الأربعاء، 27 نوفمبر 2019

غالبية واشنطن ضد أردوغان... حوّل تركيا إلى «إيران لايت»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في وقت كان كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية يتدارسون إمكانية فرض عقوبات اقتصادية على تركيا، بسبب قيامها بتشغيل منظومة الدفاع الصاروخية الروسية «اس 400»، والتي يدّعي الأميركيون أنها تهدد مقاتلاتهم وتكشف أسرارها، نشرت وكالات الأنباء العالمية، نقلاً عن مسؤولين أتراك، أن أنقرة ترفض مساندة خطة داخل حلف شمال الأطلسي لدعم دول البلطيق وبولندا ضد التهديدات العسكرية الروسية، ما لم يوافق التحالف على دعم الاجتياح التركي لمناطق الأكراد شمال شرقي سورية، وعلى تمويله ورشة لبناء وتوطين مليونين من اللاجئين السوريين، الذين تنوي أنقرة اعادتهم من تركيا الى مناطق سورية تسيطر عليها. 
وفي النقاش الجاري حول تركيا، يرى المسؤولون الأميركيون ان تركيا صارت بمثابة «حصان طروادة» داخل «الأطلسي» لمصلحة روسيا، وان من مصلحة «الناتو» طرد أنقرة. ويعتبرون في الوقت نفسه، ان الأوروبيين يخشون طرد أنقرة من التحالف لأسباب متعددة، منها قدرتها على فتح باب تدفق اللاجئين غير الشرعيين الى أوروبا، ومنها قدرة الرئيس رجب طيب أردوغان على تحريك بعض الجاليات التركية المقيمة في الدول الاوروبية، خصوصا في ألمانيا، لإثارة القلاقل. 
على أن الولايات المتحدة، حسب مسؤوليها، لا تخشى تركيا، ويمكنها على الأقل تعليق عضويتها من دون طردها، وهو ما يعني إخراج الضباط الأتراك من التنسيق الاستخباراتي والأمني والعسكري داخل «الأطلسي». كما يمكن لواشنطن ممارسة ضغوطات، من قبيل فرض عقوبات مالية واقتصادية على حكومة أنقرة ومسؤوليها. 
وكان تشغيل انقرة لمنظومة «اس 400» أدى لخسارة الليرة التركية نصف نقطة مئوية من قيمتها أمام العملات الاجنبية، وهو ما يعكس هشاشة اقتصاد تركيا ووضعها المالي، خصوصا في حال تعرضها لعقوبات أميركية.
وعلى الرغم من تغاضي الرئيس دونالد ترامب عن تصرفات أردوغان، واقتراب الأخير من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلا أن غالبية حزب ترامب الجمهوري، ومعهم الديموقراطيين، صاروا ينفرون من أردوغان، ويصفون تركيا بأنها أصبحت «إيران لايت»، أي «نسخة مخففة من إيران»، لناحية إيذائها المصالح الغربية والأميركية. 
ولطالما تغنى الجمهوريون، وفي طليعتهم المؤرخ برنارد لويس، بالديموقراطية التركية، ضارباً إياها كمثال على إمكانية التعايش بين النصوص الإسلامية والديموقراطية الحديثة. لكن موقف الجمهوريين اليوم صار مختلفاً، وصار تأييد أنقرة في واشنطن يقتصر على ترامب وبعض العاملين في اللوبي التركي والأتراك الأميركيين. 
وفي هذا السياق، كتب كبير الباحثين في معهد كاتو اليميني، دوغ بانداو، انه باستثناء ترامب، والعدد الكبير من الأميركيين ممن يعملون في لوبيات مؤيدة لاردوغان، والاتراك الأميركيين ممن يتمسكون بولائهم للوطن الأم، «لم يتبق لأنقرة إلا عدد قليل من الأصدقاء في واشنطن».
ويتهم بانداو، أردوغان باقامة «ديكتاتورية ناعمة». ويقول انه «مع مرور الوقت، نمت قسوة السلطان الحديث (أردوغان)، ونما معه جنون العظمة». 
ويتابع بانداو، في مقالة في مجلة «ناشونال انترست»، ان الانقلاب الفاشل ضد أردوغان في العام 2016 «شكّل حادثة مشابهة لحادثة حريق الرايخستاغ لأدولف هتلر، وهو حريق قدّم ذريعة وفرصة لهتلر لسحق خصومه». 
في تركيا، يقول الباحث الأميركي: «تم اعتقال عشرات الآلاف وسجنهم، وإطلاق النار عليهم أو اضطهادهم». ويضيف: «وفي وقت سابق من هذا العام، وللمرة الأولى في تاريخ تركيا، رفض أردوغان قبول نتيجة انتخابات شرعية بسبب خسارة حزبه العدالة والتنمية رئاسة بلدية إسطنبول، كبرى مدن تركيا، وأجبر المدينة على إعادة إجراء الانتخابات، فخسرها بهامش اكبر من الأصوات». 
ويختم: «مع ذلك، فيما يبدو أن ظهر أردوغان للحائط، انتخابياً، إلا أن غزوه الأخير لسورية نال استحسانا عابرا للتيارات السياسية». 
ووسط الدعوة لتعليق عضوية تركيا في «الناتو» وفرض عقوبات اقتصادية عليها، علت أصوات أميركية تطالب بسحب نحو 50 صاروخاً نووياً تنشرها الولايات المتحدة في قاعدة انجرليك في جنوب شرقي تركيا. ويخشى الأميركيون أن يعمد أردوغان الى أخذ هذه الصواريخ «رهينة» وابتزاز أميركا والعالم للموافقة على حصول أنقرة على أسلحة نووية، وأن يصرّ على عدم الإفراج عن هذه الصواريخ ما لم يوافق العالم على ذلك.

الثلاثاء، 26 نوفمبر 2019

اتساع دائرة الأميركيين المطالبين بدعم الجيش اللبناني

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تحركت في واشنطن مجموعات معنية بالملف اللبناني تعارض سياسة الإدارة الأميركية تجاه بيروت، وتعارض كذلك الرؤية الإسرائيلية تجاه لبنان، وهي مجموعات تطالب بمواصلة أميركا دعم الجيش، وبدعم الحكومة اللبنانية، في حال أظهرت إصلاحات جدية تخرج البلاد من المأزق الاقتصادي الذي تعيش فيه.
ومن هذه المجموعات المعارضة لقيام إدارة الرئيس دونالد ترامب، بتعليق المساعدات العسكرية الى لبنان، والبالغة قيمتها 105 ملايين دولار سنوياً، برز السناتور الديموقراطي كريس مورفي عن ولاية كونيتيكيت، الذي وصل بيروت للقاء قادة الجيش اللبناني، و«تقييم الأوضاع»، وتقديم تقرير بملاحظاته الى لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، التي يشغل عضويتها. 
وسبق لمورفي أن زار أوكرانيا، التي كانت إدارة ترامب علّقت مساعداتها السنوية البالغة 400 مليون دولار إليها. وبسبب الجدل الذي أثاره تعليق ترامب المساعدات لكييف، صار تعليق الرئيس الأميركي المساعدات الى بيروت في عين العاصفة السياسية في العاصمة الأميركية.
والسياسة الأميركية الحالية تجاه لبنان هي الأقرب الى وجهة النظر الإسرائيلية القائلة بمعاملة لبنان على انه محافظة إيرانية، وفرض عقوبات مالية على دولته والمسؤولين فيه، وتعليق كل المساعدات الى الجيش. كذلك يطالب أصدقاء إسرائيل الأميركيون بوقف الولايات المتحدة مساهمتها البالغة نصف مليار دولار سنويا لتمويل عمل 15 ألفاً من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، والمنتشرة جنوب لبنان تحت اسم قوة «اليونيفيل». 
ويعتبر الإسرائيليون، ومعهم غالبية مسؤولي إدارة ترامب، أن «اليونيفيل» فشلت في تأدية المهمة الموكلة اليها، والقاضية بتنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 1701، اي ابقاء سلاح «حزب الله» شمال نهر الليطاني. ويعتقد أصدقاء إسرائيل أن من ابرز دلائل فشل القوات الأممية، فشلها في وقف قيام الحزب بحفر أنفاق، تدّعي الدولة العبرية بأنها تصل جنوب لبنان بشمال إسرائيل، يمكن لمقاتلي الحزب استخدامها، في أي حرب مقبلة، لشن هجمات خلف خطوط الجيش الإسرائيلي، على غرار ما فعلته حركة «حماس» في غزة أثناء بعض المواجهات بين الطرفين. 
والسناتور مورفي من معارضي إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، أو اعترافه بالجولان السوري المحتل كجزء من إسرائيل. كما يعارض «التفسير القانوني» الجديد الذي استنبطته وزارة الخارجية، واعتبرت فيه أن قيام إسرائيل ببناء مستوطنات في الضفة الغربية ليس مخالفا للقانون الدولي بل خاضع للتسوية النهائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وسط هذا التباين، بين مورفي ومواقف إدارة ترامب تجاه لبنان وإسرائيل، يسعى السناتور الى حض الكونغرس على الضغط على الإدارة الأميركية للعودة الى سياسة خارجية يجمع عليها الحزبان، تكون سياسة خارجية داعمة للقوانين الدولية وللحكومات الحليفة، وتعوّل على التعاون مع القوات النظامية حول العالم لتثبيت الأمن في دولها.
وفي مدرسة السياسة الخارجية التي ينتمي إليها مورفي، ان الاستقرار هو في مصلحة الولايات المتحدة والديموقراطيات حول العالم، وان الحروب الأهلية والمواجهات تنجب فوضى وميليشيات والمزيد من عدم الاستقرار. ومن هذه المدرسة مساعد وزير الخارجية السابق والسفير السابق في لبنان، جيفري فيلتمان، الذي كان دعا الأسبوع الماضي، أثناء إدلائه بجلسة استماع في الكونغرس، الى استئناف المساعدة الى الجيش اللبناني، ودعم دولة لبنان حتى تثبت الأمن، مكرراً أن الحروب الأهلية هي البيئة المثلى لقيام الميليشيات وانتشارها، وهو ما يقوّض من استقرار الدول وأمنها، وتاليا الأمن العالمي.
ويعتبر مورفي ومن يشاركونه الرؤية في السياسة الخارجية، أنه لا يمكن لأي إدارة حجب المساعدات الخارجية التي يوافق عليها الكونغرس، إذ تصبح المساعدة بمثابة قانون يجبر الإدارة على تنفيذه.

ثورات أم مؤامرات؟

حسين عبدالحسين

في العقل "الممانعاتي"، أي عقل العرب والإيرانيين المنخرطين في "مشروع المقاومة"، لا ثورات في العالم إلا ثورتين، الإيرانية في العام 1979 والبحرينية في العام 2011، وهما ناجمتين عن وعي غالبية شعبية ضد طاغية محلي محمي بالاستكبار العالمي والإمبريالية، حسب "الممانعاتيين"، الذين يعتقدون أن الإيرانيين والبحرينيين هم وحدهم بين الشعوب ممن انتفضوا نتيجة وعيهم، لا نتيجة تحريض إمبريالي مؤمراتي.

لكن "الممانعاتيين" أنفسهم يصرّون أن التحريض الإمبريالي هو الذي أشعل ثورات لبنان في 2005 و2019، وإيران 2009 و2019، وسوريا 2011، والعراق 2019.

وفي العقل "الممانعاتي"، ثار اللبنانيون والإيرانيون والسوريون والعراقيون، إما بسبب غبائهم وعدم إدراكهم "حجم المؤامرة" التي تستهدف "مشروع المقاومة"، أو ثاروا بسبب سفالتهم وعمالتهم للاستكبار الإمبريالي ولمصالحهم الشخصية.

أما لو كان ثوار لبنان وإيران وسوريا والعراق مدركين "حجم المؤامرة" ويعملون بوطنية وضمير، فمن المستحيل أن يتوصلوا لنتيجة غير الانخراط في محور "الممانعة" ودعم "المقاومة".

لذا، على "الممانعاتيين" تحذير من يخالفهم الرأي من مغبة ما يفعلونه، إن كانوا لا يعلمون، ثم ضربهم أو اعتقالهم، أو حتى التخلّص منهم، إن كانوا يعلمون ما يفعلون ويمعنون في ثوراتهم.

هذا يعني أن "المقاومة" هي فكرة توتاليتارية شمولية، لا تسمح بتعدد الآراء، وإن سمحت به، فتسمح بتعدد الآراء في شؤون سعر البيض أو موسم التفاح، لكن أن يكون لدى أي لبناني أو إيراني أو سوري أو عراقي رأي في السياسة الخارجية مخالف لرؤية "المقاومة" حول مواجهة الاستكبار العالمي والاستعمار والإمبريالية، فخيانة تستحق كل أنواع العقاب.

وفي العقل "الممانعاتي" روايات تاريخية مزيفة منسوجة لتتناسب والسياسة الحالية لهذا المحور، فالثورة الإيرانية في العام 1979 لم تكن لتنجح لولا الدعم الغربي الإمبريالي للإسلام السياسي في حينه، بجناحيه السني في أفغانستان ودول العرب والشيعي في إيران، لمواجهة الشيوعية. اعتقد الغرب، أثناء الحرب الباردة، أن الوسيلة الأفضل لمواجهة الشيوعية وإلحادها هي دعم الأديان سياسيا، فراحت أميركا تمد مجاهدي أفغانستان بالدعم العسكري والمادي لمواجهة الاجتياح السوفياتي.

ومثل في أفغانستان، كذلك في إيران، خشيت الدول الغربية أن يؤدي انهيار نظام الشاه رضا بهلوي المريض، الذي غادر البلاد مطلع 1979، إلى قيام نظام شيوعي. هكذا، وصل طهران، بعد رحيل الشاه بأسبوعين، الخميني، آتيا من باريس على متن الخطوط الجوية الفرنسية وبرفقة أكثر من مئة إعلامي.

لماذا لم يمنع الغرب الخميني من السفر من فرنسا إلى إيران؟ الإجابة تكمن في أن الغرب كان يستعجل وصول الخميني طهران بعد خروج الشاه، لأن المحرك الأول للثورة الإيرانية كان حزب تودة، الشيوعي الإيراني، الذي كان يعمل بدعم سوفياتي.

وللمزيد من الدلالة على أن الخميني لم يكن معارضا للغرب عند اندلاع الثورة هو بقاء السفارة الأميركية مفتوحة وتعمل قرابة تسعة أشهر بعد وصوله طهران، ولو كانت الثورة الإيرانية ضد أميركا لأنها راعية الشاه، لكان الخميني أغلق سفارتها يوم وصوله.

على أن الخميني كان في سباق مع الشيوعيين للإمساك بالثورة، وهو ما دفعه للالتفاف عليهم وعلى خطابهم المعادي للإمبريالية بدفعه جماعته لاحتلال السفارة الأميركية وأخذ الدبلوماسيين رهائن.

ولمزيد من الدلالة أن أميركا كان ترغب في مصادقة نظام الخميني، لقاء مستشار الأمن القومي زبيغينيو بريزنسكي رئيس الحكومة الإيرانية مهدي بزركان في الجزائر في 1979، ثم زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي بد ماكفرلاين طهران في العام 1986 ولقائه مسؤولا في النظام كان اسمه حسن روحاني، الذي صار اليوم رئيسا.

وبعد ريغان، تواصل جورج بوش الأب مع إيران لتحييدها عن حرب تحرير الكويت من العراق، وحاول كلينتون الانفتاح على الرئيس المعتدل حسن خاتمي. وفي عهد بوش الابن، كانت اتصالات بين ريان كروكر ونظرائه الإيرانيين في جنيف، وبعدها في بغداد، للتنسيق في حربي أفغانستان والعراق. ثم كان مجيء أوباما إلى رئاسة أميركا، وارتمائه في احضان إيران، التي وقّعت عقودا بقيمة 30 مليار دولار لشراء طائرات بوينغ الأميركية. ثم وصل ترامب ونسف العلاقة مع إيران.

لا صداقة بين إيران وأميركا، لكن لا عداء على الشكل الذي يصوّره العقل "الممانعاتي". جلّ ما تفعله إيران هو السعي للتوصل لتفاهمات مع أميركا في السرّ، ومواصلة طهران التحريض الشعبوي ضد الولايات المتحدة في العلن، لأن الصراخ ضد الاستعمار والإمبريالية يسمح لـ "محور الممانعة" بالاستمرار في نهج طغيانه وتوتاليتاريته الشمولية.

والإمبريالية حجّة يستخدمها طغاة الشعوب لإخافة ناسهم واتهامهم بالعمالة "للسفارات" وقمعهم، فالإمبريالية عمرها من عمر الحضارة، وبدونها، لم تكن الإسكندرية لتحصل على اسمها من اسكندر المقدوني، وبدون المساعدة الفرنسية لم تكن الثورة الأميركية لتقتلع الحكم البريطاني، وبدون المساعدة الأوروبية، لم يشقّ المصريون قناة السويس، ولا فكّوا لغز لغة الفراعنة، وبدون الإمبريالية الإوروبية، لما زال حكم الأتراك للعرب، ولما قامت دول لبنان وسوريا والعراق وفلسطين، ولما قامت بعدهم إسرائيل.

لم تحسب أميركا والغرب أن دعم الإسلام السياسي سيرتد عليها يوما، وسيكلفها حربا معقّدة على الإرهاب ومواجهة طويلة مع إيران. على أن الدعاية الإيرانية سعت إلى تشويه التاريخ بتصوير أن أميركا دعمت مجاهدي أفغانستان السنّة ضد إيران وإسلامها الشيعي، وهو أمر غير صحيح. أميركا دعمت نشوء الاثنين، بن لادن والخميني، وعانت من عواقب ذلك. ثم قضت أميركا على بن لادن، وفرضت حصارا اقتصاديا خانقا على خلفاء الخميني.

أما ثورات الناس ضد الإسلام السياسي الشيعي في لبنان وسوريا والعراق وإيران، فلا علاقة له بالحرب الباردة، ولا بالحرب على الإرهاب، بل ثورة ضد نموذج بالٍ من الحكم، يسلّم مصير الشعب إلى الماورائيات، ويسلّم إدارة البلاد إلى رجال دين لا يفقهون في الاقتصاد، ولا في الإدارة، ولا في اللغات، ولا في العلاقات الدولية، ولا في التاريخ، بل جلّ ما يعرفونه هو قصص عن أساطير خارقة، فتختلط الحقيقة بالخيال، وتختلط لقمة عيش الناس بالخطابات والبلاغة والكلام الفارغ.

الخميس، 21 نوفمبر 2019

السفير سوندلاند دمّر رواية ترامب وثبّت محاولة ابتزاز أوكرانيا

 واشنطن - من حسين عبدالحسين

«السفير سوندلاند دمّر رواية (دونالد) ترامب والحزب الجمهوري»... بهذه الكلمات اختصر عضو الكونغرس الجمهوري جستن عمّاش، الفلسطيني الأصل، شهادة سفير الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي غوردون سوندلاند، الذي قال بصراحة إن ترامب وكبار أركان إدارته، وفي طليعتهم نائبه مايك بنس ووزير خارجيته مايك بومبيو ورئيس موظفي البيت الأبيض ميك مولفاني، كانوا يعلمون بالضبط عن الحملة التي قادها الرئيس الاميركي للضغط على أوكرانيا وابتزازها من أجل إعلانها بدء تحقيقاتها لإثبات إشاعة مفادها بأن كييف، لا روسيا، هي التي تدخلت في انتخابات العام 2016 الرئاسية، وكذلك لتصوير منافسه الديموقراطي للرئاسة ونائب الرئيس السابق جو بايدن على أنه فاسد ودعم فساد نجله هنتر في كييف.
شهادة سوندلاند توجّت اقتراب «عملية الخلع»، التي كانت أطلقتها رئيسة الكونغرس نانسي بيلوسي في 24 أكتوبر الماضي، من شهرها الثاني، وزادت من متاعب ترامب والموالين له من الجمهوريين، ونسفت كل محاولات دفاعهم عن الرئيس وإثبات براءته.
وكان ترامب هو الذي صمم حملة الدفاع بنفسه ولوحده، وبناها على عدد من العناصر، أهمها انه لم يسع الى ابتزاز أوكرانيا بالضغط عليها وتهديدها بوقف المساعدة العسكرية لها في حال تقاعست عن إعلانها بدء التحقيقات، وثانيها انه لا يعترف بالتحقيقات التي تجريها اللجان في مجلس النواب، وثالثها هجومه على الشهود ومحاولته الطعن بمصداقيتهم ووطنيتهم، واتهام شهاداتهم بأنها ليست شهادات عيان، بل نقل عما سمعوه من آخرين، وانهم من الأميركيين «المعادين لترامب» والموجودين في صفوف الحزبين الديموقراطي والجمهوري. 
كما حاول ترامب وصف من شهدوا ضده على انهم ينتمون الى «الدولة العميقة» المعادية لرئاسته، وان الشعب الأميركي انتخبه أصلاً للتخلص من هذه «الدولة العميقة» وتجفيف منابع الفساد فيها.
لكن سوندلاند وحده نسف كل دفاع ترامب، اذ سبق لرجل الأعمال الثري الذي يملك شبكة فنادق ومصرفا تجاريا، أن تبرّع بمبلغ مليون دولار لحملة ترامب الانتخابية، وهو ما حمل ترامب على مكافأته بتعيينه سفيرا لدى الاتحاد الأوروبي، ما يعني أن سوندلاند من أنصار ترامب، وليس من «المعادين» له. 
ثم أن تعيين سوندلاند، هو تعيين سياسي، أي من خارج وزارة الخارجية، ما يعني أن السفير لا ينتمي الى «الدولة العميقة»، التي تتألف عادة من موظفي الدولة من غير المعينين سياسياً. ثم ان سوندلاند شهد، بعد ان أقسم اليمين، أن ترامب هو الذي أدار حملة الضغط على أوكرانيا لابتزازها وإجبارها على تثبيت إشاعات تدحض التدخل الروسي في الانتخابات، وهو تدخل مؤكد في أحكام قضائية صادرة عن المحاكم الأميركية، ولادانة خصمه السياسي، وتاليا الافادة شخصيا.
ولفداحة المشكلة، وجد ترامب نفسه مضطراً لتجاهل إعلانه أن التحقيقات هي «صيد ساحرات» وألاعيب سياسية ديموقراطية ضده، فكتب بياناً مقتضباً بخط يده، وقرأه أمام الإعلاميين في البيت الأبيض، معلّقاً على شهادة سوندلاند بالقول إن المكالمة التي جرت بينهما، فيما كان سوندلاند في كييف، والتي سأل السفير خلالها الرئيس عمّا يريده من الحكومة الأوكرانية، فكان رد ترامب: «لا أريد شيئاً، لا أريد شيئاً، لا أريد (ضغط مقابل تحقيقات) ابتزاز أوكرانيا. أخبر (فولوديمير) زيلينسكي أن يفعل ما هو صائب. هذا آخر كلام رئيس الولايات المتحدة».
وقد تمكن مصور كان في البيت الأبيض الأربعاء، من التقاط صورة لملاحظات الرئيس المكتوبة بخط اليد. 
على ان تعليق ترامب عمّق من مأزقه، فالاتهام بالابتزاز جاء من الديموقراطيين بعد افتضاح أمر المكالمة بين الرئيس الأميركي والرئيس الأوكراني. وفي قول ترامب انه أجاب سوندلاند انه لا يريد شيئاً من أوكرانيا، ما يناقض ما سبق لترامب أن أعلنه، وورد في نص المكالمة بينه وبين زيلينسكي في 25 يوليو الماضي، انه يريد ان يرى كييف تكافح الفساد.
وكانت سبقت شهادة سوندلاند المدوية شهادات من شهود عيان استمعوا لمكالمة ترامب مع زيلينسكي، يوم الثلاثاء. وكان الأول الكسندر فيندمان، وهو كولونيل في الجيش كان يعمل في مجلس الأمن القومي، مسؤولا عن الملفين الروسي والأوكراني، والثانية جينيفر وليامز، وهي مساعدة نائب الرئيس مايك بنس. وقال الاثنان انهما أدركا، أثناء استماعهما للمكالمة، أنها غير قانونية. وحاول الرئيس الانتقاص من وطنية الكولونيل، وهاجمه أثناء إدلاء بشهادته، واتهمه بالعمالة لوطنه الأم، أي أوكرانيا. 
وفيندمان ابن مهاجر أوكراني من الاتحاد السوفياتي، وصل أميركا في الرابعة من عمره.
على أن الجمهوريين، المعروفين بتأييدهم المطلق للجيش وللعاملين فيه، امتعضوا من هجمات ترامب ضد فيندمان، وراح المشرعون الجمهوريون في لجان الكونغرس يشيدون بخدمته العسكرية، أثناء الجلسة. ثم ان فيندمان بدا مستعدا بشكل أفحم كل مستجوبيه من الجمهوريين ممن حاولوا التشكيك بأدائه واتهامه بتسريب ما يعرفه في البيت الأبيض إلى الإعلام.
وفي جلسات الثلاثاء أيضاً، استدعى الجمهوريون شهوداً اعتقدوا أن شهادتهم ستصب في مصلحة رواية ترامب والحزب الجمهوري، مثل المبعوث الخاص الى أوكرانيا. لكن شهادة كيرت فولكر دحضت ادعاءات الجمهوريين، إذ نفى أن يكون ابن بايدن قد ارتكب أي عمليات فساد في أوكرانيا، ونفى أن تكون كييف هي التي تدخلت في انتخابات 2016، وشدد على اتهام روسيا بذلك، وهو ما أكد رواية الديموقراطيين وزاد من مأزق ترامب والجمهوريين.

الأربعاء، 20 نوفمبر 2019

فيلتمان: التظاهرات كسرت هالة «حزب الله»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في محاولة منه لإقناع الكونغرس والإدارة الأميركية، بأهمية لبنان وبضرورة أن تولي واشنطن اهتماماً به، قال مساعد وزير الخارجية السابق والسفير الأميركي السابق في بيروت جيفري فيلتمان، ان تظاهرات لبنان، المتواصلة منذ 17 أكتوبر الماضي، «ساهمت في كسر الهالة» التي كان يتمتع بها «حزب الله»، وفي تقويض صورة أمينه العام حسن نصرالله. 
وقال فيلتمان، اثناء جلسة استماع أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس أول من أمس، إن نصرالله قال إن الحكومة لن تستقيل، واستقالت الحكومة، وانه طلب من المتظاهرين، خصوصا الشيعة منهم، العودة الى منازلهم، فاستمرت التظاهرات، معتبراً ان التظاهرات «كسرت كلمة نصرالله وصورة حزبه على انه لا يقهر». 
وتابع المسؤول السابق ان «إصرار نصرالله على بقاء الرئيس ميشال عون في منصبه، ورفضه اقتراح إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، شوّه صورة حزب الله بشكل لا يمحى، وربطه بالمؤسسة السياسية، وبرائحة الفساد الذي يريد المتظاهرون القضاء عليه»، مضيفاً انه «لم يعد باستطاعة الحزب أن يدعي أنه نظيف، لأن مشاركته في الحكومة المحتقرة اليوم، قوضت صورته على انه الجهة التي تقدم الخدمات بشكل أكثر فعالية من الآخرين». 
واعتبر أن من حيث الانطباع الشعبي حول دور الحزب سياسياً، فإن «حزب الله هبط إلى نفس كومة القمامة مثل الأحزاب اللبنانية الأخرى التي خسرت أي مصداقية لها». 
وفي الجلسة، التي شارك فيها خبراء آخرون منهم اللبنانية حنين غدّار، من معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى، خالف فيلتمان موقف الإدارة الذي علّقت بموجبه المساعدة السنوية البالغة 100 مليون دولار للجيش اللبناني، معتبراً أن دعم واشنطن للجيش ساهم في رفع حرفيته. 
كما حذّر فيلتمان من دعوة الجيش الى نزع سلاح «حزب الله»، لأن اي خطوة من هذا النوع «ستؤدي الى حرب أهلية في لبنان، والحرب الأهلية هي البيئة التي تنتعش فيها إيران وتنشر فيها الميليشيات الموالية لها، بالنظر الى تجارب لبنان والعراق وسورية». 
وهاجم فيلتمان، الذي يعمل اليوم في معهد بروكنغز، عون وصهره وزير الخارجية جبران باسيل، وقال إن حزبهما قدم غطاء لتصوير «حزب الله» على انه يتمتع بدعم شعبي عابر للطوائف، «لكن التظاهرات قضت على أي رصيد سياسي لعون وباسيل، وهو ما سيحوّلهما الى عبء سياسي على حزب الله». 
وأكد أن على الولايات المتحدة الاقتناع بأن استقرار لبنان يخدم المصلحة الأميركية، وأنه على واشنطن إعادة الانخراط في شؤون هذا البلد، والإفادة من الزخم الشعبي المؤيد للإصلاح، كما حصل في العام 2005، يوم بنت واشنطن على التظاهرات العارمة لتقديم خيارات أجبرت الرئيس السوري بشار الأسد على سحب قواته من لبنان بعد 29 عاماً على احتلاله. 
ويعتقد فيلتمان أن «تظاهرات لبنان اليوم أهمّ بكثير من تظاهرات 2005، إذ أنها عابرة للطوائف، وتتمحور حول شؤون داخلية، لا إقليمية أو دولية».
وسأل «هل نريد حقاً أن يأخذ الروس كامل شرق البحر المتوسط»؟، ومضيفاً «سأقول لا . الروس يريدون ان يكونوا هناك وسيذهب الروس الى ملء الفراغ في حال لم نكن هناك»، موصياً بأن «نجد طرقًا علنية لتجنيب لبنان الانهيار المالي أو السياسي». 
وختم فيلتمان بالإشارة الى أن مشاكل لبنان تبدو كبيرة للبنانيين، لكنها فعليا صغيرة في سياق إقليمي وعالمي، لافتاً إلى أن مساحة لبنان أصغر من مساحة مدينة نيويورك، وأن عدد سكانه، حتى مع اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، يبلغ سبعة ملايين على الأكثر، فيما يبلغ عدد سكان نيويورك الكبرى 20 مليوناً، ومع ذلك، يعاني لبنان من غياب الخدمات الأساسية، كغياب التيار الكهربائي وعدم جمع القمامة بشكل مقبول. 
بدورها، قالت غدّار إن «حزب الله قلق من أن تشكّل حكومة جديدة مستقلة الخطوة الأولى لعزله سياسياً، وتالياً نزع سلاحه». 
وأضافت أنه في حال واصل الحزب تهديداته للمتظاهرين، خصوصا في المناطق التي لا توجد فيها غالبية شيعية من السكان، من شأن ذلك أن يحوّل المتظاهرين إلى معادين لإيران. 
«لتفادي هذا الامر، لجأ الحزب لاستخدام نفوذه داخل مؤسسات الدولة - خصوصاً داخل مخابرات الجيش - لقمع المتظاهرين»، بحسب قولها.

الثلاثاء، 19 نوفمبر 2019

جمهوريون وديموقراطيون يدعون ترامب لدعم انتفاضة إيران

واشنطن - من حسين عبدالحسين

ألا تتحرك الولايات المتحدة لدعم التظاهرات الشعبية في لبنان، أمر مفهوم لدى المعنيين بشؤون السياسة الخارجية في العاصمة الأميركية، فلبنان - باستثناء دور «حزب الله» الاقليمي والحدود المستتبة حالياً مع اسرائيل - لا اهمية استراتيجية تذكر له. لكن ان تمر ايام والمتظاهرون يهزّون النظام الحاكم في إيران، احدى الدول التي تنغض على الولايات المتحدة سياساتها الخارجية، فهو أمر حاز على انتباه الطبقة السياسية الأميركية بأكملها، باستثناء دائرة القرار فيها، اي البيت الابيض.
ولطالما أبدى الرئيس دونالد ترامب، المنهمك في التحريض ضد «عملية الخلع»، التي تقودها الغالبية الديموقراطية ضده في مجلس النواب، عدم اهتمامه بمعظم الشؤون الدولية، التي كانت تثير اهتمام اسلافه، باستثناء أمرين: إسرائيل وايران.
ويشير المتابعون في العاصمة الأميركية، إلى ان لدى ترامب فكرة واحدة حول كيفية التعامل مع الملف الايراني، او اي موضوع دولي آخر، ان كان كوريا الشمالية او تركيا، وهو يقضي بلي اذرع الحكومات التي لا يتفق معها بفرضه عقوبات قاسية عليها، اعتقادا منه بأن الفقر والعوز سيدفعان هذه الحكومات الى التراجع عن مواقفها واستجداء التفاوض معه.
في الحالة الايرانية، يقول الخبراء الاميركيون ان الخطة الايرانية الواضحة لمواجهة ترامب تقضي بانتظار نهاية رئاسته، التي قد تمتد لسنة او لخمس سنوات، وهي خطة يعتقد كثيرون انها جاءت بنصيحة من وزير الخارجية السابق جون كيري، الذي اقترح على صديقه وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، ان تتمسك طهران بالصبر حتى خروج ترامب من البيت الابيض.
لكن صبر ايران يحتاج الى تمويل. يقول الخبراء الاميركيون ان موازنة ايران السنوية تبلغ 39 مليار دولار، وان الجمهورية الاسلامية تموّل 15 مليارا منها عبر الضرائب، و24 مليار دولار من عائدات النفط. لكن انخفاض عائدات النفط الى قرابة اربعة مليارات فقط اجبر النظام على الغاء الدعم الحكومي للاستهلاك المحلي للطاقة، وهو ما يعود على الدولة بقرابة 15 مليار دولار ولكنه يرفع سعر الطاقة محليا بواقع ثلاثة اضعاف، وهو الأمر الذي شكل شرارة اطلقت تظاهرات في اكثر من مئة مدينة وبلدة ايرانية طالبت باسقاط النظام الاسلامي برمته.
يعتقد المتابعون الاميركيون للشأن الايراني، من مسؤولين سابقين وخبراء، ان نظام ايران ادرك على الفور فداحة الموقف، فلجأ بسرعة كبيرة الى عنف مفرط. ويقدّر هؤلاء ان عدد القتلى الايرانيين، في ثلاثة ايام، تخطى المئة، فضلاً عن اكثر من الف تم اعتقالهم، وعشرات الآلاف ممن تم ضربهم بالايدي او بالعصي في الشوارع.
وتفيد التقارير الواردة الى واشنطن، بأن الميليشيات التابعة للمرشد الاعلى علي خامنئي، وهذه غير القوى النظامية التابعة للحكومة، نشرت قناصين على اسطح المباني، عمدوا الى اطلاق النار بشكل مباشر في اتجاه رؤوس وقلوب المتظاهرين، الذين تعذر على عائلاتهم سحبهم من الشوارع، او حتى الحصول على جثثهم من المستشفيات التي تم نقلهم اليها. كذلك، تحولت المستشفيات التي يراقبها النظام الى مشكلة للجرحى، اذ عمدت ميليشيات النظام الى اعتقال الجرحى في المستشفيات.
وتزامنت حملة القمع ضد المتظاهرين مع قطع شبه تام للانترنت، باستثناء المسؤولين في النظام وعائلاتهم واصدقائهم. عن طريق بعض هؤلاء، ما زال خيط رفيع من الفيديوهات والصور يخرج من ايران، لكن المشهد الميداني يعاني من تعتيم كامل. كما يؤثر قطع الانترنت على القدرة التنظيمية للمتظاهرين، وامكانية قيامهم بتحذير بعضهم البعض حول اماكن انتشار ميليشيات النظام.
لهذه الاسباب، دأبت مجموعة من المسؤولين السابقين والخبراء، من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، على التواصل مع مجلس الأمن القومي في البيت الابيض، وكذلك مع وزارتي الخارجية والدفاع، في محاولة للتباحث في جدوى قيام واشنطن بمساعدة المتظاهرين. ويقول الخبراء انه يمكن للولايات المتحدة تأمين شبكة اتصالات انترنت للايرانيين لا يمكن للنظام قطعها او التشويش عليها، وهو ما من شأنه ان يساعد المتظاهرين بشكل واسع.
وبين المعنيين بالشؤون الايرانية في واشنطن، يندر العثور على من يعتقد انه يمكن للتظاهرات الاطاحة بالنظام، اذ ترى غالبية الخبراء ان النظام الايراني لا يزال قويا وقادرا على استخدام العنف المفرط والقضاء على كل معارضيه. لكن قلة من الخبراء يرددون انه قلّما توقع المعنيون سقوط هذا النظام او ذاك، وان الثورات التي تؤدي إلى اسقاط حكامها غالباً ما تفاجئ الحكام والعالم سواسية.

لستم وحدكم يا أحرار العرب

حسين عبدالحسين

نجح طغاة العرب وإيران في إيهام المجتمع الدولي أن العالم أمام خيارين لا ثالث لهما: استقرار الطغيان أو فوضى الحرية. وبعد فشل الولايات المتحدة في نقل العراق من الديكتاتورية إلى الديمقراطية، تأكد في ذهن العالم الحر أن لا حلول ممكنة للدول الفاشلة، وأن ثقافة المسلمين تعيق إمكانية بنائهم حكومات رشيدة، وأنه إذا كان العرب والإيرانيون غير مستعدين للنضال من أجل حريتهم وديمقراطيتهم، فلا يمكن للغرب أن يقوم بذلك عنهم.

لذا، لجأت عواصم القرار في العالم إلى "أفضل الممكن"، أي العمل على إدارة الأزمة المتواصلة بما يضمن مصالح الديمقراطيات الغربية، بأقل تكلفة مالية وبشرية ممكنة. هكذا، ثبّت الجيش الأميركي الوضع الأمني في العراق ورحل، وسعت الولايات المتحدة إلى ترتيبات مع الطغاة الحاكمين.

لكن الشعوب في لبنان وإيران وتونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، ثم في الجزائر والسودان، ولبنان مجددا والعراق، ثارت على الطغيان، حتى بعد رحيل الولايات المتحدة وتلاشي اهتمامها بنشر الديمقراطية.

والثورات العربية جاءت متفاوتة في أهدافها، ووعي ثوارها، وعمق معرفتهم، وإدراكهم أن التغيير، أي تغيير، مستحيل بدون ثورة على الذات، وبدون إصلاح مجتمعي داخلي، بما في ذلك تعديل بعض العادات والتقاليد، ومواجهة حرّاس الهيكل في مجتمع أبوي يختلط فيه العنف الجسدي بالضغط النفسي والمجتمعي والمادي، وتختلط فيه المعتقدات الدينية بالعادات المحلية، وتختلط العقيدة ـ القابلة للتفسير بأوجه متعددة ومختلفة وحتى متضاربة ـ بالرأي، ويصير أي رأي معارض كفرا بالدين وإلحادا، ويصير الإلحاد جريمة.

والقمع المجتمعي ليس حديثا في دنيا العرب، الذين سبق لهم أن أجبروا أرباب "النهضة العربية" على التراجع، فعدّل محمد عبدّه المصري من مواقفه الناقدة للدين والمجتمع، ومثله تراجع طه حسين عن تشكيكه بتاريخية الشعر الجاهلي والسيرة النبوية. وفي زمن لاحق، تعرّض السوري الراحل صادق جلال العظم إلى عاصفة من الهجمات، بما في ذلك دعاوى قضائية لحظر كتابه "نقد الفكر الديني".

مضت دول العرب، "المستقرة" في ظلّ طغاتها، في التطرف، فتعرض المصري فرج فوده لحملة أدت لاغتياله بعد مطالبته بفصل الدين الإسلامي عن الدولة. وكان حظّ الإصلاحي المصري الراحل نصر حامد أبو زيد أفضل بقليل، إذ أدت الحملة ضدّه إلى نفيه إلى هولندا.

على أنه على الرغم من الصورة القاتمة، وانتشار التخلّف الفكري والمجتمعي، وقساوة الاستبداد، لا يبدو أن دنيا العرب والفرس تنضب من المثقفين الشجعان، الذين يتوقون إلى نشر الوعي، وإلى الحرية والديمقراطية.

الصديق إياد شربجي كان صحفيا لامعا في دمشق، ورئيسا لتحرير مجلة "شبابلك"، وكان من أول من ساروا في التظاهرات السلمية في دمشق لإنهاء طغيان آل الأسد، فتعرض لملاحقة أجبرته على الهروب وعائلته، وفيما بعد اللجوء إلى الولايات المتحدة.

والغربة، التي قلّما ترحم المهاجرين، قست على إياد، لكنها لم تكسره، فواصل نضاله بتأسيسه موقع "السوري الجديد"، بالتزامن مع نشاطه الخارق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يعمد غالبا إلى التعليق على احداث في دنيا العرب وفي موطنه الجديد، الولايات المتحدة.

وعلى عكس العقل المؤامراتي العربي، الذي يلقي بلائمة شقاء العرب على الصهيونية والماسونية وإلى ما هنالك من نظريات خنفشارية، يرى إياد أن السبب الأول للشقاء العربي هو في الثقافة السائدة، وفي الانفصام في عقول العرب بين مجتمع مثالي يعيشونه في مخيلتهم، وواقع معاكس يعيشونه في سرّهم وخلف أبوابهم الموصدة.

ولأن الدين الإسلامي يشكل الجزء الأكبر من ثقافة العرب، يوظّف إياد معرفته بالنصوص الإسلامية، ويضعها في سياق عصري حديث ليظهر أنها نصوص نافرة تنتمي لزمن قروسطوي، وهي نصوص يحاول بعض المسلمين السذّج العيش بموجبها حرفيا، فتكون النتيجة "الدولة الإسلامية" المتخلفة المعروفة بـ"داعش".

وبسبب ضحالة محاوريه ـ الذين يهتز إيمانهم أمام أي محاولة انتقاد أو نقاش مهما كان حضاريا وهادئا ـ يعمدون إلى تكفيره، ويحاولون حظر ما كتبه، لا بالحجّة التي لا يملكونها، بل بالعنف اللفظي والمجتمعي، فتتعرض عائلته في سوريا والشتات إلى ضغط مجتمعي هائل، وتاليا يجد إياد نفسه محرجا: إما يواصل نقاشه التنويري، أو يصمت حتى لا يتحول من يحبهم إلى رهينة في أيدي قوى الظلام والقمع الفكري.

ومثل إياد المثقف، صاحب العقل المتقد والفكر المنفتح، يتعرض صديقي مكرم رباح إلى ضغط مجتمعي كبير في بيروت. ومكرم مؤرخ حائز على بكالوريوس وماجستير من "الجامعة الأميركية في بيروت"، وعلى دكتوراه من "جامعة جورجتاون" الأميركية المرموقة، وعلى بكالوريوس في الحقوق من "الجامعة اللبنانية"، وهو ما يجعل منه أكثر ثقافة وعلما من رؤساء لبنان وحكوماته وزعمائه الطائفيين مجتمعين.

ويوم انتفض اللبنانيون في 17 أكتوبر، لم ير مكرم في مذهبه الدرزي عائقا لمواطنيته، بل انخرط في الثورة، وسخّر لها كل إمكاناته، وراح يمضي أوقاتا طويلة على شاشات الفضائيات يشرّح فيها الأحداث للعالم، وراح يكتب في الصحف، ويناقش، ويحلل. كما راح مكرم يعقد صفوفه الجامعية وسط بيروت، حيث التظاهرات، وراح يقول لطلابه إنه غالبا ما يعلّمهم عن تاريخ لبنان، لكنه هذه المرة أحضرهم إلى حيث يكتب اللبنانيون تاريخ بلادهم.

لم يمرّ نشاط مكرم الفكري ومشاركته في التظاهرات والتنظيم مرور الكرام، فاستهدفته صحيفة تابعة لـ"حزب الله"، وراحت تحرّض عليه لأنه طالب ـ في مشاركة له عبر الإنترنت في نقاش عقده مركز أبحاث في واشنطن ـ بفرض عقوبات أميركية على حلفاء "حزب الله" المسيحيين، أي وزير الخارجية السابق الساعي للرئاسة جبران باسيل، بسبب تورطه في عمليات مالية مع الحزب اللبناني.

طبعا لا يهم صحيفة الدعاية الحزبية أن مكرم أجاب أن أفضل دور لواشنطن هو بقاؤها بعيدة عن أحداث لبنان، وتركها اللبنانيين يناضلون لحريتهم. كان لمكرم طلب وحيد من لأميركيين والغرب: لا تبيعونا إلى جلادينا في صفقاتكم المعتادة مع الطغاة.

وإلى تهديدات "حزب الله"، يعاني مكرم ـ مثل إياد ـ من ضغط مجتمعي يهدف للجم نشاطه الثوري، الفكري منه والجسدي، وإقناعه بالالتزام بمواقف بطريرك الطائفة والعودة إلى الوضع المزري الذي أوصل لبنان واللبنانيين إلى ما هم عليه اليوم.

تحت شدة الضغط، كتب إياد: "توقعت أن يكون الأمر سيء، لكني لم أتخيله بهذا السوء، ولا أحد يعرف كم كلفتني حريتي". وأضاف: "أعتذر من أهلي وأقاربي لما طالهم بسبب ما كتبت، أنا لست قادرا أن أتحمل، ولست قادرا أن أكذب على نفسي وأن أنافق". وختم إياد: "قررت أن أنسحب وأغلق صفحتي حتى إشعار آخر… سأكون لوحدي بدءا من اللحظة… أحبكم وسامحوني".

لا يا إياد لست وحدك، ولست وحدك يا مكرم، ولستن وحدكن يا حلا ومريم ودارين. لستم وحدكم يا أحرار العرب. الثمن مرتفع ولا يمكن لأي منّا أن يطلب من الآخرين التضحية، ولكن أقلّ ما يمكننا هو أن نعبّر لمن يضحّون عن حبنا لهم وتقديرنا، وعن مساندتنا لما يقومون به، فالحرية لا تعطى، بل تنتزع، ويا ليتنا كنّا مثلكم أقوياء، قادرين على المواجهة فكريا وتنظيميا وجسديا. على أنها طريق سار فيها أناس من قبلكم، وسيسير فيها كثيرون من بعدكم. سيتذكركم التاريخ، وسينسى قوى الظلام المجتمعي، والعنف الأبوي، والقدسية الزائفة، والطغيان.

الأحد، 17 نوفمبر 2019

واشنطن تعتبر أن المسؤولين اللبنانيين لم يتعاملوا يوماً مع مشكلة «حزب الله» بجدية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

مع إعلان إدارة الرئيس دونالد ترامب تعليق المساعدة العسكرية السنوية البالغة أكثر من مئة مليون دولار للجيش اللبناني، خرج لبنان كليا من دائرة الاهتمام لدى الادارة، وانحصر الحديث عنه ببعض الاصوات الصادرة عن المسؤولين السابقين والخبراء والعارفين بشؤون لبنان والشرق الاوسط، وبصوت الديبلوماسيين الاميركيين في لبنان، وفي طليعتهم السفيرة اليزابيث رتشارد، التي تستعد للرحيل فور الموافقة على خليفتها السفيرة دوروثي شيا، والتي تعمل حالياً في منصب القائم بالاعمال في القاهرة.
وفي الجلسات الاميركية المنعقدة حول لبنان، يعتقد المسؤولون الحاليون والسابقون والخبراء ان الوضع معقد بسبب سيطرة «حزب الله» على مفاصل القرار، وقيامه بجرّ لبنان الى المواجهة الديبلوماسية والاقتصادية ضد الولايات المتحدة والعالم.
ويعاني لبنان، بحسب المعنيين الاميركيين، من تراجع الاستثمارات الخارجية والسياحة، وذلك غالبا بسبب عدم الاستقرار الذي تتسبب به الحروب التي ينخرط فيها «حزب الله» في المنطقة، والمواقف العدوانية والتهديدات التي يطلقها الحزب ضد اطراف متنوعة بشكل متواصل، وهو ما يزعزع الثقة بالبلاد، ويبعد عنها المستثمرين والسياح، وتاليا العملات الاجنبية التي تحتاج اليها بيروت لتثبيت سعر صرف الليرة وتمويل استيرادات البلاد.
لهذا السبب، يرى الاميركيون المتابعون للشأن اللبناني، وغالبيتهم خارج ادارة ترامب اليوم، ان مشكلة لبنان هي «حزب الله».
ويقول مسؤول سابق عمل على الملف اللبناني عن كثب انه «يوم عرضنا على اللبنانيين مساعدتهم كمجتمع دولي، وعملنا على استصدرا قرارات في مجلس الأمن تهدف الى نزع سلاح ميليشات حزب الله، مثل القرارين 1559 و1701»، رد علينا السياسيون اللبنانيون بأن مشكلة «حزب الله داخلية، وان تسويتها تتم داخليا فقط عبر الحوار مع الحزب الموالي لايران».
يتابع المسؤول السابق: «ثم عندما تركنا اللبنانيين حتى يتوصلوا الى تسوية بين الدولة والميليشيا، راح المسؤولون اللبنانيون يرددون ان حزب الله مشكلة اقليمية ودولية، وان لا طاقة لدولة لبنان على التوصل الى تسوية لها».
بكلام آخر، لا يعتقد المسؤولون الاميركيون ممن عملوا على الشأن اللبناني ان ايا من المسؤولين اللبنانيين المتعاقبين ابدوا الجدية المطلوبة للتوصل الى تسوية في موضوع الحزب، وان اللبنانيين «تعاملوا دائما مع هذه المعضلة بتلاعبهم على الكلام والبهلوانيات السياسية، دائما بما يخدم مصالحهم الشخصية والحزبية الضيقة».
ومن يعرف العاصمة الاميركية يعرف ان أحد أكثر السياسات المعروفة هي تراجع الاميركيين في الدول التي يعتقدون ان الجدية تغيب عن مسؤوليها، وغالبا ما يردد المسؤولون في الادارات المتعاقبة انه «لا يمكننا مساعدة أي حكومة في العالم ان لم تقم هذه الحكومة بدورها وبمساعدة نفسها أولاً».
«حزب الله»، بدوره، استغل انهماك المسؤولين اللبنانيين بمصالحهم، وتوصل معهم الى ترتيب في الحكم قضى بسماحه لهم بشغل مناصب في الدولة، مقابل تسليمهم له بادارة ملفات السياسات الخارجية والامنية.
«ما قاله أمين عام (حزب الله) حسن نصرالله للاقطاعيين اللبنانيين»، حسب الديبلوماسي السابق فرد هوف، هو التالي: «مقابل ان تتركوني بحالي وتتجاهلوا قرارات الأمم المتحدة القاضية بنزع سلاح الميليشيا غير الشرعية، سأسمح لكم بتقاضي رشاوى وسرقة ما تريدونه».
وأضاف هوف، في مداخلة نشرها على موقع مجلس الأطلسي، حيث يعمل كواحد من كبار الباحثين في «مركز رفيق الحريري للشرق الاوسط»، ان «الفساد اللامتناهي اعاق النمو الاقتصادي، ومنع ما يسمى دولة حتى عن جمع والتخلص من النفايات، فيما بدت الزيادات الضرائبية كمحاولة سرقة من جيوب المواطنين».
ودعا الديبلوماسي السابق حكومة بلاده، المنسحبة من الشأن اللبناني، الى الاعراب عن تأييدها الواضح للثورة الشعبية الشبابية. كما دعا هوف واشنطن لاعادة استئناف المساعدة السنوية للجيش، معتبراً ان تعليقها «خطأ مجاني».
وقال ان على الولايات المتحدة وحلفائها العمل داخل لبنان لدعم المبادرات اللاطائفية المتمحورة حول المجتمع المدني وبناء أحزاب سياسية جديدة، اذ ان «صمت واشنطن وانسحابها من الشأن اللبناني لم يمنع نصرالله من اتهامها بتنسيق الانتفاضة الشعبية».

السفيرة السابقة لدى أوكرانيا «تشعر» بأن ترامب يُهدّدها

واشنطن - من حسين عبدالحسين
جريدة الراي

بتغريدة واحدة، حطّم دونالد ترامب الخطة الدفاعية التي كان متفقاً عليها داخل البيت الابيض، والتي كانت تقضي بتجاهل جلسات استماع خلع الرئيس الجارية في لجان مجلس النواب في الكونغرس، والتظاهر وكأن الموضوع لا يعني ترامب، المنشغل عنها بشؤون الحكم، خصوصاً أن التحقيقات لا تعدو كونها «صيد ساحرات»، حسب تعبير الرئيس الأميركي.
في اليوم الاول للجلسات، نجح ترامب في الحفاظ على رباطة جأشه، وقضى معظم يومه في لقاءاته مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، في البيت الابيض، وعندما سألته صحافية من المحسوبين عليه عن رأيه في جلسات الاستماع، أكّد لها انه مشغول، مشيراً بيده باتجاه اردوغان، ومضيفاً ان كل عملية الخلع هي عبارة عن مؤامرة يقودها الحزب الديموقراطي، وان لا معنى ولا قيمة لها.
لكن ترامب الثرثار لم يقو على تماسك نفسه لاكثر من يوم، ففي اليوم الثاني لجلسات الاستماع العامة الجمعة، وفيما كانت السفيرة الأميركية السابقة لدى اوكرانيا ماريا يوفانوفيتش تدلي بشهادتها امام لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، لخمس ساعات أصدر ترامب تغريدة هاجم فيها الديبلوماسية السابقة، وقال انها «حوّلت كل مكان ذهبت اليه الى مكان سيئ».
التغريدة أكدت ان ترامب خائف من عملية الخلع، التي تبث شبكات التلفزة وقائع جلساتها مباشرة، وان الرئيس يشاهد هذه الجلسات، ويتفاعل معها بتدبيجه التغريدة، التي تلاها رئيس لجنة الاستخبارات الديموقراطي آدم شيف على يوفانوفيتش، الديبلوماسية التي تتمتع بأكثر من 30 عاماً من الخبرة المهنية، والتي ردت بالقول انها تشعر وكأن ترامب يهددها، ليؤكد شيف ان الكونغرس يأخذ «تهديد الشهود» على محمل الجد.
و«تهديد الشهود» جريمة يعاقب عليها القانون الأميركي بالسجن، وهي احدى الجرائم التي حكمت محكمة أميركية بسببها على روجر ستون، أحد اقرب مستشاري ترامب أثناء حملته، إلى جانب ست تهم اخرى، تتعلق كلها بالتعاون مع موسكو للتلاعب بنتائج الانتخابات الأميركية في العام 2016.
وجاء الاعلان عن صدور الحكم على ستون، (67 عاماً) والذي قد يقضي ما تبقى من عمره في السجن، ليضيف من المتاعب السياسية والقانونية التي يواجهها الرئيس الأميركي.
أما قمة المتاعب المتعلقة بامكانية اقرار خلعه في الكونغرس - بتهمة تهديده اوكرانيا بوقف المساعدات عنها ما لم تعلن المباشرة باجراء تحقيقات بحق نجل منافسه للرئاسة ونائب الرئيس السابق الديموقراطي جو بايدن - فتمثلت بموافقة المسؤول الذي قام بتوقيع المذكرة الحكومية التي قضت بتجميد المساعدات الى اوكرانيا، واسمه مارك ساندي، على المثول امام الكونغرس، فأصبح اول مسؤول معني مباشرة بفضيحة اوكرانيا ممن أدلوا بشهادتهم.
وكان ترامب أصدر قراراً منع فيه أيا من العاملين في الادارة من المثول أمام الكونغرس او المشاركة في اي تحقيقات، وهو قرار قد ينعكس سلبا عليه اذ يمكن ان يضيفه الكونغرس الى الاضبارة الاتهامية بحق ترامب بسبب عرقلته العدالة، وهذه جريمة ثالثة، الى جانب استخدام السلطة لمكاسب شخصية ضد خصوم سياسيين، وتهديد الشهود.
والتهم الثلاثة نفسها هي التي أقرّها الكونغرس بحق الرئيس الجمهوري الراحل ريتشارد نيكسون، الذي قدم استقالته قبل اقرار مجلس الشيوخ الاطاحة به حفظا لماء وجهه، في العام 1974.
وفي وقت يسعى ترامب لاقناع الناخبين ببراءته، ولاقناعهم بأن عملية الخلع هي استهداف سياسي ضده، قبل موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل، يحاول الرئيس الأميركي تشتيت الانتباه بتقديم ما يخاله أداء رئاسيا مميزا في الاقتصاد والسياسة الخارجية.
اقتصادياً، بدأت تظهر في الولايات المتحدة علامات تباطؤ مع صدور بيانات أظهرت ان نمو الاقتصاد بالكاد وصل اثنين في المئة في الربع الاخير.
ويعتقد معظم الأميركيين أن رئيسهم يبلي بلاء حسنا في الاقتصاد، لكن هذا الرأي سيتغير ان دخل الاقتصاد، قبل موعد الانتخابات، في ركود، متوقع منذ فترة ولكن يصعب التكهن بتوقيت وقوعه بدقة.
أما في السياسة الخارجية، فيعاني ترامب أكثر من الاقتصاد بكثير، فنجاحاته التي تغنى بها في ديبلوماسيته مع كوريا الشمالية يبدو أنها انقلبت عليه.
ترامب في وضه لا يحسد عليه. الارجح ان مجلس النواب، حيث الغالبية ديموقراطية، سيصوّت على خلعه، فيما لن يصوّت مجلس الشيوخ الذي تسيطر عليه غالبية جمهورية على الاطاحة به. لكن العملية ستضعضعه سياسيا، وهذا، بالتزامن مع صعوبات في الاقتصاد والسياسة الخارجية، قد يجعل من فوزه بولاية ثانية أمراً صعباً ومعقداً.

الخميس، 14 نوفمبر 2019

ترامب وأردوغان... اجتماع «رائع» يفشل في تسوية الخلافات

واشنطن - من حسين عبدالحسين

قدم لقاء الرئيس الأميركي، نظيره التركي، الأربعاء، صورة أكثر رجلين يعانيان من غضب الكونغرس، وتالياً الرأي العام الاميركي ضدهما، اذ فيما كان دونالد ترامب يلتقي رجب طيب اردوغان لساعات في البيت الأبيض، مدعياً انه لا يعير اهتماماً لأزمته الداخلية، كانت لجنة الاستخبارات في مجلس النوّاب تخوض اولى جلسات استماع «عملية خلع» ترامب، التي سبق ان اقرّتها الغالبية الديوقراطية في مجلس النواب.
وقال الرئيس الأميركي في مؤتمر صحافي مشترك مع ضيفه الرئيس التركي: «أفضل بدلاً من ذلك التركيز أكثر على السلام في الشرق الأوسط»، واصفاً اجراءات العزل بأنها «خدعة» و«دعابة».
وخلال مؤتمر صحافي طرحت فيه أسئلة من قبل صحافيين ودودين تم اختيارهم بعناية، زاد ترامب من رهانه على ضيفه، وذكر انه من أشد «المعجبين» بالرئيس التركي، رغم أنه لم يكن هناك أي مؤشرات على امكانية إحراز تقدم كبير حول أي من النزاعات المتزايدة بين واشنطن وأنقرة.
وقال ترامب لأردوغان وهما يقفان متجاورين في المكتب البيضاوي: «نحن أصدقاء منذ فترة طويلة، تقريبا منذ اليوم الأول. وكل منا يفهم بلد الآخر».
وأضاف الرئيس الأميركي عن أردوغان وزوجته أمينة «هما يحظيان باحترام كبير في بلدهما وفي المنطقة».
ويتباهى ترامب بأنه يحسن التفاوض مع القادة المتسلطين، لكن مفاوضاته مع أردوغان في الأسابيع الأخيرة اتسمت بالفوضى وأثارت تساؤلات فعلية حول استدامة استراتيجيته في سورية.
وبعد إعلان ترامب سحب القوات الأميركية المنتشرة على نقاط حدودية في شمال شرقي سورية، شنت أنقرة في التاسع من أكتوبر عملية «نبع السلام» على قوات «قسد» المدعومة من التحالف الدولي.
ووجه ترامب حينها إلى أردوغان رسالة غير مألوفة النبرة بين الرؤساء، ختمها بالقول «لا تكن متصلباً، لا تكن أحمقاً».
وتحدثت تقارير أولية عن أن أردوغان لم يهمل الرسالة فحسب، بل رماها في سلة المهملات. والأربعاء، قال اردوغان «أعدتها إلى السيد الرئيس اليوم».
ولم يكن هناك أي مؤشرات على امكانية إحراز تقدم كبير بعد لقاء ترامب واردوغان حول أي من النزاعات المتزايدة بين البلدين.
ومثل ترامب، يعاني اردوغان من غضب عارم ضده لدى غالبية اعضاء الكونغرس، بغرفتيه، اذ سبق لمجلس النواب ان أقر ثلاثة قوانين ضد تركيا على مدى الشهر الماضي: اثنان دانا اجتياح انقرة شمال سورية للقضاء على المجموعات الكردية المسلحة وأقرّا عقوبات اقتصادية عليها، وواحد دان المجازر العثمانية بحق الارمن، قبل قرن من الزمن.
وفي سياق متصل، بدأ مجلس الشيوخ عملية المصادقة على قانون مماثل يدين الاجتياح التركي ويفرض عقوبات على انقرة.
ولأن تأييد قانون العقوبات في مجلس النوّاب حصل على شبه اجماع يجعل من المتعذر على ترامب نقضه، ولأن قانون العقوبات في مجلس الشيوخ من المتوقع ان يحوز على غالبية 63 سناتوراً، وهو ما يجعل نقضه عصياً كذلك على الرئيس الاميركي، قام ترامب بدعوة خمسة اعضاء جمهوريين من الشيوخ للقاء اردوغان بهدف اقناع هؤلاء بالتصويت ضد القانون، وهو ما قلّص الغالبية المؤيدة للقانون الى أقل من 60 المطلوبة لتجاوز الفيتو الرئاسي، وهو ما يسمح لترامب بنسف القانون. ومع تعذر اقرار اي قانون في اي من غرفتي الكونغرس، يتعذر بذلك تحوله الى قانون نافذ.
ونقلت مصادر انه في لقاء اردوغان مع المشرعين، حاول الرئيس التركي تأكيد متانة تحالف انقرة مع واشنطن. واشار الى الزيادة في واردات تركيا، خصوصا في مجال الأسلحة، وهو ما يساهم في تعزيز وضع الاقتصاد الاميركي وخلق فرص عمل للاميركيين.
كذلك ألمح اردوغان للشيوخ الخمسة، انه لا ينوي شراء منظومات اسلحة روسية، وانه يفضّل مواصلة اعتماد بلاده على صواريخ «باتريوت» الدفاعية الجوية. كما اعرب عن نيته العودة الى المساهمة في مشروع صناعة مقاتلات «اف 35» الاميركية المتطورة، وذلك بعدما طردت واشنطن انقرة من البرنامج على اثر استيرادها مكونات منظومة الدفاع الصاروخية الروسية «اس 400» - لم تقم تركيا بتشغيلها بعد - والتي ألمح اردوغان ايضاً بان انقرة قد لا تشغلها ابداً.
وقدم اردوغان ضمانات للشيوخ - وهم من مؤيدي المجموعات الكردية وفي طليعتهم الجمهوري المخضرم ليندسي غراهام الذي كان عارض بشدة عملية «نبع السلام» - بان انقرة ستحافظ على امن الاكراد في سورية مثل حفاظها على امن الاكراد ممن يحملون الجنسية التركية، وهم يشكلون قرابة ثلث الشعب التركي.
وسمعت «الراي» من مصادر في البيت الابيض، ان اردوغان توجه بثلاثة مطالب إلى مضيفه الاميركي، أولها قيام واشنطن بتسيلم المعارض التركي فتح الله غولن، وثانيها اعفاء اميركا عن رجل الاعمال الايراني التركي رضا ضراب، الذي يسكن تحت الاقامة الجبرية في نيويورك بتهم تجاوز العقوبات على ايران، ثالثها اعفاء اميركا «بنك هالك التركي»، الذي يواجه اتهامات مشابهة بالتعاون مع ايران، من العقوبات التي فرضتها عليه واشنطن أخيراً.
ويعتقد الخبراء الاميركيون، انه كجزء من تحسين صورة تركيا في اميركا، خصوصا أمام الكونغرس، عمد صهرا الرئيسين، جارد كوشنر صهر ترامب وبيرات البيرق صهر اردوغان، الى «توثيق» العلاقات التجارية، بما يتضمن ذلك من صفقات عقارية ومصرفية تفيد الجانبين، اللذين يعتقدان انه من شأن الزيادة في الاعمال التجارية المشتركة ان يجعل من تركيا شريكا اقتصاديا وتجاريا يدفع الكونغرس الى التغاضي عن اي ما يمكن ان يراه تجاوزات تركية بحق السياسة الخارجية الاميركية.
وبعد دقائق من المؤتمر الصحافي المشترك، أصدر البيت الأبيض بياناً استخدم لهجة أكثر حزماً من لهجة الزعيمين اللذين يتباهيان بوجود علاقة شخصية وثيقة بينهما في حين أن العلاقات بين الحكومتين فاترة.
وفي كلمة ألقاها أردوغان لاحقاً في واشنطن، قال إنه طلب من ترامب التوقف عن دعم وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقره قوة معادية، لكنها تشكل العمود الفقري لـ«قسد».

الخميس، 7 نوفمبر 2019

الروس لا يعتقدون أن الأسد فاز لكنهم يشعرون بالراحة بأنه سينجو

واشنطن - من حسين عبدالحسين

يصل اليوم إلى انقرة، مسؤول الملف السوري في وزارة الخارجية جيمس جيفري، حيث سيلتقي، برفقة السفير الاميركي في تركيا ديفيد ساترفيلد، كبار المسؤولين الاتراك للتشاور في الموضوع السوري.
وعشية توجه جيفري الى تركيا، عقد مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية جلسة مغلقة مع الصحافيين للحديث عن الرؤية الاميركية وسياسة واشنطن في الموضوع السوري. واعتبر ان تغييرات تحدث في سورية، أبرزها انطلاق جلسات مفاوضات مباشرة بين نظام الرئيس بشار الأسد ومعارضيه، بمشاركة ممثلين عن المجتمع المدني، في جنيف الاسبوع الماضي.
وقال المسؤول إن من الصعب التكهن بنتائج جنيف، لكن «من الواضح أن نظام الأسد يود أن يرى تأثير المفاوضات بحده الادنى، فيما نود نحن أن نرى تأثيرا بحده الاقصى، وهنا يكمن خط التوتر بيننا وبين الروس». واضاف ان «الروس في مكان ما بين الحدين، الادنى والاقصى»، وانه «لولا الروس، لما كنا لنحصل على هذه اللجنة الدستورية».
واعتبر المسؤول الاميركي ان الروس يائسون لتقديم الدعم لحليفهم الرئيسي، اي الأسد، متسائلاً الى «أي حد يدرك الروس أنهم يرثون مجرد ركام في مقبرة». واضاف: «نحن نحاول توضيح هذه النقطة لهم، بأن سورية ستبقى أنقاضا في مقبرة حتى يرى المجتمع الدولي نوعا من التحرك نحو قائمتنا من القضايا والسياسات»، وفي طليعتها «مشاركة السلطة بالتساوي بين كل الفرقاء السوريين بشكل حقيقي».
وقال ان «الروس لا يعتقدون أن الأسد فاز، لكنهم يشعرون بالراحة بأن الأسد سوف ينجو».
ما يسعى اليه الروس اليوم، حسب المسؤول الاميركي، «هو معرفة ما سيحدث بعد ذلك». واضاف ان موسكو «لعبت دورا كبيرا، إلى حد ما، في ضمان تشكيل اللجنة الدستورية»، فالروس «يعرفون أنهم لا يستطيعون ببساطة تبني مواقف الأسد الذي يرفض أن يوافق على اي شيء، ولا يتزحزح مطلقاً». وتابع المسؤول أن الروس يعرفون ببساطة ان من شبه المستحيل أن يستعيد الأسد «نصف السكان الذين فروا من ديارهم»، وأن «المجتمع الدولي لن يفتح خزائنه ما لم يتوقف القتال في النهاية». كذلك، «لن تعود كل الجيوش المنتشرة الآن داخل سورية إلى ديارها»، وهو ما دفع الروس للضغط على الأسد للتراجع.
ويلفت المسؤول إلى ان المفاوضات السورية تجري بمراقبة دولية وبمبادرة محددة من مجلس الأمن، وهي مبادرة خاضعة لإشراف المنظمة الدولية، وتحديدا مبعوثها غير بيدرسون. لذلك، على كل الاطراف ان «يأخذوا الأمر بجدية».
وفي الاجابة عن سؤال حول فشل جولات المفاوضات الماضية، قال المسؤول الاميركي: «يوافق الجميع على ذلك، ولهذا السبب لديك مفاوضات اليوم يجلس فيها جانبان لا يمكن التوفيق بينهما، ويتعرضان لضغط دولي، وربما تساهم في الضغوط على المتفاوضين الضغوط التي يخلقها الوضع الفوضوي في سورية لمحاولة معرفة ما إذا كان بإمكاننا إيجاد حل».
اما شكل الحل الذي تتوقعه واشنطن، فسيكون «دستوراً جديداً أو الحالي معدلا ومنقحا». بشكل عام، هذه«بداية عملية سياسية تنهي المشكلة التي أزعجت المجتمع الدولي منذ عام 2011، وهو صراع داخلي تضمن اساليب دمار مختلفة، من الأسلحة الكيماوية، الى الكوارث الإنسانية، وتدفق اللاجئين، وولادة المنظمات الإرهابية الكبرى مثل داعش وهيئة تحرير الشام (النصرة سابقا)». لذلك، «نحن نحاول إصلاح هذا الشيء، والحل القريب هو هذه اللجنة الدستورية»، يختم المسؤول في وزارة الخارجية الاميركية.

الديموقراطيون يعدّون قضية مُحكمة ضد ترامب

واشنطن - من حسين عبدالحسين
جريدة الراي

يواصل مشرعو الحزب الديموقراطي المعارض اعداد اضبارة اتهامية يأملون ان تكون بسيطة ومُحكمة ضد الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، بتهمة سوء استخدامه السلطة وتآمره مع حكومات اجنبية ضد خصمه السياسي نائب الرئيس السابق وأحد المرشحين الديموقراطيين للرئاسة جو بايدن.
ويعمل على اعداد القضية دانيال غولدمان، وهو «مدعي عام» معروف بشراسته وحنكته، وهو سبق ان نجح، قبل خمس سنوات، في استصدار احكاما قضائية ضد شبكة المافيا النيويوركية المعروفة باسم الجنوية، نسبة لمدينة جنوى الايطالية التي ينحدر منها معظم اعضاء هذه المافيا. كما يتمتع غولدمان بشهرة واسعة لنجاحه في الايقاع بعدد كبير من اركان مافيا تبييض الاموال الروسية.
وقام رئيس لجنة الاستخبارات في الكونغرس الديموقراطي آدم شيف، وهو سبق ان عمل مدعياً عاما كذلك، بتوظيف غودلمان، الذي تولى التحقيقات اثناء جلسات الاستماع المغلقة للجان الكونغرس مع اكثر من عشرة مسؤولين حاليين وسابقين في ادارة ترامب. بدوره، وظّف رئيس لجنة العدل في الكونغرس الديموقراطي جيري نادلر، الخبيرين الدستوريين المعروفين نورم آيزن وباري بيرك، وهما سيقومان بكتابة نص الادعاء ضد ترامب الذي يتحول الى قانون خلع يصوّت عليه مجلس النواب.
ولهذا الغرض، يعكف آيزن وبيرك على دراسة السابقتين في خلع الرئاسة، الاولى التي تم اعدادها بحق الرئيس الجمهوري الراحل ريتشارد نيكسون، مطلع السبعينيات، والثانية بحق الرئيس الديموقراطي السابق بيل كلينتون، منتصف التسعينيات.
ويسعى الديموقراطيون الى اثبات ان ترامب ارتكب مخالفة دستورية، مهما بلغت بساطتها، بشكل يفرض على اعضاء مجلس الشيوخ التصويت لاخراجه من الرئاسة. وعلى الرغم من تكدس الدلائل وارتفاع عدد تجاوزات ترامب الدستورية، الا ان قانون الخلع الذي سيصادق عليه الديموقراطيون في مجلس النواب - الذي يتحول الى ادعاء اتهامي يتم ارساله الى مجلس الشيوخ الذي يتحول الى محكمة ويصبح اعضاؤه بمثابة هيئة محلفين - سيكتفي بتناول مخالفة واحدة يمكن تعزيزها بأكثر براهين تجعل من دحضها عملية شبه مستحيلة، وهو ما يعني ان تصويت اي من الشيوخ ضدها سيكون صوتا ضد العدالة، وهو ما قد يكلّف الشيوخ المعارضين لاطاحة ترامب سياسيا، وربما يكلفهم مقاعدهم في المجلس.
ويقول الديموقراطيون في الكونغرس، انه على عكس تحقيق مولر في امكانية تورط ترامب مع روسيا في التلاعب بانتخابات 2016، وهو تحقيق استغرق سنتين ونجم عنه تقرير بلغ طوله 450 صفحة، سيكون تحقيق الكونغرس في قيام ترامب بالضغط على اوكرانيا حتى تحقق في نشاطات عائلة بايدن التجارية، تحقيقا موجزا، ويقتصر على مخالفة او اثنتين قام بهما الرئيس ويمكن اثباتها.
ويعلم الديموقراطيون ان الاقلية التي يسيطرون عليها في مجلس الشيوخ، والبالغ عددها 48 عضواً، لا تكفي للاطاحة بترامب، اذ تحتاج الاطاحة الى غالبية الثلثين، اي ما يعادل 67 صوتاً. على ان الديموقراطيين يأملون، في حال تعذر اقناع 19 سناتوراً جمهورياً بالتصويت الى جانبهم لاخراج ترامب من الرئاسة، ان يحصلوا على الغالبية البسيطة، أي 51 عضوا، وهو ما يعني ان غالبية المشرعين في الكونغرس، بغرفتيه، يعتقدون ان ترامب ارتكب تجاوزات دستورية لا تؤهله للبقاء في منصب رئيس، رغم بقائه فيه، وهو تصويت قد يحمل رسالة كبيرة للاميركيين للاقتراع ضد ترامب، في الانتخابات الرئاسية المقررة بعد عام.
في هذه الاثناء، لفت خبراء اميركيون الى ان كمية الفساد وتجاوز الاعراف والقوانين التي قام بها ترامب والمسؤولون في ادارته من شأنها ان تفتح شهية اجهزة الاستخبارات الدولية للبحث عن تجنيد جواسيس في واشنطن لمصلحتها. ولفت الخبراء ان تحقيقات الكونغرس في اطار عملية الخلع الرئاسي كشفت عن الكثير من الاستخفاف من قبل العاملين في ادارة ترامب في كيفية تواصلهم مع بعضهم البعض، وكذلك تجاوزهم البروتوكولات الامنية والقانونية المرعية الاجراء.
وأظهرت تحقيقات الكونغرس ان ترامب مع عدد لا بأس به من افراد ادارته استخدموا وسائل تواصل عادية، مثل الرسائل النصية القصيرة وبرنامج «واتساب»، وهو ما يتعارض وتعليمات الأمن للعاملين في الحكومة. كذلك اظهرت التحقيقات أن ترامب وافراد فريقه لم يعمدوا الى استشارة المسؤولين القانونيين في دوائرهم قبل أي خطوة يقومون بها.
وفي كل فريق في الادارة قانوني او اكثر يقومون عادة بالإشراف على أي مذكرات إدارية أو سياسات قبل الإعلان عنها، ومهمة هؤلاء القانونيين تكون عادة في تأكيد ان السياسات او التعليمات او المذكرات الادارية كلها تتسق مع الضوابط الدستورية والقانونية الاميركية. ويمكن لأي مواطن أميركي الادعاء ضد أي قرار أو قانون اميركي امام المحاكم، التي يمكنها شطب اي سياسة او قانون لا تتناسب والدستور او القوانين الاميركية.
اما ترامب وافراد فريقه، فلا يراعون هذه التقاليد الحكومية، وهو ما سمح للرئيس الاميركي بارتكاب تجاوزات دستورية قد تطيح برئاسته، وهي تجاوزات كان يمكن لأي من القانونيين في إدارته منعه من ارتكابها، وتالياً حمايته من مغبة تعرضه لعملية الخلع، وربما الاطاحة لاحقا، التي تجري على قدم وساق.

الأربعاء، 6 نوفمبر 2019

مسؤولون أميركيون: مفاوضات جنيف اعتراف متبادل بين الأسد ومعارضيه

واشنطن - من حسين عبدالحسين

انقسم المسؤولون الأميركيون والخبراء المتابعون للشأن السوري حول جدوى المفاوضات التي انطلقت في جنيف الأسبوع الماضي، بين الرئيس بشار الأسد ومعارضيه، برعاية الأمم المتحدة ومشاركة 45 سورياً اختارتهم المنظمة الدولية ليمثلوا ثلاث مجموعات، كل واحدة تتألف من 15 شخصاً: مجموعة تمثل النظام، وأخرى تمثل المعارضة، وثالثة تمثل المجتمع المدني.
ولطالما عارض نظام الأسد عقد أي مفاوضات مع المعارضة، متهما إياها بالعمالة والإرهاب، ومصراً على اختيار الكيانات والأشخاص الذين توافق دمشق على اعتبارهم معارضين.
وسمعت «الراي» من مسؤولين في الإدارة الأميركية أن «مفاوضات جنيف الأسبوع الماضي شكّلت اعترافاً متبادلا بين الأسد ومعارضيه»: الأسد اعترف بمعارضيه ووافق على جلوس وفده معهم وجها لوجه، للمرة الأولى منذ اندلاع الثورة في العام 2011، والمعارضة اعترفت بالأسد كطرف مفاوض بعدما اشترطت - على مدى سنوات - خروجه من الحكم حتى تحاور من يتبقى من نظامه.
وفيما كان من المفترض أن تنحصر مهمة المفاوضات بكتابة دستور جديد لسورية، يصار بعده الى إعادة تشكيل الحكم على أسس جديدة في مرحلة ما بعد الأسد، باشر المفاوضون أولى جولاتهم بمطالبة بعضهم البعض ببوادر حسن نية لبناء الثقة. وطالب معارضو الأسد بالإفراج عن آلاف المعتقلين السياسيين في سجونه، فيما طالب النظام، المعارضين بإعلان عدائهم للإرهاب، وطالب المجتمع الدولي برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق.
أما في المضمون، فأثار المعارضون مسائل حول شكل الحكم مستقبلا، وصلاحيات الرئيس، وهو نقاش اعتبره بعض الخبراء في واشنطن انه لا يكفي، مشيرين إلى أن المشكلة الأكبر تكمن في دور وصلاحيات الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للأسد، والخارجة عن أي رقابة قانونية لمؤسسات الدولة.
وقال الباحث في معهد واشنطن للشرق الأوسط إبراهيم الأصيل إنه «إذا لم تعالج مفاوضات جنيف القمع الذي تمارسه الأجهزة الأمنية والعسكرية، فلن تؤدي الى أي تغيير في سورية».
وأضاف لـ«الراي»، ان تسلّط الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للأسد أساس المشكلة، وأن إصلاح هذه الأجهزة «ليس مطروحاً للنقاش في جنيف».
وهنا تكمن المشكلة، برأي الأصيل، الذي يرى انه في غياب الحوار حول مستقبل أجهزة الأسد الأمنية، لا ضمانات تشي أنه يمكن التطبيق في دمشق أي تعديلات دستورية يتم التوصل إليها في جنيف، وهو ما يعني أن النتيجة الوحيدة للمفاوضات هي تقديم أداة للرئيس السوري لإعادة تأهيل نفسه في عيون المجتمع الدولي.
ويعتقد الباحث الأميركي من أصل سوري أن «من الواضح وجود إجماع دولي حول ضرورة استمرار المفاوضات»، مضيفاً أنه «في وقت يمكن للمفاوضات أن تمارس الضغط على نظام الأسد من أجل بعض الإصلاحات، هناك احتمال كبير أن يستخدمها بشار كأداة لإعادة تأهيل نفسه أمام المجتمع الدولي».
ويقول المسؤولون الأميركيون إن «روسيا مارست ضغطاً كبيراً على الأسد لحمله على القبول بالتفاوض وجهاً لوجه مع معارضيه، ربما اعتقاداً منها أن المفاوضات هي اعتراف دولي ببقاء الأسد كجزء من الحل».
على أن «الولايات المتحدة وحلفاءها في الغرب سبق أن حددوا شروط رفع العقوبات عن الأسد والإفراج عن أموال إعادة الإعمار التي يحتاجها النظام بشكل يائس لتحريك اقتصاده الميت».
ويعتقد المسؤولون أن روسيا تسعى منذ فترة لإعادة تأهيل الأسد وتحريك اقتصاده حتى تحقق عائدات اقتصادية من تدخلها العسكري في سورية ودعمها المكلف لبشار ونظامه.
وتشير التقارير إلى أن الأسد وقّع على تنازلات اقتصادية ونفطية كبيرة للروس والإيرانيين، ثمناً لمساعدتهم العسكرية.

الثلاثاء، 5 نوفمبر 2019

كيف صار المستضعفون مستكبرين؟

حسين عبدالحسين

في ذاكرتي أننا يوم كنا صبية في بعلبك اللبنانية، نحن أولاد من يقولون إن الدين لله والوطن للجميع، كنا نسعد يوم نتبارى في كرة القدم وأقراننا من أبناء "حزب الله"، إذ على عكس مبارايتنا السوقية الشوارعية، حيث الغضب والصراخ والكلام البذيء، كان اللعب ضد صبية "حزب الله" منضبطا هادئا، يبدأ عادة بتلاوة سورة "العصر" القرآنية، ويتمتم بعدها أولاد الحزب الدعاء بطول عمر الإمام القائد، الخميني وقتذاك، حتى ظهور القائم بالزمان.

واللعب ضد صبية "حزب الله" كان "على الذمّة"، أي الضمير، وهو يعني أن اللاعب نفسه يعترف إن ارتكب خطأ أو إن لمسته الكرة قبل خروجها.

ولم يكن يبدو أن أبناء "حزب الله" يسعون للفوز، بقدر ما كانوا يحرصون على الأدب والأخلاق وحسن سير اللعبة. حتى عندما كان أحدنا يصرخ "خطأ" أو "كرة يد"، وهي لا تكون كذلك، يلتفت لاعب "حزب الله" ويسأله "على ذمتك"، وإذا اجاب اللاعب بالإيجاب، يتنازل لاعب الحزب فورا، وهو ما كان يثير في اللاعب المفتري الشعور بالذنب، ويجبر الجميع على اللعب بأخلاق عالية وضمير، حتى لا نستغل طيبة صبية الحزب.

في صغرنا، كانت أخلاق "حزب الله" الرفيعة ترفع من أخلاق كل اللاعبين، واللعبة عموما.

"حزب الله" استمر في أخلاقه شبه الملائكية طوال الثمانينيات والتسعينيات، وكان على الرغم من قوته العسكرية وتنظيمه، لا يتدخل في شؤون لبنان الداخلية، لا السياسة ولا البلديات ـ باستثناء محاولات أسلمة المجتمع في الثمانينيات وحربه مع حركة أمل في نهاية الثمانينيات. على مدى عقدين، يندر أن أدلى "حزب الله" برأي في السياسة أو الاقتصاد، بل ركّز اهتمامه على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان.

وفي سني مقاومة الاحتلال، عدّل "حزب الله" خطابه الإسلامي، وأسمى نفسه "المقاومة اللبنانية"، وتبنى قرار مجلس الأمن رقم 425، والذي كان ينص على انسحاب إسرائيل من لبنان، وهو تبني كان إنجازا على طريق "لبننة الحزب"، الذي لم يعترف بادئ الأمر بكيانات "سايكس بيكو" بحدودها القائمة، بل دعا لإقامة حكم إسلامي لا حدود له، بولاية نائب إمام الزمان، الولي الفقيه ومرشد الثورة الإسلامية في إيران.

وبلغت لبننة "حزب الله" أنه عدّل من تاريخه كذلك، فالحزب الذي أعلن تأسيس نفسه في بعلبك في العام 1982، وكان يوقع بياناته باسم "حزب الـ…" تفاديا لكتابة اسم الجلالة الإلهية، راح يردد أنه تأسس في العام 1985 في بيروت. والفارق بين تاريخيّ التأسيس يعفي الحزب من مسؤولية تفجيرات السفارة الأميركية والمارينز والقوات "المتعددة الجنسيات"، وتاليا يعفي الحزب من صفة الإرهاب بالشكل المتعارف عليه في الأمم المتحدة والعواصم الغربية.

من غير المعروف إن كان "حزب الله" هو الذي قرر الابتعاد عن السياسة اللبنانية في أول 23 عاما من عمره، أو إن أجبره على ذلك نظام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، الذي خاض مواجهتين في وجه إيران والميليشيا الموالية لها ليثبت أنه صاحب اليد العليا في لبنان: الأولى الحادثة المعروفة بـ "مجزرة ثكنة فتح الله" في العام 1987، والتي اقتحمت فيها قوات الأسد مقر قيادة "حزب الله" وأعدمت العشرات من أعضائه، والثانية المعروفة بـ "مجزرة جسر المطار"، والتي قتلت فيها القوات الأمنية اللبنانية، بإمرة سورية في 1993، تسعة كانوا يتظاهرون ضد السلام العربي ـ الإسرائيلي. لم ينتقم "حزب الله" لضحاياه من نظام الأسد، وكان يبرر تقاعسه أن هذا النوع من المواجهات يعيق المعركة الأكبر، وهي تحرير جنوب لبنان.

بقي "حزب الله" وزعيمه حسن نصرالله فوق الشبهات، بل نالا حظوة لانصبابهما على مواجهة الاحتلال من دون التورط في سياسة لبنان وموبقاتها، إلى أن حدث ما لم يكن في الحسبان: انسحبت إسرائيل في 2000، وصار "حزب الله" جيشا بلا حرب، وبدون سبب وجود.

حاول الحزب الموالي لإيران بادئ الأمر الانخراط في مواجهات ثانوية واستخباراتية مع إسرائيل، لكن هذه لم تجد، إلى أن غيرّت حرب العراق في العام 2003 المنطقة، إذ بعد توجّسها من الديمقراطية القادمة، تخلّت السعودية عن حذرها، وتعاونت مع أميركا لتثبيت استقرار العراق، بدلا من هزّه كما كانت تفعل إيران، وهو تباين أدى لإنهاء الترتيب السعودي السوري في لبنان، فاغتيل رمزه، رئيس الحكومة رفيق الحريري، وهو اغتيال أجبر الأسد على سحب قواته من لبنان في العام 2005.

هكذا وجد لبنان نفسه بلا وصاية، ووجد نصرالله الباب مفتوحا أمام وظيفة جديدة لـ "المقاومة"، التي لم يتأخر في إرسالها لتأديب معارضيه اللبنانيين في 2008. منذ ذلك التاريخ ونصرالله هو الحاكم الأوحد في لبنان.

على أن انغماس نصرالله في السياسة يتطلب حكما المناورة، والانقلاب في المواقف وتغييرها، وهو أمر يجعل من اللعب "على الذمّة" أمرا مستحيلا، فالسياسة عكس الضمير. ومع التغير في دور نصرالله وشخصيته، تغير معه مناصروه، فهؤلاء تخلّوا عن "اللعب النظيف"، وصاروا مثله، يصرخون، يهددون، يتآمرون، يتهمون الناس بالعمالة زورا. صار أبناء "حزب الله" يرتدون قمصانهم السود جماعيا في الأيام التي ينوون الاعتداء فيها على من يخالفهم الرأي في الشوارع، وصاروا يضربون اللبنانيين، ويشتمونهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

كيف صار المستضعفون مستكبرين؟ وإن ظهر الإمام المنتظر ليملأ الارض قسطا وعدلا بعدما امتلأت ظلما وجورا، من هم الظالمين المستكبرين الذين سيحاربهم الإمام؟ ومن هم المظلومين المستضعفين الذين سينصرهم ويدافع عنهم؟ أم أن الإمام سينتقي، بطائفية، من هم على مذهب أهل البيت، ظالمين كانوا أم مظلومين؟

القوة تعمي البصيرة. لذا، صنّف القدماء العالم إلى نصفين، حكمة وقوة. الحكمة كالليل، سوداء خالدة، والقوة كالشمس، بيضاء فانية، تشرق وتغيب، أي تلد وتموت. خسر المستضعفون حكمتهم يوم تملكتهم القوة، فتحولوا إلى مستكبرين، وصارت العدالة تنتظر أفولهم. أما الغالبون، فهم من تواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر.

علاقة البنتاغون بالجيش اللبناني لا ترتبط بالقرارات السياسية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تضاربت الأنباء حول مصير المساعدة السنوية الاميركية للجيش اللبناني، والبالغة 105 ملايين دولار، بعدما نقلت وكالة انباء عالمية، عن مصادر في العاصمة الاميركية، ان البيت الابيض قرر تعليق هذه المساعدة بسب تطورات الاحداث في لبنان. لكن هذا الموقف الصادر عن مجلس الأمن القومي الاميركي، لم تظهر له ترجمة ادارية حتى الآن، ولم يترافق مع اي مذكرات ادارية او قرارات حكومية، وسط صمت تام في وزارتي الدفاع والخارجية.
وتعليق المساعدات للجيش اللبناني، هو مطلب مجموعة صغيرة من الباحثين والمسؤولين ترى ان «هذا الجيش صار في جيب (حزب الله)»، وان انفاق الاموال الاميركية لمساعدته، بلا جدوى، بل انه يأتي في مصلحة الحزب الموالي لايران.
ويعتقد هؤلاء انه يمكن لواشنطن استخدام مساعدتها السنوية للضغط على الجيش اللبناني للقيام بمهمات، من قبيل تأكيد بقاء سلاح «حزب الله» شمال نهر الليطاني، تنفيذا لقرار مجلس الأمن الرقم 1701. ويذهب بعض المعنيين الاميركيين الى مطالبة الادارة بممارسة الضغط على الجيش اللبناني لاقناعه بنزع صواريخ الحزب المتوسطة والبعيدة المدى، ومنعه من اقامة مصانع صواريخ في لبنان.
لكن من يعرف نظام المساعدات العسكرية يعلم ان هذه المساعدات لا ترتبط بالقرارات السياسية ولا بالعلاقات بين أي من الادارات الاميركية المتعاقبة او الحكومات في بيروت، بل هي مساعدات «بين جيشين». وكانت البنتاغون وقعّت في العام 2009 اتفاقية تعاون مع الجيش اللبناني، وتخطت قيمة المساعدات العسكرية للبنان عتبة الملياري دولار منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم.
وللجيش الاميركي اتفاقيات تعاون عسكرية - عسكرية مع دول أخرى في المنطقة، مثل مصر. ويمكن للاتفاقية الثنائية بينهما ان توضح طبيعة هذا النوع من التعاون العسكري، فمنذ الثورة التي اطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك في العام 2011، ثم تحت حكم خلفه محمد مرسي، وبعدهما الرئيس عبدالفتاح السيسي، لم تتأثر علاقة البنتاغون بهوية رئيس مصر او حكوماتها، بل ان العلاقة مع الجيش حافظت على متانتها، حتى ان الخط العسكري بقي مفتوحاً في ايام التوتر السياسي بينهما، وكانت واشنطن دائماً تعوّل على الجيش لضمان الاستقرار.
وسبق لوزير الخارجية السابق جون كيري ان حدد العلاقة العسكرية الاميركية - المصرية، في جلسة استماع علنية في مجلس الشيوخ، على الشكل التالي: تقدم اميركا معونتها العسكرية للجيش المصري، الذي يضمن لاميركا في المقابل ثلاثة أمور، هي: أمن واستقرار الحدود المصرية مع اسرائيل، حرية الملاحة الدولية في قناة السويس، وحرية تحليق الطائرات الحربية الاميركية والمقاتلات في الاجواء المصرية.
وعلاقة البنتاغون بالجيش اللبناني لا تمر بالسياسة والسياسيين. ومبلغ 105 ملايين، هو زهيد مقارنة بميزانية الدفاع الأميركية السنوية البالغة 686 مليار دولار. ويطلب المسؤولون الاميركيون عدم نشر ما تحصل عليه واشنطن لقاء مساعدتها السنوية للجيش اللبناني، وتكتفي بالقول انها لا تطلب اي مطالب غير قانونية او غير متوافق عليها سياسياً.
وبسبب طبيعة العلاقة العسكرية المباشرة، لا تمر اللقاءات عبر القنوات الديبلوماسية المعهودة، أي غالبا ما يزور كبار قادة الجيش اللبناني العاصمة الاميركية لعقد لقاءات مع نظرائهم، تبقى بعيدة عن اعين السياسيين اللبنانيين، خصوصا منهم من يحسبون انفسهم في سباق سياسي مع واحد او أكثر من هؤلاء الضباط، في وقت لا تمنح واشنطن اي لقاءات للمسؤولين اللبنانيين، باستثناء قلّة قليلة منهم، مثل رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري.
وبسبب الفصل بين العلاقة العسكرية والسياسية، يبدو ان المؤسسة الدفاعية الاميركية تعتقد ان مساعدتها للجيش اللبناني وعلاقتها معه مفيدة للطرفين، وان لا مصلحة للولايات المتحدة بالتخلي عن هذه العلاقة او وقف المساعدات، وهو ما يعني ان قيام مجلس الأمن القومي بتمرير تسريبات عن وقف المساعدة، قد يكون من باب المناورة السياسية فحسب.
قانونيا، يمكن لأي ادارة ان تطلب «مراجعة» في اي مساعدة عسكرية، وهو ما يؤدي الى تجميدها لمدة 90 يوماً، ثم يتم الافراج عنها. اما رصد المساعدات العسكرية، فهو في يد الكونغرس، وصرف المساعدة في يد المؤسسة العسكرية، غالباً بعيداً عن التقلبات السياسية.
ويقول عاملون في الكونغرس انه في حال ثبتت جدية الادارة في تجميد المساعدة السنوية للجيش اللبناني حتى اشعار آخر، فان الكونغرس سيكون له موقف، وسط مفاوضات معقدة بين مجلس النواب، ذي الغالبية الديموقراطية، والرئيس الجمهوري دونالد ترامب، حول اقرار قانون انفاق جديد.