارجية أكثر من السياسة الداخلية، وفي قضايا الشأن الداخلي يجب على الرؤساء الحصول على الإجماع، وموافقة المشرعين، فضلًا عن إقناع المواطنين، كما انه يجب طرح القوانين على مجلسي الشيوخ والنواب، وبسب الطبيعة الشاقة للنظام التشريعي الأمريكي فإن الرؤساء يسارعون إلى تسوية الملفات الداخلية خلال أول عامين في الحُكم، حيث يكون، عادة، الحزب الذي ينتمي اليه الرئيس هو الحزب المسيطر على الكونجرس.

وقد نجح الرئيس السابق باراك أوباما في تحقيق إنجازين رئيسيين؛ الأول هو قانون الرعاية الصحية بأسعار معقولة “أوباما كير”، و”قانون دود فرانك” الخاص بالمعاملات البنكية، وقد تم هذا في الفترة ما بين صعود أوباما إلى السُلطة في العام 2008 وبين خسارة الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه أوباما لانتخابات الكونجرس التي جرت في العام 2010.

وبالمثل؛ فقد أفرط دونالد ترامب في اصدار الوعود خلال العامين الأولين للرئاسة، وخلال تلك الفترة قام الكونجرس بتمرير قانون يقضي بتخفيضات ضريبية هائلة بغرض إلغاء قانون “أوباما كير”.

الأربعاء، 7 نوفمبر 2018

الفوز الديموقراطي الأول منذ 2012

واشنطن - من حسين عبدالحسين

اقتلع الحزب الديموقراطي سيطرة نظيره الجمهوري على مجلس النواب في الانتخابات النصفية للكونغرس، أمس، واستعاد الغالبية للمرة الاولى بعد ثماني سنوات من خسارتها، فيما نجح الحزب الجمهوري في تعزيز غالبيته في مجلس الشيوخ. وطابقت النتائج التنبؤات، الى حد بعيد، وان لم تبد «الموجة الديموقراطية الزرقاء» بالحجم الذي توقعه البعض. 
والفوز الديموقراطي هو الاول للحزب في انتخابات على مستوى البلاد، منذ فوز الرئيس السابق باراك أوباما بولايته الثانية في العام 2012. 
اما ابرز انعكاسات الانتخابات على المشهد السياسي الاميركي، فتكمن في ان عودة نانسي بيلوسي الى رئاسة الكونغرس ستنهك الرئيس دونالد ترامب سياسياً، اذ يمكن للغالبية الديموقراطية في مجلس النواب، ان تجبر الرئيس على تقديم بيانات ضرائبه، التي دأب على اخفائها منذ ما قبل انتخابه للرئاسة، على عكس العادة. 
كما يمكن للغالبية الديموقراطية ان تكفل استمرار التحقيق الخاص الجاري في امكانية تورط ترامب او افراد حملته بالتواطؤ مع روسيا ابان الانتخابات الرئاسية قبل عامين. 
ومع ان عددا من الديموقراطيين طالبوا المباشرة باجراءات عزل ترامب، فور تسلمهم الغالبية مطلع العام المقبل، الا ان بيلوسي اعلنت، قبل الانتخابات، انه في حال استعادة حزبها الغالبية، فهي لن تسعى لعزل ترامب. 
ويعزو المراقبون عزوف الديموقراطيين عن عزل ترامب الى أمرين: الأول ان اجراءات العزل تبدأ في مجلس النواب وتنتهي في الشيوخ، حيث يمكن للغالبية الجمهورية التصويت ضد العزل. والثاني ان العزل عملية مضنية قد تستغرق فترة سنتين، وهي المدة المتبقية من ولاية ترامب الرئاسية الحالية. كما يخشى الديموقراطيون ان تؤدي اي محاولة لعزل ترامب الى التفاف شعبي جمهوري حوله، وتاليا ضمان انتخابه لولاية رئاسية ثانية بعد عامين. 
ويشكل الفوز الديموقراطي علامة فارقة في الحياة السياسية الاميركية لاسباب متعددة، اولها ان الجمهوريين عملوا، على مدى العقد الماضي، على تقسيم الدوائر الانتخابية بشكل يضمن تفوقهم ديموغرافيا، وتاليا يضمن سيطرتهم على الكونغرس لعقود، ما يعني ان الفوز الديموقراطي كان كبيراً إلى درجة انتزع الديموقراطيون الغالبية، رغم كل الالاعيب التي مارسها المشرعون الجمهوريون لضمان احتفاظهم بها. 
الدرس الثاني من الفوز الديموقراطي، هو بمثابة انذار لترامب مفاده بان خطابه السياسي المبني على التحريض ضد الاقليات العرقية، مثل الأميركيين من اصل أفريقي والاميركيين الجنوبيين والمسلمين، هو خطاب لا يكفي لحصد شعبية تضمن الحفاظ على الكونغرس، وفي وقت لاحق قد لا يكفيه التحريض للحفاظ على الرئاسة نفسها. 
واشار الخبراء الاميركيون الى التراجع الكبير الذي شهده الجمهوريون شعبيا، اذ ان الدوائر الانتخابية التي فاز بها ترامب بفارق عشر نقاط مئوية او اكثر، قبل عامين، تقلص فيها التأييد للجمهوريين، وانقلب في بعض الدوائر الى موقف سلبي ليعطي الفوز للديموقراطيين. 
كما اعتبر بعض الخبراء انه لو كانت الانتخابات الرئاسية جرت الثلاثاء، وبالنظر الى نتائج التصويت الشعبي، لكان سيستحيل على ترامب الفوز بولاية رئاسية ثانية، وهو ما يعني ان على الرئيس الاميركي تعديل خطابه، وان يتبنى خطاباً اكثر اعتدالاً يمكنه من استعادة بعض الشعبية للحفاظ على رئاسته. اما ان كان في وسع الرئيس ترامب تعديل خطابه - الذي يرى كثيرون ان طبيعته تمنعه من ذلك وتملي عليه شخصيته الشعبوية التحريضية - فسؤال برسم السنتين المقبلتين حتى موعد الانتخابات المقبلة.

الثلاثاء، 6 نوفمبر 2018

«بوادر حوار» بين واشنطن وطهران!

واشنطن - من حسين عبدالحسين

سجلت العاصمة الاميركية نشاطاً ملحوظاً لإيران واصدقائها في اتجاه فتح حوار مباشر بين الجمهورية الاسلامية وادارة الرئيس دونالد ترامب. وبعد اسبوع او اكثر من اطلالات اصدقاء طهران من العاملين في مراكز الابحاث والمنظمات غيرالحكومية، اشاروا فيها الى استعداد الايرانيين لحوار غير مشروط، توّج وزيرالخارجية جواد ظريف مجهود اللوبي الإيراني في واشنطن باعلان استعداد بلاده للحوار. 
وجاءت تصريحات ظريف في مقابلة اجرتها معه صحيفة «يو اس اي توداي»، في انطاليا التركية. ومما قاله ظريف ان «الثقة ليست مطلوبة بين الطرفين لمعاودة الحوار، لكن الاحترام مطلوب». 
والمتابعون في العاصمة الاميركية، يعلمون ان ترامب يرغب، منذ اليوم الاول، في اجراء حوار مباشر مع الايرانيين، وربما مع مرشد الجمهورية علي خامنئي نفسه، على غرار اللقاء الذي عقده مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ اون في سنغافورة في يونيو الماضي. 
وينقل المقربون من الرئيس الاميركي ان هدفه في الانسحاب من الاتفاقية النووية مع ايران، كان اظهار قصور سلفه باراك أوباما في التوصل لاتفاقية نووية جيدة، ومقدرة ترامب على ابرام اتفاقية افضل. 
والانسحاب من الاتفاقيات الدولية، ثم محاولة اعادة العمل بها بعد ادخال تعديلات - وإن طفيفة واحياناً هامشية - يبدو هو الاسلوب المحبب الى قلب الرئيس الاميركي، فواشنطن اعادت تسمية اتفاقية التجارة الحرة التي تجمعها مع كندا والمكسيك بعد ادخال تعديلات شكلية عليها. ثم قدم البيت الابيض الاتفاقية الجديدة على انها من انجازات ترامب. 
كذلك في «اتفاقية الشراكة عبر الأطلسي» للتجارة الحرة، حاولت ادارة ترامب العودة اليها، بعد انسحابها منها، لكن الشركاء الموقعين على الاتفاقية رفضوا، على الأقل حتى الآن، العودة الاميركية. 
في الحالة الايرانية، يبدو اسلوب ترامب مشابهاً لما دأب على فعله تجاه الاتفاقيات الدولية الاخرى: الانسحاب، ثم العودة بعد تعديلات طفيفة وتغيير في اسم الاتفاقية. 
ورغم لائحة من 12 مطلباً اميركياً سبق ان أعلن عنها وزير الخارجية مايك بومبيو وطالب ايران الالتزام بها، بما في ذلك وقف دعمها الميليشيات الموالية لها في منطقة الشرق الاوسط وتحسين سجلّها في حقوق الانسان، الا ان مطالب بومبيو تبدو شكلية ومن باب الدعاية، ويبدو المطلب الأساس هو ما سبق ان طلبه الاميركيون من الايرانيين، عبر الوسطاء الاوروبيين: تحويل البنود التي تنتهي مفاعيلها في العقد المقبل من الاتفاقية النووية إلى بنود مفتوحة الامد، واضافة حظر تطوير طهران وتجاربها على الصواريخ الباليستية. 
اما اذا وافقت ايران على مطالب ترامب بادخال التعديلات المذكورة على الاتفاقية النووية، فمن غيرالمستبعد ان تعود اميركا عن انسحابها من الاتفاقية النووية، وان تقوم بتعليق العقوبات الاحادية. 
ويطمح ترامب، لا الى ترك بصمته على الاتفاقية النووية فحسب، بل الى لقاء الزعماء الايرانيين في حفل يسبغ عليه تاريخية، كالذي جمعه مع كيم الكوري الشمالي. 
والى ان تعود الدولتان، أميركا وإيران، إلى الحوار، ستواصل واشنطن حملتها ضد النظام الايراني، بالتزامن مع دخول آخر دفعة من العقوبات الاميركية على ايران حيز التنفيذ، الإثنين. 
وكان «صقور» السياسة الخارجية واصدقاء اسرائيل في العاصمة الاميركية اعربوا عن خيبة املهم مما وصفوه تخفيف ترامب من حدة العقوبات، مثل اصدار اعفاءات لثماني دول حتى تستمر باستيراد النفط الايراني. وعللت الادارة اعفاءاتها بان سحب النفط الايراني من السوق يرفع السعر العالمي، ويؤذي النموالاقتصادي الاميركي، وقد يدفعه الى الدخول في مرحلة ركود. 
في الوقت نفسه، لم تقدم واشنطن على فرض حظرعلى نظام التبادل المصرفي (سويفت) لحمله على مقاطعة المصارف الايرانية. وبررّ مسؤولو الادارة خطوتهم بانه لو فعلت واشنطن ذلك، لتعذر على طهرن استيراد حاجاتها الانسانية الاساسية، مثل الغذاء والدواء، وهو امرغير مقبول في العلاقات الدولية.

الزعيم وإعلامه

حسين عبد الحسين

في مسرحية "شاهد ما شافش حاجة" المصرية الكوميدية الشهيرة، يتفاجأ بطلها سرحان عبدالبصير (عادل امام)، أثناء إطعامه الأرانب في حديقة الحيوانات، بأن القيمين على الحديقة قاموا بنقل أقفاص الأسود ووضعها إلى جانب أقفاص الأرانب. يقول سرحان: "أنا افتكرته كلب، طلع أسد".

ككل التلفزيونات العربية في ثمانينيات القرن الماضي، دأب "التلفزيون العربي السوري" على بث هذه المسرحية، وشقيقتها الكوميدية الشهيرة "العيال كبرت"، خصوصا في أيام عيدي الفطر والأضحى. لكن الرقابة السورية اقتطعت جزء "افتكرته كلب، طلع أسد" حتى لا يرددها الناس، فيجمعون بذلك كلمة كلب، التي يستخدمها العرب عادة للدلالة على النذالة، مع كلمة أسد، أي اسم الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد.​

ويوم زار الرئيس المصري السابق حسني مبارك نظيره الأسد في دمشق، أطلق السوريون دعابة مفادها أن الأسد رأى مبارك ينتعل حذاء جديدا، فقدم له تهنئة بالقول بالعامية السورية "مبارك الصباط"، ليجيبه مبارك أن زوجته كانت قالت له، بالعامية المصرية، "حافظ على جزمتك" (أي حذاءك).

في العراق، كان الرئيس الراحل صدام حسين يحصي أنفاس العراقيين، حتى كادت تبدو "سوريا الأسد" عرين الحرية. كانت استخبارات صدام تقرأ الرسائل من وإلى العراق، وتتنصت على الاتصالات، وتتفحص المجلات والكتب الواردة. حتى المطبوعات التي كان يحملها المسافرون القادمون إلى العراق، كانت الاستخبارات تتصفحها بتمحيص، وتنزع أي صفحة فيها عبارة قد تبدو وكأنها تستهدف صدام، وإن بشكل غير مباشر على طراز "افتكرته كلب، طلع أسد".

اقرأ للكاتب أيضا: تفاهة المقاطعة الأكاديمية

لكن العراقيين، كالسوريين والمصريين والليبيين وسائر "الأشقاء العرب"، كانوا يدركون أن كل نشرة أخبار يبثها التلفزيون الرسمي عن الغارات التي كانت المقاتلات العراقية تشنها ضد إيران، وتعود دائما "إلى قواعدها سالمة"، هي دعاية زائفة. وأن العراق تلقى هزيمة مذلّة أمام التحالف الدولي الذي حرر الكويت، بما في ذلك قيام "أسد السنة" صدام حسين بتسديد تعويضات مالية لإسرائيل عن الأضرار التي تسببت بها صواريخ سكود، التي رماها عليها أثناء "حرب الخليج" الأولى.

ومثل السوريين، لجأ العراقيون إلى الدعابة. فحولوا شعار صدام عن انتصاره الوهمي في "أم المعارك" والقائل "محلى (ما أجمل) النصر بعون الله" إلى "محلى النصر بهولندا"، للدلالة أن العراقيين هربوا من صدام وانتصاراته الوهمية، إلى المهجر، بالملايين.

هكذا كان شكل السجن العربي الكبير، من المحيط إلى الخليج: إعلام رسمي دعائي باهت وتافه، ومواطنون نجباء يدركون الحقيقة ويتناقلونها على شكل دعابة، وأحيانا عن طريق الروايات والقصص والمسرحيات، مثل في روائع السوريين نهاد قلعي ودريد لحام، يوم كان الأخير يردد كلمات العملاق محمد الماغوط، وقبل أن ينقلب لحام إلى الابتذال وعشق ديكتاتورية الأسد التي يعيش في ظلها الوارف. حتى أن قلعي تعرض لهجوم من شبيحة الأسد أدى إلى شلل في إحدى ذراعيه.

لكن على رغم الدعاية الزائفة، والرقابة، وكتم الأنفاس، والتماثيل على أنواعها، والصور على الجدران وعلى كراسات الدراسة، يتذكر غالبية السوريين الأسد الأب اليوم بعبارة "يلعن روحك يا حافظ".

الإعلام العربي اليوم أكثر جاذبية تقنيا. فيه جميلات يقرأن الأخبار، بدلا من رجال الاستخبارات وشواربهم المرعبة. إيقاع الاعلام العربي اليوم أكثر سرعة، والصورة أكثر نقاء، والألوان أبهى، والموسيقى التصويرية أكثر إيقاعا. لكن فحوى الكلام تشبه ما كان عليه في الثمانينيات: دعاية تتبجح بالزعيم وإنجازاته، وتهاجم الخصوم.

يتم انتقاء ضيوف البرامج الحوارية، عرب وأجانب، وفقا لمواقفهم المعروفة مسبقا. الرأي الآخر، إن صدف أن تمت دعوته، فيتكفل المقدمون والضيوف بمهاجمته، ومقاطعة كلامه، وإبداء الازدراء تجاهه. أما الآراء المستقلة، والتي قد تثني على بعض أفعال الزعيم وتنتقد بعضها الآخر، فلا حاجة لها.

لماذا يخلق الزعماء واقعا بديلا؟ وهل يتوقعون أن يصدقه الناس؟ حتى الخليفة العباسي المأمون (حكم بين 810 و833 ميلادية)، قام بتزوير النقش في مبنى قبة الصخرة باستبدال اسم بانيها، الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان (حكم بين 695 و705 ميلادية)، باسمه. لكن بدلا من أن يصدق العامة المأمون، ابتكروا "كليلة ودمنة"، ونقلوا الواقع على ألسنة حيوانات روائية، ولم ينطل عليهم خداع الدعاية العباسية، ولا تزوير التاريخ.

الغالب أن الزعيم نفسه هو من يصدق الحقيقة الزائفة التي يخلقها هو وإعلامه ويعيشون فيها، ومن يقرأ كتاب خليل الدليمي، محامي صدام حسين، يرى أن الرئيس العراقي الراحل غرق في الكذبة التي اختلقها. وإن صحّ ما كتبه الدليمي، عن اعتقاد صدام أن الأميركيين يسعون للضغط عليه للتفاوض معه وإعادته إلى الحكم، وأن صدام أراد إدارة عملية هربه من سجنه، يدرك أن الرئيس العراقي كان انفصل عن الحقيقة، وهو ما يفسّر مفاجأته لدى سماعه اسم مقتدى الصدر، في اللحظات التي سبقت إعدامه الوحشي المريع.

ومثل صدام، فقد الأسد الابن المقدرة على التمييز بين الحقيقة ودعايته، فخال أن بإمكانه تهديد وقتل كل اللبنانيين، وبعدهم كل السوريين، بما في ذلك بالسلاح الكيميائي، بلا عقاب.

اقرأ للكاتب أيضا: العدالة لجمال خاشقجي

في التاريخ المعاصر، يندر أن نجح زعيم في تحوير الحقيقة وفرض الوهم الذي يريده كحقيقة بديلة، على الرغم من كل المحاولات الدعائية التي يقوم بها. فالتاريخ لا يرى في جوزف ستالين إلا طاغية روسيا، والتاريخ يسخر من خزعبلات ديكتاتور الصين ماو تسي تونغ وثوراته الدموية التي أسماها ثقافية.

ومثل ستالين وماو، لن يتذكر التاريخ صدام والأسد والقذافي وغيرهم إلا كديكتاتوريين، أيديهم مخضبة بدماء خصومهم، وشعوبهم. أما إعلام الزعيم، فهو حالة مؤقتة، يصفق له المواطنون لخوفهم منه، فيما هم يتناقلون الحقيقة بالهمس والدعابة.

الاثنين، 5 نوفمبر 2018

اليوم... حكم الناخب الأميركي على الرئيس

واشنطن - من حسين عبدالحسين

من المتوقع ان يتوجه اليوم نحو 150 مليون أميركي لاختيار اعضاء مجلس النواب في الكونغرس، والبالغ عددهم 438، لولاية مدتها سنتان، ولانتخاب 35 عضواً في مجلس الشيوخ البالغ عددهم 100، لولاية مدتها ست سنوات، فضلا عن انتخاب محافظين لـ36 ولاية من الولايات الـ50. وسبق ان ادلى 37 مليوناً بأصواتهم في فترة الانتخابات المبكرة، وهو رقم غير مسبوق، يشي بأن تحقق نسبة المقترعين اليوم رقماً قياسياً في هذه الدورة الانتخابية، المعروفة بـ«النصفية». 
وينتخب الاميركيون اليوم، مجالس تشريع محلية في الولايات، وقضاة، واعضاء مجالس تربوية تدير المدارس العامة. كما يدلون بأصواتهم لمصلحة عدد من الاستفتاءات، التي تؤدي الى تعديلات في دساتير الولايات، وهذه تختلف عن الدستور الفيديرالي للبلاد.
الاضواء تتسلط على انتخابات الكونغرس، المسماة «نصفية» لانها تصادف مع منتصف الولاية الرئاسية. وتسيطر حاليا على الكونغرس، بغرفتيه النواب والشيوخ، غالبية من الحزب الجمهوري، الذي يشغل كذلك البيت الابيض مع وجود الرئيس دونالد ترامب فيه. 
الانتخابات النصفية غالباً ما تكون بمثابة استفتاء على اداء الرئيس، وغالبا ما يخسرها حزبه، باستثناء الرئيس الديموقراطي السابق بيل كلينتون، الذي استعاد حزبه الغالبية في انتخابات 1998 النصفية، والرئيس الجمهوري السابق جورج بوش الابن، الذي حافظ حزبه على الغالبية في الكونغرس في انتخابات 2002 النصفية، قبل ان يخسرها الجمهوريون في انتخابات 2006، التي صادفت مع منتصف ولاية بوش الرئاسية الثانية. 
وواصل ترامب جولته في أنحاء الولايات المتّحدة لمنع فوز الديموقراطيّين، فيما دعا سلفه باراك أوباما إلى مواجهة أكاذيب الجمهوريّين «الوقحة».
وجاب جيش من الناشطين والمرشّحين الديموقراطيّين والجمهوريّين الولايات المتّحدة الأحد، للحشد للانتخابات التي تأمل المعارضة الديموقراطيّة في تحويلها إلى رفض وطني لترامب بعد عامين من انتخابه. 
هكذا، قد يتكبد ترامب مساء اليوم خسارة سياسية واضحة ستؤدي الى تراجع مقدرته على الحكم واستصدار القوانين، في حال خسر الجمهوريون الغالبية في اي من غرفتي الكونغرس، في وقت ترجح استطلاعات الرأي ان ينتزع الديموقراطيون الغالبية في مجلس النواب، مع شبه استحالة استعادتها في الشيوخ، حيث تشير الترجيحات إلى ان ميزان القوى سيبقى على حاله بواقع 51 مقعداً للغالبية الجمهورية، او ان الجمهوريين سيفوزون بمقعد او اثنين فيوسعون غالبيتهم. 
المؤشر الثاني الذي سيؤكد تراجع السطوة الشعبية للجمهوريين - التي بلغت ذروتها مع فوز ترامب بالرئاسة قبل عامين وحفاظ حزبه على غالبية الكونغرس بغرفتيه - هو انتخابات المحافظين، اذ يسيطر الجمهوريون حالياً على 33 محافظا، مقابل 17 للديموقراطيين. وترجح استطلاعات الرأي ان تفضي انتخابات اليوم الى اعادة توزيع المحافظين الى 26 للجمهوريين و24 للديموقراطيين، ما يعني ان الديموقراطيين سيحكمون 194 مليوناً، او ثلثي عدد الاميركيين، مقابل 135 مليوناً سيعيشون تحت حكم جمهوري محلي. 
الاسلوب الانتخابي يتباين بين الحزبين. الديموقراطيون يعدون الناخبين بالدفاع عن قانون الرعاية الصحية، الذي أقروه اثناء سيطرتهم على البيت الابيض والكونغرس، في زمن باراك أوباما في العام 2009، وهو قانون صار يتمتع بشعبية واسعة، خصوصا بعدما سعى الجمهوريون لتقويضه. كذلك، يعد الديموقراطيون بالدفاع عن الاقليات، وعن حقوق المرأة، والوقوف في وجه المتحرشين جنسياً. 
اما الجمهوريون، فهم تبنوا خطاب ترامب، المبني على تحريض الغالبية البيضاء ضد الهجرة والمهاجرين والاقليات، ما ادى الى شرخ كبير بين الناخبين، وضع النساء البيض والاقليات العرقية خلف الديموقراطيين، ووضع غالبية الرجال البيض خلف الجمهوريين. 
ومع ان الانتخابات النصفية تتركز في غالبها حول مواضيع داخلية، الا ان استعادة الديموقراطيين الغالبية في مجلس النواب يهدد بعاصفة من الاستجوابات حول علاقات ترامب بالحكومات الاجنبية، خصوصا في الشق المالي. 
وكانت زعيمة الديموقراطيين نانسي بيلوسي، التي ستعود رئيسة للكونغرس في حال فوز حزبها بمجلس النواب، وعدت بعدم شن معركة لعزل ترامب على خلفية امكانية تعاونه مع حكومات اجنبية، لكنه وعد مدفوع باعتقاد بيلوسي ان حزبها لن يسيطر على الشيوخ، وهو المطلوب للتصويت على أي قانون عزل يقره النواب. 
ومع تراجع مقدرة ترامب على التأثير في الشؤون الداخلية، من المرجح ان يفرد اهتمامه للسياسة الخارجية، التي يتمتع فيها باستقلالية كبيرة عن الكونغرس، ما يعني انه قد يسعى لاتمام «صفقة القرن» للسلام العربي - الاسرائيلي، فضلا عن زيادته الضغط على الايرانيين، وهو ما يعني أيضاً ان مشكلة من ينتظرون، حول العالم، نهاية رئاسة ترامب، تكمن في رئاسته نفسها، بغض النظر عمّن يسيطر على الكونغرس، وهي رئاسة قد ينجح بتمديدها بعد عامين، حتى لو حافظ الديموقراطيون على سطوتهم الشعبية في الكونغرس والولايات.