الأربعاء، 26 أغسطس 2020

«واشنطن بوست»: عيّاش في فريق اغتيالات قتل الحسن والحاج وعيد وشطح

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أثار قيام عدد من مصادر الاستخبارات الأميركية والأوروبية، بتسريب ما تعرفه عن اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري، علامات استفهام حول سبب توقيت التسريب وارتباط ذلك بأي متغيرات قد تطرأ على السياسة الأميركية تجاه إيران في حال تغلب مرشح الديموقراطيين جو بايدن على الرئيس دونالد ترامب، في الانتخابات الرئاسية المقررة في الثالث من نوفمبر المقبل.وأوردت صحيفة «واشنطن بوست»، أن أجهزة الاستخبارات الأميركية والأوروبية، عبر تنصتها ووسائل مراقبة أخرى، توصلت إلى نتيجة مفادها بأن سليم عيّاش، الذي أدانته محكمة دولية بالمشاركة في اغتيال الحريري، هو عضو في فريق اغتيالات سري، يحمل اسم «الوحدة 121»، تابع لـ«حزب الله» ويضم عشرات الأعضاء، ويتسلّم أوامره مباشرة من الأمين العام حسن نصرالله. 
ونقلت الصحيفة عن اللواء المتقاعد أشرف ريفي، تأكيده وجود الوحدة في «حزب الله» وعضوية عيّاش فيها.
كما نقلت الصحيفة عن مصادر الاستخبارات اعتقادها أن وحدة «حزب الله» نفسها، التي ينتمي اليها عيّاش، قامت بتنفيذ أربع عمليات اغتيال أخرى في لبنان، اللواء وسام الحسن، والعميد فرنسوا الحاج، والرائد وسام عيد، والوزير السابق محمد شطح.
وكان لافتاً أنه لم ترد - في مقال الصحيفة المحسوبة على الحزب الديموقراطي - ولا مرة واحدة كلمة إيران، رغم الصحافيين الغربيين يندر أن يكتبوا عن «حزب الله» من دون ذكر أن الحزب اللبناني يرتبط بالجمهورية الإسلامية، اذ بدا وكأن الحزب قام باتخاذ قراراته بتصفية هذه الشخصيات لأسباب داخلية غير مرتبطة بالأوضاع الإقليمية، فيما الرأي الغالب في أوساط المسؤولين والخبراء الأميركيين، منذ اغتيال الحريري في العام 2005، أن اغتياله لم يكن مرتبطاً البتة بشؤون لبنان الداخلية، بل كان جزءاً من مواجهة إقليمية قامت خلالها طهران بتصفية نفوذ خصومها الإقليميين في لبنان، بعد سنوات من الشراكة معهم.
على أن حديث الديموقراطيين عن تورط «حزب الله» في سلسلة الاغتيالات، بما في ذلك مقتل الحريري، من دون التطرق الى إيران، يصب في صلب سياستهم، حتى منذ سني حكم الرئيس الأسبق باراك أوباما. 
فالديموقراطيون يدركون أن لإيران «نشاطات مزعزعة في الشرق الأوسط» تؤذي مصالح أميركا وحلفائها، وأن على واشنطن التصدي لها. لكنهم يعتقدون في الوقت نفسه، أنه يمكن التصدي لـ«النشاطات المزعزعة» من دون ربطها بطهران، لتفادي تعكير العلاقة معها ولتفادي تقويض الاتفاقية النووية.
وفي ذروة تحسن العلاقات بين واشنطن وطهران والتوصل لتوقيع الاتفاقية النووية معها في العام 2015، قام الكونغرس، بغالبية الحزبين، بإقرار قانون عقوبات على «حزب الله» مع نهاية 2015، ووقعه أوباما ليصبح نافذاً قبل نهاية ذاك العام. وأقرّت وزارة الخزانة بموجبه عدداً من العقوبات التي طالت كيانات، منها مصارف، ولبنانيين تعتقد الإدارة الأميركية أنهم يساهمون في تمويل الحزب، الذي تصنفه واشنطن إرهابياً منذ 1996.
بكلام آخر، بالنسبة للديموقراطيين، مواجهة «حزب الله» في لبنان هي جائزة ترضية يقدمها الرؤساء الديموقراطيون لحلفائهم في الشرق الأوسط، مقابل مضي الإدارة في تحسين العلاقات مع طهران، وهو ما يفسّر قيام صحيفة محسوبة على الديموقراطيين، وداعية للعودة للاتفاقية النووية، بنشر ما من شأنه أن يمعن في إدانة «حزب الله». وهذا يعني أنه في حال وصول بايدن للبيت الأبيض، سيدفع لبنان ثمن أي تقارب أميركي - إيراني.
لبنان سيدفع الثمن كذلك في حال فوز الرئيس دونالد ترامب بولاية ثانية، إذ من المرجح أن يواصل سياسة «الضغط الأقصى» التي يمارسها على طهران، والتي فرض بموجبها عقوبات اقتصادية أحادية أدت لشبه انهيار الاقتصاد الإيراني. 
ولأن سياسة الجمهوريين تقضي بأقصى العقوبات والمواجهة، فهذا يعني تلقائياً مواصلة الضغط والإدانة بحق «حزب الله»، ما يعني أن الحزب، وبمعيته لبنان، سيدفعان ثمن أي من السياستين الأميركيتين المتناقضتين تجاه إيران: إن انفتاح الديموقراطيين على طهران أو مواصلة الجمهوريين ضغطهم عليها.
«الراي» حاولت الوقوف على آراء مسؤولين أميركيين حول مقالة «واشنطن بوست» التي تتهم عيّاش و«الوحدة 121» باغتيال خمسة مسؤولين لبنانيين على الأقل، لكنهم آثروا الصمت وعدم التعليق. بيد أنهم أشاروا الى أن الدروس التي يجب على اللبنانيين استخلاصها من السياسة الأميركية حول لبنان مفادها بأنها «سياسة تتمتع بإجماع في واشنطن، بغض النظر عن الهوية الحزبية للرئيس أو للحزب الذي يسيطر على الكونغرس» في أي من غرفتيه.
«السياسة الأميركية تجاه لبنان تقضي بدعم سيادة دولته»، يقول مسؤول أميركي، اشترط عدم ذكر اسمه، مضيفاً أن «سيادة حكومة لبنان تعني حكما حلّ ميليشيا حزب الله وتحوّله حزباً سياسياً، وحصر استخدام العنف بأيدي الوكالات الأمنية التابعة للحكومة المنتخبة».
ويختم المسؤول أن «الأمر لا يحتاج إلى خبراء لمعرفة أن من مصلحة لبنان الحياد والخروج من المواجهات الإقليمية التي يدفع اللبنانيون دائماً ثمنها، إن في السلم أو في الحرب».

الثلاثاء، 25 أغسطس 2020

ترامب يرفع حظوظه في الولايات المتأرجحة: «الديموقراطي» يستخدم «كورونا» لسرقة الانتخابات

واشنطن - من حسين عبدالحسين

قبل 70 يوماً من الانتخابات الرئاسية المقرّرة في الثالث من نوفمبر المقبل، أظهرت سلسلة من استطلاعات الرأي تقدماً في شعبية الرئيس دونالد ترامب، الذي يسعى للفوز بولاية رئاسية ثانية على حساب منافسه الديموقراطي نائب الرئيس السابق جو بايدن، محذّراً من أن الديموقراطيين سيسعون لسرقة الانتخابات من دون أن يقدم دليلاً.وظهر تحسن أوضاع ترامب في الولايات الأربع أو الخمس المتأرجحة، التي ستحسم السباق، خصوصاً أوهايو في الوسط الغربي، التي أظهرت أرقامها أن الرئيس الأميركي قلب تأخره تقدماً، وان كان تقدمه ما زال طفيفاً وفي نطاق هامش الخطأ الحسابي. 
ويأتي التحسن في شعبية ترامب على خلفيه انحسار بعض الأزمات التي تعصف بالبلاد منذ مارس الماضي، مع الانتشار الواسع لوباء كورونا المستجد، حيث قارب عدد الأميركيين المصابين عتبة الستة ملايين، وهو الأعلى في العالم، بالتزامن مع تقلّص اقتصادي هو الأكبر منذ الكساد الكبير في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي. 
وتظهر أحدث الجداول البيانية أن نسبة الاصابات الجديدة بين الأميركيين انخفضت بواقع الربع في عموم البلاد، وانخفضت معها أعداد الوفيات. 
كذلك، تظهر بيانات وزارة العمل أن الاقتصاد أفاد من تسعة ملايين فرصة عمل جديدة، في الأشهر الثلاثة الأخيرة، أسهمت في التعويض عن فداحة المشكلة التي خلقتها خسارة 20 مليون وظيفة في أول شهرين لبدء انتشار الوباء.
وعلى الرغم من أن بايدن يبدو أنه متقدم شعبياً بفارق شاسع يتعدى العشر نقاط مئوية، إلا أن عدداً من نقاط الضعف تشوب هذا التقدم، أهمها اثنتان: الأولى تكمن في أن استطلاعات الرأي في الفترة التي تسبق موعد الانتخابات بكثير لا تميّز بين المستطلعين ممن سينتخبون، وممن يدلون بآرائهم من دون أن تكون لديهم نية الذهاب الى صناديق الاقتراع للانتخاب. 
لكن مع اقتراب موعد الانتخابات المقررة، تقوم مراكز الاستطلاع بالتركيز على المسجلين ممن ينوون الاقتراع فحسب، وهو غالباً ما يقلّص الفارق في الشعبية بين المرشحين الى أدنى حدود. 
ويقول أبرز خبير أميركي في شؤون استطلاعات الرأي نايت سيلفر، إن بايدن يتقدم حالياً بفارق أكثر من عشر نقاط مئوية، وأنه حتى مع تقلّص الفارق بسبب التركيز على المقترعين بين المستفتين، سيبقى متقدما وتبقى حظوظه بالفوز أعلى بكثير. 
لكن في حال ارتفعت شعبية ترامب، أو انخفضت شعبية منافسه، بشكل طفيف حتى يصبح الفارق الحالي بينهما عشر نقاط أو أقل، يتقلص الفارق بين المرشحين الى معدل في نطاق هامش الخطأ الحسابي. 
المشكلة الثانية تكمن في نجاح ترامب في تجاوز منافسه في ولاية ويسكونسن، حسب آخر استطلاعات الرأي. 
ويقول الخبراء إنه إن كان سوء اداء ترامب وادارته في مكافحة الفيروس، مع ما نجم عنه من تقلّص غير مسبوق في الناتج المحلي للنمو الاقتصادي، وسلسلة الكتب الشديدة السلبية بحق الرئيس الأميركي والتي أصدرها كبار من عملوا في إدارته ممن سبق أن كانوا من المقربين إليه، ومع ذلك يتقدم ترامب على بايدن في أوهايو حتى قبل أن يبدأ التركيز على خيارات المقترعين وحدهم، فهذه مشكلة من غير الواضح أن كان لدى الحزب الديموقراطي ومرشحه بايدن المقدرة على التصدي له وقلبها لمصلحتهما. 
وكان بايدن أفاد شعبيا من وباء كورونا والتدهور الاقتصادي الذي رافقه، فسجّلت استطلاعات الرأي تصدره في اوهايو بفارق تعدى ثلاث نقاط مئوية في ذروته على مدى شهري يونيو ويوليو. لكن مع نهاية الشهر الماضي، استعاد ترامب الصدارة للمرة الأولى، وتبادلها مع منافسه على مدى الأسابيع الماضية، الى أن استعاد ترامب الصدارة مجدّداً قبل أيام، وان بفارق ضئيل بالكاد يبلغ واحداً على عشر نقاط مئوية.
أما في ويسكونسن وفلوريدا ومينيسوتا وبنسلفانيا، الولايات المتأرجحة التي يظهر فيها تقدم بايدن على ترامب ثابتا، تحافظ شعبية الرئيس الأميركي على نسبة مستقرة بشكل حديدي، نحو 45 في المئة من إجمالي المستفتين، وهو ما يضع بايدن أمامه بنحو خمس نقاط مئوية. 
واذا ما احتسبنا تقلص الفارق الحتمي مع الاقتراب من موعد الانتخابات، فان تقدم بايدن يقع ضمن نطاق هامش الخطأ الحسابي، وهو ما يعني أن هذه الولايات قد تذهب الى أي من المرشحين، وأن النتيجة النهائية ستبقى غير معلومة حتى نهاية عملية الفرز واحتساب الأصوات، ما يعني أن ترامب قد يفجر مفاجأة - على عكس أرقام الاستطلاعات - على غرار ما فعل في انتخابات العام 2016 يوم أطاح منافسته الديموقراطية وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، بعدما كانت الاستطلاعات تشير إلى تقدمها على مدى الأشهر الستة التي سبقت يوم الانتخابات. 
أمام امكانية أن يعاني بايدن من مفاجأة مشابهة للانتخابات الماضية، سمعت «الراي» من مسؤولي الماكينة الانتخابية للديموقراطيين أنها تعول على السيناتور كمالا هاريس، التي اختارها بايدن للترشح الى جانبه لمنصب نائب رئيس. ويعتقد الديموقراطيون أنه يمكن لهاريس، وهي الوحيدة من أصول أفريقية بين مرشحي الحزبين الأربعة للبيت الأبيض، أن تلعب دوراً في بث الحماسة بين الناخبين السود الذين ساهموا في انتصار الرئيس السابق باراك أوباما، والذين أدى التراجع في نسبة اقتراعهم الى خسارة كلينتون.
وتُظهر بيانات 2012، مشاركة 66 في المئة من الناخبين السود، وأن نسبة 87 في المئة من هؤلاء اقترعوا للرئيس الأسبق باراك أوباما وبايدن. على أنه في 2016، انخفضت نسبة المشاركة لدى هذه الفئة الناخبة الى 59 في المئة فقط. وأظهرت استطلاعات الرأي أن كلينتون حصدت 81 في المئة فقط منهم.
ويمثل الأميركيون من أصول أفريقية نحو 12 في المئة من الناخبين، ويمثلون حصة كبيرة من الأصوات في ست من الولايات السبع التي فاز بها ترامب في 2016 بفارق خمس نقاط مئوية أو أقل عن كلينتون. وهذه الولايات هي فلوريدا التي يقطنها 15 في المئة من السود، وجورجيا حيث يسكن 32 في المئة منهم، وميشيغن 13 في المئة، ونورث كارولينا 22 في المئة، وبنسلفانيا 10 في المئة، وويسكونسن حيث 6 في المئة من السود.
ويستند مسؤولو الحملة الانتخابية للديموقراطيين الى تقرير صادر عن مجموعة كوك المتخصصة بالشؤون الانتخابية، اعتبر أن التراجع في نسبة مشاركة السود في دعم الديموقراطيين بين 2012 و2016 كان في الغالب السبب الذي رمى ميشيغن وويسكونسن على الأقل، وربما فلوريدا وبنسلفانيا كذلك، إلى ترامب، وهو السيناريو الذي يحاول الديموقراطيون تفاديه اليوم.
ومساء الاثنين (رويترز)، افتتح الجمهوريون مؤتمرهم العام برسم صورة قاتمة لأميركا إذا أطاح بايدن بالرئيس ترامب في الانتخابات، وتبنوا نبرة متشائمة طرحها ترامب قبل ساعات عندما حذر من أن الديموقراطيين سيسعون لسرقة الانتخابات من دون أن يقدم دليلاً.
وتعهّد الجمهوريون بتقديم رسالة إيجابية ملهمة على عكس ما وصفوه الأسبوع الماضي بأنه مؤتمر ديموقراطي قاتم وكئيب. لكن المتحدثين في الليلة الأولى، طرحوا آفاقاً مشؤومة إذا فاز الديموقراطيون بالسلطة.
وركز ترامب، من ناحيته، على رسالة «القانون والنظام» رداً على الاحتجاجات واسعة النطاق التي أعقبت مقتل الأميركي الأسود جورج فلويد في مينيابوليس في مايو الماضي، وحض المدارس والشركات على إعادة فتح أبوابها رغم وباء «كوفيد - 19». 
وتمثل الرسالتان محاولة من الحملة لاستعادة ناخبي الضواحي، ولا سيما النساء، بعدما تخلوا عن الحزب الجمهوري بأعداد كبيرة في عهد ترامب.
وكرّر ترامب بأن التصويت بالبريد، وهو عنصر قديم من عناصر الانتخابات الأميركية من المتوقع أن يكون أكثر شيوعاً أثناء جائحة فيروس كورونا المستجد، قد يؤدي إلى زيادة في عمليات التلاعب. 
وقال: «السبيل الوحيد الذي يُمكّنهم من سلب هذه الانتخابات منا هو أن تكون مزوّرة. سنفوز بهذه الانتخابات».
ويعتبر خبراء مستقلون في مجال أمن الانتخابات، ان تزوير الانتخابات أمر نادر جداً في الولايات المتحدة.
وكما فعل مراراً، وصف ترامب تصدي الولايات لإصابات «كوفيد - 19»، بعبارات حزبية صارخة، معتبراً عمليات الإغلاق والخطوات الأخرى التي أوصى بها مسؤولو الصحة العامة محاولات للتأثير على التصويت في نوفمبر.
وأضاف: «ما يقومون به هو استخدام كوفيد - 19 لسرقة الانتخابات. يستخدمون كوفيد للاحتيال على الشعب الأميركي، كل شعبنا، في انتخابات نزيهة وحرة».

العراقيات والإيرانيات يواجهن الملالي والميليشيات

حسين عبدالحسين

قتل مسلحون الناشطة العراقية رهام يعقوب في مدينة البصرة الجنوبية، لتنضم المغدورة إلى لائحة من الناشطين المعارضين لنفوذ ملالي إيران في العراق ممن تمت تصفيتهم في الأسابيع القليلة الأخيرة. الصور التي انتشرت للضحية تظهرها على رأس تظاهرة نسائية كانت نظمتها مع اندلاع الاحتجاجات ضد حكومة العراق والوصاية الإيرانية، وهي احتجاجات أدت إلى إحراق قنصليات إيرانية في العراق وتمزيق صور ملالي إيران، الراحل الخميني والحاكم علي خامنئي.

وفي فيديو، تظهر يعقوب وهي تقود تظاهرة فيها نساء ورجال يرددون بعدها عبارة "أنت منو (من)"، وهي تصيح باللهجة العراقية: "اني الاجيت (أنا الذي جئت) ومحترق… ما يهمني حر ولا برد… اني الرافض كل الدول… اني الحسيني المن (عندما) صَدَق… اني الولائي للوطن… اني البطل وابن البطل… اني الما منتمي (الذي لا أنتمي) لحزب".

كلمات يعقوب واضحة، تعبّر عن ألم عراقي معيشي، وتصرخ ضد التدخلات في بلادها، وتقول أن ولاءها للعراق، وأنها لا تنتمي إلى أي من الأحزاب المسلّحة العراقية. ومشكلة الولاء والسلاح مشكلة مستعصية في الدول العربية التي تعاني من نفوذ نظام إيران الإسلامي داخلها، وهو نظام يموّل ويدرّب ويسلّح مجموعات محلية على شرط أن يقسم مقاتلوها ولاء شيعيا سياسيا عابرا للحدود، مثل ميليشيات "الحشد الشعبي" في العراق وميليشيا "حزب الله" في لبنان.

ومرشد إيران خامنئي، كأي طاغية حول العالم وعبر التاريخ، لا يحتمل ولا كلمة بحقه غير التبجيل والتمجيد. في لبنان، تظاهر نفر يوما أمام سفارة إيران، فخرج إليهم عناصر من "حزب الله" بوجوههم المكشوفة التي رصدتها الكاميرات، وقاموا بإشباع المتظاهرين ضربا إلى أن قتلوا الناشط هاشم سلمان، وهو لبناني شيعي يعارض نفوذ إيران في بلاده. 

ومن نافل القول أن القضاء اللبناني، الذي أظهر استطلاع لمركز "الباروميتر العربي" أن واحد من كل أربعة لا يثقون به ولا بأحكامه، لم يتحرك لملاحقة الجناة في جريمة قتل سلمان، فظلوا أحرارا طلقاء، ربما يروعون لبنانيين آخرين ويهددونهم بالثبور وعظائم الأمور لو هم صرخوا ضد طغيان خامنئي في إيران وممثله حسن نصرالله في لبنان.

وقبل يعقوب، قتل مسلحون في بغداد، وجوهم مكشوفة وظاهرة على كاميرات المراقبة، العراقي هشام الهاشمي، الأرجح لأن الأخير نجح في كشف أسماء شبكة من اللبنانيين والعراقيين يقودون عمليات تبييض أموال داخل العراق لتمويل الميليشيات الموالية للمرشد خامنئي في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

لماذا تخيف ناشطة يافعة مثل الراحلة رهام يعقوب، ملالي إيران وميليشياتهم في العراق؟ الأنها شيعية ويصعب اتهامها بأنها من إرهابيي داعش السنة؟ الأنها عراقية محلية بلا علاقات مع جهات خارجية، ما جعلها صادقة في ما تقوله وأظهر قتلتها المرتزقة كذبة في ولائاتهم؟

ملالي إيران يخافون الحقيقة ويخشون الصدق. قبل رهام يعقوب، أرسلوا قناصا أطلق النار على قلب ندى سلطاني، التي كانت تشارك في تظاهرات "الثورة الخضراء" ضد حكم المرشد في 2009. لم يختر قنّاص النظام الإيراني هذه الشابة التي تظهرها الفيديوهات الخاصة محبة للحياة، تغني وترقص وتفرح وتبتسم. 

لا يحب المرشد والملالي الفرح والحياة، بل ينافقون في افتعال البكاء لتمجيد الموت ومن يموتون عبر التاريخ. المتظاهرون الإيرانيون قبضوا على القنّاص القاتل، لكن النظام أطلق سراح القاتل وهدد أهل القتيلة، واعتقل الشهود ممن تعرّفوا على الجاني.

في الدول التي لا تصلها يد الإرهاب الإيراني، تصلها تهديدات إعلام نظام طهران وتحرشات الذباب الإلكتروني. معصومة (ماسي) علي نجاد، التي تسكن في الولايات المتحدة، تعرضت لحملة تهديدات بالقتل من أزلام النظام في افتتاحيات الصحف الإيرانية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي.

لم تتراجع معصومة. وضعت في شعرها وردة صفراء، ونشرت صورتها على مواقع التواصل، وكتبت: شعري الذي يخيف طغاة إيران. 

والحقيقية أنه ليس شعر معصومة وحدها الذي يخيف ملالي الجريمة والظلام، بل شعر كل امرأة في إيران أو في مناطق نفوذ ميليشياتها في الدول العربية.

ملالي إيران وأزلامهم العرب يخافون شعر المرأة. ربما يعتقدون أنه لو شعر النساء بالهواء الطلق يداعب شعورهن لاستطيبوا الشعور بالحرية، وطلبوها أكثر فأكثر. ملالي ايران يفضّلون الوجه العابس المتزمت، لإخافة الناس، وكتم أنفاسهم، وإقناعهم أن فقرهم وعوزهم وبلاءهم سببه — لا فساد الملالي وسرقاتهم وسوء حكمهم — بل الإمبريالية وإسرائيل وأميركا، وكل الدول الأخرى التي ينعم ناسها بالحرية والديموقراطية في اختيار حكامهم. فقط في إيران، والآن في لبنان والعراق، لا حرية في الملبس، ولا في اختيار الحاكم، ولا في اختيار السياسة الخارجية، بل لباس موحّد، ورأي واحد، وحرب متواصلة، وموت دائم.

هذا الأسبوع، يعقد الشيعة حول العالم مجالس عاشوراء للتعبير عن الأسى على مقتل الإمام الثالث الحسين بن علي في كربلاء العراقية في 680 ميلادية. في بعض الروايات، بعدما قتل جيش الخليفة الأموي يزيد بن معاوية الحسين والذكور، ما عدا ابنه العليل منهم علي السجّاد، اقتاد الأمويون النساء سفورا إلى دمشق في رحلة السبايا. في بلاط يزيد وفي حضرته، وقفت أخت الحسين زينب، ومقامها جنوب دمشق حسب البعض، وأدلت بكلمة حق في وجه سلطان جائر. لهذا، يصف الشيعة الثائرات بالزينبيات.

ندى سلطاني ورهام يعقوب كانتا زينبيتين، ومثلمها الزينبية معصومة. العراقيات والإيرانيات يقفن في وجه طغيان ملالي إيران والميليشيات، فيما الملالي والميليشيات يقتلونهن لإسكاتهن، مثلما قتل عبدالرحمن بن ملجم علي بن أبي طالب، ومثلما قطع الشمر رأس الحسين. التاريخ يتذكر الضحايا ويلعن القتلة، ومن لا يصدق، هذه عاشوراء أمامكم.

السبت، 22 أغسطس 2020

الخلاف الأميركي مع إيران في العراق ... هو حول العراق فقط!

واشنطن - من حسين عبدالحسين

التزم رئيس حكومة العراق مصطفى الكاظمي الصمت أمام التعليقات التي سمعها من الرئيس دونالد ترامب، والمسؤولين الأميركيين عموماً، لناحية أن الولايات المتحدة تدعم بغداد في مكافحة الإرهاب بكل أشكاله وأنواعه، وأن الإرهاب - حسب وجهة النظر الأميركية - يتضمن كل المجموعات المسلحة غير الحكومية، بمن في ذلك تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، والميليشيات الموالية لإيران، والمعروفة بـ«الحشد الشعبي».المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران في العراق، تتخذ بعداً مختلفاً عن المواجهة الإقليمية بينهما. في العراق، لا يهم واشنطن تصفية حسابات مع طهران حول ملفها النووي، أو حول دعمها لـ«حزب الله»، رغم إدراج واشنطن بعض قادة الحزب اللبناني - مثل الشيخ محمد كوثراني - على لائحة الإرهاب، بسبب نشاطاتهم في العراق. كما لا تسعى إلى مواجهة الإيرانيين في العراق بالوكالة، عمّا يجري في سورية أو اليمن. 
في العراق، تسعى الولايات المتحدة إلى تكريس سيادة الحكومة الفيديرالية، ودعمها عسكرياً واقتصادياً وديبلوماسياً، وحصر الأمن في أيدي الوكالات الحكومية دون غيرها. إيران تسعى إلى عكس ذلك، حسب المسؤولين الأميركيين، «إلى تقويض سيادة العراق وإقامة دولة موازية ذات تنظيم مدني وعسكري موالٍ لها وخارج سيطرة الحكومة الفيديرالية، واستخدام اقتصاده كاقتصاد رديف» للإيراني المحاصر والمتهاوي. 
«خلافنا مع إيران في العراق هو حول العراق فقط، ولا تسوية حسابات غير عراقية نقوم بها ضد الإيرانيين في العراق»، يقول مسؤول أميركي رفيع المستوى.
على هذه الخلفية، ومن باب تعويم الكاظمي والسيادة العراقية، دعت الإدارة الأميركية، رئيس الحكومة إلى واشنطن، ولم يتأخر ترامب نفسه في إعلان الموقف الأميركي بحضور الكاظمي في المكتب البيضاوي، مساء الخميس، «القوات الأميركية موجودة في العراق لمواجهة أي تحرك إيراني محتمل». 
الكاظمي لم يعلّق على الموقف الأميركي ضد «الحشد» والنفوذ الإيراني، لا سلباً ولا إيجاباً... لكنه حاول تقديم مساحات بديلة للتعاون، فشدد على الحرب ضد «داعش»، وعرج على مواضيع التعاون الاقتصادي. 
وكان الكاظمي استبق زيارته للعاصمة الأميركية، بالإيعاز لشركة النفط الحكومية باستدراج عروض تنقيب عن النفط من كبرى الشركات الأميركية، وهو ما أسعد ترامب، في وقت اعتبر بعض الخبراء الأميركيين - مثل ضابط الاستخبارات العسكرية السابق مايكل بريغنت - في تصريحات لـ«الراي»، أن «في التنقيب الأميركي عن النفط رسالة إلى الصين وإيران، مفادها بأن لا ثمار اقتصادية لهما، للمجهود الأميركي في التحالف مع العراق ودعم سيادته». 
وإلى مكافحة الإرهاب، حاول الكاظمي الإشارة إلى الاعتداءات التركية على السيادة العراقية، وتمركز قواتها داخل الأراضي الشمالية، وعمليات تهريب البضائع عبر معابر غير شرعية إلى داخل العراق، وهو ما يحرم الخزينة مداخيل التعرفات الجمركية، بالإضافة إلى تهريب النفط العراقي المسروق إلى داخل تركيا.
ووعد المسؤولون الأميركيون، وفي مقدمهم ترامب، ضيوفهم العراقيين، بالتوسط لدى أنقرة لحملها على المساهمة في تعزيز سيادة العراق على أراضيه وعلى معابره الحدودية.
لكن الكاظمي لم يشر، لا من قريب ولا من بعيد، إلى عوامل تقويض السيادة العراقية الأخرى، وفي طليعتها سياسة إيران والميليشيات الموالية لها، وهو ما حمل الأميركيين إلى التطرق للموضوع، حتى من دون أن يسمعوا أي تعليق في هذا السياق من رئيس الوزراء العراقي أو الوفد المرافق.
وكتب الباحثان تايلر ساتيبلتون وماسي ظريف على موقع «ذا هيل» المتخصص بشؤون الكونغرس أن على الكونغرس الضغط على العراق لإجراء إصلاحات حقيقية، وأن «دور إيران المزعزع للاستقرار قد يؤدي إلى تفكيك العراق بالكامل، وعلى المرء ألا ينظر أبعد من لبنان ليرى ما ينتظر العراق إذا استمر المشروع الإيراني من دون عوائق». 
وأضاف الباحثان أن «المخاطر كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة، وما سيحدث في العراق في الأشهر المقبلة سيكون له تأثير كبير على موقف أميركا في الشرق الأوسط: هل ستعتمد واشنطن على المكاسب التي حققتها ضد الجماعات الجهادية مثل داعش والقاعدة؟ وهل تستطيع مواصلة الضغط لحرمان طهران من الموارد التي يمكن استخدامها لتعزيز طموحاتها في المنطقة»؟ 
وتساءل ساتيبلتون وظريف: «هل يقدر الشركاء المحليون على تحمل الأعباء الأمنية لأي تصعيد في وقت ينصب اهتمام الولايات المتحدة على التحديات العالمية الأخرى»؟ وختما القول: «سيتم الرد جزئياً على هذه الأسئلة داخل العراق نفسه».
بدوره، خالف كينيث بولاك، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي، كلاً من ستايبلتون وظريف، وطالب، في مقالة في «ذا هيل» أيضاً، أن تدعم واشنطن الكاظمي بأقل شروط ممكنة. 
وكتب أنه «لدى الولايات المتحدة فرصة رائعة مع الكاظمي، فهو أفضل رئيس وزراء عراقي يمكن لأي أميركي أن يتخيله. وهو أفضل بكثير مما نستحقه بالنظر إلى السلسلة اللامتناهية من الأخطاء التي ارتكبناها منذ عام 2003».
وقال بولاك إن الكاظمي «يحظى بدعم السيد علي السيستاني، وقادة الشيعة المعتدلين الرئيسيين مثل عمار الحكيم، والحركة الاحتجاجية والجمهور العراقي الأوسع»، وأن «السنة والأكراد يرون أنه تكنوقراط قادر على العمل معهم ومعاملتهم بإنصاف».
وحذّر المسؤول السابق من أن تكون الفرصة الأميركية في العراق «عابرة». 
وقال إن الكاظمي لم يتمكن من الوصول إلى «رئاسة الوزراء، إلا بعد الحركة الاحتجاجية الواسعة التي بدأت في أكتوبر 2019، وبعد قتل إدارة ترامب للجنرال الإيراني قاسم سليماني، وهو ما ألقى بجهاز السياسة الخارجية الإيرانية في حالة من الفوضى». 
واعتبر بولاك أن الرئيس برهم صالح «انتهز اللحظة لتنصيب الكاظمي رئيساً للوزراء، وهو أمر كان سليماني قد منع حصوله في اللحظة الأخيرة في 2018».
وختم بأن «مشاكل العراق رهيبة، والكاظمي بحاجة للمساعدة، لأنه تكنوقراط، وليس لديه حزب سياسي يدعمه».
إلى ذلك، وفي ختام زيارته للولايات المتحدة، من المقرر أن يتوجه الكاظمي إلى عمان، لعقد قمة ثلاثية مع الرئيس عبدالفتاح السيسي، والملك عبدالله الثاني، لبحث الأوضاع في العراق، والانتهاكات التركية للأراضي العراقية والسورية والليبية، ومكافحة الإرهاب وانتشار الميليشيات المسلحة في المنطقة.

الخميس، 20 أغسطس 2020

واشنطن: المرافئ بوابات لأسلحة الميليشيات منذ اندلاع الحرب اللبنانية... وحتى اليوم

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تعليقاً على تصريح للرئيس اللبناني ميشال عون، قال فيه إنه يستحيل أن يكون «حزب الله» قد خزّن أسلحة في مرفأ بيروت، غرّد الباحث في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» ماثيو ليفيت «قل لنا السيد الرئيس، أين يخزّن حزب الله الأسلحة التي يحتفظ بها بعيداً عن سيطرة الدولة»؟ولفت ليفيت الى مجموعة من الوثائق القديمة التي نفض عنها باحثو واشنطن الغبار، والتي تظهر بشكل لا يقل اللبس أن لبنان، يعاني منذ اندلاع الحرب الأهلية في العام 1975 وحتى اليوم، من فقدانه السيطرة على المرافئ، الشرعية واللاشرعية في زمن الحرب الأهلية، والشرعية اليوم.
وفي وثيقة تعود لعام 1987 رفعت عنها السرية وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي اي)، يظهر أنه قبل الحرب الأهلية، شكّلت مداخيل التعرفات الجمركية للمرافئ اللبنانية قرابة نصف عائدات لبنان. 
وأشار ليفيت في مقابلة، الى أنه على الرغم من مرور الزمن وإقفال المرافئ غير الشرعية وانتهاء الحرب الأهلية، إلا أن أموراً كثيرة طرحتها الوكالة في ذلك الوقت لا تزال سارية المفعول اليوم.
ويشير الخبراء في العاصمة الأميركية الى أن عمليات الاستيراد من خارج سيطرة الدولة تحولت الى مصدر دخل كبير للميليشيات. بدورهم، يقول مسؤولون رفيعو المستوى، شرط عدم ذكر أسمائهم، أنه «مثل الميليشيات في زمن الحرب الأهلية، يعتمد جزء كبير من مدخول ميليشيا حزب الله على الاستيراد من خارج سيطرة الدولة».
ويتابع المسؤولون أنه «سر مفضوح أن حزب الله يقدم للتجار اللبنانيين أسعاراً مخفضة جداً كرسوم استيراد بديلة عن الرسوم التي تفرضها الدولة». 
ويضيفون أنه إذا سدد أي مستورد لبناني نصف التعرفة الرسمية للحزب، يكون التاجر والحزب تقاسما القيمة الفعلية للتعرفة الجمركية.
ويؤدي استيراد «حزب الله» من خارج سيطرة الدولة، عبر مرفأ بيروت ومطاره والمعابر البرية، الى حرمان الخزينة من مداخيل وفيرة. «يكفي أن يظهر مسؤول تابع لحزب الله في أي دائرة جمارك ويشير الى مستوعب ما ويقول إنه تابع للمقاومة، (وهو الاسم الذي يستخدمه الحزب)، حتى يصبح تعليق كل قوانين الاستيراد، من التفتيش الى فرض الرسوم الجمركية، أمرا مفروغا منه»، بحسب المسؤولين. 
قدرة «حزب الله» على وضع أي مستوعب أو بقعة في لبنان خارج سيطرة الدولة، بحجة أنها تابعة لـ«المقاومة»، هو موضوع يزعج الأميركيين منذ فترة. «هذه المشكلة نفسها التي نواجهها مع قوات حفظ السلام (اليونيفيل) المنتشرة جنوب نهر الليطاني»، يقول المسؤولون. 
وتشير تقارير «اليونيفيل» الى أن القوة حاولت، أكثر من مرة، الكشف على مواقع تعتقد أن «حزب الله“ عمد الى تكديس أسلحة فيها، وهو ما يتنافى والقرار 1701. 
وتقوم القوات الدولية بالطلب الى الجيش اللبناني بتأمين كشفها على الموقع، إلا أن الجيش يتجاهل الطلبات الأممية، وهو السبب الذي أثار حفيظة واشنطن، التي تنفق نصف مليار سنوياً على تمويل «اليونيفيل» ومئة مليون للجيش، ودفع الولايات المتحدة الى الإصرار على المطالبة بالسماح للقوة بالعمل بشكل كامل، تحت طائلة حجب أموالها إن لم يتحقق طلبها.
وتظهر دراسة «سي آي اي» العائدة للعام 1987 أن عائدات الدولة انخفضت في سنوات الحرب الأهلية، باستثناء في 1983، وهو العام الذي قامت به الحكومة بـ«توحيد بيروت» وجمع سلاح الميليشيات وفرض الأمن، حيث بلغت واردات الجمرك قرابة ربع مليار دولار. لكن بعد «انتفاضة 6 فبراير 1984»، عادت عائدات الدولة الى أدنى مستوياتها مجدداً.
والى حرمان لبنان من عائداته الجمركية، يؤدي غياب سيادته عن مرافئ الدولة البحرية والجوية والبرية الى انفلات الأمن، أو كما تسميه الدراسة، الى استخدام المرافئ لأغراض «إرهابية»، مثل استيراد المجموعات العنفية غير الحكومية، أي الميلشيات، لأسلحة وعتاد. 
«لهذا السبب يصرّ المجتمع الدولي، كما في قراري مجلس الأمن 1559 و1701 على وصف حزب الله بالميليشيا والمطالبة بحلّه، وهي المطالبة التي كرّرها (الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو) غوتيريس في وقت سابق من هذا الشهر»، بحسب الأميركيين.
والى وثيقة 1987، يتداول الخبراء الأميركيون وثيقة ثانية كانت سرية، صادرة عن الوكالة نفسها في 1989، وتروي فيها الوكالة أبرز أسباب الخلاف بين رئيس الحكومة العسكرية الانتقالية وقائد الجيش آنذاك، ميشال عون، ونظام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد والميليشيات اللبنانية المتحالفة معه.
وتظهر الوثيقة أن عون قام بحصار وقصف ستة مرافئ غير شرعية، وطالب بإقفالها لحرمان استيراد الميليشيات الأسلحة عبرها ولوقف استيراد البضائع غير الشرعية الذي كان يحرم، وما زال حتى اليوم، بالخزينة واردات وفيرة. 
والمرافئ التي حاول عون اقفالها كانت «الحوض الخامس» في مرفأ بيروت والضبية وجونية، وكلها كانت تسيطر عليها «القوات اللبنانية» المسيحية، وأيضاً مرفأي خلدة والجية، اللذين كانا تحت سيطرة ميليشيا «الحزب التقدمي الاشتراكي» الدرزي، ومرفأ الأوزاعي الذي كان تابعاً لحركة «أمل» الشيعية.
«بعد انتهاء الحرب الأهلية، قامت دمشق بحلّ كل الميليشيات وإغلاق مرافئها ما عدا ميليشيا حزب الله، التي تسيطر اليوم على مرفأ بيروت ومطارها»، يقول المسؤولون الأميركيون. 
أما كيف انقلب عون من معارض للميليشيات وسيطرتها على المرافئ الى مؤيد للحزب وسيطرته على مرفأ بيروت ومطار بيروت؟ يجيب المسؤولون: «اسألوه، وتذكّروا أن للمصالح ضرورات».
ويختم الأميركيون أن «السلاح الذي يتسلّمه حزب الله يدخل من المرفأ والمطار والمعابر البرية»، وأن «في مصلحة لبنان - من حيث وارداته واقتصاده وسيطرته على الوضع الأمني - التوصل الى حلّ ميليشيا حزب الله، وإلا، فكل الحلول لوقف الانهيار في لبنان ستواصل دورانها في حلقة مفرغة».

الأربعاء، 19 أغسطس 2020

الولايات المتحدة تلجأ إلى «التحكيم» لنسف الاتفاقية النووية مع إيران

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تضع إدارة الرئيس دونالد ترامب، اللمسات الأخيرة على طلب «التحكيم» الذي ستتقدم به الى الأمم المتحدة لإبطال قرار مجلس الأمن الرقم 2231، الذي يكرّس الاتفاقية النووية مع إيران. وكان المسؤولون الإيرانيون عبّروا عن ارتياحهم، بل سخريتهم من الولايات المتحدة، بعدما فشلت في الحصول على أكثر من صوت واحد في مجلس الأمن لدعم القرار الذي تقدمت به، والذي ينص على تمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران، والذي تنتهي صلاحيته في 18 أكتوبر المقبل. 
وباستثناء جمهورية الدومينيكان، لم تحصل واشنطن على أي صوت لدعم القرار الذي تقدمت به أمام المجلس، فيما اكتفى حلفاؤها الأوروبيون - لندن وباريس وبرلين - بالامتناع عن التصويت.
ورغم الصورة السلبية التي قدمتها «هزيمة» واشنطن في مجلس الأمن، إلا أن المصادر الأميركية تقول إن المضي بوضع القرار بـ«الحبر الأزرق» لطرحه على التصويت، بدلاً من سحبه لتفادي الهزيمة وحفظ ماء الوجه، كان جزءاً من الخطة. 
وتشير إلى تذبذب في الموقف الأوروبي. وتضيف أن العواصم الأوروبية كانت أعربت عن معارضتها لنهاية حظر السلاح على إيران، ووعدت بدعم واشنطن لتمديد الحظر، بما في ذلك محاولة انتزاع موافقة روسية وصينية على عدم نقض القرار أو الإطاحة به.
الخطة الأميركية يبدو أنها هدفت إلى إعطاء الديبلوماسية فرصة أخيرة قبل نسف الاتفاقية النووية بأكملها عبر تفعيل خيار «العودة التلقائية» إلى ما قبل القرار 2231. 
ويقول المسؤولون الأميركيون: «لو وافق مجلس الأمن على تمديد حظر السلاح على طهران، لتفادى القضاء على الاتفاقية النووية برمتها، لكن مجلس الأمن لم يترك لنا خياراً آخر... ونحن حاولنا».
وبحسب تفسيرات الإدارة الأميركية لنص القرار 2231، يمكن لأي من الدول السبعة الموقعة على الاتفاقية النووية (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيران)، طلب مراجعة القرار، وهو ما يعطي مهلة 30 يوماً للتوصل الى قرار جديد في مهلة 30 يوماً. وفي حال فشل المجلس في ذلك، تعود العقوبات الاقتصادية التي كانت تفرضها الأمم المتحدة على إيران.
والخطة الأميركية ليست سراً، بل يتداولها مسؤولون كثيرون وخبراء. وفي السياق، اعتبرت الباحثة ايليسا ايويرز أنه «لطالما كانت الرقصة حول حظر الأسلحة مقدمة لهدف أكبر: حرق الجسور المتبقية الذي قد يؤدي إلى نسف اتفاق عام 2015». 
وكتبت في «فورين بوليسي» أن إدارة ترامب «تسعى إلى إجراء إداري من داخل نص الاتفاقية النووية ذاتها، التي كان انسحب منها البيت الأبيض في عهد ترامب قبل عامين». 
وتابعت ايويرز أن روسيا والصين تحاولان بدورهما اللجوء إلى «حجج فنية وقانونية ضد الخطوة الأميركية، ومفادها بأن الولايات المتحدة فقدت حقها في فرض العودة التلقائية للعقوبات بمجرد خروجها من الاتفاق النووي». 
ويستند موقف كلاً من روسيا والصين إلى أن القرار 2231 يحدد بوضوح أنه لا يمكن إلا للدول المشاركة في الاتفاق اللجوء إلى العودة التلقائية، وهو «موقف قانوني أيده أخيراً مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون، المعارض للاتفاق النووي والذي ترك ترامب تحت إشرافه الاتفاق»، حسب الخبيرة الأميركية.
وتختم ايويرز: «في النهاية، هذه معركة سياسية أكثر منها قانونية. والحالة السياسية التي يبدو أن الدول الأوروبية تفضلها، هي أن الولايات المتحدة تفتقر إلى الشرعية للجوء إلى خيار العودة التلقائية للعقوبات نظراً لأنها عودة مدفوعة بالرغبة في تخريب الاتفاقية متعددة الطرف، في المقام الأول، بعد قضاء العامين الماضيين في تقويض أسسها».
وفي وقت دعا الرئيس فلاديمير بوتين الى لقاء قمة على مستوى رؤساء الدول يجمع الدول الستة «المتبقية» في الاتفاقية النووية، حسب وجهة نظر روسيا والصين، رحبت بكين، بينما شكك الأميركيون في مشاركة الأوروبيين. 
ويبدو أن موسكو وبكين تستعدان لإلحاق هزيمة بواشنطن، بما في ذلك تعطيل محاولاتها القضاء على الاتفاقية. لكن المسؤولين الأميركيين لا يستسيغون كيف يمكن للعالم عدم احترام نص صادر عن مجلس الأمن، «انسحابنا من الاتفاقية كان شفوياً، ولم نوجه كتاباً خطياً للأمم المتحدة بذلك، وطالما أن اسمنا مكتوب على لائحة الدول التي يمكن لها طلب التحكيم، فسنطلبه، وإذا لم تلتزم الدول الأعضاء نص القرار، تصبح هي في مواجهة الأمم المتحدة والقانون الدولي».
وتأتي المواجهة الأميركية مع روسيا والصين بالتزامن مع تصعيد في المواجهة ضد إيران، على خلفية تسريب اجهزة استخبارات أميركية تقارير تشير إلى قيام طهران بدفع مكافآت لـ«الطالبان» في أفغانستان لقتل جنود أميركيين. وفي الوقت نفسه، قامت البحرية الأميركية بمصادرة أربع ناقلات نفط إيرانية كانت متوجهة إلى فنزويلا.
المواجهة بين أميركا وإيران تتصاعد، ديبلوماسياً كما في البحار، في وقت يسعى «صقور واشنطن» ومعارضو الاتفاقية النووية إلى الإسراع في نسفها، لا قبل حلول موعد نهاية الحظر الأممي القائم على إيران ضد استيرادها وتصديرها للسلاح في 18 أكتوبر فحسب، بل قبل الانتخابات الرئاسية في الثالث من نوفمبر المقبل.

الثلاثاء، 18 أغسطس 2020

عن معارضي السلام الإماراتي الإسرائيلي

حسين عبدالحسين

نصوص التصريحات والمقالات العربية المعارضة لاتفاقية السلام والتطبيع بين الإمارات وإسرائيل تبدو أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع، وتشبه الشعر والقصص الخرافية منها القراءة الموضوعية والتحليل. هذه النصوص تعجّ بعبارات مثل "صمود وتلاحم شعبنا" و"أحاسيس ومشاعر أمتنا العربية والإسلامية" و"التصدي للمخطط الصهيوني الأميركي"، ويمكن استبدال التاريخ المرافق لأي من هذه التصريحات أو المقالات بأي تاريخ من الماضي، واستبدال كلمة الإمارات 2020 بكلمة مصر 1979 أو الأردن 1994، من دون أن يؤثر ذلك في سياق النص.

أما الحلول التي يقترحها معارضو أي سلام مع إسرائيل فهي أيضا من الزمن الغابر، لاءات الخرطوم الثلاث (لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل)، ومقاطعة الإمارات وعزلها، ودعوات لاجتماعات طارئة للجامعة العربية ومنظمة الدول الإسلامية، تصدر عنها بيانات نارية وتوصيات، وصراخ على الفضائيات، وحرق صور وأعلام.

بعد 72 عاما من الفشل النضالي الذريع، الذي أدى لانحدار متواصل في القدرة العربية على التأثير في مجريات الأحداث، والذي أدى إلى تدهور بلا قاع لمستوى حياة عرب كثيرين، ما يزال فلسطينيون وعرب يكررون الخطاب الخشبي نفسه، والأخطاء نفسها، التي تكمن في رؤيتهم الثابتة لصراع متغير مع إسرائيل.

خطاب الفلسطينيين والعرب الخشبي لا هدف واضح له، ولا جدول زمني، ولا تقييم لما هو ممكن وما هو غير ممكن، بل هو خطاب يتراوح بين الماورائيات وقصائد الفخر، ولا يلتفت إلى سبل تحسين دخل الفرد الفلسطيني ونوعية حياته، مثلما فعلت الإمارات لشعبها والمقيمين لديها. هو خطاب لا يقدم حلولا للخروج من الضعف العربي، الذي لم يقوَ على وقف بناء غرفة إسرائيلية واحدة في أي زاوية من أرض فلسطين الانتداب.

والخطاب المعارض لاتفاقية السلام الإماراتية الإسرائيلية لا يقدم مقارنات بين أحوال الدول العربية والإسلامية التي وقعت معاهدات سلام مع إسرائيل، مثل تركيا ومصر والأردن، والدول التي نسفت سلامها مع إسرائيل، مثل إيران ولبنان، بل هو خطاب لم يتردد عن الإشادة بدول ترتبط مع إسرائيل بمعاهدات سلام، مثل تركيا، بسبب مواقف التركية المعارضة للاتفاقية الإماراتية.

أما المثير للعجب فيكمن في عدم التفات معارضي الاتفاقية إلى التصريحات التركية، التي قاربت في عبثيتها حد استغباء العرب. أنقرة هددت بسحب سفيرها من أبوظبي بسبب الاتفاقية. أما العجيب، فهو أن لتركيا سفارة في إسرائيل، أي أنه إن كانت تركيا ترى في السلام مع إسرائيل مشكلة، فعليها بسحب سفيرها منها، لا من أبوظبي. لكن عملا بمقولة "كله عند العرب صابون"، راح معارضو الاتفاقية يصفقون لعنتريات تركيا، غير آبهين بنفاقها.

ولم تتخلف إيران في نفاقها، فهدد الرئيس الإيراني حسن روحاني أبوظبي من مغبة أن تؤدي اتفاقية سلامها مع إسرائيل إلى إقامة "قواعد صهيونية في الخليج الفارسي"، وكأن إيران صاحبة وصاية على خليج منبثق عن بحر معروف تاريخيا باسم "بحر العرب"، وهو الخليج الذي تسكن ضفتيه غالبية عربية. لم تقل إيران أنها مستاءة لأن الاتفاقية قد تضعف موقف الفلسطينيين، بل ما أزعج طهران هو إمكانية تهديد سطوتها على الخليج.

ويرى معارضو السلام أن مضاره تقوّض وقوف العرب جبهة واحدة متماسكة خلف الفلسطينيين، في صراعهم ضد الإسرائيليين، وهو تماسك يعطي الفلسطينيين مقدرة أكبر على تحسين موقفهم ضد إسرائيل، إن في الحرب أو في السلم، وهذه سياسة صممتها جامعة الدول العربية قبل سبعة عقود.

بعد 72 عاما، لم ينجح العرب ـ حتى في ذروة وحدتهم ومقاطعتهم إسرائيل بما في ذلك يوم هزّ الخليج اقتصاد العالم بوقفه تصدير النفط ـ في تحسين موقف الفلسطينيين، الذين لم يفيدوا من أي وسائل الصراع، لا بسبب الخيانة و"البنادق الفاسدة"، حسبما يحلو للعرب تبرير هزائمهم، بل لأسباب مختلفة، أولها أن الفلسطينيين لم يحددوا هدفهم النهائي، وهم إن حددوه، يكون غالبا أكبر بكثير من قدرات العرب مجتمعة، عسكريا واقتصاديا ودبلوماسيا، وتاليا متعذرا، ما يجعل الصراع مفتوحا، ويحوّله هدفا، بدلا من كون الصراع وسيلة.

ولا يمكن للفلسطينيين إقامة دولة لهم، لا لأن إسرائيل أقوى من العرب فحسب، بل لأن معظم العرب ـ ومنهم الفلسطينيين ـ لا قدرة لهم على إقامة دول مقبولة. هذا لبنان الغارق في ظلامه ونفاياته، وهذه سوريا الغارقة في ركامها، وهذه الأراضي الفلسطينية المشرذمة بين ديكتاتور السلطة وإسلاميي "حماس".

لم تنجح غالبية العرب، منذ استقلال دولها، في بناء حكومات رشيدة تقدم حياة أفضل لشعوبها، بل فشل هؤلاء العرب، وألقوا اللائمة في فشلهم على الإمبريالية وإسرائيل وغيرها. أما الدول التي أظهرت قدرات على تقديم حكومات ذات أداء أفضل فكان واضحا لديها أن مصلحة شعبها تقتضي بإقامة أكبر شبكة علاقات اقتصادية وتجارية وديبلوماسية، وأن انتظار العرب وخطابهم الخشبي ليس سياسة ناجعة، بل شعر وخيال لا يطعم ولا يسمن.

ربما لو قال الفلسطينيون وبعض العرب هذه حكومة انتخبناها، وهذا برنامجها لإنهاء الصراع مع إسرائيل وتحسين حياة الفلسطينيين والعرب، في مهلة زمنية معقولة، لكان سلام أي دولة عربية مع إسرائيل بمثابة تخلي عن الفلسطينيين. لكن على أرض الواقع، لا خطة لدى الفلسطينيين، بل إصرار على المكابرة على هزيمة ألمّت بهم منذ زمن، وهم بدلا من أن يعترفوا بها وأن يحاولوا التحلي بالواقعية والتزام فن الممكن لتحسين ظروف معيشة شعبهم، يواصلون نفس الشعارات البالية التي لا فائدة منها.

الإمارات افترقت عن العرب، لا يوم وقعت السلام مع إسرائيل، بل يوم قررت حكومتها أن تحكم بواقعية، وأن تفهم العالم واقتصاده، وأن تنخرط به لتنافس الآخرين، بما يعود على شعبها والمقيمين فيها بفوائد جمّة وحياة أفضل. وبالحكم على مستوى معيشة من هم في الإمارات، يبدو جليا أن حكومتها قدمت ما لم تنجح غالبية حكومات العرب والمسلمين ـ حتى النفطيين منهم من الممانعين وأصحاب الخطاب الخشبي ـ في تقديمه. ومثلما افترقت الامارات عن العرب وأقامت دولة لها مكانة في العالم، افترقت عنهم في سياستهم تجاه إسرائيل، وانتهجت سياسة في مصلحة شعبها والمقيمين فيها. أما معارضيها، فسيواصلون صراخهم، بعضه هتافات غير واقعية، وبعضه الآخر أنين شعوبهم من العيش بلا أمل.

«حيادية» الراعي تنطلق من الدستور وترفض «ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

عاد الرجل الثالث في وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل من زيارته إلى لبنان، وفي جعبته عدد من الرسائل والتوصيات من مسؤولين لبنانيين إلى إدارة الرئيس دونالد ترامب، أبرزها الرسالة التي حمّله إياها البطريرك الماروني بشارة الراعي، والتي شددت على تمسك الكنيسة بعودة لبنان إلى سياسته التقليدية القاضية بالحياد في المواضيع والشؤون الإقليمية والدولية. 
وسمعت «الراي» من مصادر أميركية، أن الراعي ناشد هيل أن «لا تتخلى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي عن لبنان، أو أن تعتبره من حصة قوى إقليمية منافسة للولايات المتحدة وحلفائها». كما طلب المساعدة الأميركية في عدد من الشؤون المالية والتقنية، مثل مساعدة لبنان في فرض سيادته على حدوده وعبر معابره.
ويردد المسؤولون الأميركيون أن انفلات حدود الدول التي تنشط فيها الميليشيات الموالية لإيران، تحوّل إلى مشكلة تحتاج إلى معالجة واسعة، وربما إلى إشراك المجتمع الدولي فيها. 
وكان رئيس الحكومة العراقي مصطفى الكاظمي، الذي يزور العاصمة الأميركية ويلتقي الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض غداً، عمد إلى نشر قوات نخبة حكومية على المعابر الحدودية للحد من التهريب من العراق وإليه، خصوصاً المواد الممنوعة مثل الأسلحة أو المواد الاستهلاكية والمحاصيل التي تدخل خلسة من دون تعرفات جمركية وتزاحم الإنتاج العراقي. 
على أن القوى المتضررة من قرار الكاظمي عمدت حتى الآن إلى شن هجمات ضد معابر حدودية، سقط جراء بعضها ضحايا في صفوف القوات الأمنية.
مثل الكاظمي، يسعى الراعي إلى محاولة الحصول على دعم دولي لضبط المعابر اللبنانية، الشرعية منها وغير الشرعية. وكان انفجار كبير وقع في مواد مخزنة في مرفأ بيروت، أكد للراعي، كما للمسؤولين الدوليين، ضرورة ضبط المعابر تفادياً لعبور أي ممنوعات أو مواد قابلة للانفجار وإيقاع خسائر بشرية ومادية مثل ما حصل في بيروت.
وتقول المصادر أن هيل أكد للراعي أن الولايات المتحدة متمسكة بدعم لبنان على توطيد سيادته، وأن واشنطن تتبرع بمبلغ مئة مليون سنوياً للجيش، وأنها تسعى لدى عواصم العالم لتوسيع مهمة قوات «اليونيفيل»، التي ينتشر أكثر من عشرة آلاف من عديدها بين نهر الليطاني والحدود مع إسرائيل، لتشمل مراقبة حدود لبنان البرية بأكملها.
ومن المتوقع أن يصوّت مجلس الأمن على تمديد مهمة «اليونيفيل» لمدة سنة في 27 أغسطس الجاري، في وقت يبدو أن الإدارة الأميركية تسعى لمواجهة مع الأعضاء الآخرين حول بعض التعديلات في عمل القوات الدولية. 
وتقوم واشنطن بتمويل «اليونيفيل» بواقع نصف مليار دولار سنوياً، فيما تعترض الولايات المتحدة على أدائها، وتعتبر أنها لا تقوم بتنفيذ المطلوب منها لناحية تفتيش المواقع التي يشتبه في أن «حزب الله» يقوم بتخزين عتاد وأسلحة فيها. 
وتشير تقارير القوات الأممية الى أن «اليونيفيل» طلبت من الجيش اللبناني تفتيش عدد من المواقع، إلا أنه تجاهل هذه الطلبات، بحجة أن المواقع المطلوب تفتيشها خاصة تعود إلى «الأهالي» ممن يسكنون البلدات الجنوبية. 
ووعد هيل، الراعي بـ «القيام بما يلزم» لمساعدة لبنان في الالتزام بتعهداته الدولية، منها قرار مجلس الأمن الرقم 1701، الذي أدى لإنهاء الحرب مع إسرائيل في أغسطس 2006. 
في سياق متصل، كانت الحكومة الفرنسية وعدت بإعادة بناء وتأهيل مرفأ بيروت، على إثر الانفجار الكبير الذي قضى على معظم مبانيه وأرصفته. وفي حال قام الفرنسيون بالمهمة، من المتوقع أن يكون المرفأ الجديد مجهزاً بأحدث معدات المراقبة التي تديرها أجهزة أمنية لبنانية، لمنع أي عمليات تهريب أو تخزين لمواد خطرة أو محظورة.
كما وعد هيل، الراعي بأن تسعى واشنطن لدى الحلفاء لإقناعهم بضرورة دعم لبنان في استعادة «سياسة الحياد» التي يرغب البطريرك الماروني في رؤية لبنان يعود إليها. 
وكان الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله أشار في آخر خطاباته الى أن «تأليف حكومة حيادية هو إضاعة للوقت»، إذ لا توجد أطراف حيادية في لبنان. 
وأبدت المصادر استغرابها من تصريح نصرالله، إذ ترى أنه إما لم يفهم اقتراح الراعي، وإما أنه عمد إلى التظاهر وكأنه لم يفهمه.
وتتابع أن اقتراح الراعي القاضي بالحياد لا يعني «حكومة حيادية»، بل أنه بغض النظر عن شكل الحكومة المقبلة، من المطلوب أن يكون بيانها الوزاري الذي تقدمه إلى مجلس النواب، لنيل الثقة، مبنياً على سياسة «حياد لبنان»، بدلاً من بيانات الحكومات المتعاقبة، والتي ابتكرت الصيغة المعروفة بـ «ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة». 
ويقول متابعو الشأن اللبناني في العاصمة الأميركية، أن الراعي عمد إلى تفصيل معنى «حياد لبنان» وإلى تقديم الآراء الدستورية خلفه. وأظهر أن الحياد هو في أساس الدستور الذي قام عليه لبنان بعد استقلاله في 1943، فيما الانحياز الذي يعيشه على مدى السنوات الأخيرة، بانخراطه في «محور إيران» المعروف بمحور «الممانعة» أو «المقاومة»، فهو يخالف الدستور. 
ويعتقد الخبراء أن الدستور يسمو على البيان الوزاري لأي حكومة، ولا يمكن أن يخالفه، وأنه كان على اللبنانيين أن يتقدموا بطعون أمام المجلس الدستوري ضد «الثلاثية» التي فرضها «حزب الله» على الحكومات المتعاقبة وبياناتها الوزارية.
أما سبب تمسك الحزب بـ «الثلاثية» المذكورة، فيعود إلى محاولته تشريع تسمية «مقاومة» وإسباغها على نفسه، بدلاً من كلمة ميليشيا، التي تفرض حلّ قوة الحزب العسكرية بموجب قراري مجلس الأمن 1559 و1701.

السبت، 15 أغسطس 2020

زمن الصراع ولّى... والتسويات حوله ممكنة

واشنطن - من حسين عبدالحسين

على الرغم من اعتقاد البعض في العاصمة الأميركية، بأن دونالد ترامب وصهره كبير مستشاريه جاريد كوشنر، يحاولان استغلال الإعلان عن اتفاقية سلام وتطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، لأغراض سياسية انتخابية، ضمن محاولات الرئيس الأميركي الفوز بولاية ثانية في الانتخابات المقررة في الثالث من نوفمبر المقبل، إلا أن الاتفاقية حصدت مديحاً وتأييداً من السياسيين والمسؤولين الأميركيين، من الحزبين، وكذلك من الخبراء والمراقبين.وتصدر مؤيدو الاتفاقية، المرشح الديموقراطي للرئاسة نائب الرئيس السابق جو بايدن، الذي وصف الاتفاقية بـ«الخطوة التاريخية»، ووصف الخطوة الإماراتية على أنها «مرحب بها، وجريئة، وخطوة تنم عن أن القادة الاماراتيين رجال دولة». 
وعلّق مبعوث السلام السابق دينيس روس بالإشارة إلى أن «الإمارات كانت تعني ما تقوله حول خياري إسرائيل»، وأنه يمكن لإسرائيل إما أن «تحصل على التطبيع، أو أن تقوم بضم أراض فلسطينية، لكنه لا يمكن لإسرائيل الحصول على الاثنين معاً». 
وأضاف أن بعض «الفلسطينيين قد لا يعجبهم أن الإمارات منعت الضم وحافظت على خيار الدولتين، وهو أمر مهم».
بدوره، قال الديبلوماسي السابق رئيس مركز أبحاث مجلس العلاقات الخارجية ريتشارد هاس، وهو من الجمهوريين المعارضين لترامب، إن السلام الإماراتي - الإسرائيلي «يمثل منعطفاً مهماً» في تاريخ منطقة الشرق الأوسط، وانه أوقف عملية ضم إسرائيل لأراض فلسطينية، «وهو ما كاد يقوّض السلام الإسرائيلي مع الأردن، وكاد يقوّض مستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديموقراطية». 
وفي تعليق لـ«الراي»، رأى الباحث السوري الأميركي في معهد الشرق الأوسط، إبراهيم الأصيل، أن الخطوة الاماراتية «قرار كبير سيعيد ترتيب الكثير من الأوراق في المنطقة، وأنه سيكون هناك الكثير من المؤيدين والمعارضين للاتفاقية، ولكن آثارها ستطول الجميع». 
وتابع: «سنبدأ بملاحظة الأثر السياسي بشكل سريع في علاقات البلدين، وربّما تحذو دول خليجية أخرى حذو دولة الإمارات، ولكن هناك آثاراً مستقبلية أعمق على مستوى الاقتصاد والتبادل التجاري بين البلدين والطاقة، وربما الدفاع أيضاً». 
وأضاف الباحث السوري الأميركي: «لدينا الآن في المنطقة المحور الإيراني والمحور التركي، وهذه الاتفاقية تعزز من ظهور محور جديد من التحالفات في المنطقة يضم دولة الإمارات وحلفائها في الخليج، ويمتد إلى الأردن ومصر... وسيحاول هذا المحور تعزيز علاقاته مع اليونان والاتحاد الأوروبي لمواجهة النفوذ التركي في المتوسط، خصوصاً للتنافس على حقول وإمدادات الطاقة».
بدوره، قال ماثيو برودسكي، لـ«الراي» إنه «في الوقت الذي يُفرط فيه كثيرون في استخدام عبارة غير مسبوق وتاريخي لوصف الخطوة الإماراتية، فإن اتفاقية السلام المبرمة بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل تعتبر تاريخية حقاً، وهي تظهر الى العلن ما كان معروفاً دائماً بعيداً عن دائرة الضوء، وهو أن إسرائيل، من ناحية، وبعض دول الخليج العربي، من ناحية ثانية، يشتركان في العديد من المصالح التي تتخطى الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي».
وبرودسكي، هو أحد المقربين من إدارة ترامب، سبق أن كان من الحاضرين في «القاعة الشرقية» في البيت الأبيض يوم قام الرئيس الأميركي بالإعلان عن «خطة كوشنر» للسلام العربي - الإسرائيلي، وهي مناسبة حضرها يومذاك عدد من السفراء الخليجيين. 
وقال برودسكي: «لا ينبغي أن تكون العلاقات الثنائية بين إسرائيل والدول العربية رهينة لبعض الفصائل الفلسطينية، التي، لأسباب مختلفة، وجدت الكثير من الراحة في استمرار الوضع الراهن». 
واعتبر الباحث الأميركي أن الاتفاقية هي تذكير بأن «المنطقة ما زالت تسير قدما، سواء بمشاركة بعض الفصائل أو من دونها». 
وختم برودسكي أن «الوقت حان للتوصل لاتفاقية سلام عربية - إسرائيلية، اذ أن وقتاً طويلاً مرّ منذ الجلوس للمرة الأولى إلى طاولة المفاوضات السلمية والتفاوض»، مشيراً إلى أن الاتفاقية الإماراتية - الإسرائيلية «تمت على أساس خطة ترامب للسلام التي أطلقها في يناير».
وفي وقت أجمعت الأوساط الأميركية على الترحيب بإعلان السلام المفاجئ، انشغلت الأوساط نفسها بمحاولة معرفة من هي الدولة الخليجية المقبلة التي ستحذو حذو الإمارات وتعلن توصلها لاتفاقية سلام مع إسرائيل، حسب ما ورد في تصريحات المسؤولين الأميركيين. 
وتأتي اتفاقية السلام، والحديث عن إمكانية اتفاقية مشابهة مع دولة خليجية أخرى، في وقت يتحدث الأميركيون المتابعون للشأن اللبناني عن ضرورة توصل لبنان الى إجماع حول مبادرة البطريرك الماروني بشارة الراعي، الداعية لحياد إيجابي، أي أن يمتنع لبنان و«حزب الله» عن الانخراط في أي نزاعات مسلحة في المنطقة، ان ضد إسرائيل أو في سورية أو غيرها، من دون التوصل لاتفاقية سلام منفردة مع إسرائيل، ومع الالتزام بالموقف العربي من الصراع مع إسرائيل، والذي تعبّر عنه الجامعة العربية.
ويرى مسؤولو إدارة ترامب، أن زمن الصراع العربي - الإسرائيلي ولّى، وأن التسويات حوله ممكنة، ومن شأنها أن تقلّص الصراعات وأن تسحب ذريعة تستخدمها الفصائل المتطرفة، التي تصنفها واشنطن «إرهابية»، لمواصلة حالة عدم الاستقرار في المنطقة.
إيران هي التي تنشر عدم الاستقرار هذا وتفيد منه، حسب المسؤولين الأميركيين من الحزبين. لهذا السبب، يتمتع أي إعلان سلام بتأييد شامل من الحزبين معا.

الخميس، 13 أغسطس 2020

اختيار هاريس لمعركة بايدن الرئاسية يضعف مناصري طهران في واشنطن

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أعلن جو بايدن، المرشح الديموقراطي لانتخابات الرئاسة الأميركية المقررة في الثالث من نوفمبر المقبل، اختياره السناتور الديموقراطية عن ولاية كاليفورنيا كامالا هاريس لتكون شريكته كمرشحة لمنصب نائب رئيس، في قرار فاجأ الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، لأنها لم تكن تحترم نائب الرئيس السابق خلال المناظرات، بحسب قوله، واصفاً إياها بأنها أكثر أعضاء مجلس الشيوخ «وضاعة وفظاعة وعدم احترم للآخرين».وكان بايدن أعلن - منذ الأيام الأولى لنيله ترشيح الحزب قبل أشهر - أنه ينوي اختيار امرأة لمنصب نائب رئيس. وقد قامت حملته بحملة تصفيات بين المرشحين للمنصب، وخلصت الى خيارين، هما مستشارة الأمن القومي لدى الرئيس السابق باراك أوباما سوزان رايس، وهاريس.
ولو قام بايدن باختيار رايس، لكان فتح الباب على مصراعيه لعودة معظم العاملين السابقين في السياسة الخارجية ومجلس الأمن القومي، من أمثال بن رودز، ولكان فتح الباب تالياً أمام أصدقاء النظام الإيراني في العاصمة الأميركية ومهندسي التقارب مع إيران والاتفاقية النووية معها.
أما اختيار هاريس، المنغمسة كلياً في السياسات الداخلية والبعيدة كل البعد عن السياسة الخارجية، فيشي بأن المرشح الديموقراطي ينوي تفويض نائبه المواضيع الداخلية، فيما يمسك هو بالملف الخارجي. 
وسبق لبايدن أن عمل - على مدى عقود - رئيساً للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ. وعندما بدأ أوباما يبحث عن شريك يغطي له انعدام خبرته الخارجية، كان بايدن أبرز الديموقراطيين بسبب خبرته الطويلة وعلاقاته الخارجية.
على أن أوباما كلّف بايدن بالسياسة الخارجية، خصوصا ملف العراق، ولكن من دون أن يطلق يديه فيها. وبدوره قيام بايدن بتعيين انتوني بلينكن وبعده جايك سوليفان في منصب مستشار الأمن القومي، فأشرف بلينكن على الانسحاب من العراق، وأشرف سوليفان على تنفيذ رؤية أوباما تجاه إيران والتوصل لاتفاقية نووية معها. 
وسوليفان، الذي شارك في المفاوضات السرية مع ايران في مسقط الى جانب وكيل وزير الخارجية السابق بيل بيرنز، يعمل حالياً كبير مستشاري بايدن للسياسة الخارجية.
أما هاريس، التي تصغر بايدن بـ20 عاما وتبلغ من العمر 55 عاما، فسبق أن كانت مدعية عامة في ولاية نيويورك، وهو ما أظهر مهاراتها الكبيرة في الحوار والتحقيقات، خصوصا خلال جلسات الاجتماع في لجان الشيوخ. ومع أنها من المحسوبين على يسار الوسط داخل الحزب، إلا أنها تتمتع بشعبية واسعة لدى أقصى اليسار، أي جناح بيرني ساندرز ومؤيديه.
ومن مواقفها أثناء فترة عملها في مجلس الشيوخ، يظهر أن هاريس قامت بالتصويت لصالح قرار انتقد إدارة أوباما لعدم قيامها بممارسة حق النقض (الفيتو) ضد قرار في مجلس الأمن أدان المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية. كما سبق للمرشحة الجديدة، أن صوتت لمصلحة بيان يؤيد إعلان القدس عاصمة لإسرائيل.
ورغم مواقفها في السياسة الخارجية، الأقرب للصقور والأبعد عن الحمائم مثل رايس ورودز، إلا أنه من المستبعد أن يكون لهاريس، في حال فوز بايدن، دور كبير في العلاقات الخارجية.
ومع استبعاد رايس، واستبعاد جناحها المؤيد للعودة الفورية للاتفاقية النووية والانفتاح على طهران، صار من المرجح أن يتولى سوليفان هندسة السياسة الخارجية لبايدن في حال دخوله البيت الأبيض مطلع العام المقبل. وسبق لسوليفان أن عارض انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاقية وشكك بنجاعة العقوبات الأحادية عليها. لكن بعد نجاح العقوبات، كتب سوليفان أنه يعتقد أنه من غير المعقول عودة أميركا تلقائية الى الاتفاقية النووية من دون تحديثها والحصول على بعض الضمانات من الإيرانيين. 
وتظهر استطلاعات الرأي تقدماً كبيراً لبايدن على ترامب، وهي استطلاعات إن بقيت على حالها، تشي بفوزه والديموقراطيين بالبيت الأبيض، والأرجح في مجلس الشيوخ كذلك، لإضافتهما الى الغالبية التي يتمتع بها حزبهم في مجلس النواب.
وفي البيان الذي أعلن فيه اختيار هاريس، قال بايدن: «أحتاج إلى شخص يتفهم الألم الذي يعاني منه الكثير من الناس في بلدنا، ممن سواء فقدوا وظائفهم، أو أعمالهم، أو أحد أفراد أسرتهم بسبب فيروس (كورونا المستجد)». 
وأضاف: «أحتاج إلى شخص يفهم أننا في معركة من أجل روح هذه الأمة. وأنه إذا كنا سنجتاز هذه الأزمات، فنحن بحاجة إلى أن نتحد، وأن نتحد من أجل أميركا أفضل، وكامالا تفهم ذلك».
وتابع نائب الرئيس السابق: «قابلت كامالا للمرة الأولى مع ابني (الراحل) بو، وكانا كلاهما مدعيين عامين في الوقت نفسه، وكان يظهرا احتراما كبيرا لها ولعملها». 
وأضاف: «لقد فكرت كثيراً في هذا القرار عندما اتخذته، ولا يوجد رأي أقدره أكثر من رأي بو، وأنا فخور بأن تكون كامالا معي في هذه الحملة، فسجّل إنجازاتها يتضمن محاربتها - بالأسنان والأظافر - من أجل ما هو صحيح، وهذا هو سبب اختياري لها».
وختم بايدن بيانه: «لا يوجد باب لن تطرقه كامالا، ولا حجر ستتركه من دون أن تقلبه، وذلك سيعني تحسين الحياة لأميركيين كثر».
بدورها، غرّدت هاريس تعليقاً على ترشيح بايدن لها بالقول: «يمكن لجو بايدن أن يوحد الشعب الأميركي لأنه قضى حياته يقاتل من أجلنا، وبصفته رئيسا، سيبني أميركا إلى مستوى يمثلنا... ويشرفني أن أنضم إليه بصفته مرشح حزبنا وبصفتي نائب الرئيس، وسأفعل ما يلزم لجعله القائد العام لبلدنا».
وهاريس من أب جامايكي وأم هندية، وسبق أن حاولت الفوز بترشيح الحزب لهذه الدورة، قبل أن تنهار حملتها وتعلن انسحابها في ديسمبر الماضي.
وهاريس (أ ف ب)، أول مدعية عامة سوداء لولاية كاليفورنيا، وأول امرأة في هذا المنصب وأول امرأة من أصول جنوب آسيوية تفوز بمقعد في مجلس الشيوخ. وهي الآن تسعى لكي تصبح أول امرأة نائبة للرئيس.
وتروي هاريس، التي تجسد حياة في بعض النواحي، الحلم الأميركي: «كانت والدتي تقول لي على الدوام: قد تكونين الأولى في القيام بالكثير من الأمور، لكن احرصي ألا تكوني الأخيرة».
كان والدها دونالد هاريس أستاذاً في الاقتصاد ووالدتها شيامالا غوبالان كانت باحثة في سرطان الثدي.
وانفصل والداها عندما كانت هاريس في الخامسة تقريبا. فربتها والدتها التي توفيت في 2009، مع شقيقتها مايا. 
وفيما من غير المتوقع أن يتبوأ بايدن البالغ 77 عاماً الرئاسة لأكثر من ولاية واحدة في حال انتخابه، فإن هاريس ستكون على الأرجح الأوفر حظا في الفوز بترشيح الحزب الديموقراطي بعد أربع سنوات من الآن.
وهذا يمكن أن يمنحها فرصة أكبر في دخول التاريخ، كأول رئيسة سوداء للولايات المتحدة.
وإضافة إلى خبرتها في الفروع القضائية والتنفيذية والتشريعية للحكومة، يتوقع أن تعطي هاريس زخماً كبيراً للسباق إلى البيت الأبيض الذي طغت عليه جائحة «كوفيد - 10» والأزمة الاقتصادية.
في المقابل (رويترز)، قال ترامب، إن هاريس كانت «تسيء بشدة» لبايدن خلال الانتخابات التمهيدية. 
وأضاف للصحافيين: «أحد الأسباب التي فاجأتني أنها ربما كانت أكثر إساءة لجو بايدن حتى من بوكاهونتاس. كانت لا تحترم جو بايدن ومن الصعب اختيار شخص قليل الاحترام للآخرين».
وكان ترامب يشير إلى المرشحة الديموقراطية لانتخابات الرئاسة إليزابيث وارن بوصف «بوكاهونتاس»، نسبة إلى السكان الأصليين للولايات المتحدة.

لبنان سيبقى معزولاً ما لم... يتغير

واشنطن - من حسين عبدالحسين

لم يكد الرئيس اللبناني ميشال عون وفريقه، ينعمان بالفرصة السياسية الناجمة عن انفجار مرفأ بيروت، الذي استدر عطف العالم واستدعى زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى لبنان واتصال الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعون وتقديمه له وعوداً بمساعدات إنسانية، حتى تبين أن المساعدة الدولية تساهم في المزيد من العزلة الدولية للبنان وحكامه، وتساهم في تكريس الشروط الدولية المالية والسياسية التي يفرضها العالم، مجتمعاً، على بيروت.وبعد اتصال وتنسيق بين واشنطن وباريس، سبقا زيارة ماكرون، تابع الأميركيون تأييد خطوات الرئيس الفرنسي، فأعلنوا مساهمتهم مالياً في المساعدات التي تم جمعها في المؤتمر الدولي الذي انعقد عبر الإنترنت أول من أمس. لكن المساعدات لم تأتِ على حجم طموحات لبنان، إذ هي اقتصرت على 298 مليون دولار فقط، مساهمة واشنطن فيها 15 مليوناً، وتضمنت مساعدات عينية، مثل قيام وزارة الدفاع بتقديم 300 ألف وجبة غذاء للمحتاجين من بين اللبنانيين المتضررين من انفجار الثلاثاء الماضي.
ويمكن فهم السياسة الأميركية المستجدة تجاه لبنان بالنظر الى هوية المسؤولين الذين أعلنت ايفادهما الى بيروت. الأول جون بورسا، وهو مدير في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو اس آي ايه دي)، وهذه وكالة ذات ميزانية سنوية تبلغ 27 مليار دولار. لكن هذه الوكالة محظور عليها دعم أي حكومات أو وكالات حكومية حول العالم، بل أن مساعداتها ودعمها ينحصران بالتعامل مع المنظمات غير الحكومية. 
أما الأموال الدولية الضخمة التي يحتاجها للبنان لوقف تدهور اقتصاده وقيمة عملته الوطنية، مثل مبلغ 11 مليار دولار التي كان خصصها العالم للبنان في «مؤتمر سيدر»، على شرط قيامه بإصلاحات إدارية وحكومية معينة، ومثلها قرض صندوق النقد الدولي الذي يشترط إصلاحات مماثلة، فهي أموال لا تزال مجمدة إلى حين قيام بيروت بالإصلاحات المنشودة، وهو الموقف الذي كرره الصندوق في بيانه الأحد، وهو ما يعني أن عون شارك في مؤتمر لدعم لبنان، اقتصر حصول بلاده فيه على أقل من 300 مليون دولار فقط... ورغم هذه الملايين، سمع عون انعدام ثقة العالم - بمن فيه ماكرون وترامب - بالسلطة، وإصراره على تقديم المساعدات بشكل مباشر الى الشعب ومن دون المرور بالدولة ومؤسساتها.
المسؤول الأميركي الثاني الذي سيصل بيروت غداً، في زيارة قد يتم إلغاؤها في اللحظة الأخيرة، هو الرجل الثالث في وزارة الخارجية ديفيد هيل، وهو سبق أن عمل في مراكز ديبلوماسية متعددة في لبنان كانت آخرها منصب سفير، ولديه علاقات بالسياسيين اللبنانيين تعود الى عقود. 
ويعزو العارفون في العاصمة الأميركية الى هيل قيامه بهندسة عملية انتخاب عون رئيساً، وكان ذلك في الزمن الذي كان يشهد تقارباً بين واشنطن وطهران.
لكن الظروف تغيرت اليوم، والمطلوب من هيل محاولة التوصل مع عون وبقية المسؤولين اللبنانيين الى «النظام السياسي» الجديد الذي تحدّث عنه ماكرون أثناء زيارته لبيروت، وهو نظام مبني على مبادرة البطريرك الماروني بشارة الراعي، القاضي بـ«حياد لبنان الإيجابي». 
والحياد الإيجابي يعني ابتعاد لبنان عن كل الصراعات الإقليمية، وفي طليعتها الصراع العربي - الإسرائيلي، ولكن من دون توقيع أي سلام مع الدولة العبرية، ومع التزام لبنان مواقف الجامعة العربية حول السلام، والقاضية بحل الدولتين حسب مبادرة بيروت للسلام التي أقرتها الجامعة في العام 2002. 
وتتضمن مبادرة البطريرك الماروني حصر استخدام العنف بالدولة، أي حل الذراع العسكرية لـ«حزب الله» ونقل ترسانته الى الجيش، وتطويع مقاتليه في القوى الأمنية الرسمية، مع تحول الحزب الى حزب ذات تمثيل سياسي حصريا مع كتل برلمانية ووزارية. 
أما موضوع إصلاح مؤسسات الدولة، فيجري بإشراف أممي دولي، بما في ذلك إشراف الأمم المتحدة على إقامة انتخابات برلمانية نزيهة وعادلة.
أما في حال رفضت بيروت ومعها «حزب الله» المبادرة الدولية لتغيير جذري وإصلاح مؤسساتي، فإن المجتمع الدولي سيواصل تمسكه بالعزلة المفروضة على لبنان وحكومته، ومعها يتواصل الانهيار الاقتصادي، وهو ما يتطلب استعداداً دولياً لمواصلة تقديم الدعم الإنساني للبنانيين، ولكنه سيكون دعماً مبنياً على تجربة الدعم من خارج الحكومة الجاري تقديمه على اثر انفجار بيروت.
العنوان الرئيسي في تحرك ماكرون تجاه لبنان، ومعه التحرك الأميركي الداعم، صار يبدو أنه مبنياً على إدراك أن المطلوب هو تغيير جذري، وأنه لن يعود الغرب لدعم لبنان بناء على شفقة على ناسه أو مخافة انفراط عقد دولته وتدفق اللاجئين من أراضيه الى أوروبا. 
أما الأزمة الإنسانية الناجمة عن بقاء الوضع كما هو عليه، فسيتم التعامل معها، وفقاً لما يقوم به ماكرون اليوم، لتخفيف المأساة فحسب من دون المرور بالدولة، ومن دون تقديم أي فجوات يمكن للحكومة أن تعود من خلالها الى المجتمع الدولي بلا تغيير فعلي وجذري أو إصلاح.
ما الذي سيسمعه هيل في بيروت؟ وهل تختار دولة لبنان طريق العودة الى المجتمع الدولي أو البقاء معزولة مع الإبقاء على صيغة «دولة المقاومة» الحالية؟ كلها أسئلة ينتظر المسؤولون في واشنطن، وباريس وبقية عواصم القرار في العالم، إجابات عنها قد يسمعها المسؤول الأميركي خلال زيارته لبيروت.

الثلاثاء، 11 أغسطس 2020

لبنان وسوريا ونهاية عصر ابتزاز العالم

حسين عبد الحسين

اعتقد حكام لبنان أن كارثة انفجار مرفأ بيروت قدمت لهم فرصة إعادة انفتاح العالم عليهم وعلى دولتهم، وسط التعاطف الإنساني الدولي الذي انصب على البلاد. ولم يتأخر وزير البلاط وصهر الرئيس جبران باسيل في تقديم ملف للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي زار بيروت متعاطفا، حذّر فيه باسيل ماكرون من أن انهيار لبنان سيؤدي إلى تشريد مليوني لاجئ سوري وفلسطيني سيغزون أوروبا.

ولم يكد باسيل يفرغ من ابتزازه ماكرون باللاجئين، حتى اتصل رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب برئيس لبنان ميشال عون، ووعده بالمشاركة بمؤتمر الدعم الإنساني، الذي نظمته باريس عبر الإنترنت، وإيفاد مسؤولين أميركيين إلى بيروت. هكذا، جلس عون في أبهى حلله وعلى وجهه ابتسامة لا تضاهيها إلا ابتسامته أثناء استقباله نظيره الفرنسي ماكرون، وكأن لبنان ليس حزينا ولا وغارقا في الأسى والحداد.

على أن المؤتمر الدولي بدا وكأنه حفلة تأنيب لعون، بدلا من التعاطف معه والانفتاح عليه، إذ أن المبلغ الدولي الموعود بالكاد وصل 300 مليون دولار، وهذا لا ينفع في لجم التدهور الاقتصادي الحاصل منذ أشهر، مع مديونية عامة تصل قرابة 100 مليار دولار. ثم أن المؤتمرين أصرّوا، بحضور عون، على التأكيد أن الأموال المرصودة لن تمر عن طريق دولة لبنان أو مؤسساتها، بسبب انعدام الثقة الدولية بحكام لبنان الفاسدين، بل أن المساعدات ستذهب بطريقة مباشرة إلى اللبنانيين وإلى مؤسسات المجتمع المدني غير الحكومية، خصوصا الدولية منها، مثل الصليب الأحمر وبرنامج الأغذية العالمي.

أما المسؤولان الأميركيان الموفدان إلى بيروت، فأولهما جون باسرا، من "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية"، وهي مؤسسة محظور عليها التعامل مع الحكومات ويقتصر دعمها على مؤسسات المجتمع المدني، وثانيهما الرجل الثالث في وزارة الخارجية والسفير السابق في لبنان دايفد هايل.

وزيارة هايل ولقاءه المسؤولين اللبنانيين قد تبدو وكأنها فك للعزلة الدولية التي يعاني منها لبنان بسبب فساده المدقع وبسبب إيوائه تنظيما عسكريا، أي "حزب الله"، تصنفه معظم دول القرار على أنه إرهابي. لكن مما رشح عن زيارة الدبلوماسي الأميركي المخضرم بيروت أنه سيقدم للمسؤولين الفرصة الأخيرة للخروج من مأزقهم بقيامهم بتغييرات جذرية، منها إصلاحات إدارية وحكومية، ومنها إنهاء الدولة الهجينة التي يديرونها ويسمونها "دولة المقاومة"، وهو ما يتطلب إنهاء حالة "حزب الله"، التي تخالف دستور لبنان (البيان الوزاري ينص على سياسة البلاد ولا يعلو على دستورها ولا يبرر تجاوز بنوده)، وتبني سياسة "الحياد الإيجابي" التي يطرحها بطريرك الكنيسة المارونية بشارة الراعي.

و"الحياد الإيجابي" لا يعني توقيع لبنان على سلام مع إسرائيل، على الرغم من أن واشنطن وباريس يسعدهما ذلك، بل يعني عدم انخراط لبنان في أي صراعات إقليمية مسلحة، إن ضد إسرائيل أو في سوريا، والتمسك بمواقف جامعة الدول العربية المبنية على مبادرة بيروت للعام 2002، والتي تنص على "الأرض مقابل السلام" مع إسرائيل، وعلى حل الدولتين، فلسطينية وإسرائيلية.

بكلام آخر، "الحياد الإيجابي" يعني عودة لبنان إلى حياده الذي امتد منذ 1949، أي منذ توقيعه اتفاقية الهدنة مع إسرائيل، وحتى العام 1969، يوم توقيعه "اتفاقية القاهرة" التي سمحت للميليشيات الفلسطينية بشن هجمات ضد إسرائيل من لبنان. حتى حرب 1967، التي شاركت فيها كل "دول الطوق"، أي مصر وسوريا والأردن، امتنع لبنان عن المشاركة فيها وأفاد من حياده بانتقال رؤوس الأموال العربية إليه، فعاشت البلاد بحبوحة لا مثيل لها.

أما في حال رفض حكّام لبنان العرض الدولي، فإذ ذاك سيبقى اللبنانيين وحيدين، يلملمون ركام إهمال وفساد حكومتهم في انفجار بيروت، ويعانون من ابتعاد رؤوس الأموال عنه بسبب حالة الحرب المتواصلة التي يبقيه فيها "حزب الله". أما الشعب اللبناني، فالغالب أن العالم سيطوّر آلية إغاثة ضحايا انفجار المرفأ لإغاثة اللبنانيين من المجاعة، في وقت يتمسك حكّامهم ببقائهم في "محور المقاومة".

أما الابتزاز باللاجئين، فلم يعد يزعج دول العالم. ولا يزعجهم كذلك الابتزاز الأمني بإمكانية وصول الإرهاب أميركا وأوروبا، إذ أن الإرهاب سبق أن وصل، وسبق أن قامت أميركا وأوروبا بالقضاء عليه في عقر داره.

يبقى الابتزاز بأمن إسرائيل، وهو ما تكفلت به إسرائيل نفسها، إذ هي رفعت تكلفة أي حرب معها إلى مستويات تجعل من محاولة هز أمنها مكلفة، وهو ما حوّل حرب إيران وميليشياتها معها إلى حرب باردة لا تجبر العالم على استجداء تنازلات في دمشق، كما في الماضي، لضبط أمن حدود إسرائيل أو تسليم إرهابيين.

على الرغم من اعتقاده بتفوقه الفكري والاستراتيجي، لا يبدو باسيل موهوبا، فهو راهن على "حزب الله" ليصبح حماه رئيسا، وربما ليخلفه باسيل، ولكنها رئاسة جاءت بثمن عزل لبنان وانهياره. كذلك، لا يبدو أن أوروبا باتت تخشى اللاجئين، أو انهيار دولة لبنان، وهذا رئيس تركيا رجب طيب إردوغان، يحبس أنفاسه يوميا مهددا أوروبا باللاجئين، فيما لا يبدو أن أميركا أو أوروبا ترضخان له، بل تركتاه ينصب منظومة صواريخ "أس 400" الروسية البالية، وانتزعتا منه برنامج مقاتلات "أف 35" الأميركية المتطورة، ولا تهتمان لاقتصاده فيما الليرة التركية تتراجع وتقارب الانهيار.

قبل اردوغان، انهارت منظومة الأسد لابتزاز العالم، فوجد الأسد نفسه معزولا، كحكّام لبنان، بلا مساعدات دولية، ولا أموال إعادة إعمار، ولا مبالاة إسرائيلية لسيادته، إذ تقوم إسرائيل بتدمير ميليشيات إيران وقواعدها في سوريا بلا حساب للأسد.

لم يقدم انفجار بيروت لحكّام لبنان و"حزب الله" الفجوة التي كانا يتمنيانها لإنهاء عزلتهم، بل هو قدم نموذجا يسمح للعالم بمساعدة اللبنانيين إنسانيا على الرغم من مواصلة عزل حكّامهم، وهو نفس النموذج الذي تمارس روسيا دوريا حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن لمنع حدوثه في سوريا.

الخميس، 6 أغسطس 2020

انفجار لبنان يعيده إلى دائرة الضوء... في واشنطن

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بعد سنوات من غيابه وغرقه في غياهب النسيان، أعاد أكبر انفجار شهدته الجمهورية اللبنانية في تاريخها، لبنان بقوة إلى صدارة النقاش في الولايات المتحدة. وسائل الإعلام الأميركية كافة، انشغلت بتغطية تفاصيل الانفجار، أسبابه، الرواية الرسمية حول الباخرة التي خلّفت وراءها أطناناً من مادة نيترات الأمونيوم ظلّت مخزنة في عنابر مرفأ بيروت، قبل أن تؤدي للانفجار الضخم، وحديث عن الأسباب التي حوّلت لبنان إلى «دولة فاشلة»، وإجماع على فساد غير مسبوق في الطبقة السياسية الحاكمة منذ عقود.
وشملت التغطية الإخبارية الوضع اللبناني، الذي أجمعت وسائل الإعلام أنه كان مزرياً أصلاً قبل الانفجار، وأن الانفجار ضاعف من مأسوية الأوضاع المعيشية، وأدى الى تدمير أكثر من ربع مليون وحدة سكنية، وتشريد الآلاف من سكان بيروت، فضلاً عن نسفه احتياطي لبنان من القمح والدواء والمواد الغذائية الأخرى التي كانت مخزنة في مرفأ بيروت.
أما دونالد ترامب، وبعدما صرّح الثلاثاء بأنه سمع من جنرالاته اعتقادهم أن سبب الانفجار «قنبلة من نوع ما»، ووصفه بـ«الاعتداء المروع»، تراجع الرئيس الأميركي عن موقفه، فيما قال رئيس موظفي البيت الأبيض مارك ميدوز، أن واشنطن بانتظار توافر المزيد من الدلائل، وأنه حتى توافرها، لا يمكن للولايات المتحدة أن تنسف فرضية الهجوم بالكامل. 
واعتبر الرئيس الأميركي الأربعاء أنّ السؤال عن سبب الانفجار لا يزال بلا إجابة، وتعهّد تقديم دعم للبنان. 
وقال: «أستطيع أن أخبركم بأنّ الذي حصل، مهما يكُن، هو أمر رهيب. لكنّهم لا يعرفون حقاً ما هو. لا أحد يعرف حتّى الآن». وتابع: «سمعتُ كلا الأمرين. سمعت (بأنّه) حادث. سمعتُ (بأنّها) متفجّرات».
وأكد «إننا متضامنون مع هذا البلد. لدينا علاقة جيدة جدا مع هذا البلد، لكنه بلد غارق في أزمة ومشاكل كثيرة». 
وعقب يوم من الانفجار، استبعد وزير الدفاع مارك إسبر أن يكون الأمر نتيجة قنبلة. وتبنّى رواية السلطات اللبنانيّة التي ذكرت أنّ الانفجار نتج عن تخزين 2750 طنّاً من مادّة نيترات الأمونيوم بمستودع في مرفأ بيروت بغياب تدابير وقاية. 
وقال إسبر في منتدى أسبن للأمن: «ما زلت أتلقّى معلومات حول ما حصل» في بيروت. وأضاف أن «أغلبيّة الناس تظنّ أنّه حادث». 
من جانبه، أعرب ميدوز عن الأمل في «أن يكون مجرد حادث مأسوي وليس عملاً إرهابياً، لكننا ما زلنا ننظر في كل المعلومات».
وأعلن ناطق باسم وزارة الخارجيّة مقتل مواطن أميركي على الأقلّ وجرح آخرين في الانفجار، لافتاً إلى أنّ الولايات المتحدة بصدد التأكّد ممّا إذا كان مواطنون آخرون قد تضرّروا. 
وسبب الحديث عن الهجوم يعود الى آراء صادرة عن خبراء عسكريين ممن راقبوا فيديوهات الانفجار اللبناني، وخلصوا الى أن سحب الدخان ذات اللون البرتقالي التي تعالت على إثر الانفجار تشي بحتمية انفجار مواد متفجرة معدة للاستخدام العسكري، إذ يعتقد الخبراء أن التفجير بنيترات الأمونيوم، لونه يميل الى البياض. 
ومع عودة لبنان إلى دائرة الضوء، نفضت دوائر القرار الغبار عن ملف لبنان، الذي كانت وضعته على أعلى رفوفها منذ زمن. ومن يعرف أحوال العاصمة الأميركية، يعلم أنه منذ وصول الرئيس السابق باراك أوباما إلى الحكم، انحسر اهتمام سلفه جورج بوش، والذي كان يؤمن بضرورة دعم الديموقراطية والسيادة اللبنانية. كذلك، لم يمانع بوش أي حوار مع «حزب الله»، الذي تصنفه الولايات المتحدة تنظيماً إرهابياً، في سبيل حل ميليشيا الحزب ودمجها بالقوى الأمنية، مع تحول الحزب إلى سياسي حصراً.
لكن أوباما رأى في لبنان قضية معقدة لا فوائد سياسية وإستراتيجية للولايات المتحدة من الانخراط فيها، فتعامل مع لبنان على أنه جائزة ترضية أثناء مفاوضاته مع إيران: وافق على منح إيران «اليد العليا» في لبنان، وفي الوقت نفسه منح الكونغرس مكافأة بتوقيع قانون فرض بموجبه عقوبات قاسية وشاملة على الحزب اللبناني. 
ولم يمانع أوباما التنسيق الأمني غير المباشر مع «حزب الله»، عبر القنوات الرسمية اللبنانية، وتصوير ذلك في إطار الحرب الدولية ضد تنظيم «داعش». وقامت واشنطن بقيادة أوباما بالتعامل مع جهات مشابهة للحزب اللبناني وتابعة لإيران، مثل الميليشيات الشيعية في العراق، قبل أن يصل ترامب إلى البيض الأبيض، ويعكس هذه السياسة كلياً، ويقوم بتصفية زعيم الميليشيات العراقية الموالية لإيران أبومهدي المهندس في الضربة التي أدت إلى مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، قائد الميليشيات فعلياً. 
ولأن إدارة ترامب صارت ترى لبنان من زاوية «حزب الله» فحسب، كان متوقعاً ألا تهتم واشنطن بأوضاعه أو دولته، خصوصاً أن لبنان راح يتحول، مع مرور الوقت، إلى دولة خاضعة بالكامل، حسب وجهة نظر واشنطن، لرغبات «حزب الله». 
لكن ترك لبنان في أيدي الحزب الموالي لإيران ساهم في الإسراع في تحويله إلى «دولة فاشلة»، حسب الرأي الأميركي. وواشنطن تخشى هذا النوع من الدول، منذ أن فشلت في كيفية التعامل مع مأزق دولة أفغانستان الفاشلة، التي تحولت إلى مرتع للإرهاب والإرهابيين ممن شنوا هجمات 11 سبتمبر 2001 ضد نيويورك وواشنطن. 
وساهم انفجار مرفأ بيروت في تأكيد المخاوف الأميركية أن لبنان يغرق، وأن من شأن غرقه أن يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة والعالم، مع إمكانية تدفق لاجئين إلى أوروبا وازدياد في نشاطات المجموعات الإرهابية في البلاد. هكذا، بدأ المسؤولون والخبراء الأميركيون، بالتشاور مع نظرائهم وأصدقائهم الأوروبيين والعرب واللبنانيين المغتربين، في محاولة استنباط حلول ممكنة لتقديمها للإدارة الحالية والإدارات المقبلة. 
وما يسعى الأميركيون التوصل إليه هو كيفية مساعدة اللبنانيين، من دون المساهمة في تغذية فساد الطبقة السياسية أو السماح بأي تراخٍ في الضغط على «حزب الله». ومن الأفكار المتداولة، تقديم هبات عينية مباشرة للبنانيين عن طريق المنظمات الدولية والغربية غير الحكومية، من دون المرور بمؤسسات الدولة. 
كذلك عاد إلى الواجهة النقاش عن إمكانية التوصل إلى تسوية في معضلة «حزب الله»، خصوصاً بالاستناد إلى التصريحات التي كان أدلى بها البطريرك بشارة الراعي، ودعا فيها إلى «حياد لبنان الإيجابي»، وهو ما يعني تحييد لبنان عسكرياً عن الصراعات الإقليمية، بما في ذلك الصراع مع إسرائيل، من دون التوصل لاتفاقية سلام بين لبنان وإسرائيل، وهو سيناريو يوافق عليه الأميركيون بغالبية حزبيهم، الجمهوري والديموقراطي، أي أنه في حال وصول المرشح الديموقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض، مطلع العام المقبل، لن يرفض الديموقراطيون تحييد لبنان كخطوة أولى لإنقاذه من فشل دولته، وإعادة تأهيله، وإعادة إطلاق عجلته الاقتصادية.
ويسود اعتقاد أن دمج ميليشيا «حزب الله» في القوى الأمنية لتحييد لبنان ممكن في حالة واحدة فقط، وهي توافر إجماع لبناني كامل. وتردد في بعض النقاشات إشارات الى أن الإجماع كان مفتاح إجبار منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها ياسر عرفات على الخروج من لبنان في العام 1982، وأن الإجماع نفسه أجبر الرئيس السوري بشار الأسد على سحب جيشه من لبنان في 2005.
هذه المرة، مع اصطفاف الرئيس الماروني ميشال عون إلى جانب «حزب الله»، تقدم مواقف الكنيسة المارونية بديلاً أقوى من عون، ويمكن البناء عليه، بالاشتراك مع الغالبية السنية والدرزية، وبرعاية أممية وأوروبية وأميركية، يمكن التوصل إلى إجماع يجبر الحزب على التخلي عن الميليشيا والتحول إلى كتلة سياسية برلمانية وحكومية.
المسؤولون الأميركيون يقولون إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حمل في جيبه اقتراحاً حول ضرورة التوصل لإجماع وطني للتوصل للحياد الإيجابي أثناء زيارته العاصمة اللبنانية أمس. وحتى يسمع الأميركيون من حلفائهم الفرنسيين عن نتائج زيارة ماكرون، سيبقى لبنان تحت دائرة الضوء، في فرصة قد تكون الأخيرة لبيروت للخروج من الهاوية التي تسقط فيها من دون توقف.

الأربعاء، 5 أغسطس 2020

تقارير أميركية: نيترات الأمونيوم سلاح «حزب الله»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

شاءت الصدف أن يطلق «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» خريطة تفاعلية حول أنشطة «حزب الله» اللبناني «الإرهابية حول العالم» في اليوم نفسه الذي تعرّضت فيه بيروت لأضخم انفجار في تاريخ الجمهورية اللبنانية. 
وشاءت الصدف أن يرد في النص الذي قدم الخريطة، أن فيها «معلومات جديدة عن لوجستيات (الحزب) بالتفصيل، مثل طرق السفر التي سلكها عناصر (حزب الله) داخل بلغاريا وخارجها في يوليو 2012 لتفجير حافلة بورغاس، واسم الأستاذ اللبناني الفرنسي الذي تفيد الشرطة القبرصية بأنه اشترى المنزل الآمن حيث كان حزب الله يخزن عبوات نيترات الأمونيوم لإنتاج المتفجرات».
ونيترات الأمونيوم هي المادة التي أوردت التقارير في بيروت بأن 2700 طن منها كانت مخزّنة في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، وهي التي أدى انفجارها إلى «بيروتشيما»، نسبة لضخامة الانفجار وتماثله مع إلقاء القنبلة الذرية على مدينة هيروشيما اليابانية في الحرب العالمية الثانية.
وتضاربت الأنباء اللبنانية حول سبب تخزين أطنان نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، فأشارت تقارير الى أن السلطات صادرت حمولة سفينة كانت تقل هذه المواد قبل سنوات، وذكرت تقارير أخرى أن عمالاً كانوا يقومون بـ «تلحيم فجوة» في جدار كانت تؤدي الى هذه المادة المخزنة، وأن درجة الحرارة المرتفعة والشرارة المتولدة من عملية تلحيم الحديد أدت لانفجار الأطنان المذكورة.
على أن التقارير الأميركية حول استخدام «حزب الله» نيترات الأمونيوم، وتهريبه على شكل عبوات مثلجة، ثم استخدامه لصناعة عبوات في هجمات حول العالم، ليست حديثة. 
ويورد تقرير أصدرته «اللجنة الأميركية اليهودية»، نهاية العام الماضي، أن تهديد «حزب الله» لأوروبا يتجلى في بناء بنية تحتية حول العالم قادرة على شن هجمات متفجرة. 
«في السنوات الأخيرة»، يضيف التقرير، «كشفت السلطات عن منازل ومستودعات آمنة تحتوي على كميات هائلة من المواد المتفجرة، ففي عام 2015، تم اكتشاف مستودع يخزن 8.3 طن من نيترات الأمونيوم في قبرص، وبعد ستة أشهر تم اكتشاف ثلاثة أطنان في أربعة مخابئ في لندن». 
ويتابع أنه «فضلاً عن مخاطر الانفجارات العرضية التي تهدد الأحياء السكنية، تم الكشف عن أن الشحنة المستخدمة في تفجير (حزب الله) في بورغاس»، في بلغاريا عام 2012، كانت «تحتوي على نيترات الأمونيوم».
بدورها، أوردت «دراسات في الصراعات والإرهاب»، وهي دورية أكاديمية رصينة صادرة عن دار «فرانسيس اند تايلور»، بحثاً بقلم الأميركيين ايون بوب وميتشل سيلبر، جاء فيها أن «حزب الله» أجرى مراراً، وعبر قارات مختلفة، نوعاً من التخطيط اللوجستي المتقدم من خلال تكديس مخزونات كبيرة من أكياس ثلج «الإسعافات الأولية» غير المؤذية، و«المليئة بنيترات الأمونيوم». 
وأضافت الدراسة: «ثبت أن هذه الخطوة يتميز بها حزب الله لتخزين المتفجرات حول العالم، وذلك حسب ما بدا جلياً من خلال إحباط عمليات للحزب في تايلند وقبرص والمملكة المتحدة». وتابعت: «كانت المرة الأولى التي قام فيها حزب الله بتخزين نيترات الأمونيوم في أكياس ثلج الإسعافات الأولية في تايلند في 2012».
في سياق متصل، وعلى الجانب الإسرائيلي، أوردت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» أن جهاز «الموساد» كان قدم «لألمانيا معلومات حول مخازن في جنوب لبنان خبأ فيها حزب الله مئات الكيلوغرامات من نيترات الأمونيوم، وهي مادة تستخدم لصنع المتفجرات».
وفي مقابلة أجرتها إذاعة «صوت أميركا» مع مائير خافيدنفار، أشار خبير شؤون الشرق الأوسط في «المركز المتعدد التخصصات في هرتزليا في إسرائيل»، إلى أن القرار الألماني كان «يعد انحرافاً دراماتيكياً عن سياسة برلين السابقة، لكنه تم على أساس معلومات استخبارية من الموساد لجهاز الاستخبارات (بي أن دي)»، مفادها بأن «بعض المنتسبين إلى حزب الله كانوا يقومون بتخزين كميات كبيرة من نيترات الأمونيوم، وهي مادة تستخدم لصنع المتفجرات، في مستودعات مختلفة في جنوب ألمانيا».
إذاً، لا نيترات الأمونيوم بعيدة عن «حزب الله»، ولا إسرائيل غافلة عن استخدام الحزب لهذه المادة في عملياته الخارجية. لكن هل تكفي هذه المعلومات لربط تفجير بيروت بعملية إسرائيلية ضد مخزونات «حزب الله» من «نيترات الأمونيوم» في مرفأ بيروت؟ 
لا إجابات متوفرة في العاصمة الأميركية، بل تكهنات فحسب، تعتقد أن ملكية الحزب لمخزونات المرفأ أمر شبه محسوم، وأن دولة لبنان وأجهزة الإعلام المحسوبة على «حزب الله» أبدت ارتباكاً في الخروج برواية موحدة عن أسباب الحادثة، إلى أن توصلت إلى رواية مصادرتها من سفينة أجنبية قبل سنوات. 
قد يكون حادثاً عرضياً بسبب سوء ظروف التخزين، وقد يكون هجوماً على طراز الهجمات الغامضة التي تعرضت لها إيران في الفترة الأخيرة. الثابت أن الدولة اللبنانية ستصدر رواية حول تقصير بعض المسؤولين وترميهم كأكباش فداء، فيما لا إسرائيل من عادتها إعلان مسؤوليتها عن هجمات من هذا النوع، في حال كانت هي من تقف وراءها، ولا «حزب الله» في صالحه تبني مواد أدت الى أكبر تفجير في تاريخ لبنان، وإن قام الحزب باتهام إسرائيل، فسيجبره ذلك على الانتقام بفتح حرب عبر الحدود الجنوبية، وهي حرب لا يريدها الطرفان، على الأقل في الوقت الحالي.

الثلاثاء، 4 أغسطس 2020

1043 إسرائيل تعدّل «قواعد اللعبة» و«حزب الله» يسعى للحاق بها

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تعليقاً على الأحداث المتوالية بين «حزب الله» والدولة العبرية، منذ مقتل أحد مقاتلي الحزب بغارة إسرائيلية على قاعدة عسكرية تابعة للميليشيات الموالية لإيران في سورية، قالت مصادر أميركية رفيعة المستوى إن «إسرائيل نجحت بتعديل قواعد الاشتباك بينها وبين حزب الله، الذي يسعى بدوره لتعديل القواعد من جانبه، لكن تل أبيب حرمته ذلك حتى الآن». 
وتشير المصادر الى أن إسرائيل كرّست أنه مسموح لها بتوجيه ضربات ضد أهداف معادية لها داخل سورية، من دون أن تفضي هجماتها لاندلاع حرب عبر حدودها الشمالية مع لبنان. إيران، توضح المصادر،«رضيت بالترتيب الإسرائيلي، وقام أحد المسؤولين الإيرانيين بالإدلاء بتصريح اعترف فيه بمقتل ثمانية من الحرس الثوري بضربات جوية داخل سورية». 
وتضيف أن واشنطن تعتقد أن عدد الضحايا الإيرانيين في سورية أكبر بكثير من ثمانية، وأن رد طهران، حسب ما ورد على لسان مسؤوليها، هو«عدم سحب القوات الإيرانية، وتكرار أن وجودها شرعي لأنه بطلب من حكومة (الرئيس بشار) الأسد».
«حزب الله»، بدوره، كان أعلن على لسان أمينه العام حسن نصرالله ترتيباً جديداً في المواجهة مع إسرائيل، مفاده بأن الحزب سيرد من لبنان على مقتل أي من عناصره في سورية. وتشرح المصادر الأميركية: «على أن مشكلة حزب الله في فتح الجبهة اللبنانية، أنها جبهة مقفلة بقرارات وتفاهمات دولية، وفتحها يعني حرباً شاملة ومدمرة، خصوصاً على لبنان، ما يعني أن مشكلة نصرالله ستكون في تبرير الخراب الذي ستعود به حرب من هذا النوع على اللبنانيين».
ويعاني لبنان، من انهيار في قيمة عملته الوطنية بواقع أكثر من 80 في المئة من قيمتها، مع تخلف حكومته عن سداد ديونها، وهو ما فتح الباب أمام الدائنين غير اللبنانيين للحجر على أي أموال منقولة للدولة، وهو ما يعقّد أكثر مواضيع استيراد المواد الأساسية، مثل النفط والغاز لتوليد الطاقة والطحين والمواد الغذائية الأساسية الأخرى.
وتعتقد المصادر الأميركية أن الانهيار الاقتصادي اللبناني فرض ضغطاً شعبياً كبيراً على «حزب الله»، بما في ذلك بين صفوف قاعدته الشعبية، وهو ما يدفعه الى التفكير ملياً قبل الإقدام على فتح «حرب شاملة» ضد الإسرائيليين.
«لكن حزب الله بحاجة لحفظ ماء الوجه أمام مناصريه»، تتابع المصادر، «وهو ما يدفعه للسعي للبحث عن سبل للانتقام من دون مسؤولية مباشرة». 
في هذا السياق، حاول الحزب القيام بعملية، تقول المصادر الأميركية أنها موثقة إسرائيلياً، في مزارع شبعا المتنازع عليها، في مسعى للعودة الى المواجهات المحدودة التي خاضها الحزب في الفترة التي تلت انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في العام 2000، وقبل اندلاع حرب 2006، التي أقفلت الحدود الإسرائيلية - اللبنانية، بما في ذلك مزارع شبعا.
وحاول، وفق المصادر، زرع عبوة ناسفة في الجولان السوري، ليقوم الإسرائيليون بقصف المتسللين وتصوير ذلك بالفيديو. ويقول الإسرائيليون أنهم قتلوا المتسللين الأربعة. 
وتعلق المصادر الأميركية بالقول إن «الهدف الإيراني أصلاً هو تحويل الجولان الى جبهة تندلع فيها حرب استنزاف مع الإسرائيليين»، وأن «عملية التسلل هي تتويج للمساعي الإيرانية، التي ربما تكون طهران وجدت نفسها مجبرة لاستخدامها قبل اكتمال بنيتها التحتية».
لذا، قامت الميليشيات الموالية لإيران في الجولان، بالاعتماد على قدرات جيش الأسد، من حيث الرصد والمراقبة، وهو ما دفع إسرائيل الى تدمير المواقع السورية التي استخدمتها الميليشيات، وتكرار التحذير لنظام الأسد من مغبة السماح بذلك مستقبلاً. 
في سياق تغيير القواعد، يقول انتوني الغصين الباحث «في معهد الشرق الأوسط» ومقرّه واشنطن، إن إسرائيل و«حزب الله» عدّلا في قواعد الاشتباك بينهما مع مرور الوقت، لكنهما لم يفعلا ذلك دائماً بطرق سلمية أو منظمة. 
«لسنوات، خطف حزب الله جنوداً إسرائيليين في المناطق الحدودية لمبادلتهم بسجناء لبنانيين أو فلسطينيين في السجون الإسرائيلية»، يضيف الغصين لـ«الراي».
في 2006، يتابع الخبير الأميركي من أصل لبناني، «أنهى الإسرائيليون هذه الممارسة من خلال رفع التكاليف على الحزب، وهم يقومون بالأمر نفسه بضرباتهم الجوية ضد البنية التحتية للمنظمة داخل سورية منذ سنوات». 
اليوم، لا تهتم إسرائيل باستخدامها طائرات من دون طيار فوق لبنان، بما في ذلك فوق عقر دار الحزب اللبناني، يتابع الغصين، ويضيف أن «حزب الله أعلن أنه سيرد على عمليات القتل وعمليات الدرونز هذه... ومنذ ذلك الحين، حاول الإسرائيليون على ما يبدو تجنب إصابة حزب الله، وتزويده بمخارج لحفظ ماء الوجه، وقبول ردوده المحدودة بدلاً من المضي في التصعيد».
ومنذ انغمس الحزب في الحرب السورية، عمل مع النظام على الانخراط في جنوب سورية. «طوّر الحزب البنية التحتية والتكنولوجية لاستخدامها في حرب مستقبلية ضد إسرائيل، أو على الأقل، لمضايقة الإسرائيليين، مع توسيع خطوط النفوذ الإيرانية في منطقة كان يهيمن عليها نظام سوري كان يتسم بالمرونة»، يقول الغصين. 
ويتابع:«في المقابل، دمر الإسرائيليون بعض البنى التحتية والأسلحة المدعومة من إيران بالقرب من دمشق وجنوب سورية، وإذا لزم الأمر، وعند الضرورة، ستشن إسرائيل ضربات ضد في أي مكان في منطقة تمتد من العراق إلى الضواحي الجنوبية لبيروت».
على أن الخبير الأميركي يستبعد اندلاع حرباً شاملة بين «حزب الله» وإسرائيل، ويقول إنه رغم حصول الحزب على خبرات في العمليات المتكاملة وحرب المدن في سورية، ورغم حصوله منذ 2006 على صواريخ أكثر تطوراً وطائرات من دون طيار، وقدرات مضادة للطائرات، وأسلحة بحرية، فان الإسرائيليين أمضوا في المقابل أكثر من عقد من الزمن في تحديث وحداتهم الشمالية، وتطبيق الدروس المستفادة من حرب 2006، وتحسين المعدات التي أثبتت أنها عرضة للخطر بشكل مفاجئ. «إلا أن إمكانية اندلاع الحرب لا تزال متدنية»، يختم الغصين.

الإسلام دين عربي، لا إيراني ولا تركي

حسين عبدالحسين

حسب الرواية الإسلامية، أن الخالق أكرم العرب ببعثه خاتم النبيين والرسل منهم، وأن العربية هي لغة أهل الجنة، وأن العبادة لا تجوز بغيرها، وهو السبب الذي يجبر المسلمين من غير العرب، في أصقاع المعمورة، على دراسة ما تيسر من العربية للصلاة والتعبد. 

ومنذ وفاة الرسول، لم يخلفه إلا عرب من قريش، وحسب الاعتقاد الشيعي، من نسل ابنته فاطمة وابن عمه علي. وبعد الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين والفاطميين، لم يسبغ الحكام على أنفسهم لقب خليفة، بل اتخذوا ألقابا توحي وكأنهم يحكمون باسم خليفة ما، مثل سيف الدولة، وناصر الدولة، والوالي، والسلطان. ومنذ نهاية الخلافتين العباسية والفاطمية، تلاشى مفهوم الحاكم باسم الله ورسوله، وحلّ محله حاكم باسم الدين والقوة.

قبل اندثارهم، عمد العباسيون إلى تجنيد مقاتلين من القبائل التركية في وسط آسيا، وعاملوهم كعبيد، وهو ما أكسب بعضهم لقب مماليك. لكن المماليك ثاروا على أسيادهم، وحكموهم، وتبنوا لغتهم ودينهم وعاداتهم وتقاليدهم. وتواصلت موجة نزوح القبائل التركية والإيرانية من آسيا الوسطى باتجاه غرب آسيا، وواصل اللاجئون الأتراك والإيرانيون تبني الحضارة العربية التي كانت متقدمة على حضارتهم، فتبنوا الحرف العربي، والدين العربي، أي الإسلام، والتاريخ العربي. مع ذلك، تعذر على الإيرانيين والأتراك ادعاء الخلافة التي تقلبت في أصلاب العرب قبل اندثارها.

هكذا، أطلقت سلالة عثمان على حكامها لقب سلطان، واتخذ إسماعيل مؤسس السلالة الإيرانية الصفوية لقب شاه، أي ملك، وراح الأتراك والإيرانيون يتنافسون على خطب ود المسلمين، وابتكار أساطير تربطهم بالأساطير الإسلامية. لكن الواقع بقي عصيا على التغيير: الإسلام دين عربي.

محاولات الإيرانيين والأتراك التظاهر وكأن حاكمهم هو خليفة المسلمين، بمن فيهم العرب، لم تتوقف، حتى يومنا هذا. الأسبوع الماضي، احتجت "جمهورية إيران الإسلامية" لدى وكالة يونسكو ـ التابعة للأمم المتحدة والمخولة الحفاظ على التراث البشري العالمي ـ أن "جمهورية تركيا" العلمانية سابقا المتأسلمة حديثا، حاولت تسجيل رسم "الخط العثماني" لدى الوكالة على أنه "الخط الإسلامي". وجاء في الاحتجاج الإيراني أنه إن كان هناك رسما للأحرف يمكن اعتباره خطا إسلاميا، فهو "الخط الفارسي".

واعتبار أن الخط الإسلامي هو الرسم الفارسي تزوير للتاريخ يوحي وكأن أول تدوين لكتاب المسلمين كان بهذا الخط، وهذا غير صحيح، بل أن الخط الفارسي نفسه منقول من الحروف العربية. أما التاريخ الحقيقي، فهو أن اللغة العربية كانت تكتب بخطوط سابقة للخط الحالي، منها العربي الجنوبي، ومنها الآرامي المعدّل والمعروف بالنبطي المتأخر. أما أولى مخطوطات القرآن والكتابات الإسلامية الأخرى، فكانت بالخط العربي الحجازي، يليه الخط العربي الكوفي المستوحى على الأرجح من الاسطرنجيلي الآرامي، الذي كان مستخدما في الكنيسة المسيحية خارج بيزنطية. هذا يعني أن "الخط الإسلامي" ليس تركيا ولا إيرانيا، بل عربي.

والشعوبية، أو عداء غير العرب من المسلمين للعرب المسلمين، قديمة بقدم الدين الإسلامي نفسه. مثلا، يتظاهر الإيرانيون أن قبر خليفة المسلمين وعزّ العرب في ذروة حضارتهم، العباسي هارون الرشيد، مدفون في قم، ويقومون بدوس القبر لاعتقادهم أن الخليفة العربي اضطهد آل بيت الرسول، وانتزع حقهم في الحكم. طبعا هذه أسطورة إيرانية موجهة ضد الحضارة العربية، فابن الرشيد، الخليفة المأمون، عيّن الإمام الشيعي علي الرضا نائبا له، وفي المذهب الشيعي روايات حول كيف بدأ الرضا رحلته من مدينة مرو، في تركمانستان اليوم، إلى مشهد. هل داس نائب الخليفة قبر والد الخليفة؟ الأرجح لا، لكن السياسة اليوم تملي إعادة كتابة تاريخ أمس.

قبل إيران، حاولت تركيا، التي تسابق الزمن للعودة إلى عثمانية يخال حكام أنقرة أنها كانت تتربع على عرش العالم الإسلامي، التظاهر وكأن للأتراك حصة في الحضارة الإسلامية، وهو أمر غير صحيح، فالحضارة التركية متأخرة جدا بالنسبة للتاريخ الإسلامي، حتى لو حاولت الانتساب له، وتركيا دولة فتية، مثلها مثل الولايات المتحدة، ومحمد الفاتح كان يجتاح الشعوب ويحتلها ويحكم ناسها في نفس الوقت الذي كان كريستوف كولومبوس يجتاح القارة الأميركية ويؤسس لحكم أوروبي فيها.

لكن رئيس تركيا رجب طيب إردوغان يعتقد أن بإمكانه إعادة إحياء إمبراطورية إسلامية يكون هو حاكمها التركي العثماني. في هذا السياق، قام الرئيس التركي بإعادة متحف آيا صوفيا مسجدا، وأثار بذلك ردود فعل سلبية واسعة وإدانات من وكالة يونسكو الأممية كما البابا فرنسيس الثاني. وآيا صوفيا هي كنيسة تم تشييدها قبل الإسلام، وكانت أكبر وأهم موقع أرثوذوكسي مسيحي لألف عام، قبل أن يغزي العثمانيون قسطنطينية، ويحوّلونها إلى اسطنبول، ويحولوا معها الكنيسة جامعا.

هكذا، صارت آيا صوفيا ترمز إلى فتوحات العثمانيين، وانتصار العثمانيين المسلمين على البيزنطيين المسيحيين، لكن الكنيسة نفسها وموقعها، لا أهمية دينية إسلامية لهما أبدا، فالمواقع الإسلامية ذات الأهمية معدودة، منها الحرمين في مكة والمدينة.

على عكس التاريخ الذي يتصوره حكام إيران وتركيا، ويحاولون إعادة إحيائه للتربع على عرش أمة إسلامية لم تكن واحدة ولا متجانسة في تاريخها. الإسلام دين جذوره عربية، الشخصيات في أحداثه الأولى عرب، طقوسه بالعربية، لكن بعد ذلك، صار الإسلام دينا متنوعا، فيه السني والشيعي والإسماعيلي والأباضي والزيدي والأحمدي والصوفي، وفيه العربي والهندي والأندونيسي والإيراني والتركي والأوروبي والأميركي.

أن يتظاهر ولي إيران أن الإسلام ديانة فارسية أورثته زعامة العالم الإسلامي، وأن يتظاهر سلطان تركيا أن الإسلام ديانة عثمانية أورثته زعامة الإمبراطورية الإسلامية، تزوير للتاريخ، وتحويل الإسلام من دين وعبادة إلى حزب وسياسية. أما العرب ممن يصدقون خزعبلات الإيرانيين والأتراك، فهم كمن اشتروا الضلالة بالهدى، فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين.