الخميس، 28 فبراير 2019

كوهين يكشف أسلوب عمل ترامب: يتواصل مع مساعديه بطريقة مُرمّزة

واشنطن - من حسين عبدالحسين

لم تكشف شهادة مايكل كوهين، المحامي السابق للرئيس دونالد ترامب، ما يتطلب تحركاً قضائياً، غير التحقيقات التي تطارد الرئيس منذ عامين، لكن ما كشفه كوهين هو أسلوب عمل ترامب، فالرئيس الأميركي لا يستخدم البريد الإلكتروني، ولا النصوص الهاتفية القصيرة في التواصل مع العاملين لديه، كذلك، لا يعطي أوامر مباشرة لمستشاريه بالكذب أو بمخالفة القانون، بل إنه يتواصل مع مساعديه بطريقة مُرمزّة.
وخلال شهادته التي استمرت لنحو الخمس الساعات أمام لجنة الاعتمادات في الكونغرس، قال كوهين إنه قام بالكذب في شهادة سابقة له حول فندق كان ترامب يسعى لبنائه في موسكو، كاشفاً أن الرئيس لا يعطي تعليمات لمساعديه بالكذب، ولكنه أثناء الحديث في مجالسه الخاصة وعلناً، يكرر أن لا أعمال لديه أبداً في موسكو، ويقول قوله وهو ينظر باتجاه كوهين، فيعلم المحامي السابق للرئيس أن المطلوب منه هو الإنكار علناً أنه لا توجد أي أعمال لترامب في روسيا، وهو ما فعله كوهين أمام الكونغرس.
لكن كوهين لفت إلى أن محاميي ترامب الآخرين قرأوا وعدّلوا شهادة كوهين التي قال فيها زوراً إنه بعد ترشحه للرئاسة، لم يكن لترامب أي أعمال في روسيا، وهو ما يخالف الواقع، إذ لم يتوقف ترامب عن محاولة تأمين موافقة روسية ودعم مادي لبناء برج يحمل اسمه في موسكو حتى وقت قريب قبل فوزه بالانتخابات الرئاسية. 
وصرحّ كوهين: «دعوني أكون واضحاً، لقد كان السيد ترامب على علم بمفاوضات موسكو وأدارها خلال حملته، وكذب بشأنها لأنه لم يكن يتوقع أن يفوز، ولأنه كان يأمل بتحصيل مئات ملايين الدولارات من الأرباح في حال تحقق المشروع». 
وهكذا أضاف كوهين، «كذبتُ أنا في موضوع موسكو كذلك، لأن السيد ترامب كان جعل من الواضح لي، خلال أقواله أمامي وأمام الشعب الأميركي، أنه يكذب، وأنه كان يتوقعني أن أكذب كذلك». 
وعن الأموال التي سددها كوهين، بالإنابة عن ترامب، لنجمات أفلام جنسية كان الرئيس الأميركي أقام علاقات معهن وخاف انفضاح أمره أثناء حملته الانتخابية، فإن ترامب طلب من المحامي شراء سكوتهن، وقدم كوهين صورا عن شيكات تسلمها من الرئيس وبتوقيعه، لسداد الديون التي تحملها كوهين لتسديد الأموال إلى تلك النسوة. وأظهر الشيك أن ترامب كتبه بعد دخوله البيت الأبيض، وهو ما يحمل الرئيس مسؤولية ارتكاب جنحة أثناء حكمه.
وقدّم كوهين صوراً عن رسائل كتبها، باسم ترامب وبتعليمات منه، هدد فيها مدرسته وجامعته بمقاضاتهما قضائياً إن قامت أي منهما بكشف درجاته ونتائج امتحانات الرسمية. 
وفيما فتح المشرعون الديموقراطيون الباب أمام كوهين للقول ما في باله، خلال عملية الاستجواب، حاول الجمهوريون مهاجمة شخص كوهين بالإشارة إلى أنه شخص مدان، ومحكوم عليه بتهمة سجن 3 سنوات تبدأ بعد أسابيع، بتهم تهرب من ضرائب، وهو ما ينتقض من مصداقيته. 
وذهب أحد الجمهوريين بعيداً باتهامه كوهين وجاهياً بالقول له «أنت كاذب مرضيا»، فرد كوهين «تتحدث عني أم عن رئيس الولايات المتحدة».
واعتبر المعلقون أن كوهين أبلى بلاء حسناً في مواجهة الأقلية الجمهورية في الكونغرس، فلم يتراجع ولم يجبن أمام هجومهم، بل قارعهم بردوده إلى حد أنه توجه الى عضو الكونغرس الجمهوري جيم جوردان بالقول: «عيب عليك، عيب عليكم». 
وختم كوهين متوجها الى المشرعين الجمهوريين ممن هاجموه بالقول: «أنا كنت مثلكم على مدى السنوات العشر الماضية، كانت مهمتنا جميعاً في منظمة ترامب أن نكذب يومياً للدفاع عنه».

الثلاثاء، 26 فبراير 2019

عرفات وفلسطين في ذكريات بندر بن سلطان

حسين عبدالحسين

نشر الزملاء في "اندبندنت عربية" مقابلة مطولة وشيّقة مع رئيس استخبارات السعودية وسفيرها السابق في واشنطن الأمير بندر بن سلطان. وكان يمكن للزملاء الكرام تحويل الحلقات الخمسة إلى سلسلة وثائقية ممتازة، لو هم قاموا ببعض التحريات، وقارنوا ذكريات السفير السعودي السابق بمصادر أخرى.

والمثير للاهتمام هو أنه يندر أن يتحدث المسؤولون السعوديون عن تجاربهم الماضية وذكرياتهم في الحكم والدولة، وفي حالة الأمير بندر، ربما هي المرة الاولى التي يتحدث فيها مسؤول سعودي رفيع عن رأي المملكة الصريح في شؤون القضية الفلسطينية والعلاقة مع ياسر عرفات.

إذ صحيح أن الرياض هي صاحبة "المبادرة العربية للسلام" مع إسرائيل، والتي تبنتها الجامعة العربية في قمة بيروت في العام 2002، إلا أنه يندر أن يبدي المسؤولون السعوديون رأيهم في قضايا فلسطين وشؤونها، غير تقديم الدعم المتواصل للفلسطينيين.

في "اندبندنت عربية"، قدم بندر بن سلطان وجهة نظر لمواضيع فلسطينية عديدة سبق أن سمعناها من مصادر أميركية أو إسرائيلية حصرا. قد يبدو بن سلطان وكأنه يلمّع صورة الرياض في الموضوع، بإصراره أن حكام السعودية المتعاقبين جعلوا من القضية الفلسطينية همهم الأول، لكن أقوال السفير السعودي السابق صادقة إلى حد بعيد، ويمكن التأكد من صحتها لتطابقها مع مصادر أخرى.


يتحدث بندر بن سلطان عمّا تسميه أوساط واشنطن "عرض (رئيس حكومة اسرائيل السابق إيهود) باراك" إلى عرفات، في العام 2000، والذي كان يقضي بتسليم إسرائيل للفلسطينيين قطاع غزة وكل الضفة الغربية، باستثناء الكتل الاستيطانية الكبيرة المجاورة لإسرائيل في الضفة، والتي تعوّض إسرائيل الفلسطينيين عنها بمساحة من الأراضي مشابهة، إما شمال الضفة أو جنوبها. وفي "عرض باراك"، تقاسم للقدس كعاصمة لكل من الدولتين، وعودة كل اللاجئين الفلسطينيين إلى الدولة الفلسطينية، وعودة 50 ألف فلسطيني إلى دولة إسرائيل كل سنة، على مدى عشرين سنة.

بالتفاصيل، يروي الأمير بندر ألاعيب عرفات، وقيامه بالكذب على بندر نفسه بالقول إنه في الفندق ينتظر التوقيع على السلام الإسرائيلي المقترح، فيما كان عرفات سبق أن رفض التوقيع. وكان سبق لعرفات أن تلاعب بالسعوديين في مبادرات سابقة بتأكيده لهم قبول عرض السلام، ثم تراجعه عنه بدون إبلاغهم.

ويبرر بن سلطان تصرفات عرفات بالقول إنه ربما اعتقد "ابو عمّار" أن بإمكانه الحصول على عرض أفضل من "عرض باراك"، فهو كان يفاوض سرّا زعيم المعارضة أرييل شارون، عن طريق ابن شارون، الذي يبدو أنه وعد عرفات بعرض أفضل في حال وصل شارون لرئاسة حكومة إسرائيل.

ذكريات الأمير بندر حول عرفات تشي كلها بأن "أبو عمّار" كان يراوغ في كل ما يقوله، وهو ما يتطابق ومعظم إفادات من عاصروا الرئيس الفلسطيني الراحل، من المسؤولين اللبنانيين، والعرب، إلى الأميركيين من أمثال مبعوث السلام دينيس روس، الذي أشار الى الاعيب عرفات المتكررة في كتابه "السلام المفقود"، فعرفات كان يتراجع صباحا عمّا وافق عليه مساء، وأحيانا كان يتراجع قبل صعوده مسرح إعلان الاتفاق.

ألاعيب عرفات ربما وصلت خاتمتها بعدما خسر مصداقيته أمام الجميع، عربا وإسرائيليين وأميركيين، فحاصره شارون، وفتح الباب أمام استبداله بمحمود عبّاس.

على الرغم من مراوغة عرفات، واصلت السعودية ضغطها على واشنطن لتحسين وضع الفلسطينيين وإقامة دولة لهم. يقول الأمير بندر إنه في أول زيارة لولي العهد السعودي في حينه، الملك الراحل عبدالله، إلى مزرعة الرئيس السابق جورج بوش في كروفرد، تكساس، قدم عبدالله لبوش صورة امرأة فلسطينية على الأرض ورجل جندي إسرائيلي فوق رقبتها.

رد بوش بالقول إن الصورة قد لا تروي كل القصة، وإنه ربما كانت تحمل سلاحا أو سكينا، فغضب ولي العهد وأمر وفده بالاستعداد للرحيل، ولم تنجح محاولات وزير الخارجية السابق كولين باول في تهدئة الوضع، ولا تدخل بوش شخصيا. ويمكن التحقق من صحة رواية بن سلطان في مذكرات بوش، التي أشار فيها الرئيس الأميركي السابق إلى غضب ولي العهد السعودي، من دون أن يشير إلى السبب.

لم يتوسع الأمير بندر في الحديث عن فرص السلام التي أضاعها الفلسطينيون مع الإسرائيليين، لكن بوش يشير إلى إصرار شارون على انسحاب إسرائيلي وقيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، وهو ما بدأه شارون بانسحابه من غزة، لكن الغيبوبة التي دخل بها أخرجته من الحكم، بدون أن تقضي على خطته للسلام، التي قدمها خلفه إيهود أولمرت إلى الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، وهي تشبه "عرض باراك"، مع إقامة نفق بين الضفة وغزة.

نجح بوش في حمل أولمرت وعبّاس على البدء بتنفيذ الخطة، لكن أولمرت خرج من الحكم بتهم فساد، وانتهى حكم بوش، وانتهى معه الاهتمام الأميركي بدفع الفلسطينيين والإسرائيليين إلى السلام.

اقرأ للكاتب أيضا: العرب في عصورهم الظلامية

لم تكن عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وهما دائما، بل هي قاربت تحقيق اختراق في أوقات عديدة، تارة قضت عليها ألاعيب عرفات، أو حسابات فلسطينية خاطئة، وطورا دمرها إرهاب إسرائيلي قتل رئيس الحكومة السابق اسحق رابين، أو شعبوية مسؤول إسرائيلي هنا أو هناك يعارض السلام وحل الدولتين.

في ذكريات الأمير بندر بن سلطان فرص ضائعة كثيرة، وعلى العرب الندم، لا لأنهم لم يتلقفوا فرص السلام فحسب، بل لأنهم ـ حتى اليوم ـ لم يدونوا مذكراتهم وتجاربهم حتى يتعلم منها الجيل القادم، ويبني عليها، للتوصل إلى السلام المنشود.

الأحد، 24 فبراير 2019

واشنطن تنجز خطة لبقاء قواتها في سورية بغض النظر عن العراق

واشنطن - من حسين عبدالحسين

منذ اليوم الأول الذي تلى إعلان الرئيس دونالد ترامب سحباً فورياً لألفي جندي أميركي ينتشرون في شرق سورية، نهاية العام الماضي، نقلت «الراي» عن مصادر في الحكومة الأميركية أن الانسحاب لن يتم لأنه يؤذي المصالح القومية للولايات المتحدة، وأن ترامب سيتراجع عنه، بالتزامن مع تقديم بعض السيناريوات العلنية لحفظ ماء الوجه للرئيس بإبقاء القوات من دون كسر كلمته.
ومنذ إعلانه الأول سحب القوات الأميركية وحتى الأمس القريب، كرّر ترامب إعلانه سحب القوات، وأضاف إلى ذلك نيته إعلان أن التحالف الدولي نجح في إلحاق هزيمة تامة وشاملة بتنظيم «داعش». 
وتوقع ترامب، قبل أسابيع، أن يعلن المسؤولون الأميركيون، في غضون 24 ساعة، أنه تم «القضاء على (داعش) بنسبة 100 في المئة»، لكنه إعلان، مثل سحب القوات الأميركية من شرق سورية، لم يحصل، خصوصاً بعدما أقنع المقربون من ترامب رئيسهم أن إعلان الانتصار الكامل على «داعش» يمكن أن ينقلب الى كابوس سياسي في حال حصل تفجير واحد تبناه التنظيم، وهو ما من شأنه أن يدحض ادعاء أميركا الانتصار الكامل، ويظهر ترامب وكأنه كذب على الأميركيين والعالم.
في الأثناء، راحت المؤسسة الأميركية الحاكمة «استابلشمنت» تعمل على استنباط كل أساليب الاقناع مع الحلفاء، خصوصاً تركيا، والتلاعب في تحديد صفة ومهمة القوات الأميركية الباقية في سورية، وإبعاد حلفاء واشنطن، الأكراد عن حدود تركيا، وإقناع الحلفاء في التحالف الدولي بضرورة «الحفاظ على مكتسبات تدمير التنظيم بابقاء قوة تمسك الأرض حتى إشعار آخر».
ثم دخل المسؤولون الأميركيون في سباق مع نظرائهم العراقيين الموالين لإيران، فطهران سارعت إلى تحريك حلفائها في «مجلس النواب» العراقي لإنهاء التفويض العراقي لتواجد قوات أجنبية، غرب البلاد، لمحاربة «داعش». 
وكثّفت إيران وحلفاؤها العراقيون مساعيهم، خصوصاً بعدما بدا أن ترامب كان يرغب في سحب القوات الأميركية من شرق سورية إلى غرب العراق، مع ما يعني ذلك استمرار وجود قوات أجنبية تراقب، بل تقطع، الجسر البري الممتد من طهران الى بيروت، عبر أراضي العراق وسورية. 
بعد سعي دؤوب، نجح المسؤولون الأميركيون في اقناع ترامب بإبقاء «قوة صغير جداً، يحدد عددها الضباط على الأرض لمنحهم حرية الحركة من دون تقييد أيديهم سياسياً، على أن يكون أقصى عدد ممكن للقوات في المئات»، أي ألا يتجاوز 999 جنديا أميركيا. وفي وقت لاحق، أعلن البيت الأبيض أن 200 جندي أميركي سيواصلون انتشارهم شرق الفرات، كجزء من «قوة حفظ سلام وتأكيد عدم عودة داعش، وبالاشتراك مع قوات في التحالف الدولي»، وخصوصاً كندا واستراليا ونيوزلندا. 
وظهرت تفاصيل أخرى للعلن، مع إعلان واشنطن أن قاعدة التنف، التي يتمركز فيها 200 جندي أميركي منذ اعوام، باقية، وهو ما رفع عدد القوات الاميركية الباقية في سورية الى 400. 
وتقول مصادر وزارة الدفاع إن عدد القوات الاميركية المتبقية في سورية يبلغ حالياً 1600، وإن الخطط جارية على سحب قرابة 700 جندي أميركي، واستبدالهم بجنود من دول حليفة مشاركة في التحالف الدولي.
وكشفت مصادر أميركية لـ«الراي» أن انقرة تراجعت عن مطلبها سحب القوات الأميركية من سورية، بعدما تبين أن انسحاباً من هذا النوع يفتح الباب أمام قوات روسيا ورئيس النظام السوري بشار الأسد لاقتحام مناطق شرق الفرات، وأن اقتحاماً من هذا النوع يجبر الجيش التركي على الانخراط في حرب مفتوحة مع الروس وقوات الأسد، أو التراجع وتسليمها المناطق. 
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سمع من نظيره الروسي فلاديمير بوتين رفض موسكو دخول الجيش التركي المناطق التي يخليها الأميركيون شرق الفرات، وأصرّ بوتين على تسليم هذه المناطق للأسد.
ويبدو أن الموقف الروسي حمل تركيا على العودة إلى الحضن الاميركي، فالتقى وزيرا دفاع أميركا وتركيا جيف شانهان وخالوصي اكار في واشنطن. ويبدو أن انقرة وافقت على استمرار بقاء القوات الاميركية شرق الفرات، مع السماح لهذه القوات باستخدام قاعدة «انجرليك» الجوية التركية، واستخدام الاراضي التركية لاستضافة خطوط التموين للقوات الاميركية. كذلك، ستعتمد القوات الاميركية على قواعد اردنية لتموين وحماية التنف جوياً.
وبالترتيبات التي توصلت إليها واشنطن، سياسياً في الداخل الاميركي ومع الحلفاء الاوروبيين والاقليميين مثل تركيا والاردن، صار ممكنا بقاء قوة اميركية مؤلفة من قرابة ألف جندي، فضلا عن مئات الجنود من التحالف، وبعض الحلفاء المحليين، خصوصا المقاتلين العرب، مع انكفاء الأكراد الى مناطق الحسكة، والابتعاد عن الحدود مع تركيا.
وبترتيبات واشنطن، لم تعد إمكانية انسحاب قوات التحالف من العراق تؤثر في سيطرة واشنطن والحلفاء على مناطق حوض الفرات، ويسمح لواشنطن بالاستمرار في عرقلة الجسر البري بين إيران ولبنان. 
صحيح أن أميركا تفضل البقاء في العراق، ولكنها تستعد كذلك لامكانية انتقال العراق الى الحضن الايراني بالكامل، مع ما يعني ذلك من انتقال واشنطن لمعاملة بغداد بالطريقة ذاتها التي تعامل بها بيروت، أي جهة غير صديقة، لا يوجد دعم أميركي ديبلوماسي لها، بل مراقبة لنشاطاتها المالية ومحاصرتها لضمان عدم إفادة إيران منها.

السبت، 23 فبراير 2019

نتنياهو يتلقّى صفعة من «ايباك»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

يبدو أن رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو ارتكب خطأ سياسياً فادحاً، وأساء تقدير نفوذه السياسي في الولايات المتحدة، فدفع بذلك اللوبي الإسرائيلي المعروف بـ«ايباك» لإدانته، وإدانة قيامه برعاية قيام تحالف بين أحزاب من أقصى اليمين الإسرائيلي، منها حزب «القوة اليهودية»، المنحدر من حركة «كاخ» اليهودية العنصرية، والتي تضعها واشنطن على لائحة التنظيمات الإرهابية.
وللمرة الأولى في تاريخ «ايباك»، يقوم هذا اللوبي بتوجيه نقد لنتنياهو لتعاونه مع اليمين اليهودي المتطرف في إسرائيل، ويصدر اللوبي موقفاً، في تغريدة، يؤيد فيها «اللجنة اليهودية الأميركية»، التي خرجت بدورها عن المألوف في تفاديها التعليق على المنافسات بين الأحزاب الإسرائيلية، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية المقررة في 9 أبريل المقبل. 
وذكرت «اللجنة اليهودية الأميركية» في بيان أن آراء «حزب القوة اليهودية تستحق التوبيخ»، وأنها «لا تعكس القيم التي تقوم عليها دولة اسرائيل». 
وحذرت اللجنة من أن الحزب العنصري المذكور يحتمل أن يفوز بمقعد في الكنيست، وأن يفوز بمقعد في الحكومة الاسرائيلية المقبلة كذلك.
ويشبّه اليهود الأميركيون حركة «كاخ» العنصرية و«حزب القوة اليهودية» المنبثق عنها بمجموعات «تفوق البيض» العنصرية اليمينة الأميركية، ويعتبرون أن دخولها الحكومة الاسرائيلية هو بمثابة دخول حزب «كو كلوكس كلان» اليميني الأميركي العنصري الادارة الاميركية. 
من ناحية أخرى، اندلع نقاش واسع بين اليهود الأميركيين، الذين يبلغ عددهم نحو 5 ملايين ونصف المليون شخص، ما يجعلهم ثاني أكبر كتلة يهودية في العالم بعد إسرائيل، التي يعيش فيها 6 ملايين ونصف مليون يهودي. 
وتؤيد غالبية اليهود الأميركيين الحزب الديموقراطي، وتعادي الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتؤيد دعم إسرائيل بشكل غير حزبي، أي بغض النظر عن من يترأس الحكومة الاسرائيلية. لكن التصاق نتنياهو بترامب، الجمهوري اليميني، أبعد غالبية اليهود الاميركيين عن تأييد إسرائيل بسبب رفضهم تأييد نتنياهو.
في هذا السياق، جاء تشكيل تحالف «يمين الوسط» بزعامة بيني غانتز ويائير لابيد ليقدم لليهود الأميركيين بديلاً عن دعم نتنياهو. 
وتشير استطلاعات الرأي الاسرائيلية الى تقدم غانتز لابيد على نتنياهو، 36 مقعداً مقابل 30. 
ومع اقتراب موعد اعلان المدعي العام الاسرائيلي امكانية ادانة نتنياهو بتهم رشوة وفساد، تصبح عملية عودته للسلطة أكثر تعقيدا.
ويحاول نتنياهو اللجوء الى شعبويته المعهودة باستخدامه «أساليب التخويف»، مثل تخويف الاسرائيليين ان عرب اسرائيل سيقترعون بكثافة، ما يتوجب على اليمين الاقتراع بكثافة مضادة. كما يحذر نتنياهو من انفلات الوضع الامني في حال خروجه من الحكم.
لكن تحالف غانتز لابيد يتألف من ثلاثة رؤساء سابقين لاركان الجيش، وهو ما يسحب ذريعة انهيار الامن في حال وصول هؤلاء الى رئاسة الحكومة بدلا من نتنياهو.
ختاما، يحاول صهر ترامب ومستشاره جارد كوشنر تعويم نتنياهو، اذ ان صداقة تربط عائلة الاثنين منذ عقود. 
وفي هذا السياق، دأب كوشنر على محاولة تصوير أن نتنياهو قادر على تطبيع علاقات إسرائيل مع الدول العربية، وخصوصا الخليجية، من دون ضرورة تقديم أي تنازلات للفلسطينيين. ولهذا السبب، أعلن كوشنر انه سيؤجل الاعلان عن تسويته السلمية، التي يطلق عليها اسم «صفقة القرن»، الى ما بعد الانتخابات الاسرائيلية. وراح المقربون من كوشنر يحذرون اليهود الاميركيين من مغبة انهيار الصفقة الذهبية المذكورة في حال خروج نتنياهو من الحكم.
انتخابات إسرائيل في إسرائيل، لكن تفاعلاتها في أميركا وصلت ذروتها، خصوصاً مع صدور تصريحات غير معهودة عن مجموعات، مثل لوبي «ايباك»، ضد نتنياهو. فهل بالغ رئيس حكومة إسرائيل في تقدير مدى قوته ونفوذه بين يهود أميركا؟ وهل وصلت مسيرته القيادية إلى نهايتها؟

استثناء كوشنر للكويت من جولته الخليجية... هل السبب مساندتها للفلسطينيين في مجلس الأمن؟

واشنطن - من حسين عبدالحسين

يزور هذا الأسبوع كبير مستشاري الرئيس دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء الكويت، في مفارقة لافتة لناحية المضمون. 
وزارة الخارجية الأميركية، التي تقتصر مشاركتها في وفد كوشنر على مستشارها بريان هوك، لا تفاصيل لديها عن الزيارة، التي يديرها فريق كوشنر، المؤلف من محامي مؤسسة ترامب، جيسون غرينبلات، ومساعد كوشنر الشخصي، البالغ من العمر 29 عاماً، آفي بيركوويتز.
على أن المتوافر من المعلومات عن الزيارة، في العاصمة الأميركية، يشير إلى أنها زيارة «متابعة وتنفيذ لما تم الاتفاق عليه في مؤتمر وارسو للسلام والاستقرار»، قبل أسبوعين. وتفيد التقارير أن كوشنر يحمل في جعبته عدداً من الاقتراحات لمباشرة «مشاريع اقليمية تفيد اقتصادات بلدان المنطقة»، كخطوة أولى على طريق بناء الثقة بين دول المنطقة وإسرائيل، نحو تحقيق السلام بين الطرفين. 
واللافت في فريق كوشنر، الذي يلعب دور وسيط السلام بين العرب والاسرائيليين، انه فريق يتألف من ثلاثة يهود محافظين هم كوشنر وغرينبلات وبيركوويتز. وينقل من يعرف كوشنر عنه انه يعتقد ان «يهوذا والسامرة»، وهي الأرض التي تتألف منها الضفة الغربية، هي أرض إسرائيل التاريخية، وأن «العرب انتزعوها من اليهود قبل قرون، وأن إسرائيل هي من البحر الى النهر وعاصمتها القدس الموحدة». 
ويعزو المتابعون إلى كوشنر حضه الرئيس دونالد ترامب على إعلان القدس عاصمة لاسرائيل ونقل السفارة الاميركية إليها. وفي ما بعد، شارك كوشنر وزوجته ايفانكا ترامب في حفل افتتاح السفارة الاميركية في القدس. 
ويضاف الى فريق كوشنر سفير أميركا لدى إسرائيل، وهو اليهودي المحافظ ديفد فريدمان، الذي بدا تعارض مواقفه واضحاً مع المواقف الرسمية لحكومة الولايات المتحدة ووزارة الخارجية بشأن موضوع المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، فوزارة الخارجية الاميركية تعتبرها غير شرعية، فيما فريدمان سبق أن صرّح علنا أنه يراها شرعية، الى حد انه دعا وزارة الخارجية علنا الى تغيير تصنيفها لهذه المستوطنات. وسبق لفريدمان ان عمل في مؤسسات يهودية أميركية تعارض حل الدولتين وتدعم الاستيطان والمستوطنين، وهي مؤسسات نالت تبرعات من كوشنر.
وإذا كان كوشنر ومساعدوه يتبنون فعلياً الخطاب الاسرائيلي المحافظ في موضوع اسرائيل وفلسطين، فهذا يعني انهم لا يؤيدون مشروع الدولتين، الفلسطينية والاسرائيلية، وهو ما يضع «صفقة القرن»، وهو الاسم الذي أطلقه كوشنر على خطته للسلام بين اسرائيل والعرب، في موقع متناقض تماماً مع مبادرة بيروت العربية للسلام للعام 2002، والتي تتمسك بمبدأ الدولتين.
وكان وزير الشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير أكد، إثر مؤتمر وارسو، أن المملكة ما تزال متمسكة بمبادرة بيروت العربية للسلام، وهي المبادرة التي تتمسك بحل الدولتين.
كوشنر سيزور المنطقة لمحاولة اطلاق مشاريع اقتصادية يعتقد انها تفيد مالياً كل الاطراف، الاسرائيليين والعرب ومعهم الفلسطينيون، وهي مشاريع «لا تعني بالضروة التوصل إلى سلام بين العرب وإسرائيل».
أما سبب زيارة تركيا وقطر، فيشير المتابعون في واشنطن الى أن كوشنر وفريقه سيسعيان لاقناع الدوحة بـ«تبني سياسة تجاه إسرائيل مشابهة لسياسة حليفتها تركيا، خصوصاً ان اتصالات ماضية جرت بين مسؤولين قطريين وإسرائيليين على اعلى المستويات». وعلى الرغم من المنافسة التي تقارب العداء بين تركيا واسرائيل، الا أن الاسرائيليين يشيرون الى تركيا دائماً كنموذج على امكانية التمتع بمعاهدة سلام وعلاقات ديبلوماسية، وفي نفس الوقت الاستمرار في الاختلاف في الرأي والسياسة.
وإلى تركيا وقطر، سيزور كوشنر البحرين وعمان، ويتوج جولته بزيارة السعودية للقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
أما اللافت في جولة كوشنر فهي انها تستثني الكويت من بين دول مجلس التعاون. وحاولت «الراي» الاستفسار عن السبب، فتضاربت الردود، وتمحورت في غالبها حول استياء لدى كوشنر من المواقف المتكررة التي اتخذتها الكويت لمصلحة الفلسطينيين في مجلس الأمن.

الثلاثاء، 19 فبراير 2019

الخريف العربي: السيسي رئيسا للأبد

حسين عبدالحسين

في مصر تفتحت ورود الحرية معلنة حلول "الربيع العربي". وفي مصر أيضا ذبلت الورود وماتت. أطلق عسكر مصر النار على الحرية في رابعة، وفي غير رابعة، ومات العشاق في أحضان عشاقهم. ربيع العرب صار خريفا، واستعادت مصر فرعونها، الحاكم الأبدي. خلع عبد الفتاح السيسي زيّه العسكري، وألبسه لبرلمان وهمي صادق على تعديل الدستور على قياس القائد الخالد، ورمى حذاؤه العسكري، فتلقفه مصريون وألصقوه على رؤوس عيالهم.

إنها قصة حزينة. حاول العسكري حسني مبارك توريث ابنه، فثار عليه العسكر. في واشنطن، سأل الأميركيون رئيس الأركان المصري سامي عنان إن كان الجيش قادرا على الإمساك بالأوضاع في حال رحيل مبارك، فأجاب بالإيجاب. 

لم يوافق مبارك على التنحي، على الرغم من ضغوط واشنطن والجيش، لكن مبارك وافق على تعيين عمر سليمان نائبا للرئيس، فأجبر الجيش نائب الرئيس على قراءة بيان استقالة باسم مبارك. ولم يتسلم نائب الرئيس الحكم مع خروج الرئيس، بل تسلمه العسكري محمد حسين طنطاوي.

لكن طنطاوي كان مسنا، وتحت ضغط أميركي، أجرى انتخابات فاز بها الإسلاميون، ووافق الجيش بقيادة عبد الفتاح السيسي على الدخول في حكومة محمد مرسي الإسلامية. ظنّ البعض أن مصر وصلت مرحلة من النضج السياسي يبقى فيها الجيش في الكواليس، حيث يضمن أمن الوطن وسلامته، ويفسح في المجال أمام المدنيين في التنافس والحكم.

اقرأ للكاتب أيضا: العرب في عصورهم الظلامية

لكن كمصر، كان الجيش يهتز وتتنافس فيه الفصائل على الزعامة والسيطرة. السيسي دخل في حكومة الإسلاميين لمصلحة مؤقتة، ثم ما لبث أن دفع مرسي للإطاحة بطنطاوي، وأطاح بعدها السيسي بمرسي، واستبد بالحكم منذ ذاك اليوم.

في مخيلة البعض أن لا بأس بالاستبداد إن كان مستنيرا، فمصر عاشت عصرا ذهبيا، في القرن التاسع عشر، تحت حكم محمد علي الكبير وابنه ابراهيم باشا، وكادت تلحق بأوروبا اقتصاديا وعسكريا.

لكن تبين فيما بعد أن نهضة محمد علي كانت بالإيجار، أي أن الرجل اشترى أساليب تنظيمية مدنية وتقنيات عسكرية من الأوروبيين، لكنه لم ينجح في إطلاق عجلة الابتكار المصرية، فانهارت النهضة مع نهاية محمد علي، بل أنها أورثت خلفاءه الخديويين من بعده ديونا ثقيلة، فباعوا قناة السويس للأوروبيين، وراحوا يحرضون على الإمبريالية لامتصاص النقمة الشعبية.

والسيسي على طراز الحكم الخديوي. يفيد من بعض التقنية الغربية، ويحتمي خلف جيشه وأسوار قصره، فيما مصر تغرق في فقرها وديونها وتلوثها. على أن الخديويين كانوا رجالات حكم، على الأقل شكلا، فيما السيسي لا يثير الإعجاب، لا في الشكل ولا المضمون، فتصريحاته تتراوح بين السطحية والإبهام، وسياساته مثلها، وهو لا تبدو عليه علامات الفطنة السياسية، وتعوزه الكاريزما. صحيح أن الاستقرار رفع من نسبة النمو الاقتصادي المصري، إلا أنه بالنظر إلى التركيبة السكانية الشابة، التي يمكنها تقديم كفاءات ويد عاملة رخيصة في الوقت نفسه، فإن الاقتصاد المصري يعمل أدنى بكثير من طاقته.

سياسة السيسي الوحيدة الثابتة هي حبه الجامح للحكام المتفردين بالسلطة على طراز نظامه، من الروسي فلاديمير بوتين إلى السوري بشار الأسد. حتى إيران، البعيدة عن مصر منذ عقود، تحسنت علاقاتها بشكل مضطرد مع القاهرة.

وفي مخيلة البعض الآخر أن نعمة السيسي تكمن في ضمانه إبقاء الإسلاميين بعيدين عن الحكم. لكن هذا النوع من الإبعاد لا يعني ابتعاد المجتمع المصري عن مقولة أن "الإسلام هو الحل"، بل إن مصر السيسي ماضية في تطرفها ضد كل ما هو غير مسلم، فترى القضاء المصري تارة يلاحق ممثلة لفستان يظهر مفاتنها، وطورا يطارد مثليين، أو يقوم بخطوات معادية للحرية يخالها وقاية للأخلاق العامة.

أما بدائل السيسي، أي الإسلاميين، فأداؤهم أسوأ منه. السيسي يدرك ضعف مصر، ويحاول مصادقة كل حكومات العالم، من إسرائيل وإيران إلى أميركا وروسيا. أما الإسلاميين، فهم يعيشون في وهم أن مصر متفوقة لولا تآمر الآخرين عليها، وأن وظيفة مصر هي مقارعة الإمبريالية، وهو ما بدا جليا في إصرار مرسي على "الانضمام" لمجموعة "بريكس"، المناوئة لأميركا، فيما كانت حكومته تستجدي المؤسسات الدولية في الغرب للحصول على قروض لسد رمق المجاعة المصرية الدائمة.

اقرأ للكاتب أيضا: أميركا ونفط العالم

كيف تخرج مصر من مأساتها التي تحصر خياراتها في العيش بين اثنين: طغيان العسكر ودولة "النهي عن المنكر"؟ وكيف تعود مصر رائدة في نهضة العرب، فتقدم توفيق الحكيم ونجيب محفوظ، بدلا من ماكينات الكفتة التي تشفي الإيدز؟

طريق مصر شاقة وطويلة، وما خاله العالم ضوء الحرية في نهاية النفق المظلم، تبين أنه ضوء مزيف ناجم عن الفوضى، وأن إمكانية تحول مصر إلى دولة ديمقراطية ما تزال متعذرة.

ثورة مصر في مطلع 2011 كانت ومضة ضوء، أما تعديل السيسي للدستور للبقاء رئيسا للأبد، فإعلان دخول مصر والعرب في موسم "الخريف العربي" البارد والطويل والمظلم.

الأحد، 17 فبراير 2019

أميركا تقترب من الموافقة على برنامج نووي سعودي

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بعد اللقاء المغلق الذي عقده الرئيس دونالد ترامب في البيت الابيض مع كبار المسؤولين عن الصناعات النووية في الولايات المتحدة، الاسبوع الماضي، قالت مصادر متابعة للقاء ان الحاضرين توافقوا على انه لا ضير في «بيع المملكة العربية السعودية برنامجا نوويا حديثا»، بتكلفة قد تصل الى 80 مليار دولار.
والنقاش حول قيام أميركا ببيع السعودية برنامجاً نووياً سلمياً مندلع منذ اكثر من عامين. وكان من ابرز دلائل تقدم اهمية هذا الملف هو انه، في المرات التي استقبل فيها ترامب كبار المسؤولين السعوديين، وفي طليعتهم ولي العهد الامير محمد بن سلمان، جلس الى جانب ترامب نائب الرئيس مايك بنس، يليه فورا وزير الطاقة الاميركي ريك بيري.
وبيري هو المسؤول عن المنشآت النووية للحكومة الفيديرالية الاميركية، وهو سبق ان زار السعودية - قبل اسابيع- للتباحث في امكانية مساعدة الولايات المتحدة للمملكة بتوليد الطاقة نوويا.
ويرى خبراء أميركيون ان الموضوع النووي شائك، وغالبا بسبب امكانية استخدام اي برنامج سلمي لاهداف عسكرية، وهو الأمر الذي أثار المجتمع الدولي ضد ايران، على مدى العقد الماضي، ودفعه الى فرض عقوبات دولية قاسية عليها، لم يتم التوصل الى رفعها الا بعد التوصل لاتفاقية نووية معها، وهي اتفاقية قضت بفرض مراقبة وضوابط دولية تمنع طهران من ولوج المسار العسكري من دون ان يتنبه المجتمع الدولي لذلك بوقت مبكر يسمح باتخاذ اجراءات لوقفها.
الآلية المستخدمة لمراقبة البرنامج الايراني هي آلية تنقضي مفاعيلها بعد عقد من الزمن، وهو ما دفع ترامب للانسحاب من الاتفاقية. الآلية نفسها، حسب المصادر الاميركية، يمكن تطبيقها على البرنامج السعودي المزمع انشاؤه.
أما بالنسبة الى كون البرنامج النووي السعودي يمثل ردعا للايرانيين، فيفضل مسؤولون أميركيون تحدثت اليهم «الراي» ان يحصر الموضوع النووي السعودي باستخداماته السلمية والعلمية والا يطرح من زاوية الردع، والسبب «انه في منطقة صغيرة المساحة مثل الشرق الاوسط، يستحيل اقامة ردع نووي». لان ضيق المساحة يعني انعدام الوقت ما يلغي مبدأ «الدمار المتبادل» وتاليا يسقط مبدأ «الردع».
في الحالة السعودية، تبدي اسرائيل قلقها كذلك من تهديد نووي سعودي ضدها، وهو ما قد يحمل الاسرائيليين على اقناع واشنطن بالامتناع عن تزويد الرياض ببرنامج نووي سلمي لتوليد الطاقة. لكن مسؤولين اميركيين يرون انه «مع ضمانات امنية مناسبة ومراقبة اميركية متواصلة على البرنامج السعودي، يمكن اقناع الاسرائيليين بأنه في أيدٍ أمينة، ولا يهدد وجود الدولة العبرية».

السبت، 16 فبراير 2019

وارسو يمرّ بلا مصافحات «الصدفة» بين الخليجيين والإسرائيليين

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في الجلسات التي عقدتها وكالات الحكومة الأميركية وحلقات الكونغرس المعنية بالسياسة الخارجية لتقييم مؤتمر «السلام والأمن في الشرق الاوسط» في وارسو، توصلت غالبية المجتمعين الى نتيجة مفادها بان اللقاء الدولي الذي حضره ممثلو 60 حكومة، لم يرق الى التوقعات التي كانت واشنطن تعقدها عليه، وان تطبيع العلاقات بين الحكومات العربية - والخليجية خصوصاً - واسرائيل، ما زال متعذراً.
وفي الاسابيع التي سبقت انعقاد اللقاء، انحصرت الجهود الاميركية باقناع حكومات خليجية بضرورة قيام رؤساء وفودها بمصافحة رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو علنا. لكن حكومات الخليج رفضت الطلب الاميركي، ما حدا بواشنطن الى محاولة فرض «مصادفة»، من قبيل تواجد نتنياهو في الغرفة نفسها مع وزراء عرب ومروره بهم، ما يفرض عليهم مصافحته، على الأقل من باب الأدب.
ونقل بعض المشاركين في جلسات تقييم المؤتمر ان «الوزراء العرب المشاركين في وارسو كانوا يسيرون في القاعات والممرات وكأن لديهم عيون اضافية خلفية، فحافظوا على مسافة من المسؤولين الاسرائيليين، ولم يفلح اعضاء الوفد الاميركي في فرض أي مصادفة».
ودفع فشل واشنطن في التوصل الى مصافحة اسرائيلية - خليجية الى تبادل الاتهامات حول على من تقع مسؤولية الفشل. واتهم بعض العاملين في الكونغرس من الديموقراطيين «انعدام الخبرة» لدى مستشار الرئيس دونالد ترامب وصهره جارد كوشنر، الذي يبدو انه دفع المعنيين في واشنطن للاعتقاد بأنه يتمتع بحظوة لدى المسؤولين الخليجيين، اكثر من الواقع.
لكن الجمهوريين دافعوا عن كوشنر بالقول انه كوّن انطباعاته حول التصرفات العربية مما سمعه من المسؤولين الاسرائيليين، ومن سفير الولايات المتحدة في اسرائيل. ولطالما دأبت الحكومة الاسرائيلية، وفي طليعتها رئيسها نتنياهو، على تصوير علاقات اسرائيل بالحكومات الخليجية على انها امتن بكثير مما هي عليه.
في الخلاصة، فشل مؤتمر وارسو في تحقيق الهدف الرئيسي المرسوم له: تحقيق مصافحات خليجية - اسرائيلية تحت عنوان مواجهة ايران، واستخدام المصافحات كحجر زاوية لبدء عملية التطبيع بين اسرائيل والخليج، بغض النظر عن مفاوضات السلام المتعثرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين.
وأجمع المعنيون الاميركيون على ان مصافحة من هذا النوع كانت ستكون بمثابة انجاز سياسي كبير لترامب، يمكنه ان يشير اليه امام الاميركيين بصفته «صانع صفقات». كذلك، كانت المصافحة ستكون هدية انتخابية ثمينة لنتنياهو، الذي يستعد لانتخابات عامة في ابريل المقبل.
هكذا، خابت الامال الاميركية والاسرائيلية، فمستوى الوفدين الاميركي والاسرائيلي كانا أعلى بكثير من مستوى الوفود العربية المشاركة، التي تراوح قادتها في مستوياتهم بين وزير ووكيل وزير خارجية.
في المقابل، التقى نتنياهو وزير خارجية عُمان يوسف بن علوي، في وارسو لكنه لقاء كان متوقعاً، خصوصا ان نتنياهو سبق ان زار مسقط العام الماضي. ونُقل عن وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة ان «اختراقاً» سيحدث في علاقات الجانبين، عندما يحين الموعد المناسب، لكنه سيتحقق في نهاية المطاف.
في ظل الفشل الاميركي والاسرائيلي في فرض «مصادفة المصافحة» بين نتنياهو ومسؤولين خليجيين، حاول نائب الرئيس الأميركي مايك بنس التغطية على الفشل بالقول ان المسؤولين الاسرائيليين والعرب تناولوا وجبة العشاء في الغرفة نفسها و«تشاركوا الخبز».
«اضاعة تامة للوقت» كان تعليق احد العاملين في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب حول مؤتمر وارسو. «اما إيران، فهي مستمرة في التوسع والتمدد».

الخميس، 14 فبراير 2019

وارسو... مخاصمة إيران ومصالحة إسرائيل!

واشنطن - من حسين عبدالحسين

الخلاصة الأولية لليوم الاول لـ«مؤتمرالسلام والأمن في الشرق الاوسط»، الذي عقدته الولايات المتحدة في وارسو، هي الفوضى: فوضى في السياسة، فوضى في الاهداف، وفوضى في النتائج. المعنيون بالسياسة الخارجية الاميركية، من المشاركين في تنظيم المؤتمر، اجاباتهم متضاربة حول هدف المؤتمر والرسائل المرجوة منه. 
هو مؤتمر لدعم بولندا في وجه العدوانية الروسية والاستمالة الصينية، ولابقاء بولندا في الفلك الاوروبي، وسط ابتعادها عنه بسبب تقهقر الديموقراطية فيها. وهو مؤتمر تم الاعلان عنه كمؤتمر لمواجهة ايران، في ملفيها، النووي والمزعزع لاستقرار منطقة الشرق الاوسط. وهو مؤتمر تسعى من خلاله واشنطن الى تعميم فكرة يمكن تلخيصها في تغريدة بالعربية اطلقتها الحكومة الاسرائيلية، وجاء فيها ان «إسرائيل والدول العربية يد واحدة ضد التهديد الإيراني». 
هكذا، بدت اوساط الخارجية الاميركية مرتبكة، وبدا صعبا الحصول على اجابات بسيطة حول الاهداف الرئيسية للمؤتمر. 
من جهته، راح وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو ونائب الرئيس مايك بنس يعقدان لقاءات مع المسؤولين البولنديين ويعدان بزيادة عدد القوات الاميركية المنتشرة في بولندا. ومن جهة ثانية، راح صهر الرئيس دونالد ترامب وكبير مستشاريه جارد كوشنر، ومعه مسؤول ملف السلام الاسرائيلي - العربي جايسون غرينبلات، يعقدان لقاءات مع رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو والوفد المرافق، وكذلك مع رؤساء الوفود العربية المشاركة في مؤتمر وارسو.
صحيح ان مواجهة ايران تتطلب قيام الولايات المتحدة بتنسيق الجهود بين حلفائها العرب والاوروبيين واسرائيل، لكن ليس مفهوما لما تتطلب مواجهة ايران «الامتناع عن التمسك بالماضي والمضي قدما نحو المستقبل»، حسب تصريح نتنياهو، اثناء لقائه ووزير خارجية عمان يوسف بن علوي. واذا كان التخلي عن الماضي هو عنوان مؤتمر وارسو، فلمَ لا يتم التخلي عن الماضي بفتح صفحة جديدة مع الايرانيين؟ 
لا اجابات في اوساط واشنطن حول عناوين وارسو غير المتناسقة، بل المتناقضة. جلّ ما يثير اهتمام بعض المتابعين الاميركيين هو وقوف نتنياهو في الصورة الجماعية، على بعد امتار قليلة من وزراء عرب لا علاقات لحكوماتهم مع حكومة اسرائيل. 
وكان نتنياهو صرّح، بعد انتهاء لقائه مع بن علوي: «اذهب من هنا إلى لقاء ضد إيران يحضره ممثلون عن دول عربية بارزة. المصلحة المشتركة هي محاربة إيران». لم يقل نتنياهو انه ذاهب للقاء ممثلي حكومات عربية لا تزال تقاطع بلاده. 
وعلمت «الراي» ان كوشنر كان حاول شخصيا، وبكل ما أوتي من وسائل ترغيب وترهيب، اقناع بعض الحكومات العربية التي لا علاقات لها مع تل ابيب، بضرورة استغلال فرصة انعقاد مؤتمر وارسو للبدء في فتح علاقات من هذا النوع، على الأقل عن طريق مصافحات بين نتنياهو ووزراء عرب. 
الا ان الحكومات العربية، التي حاول كوشنر التوسط معها لمصافحة نتنياهو، رفضت طلبه، وردت بالقول انها تشارك في وارسو من اجل التباحث في «نشاطات ايران المزعزعة للاستقرار»، وانه ان كانت واشنطن ترغب في عقد لقاءات دولية من اجل التوصل الى تسوية بين العرب واسرائيل، فعلى الولايات المتحدة ان تخصص مؤتمرا لذلك، لا ان تقحم عملية السلام في موضوع ايران.
وعلمت «الراي» كذلك، ان رد كوشنر كان قوله ان الولايات المتحدة تقترب من تقديم «صفقة العصر» للتوصل الى تسوية سلمية. وتشير اوساط كوشنر الى ان تقديم الصفقة المذكورة مؤجلة بانتظار ظهور نتائج الانتخابات الاسرائيلية المقررة في ابريل المقبل.

الأربعاء، 13 فبراير 2019

مصادر أميركية: لبنان يعزل نفسه

واشنطن - من حسين عبدالحسين

علّقت مصادر اميركية على غياب لبنان عن قمة وارسو المخصصة لمناقشة الاوضاع في الشرق الاوسط - وخصوصاً «نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار» وعملية السلام العربي - الاسرائيلي المتعثرة - بالقول ان المنظمين لم يوجهوا دعوة الى اللبنانيين لعلمهم ان بيروت اقتلعت نفسها من المجتمع الدولي، الذي قدم لحكوماتها المتعاقبة دعما على مدى العقود الماضية. وتعتقد بان بيروت قررت الالتحاق بالكامل بالمحور الذي تقوده ايران. 
وقالت المصادر ان احتفال وزير خارجية ايران جواد ظريف بالذكرى الاربعين للثورة الايرانية في «فندق فينيسيا» في بيروت، على بعد امتار عن موقع اغتيال رئيس حكومة لبنان السابق رفيق الحريري «لم يكن مصادفة، بل خطوة مدروسة لم تفت رمزيتها احداً». 
وفي وقت يدور حديث حول امكانية سعي حكومة لبنان الى البدء بمفاوضات مع المصارف المحلية لاقناعها بالتخلي عن عائدات بعض الاموال التي سبق ان اعارتها للجمهورية اللبنانية، في محاولة لتخفيض خدمة الدين التي تكاد تستهلك الجزء الاكبر من الموازنة السنوية، لا يبدو ان حكومة لبنان تدرك اهمية البقاء في فلك الاقتصاد العالمي، بدلا من خروجها منه وانخراطها في ما تسميه ايران «اقتصاد المقاومة». 
ولفتت المصادر الى ان التصريحات التي رافقت زيارة ظريف الى بيروت، لناحية نية ايران «تقديم مساعدات» للبنان، هي تصريحات «تقارب السوريالية»، فالاقتصاد الايراني في الحضيض، والريال خسر اكثر من ثلث قيمته، امام العملات العالمية، في السنتين الماضيتين، و«طهران بحاجة لعملات صعبة، ولادوية اجنبية، ولمواد اخرى لا تقوى على شرائها بسبب شح العملة الصعبة». 
ويكرر المسؤولون الاميركيون ان نظراءهم الايرانيين يعتقدون، او على الأقل يكررون، ان بامكانهم اقامة منطقة اقتصادية اقليمية عالمية مستقلة عن الولايات المتحدة، ويمكنها بذلك تجاوز اي عقوبات اميركية. يشارك في هذه المنطقة الاقتصادية، إلى ايران، العراق وسورية ولبنان، وعالمياً روسيا وربما الصين والهند. 
روسيا، بدورها، تتصرف في العلن وكأنها منخرطة في المشروع الايراني لاقتصاد اقليمي مستقل عن اميركا، وتوقع اتفاقيات تبادل تجارية من دون سيولة او حوالات مصرفية. لكن واقع الحال، ان موسكو تدرك انه لا يمكنها التمرد على الاقتصاد العالمي، حتى بمساعدة ايران ودول اخرى، وهو ما دفع الحكومة الروسية الى تخفيض انفاقها بشكل جذري في كل القطاعات - باستثناء الدفاع وتعويضات المتقاعدين - واستخدام الفائض لتكديس العملات الصعبة في المصرف المركزي الروسي. 
يقول المسؤولون الاميركيون ان الرئيس فلاديمير بوتين «يستعد لاحتمال تعرض روسيا لعقوبات غربية اقسى، ابتداء من العام 2021، وهو ما يدفعه الى تكديس العملات الصعبة تحسباً، وبهدف الصمود امام الضغوط الغربية وانتظار انحسارها من دون تقديمة تنازلات». 
اما ايران، ومعها لبنان، فيتصرفان وكأن الانفصال عن الاقتصاد الدولي امكانية واقعية، حسب المصادر. هكذا، لا ينزعج لبنان، بل يتباهى وزير خارجيته جبران باسيل بانه سيغيب عن قمة وارسو، «بدلا من ان يسعى الى المشاركة بها كفرصة لنسج علاقات دولية واقتصادية افضل مع الدول الستين المشاركة في القمة». حتى الدول الاوروبية، التي تحاول استرضاء طهران لابقائها في الاتفاقية النووية، أعلنت مشاركتها في قمة وارسو، لعلمها ان لا مصلحة لها في الغياب عن لقاء دولي من هذا النوع. 
صحيح ان اهداف القمة ونتائجها لا تبدو واضحة ولا واعدة، إلا ان غياب اي حكومة عن لقاء دولي بهذا الحجم هو ضد مصالحها. في الحالة اللبنانية، يختم المسؤولون الاميركيون، ان لبنان يبدو وكأنه يعمل على الالتحاق بايران والتشبّه بها، وذلك عن طريق قيامه بعزل نفسه.

الثلاثاء، 12 فبراير 2019

العرب في عصورهم الظلامية

حسين عبدالحسين

يستحيل أن ينجح بعض العرب، ممن يغرقون في جهل مدقع، في تقديم أفضل من الطغاة الذين قدموهم على مدى القرن الماضي. ويستحيل أن ينجح هؤلاء العرب في إقامة حكومات تتمتع بأدنى معايير النزاهة والكفاءة اللازمة، بل إن أكثر ما يقوى عليه هؤلاء العرب هو انقلابات عسكرية، الأخ على أخيه، والابن على أبيه.

أقصى ما يمكن لهؤلاء العرب تقديمه هو أجهزة استخبارات تحصي على الناس أنفاسهم لحماية الحاكم من غضب المحكومين. وأقصى ما يمكن لهم تقديمه هو هجاء بعضهم البعض عبر الفضائيات، ورمي بعضهم البعض بالأحذية والنعال.

لن تقوم لدول هؤلاء العرب قائمة ما داموا يتنصلون من مسؤولية شقائهم، ويلقونها على الإمبريالية وإسرائيل وإيران وغيرها.

ولن تقوم قائمة لهؤلاء العرب لمعاناتهم من بلادة فكرية، ممزوجة بكسل ثقافي، وثرثرة بلا علم، وانعدام القراءة، التي يستعيض عنها غالبية العرب بمتابعة برامج الشتائم عبر الفضائيات، ويتبادلون رسائل واتساب، فيما هم "يشيّشون" (تدخين النرجيلة) لساعات وساعات.

اقرأ للكاتب أيضا: أميركا ونفط العالم

الأسبوع الماضي، استغرقني وقت وأنا أجري أبحاثا عن سوق الطاقة وأهميتها. تصفحت بيانات وزارة الطاقة الأميركية، وإنتاج الطاقة في دول العالم وصادراتها، وطالعت عقود النفط والمناقصات الحكومية المتوفرة حول العالم. ثم خلصت إلى نتيجة مفادها أن الكسل الفكري لدى العرب يجعلهم ضحية سهلة لدعاية ديكتاتوريات العالم، مثل روسيا، التي تحاول الإيحاء لهم أن لدى واشنطن خططا خبيثة للاستيلاء على مصادر الطاقة، وأن هذه الخطط تقف خلف موقف الولايات المتحدة المعادي لرئيس فنزويلا المطعون بشرعيته نيكولاس مادورو.

لكن خمسة في المئة من واردات أميركا السنوية للنفط تأتي من مادورو، الذي تشكل مبيعاته إلى أميركا 40 في المئة من عائداته، وهو ما يعني أنه إن كان النفط الفنزويلي هدف أميركا، فالأفضل بقاء مادورو رئيسا، إذ هو يضمن تدفقه إلى الشواطئ الأميركية. أما معارضة أميركا لمادورو فسببها سوء إدارته للبلاد بشكل بلغ التضخم فيها أكثر من 15 ألف في المئة، وهو ما ينذر بكارثة سكانية لا بد من أن ترسل مئات آلاف اللاجئين إلى أميركا، وهو ما يعني أن مصلحة الولايات المتحدة تكمن في استقرار فنزويلا، لا في الحصول على نفطها، الذي تحصل عليها أصلا مع مادورو.

والحقيقة هي أن الطاقة حول العالم خسرت قيمتها الاستراتيجية منذ قرابة عقدين من الزمن أو أكثر، يوم تحولت إلى سلعة يمكن شراؤها في السوق العالمية، وعندما صارت الحكومات المنتجة والمصدرة للنفط تتسابق لبيع نفطها دوليا طمعا بعائداته.

ولزيادة العائدات، تحتاج الحكومات إلى شركات نفطية متفوقة تقنيا يمكنها الإنتاج بفاعلية أكبر، وهو ما لا تملكه شركات نفط حكومات روسيا والصين وإيران، بل تملكه شركات الطاقة الخاصة في أميركا وأوروبا، وهذه بدورها، لا تبحث عن أي مصادر نفط، بل تسعى لإنتاجه في دول مستقرة أمنيا، وهو ما يخفض سعر الإنتاج ويرفع من الأرباح، والدليل أن شركة إكسون الأميركية العملاقة تخلت عن عقد فازت به، إثر مناقصة حكومية، لإنتاج نفط حقل مجنون العراقي، بسبب تعثر الأمن والنسبة المرتفعة من العائدات التي طالبت بها بغداد.

كل هذه التفاصيل لا تعني غالبية العرب ممن قرأوا مقالي الأسبوع الماضي، وهم بدلا من أن يحاولوا تفنيد مطالعتي بالاستناد إلى ربط مختلف للأمور أو تقديم معلومات مختلفة، انهمكوا بالتعليق على اسمي: واحد يكتب أن اسم عبدالحسين كفر لأننا كلنا عبيد لله وحده، وآخر يكتب أن اسمي مستعار، إذ يستحيل على من يحمل اسما كاسمي أن يخرج عن تفكير الجماعة الشيعية التي تقودها إيران وتجبرها على كراهية أميركا. وذهبت فئة إلى تأليف أسماء تصرّ أنها اسمي الحقيقي، منها جوني أدامز، ويزيد ابن زياد، وحزقيل بن أليعازر وما إلى هناك من تفاهات لا تغني ولا تسمن.

وبين هبل الفتاوى الدينية حول اسمي والإصرار أن الاسم لا يتناسق مع رأيه، اتهامات بالعمالة لأميركا، وبعبادة الدولار، وشتائم مباشرة.


من أكثر من عشرات تعليقات للقراء، لم أقع على تعليق واحد يستأهل النقاش، أو يدفعني لإعادة النظر في خلاصتي، أو تحسينها. كما لم يقترح أحدهم كتابا، أو بحثا، أو مقالة تؤيد أو تعاكس ما قلته. فقط تفاهات واتهامات وتخوين. وهذا النوع من النقاش السخيف ليس على مواقع التواصل الاجتماعي وحدها، بل هو نفسه في عدد من جامعات العرب، وعلى فضائياتهم، وحتى في لقاءاتهم، التي تبلغ فيها الحزبية القبلية من الحدة مبلغ التخاصم والتشاتم.

حال هؤلاء العرب لا تستهدفني، إنما هي نموذج عن الثقافة السياسية والنقاش السائد بين عدد كبير من العرب؛ لا معلومات فيه، ولا تباين حول السياسات، مثلا حول جدوى وجود ميليشيات موازية للدولة ومستقلة عنها مثل في العراق ولبنان، أو حول جدوى تنصيب عبد الفتاح السيسي رئيسا برتبة ملك على مصر. هي عصور ظلام يعيشها العرب، ويتنصلون من مسؤوليتهم عن شقائهم بإلقائها على أميركا وإسرائيل وإيران، فهل يعي هؤلاء العرب حاجتهم الماسة للخروج من نفقهم المظلم؟

الخميس، 7 فبراير 2019

انقسام بين الرئيس الأميركي وأركان إدارته حول الميليشيات الموالية لإيران

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بلغ الانقسام ذروته بين الرئيس دونالد ترامب، من ناحية، وكبار مسؤولي إدارته والكونغرس والنافذين المعنيين بالسياسة الخارجية الأميركية في الحزب الجمهوري، من ناحية ثانية. ترامب يسعى لإعلان الانتصار على تنظيم «داعش» في سورية والعراق، وسحب القوات الأميركية من البلدين، فيما غالبية أركان الحزب الجمهوري يصرّون على أن الإرهاب لا ينحصر بـ«داعش»، وأن المجموعات التي تصنفها أميركا إرهابية تتضمن الميليشيات الموالية لإيران في كل من لبنان والعراق وسورية، ما يتطلب بقاء القوات الأميركية لإتمام مهمتها بوقف نشاطات هذه المجموعات المسلحة المتطرفة. 
ويأخذ الجمهوريون الكبار على الرئيس الأميركي أنه، على الرغم من خطاباته العنترية، فإن مواجهته إيران اقتصرت حتى الآن على الانسحاب من الاتفاقية النووية، وفرض عقوبات على طهران. حتى في حيز العقوبات، يأخذ الجمهوريون في الكونغرس على رئيسهم أنه لم يلتزم الأهداف التي كان أعلنها، لناحية تصفير صادرات إيران النفطية. 
مشكلة ثالثة يراها الجمهوريون في ما يصفونه «ضعف سياسة ترامب تجاه إيران» تكمن في «التساهل الذي تبديه واشنطن وتراخيها في الضغط عسكرياً على طهران». يقول المتابعون الأميركيون إن الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق أطلقت صواريخ على القنصلية الأميركية في البصرة، وبدلا من أن ترد واشنطن داخل إيران - حسب ما هدد ترامب إيران مراراً عبر قنوات خلفية - قامت الولايات المتحدة بسحب ديبلوماسييها من المدينة العراقية الجنوبية، وهو ما أرسل رسالة إلى الإيرانيين مفادها بأن ادارة ترامب ليست «أكثر جنوناً» من سابقاتها، ولا هي مستعدة للانخراط في مواجهة مسلحة مع الجمهورية الإسلامية. 
وفي هذا السياق، كتب جون هانا، وهو مستشار الأمن القومي لدى نائب الرئيس السابق ديك تشيني وأحد أركان الجمهوريين المعنيين بالسياسة الخارجية، إنه «بسبب تركيزها الأحادي على الدولة الإسلامية، لم تقم الولايات المتحدة بما يلزم للتصدي للحرس الثوري الإيراني فيما عمل الأخير على تكرار نموذج حزب الله (اللبناني) في العراق، تقوم بموجبه ميليشيات موالية لإيران بتثبيت نفسها في موقع اللاعب الأقوى عسكرياً وسياسياً». 
ويتردد في أروقة القرار في العاصمة الأميركية تقارير مفادها بأن إدارة ترامب كانت توصلت، قبل نحو عام، إلى خطة شاملة لكيفية الانخراط في مواجهة مسلحة ضد إيران، في حال تطورت الأمور وقادت إلى حرب شاملة. لكن استعدادات أميركا وحلفائها لم تنعكس على المواقف الأميركية ضد إيران، وهي مواقف بقيت تعاني من ضعف وتردد، حسب المعنيين. 
وفي واشنطن أيضاً، رصد المعنيون بالسياسة الخارجية تحريضاً تعمل على بثه الفصائل العراقية المؤيدة لإيران، عبر إعلامها في الغالب، ضد القوات الأميركية المنتشرة في العراق والمشاركة في التحالف الدولي للحرب ضد «داعش». 
وكانت آخر التصريحات من المعسكر العراقي الموالي لإيران أشارت إلى نية استهداف هذه الميليشيات للقوات الأميركية، في وقت أعلن الرئيس العراقي برهم صالح، الذي تخاله واشنطن من أقرب حلفائها منذ ما قبل الحرب الأميركية في العراق، أنه توجه بسؤال إلى واشنطن حول مبرر بقاء قواتها في البلاد. 
يعتقد عدد من الجمهوريين العاملين في الكونغرس أن ترامب لا يفهم التعقيدات الجيو استراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، وأن كل ما يهمه هو سحب القوات منها للإيفاء بوعد انتخابي قطعه إبان حملته. وتأتي اعتبارات ترامب السياسية الداخلية على حساب المصلحة الإستراتيجية، فيمضي الرئيس في تقديم وعوده للأميركيين بالانسحاب، فيما يمضي أركان إدارته في التأكيد للمعنيين بالسياسة الخارجية، داخل واشنطن وخارجها، أن الولايات المتحدة متمسكة بمواقفها الخارجية التي تمليها مصالحها. 
ويقوم بعض كبار مسؤولي إدارة ترامب بتكرار تصريحاته في العلن، ومناقضتها في السر، فيما يواصل الرئيس الإصرار على موقفه سحب القوات من دون التصدي لإيران، ويتمسك في الوقت نفسه بإعلانه مواجهتها، ما يزيد في البلبلة بين المعنيين الأميركيين، وكذلك بين واشنطن وحلفائها.

الأربعاء، 6 فبراير 2019

الرئيس الأميركي في خطاب «حال الاتحاد»... غموض حول سورية وسلام مع «طالبان»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في الساعات التي سبقت ادلاء الرئيس دونالد ترامب بخطاب حال الاتحاد، عكف المسؤولون في البيت الابيض على الدردشة مع الصحافيين لاطلاعهم على ما يمكن توقعه في الخطاب الرئاسي السنوي. قال المسؤولون ان الخطاب سيتمحور حول عنوانين رئيسين: الاقتصاد والسياسة الخارجية. واعتبر المشاركون انه من الطبيعي ان يخصص ترامب الجزء الاكبر من خطابه الى الملفين اللذين يعتبرهما في طليعة نجاحات ادارته، ومشدداً على ان «الأمم الكبرى لا تخوض حروبا بلا نهاية». 
الا ان الجزء المخصص للسياسة الخارجية في الخطاب لم يرق الى وعود المسؤولين للصحافيين، فترامب تحدث بشكل مختصر، ولم يعلن اي مواقف جديدة، رغم انه، قبل ساعات من موعد الخطاب، كان مجلس الشيوخ قد وافق - بأكثرية الثلثين غير القابلة للفيتو الرئاسي - على «قانون قيصر»، الذي يفرض عقوبات اضافية على نظام الرئيس بشار الأسد، ما يقضي على امال دمشق بالحصول على اموال اميركية او غربية تحتاجها بيأس لعملية اعادة الاعمار ولحكم سورية في مرحلة ما بعد الحرب. 
وفي «قانون قيصر» ايضاً، نص يفرض على الرئيس ابقاء الفي جندي اميركي ينتشرون في المناطق السورية شرق الفرات، وهي المناطق التي كان يعتمد عليها نظام الأسد كمصدر طاقة ومدخول. 
لكن ترامب حافظ على موقفه القائل بسحب القوات الأميركية في سورية، وان كان وعده بالانسحاب جاء غامضاً في خطابه، من دون تحديد اي تواريخ او تقديم تفاصيل. واكتفى بالاشارة الى ان الولايات المتحدة نجحت في اخراج داعش من 36 الف كيلومتر مربع، وان موعد عودة القوات الأميركية قد حان. 
وقال: «عندما تسلّمت مهماتي، كان تنظيم الدولة الإسلاميّة يُسيطر على أكثر من 50 ألف كيلومتر مربّع في العراق وسورية». 
وتابع: «لقد حرّرنا اليوم كلّ هذه الأرض تقريباً من قبضة هؤلاء القتلة المتعطّشين إلى الدّماء. وفي وقت نعمل جنباً إلى جنب مع حلفائنا لتدمير ما تبقّى من تنظيم الدولة الإسلاميّة، حان وقت التّرحيب بحرارة بأولئك الذين قاتلوا بشجاعة في سورية». 
ولم يتطرق الرئيس الأميركي ابداً الى مصير القوات الأميركية الموجودة في العراق. 
والى غموضه حول سورية، لف الغموض سياسة ترامب تجاه الصراع العربي - الاسرائيلي، فلا حديث عن القمة المخصصة لايران، المقررة منتصف الجاري في بولندا، ولا اشارة الى «صفقة القرن» للسلام التي دأب البيت الابيض على التسويق لها رغم عدم تقديم اي اطر لها او مضمونها، بل اكتفى الرئيس بالاشارة الى تنفيذ وعده بنقل السفارة الأميركية الى القدس، فيما بدا وكأنها خطوة سياسية يسعى من خلالها لحصد تأييد اصدقاء اسرائيل في الانتخابات الرئاسية العام المقبل. 
كذلك، تحدث ترامب باختصار عن ايران «الديكتاتورية الفاسدة»، وان عكف في الوقت نفسه على وصفها بأقسى النعوت الممكنة، وقال: «ادارتي تحركت بشكل حاسم لمواجهة اكثر دولة راعية للارهاب حول العالم، اي النظام الراديكالي في ايران». واضاف «انهم يفعلون اشياء سيئة سيئة». 
وتابع ترامب ان ادارته فرضت اقسى عقوبات ممكنة على ايران، وان الولايات المتحدة لن تشيح بنظرها عن هتافات «الموت لاميركا»، ولا عن التهديدات بالقضاء على الشعب اليهودي. 
الملف الخارجي الوحيد الذي تطرق إليه ترامب ببعض التفصيل هو افغانستان، التي اعتبرها في الشرق الاوسط، رغم ان تصنيف وزارة الخارجية يعتبرها في منطقة جنوب آسيا. وقال ان «حروب الشرق الاوسط دائرة منذ 19 عاماً»، وانها ادت الى مقتل سبعة الاف اميركي وجرح 50 الفاً آخرين، وانها كلفت الولايات المتحدة سبعة تريليونات من الدولارات. 
وقال ان بلاده تتفاوض مع مجموعات متعددة في افغانستان، منها «طالبان»، وان هذه المجموعات - كما الولايات المتحدة - ادركت ان وقت القتال انتهى، وانه حان وقت السلام. وأكد ان مع نهاية حرب افغانستان، يمكن لأميركا ان تخفض عدد قواتها هناك، وان تركز اهتمامها على مكافحة الارهاب. 
وبخصوص فنزويلا، ربط ترامب هذا الملف بالسياسة الأميركية في محاولته تشبيه معارضيه الليبراليين بالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.
وفي تناقض لسياسته القائمة على مبدأ عدم التدخل في نزاعات خارجية، دخل ترامب بقوة على خط الازمة، واعترف برئيس البرلمان خوان غوايدو «رئيسا انتقاليا».
وقال: «لقد ولدنا احرارا وسنبقى أحرار، ونجدد تصميمنا على أن أميركا لن تصبح أبدا بلدا اشتراكيا».
ورفض يساريون من أعضاء الكونغرس مثل هذه المقارنات وقالوا ان دعواتهم الى مساواة أكبر لا تقارن بأي شكل الى الفساد وسوء الادارة في فنزويلا. 
كما حذّر الرئيس الأميركي، الصين، من أنّه لن يعود بإمكانها «سرقة الوظائف والثروة الأميركيّة»، مطالباً بـ«تغييرات هيكليّة» من بكين لإنهاء ممارساتها التجاريّة «غير العادلة».
وقال: «أكنّ الكثير من الاحترام للرئيس (الصيني) شي (جينبينغ)، ونحن نعمل على اتّفاق تجاري جديد مع الصين، لكنّه يجب أن يتضمّن تغييرات هيكليّة حقيقية لإنهاء الممارسات التجاريّة غير العادلة وخفض العجز المزمن لدينا وحماية الوظائف الأميركية». 
وتنتهي في الأوّل من مارس مهلة اتّفق عليها الرئيسان الصيني والأميركي من أجل التوصّل إلى اتفاق لتسوية الخلافات التجاريّة بين البلدين، وإلا فإنّ واشنطن تُهدّد بفرض رسوم جمركية مشددة على شريحة جديدة من البضائع الصينية المستوردة. 
وتعهد الرئيس الأميركي أن تتفوق الولايات المتحدة على روسيا في الانفاق على برامج الصواريخ في غياب اتفاق دوليّ جديد بعد أن انسحب من معاهدة رئيسية تنظم المسألة تعود لحقبة الحرب الباردة. 
وأعلن ترامب الجمعة بدء واشنطن عملية الانسحاب من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى (آي.إن.إف) الموقعة في العام 1987 في غضون ستة أشهر، متعللة بانتهاك موسكو المتواصل للمعاهدة بنشر نظام صواريخ جديد وتجاهل شكاوى واشنطن المتكررة.
وقال: «خلال إدارتي، لن نعتذر أبدا عن وضع مصالح أميركا أولا». وتابع: «من المحتمل أن نتفاوض من أجل اتفاق مختلف بإضافة الصين وآخرين. أو ربما لن نستطيع... وفي هذه الحالة سنتفوق بالانفاق والتطوير على كل الآخرين بفرق كبير». 
وداخلياً، حض ترامب في خطابه، الاميركيين على الوحدة سعياً منه لطي صفحة سنتين من الانقسام الحزبي. 
وفيما كان يمازح أعضاء الكونغرس أحياناً، وفي أحيان أخرى يتحدث باندفاع، قال ترامب «يجب أن نرفض سياسات الانتقام وأن نغتنم الإمكانات اللامحدودة من التعاون والوفاق».
وأضاف: «معاً، نستطيع كسر عقود من الجمود السياسي. يمكننا التغلّب على الانقسامات القديمة، شفاء الجروح القديمة، بناء تحالفات جديدة، تطوير حلول جديدة وإطلاق عنان الوعد الاستثنائي لمستقبل أميركا. اتّخاذ القرار متروك لنا».
وتابع «يُمكننا جعل مجتمعاتنا أكثر أماناً، وعائلاتنا أقوى، وثقافتنا أكثر غنى، وإيماننا أكثر عمقا، وطبقتنا المتوسطة أكبر وأكثر ازدهارا من أي وقت مضى». 
وشدد ترامب على أقوى ورقة في يده أمام الناخبين وهي الازدهار الاقتصادي، قائلا إنه «أفضل اقتصاد في العالم»، داعيا الى مبادرة موحدة لاستئصال مرض الايدز من الولايات المتحدة في غضون عقد من الزمن.
وشدد على أنّ هناك «معجزةً اقتصاديّة تحدث في الولايات المتّحدة، والأشياء الوحيدة التي يُمكن أن توقفها هي الحروب الحمقاء أو السياسة أو التحقيقات السخيفة والمنحازة». وأردف «يجب أن نكون متّحدين في بلدنا لهزيمة خصومنا في الخارج». 
لكن الهدف الرئيسي من الخطاب حيث قاطعه مرات عدة الجمهوريون بالتصفيق الحاد، كان عرض رؤية رئاسية أكثر شمولية استعدادا لانتخابات العام 2020. 
وكان الانقسام ظاهرا منذ دخول ترامب مجلس النواب، حيث تدافع الجمهوريون لمصافحته فيما بقي معظم الديموقراطيين بعيدا عنه.
وحين وصل ترامب الى موضوعه المفضل وهو بناء جدار على الحدود المكسيكية لوقف تدفق المهاجرين غير القانونيين، كان الديموقراطيون يهزون رؤوسهم بغضب. 
وقال «بكلّ بساطة، الجدران تنفع والجدران تُنقذ أرواحاً. لذا، دعونا نعمل معاً على تسوية، ولنتوصّل إلى اتفاق يجعل أميركا آمنة حقّاً». وأضاف بلهجة تحد «سأبنيه» وسط تصفيق حاد من الجمهوريين وصمت من الديموقراطيين. 
كما تعهد الرئيس الأميركي القضاء على فيروس «اتش.آي.في» المسبب لمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) في الولايات المتحدة خلال عشر سنوات.

الاثنين، 4 فبراير 2019

واشنطن في انتظار المواجهة الروسية - الإيرانية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

إذا كان الانطباع السائد لدى القوى المعنية في منطقة الشرق الاوسط بأن نفوذ الولايات المتحدة في انحسار، فهذا يعني أن بعض هذه القوى تتسابق لسد الفراغ الذي ستتركه اميركا. لكن سد الفراع لا يعني بالضرورة تقاسم نفوذ، بل يعني سباقاً حامي الوطيس للتفرد بالزعامة، وهو سباق يدفع المعنيين بالسياسة الخارجية الاميركية للاعتقاد بأن صراعا - سرياً وعلنياً - قد بدأ فعليا بين القوتين اللتين تتسابقان لخلافة الزعامة الاميركية في الشرق الاوسط، أي روسيا وايران. 
أما اللاعب الثالث في السباق الشرق اوسطي، فإسرائيل، التي تتمتع بإمكانيات عسكرية وديبلوماسية واسعة، بما في ذلك شبه احتكار لما تبقى من الانخراط الاميركي في المنطقة. وما يعقّد الصورة اكثر ان ايران أعلنت اسرائيل عدوتها اللدودة، وهو ما أفسح المجال امام روسيا للتعاون مع الاسرائيليين ضد ايران. 
والتعاون الاسرائيلي - الروسي هو ثمرة مبادرات ديبلوماسية اسرائيلية متكررة، حسب المصادر الاميركية، أفضت الى موافقة تل ابيب على بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم، شريطة ان يكون بقاؤه جزءا من السيطرة الروسية التامة والحصرية على سورية، أي ان بقاء الأسد في الحكم في دمشق يشترط النهاية الشاملة لأي وجود ايراني في سورية، عسكري أو ديبلوماسي، أو حتى ثقافي. 
وتتابع المصادر ان الأسد، الخائر القوى بسبب سبع سنوات انهكت قواته وقلّصت عديدها الى ادنى مستوياتها، لم يكن يتمنى ترتيب من هذا النوع. صحيح ان مصلحة الأسد تقضي بوجود تناقضات بين موسكو وطهران، يمكنه الافادة منها وتعزيز موقعه، إلا أن العداء التام بين حليفيه يفرض على الأسد الاختيار، والاختيار هو بمثابة مراهنة على طرف دون آخر، مع عواقب امكانية المراهنة على الطرف الخاسر. 
وحتى الماضي القريب، كان الاعتقاد السائد ان روسيا دعمت الأسد عبر حقها للنقض (فيتو) في مجلس الأمن، وعن طريق تقديم قوة نارية له بفضل مقاتلاتها. أما على الأرض، فكانت ايران هي اللاعب الاكبر، خصوصا بفضل مقاتلي «حزب الله» المنضبط وصاحب الخبرات القتالية العالية. لكن حتى في الايام التي كان الروس والايرانيون يقاتلون كتفا الى كتف في دعم الأسد، ظهرت تباينات بين اهدافهما، فتركت المقاتلات الروسية المقاتلين الموالين لايران والأسد بلا غطاء جوي احيانا، في معارك حاسمة، ما أوقع خسائر كبيرة في صفوف الايرانيين، وما اثبت للايرانيين ان الروس لا امان لهم.
وبسبب ضعف روسيا على الأرض، فهي راحت تعمل على استمالة مقاتلين من داخل جيش الأسد، وفي صفوف العشائر السورية واللبنانية. جهود موسكو هذه اثمرت تأسيس «قوات النمر» بقيادة ضابط من الطائفة العلوية التي ينتمي اليها الأسد اسمه سهيل الحسن، ولقبه «النمر»، وهي قوات تبدو غالبا غطاء محليا لقوات مرتزقة روسية تنتشر في سورية باسم «الشرطة العسكرية». 
هدد وجود النمر زعامة الأسد في الطائفة العلوية وفي سورية عموما، يقول مسؤولون اميركيون، فاقتربت «الفرقة الرابعة»، التي تعمل بإمرة شقيق الأسد ماهر، اكثر فأكثر من الايرانيين و«حزب الله»، وأفضى التنسيق بينهما الى دعم الأسد جهود الايرانيين في اقامة قواعد صواريخ تهدد اسرائيل، وهو ما دفع المقاتلات الاسرائيلية الى الاغارة مراراً على هذه الاهداف التابعة لايران والأسد داخل سورية. وتنقل المصادر الاميركية، عن نظيرتها الاسرائيلية، انه خلال العام الماضي وحده، استهدفت اسرائيل ألفي هدف تابع لايران و«حزب الله» في محيط دمشق ومناطق جنوب سورية. 
كذلك، تنقل المصادر الاميركية، عن نظيرتها الاسرائيلية، والاخيرة نقلاً عن مسؤولين روس، ان «العمل جار» على طرد المقاتلين المؤيدين لايران في سورية، وانه في هذا السياق، اندلعت معارك، ولا تزال، في سهل الغاب ومناطق شمال محافظة حماة الغربي، بين قوات ماهر الأسد و«قوات النمر»، وان القوتين استخدمتا اسلحة ثقيلة، وان «قوات النمر» تفوقت، وانها «لو لم تتفوق، لما ترددت موسكو في تقديم دعم ناري جوي لقوات النمر ضد قوات الأسد». 
ومن علامات الافتراق بين الروس والايرانيين، حسب المصادر، رفض روسيا «اقفال» المجال الجوي السوري امام المقاتلات الاسرائيلية، وهو ما دفع المسؤولين الايرانيين الى التساؤل علناً حول صمت منظومة «اس - 300» الروسية التي سلمتها موسكو للأسد اثناء الغارات الاسرائيلية. 
«يمكن ان موسكو موافقة ضمنيا على الغارات الاسرائيلية ضد اهداف ايرانية في سورية»، تقول المصادر، وتختم «او ان روسيا تعرف انه يمكن للمقاتلات الاسرائيلية تدمير اس - 300، وهو ما يتسبب باحراج لمبيعات الاسلحة الروسية، لذا، تختار روسيا الطرف الاقوى، اي اسرائيل، كحليفة لها في سورية، بدلا من ايران». أما الأسد، «فخياراته محدودة، ومعظمها مر».

السبت، 2 فبراير 2019

المحقق مولر «يتفوّق» على الاستخبارات الروسية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

نجح روبرت مولر، المحقق الخاص في إمكانية تواطؤ الرئيس دونالد ترامب، أو أحد أفراد حملته، مع موسكو أثناء الانتخابات الرئاسية قبل عامين، في كشف حملة شنتها الاستخبارات الروسية من أجل تشويه سمعة التحقيق الخاص. 
وقال مولر، في ادعاء قدمه أمام محكمة أميركية، إن روسيا سعت عبر محامين للحصول على الإثباتات التي استند إليها التحقيق الخاص في إدانة مواطنين روس بتهمة اختراق الحسابات الإلكترونية لعاملين في حملة المرشحة الديموقراطية السابقة للرئاسة هيلاري كلينتون. 
ويسمح القانون الأميركي للدفاع بالحصول على شواهد الادعاء، على شرط المحافظة على سرية هذه الشواهد. 
لكن الطرف الروسي حصل على الملفات التي قدمها مولر للدفاع، وقام بالتظاهر وكأن مهكرين روس نجحوا في اختراق كومبيوترات التحقيق الخاص والحصول على ملفات سرية. وحاول الروس التواصل مع صحافيين أميركيين لإقناعهم باستخدام الملفات، التي تظهر أن شواهد مولر ضعيفة ولا تستند إلى الكثير. 
على أن مولر، الذي سبق أن أدار مكتب التحقيقات الفيديرالي (اف بي آي) على مدى عشر سنوات، قدم ملفات غير حساسة، وحرص على إضافة إشارات إلكترونية سرية إليها. ولما قامت الاستخبارات الروسية بكشف الملفات إلى العلن، في أكتوبر الماضي، تمكن مولر من إثبات أن الملفات المكشوفة هي الطعم الذي أعطاه هو للدفاع. بناء عليه، طلب مولر من المحكمة الأميركية منع حصول أي دفاع روسي على اي ملفات في حال وجود المدعى عليهم خارج البلاد. 
وبالتفافه هذا، أظهر مولر براعة استخباراتية عالية، ونجح في تأكيد أن روسيا تسعى، ولم تتوقف، إلى التدخل في الشؤون الداخلية الأميركية، بما في ذلك الانتخابات الماضية، والأرجح المستقبلية. 
وتزامن الفشل الاستخباراتي الروسي، في تقويض مصداقية مولر وتحقيقه، مع حملات شنها ترامب ضد المحقق الأميركي، واصفاً التحقيق بـ«صيد ساحرات»، ومتهماً مولر بأنه من الديموقراطيين من أصحاب النيات المبيتة ضد الرئيس الأميركي. 
لكن استطلاعات الرأي، التي تظهر انحدار تأييد ترامب إلى أدنى مستوياته ليصل قرابة 30 في المئة، تظهر أيضاً أن غالبية ساحقة من الأميركيين تعتقد أن مولر يتمتع بمصداقية عالية، وهو ما يعقّد مهمة ترامب في محاولة نسف التحقيق استباقياً، خشية من توصله لكشف فضائح تطول ترامب أو أحد أفراد عائلته. 
وفي هذا السياق، كان فريق التحقيق قام باعتقال أحد أكثر المقربين إلى ترامب، المدعو روجر ستون، الذي كان تنبأ في تغريدة أن موقع «ويكيليكس» سيكشف أسراراً تتعلق بجون بودستا، رئيس حملة كلينتون الانتخابية في حينه. وقام بالفعل الموقع، الذي تعتبره وكالات الاستخبارات الأميركية موقعا عميلا لنظريتها الروسية، بنشر البريد الإلكتروني لبودستا. ومع توجيه الاتهامات إليه، رد ستون أن تغريدته النبوءة التي أوردها في تغريدته كانت مجرد مصادفة. لكن يبدو أن بحوزة مولر عدد كبير من الإثباتات، بما فيها اتصالات إلكترونية وهاتفية، تؤكد تورط كل من ستون ودونالد ترامب الابن في التواصل مع «ويكيليكس». 
وما يزيد في تعزيز صورة ترامب كعميل روسي قيام الرئيس الأميركي بعقد لقاءات فردية، على مدى العامين الماضيين، مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في غياب أي مسؤول أميركي، باستثناء المترجمة، التي أمرها ترامب بتسليمه الملاحظات التي دونتها فور انتهاء اللقاء، وطلب منها عدم الإفصاح عما سمعته، حتى لأرفع المسؤولين في إدارته.