الأربعاء، 25 نوفمبر 2020

خبراء أميركيون: التغيير في واشنطن سيؤدي إلى تراجع دور أردوغان الإقليمي

واشنطن - من حسين عبدالحسين

لم تؤد الانتخابات الأميركية الى خبو الضوضاء التي كان يثيرها دونالد ترامب بشكل متواصل فحسب، بل أدّت كذلك الى «خفوت نجم» الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي كان شغل الفضاء الإعلامي والافتراضي في الآونة الأخيرة بكثرة تصريحاته الشعبوية.

ومن بين أصدقاء الرئيس الأميركي المنتهية ولايته بين رؤساء الدول، كان أردوغان الأول الذي قدم التهاني للرئيس المنتخب جو بايدن، حتى في وقت كان ترامب لايزال يثير أزمة برفضه الخسارة والتنازل لمنافسه.

ويرى الخبراء الأميركيون أن تراجع حظوظ أردوغان في واشنطن سيؤدي الى تراجع دوره الإقليمي، وانحسار دعمه لـ«التنظيمات الإسلامية» في عموم المنطقة، وهو «ما قد يؤدي الى إعادة تشكيل بعض التحالفات الإقليمية».

ومع التغير الذي قد يلحق بـ «ميزان القوى» في منطقة الشرق الأوسط، بسبب تراجع نفوذ أردوغان، يرى الديبلوماسيون ممن عملوا على التوصل الى تسوية في الأزمة الخليجية، أن هذا التغيير قد يؤدي الى حلحلة، وامكانية تحقيق اختراق، والتوصل الى تسوية للأزمة الخليجية المندلعة منذ يونيو العام 2017.

«من يعرف المرشح لتولي منصب وزير الخارجية (انتوني) بلينكن يعلم أن الرجل يحرص على متانة التحالفات التي تقودها الولايات المتحدة، وهو لذلك سيدفع بقوة أكبر لتحقيق مصالحة خليجية»، يقول أحد الديبلوماسيين الأميركيين، اشترط عدم ذكر اسمه.

ويضيف: «ستعود تركيا الى كنف تحالف الأطلسي الذي تقوده أميركا، وستعود دول مجلس التعاون الخليجي الى تعاونها، وسيعمل بلينكن على ترميم كل التحالفات كخطوة أساسية لمواجهة كل الخصوم».

منذ خسارة ترامب أمام بايدن، أقرّ البرلمان التركي قانوناً ينص على سحب استثمارات الطاقة التركية في الخارج، في خطوة فسرها المراقبون الأميركيون بأنها تحسب لعقوبات ممكن أن يفرضها بايدن على تركيا بعد خسارة أردوغان، الصديق الوحيد المتبقي له في العاصمة الأميركية، من الحزبين الديموقراطي والجمهوري، أي ترامب.

ويعزو المراقبون تمسك ترامب، بأردوغان الى عائدات «برجي ترامب» في اسطنبول، والتي بلغت قرابة ثلاثة ملايين دولار في الفترة بين 2015 و2018. ومقابل أرباحه المالية، تمسك ترامب بأردوغان على عكس نصائح أقرب مستشاريه وأركان حزبه، وقدم سلسلة من «الخدمات»، كان أبرزها ايعازه لوزارة العدل بطرد عدد ممن شغلوا منصب مدعي عام بسبب خوضهم في تحقيقات طالت «بنك هلك» الحكومي التركي.

وتتهم السلطات القضائية الأميركية البنك التركي بتجاوز العقوبات المفروضة على ايران، وتسعى لتكبيده غرامات بمليارات الدولارات، لكن ترامب حال دون ذلك.

كما أوعز ترامب لوزارة العدل بالضغط على القضاة للافراج عن المدعو رضا ضرّاب، وهو أحد شركاء بيرات البيرق، صهر أردوغان. وتتهم المحاكم الأميركية ضرّاب والبيرق بالقيام باختراق العقوبات الأميركية على ايران. وكان تم القاء القبض على ضرّاب اثناء رحلة عائلية كان يقوم بها الى «وورلد ديزني» في ولاية فلوريدا، فاعتقلته السلطات فور أن حطّت طائرته في مطار الولاية الجنوبية في مارس 2016، ونجحت منذ ذلك التاريخ بانتزاع معلومات قيمة منه حول شبكات تجاوز العقوبات.

أردوغان طالب مراراً بالافراج عن ضرّاب، فأبلغه بايدن في أنقرة، وكان مازال نائبا للرئيس، أن لا سلطة للبيت الأبيض على المحاكم الأميركية. على أن ترامب مارس الضغط الممكن لنقل ضرّاب من السجن الى الاعتقال في منزل.

كما طالب أردوغان باسترجاع الداعية التركي المقيم في أميركا فتح الله غولن، وهو عرّاب اردوغان السابق والذي يتهمه الرئيس التركي اليوم، بتدبير محاولة الانقلاب العسكري في يوليو 2016.

وكان مستشار الأمن السابق لترامب الجنرال مايكل فلين، ومعه مدير الاستخبارات السابق جايمس وولسي، عقدا جلسة مع مسؤولين أتراك في واشنطن، اقترح فلين أثناءها عملية تخدير وخطف لغولن وارساله بطائرة خاصة الى تركيا. لكن وولسي أفشى السر للاعلام، واتهم ترامب وفلين، بالجنون.

أما آخر خدمات ترامب لأردوغان، فتمثلت باصداره أوامر مفاجأة بالانسحاب للجيش الأميركي المنتشر في مناطق حوض الفرات، بالاشتراك مع ميليشيات كردية تعتبرها أنقرة «ارهابية»، وهو ما سمح لقوات موالية لتركيا باجتياح المناطق الكردية، وأثار عاصفة من ردود الفعل الغاضبة بين الديموقراطيين والجمهوريين، ضد ما وصفوه تخلي ترامب عن حلفاء أميركا الذين لعبوا دوراً محورياً في القضاء على تنظيم «داعش».

ونقلت وكالة «بلومبرغ» عن داميان مورفي، المسؤول عن الملف التركي لدى السناتور الديموقراطي البارز في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب مينينديز، أن «أردوغان كان قادراً على القيام بما يحلو له لمدة أربع سنوات لأنه كان لديه صديق في البيت الأبيض»، لكن «كل هذا سيتغير بالتأكيد من وجهة نظر الولايات المتحدة مع إدارة جديدة ذات نهج أكثر مسؤولية تجاه المنطقة وتجاه أردوغان».

ربما راهن أردوغان على ترامب ولم يتوقع خسارته الانتخابات الرئاسية، لكن مع فوز بايدن، صار من شبه المؤكد أن الموقف الأميركي تجاه الرئيس التركي سيتحول، وأن بايدن سيمارس ضغوطاً كبيرة على أنقرة، بما في ذلك دعم منافسين انتخابيا لالحاق الهزيمة بأردوغان.

وكان بايدن أدلى بتصريحات الى صحيفة «نيويورك تايمز» مطلع هذا العام، قال فيها إنه سبق أن التقى أردوغان وقضى «الكثير من الوقت معه».

ووصف أردوغان بأنه «مستبد». وقال، «أعتقد أننا يجب أن ننتهج نهجاً مختلفاً تماماً تجاهه... ودعم قيادة المعارضة». وتابع بايدن أن على أردوغان «أن يدفع الثمن، وسنرى إن كنا سنواصل بيع أسلحة معينة له أم لا».

وأضاف المرشح بايدن: «أعتقد أنه إن أردنا الانخراط بشكل مباشر أكثر، يمكننا دعم عناصر في القيادة التركية التي لا تزال موجودة، والاستفادة منها بشكل أكبر، وتشجيعها على تولي زمام الأمور وهزيمة أردوغان، ليس عن طريق الانقلاب، ولكن بالعملية الانتخابية».

واعتبر أن أردوغان «انكشف في اسطنبول، وفي حزبه... تركيا لا تريد الاعتماد على روسيا، لكن (أردوغان) فهم أن (ترامب) لن يتعاطى معه بالطريقة نفسها التي كانت تعتمدها واشنطن، لذلك أنا قلق بشأن قواعدنا الجوية في تركيا وإمكانية الوصول إليها أيضا. وأعتقد أن الأمر يتطلب الكثير من العمل حتى نتمكن من الاجتماع مع حلفائنا في المنطقة والتعامل مع كيفية عزلنا لأفعال أردوغان، لا سيما في شرق البحر المتوسط، في ما يتعلق بالنفط وأشياء أخرى».

الثلاثاء، 24 نوفمبر 2020

ترامب يقرّ بنصف هزيمة... والأضواء تهجره

واشنطن - من حسين عبدالحسين

دقّ المجلسان الانتخابيان في ميتشيغن وبنسلفانيا، مسماراً آخر في نعش أحلام دونالد ترامب في البقاء رئيساً لولاية ثانية بعد مصادقتهما، على فوز المرشح الديموقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية في الولايتين.

ومع تقهقر حظوظ ترامب الرئاسية، تراجعت إدارة الخدمات العامة - التي كان عيّن ترامب رئيستها اميلي مورفي قبل أعوام - عن رفضها بدء العملية الانتقالية إلى إدارة بايدن.

وفي أول إقرار غير مباشر له بهزيمته، أعطى ترامب مساء الإثنين الضوء الأخضر لحصول فريق بايدن على الدعم الفيديرالي اللازم للبدء بعملية نقل السلطة، فيما بدأ الرئيس المنتخب بتسمية أعضاء إدارته الجديدة.

ورغم تخليه عن موقفه الرافض منذ أسبوعين للإفراج عن الدعم، في خطوة غير مسبوقة في التاريخ الأميركي، إلا أن الرئيس الجمهوري لم يعترف بعد مباشرةً بفوز الديموقراطيين.

وتوعد في تغريدة بمواصلة «المعركة»، فيما يستمر بتقديم الشكاوى القضائية لإثبات حصول تزوير في الانتخابات التي عقدت في 3 نوفمبر، لكن من دون جدوى. وكتب ترامب «أعتقد أننا سننتصر».

لكنه قال إنه «من أجل مصلحة بلدنا، أوصي» الوكالة الحكومية المكلفة نقل السلطة بالقيام «بما يجب القيام به في ما يتعلق بالبروتوكولات الأوّلية، وقد طلبت من فريقي أن يفعل الشيء نفسه».

وسارع فريق بايدن إلى الترحيب بهذه الخطوة الضرورية لحصول «انتقال سلس وسلمي للسلطة».

تقليدياً، تقوم هذه الادارة بعملية نقل السلطة في اللحظة التي يتنازل فيها الخاسر في الانتخابات الرئاسية ويهنئ الرابح، لكن ترامب لم يتنازل، وما زال يكرر بشكل شبه يومي أنه فاز، وهو ما دفع مورفي الى الإحجام عن بدء العملية الانتقالية، فدفع ذلك الغالبية الديموقراطية في مجلس النواب في الكونغرس إلى مطالبة حضور المسؤولة أمام اللجان المعنية بحسن سير الإدارة للتحقيق في جلسة استماع.

وبعد تمنعها عن الموافقة على حضور الجلسة، أصدرت مورفي تعليماتها إلى الإدارات الفيديرالية بالتعاون مع فريق بايدن الانتقالية لضمان حسن سير العملية الانتقالية.

تعيينات ومع اتساع دائرة الجمهوريين المطالبين ترامب ببدء العملية الانتقالية، ومع تراجع مورفي، كان لافتاً غياب تغريدات ترامب على مدى يوم كامل، في وقت رصد الإعلام قيام الرئيس بممارسة هوايته في لعب الغولف.

هكذا، هجرت الأضواء ترامب وتسلطت على بايدن، الذي راح يعلن أسماء من ينوي تعيينهم في أرفع المناصب في إدارته، والذين كانت آخرهم جانيت يلين، مديرة الاحتياطي الفيديرالي السابقة، التي رفض ترامب ترشيحها لولاية ثانية على جاري عادة الرؤساء ممن سبقوه.

وسجل بذلك نقطتين: أولهما أن يلين ستصبح أول امرأة تشغل منصب وزيرة خزانة، وثانيها أن بايدن أعاد ليلين اعتبارها الذي سلبه إياها ترامب، وهو ما يؤشر إلى أن الرئيس المقبل قد يسعى الى إعادة إيفاء مسؤولين سابقين كثر، ممن طردهم ترامب من مناصبهم الحكومية تعسفاً، حقهم في مناصبهم أو في مناصب أرفع منها.

كذلك أعلن بايدن تعيين صديقه منذ الزمالة التي جمعتهما على مدى عقود في مجلس الشيوخ، وزير الخارجية السابق جون كيري مبعوثاً رئاسياً خاصاً لشؤون البيئة.

وكيري هو الذي ورث منصب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ بعد انتخاب بايدن نائباً للرئيس. وبعد ذلك بأربعة أعوام، أصبح وزيراً للخارجية. على أن تعيين بايدن، لكيري لا يشي بأن الأخير سيلعب دوراً في السياسة الخارجية، خصوصاً أنه ما زال يتمتع بصداقة مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف. بل أن منصب كيري سيكون أكثر رمزية وهدفه تسليط الأضواء على موضوع التغيير المناخي.

ويريد بايدن، المخضرم في الساحة السياسية تشكيل حكومة «تشبه» الأميركيين، بإعطائه مساحةً أكبر للنساء والأقليات.

وعلى رأس وزارة الأمن الداخلي، سمى بايدن للمرة الأولى إسباني الأصل اليخاندرو مايوركاس (60 عاما) المولود في هافانا والذي سيشرف خصوصا على قضايا الهجرة.

وستكون الأميركية من أصل أفريقي ليندا توماس غرينفيلد (68 عاما) التي شغلت منصب مساعدة وزير الخارجية لشؤون أفريقيا، سفيرة لدى الأمم المتحدة، وأفريل هاينز (51 عاماً) مديرة للاستخبارات الوطنية، لتكون أول امرأة تتولى هذا المنصب، وجايك سوليفان (43 عاماً) مستشاراً للأمن القومي.

لكن إنكار الرئيس المنتهية ولايته لهزيمته، يحرم الرئيس المنتخب من الوصول إلى معلومات مصنفة سرية في المجال الأمني، لا سيما مسائل شديدة الحساسية متعلقة بالأمن القومي، بينما أعلنت وزارة الدفاع، أن مجموعة العمل الانتقالية في الوزارة سترتب وتنسق بين كل جهات الاتصال بالبنتاغون وبين فريق بايدن الانتقالي، مبدية استعدادها لتقديم خدمات ودعم ما بعد الانتخابات بشكل مهني ومنظم وفعال يتناسب مع التزامها بالأمن القومي.

انحسار الأهمية الإعلامية ومع انحسار الأهمية الإعلامية التي يحوزها ترامب منذ ترشيحه للرئاسة قبل أربعة أعوام، راحت بعض الوسائل اليمينية الأكثر تطرفاً تتسابق لنيل الحظوة بين ترامب وطائفة مؤيديه، التي لاتزال كبيرة بين الجمهوريين، واقتنصت شبكة «نيوزماكس»، التي كان عدد مشاهديها لا يتعدى الخمسين ألفاً كل ليلة، جزءاً كبيراً من مشاهدي «فوكس نيوز»، التي يقارب عدد مشاهديها الأربعة ملايين يوميا.

ولأن «فوكس نيوز» سارت في خطى سائر المحطات وأعلنت فوز بايدن بالرئاسة، غضب ترامب عليها، وراح يحض مؤيديه علناً على التحول إلى «نيوزماكس»، فصار عدد مشاهديها يقارب المليون في اليوم.

لكن حتى شبكات مثل «نيوزماكس»، لم يسعها إلا تقديم عدد من السيناريوهات المتوقعة لمستقبل ترامب بعد خروجه من البيت الأبيض في 20 يناير المقبل. وأشار الكاتب اليميني المتطرف مارك خوداكيوتز، الى أن الشبكة قدمت لترامب عرضاً ليقدم برنامجاً سياسياً مسائياً يطلّ فيه على مؤيديه.

وقال خوداكيوتز إن بقاء ترامب في البيت الأبيض صار من الأمور شبه المستحيلة بسبب «تآمر كل القوى ضده»، لكنه اعتبر أنه حتى بعد خروجه من البيت الأبيض، سيبقى زعيماً للحزب الجمهوري، ويمكنه أن يترشح في العام 2024، لكن عمره سيكون قد بلغ 78 عاماً، وقد لا يكون لترامب الطاقة المطلوبة لقيادة الجمهوريين وعودتهم إلى البيت الأبيض، وهو ما يتطلب أن يقوم بتسمية خليفة له داخل الحزب.

طامحون بالخلافة




واقترح خوداكيوتز أن يسمي ترامب، السيناتور توم كوتون لمواصلة «قيادة الحركة القومية الشعبوية» التي أطلقها ترامب. واعتبر أن النجم الصاعد داخل الحزب، سيعبّر بطريقة أفضل عن مواقف هذه الحركة.

وكتب: «سيقوم كوتون بتوضيح الأفكار التي يجب أن تحفز الأميركيين لتحقيق نصر جمهوري مذهل، فترامب وسم التمرد الشعبي الذي حمله إلى أعلى منصب في البلاد باسمه، لكنه فشل في التعبير بشكل متسق عن سبب هذا الغضب الشعبي، ونحن بحاجة إلى رسالة إيجابية للقومية الشعبوية الأميركية التي يمكن لتوم كوتون إيصالها».

وكوتون ليس وحيداً في السباق لخلافة ترامب في قيادة الحزب الجمهوري، اذ إن منافسة قوية ستأتي من وزير الخارجية مايك بومبيو، وهو أحد الوجوه البارزة في اليمين المسيحي الأميركي. وسبق له، كما لكوتون، أن انتسب للجيش وقاتل في الحروب الخارجية: بومبيو شارك في حرب الخليج الأولى، وكوتون في الثانية.

وأشارت صحيفة «واشنطن بوست» إلى أن الجولة الخارجية التي قام بها بومبيو، وشملت دولاً في الشرق الأوسط منها السعودية، كانت أطول زيارة خارجية له، وأطلق فيها كل المواقف اليمينية التي تؤكد أنه يلتزم خط ترامب وسياسة «أميركا أولا»، وكذلك سياسة التباين مع الحلفاء الأوروبيين.

أما الخليفة الأكثر وضوحاً لترامب، وصاحب أكبر حق في خلافته حسب تقاليد الحزبين، فهو نائب الرئيس مايك بنس، وهو مثل بومبيو، من اليمين المسيحي، ويمكنه الإشارة إلى دوره كنائب رئيس لمنافسة الخبرة في الشؤون الخارجية، التي سيشير إليها بومبيو كأحد أقوى أوراقه.

لماذا تبني إسرائيل مستوطنات؟

حسين عبدالحسين

أعلنت إسرائيل، الأسبوع الماضي، نيتها بناء 1257 وحدة سكنية في مستوطنة في ضواحي القدس الشرقية. في الرأي الفلسطيني السائد أن بناء إسرائيل مستوطنات، خارج حدودها المعترف بها دوليا، هو من قبيل العجرفة الإسرائيلية والنكاية، أو "الجكارة" بالعامية الفلسطينية، وأن إسرائيل تقوم ببناء هذه المستوطنات كعملية قضم أراض وفرض أمر واقع يجعل من المستحيل قيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا في الضفة الغربية والقدس الشرقية.

أما وجهة النظر الإسرائيلية فتتراوح بين اليمين الاستيطاني والموقف الرسمي. الحركة الاستيطانية ترى أن الضفة الغربية هي مهد الحضارة الإسرائيلية —وهذا أمر صحيح تاريخيا— وعليه فان دولة إسرائيل هي من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط. 

أما الرأي الرسمي الإسرائيلي، فمفاده أن كل المستوطنات خارج حدود إسرائيل خاضعة للمفاوضات مع الفلسطينيين (والسوريين في الجولان)، وأن تاريخ الدولة يؤكد أنها تفي بوعودها، إذ سبق أن فككت إسرائيل مستوطنات في سيناء وقطاع غزة، وأخلت أكثر من 15 ألف مستوطن، بعضهم عنوة. 

على أن الحقيقة بين وجهات النظر المتعددة والمتضاربة ترتبط برؤية إسرائيلية استراتيجية لحل الدولتين، وهي رؤية ليست حول الأرض، بل حول الديموغرافيا السكانية. 

تسود بين الفلسطينيين والعرب ثلاث أفكار لتسوية النزاع الفلسطيني مع إسرائيل، منها الذي تتبناه النخبة التي كان في صفوفها الأكاديمي الراحل إدوارد سعيد، ترى أن الأرض صغيرة جدا ومتداخلة سكانيا لإقامة دولتين متجاورتين. 

لذا، تعتقد هذه النخبة أن الحل الأمثل هو دولة واحدة ثنائية القومية. مشكلة هذه الرؤية أنها مرفوضة من غالبية الفلسطينيين والإسرائيليين، وأن ثنائية القومية تتطلب تقليص الهوية الثقافية للدولة (العلم والنشيد والأعياد الوطنية) إلى حدود أدنى من أن يقبل بها أي من الطرفين.

الحل الثاني هو الذي تتبناه المجموعات المتطرفة، خصوصا "الإسلام السياسي" مثل حماس، التي تدعو لمواصلة الحرب حتى القضاء على إسرائيل وترحيل اليهود إلى الدول التي وفدوا منها، أو وفد منها أجدادهم في القرن الماضي، ثم إقامة فلسطين من النهر إلى البحر، دولة إسلامية حسب حماس و"الجهاد الإسلامي"، أو اشتراكية عربية حسب "الجبهة الشعبية" والتنظيمات المشابهة.

الحل الثالث، وهو الأكثر شيوعا بين العرب وحول العالم، هو حل الدولتين، واحدة للعرب وواحدة لليهود. المشكلة هنا أن 21 في المئة من مواطني دولة اليهود القائمة حاليا، أي دولة إسرائيل، هم من العرب. نسبة عرب إسرائيل كانت تبلغ 14 في المئة في العام 1984، وهو ما يعني أنه في غضون 36 عاما، ارتفعت هذه النسبة بواقع سبعة في المئة. 

ونظرا للنمو السكاني العربي داخل إسرائيل، وهو الأكثر ارتفاعا، لن يمر وقت طويل قبل أن تصبح دولة إسرائيل الثنائية القومية أمرا واقعا، وهو ما يعني أن انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية، وقيام دولة فلسطين عربية بلا يهود، يؤدي إلى قيام دولة عربية خالصة، إلى جانب دولة نصفها عربي ونصفها يهودي. 

زيادة عرب إسرائيل السكانية أدت إلى فوزهم بأكبر الكتل في الكنيست، وحصولهم على منصب نائب رئيس الكنيست، ولو لم تنفصل كتلة "هناك مستقبل" عن "أزرق أبيض"، لكانت الكتلة العربية بقيادة أيمن عودة هي من تقود المعارضة في إسرائيل اليوم، بدلا من يائير لابيد، ولكان عودة يتلقى نفس التقارير الاستخباراتية التي يتلقاها رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو.

وعرب إسرائيل كتلة فلسطينية مستقلة عن "منظمة التحرير" أو "السلطة الفلسطينية"، وتظهر استطلاعات الرأي إصرارهم على البقاء مواطنين إسرائيليين، ورفضهم الانضمام لأي دولة فلسطينية مستقبلية.

هذه المعضلة دفعت نتانياهو مرارا إلى الطلب من رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عبّاس، بالاعتراف بيهودية إسرائيل، وهو ما رفضه عبّاس، وهو ما يجبر إسرائيل على السعي للحصول على ورقة ديموغرافية توازن التهديد الذي يمثله عرب إسرائيل على هويتها اليهودية. 

من رحم هذه المعضلة ولدت سياسة إسرائيل للاستيطان في الأراضي الفلسطينية كورقة تفاوض لقيام دولتين أحاديتي القومية: إسرائيل لليهود وفلسطين للعرب. حتى الآن، بلغ عدد المستوطنين في الضفة والقدس الشرقية حوالي 700 ألفا، فيما يبلغ عدد فلسطينيي الضفة والقدس وغزة قرابة خمسة ملايين، أي أن نسبة اليهود في الأراضي الفلسطينية يبلغ حوالي 15 في المئة، أي ستة في المئة أقل من نسبة العرب في الأراضي الإسرائيلية. هذا الفارق هو الدافع الأساسي أمام استمرار الاستيطان اليهودي. 

الاستيطان يعطي الإسرائيليين فرصة موازنة عرب إسرائيل ديموغرافيا. حتى لو قامت دولة فلسطين باعتراف دولي وبدون تسوية مع إسرائيل، سيعني ذلك أن نسبة وازنة من مواطني فلسطين سيكونون من اليهود، وستكون إسرائيل مستعدة لمبادلة سكانية، على غرار المبادلات السكانية التي حصلت عبر التاريخ، مثل بين تركيا واليونان. ويعتقد الإسرائيليون أن أضعف الإيمان يقضي بإقامة كونفدرالية يكون فيها يهود فلسطين في ائتلاف مع دولة إسرائيل، ويكون فيها فلسطينيو إسرائيل في ائتلاف مع دولة فلسطين. 

غالبية الفلسطينيين لم تتغلب على مرارة الهزائم — نكبة ونكسة وغيرها — وهذا مفهوم. لكن السلام والمستقبل الأفضل يتطلب طوي صفحة الماضي. هذه المرارة يبدو أنها تعرقل قبول الفلسطينيين حل الدولتين، واحدة لهم وواحدة لليهود، وتدفعهم للتمسك بسياسة "خذ وطالب"، أي تحصيل ما يمكنهم تحصيله من الإسرائيليين، بدون "انهاء صراع"، على اعتبار أن الوقت والديموغرافيا تعني مستقبلا فيه غالبية فلسطينية تحكم كل الأرض، من النهر إلى البحر. 

منذ بدء مفاوضات "الأرض مقابل السلام" في العام 1993، شهدت ولاية كل رئيس أميركي مبادرة سلام. حتى الرئيس السابق، باراك أوباما، المحسوب في مصاف "الأقل حماسة" لإسرائيل، قدم للفلسطينيين أقصى تسوية ممكنة لصالحهم، ورفضها عباس. 

لكن عندما يبدي الفلسطينيون حرصا على بقاء إسرائيل دولة ذات قومية يهودية خالصة، وقتذاك قد يبادلهم الإسرائيليون الود ويعملون على قيام دولة فلسطين العربية، بما في ذلك إنهاء الحركة الاستيطانية بالكامل.

الاثنين، 23 نوفمبر 2020

إدارة بايدن من «صقور» السياسة الخارجية و«حمائم» أوباما خارج... الصورة

واشنطن - من حسين عبدالحسين

قام الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب بالتسريب للإعلاميين، أنه ينوي تعيين أنتوني بلينكن وزيراً للخارجية، وميشيل فلورنوي وزيرة للدفاع، وجايك سوليفان مستشاراً للأمن القومي، بينما أكد جو بايدن عبر «تويتر»، انه «سيكون رئيساً لا يرى ولايات زرقاء أو حمراء».

وإن صحت التسريبات، فهي تشي بأن بايدن لن يواصل سياسة باراك أوباما الخارجية، التي كان يديرها الحمائم المؤيدون لـ «تسوية كبرى» مع إيران، بل ينوي الانقلاب على سياسة الرئيس الديموقراطي الأسبق، واستبدالها بسياسة يقودها «الصقور».وسبق لبلينكن أن عمل رئيساً للموظفين في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ حين كان بايدن رئيسها بين 2006 و2008. يومها، كان المرشح الديموقراطي للرئاسة السيناتور أوباما يعاني من ضعف في تجربته في السياسة الخارجية، خصوصاً أمام مرشح مخضرم في شؤون الدفاع والخارجية مثل منافسه الجمهوري السيناتور الراحل جون ماكين. ولتغطية ضعفه، قام بترشيح بايدن كنائب رئيس. وكان سبق لبايدن الديموقراطي أن عمل مع ماكين الجمهوري على شؤون السياسة الخارجية، وهكذا نجح أوباما في تفادي موضوع تفوق ماكين عليه في شؤون الخارجية والدفاع وابان انخراط بايدن في حملة أوباما الرئاسية الأولى، انخرط معه بلينكن، وبعد فوز أوباما، عيّن بايدن، بلينكن مستشاره لشؤون الأمن القومي. وقام أوباما بتسليم ملف العراق لبايدن مع هدف سحب القوات، فصار بلينكن فعليا هو أعلى مسؤول يدير الملف العراقي في العاصمة الأميركية.

لكن بلينكن لم يكن حراً في خياراته، اذ إن السياسة كانت تأتي من أوباما، الذي أمر بلينكن بالتمسك بورثة سلفه جورج بوش الابن في العراق، أي رئيس الحكومة السابق نوري المالكي. ورغم امتعاض بايدن وبلينكن من المالكي، مضى الرجلان في تسويقه على أنه «شخصية مستقلة عن ايران»، والدليل رفضه طلب طهران الانضمام الى لائحة شيعية موحدة لانتخابات مجلس النواب، وقيامه بالحاق الهزيمة بلائحة الشيعة العراقيين المؤيدين لايران.

ومن المبررات التي ساقها بلينكن يومذاك، أن الولايات المتحدة والعالم كانا يسعيان لاخراج ايران من السوق النفطية، وأن واشنطن بحاجة لأن يضخ المالكي، النفط العراقي لاستبدال الايراني من دون رفع السعر عالميا.

لكن تجربة التزام المالكي والانسحاب من العراق في نهاية العام 2011، التي فرضها أوباما، ما لبثت أن انهارت في يونيو 2014 بعدما تبين أن فساد حكومة المالكي أدى لانهيار الجيش العراقي في الموصل وسقوطها بأيدي تنظيم «داعش». وقتذاك، برز بايدن وبلينكن مجدداً كصقور ممن عارضوا سياسة أوباما بالانسحاب والركون الى المالكي، ورددوا العبارة المعروفة لفريق أوباما «قلنا لكم ولم تسمعونا».

وفي الولاية الثانية لأوباما في 2012، انتقل بلينكن من مكتب نائب الرئيس ليصبح عضواً في مجلس الأمن القومي. وكانت الكيمياء بين أوباما وبلينكن، مفقودة منذ ما قبل انهيار جيش المالكي أمام «داعش» بسنتين، اذ بعدما ركن أوباما البوارج الحربية الأميركية أمام الشواطئ السورية لضرب نظام الرئيس بشار الأسد على اثر مجزرة غوطة دمشق الكيماوية، تراجع الرئيس الأميركي السابق عن «خطوطه الحمر» التي كان رسمها للأسد، وسكت كل أركان ادارته عن التراجع، باستثناء بلينكن، الذي علا صوته في الاجتماع، وقال متوجهاً لأوباماً بعبارته التي ذاعت على كل لسان في العاصمة الأميركية «القوة العظمى لا تُخادع».

وبسبب موقفه وصعود الفريق الموالي لأوباما ولسياسة الانفتاح على ايران، خبت الكيمياء بين بلينكن وجناح سوزان رايس وروبرت مالي وفيليب غوردن، وهو الجناح الذي دفع للوصول للاتفاقية النووية مع ايران، والذي دعا لإعادة العلاقات مع الأسد بحجة أن هذا هو الخيار الوحيد المتاح في سورية.

وكان مالي وغوردن جددا، في مقالة في صحيفة «نيويورك تايمز» قبل أسبوعين، دعوتهما بايدن، لا الى العودة للاتفاقية النووية فورا فحسب، بل الى رفع كل العقوبات التي فرضها ترامب على طهران بتهم رعاية الارهاب أو تجاوز حقوق الإنسان، بما فيها التي لا ترتبط بالملف النووي.

وفي أيام أوباما الأخيرة، تم «نفي» بلينكن من مجلس الأمن القومي وتعيينه تعييناً سياسياً، أي شبه رمزي، كمساعد لوزير الخارجية جون كيري.

وان صدقت التسريبات أن فلورنوي ستكون وزيرة دفاع بايدن، فإن ذلك سيعزز من «قوة الصقور» في السياسة الأميركية.

وفي مارس الماضي، في ندوة عبر الإنترنت استضاف فيها «مركز أبحاث هادسون» فلورنوي، التي سبق أن عملت في قيادة وزارة الدفاع، أعربت المسؤولة السابقة عن معارضتها لرفع العقوبات عن النظام الايراني، مع تمسكها بوجوب اصدار استثناءات للحاجات الانسانية، مثل الدواء ومستلزمات مكافحة وباء فيروس كورونا المستجد.

وقالت: «لا أعتقد أنه يجب علينا رفع العقوبات عن النظام (الايراني) بالنظر إلى سلوكه السيئ المستمر، واستمراره في استهداف الأميركيين في العراق وما إلى ذلك».

أما سوليفان، فهو ورث منصب بلينكن في 2012 وعمل مستشاراً للأمن القومي لبايدن في ولايته الثانية نائباً للرئيس. وأوفد البيت الأبيض، سوليفان، الى جانب وكيل وزير الخارجية السابق بيل بيرنز، الى مسقط، حيث أجريا المفاوضات السرية مع الايرانيين والتي أدت للتوصل للاتفاقية النووية في اكتوبر 2015.

وقامت بين الرجلين علاقة صداقة. ومنذ وصول الرئيس دونالد ترامب الى السلطة واعلانه نيته الانسحاب من الاتفاقية، نشر المسؤولان السابقان مقالات متعددة دعيا فيها للبقاء في الاتفاقية، وحذرا من أن عقوبات أميركية احادية قد لا تؤثر في الاقتصاد الايراني.

لكن الرجلين أعجبتهما قوة العقوبات في ما بعد. وورد في آخر مقالة نشراها معا أن «على ايران ألا تتوقع عودة أميركية تلقائية الى الاتفاقية النووية من دون مفاوضات».

وبما أن طهران سبق أن أعلنت أنها لن تفاوض قبل رفع أميركا العقوبات بالكامل والعودة الى مطلع 2016، هذا يعني أن عودة أميركا معقدة، خصوصا أن واشنطن اليوم لا ترى نفسها أمام ضغط تخصيب ايراني لليورانيوم كما في 2015، اذ ان الايرانيين يلتزمون عدم تجاوز الاتفاقية خوفا من خسارتهم الأوروبيين وروسيا والصين، وهو ما يعني أن أميركا يمكنها مواصلة العقوبات من دون خوف انفلات موضوع التخصيب الايراني.

ومع نهاية عهد أوباما ونائبه بايدن، عينت وزير الخارجية السابقة والمرشحة الديموقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون، سوليفان مسؤولاً للسياسة الخارجية في حملتها الرئاسية، وهو المنصب نفسه الذي منحه المرشح للرئاسة بايدن، لسوليفان.

وكان متوقعاً أن كلينتون، ومعها سوليفان، سينتهجان سياسة خارجية أقرب الى «الصقور»، حتى لو التزما الاتفاقية النووية. لكن بما أن ترامب أخرج أميركا من الاتفاقية، لا داعي للاعتقاد أن سوليفان سيدفع للعودة إليها مع تسلم بايدن مهامه.

في السياق، نقلت وسائل إعلام، عن مصادر قريبة من بايدن، أنه من المتوقع أن يعين ليندا توماس غرينفيلد سفيرة لدى الأمم المتحدة.

وأورد موقع «أكسيوس» الإلكتروني ان تعيين غرينفيلد، وهي امرأة سوداء شغلت منصبا ديبلوماسياً رفيعاً في إدارة أوباما، يهدف إلى رفع الروح المعنوية والمساعدة في الوفاء بتعهد بايدن باختيار حكومة متنوعة.

وعملت غرينفيلد مساعدة لوزير الخارجية لشؤون أفريقيا في عهد أوباما من 2013 حتى 2017. وقادت السياسة الأميركية تجاه أفريقيا الواقعة جنوب الصحراء خلال أحداث عصيبة مثل تفشي فيروس إيبولا على نطاق واسع في غرب أفريقيا.

الخميس، 19 نوفمبر 2020

الجمهوريون والديموقراطيون يخشون من «فم ترامب الكبير»... ولائحته «السوداء»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أثار طرد الرئيس دونالد ترامب، مدير الأمن السيبراني كريس كريبس، حفيظة الجمهوريين كما الديموقراطيين، الذين يتحسبون مما يمكن أن يفعله ترامب الجريح - الذي يعاني بسبب خسارته الانتخابات الرئاسية أمام المرشح الديموقراطي جو بايدن - قبل شهرين من موعد انتهاء صلاحياته الرئاسية وخروجه من البيت الأبيض في 20 يناير الجاري.

ويخشى الجمهوريون والديموقراطيون أن لدى ترامب «لائحة سوداء» من الموظفين ممن يحمل ترامب ضغينة ضدهم بسبب معارضتهم له أو إدلائهم بتصريحات تتناقض وأقواله، وهي لائحة يبدو أنها كانت تتضمن وزير الدفاع مارك اسبر، الذي طرده ترامب، إلى جانب أعلى ثلاثة في هرم البنتاغون. كما طرد ترامب كريبس بسبب تصريحات اعتبر فيها مدير الأمن السيبراني، أن لا تزوير في الانتخابات الرئاسية بتاتاً.

ولخص تعليق السيناتور الجمهوري عن ولاية تكساس جون كورنين، وهو من المعروفين بتأييده ترامب، المزاج الأميركي بقوله إن الوظائف في الحكومة وإنهائها هي «من اختصاص الرئيس، لكني أعتقد أن ما يقوم به يؤدي فقط إلى نشر الارتباك والفوضى».

وأضاف كورنين، للصحافيين: «أنا متأكد من أني لست الشخص الوحيد الذي يرغب في العودة إلى الوضع الطبيعي». لكن السناتور الجمهوري تنبّه أن كلمة «طبيعي»، هي التي يتداولها الأميركيون لوصف الرئيس المنتخب جو بايدن وإدارته المتوقعة، فاستطرد قائلاً :«لا أعرف حتى ما هو الطبيعي بعد الآن».

وسبق للرئيس المنتهية ولايته أن هدد بطرد رئيس قسم الأمراض المعدية الدكتور انتوني فاوتشي، الذي ناقضه مراراً حول مواضيع فيروس كورونا المستجد وكيفية مكافحته.

وعلى لائحة الرئيس «السوداء» يرد اسم مديرة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي اي) جينا هاسبل، ومدير مكتب التحقيقات الفيديرالي (أف بي آي) كريستوفر راي. ويبدو أن ترامب يعتقد أن الاثنين لم يقوما بالأدوار اللازمة لفرض تفوقه في عدد الأصوات.

وكان ترامب تلقّى صفعة سياسية من مجلس الشيوخ، الذي رفض المصادقة على مرشح ترامب لمقعد في الاحتياطي الفيديرالي (المصرف المركزي).

وعلمت «الراي» أن المقربين من ترامب يسعون إلى إقناعه بأن طرد كبار المسؤولين في الدولة الأميركية، خصوصاً ممن يخدمون فترات طويلة مثل مديري «سي آي اي» و«أف بي آي» ممن تبلغ مدة خدمتهم عشر سنوات، هو بمثابة خدمة للرئيس المنتخب جو بايدن، إذ ان الرئيس المقبل سيجد مراكز فارغة ليملأها بمن يختارهم، بدلاً من بقاء المسؤولين الحاليين الذين اختارهم ترامب والجمهوريون.

في السياسة الخارجية، خبت المخاوف من قيام ترامب - في الأيام المتبقية له في الحكم - بمغامرات ترضي غروره وقاعدة مؤيديه، ولكن تؤذي الولايات المتحدة ومصالحها القومية.

ومن الأفكار التي بدا أن ترامب ناقشها مع مستشاريه، إمكانية انسحاب فوري وشامل للقوات الأميركية من افغانستان والعراق وسورية، وطلبه الى كبار الجنرالات تزويده بلائحة من الخيارات لتنفيذ ضربة عسكرية ضد إيران «بسبب قيامها بتخصيب يورانيوم بنسب أعلى من الذي تسمح به الاتفاقية النووية معها».

في موضوع سحب القوات الأميركية من الشرق الأوسط، تراجع ترامب بعد ضغط مارسه كبار الجنرالات ونجحوا في اقناع مجلس الشيوخ، ذي الغالبية الجمهورية بمساندتهم، فأصدر زعيم الغالبية السناتور ميتش ماكونل بياناً اعتبر فيه أن أي انسحاب كامل ومفاجئ يؤذي المصالح الأميركية، فتراجع ترامب، واستعاض عن الانسحاب الكامل بإعلانه تخفيض العديد الى الحد الأدنى... لكنها خطوة دعائية، إذ دأبت القيادة العسكرية على عدم الإعلان عن عديد قواتها المنتشرة في الخارج، ونجحت في إخفاء الأرقام عن ترامب نفسه، حسب تصريح المبعوث السابق الى التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» جيمس جيفري.

أما في الملف الايراني، فواجه ترامب كذلك معارضة من المؤسسة العسكرية، التي حذرته من أن أي انزلاق لحرب مفتوحة «قد يؤدي لانهيار النظام الإيراني، فتجد واشنطن نفسها أمام فوضى شبيهة بفوضى افغانستان والعراق»، وهو موقف أجبر ترامب على التراجع عن موضوع الضربة العسكرية، واستعاض عنه بحملة تشديد العقوبات الاقتصادية عليها.

وتسارع إدارة ترامب الى تثبيت العقوبات التي فرضتها على الكيانات الإيرانية عبر استصدار قرارات وزارية حكومية، وهي تختلف عن المراسيم التنفيذية الصادرة عن البيت الأبيض، والتي يمكن للرئيس المقبل نقضها بتوقيع واحد.

هكذا، راحت إدارة ترامب تستصدر تشريعات حكومية ضد الكيانات الإيرانية بتهم رعاية الإرهاب وتجاوز حقوق الإنسان، وهي تهم تجعل من الصعب جداً على بايدن نقضها، وقد تسمح للرئيس المنتخب بإقناع الإيرانيين أن يديه مكبلتان، وأنه لا يمكنه رفع هذه العقوبات ما لم تغير طهران تصرفاتها وتعمل للتوصل على تسوية مع العالم حول «نشاطاتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة».

كما يخشى الأميركيون - من الجمهوريين والديموقراطيين والمراقبين المحايدين - من «فم ترامب الكبير» بعد خروجه من الرئاسة. وغالباً ما يلتزم الخارجون من الحكم في واشنطن، من منصب رئيس وحتى أدنى منصب في الدولة، بعدم إفشاء أي أسرار حكومية حصلوا عليها أثناء فترة عملهم في الحكومة.

لذا، يشترط إصدار المسؤولين السابقين كتب مذكراتهم أن تمر مسوداتها عبر وكالات الاستخبارات الفيديرالية للتأكد من تنقيحها من أي معلومات لم تقم الدولة برفع السرية عنها.

أما ترامب، فقد أظهر عدم انضباط في تعامله مع أسرار الدولة، التي قام بافشاء كثير منها أثناء رئاسته، بعضها تقارير رفع عنها السرية فعرّض هوية المصادر السرية للخطر.

وأفشى ترامب سرّين للدولة، مرة لدى استقباله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في البيت الأبيض وإبلاغه أن «داعش» كان ينوي شن هجمات بكمبيوترات محمولة مفخخة، وهي معلومة كان حصل عليها الأميركيون من الإسرائيليين وهددت مصادر الإسرائيليين داخل التنظيم الإرهابي.

والسرّ الثاني كان قيام ترامب بنشر صورة، على موقع «تويتر»، ظهرت فيها قاعدة إيرانية فشلت في إطلاق صاروخ الى الفضاء، وكشف بذلك أن لدى أميركا تقنية سرية غير معروفة للعالم بعد، تستخدمها لمراقبة القواعد العسكرية والصاروخية، الإيرانية وغير الإيرانية، حول العالم.

هكذا، يخشى الجمهوريون والديموقراطيون من خطوات متهورة قد يقوم بها ترامب في ما تبقى من رئاسته، ويتخوفون من إفشائه بعض أسرار الدولة بعد انتهاء رئاسته، وكلها مخاوف تشي بأن الأميركيين قد يكونون تخلّصوا من رئاسة ترامب، لكنهم بالتأكيد لم يتوصلوا لخاتمة لعدم انضباطه وإثارته القلاقل التي تؤذي - حسب غالبية الأميركيين - مصالح الدولة والبلاد.

بايدن... والرقم القياسي

تقترب حصيلة الأصوات التي فاز بها المرشح الديموقراطي للرئاسة الأميركية جو بايدن، من رقم قياسي يناهز 80 مليون صوت بينما تتواصل عملية إعادة فرز الأصوات، وفق تقرير لـ«وكالة أسوشيتد برس للأنباء».

وحقق بايدن بالفعل رقماً قياسياً لأكبر عدد من الأصوات لمرشح رئاسي فائز، كما حقق الرئيس دونالد ترامب أيضاً علامة عالية لأكبر عدد من الأصوات لمرشح منافس.

ومع فرز أكثر من 155 مليون صوت، بلغت نسبة المشاركة 65 في المئة من جميع الناخبين المؤهلين، وهي أعلى نسبة منذ عام 1908، وفقاً لبيانات «أسوشيتد برس» ومشروع الانتخابات الأميركية.

الأربعاء، 18 نوفمبر 2020

«الراي» تنشر خطوات المسار الدستوري والقانوني للخروج من ليل الانتخابات الأميركي الطويل

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

على الرغم من حملة التهويل التي يشنها الرئيس دونالد ترامب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وإصراره بأنه فاز في الانتخابات الرئاسية على منافسه الديموقراطي جو بايدن، إلا أن الوقائع على الأرض تثبت ما هو عكس ذلك، إذ إن حملة ترامب الرئاسية رفعت 17 دعوى قضائية في الولايات الخمسة التي تأخرت عملية الفرز والعدّ فيها، وخسرت خمس دعاوى، وانسحبت على أثر خساراتها من ولايات نيفادا واريزونا وجورجيا، وأكملت مواجهاتها في ميتشيغن و خصوصاً بنسلفانيا.

على أن الولايات الثلاثة التي تراجعت منها حملة ترامب، كانت كافية لتثبيت الأصوات الانتخابية الـ 270 التي يحتاجها بايدن لرئاسته، وهو ما يجعل من نتائج المواجهات القضائية المتبقية في ميتشيغن وبنسلفانيا - حتى لو قلب نتائج القضاء لمصلحة لترامب وهو أمر غير محتمل - مواجهات بلا تأثير على فوز بايدن وخسارة ترامب.

وانتقال السلطة من رئيس لخلفه في الولايات المتحدة عملية لا تتطلب اعتراف الرئيس الحاكم بنتائج الانتخابات ولا تنازله لمنافسه، بل هي عملية تسير من تلقاء نفسها بإشراف مجالس انتخابية محلية وحكومات الولايات الخمسين، من دون أن يكون للحكومة الفيديرالية القدرة على وقفها أو قلب نتائجها، بل أن أقصى ما يمكن للرئيس الأميركي فعله هو أن تقوم حملته الانتخابية بتقديم دعاوى أمام المحاكم للطعن في عملية الفرز أو العد، بصفته مرشح، على أمل أن تقوم المحاكم بإبطال عدد كافٍ من أصوات منافسه لقلب النتائج، وهو ما لم يسبق حصوله في التاريخ الأميركي، ومن غير المتوقع حصوله اليوم.

ومع حلول الرابع عشر من ديسمبر المقبل، تلتئم الوفود من الولايات الخمسين في المجمّع الانتخابي. ويتم اختيار كل وفد حزبي بحسب حزب الرئيس الفائز في الولاية. ويدلي أعضاء الوفود بأصوات ولاياتهم، فيتم تثبيت الرئيس المنتخب دستورياً. ويمنح الدستور الرئيس الحاكم، في حال خسارته الانتخابات، مهلة شهر لاخلاء البيت الأبيض.

في هذه الحالة، تنتهي الصلاحية الدستورية لترامب منتصف يوم 20 يناير، وهو الوقت نفسه الذي يكون الرئيس المنتخب بايدن قد فرغ من الادلاء بالقسم الدستوري، فيصبح رئيساً.

تقليدياً، يحضر الرئيس المنتخب إلى «بلير هاوس» المقابل للبيت الأبيض والمخصص لاستضافة زعماء الدول ممن يقومون زيارات رسمية، وهناك، يتم تلقين الرئيس الجديد «الشيفرة النووية» وإبطال شيفرة الرئيس السابق. ثم يعبر الرئيس المنتخب جادة بنسلفانيا إلى البيت الأبيض ويتناول وجبة الفطور مع الرئيس الحاكم، وينتقل الرجلان وزوجتيهما في السيارة الرئاسية الى مبنى الكابيتول، حيث يدلي المنتخب بالقسم الدستوري وينتهي من إدلائه مع حلول منتصف اليوم.

في تلك اللحظة، تتلاشى صلاحيات ترامب ويصبح بايدن الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة. ثم تقلّ الطائرة الرئاسية ترامب الى منزله الخاص، وتنقل السيارة الرئاسية بايدن من مبنى الكونغرس الى البيت الأبيض، عبر جادة بنسلفانيا، حيث يرتجل الرئيس من السيارة ويمشي قليلاً ليحيي المؤيدين، وينتهي به المطاف في البيت الأبيض، الذي يدخله رئيساً.

وإن واصل ترامب عملية رفضه التنازل والمشاركة في مراسم انتقال السلطة، يمكنه البقاء في البيت الأبيض حتى إدلاء بايدن قسمه الدستوري. في تلك اللحظة، يعتبر «الحرس السري» المولج حماية الرؤساء أن الرئيس السابق صار مواطناً عادياً وشخصاً دخيلاً في البيت الأبيض، ويتم إخراجه عنوة. إما السيناريو الأكثر توقعاً، فهو أن يقوم ترامب بمغادرة البيت الأبيض قبل موعد انتهاء صلاحياته بساعات، أو ربما بأيام قليلة.

ترامب يرفض الاعتراف بنتائج الانتخابات في الولايات الخمسة التي خسرها لمصلحة بايدن، أي بنسلفانيا وميتشيغن وأريزونا ونيفادا وجورجيا، مع تلويحه بالذهاب الى القضاء في ولاية ويسكونسن.

وقامت الحملة الجمهورية برفع 17 دعوى قضائية في الولايات الخمسة، بحجة حرمان المراقبين التابعين لها من دخول مراكز الفرز والعد، وبحجة قيام هيئات الفرز باحتساب أصوات غير قانونية، خصوصا عبر البريد، وصلت بعد موعد إغلاق الصناديق، أو أوراق مخالفة بحجج مختلفة، مثل عدم تطابق توقيع الناخب مع توقيعه الموجود في سجلّات حكومة الولاية.

وفي حال حكمت أي محكمة بوجود مخالفات، يمكنها إصدار حكم يمنع حكومة الولاية من المصادقة على النتائج النهائية، وهو ما يؤخر تعيين وفد المجمّع الانتخابي، وتالياً لا تتوفر الأصوات الـ 270 المطلوبة للمصادقة على رئاسة بايدن في جلسة المجمّع الانتخابي.

وتتنوع مواعيد المصادقة على النتائج في الولايات، إلا أن الولايات الخمسة التي ينازع ترامب عليها قضائياً، فمواعيد المصادقة فيها هي يوم غد الجمعة في جورجيا، ويوم الاثنين في كل من بنسلفانيا وميتشيغن، والثلاثين من نوفمبر في اريزونا، والأول من ديسمبر في نيفادا.

ونظرياً، مازال ترامب قادراً على التشكّي قضائياً في هذه الولايات حتى آخر لحظة قبل اقرارها النتائج، لكن انسحاب الرئيس من الولايات الثلاثة يشي بادراكه باستحالة فوزه فيها، وتالياً حتمية تثبيت فوز بايدن.

شكوى ترامب المتبقية في ميتشيغن تتمحور حول مقاطعة واين، التي تقع فيها مدينتي ديترويت، الأكبر في الولاية والتي يسكنها 83 في المئة من الأفارقة الأميركيين المؤيدين تقليدياً للديموقراطيين وبايدن، ومدينة ديربورن، التي يسكنها 20 ألف ناخب عربي اقترعوا بنسبة 80 في المئة لبايدن.

واحتجاج ترامب على نتائج مقاطعة واين يشبه احتجاجاته في الولايات الاخرى، والتي خسر معظمها حتى الآن، وهي تطلب شطب آلاف الأصوات بحجة عدم شرعيتها.

وكان بايدن تفوق على ترامب بواقع 323 ألف صوت في هذه المقاطعة. وتفوق المرشح الديموقراطي على الرئيس الجمهوري بواقع 150 ألف صوت في عموم الولاية. هذا يعني أنه لو حكمت أي محكمة بتجميد نتائج واين كاونتي، يمكن تعطيل المصادقة على نتائج الولاية.

أما شكاوى ترامب الثمانية المتبقية في بنسلفانيا، فبتهم مشابهة لبقية الولايات، رغم أن فوزه فيها لا يؤثر في موضوع خسارته السباق.

ورغم أن خسارته قاربت أن تصبح ناجزة قانونياً مع مصادقة حكومات الولايات الخمسة على نتائجها تباعاً وخسارة ترامب المعارك القانونية، في ولايات كافية لعرقلة انتصار بايدن، من المستبعد أن يرضخ ترامب أو أن يعلن قبوله نتائج الانتخابات، والسبب أنه ينوي الترشح في 2024، وأي اعتراف بالخسارة يجعله فريسة منافسيه المرشحين الجمهوريين أثناء الانتخابات التمهيدية داخل الحزب.

لذا، من المتوقع أن يواصل ترامب إصراره على أنه الفائز، وأن مؤامرة سرقت منه ومن أنصاره الانتخابات، وسيعود الى البيت الأبيض للانتقام. ومع اقتراب موعد نهاية صلاحياته الدستورية، يخرج ترامب من البيت الأبيض بعيداً عن الأضواء، ويواصل تغريداته وهجماته على بايدن والمؤامرة التي يزعمها.

وآمال ترامب في قلب النتائج في المحاكم كانت متدنية أصلاً، وتشير دراسة صادرة عن مركز أبحاث «الصوت العادل»، أنه بين 2000 و2015، تم تقديم 27 حالة طعن في 4687 سباقاً انتخابياً في عموم البلاد، أدت ثلاثة منها فقط الى تغيير نتيجة انتخابات حاكم ولاية واشنطن في 2004، وقلب انتخابات مقعد أمين السر في حكومة ولاية فيرمونت في 2006، ومقعد مجلس الشيوخ في ولاية مينيسوتا في 2008.

وبلغ معدّل تحوّل الأصوات في عملية إعادة العد 282 صوتاً فقط، أي ما نسبته 0.019 في المئة من إجمالي الأصوات.

الثلاثاء، 17 نوفمبر 2020

القوات الأميركية باقية في العراق وسورية

|واشنطن - من حسين عبدالحسين|

بعد توالي الأنباء عن نية الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب سحب كل القوات الأميركية من العراق وسورية وأفغانستان قبل مغادرته البيت الأبيض في 20 يناير المقبل، نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مصادر في الإدارة الأميركية أن واشنطن لن تسحب كل قواتها من العراق وسورية، بل ستخفَض عديدها بواقع الثلثين، من 7500 جندي الى 2500.

التوضيحات التي عمدت إدارة ترامب إلى تسريبها للإعلام تشي بأن لا نية فعلية لترامب بالانسحاب من الشرق الأوسط، بل سيكتفي بالإعلان عن تخفيض عديدها بشكل يؤدي الى إحداث موجة إعلامية تظهر وكأن الرئيس قام فعلياً بسحبها.

وإذا ما أضفنا إلى توضيحات الصحيفة، أن ترامب لن ينسحب بل سيكتفي بالتخفيض، إلى تصريحات الموفد الأميركي إلى التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» جيمس جيفري، الذي تقاعد للتو، والذي قال إن القيادة العسكرية لا تعلن عن عديد جنودها في سورية والعراق، ولا تبلغ ترامب نفسه حتى عن العدد الحقيقي، فهذا يعني أن إعلان الانسحاب هو من قبيل الدعاية السياسية، التي يسعى الرئيس الجمهوري إلى العمل عليها بدقة استعداداً لترشحه لولاية ثانية في العام 2024.

وكان جيفري قال إن القادة العسكريين، ومعهم الديبلوماسيون، كانوا يعلمون أن عديد القوات الأميركية - في سورية مثلاً - هو أكثر من ألفين، لكنهم كانوا يبلغون ترامب أن العدد أقل من ذلك بقليل.

ونشرت «الراي» قبل عامين تصريحات لمسؤولين أميركيين، رفضوا الكشف عن هويتهم، قالوا فيها إن القيادة العسكرية تقوم بإدراج عدد كبير من القوات المنتشرة في العراق وسورية تحت خانة «الدعم اللوجستي»، أي يتم ادراج بعض مقاتلي «القوات الخاصة» على أنهم يقومون بأدوار في المطبخ أو في صيانة الآليات والعتاد، وحتى في الأوقات التي كانت واشنطن تبلغ ترامب والعالم أن عدد الجنود في سورية يقتصر على ألفي جندي، كان العدد الفعلي يبلغ ضعف ذلك في الغالب.

هكذا، عندما سيعلن ترامب تخفيض عديد القوات، فإن خطوته ستكون للاستهلاك الإعلامي، أما الواقع فهو أن عديد القوات تحددها القيادة العسكرية، ولا تفصح عنها، وهو المرسوم التنفيذي الذي صدر عن ترامب إبان تسلمه الرئاسة، وكان من بنات أفكار وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس.

وعلى الطراز نفسه، عمد ترامب في تغريدة، الاثنين، إلى دعوة الأميركيين ليتذكروا، عندما يصبح لقاح فيروس كورونا المستجد متوفراً لهم في أبريل المقبل، أنه صاحب الفضل في التوصل الى لقاح.

وحاول ترامب التلاعب بالكلام وصوّر أن تغريدته موجهة الى «المؤرخين»، لكن تصريحه كرّس الانطباع القائل أن ترامب لا يعتقد أنه سيكون الرئيس، يوم يبدأ الأميركيون عملية التلقيح في أبريل.

لكن ورغم تزايد تصريحاته التي تحمل في نبرتها إداركه خسارته الانتخابات الرئاسية، إلا أن ترامب يقوم ببث تغريدة، بين الحين والآخر، يصرّ فيها على فوزه على منافسه الديموقراطي جو بايدن.

واذا ما أضفنا تغريداته عن فوزه، ومحاولاته الإيحاء للأميركيين بأنه قام بسحب «كل القوات» من الخارج وإنهاء حروب أميركا حول العالم، فضلاً عن محاولاته نسب فضل التوصل في إنتاج لقاح فيروس كورونا إلى نفسه، لاتضح أنه ينتهج خطة واضحة هي بمثابة الخطوط العريضة لحملته الانتخابية للعودة للبيت الأبيض بعد أربعة أعوام، وهي حملة موجهة للجمهوريين خصوصاً لاستباق محاولات منافسيه بتوجيه نقاد السهم إليه بالاشارة الى أنه سبق أن خسر الانتخابات، وهو ما يعني أن على الحزب البحث عن مرشح أفضل.

أما الرئيس المنتخب بايدن، فمن المستبعد أن يقوم بسحب القوات من المنطقة لسببين: أولهما، أنه من المعروفين بالاستماع للمتخصصين، وفي هذه الحالة، من المرجح أن يوافق على نصائح القادة العسكرية بضرورة بقاء القوات في العراق وسورية حتى إشعار آخر. وثانيهما، أنه بسبب إصرار ترامب الإعلامي على سحب القوات، فإن هذا الإصرار يقلّص من أي ضغط سياسي داخلي ممكن على بايدن لسحبها، فكل من الحزبين غالباً ما يتبنى سياسات فقط لكونها تعارض الحزب المنافس.

وفي السياق نفسه، لابد من انتظار تبلور تشكيلة فريق بايدن للسياسة الخارجية في إدارته المزمع تشكيلها للحكم على مواقفه من إيران والاتفاقية النووية معها. واستباقاً لذلك، عمد «أصدقاء النظام الايراني» في واشنطن، من أمثال نائب رئيس مركز أبحاث «كوينسي» تريتا بارسي، ومناصروه ممن عملوا في مجلس الأمن القومي لإدارة الرئيس السابق باراك أوباما مثل روبرت مالي وفيليب غوردن، إلى نشر مقالات شبه متطابقة، ركزت على عنوان أساسي مفاده بأن على بايدن أن يربط رفع «العقوبات النووية» عن ايران برفع العقوبات التي فرضها ترامب والمرتبطة بمكافحة دعم طهران للإرهاب.

واعتبر «أصدقاء إيران»، أن ترامب حاول بناء «جدار من العقوبات» المرتبطة بالإرهاب على إيران لرفع التكلفة السياسية لأي رئيس يأتي بعده يحاول رفعها، لكن مشكلة بايدن - إن حاول رفع عقوبات الإرهاب - لن تكون سياسية فحسب، بل ستكون في صعوبة تجاوز بيروقراطية حكومية معقدة.

مثلاً، تطلب رفع تنظيم «مجاهدين خلق» الإيراني المعارض سنوات، رغم إجماع الحزبين على ضرورة رفعه، لأن عملية تصنيف أي كيان إرهابي تمر في أربع وزارات، هي الخارجية والدفاع والعدل والخزانة، ما يعني أن محاولة بايدن رفع «الحرس الثوري» الإيراني عن لائحة الإرهاب، لن تكون عملية سهلة مرتبطة بقرار سياسي فحسب، بل ستحتاج الى حملة بيروقراطية قد لا تنجح.

إلى أن يتسلم بايدن الحكم ويشكّل فريقه للسياسة الخارجية، سيبقى الحديث عن انسحاب القوات من الشرق الأوسط من قبيل الثرثرة السياسية، وكذلك سيبقى النقاش حول إمكانية رفع بايدن، إيران عن لوائح الإرهاب، مجرد تمنيات يكتبها «أصدقاء ايران» ممن يسعون لدخول الإدارة الجديدة والمساهمة في التأثير في السياسة الخارجية، خصوصاً حول الشرق الأوسط.

كمالا هاريس وحقوق المرأة العربية

حسين عبدالحسين

للمرة الأولى في التاريخ الأميركي، وصلت امرأة إلى ثاني أعلى منصب في البلاد مع فوز السناتور كمالا هاريس بمنصب نائب رئيس، بعد أربعة أعوام من فوز أول امرأة، هي هيلاري كلينتون، بترشيح أحد الحزبيين للرئاسة في البلاد، وهو ما يشي بأن حقوق المرأة الأميركية في تحسن مضطرد، وإن بطيء ومتأخر عن باقي دول العالم، إذ لا يعقل أن أعرق ديموقراطية في العالم لا تزال في انتظار انتخاب امرأة لمنصب رئيس بعد انتخابها 46 رئيسا متعاقبا. حتى الدول الأقل انفتاحا في مواضيع حقوق المرأة، مثل الهند وباكستان، سبق أن اختارت امرأة لأعلى منصب في السلطة التنفيذية فيها.

المهم أن أوضاع وحقوق المرأة في تحسن في الولايات المتحدة، وهو ما يثير سؤالا حول أوضاع وحقوق المرأة في معظم الدول العربية: متى ينتشر الوعي الكافي في صفوف غالبية العرب لإنصاف المرأة وإدراك أن قيامها بأدوار قيادية حقيقية هو مصدر قوة وتقدم لا ضعف وانحطاط؟

للانصاف، في دنيا العرب نساء ممن يناضلن لحقوقهن ولمجتمع عربي أكثر انفتاحا وعدلا وتسامحا وحرية وديموقراطية، ومنهن صديقات وزميلات في هذه المساحة التي تقدمها لنا "قناة الحرة"، مشكورة، للتعبير عن آرائنا، مثل نيرفانا محمود وسناء العاجي ومنى فيّاض. لكن أصوات الزميلات المذكورات وغيرهن ما تزال الاستثناء لا القاعدة.

وللإنصاف أيضا، لا بد من القول أن دنيا العرب لا تعاني في مجال حقوق النساء فحسب، بل في مجالات الحياة العامة بشكل أوسع، وبالحكم على كيفية تعاطي غالبية العرب، بمن فيهم النخبة المثقفة، مع مواضيع بديهية مثل الحرية وقبول رأي الآخر، خصوصا الرأي المخالف والمسيء، يبدو واضحا أن هذه الأمور ما تزال متأخرة عربيا.

وكما تتخلّف الغالبية العربية عن فهم الحرية وقيمتها وكيفية ممارستها، ما تزال النظرة العربية العامة إلى التاريخ بشكل عام نظرة قبلية حزبية صنمية، نظرة تربط، مثلا، بين وعد بلفور وقيام دولة إسرائيل، في وقت صارت غالبية الأبحاث التاريخية الحديثة تشير الى أن الاستخبارات الفرنسية هي التي قدمت أكبر دعم لقيام اسرائيل انتقاما لمساهمة الاستخبارات البريطانية في دحر الانتداب الفرنسي في سوريا ولبنان. وسعت بريطانيا للقضاء على الحركة الصهيونية، وقامت بتأسيس جامعة الدول العربية، وحرّضت العرب على شن حرب 1948 للقضاء على دولة إسرائيل الفتية.

جمود حقوق المرأة في دنيا العرب يتفرع عن جمود فكري وثقافي عام يقارب الانحطاط. دول العرب بالكاد تترجم الى العربية عددا من الكتب يوازي ما تترجمه دولة واحدة في أوروبا الغربية. وإذا كانت الترجمة الى العربية متعثرة، فالأبحاث العربية في حالة أكثر سوءا، وتكاد تكون منعدمة.

ضعف النشاط الفكري العربي مفهوم، اذ أن أي حركة فكرية تتطلب مستهلكين، فيما غالبية العرب ينشغلون بالشيشة والنميمة السياسية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ ذاك صارت دور النشر العربية تعاني الفقر والعوز، ومثلها عدد كبير من وسائل الإعلام، التي تنحصر خياراتها بين أن تتحول الى أبواق حزبية أو تغلق أبوابها.

لو خرج العرب من الحزبية والعداءات القبلية، ولو قرؤا أكثر، لسنحت لهم الفرصة للاطلاع على قصص شعوب عاشت تجارب مشابهة، وضع المرأة فيها أفضل من وضع المرأة العربية اليوم.

جاكلين كاهانوف، المعروفة أيضا بجاكلين شوحيط، من يهود العراق ممن هاجر جدها الى القاهرة، حيث تزوج والدها أمها اليهودية التونسية. عائلة جاكلين كانت من علية القوم، لكن مع ذلك، مارس والداها عليها ضغوطا لتتخلى عن طموحها الأدبي، على الرغم من نبوغها، ولتبحث بدلا من ذلك عن زوج من مقامها، يسترها ويقيمان عائلة سويا.

لكن شوحيط كانت ثائرة على تقاليدها، وعاشت في كبرى مدن العالم، مثل باريس ونيويورك، قبل أن ينتهي المطاف بها في تل أبيب حيث نشرت مقالاتها الأكثر عمقا والتي تناولت مراقبتها لمجتمع اسرائيلي ينحدر من خليط من الثقافات ويخطو خطواته الأولى في عملية تشكله. حاورت شوحيط عائلة يهودية مغربية لم تكن على وئام مع جيرانها من يهود اليمن.

لفتتهم شوحيط الى أنهم يتحدثون اللغة نفسها، أي العربية، فأجاب المغاربة أن جيرانهم لم يكونوا قد رأوا الكهرباء قبل انتقالهم من اليمن. استنتجت شوحيط أن العنصرية لا تتخذ الأشكال التي نحاول عادة أن نرسمها لها اكاديميا، وأن عائلتين من يهود السفارديم ممن عانوا من تكبر يهود أوروبا الاشكيناز عليهم، مارسوا العنصرية على بعضهم البعض، كما على نسائهم.

على أن شوحيط أشارت الى أن ثقافة الاشكيناز سمحت بتحرر نساء السفارديم، فاليهوديات الأوروبيات كن يخرجن بملابس قصيرة ويشاركن الى جانب الرجال في القتال والعمل والقيادة، وهو ما أفسح في المجال أمام نساء السفارديم في السير على خطى نظيراتهن الأشكيناز، وتخلين بذلك عن تقاليد يهود الشرق المحافظة المشابهة لتقاليد المحافظين العرب، لناحية حصر دور المرأة في الزواج وتربية الأولاد وادارة المنزل وملازمته بدون الخروج منه بدون اذن زوجها أو أبيها أو أخيها.

لا يقرأ العرب. لا يستعيدون عصر النهضة وفكر قاسم أمين الداعي لتحرر المرأة قبل أكثر من قرن، ولا يدرسون تجارب التحرر لدى النساء الأخريات في منطقة الشرق الأوسط، ولا يسعون لتقييم تراجع حقوق المرأة في ايران وتركيا وأسبابه، وينحصر اعتقاد غالبية عربية أن التغيير لا يكون الا بقوانين ومراسيم، والأمر أبعد ما يكون عن ذلك، وهذا العراق شرّع كوتا للنساء في البرلمان فيما وضع المرأة العراقية مايزال من الأسوأ في المنطقة، وما تزال الأغنية التراثية "أنا المظيليمة أنا، النا المسيكينة، أنا اللي باعوني هلي، بدينار باعوني، وبالقوة زوجوني، وعليه غصبوني" تتكرر يوميا.

في تونس، حيث تتمتع المرأة بانفتاح أكبر، تراجُعٌ في نسبة مشاركة المرأة وفي تمثيلها البرلماني. أما في لبنان، حيث يضاهي الانفتاح الاجتماعي تونس، فحقوق المرأة ودورها ومشاركتها في الحياة العامة، السياسية والثقافية، قد يكون من بين الأسوأ في العالم، في بلد يعتقد ثرثرة الصالونات سياسة ويعتقد أن مصيره يرتبط بكبرى الدول فيما هذه الدول لا تكترث الا لحفنة من المرتزقة التابعين لها بين اللبنانيين.

المرأة الأميركية تخطو خطى ثابتة نحو التقدم ونيل حقوقها، وكذلك النساء في دول كثيرة حول العالم. أما نساء العرب، فما زلن يعانين من انحطاط فكري وثقافي يُغرق حقوقهن، و يُغرق معه الرجال وحقوقهم كذلك.

الخميس، 12 نوفمبر 2020

ترامب يسابق الزمن لسحب قواته من أفغانستان والعراق وسورية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

اكتملت الصورة وصارت مفهومة الخطوات التي يقوم بها الرئيس دونالد ترامب، ان لناحية رفضه الاعتراف بخسارته الرئاسية أمام منافسه الديموقراطي جو بايدن، أو لناحية إطاحته بوزير دفاعه مارك إسبر في المرحلة الانتقالية.التكهنات الأولية كانت تشير الى أن ترامب يسعى لاقحام الجيش ولتثبيت نفسه في منصب الرئاسة لولاية ثانية، لكن مناقلاته في وزارة الدفاع أظهرت صورة مغايرة، فترامب في سباق مع الزمن لسحب الجيش الأميركي من أفغانستان والعراق وسورية تنفيذاً لوعوده الانتخابية، واستعداداً لمعركة 2024 الرئاسية.وغالبا ما يسعى الرؤساء المنتهية فترة حكمهم، ان بولاية واحدة أو بولايتين، الى إنهاء بعض الأمور، وهي غالبا ما تكون مواضيع صغيرة، مثل توقيع عدد من مراسيم العفو عن مناصرين، أو منح تعاقدات، أو تثبيت موالين في وظائف حكومية. لكن ترامب لا يسعى الى ذلك، بل الى إتمام ما وعد به في حملته الرئاسية الأولى حتى يشير الى إنجازاته والى تنفيذ وعوده عندما يترشح للرئاسة مجدداً بعد أربع سنوات.

ومن أهم الوعود التي يتمسك بها ترامب هي بناء جدار على حدود الولايات المتحدة الجنوبية مع المكسيك، وإنهاء كل الحروب الأميركية وإعادة كل القوات من مناطق الصراعات في الخارج الى الداخل، بل حتى إعادتها من قواعد عسكرية في دول مستقرة حول العالم، مثل ألمانيا أو اليابان.

وسيقوم ترامب أثناء حملته الانتخابية المقبلة بالإشارة الى أنه نجح في توقيع قانون تخفيض الضرائب، فضلاً عن إقراره اتفاقية تجارة حرّة بديلة عن التي كانت قائمة مع جارتي أميركا، أي كندا الى الشمال والمكسيك الى الجنوب.

في وزارة الدفاع سبق لترامب أن أعلن مراراً سحب ألفي جندي أميركي ينتشرون في البادية شرق سورية ويمنعون نظام الرئيس السوري بشار الأسد من الوصول الى مصادر الطاقة التي يمكنها أن ترفده ببعض الأموال التي يحتاجها. كما يقوم هؤلاء الجنود بوظيفة منع إعادة تشكل تنظيم «داعش» الإرهابي.

لكن إعلانات ترامب لم تؤد إلى سحب الجنود من سورية، وذلك بسبب معارضة وزارة الدفاع وكبار أركان الجيش، وكذلك الأمر معارضة الجنرالات لأي انسحاب من أفغانستان من دون التوصل لاتفاق مسبق مع تنظيم «طالبان» يحفظ المكتسبات الأميركية هناك.

هكذا، قام ترامب باستبدال وزير الدفاع إسبر ومعاونيه، بموالين، تصدرهم الجنرال السابق دوغلاس ماكغريغور، الذي سبق أن قال في تصريحات على مقابلة عبر شبكة «فوكس نيوز» اليمينية، قبل عام: «دعونا ننظر الى الطيف الواسع من الأمور التي على الطاولة أمام الرئيس (ترامب)... أولاً، يجب أن نخرج من أفغانستان، وهذا يجب أن يحدث في أسرع وقت ممكن».

وأضاف ماكغريغور ان «التحدث إلى الطالبان أمر غير ضروري، فهم لن يحترموا أي اتفاق، ولقد حان الوقت لإخراج قواتنا من هناك، وإغلاق السفارة» الأميركية في كابول.

ويعتقد ماكغريغور أن «لدول المنطقة مصلحة في أفغانستان، وهذه الدول تريد التعامل مع كابول، ولندعهم يتعاملون مع الأفغان».

عن سورية، قال الجنرال الأميركي المتقاعد الذي تسلّم وزارة الدفاع هذا الأسبوع: «علينا أن نتبنى مقاربة مماثلة في سورية، ربما لدينا 2000 جندي على الأرض الآن، وهي قوة معرضة للمخاطر».

وأضاف: «إيران وروسيا وتركيا وإسرائيل والأكراد والعراق، كل هذه الدول لديها مصلحة هناك... وإذا سحبنا قواتنا (من سورية)، فسوف تتوصل هذه القوى الى تسوية، لأنهم جميعاً يريدون رؤية الشيء نفسه، أي نهاية القتال، لذلك نحتاج إلى إخراج قواتنا».

بعد ذلك، يتابع ماكغريغور: «نحتاج إلى الاستماع بعناية شديدة للإيرانيين، على انفراد وخلف الأبواب الموصدة، لمعرفة ما هي اهتماماتهم، والعثور على المجالات التي يمكننا التعاون معهم فيها، وهذا على الأرجح ما قرر الرئيس ترامب فعله مع الرئيس (الروسي فلاديمير) بوتين... ومع الرئيس الصيني شي (جينبينغ)، وعلينا أن نفعل الشيء نفسه مع إيران».

هكذا، في الأيام المتبقية لترامب في الحكم حتى 20 يناير المقبل، سيقوم بتنفيذ وعده الى مؤيديه، وهو الوعد القاضي بانسحاب أميركا من العالم وتبنيها سياسة الانعزال الدولي التي اختارتها واشنطن بين الحربين العالميتين.

صحيح أن مناصري ترامب، في أميركا والشرق الأوسط، حاولوا الإشادة بسياساتها الدولية الحازمة، خصوصاً بسياسة «الضغط الأقصى» على إيران واغتيال قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني، إلا أن الانسحاب الذي ينوي الرئيس الأميركي تنفيذه هو عكس ما دأب مناصروه على تصويره، ما يعني أن كل من كان يعتقد أن بقاء ترامب في الرئاسة أفضل لبعض دول الشرق الأوسط، بسبب قيامه بلجم نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، قد يرى نفسه يأمل في أن يصبح جو بايدن رئيساً في أسرع فترة ممكنة، إذ إنه من المؤكد أن بايدن لن يرمي أفغانستان والعراق وسورية الى الدول الأخرى لتدبير أمورها بنفسها.

الأربعاء، 11 نوفمبر 2020

ترامب ينوي الترشح في 2024 والجمهوريون «يتحضّرون» لقدوم «العاصفة»!

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

كيف تنتهي ظاهرة دونالد ترامب ويخرج الرئيس الأميركي من الحياة العامة إلى التقاعد؟ حتى الآن، يتمسك ترامب وانصاره بالسلطة، حتى لو أن حظوظه معدومة بقلب نتيجة الانتخابات التي هزمه فيها المرشح الديموقراطي جو بايدن. وسائل إعلام أميركية نقلت عن مقربين من الرئيس الجمهوري أنه تدارس معهم فرص ترشحه في العام 2024 ليثأر من بايدن ويتغلب عليه في جولة انتخابية ثانية.

وينص الدستور الأميركي على أنه يمكن لأي مواطن أن يشغل منصب رئيس لمدة عشر سنوات، ما يعني أنه يمكن لترامب الترشح لولاية ثانية، حتى لو لم تعقب الأولى مباشرة، لكن الترشح مستقبلاً سيتطلب أن يخوض ترامب انتخابات تمهيدية داخل الحزب الجمهوري مجدداً للفوز بترشيح حزبه.

وفي حال قام ترامب فعليا بالترشح في العام 2024، يكون قد بلغ من العمر 78 عاما، وهو ما يجعله أكبر مرشح سنا في التاريخ الأميركي. والتقاليد السياسية الأميركية يندر أن شهدت رئيساً لا يخرج الى التقاعد بعد رئاسته، بعد ولاية واحدة أو اثنتين، لكن ترامب لا يشبه أي أحدٍ من أسلافه، فهو لا يتقيد بالتقاليد المعروفة.

في الحد الأدنى، يستعد ترامب لفرض سيطرته على الحزب الجمهوري لسنوات، بل لعقود مقبلة، من قبيل مباشرته بتأسيس «لجنة علاقات عامة» يمكنها جمع التبرعات وإنفاقها على الدعاية الانتخابية، وهو ما يعطيه قدرة على دعم ترشيح حزبيين الى مناصب متنوعة في حكومات الولايات والحكومة الفيديرالية.

ويدعم ترامب غالباً الموالين له، ويحارب ترشيح من يعارضونه. كما سرت أنباء بأن عائلة ترامب تسعى لإقامة شبكة تلفزيونية يمينية يستعيض بموجبها الرئيس المنتهية ولايته عن قناة «فوكس نيوز» اليمينية، التي تملكها عائلة موردوخ الاسترالية الأميركية. وكانت القناة المذكورة من أولى وسائل الإعلام التي أعلنت فوز بايدن بالسباق الرئاسي، وهو ما أثار غضب ترامب.

وما يكرّس التقارير المتواترة عن نية ترامب بسط سيطرته على الحزب الجمهوري لسنوات طويلة، والترشح في 2024، وربما التحايل على الدستور للترشح لولاية ثالثة، هو أن ترامب دفع نجله دونالد جونيور الى دائرة الأضواء الحزبية، وصار يعمل على إعداده كخليفة له ليكون صاحب قوة وازنة داخل الحزب، وفي قيادة «عشيرة ترامب».

خطط ترامب هذه تشي بأن الرئيس يعرف أن حظوظه في البقاء لولاية ثانية شبه منعدمة، وأنه يعرف أنه حتى يحجز لنفسه ترشيح حزبه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، عليه أن يخرج من دون الاعتراف بخسارته، لأن الخسارة تضعفه أمام منافسيه لترشيح الحزب ممن سيلوّحون بها ضده لتأكيد عدم قدرته على الفوز.

لذا، يصرّ ترامب على تصوير أن الديموقراطيين «سرقوا» منه الانتخابات، وأن من حقه الثأر واستعادتها، وهو ما يقوّض أي منافسين ممكنين في الانتخابات التمهيدية. ويمكن لعائلة ترامب، ترشيح دونالد الابن واعتبار أن من حق العائلة على الحزب تبني ترشيح الابن للتعويض عن الانتخابات التي تمت سرقتها من الأب.

لكنّ الجمهوريين لا يبدو أنهم يسعون للبقاء تحت زعامة ترامب، إذ إن ثلاثة منهم على الأقل - من الطامحين للترشح الى الرئاسة بعد أربعة أعوام - بدأوا باكورة حركتهم الانتخابية بذهابهم الى ولاية جورجيا لتقديم الدعم لمرشحي الحزب الى مقعدين في مجلس الشيوخ، في الدورة الثانية المقررة في السادس من يناير. والثلاثة هم السيناتوران تيم كوتون وتيد كروز، ومحافظ ولاية ويسكونسن السابق سكوت والكر.

والى أن يخرج الجمهوريون من تحت عباءة ترامب، يتصرفون وكأنهم من مناصريه، ربما خوفاً من قاعدته الشعبية داخل الحزب، إذ عمدت غالبية الجمهوريين الى تفادي تقديم التهنئة للرئيس المنتخب بايدن، وتمسكوا بموقف ترامب، وأطلقوا تصاريح، مبهمة في معظمها، تحدثوا فيها عن حق أي مرشح في المطالبة بإعادة عد واحتساب الأصوات أو الذهاب الى القضاء للطعن بالنتيجة.

خسارة ترامب بعد ولاية واحدة أربكت الحزب الجمهوري، إذ بدلاً من خروج الرئيس الى التقاعد، يبدو أنه يقوم بكل ما يقدر عليه لتثبيت زعامته لفترة طويلة، وربما الترشح للرئاسة مرة ثانية، أو حتى توريث زعامته الى نجله دونالد ترامب جونيور، وهو ما يطرح السؤال: متى يثور الجمهوريون على الرئيس الأميركي ويتخلصون من سطوته عليهم، وهي السطوة التي طالت أكثر من المتعارف عليه تقليديا؟ الإجابات مبعثرة وتشي غالبها بأن الجمهوريين لن يواجهوا ترامب ما لم يشعروا بضعفه شعبيا داخل الحزب، أو حسب التعبير الأميركي، أنهم لن ينفضوا من حول ترامب ولن ينقضوا عليه قبل أن «يشمّوا رائحة دم»، أي قبل أن يرصدوا نقطة ضعف تسمح لهم بالانقضاض عليه.

الى أن يحدث ذلك، سيواصل الجمهوريون قبولهم بزعامة ترامب، وإن على مضض، والتظاهر وكأنهم يؤيّدونه، مع أنّهم يقبلون يديه ويدعون عليهما بالكسر.

أما الجمهوريون ممن ساورتهم شجاعة كافية للخروج من الحزب ومواجهة ترامب، فلعبوا دوراً كبيراً في مساعدة الديموقراطيين في تكبيد ترامب الخسارة الانتخابية التي لحقت به أمام بايدن، ومن أبرز هؤلاء جورج كونواي، زوج كيلي آن كونواي، وهي من أقرب المستشارين لترامب.

وكونواي وبعض الاستراتيجيين الجمهوريين اللامعين، مثل ستيف شميدت، الذي عمل مديراً لحملة المرشح الجمهوري الراحل للرئاسة جون ماكين، واندرو ويلسون، وأرملة ماكين سيندي وابنته ميغان، كلهم أسسوا «لجنة علاقات عامة» أطلقوا عليها اسم «مشروع لينكولن»، نسبة الى الرئيس الأسطوري الراحل ابراهام لينكولن، الذي تغلب على الجنوب والعبودية وأنهى الحرب الأهلية في منتصف القرن التاسع عشر.

ولعبت عائلة ماكين دوراً مركزياً في قلب ولايتهم أريزونا من ترامب الى بايدن.

وإلى الجمهوريين المنشقين، يستعد جمهوريون آخرون من أصحاب المستقبل السياسي الواعد للعب أدوار في الحزب والولايات المتحدة، ولا يناسبهم أن تسيطر على الحزب عائلة ترامب بشكل مطلق.

ومن هؤلاء ليز، ابنة نائب الرئيس السابق ديك تشيني، وهي عضو في الكونغرس حالياً، وتشغل ثالث أعلى منصب في القيادة الحزبية في مجلس النواب. ويصوّر جمهوريون كثيرون تشيني على أنها مثل رئيسة حكومة بريطانيا الراحلة مارغريت تاتشر، والتي كانت معروفة بـ «المرأة الحديد». ومن نافل القول أن لتشيني طموحاً رئاسياً سيصطدم بالغالب بطموحات ترامب وعائلته.

الحركة لخلافة ترامب بدأت داخل حزبه الجمهوري، فيما الرئيس يستعد للانفراد بالزعامة وتوريثها لنجله. الجمهوريون المنافسون ما يزالون متمسكين بالصمت، ربما حتى لا يظهرون بمظهر من تخلى عن الحزب ورئيسه في وقت الأزمة. لكن تحت رماد الهدوء الجمهوري نار المنافسين، وبعد هذا الهدوء داخل الحزب لا بد من أن تأتي العاصفة.

الثلاثاء، 10 نوفمبر 2020

ما هي حظوظ ترامب في البقاء... رئيساً؟

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

قبل نحو 70 يوماً من موعد انتهاء صلاحياته الدستورية، يدأب الرئيس دونالد ترامب ومناصروه على تصوير تسلسل الأمور بشكل يوحي وكأنه باقٍ في الرئاسة إلى أن تثبت المحاكم العكس، وغرّد أمس، معلناً تحقيق «تقدم كبير» في المعركة من أجل فرز الأصوات، واعداً بالنتائج الأسبوع المقبل.

لكن الواقع غير ذلك، إذ حسب القوانين الأميركية، يلتئم «المجمّع الانتخابي» يوم 14 ديسمبر، وينتخب كل وفد حسب النتائج التي صادقت عليها حكومة ولايته، يلي ذلك تصويت رمزي في الكونغرس للمصادقة على النتائج. وبعد المصادقة على انتخاب جو بايدن، الذي تظهر النتائج غير الرسمية أن مجموع الأصوات التي سيحصل عليها بعد مصادقة حكومات الولايات على النتائج سيتعدى الـ 270 المطلوبة، ينص الدستور على أن صلاحية ترامب تنتهي منتصف 20 يناير، في اللحظة التي يدلي فيها الرئيس المنتخب، بالقسم الدستوري.

ودأبت العادة أن يحضر الرئيس المنتخب صباح 20 يناير إلى «بيت بلير»، المقابل للبيت الأبيض والذي ينزل فيه رؤساء الدول أثناء زياراتهم الرسمية لواشنطن، فيزوده كبار مسؤولي البنتاغون بـ«الشيفرة النووية»، وينتقل بعدها مع زوجته إلى البيت الأبيض لتناول طعام الفطور مع الرئيس والسيدة الأولى، ثم يتوجه الأربعة معاً إلى مبنى كابيتول هيل حيث تجري مراسم القسم.

ومع حلول الظهر، يخسر الرئيس صلاحياته الدستورية ويتحول إلى مواطن عادي، ويعود من الكابيتول هيل، الرئيس الجديد وزوجته، إلى المكتب البيضاوي ليجد - تقليدياً - رسالة من الرئيس السابق عبارة عن صفحة مكتوبة بخط اليد ومتروكة على المكتب الرئاسي.

ومن غير المرجح أن يشارك ترامب بأي من مراسيم انتقال السلطة، إذ هو في الغالب سيتمسك برواية التزوير الانتخابية التي حرمته ولاية ثانية، وسيتمسك بمحاولات وقف عملية انتقال السلطة، أولاً أمام المحاكم للطعن بنتائج الانتخابات ومحاولة نقضها وتغييرها لمصلحته، وثانيها التعبئة الشعبية عبر منصات وسائل التواصل لإثارة فوضى وبلبلة تحمل أركان الدولة على عدم تجاوزه، وثالثها - على ما يبدو - محاولة الاستعانة بالجيش لفرض بقائه في الحكم، وهي المحاولة التي أدت لخروج وزير الدفاع مارك إسبر من الحكم، ليل الاثنين، مستخدماً على ما يبدو الأسابيع الأخيرة في السلطة في تصفيات الحسابات داخل إدارته.

وقال ترامب على «تويتر»: «تم إنهاء خدمة مارك إسبر. يسعدني أن أعلن أن كريستوفر ميلر، مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب والذي يحظى باحترام واسع، سيكون القائم بأعمال وزير الدفاع بأثر فوري».

لكن تعيين وزير دفاع بالوكالة، يضعف من قدرة ترامب على اتخاذ قرارات كبيرة من التي يبدو أنه يسعى إليها لفرض بقائه في الحكم.

من ناحيته، أعطى وزير العدل بيل بار موافقته على إجراء تحقيقات حول احتمال حصول مخالفات في انتخابات الثالث من نوفمبر.وشدد على أن هذا الإذن الموجه إلى المدعين العامين الفيديراليين لا يشير إلى أن وزارته تملك أدلة حول وجود عمليات تزوير فعلية.

وبعد إصدار بار لهذه الأوامر، أعلن المسؤول عن الدائرة المكلفة الجرائم الانتخابية ريتشارد بيلغر، استقالته من منصبه.

لكن لا تبدو فرص ترامب في الطعن بنتائج الانتخابات، في المحاكم، كبيرة، وهو لم يرفع حتى الآن قضايا مرفقة بدلائل دامغة، بل بإشاعات عن التزوير، وروايات تظهر أن مطلقيها لا يعرفون كيفية سير النظام الانتخابي، أو يعرفون ويحاولون التضليل.

ترامب يعترض على الاقتراع بالبريد، مشيراً إلى أنه يمكن لأي شخص أن يرسل أصواتاً وهمية بدلاً من التصويت شخصياً، لكنّ الأميركيين، الذين يذهبون إلى مراكز الاقتراع على الأقل مرّة كل سنتين، يعرفون أن التزوير أصعب عبر البريد منه شخصيا، فالتصويت البريدي يشترط أن يقوم الناخب بطلب ورقة الاقتراع من حكومة الولاية، وأن يرفق برقم الضمان الوطني، ورقم الهوية أو إجازة القيادة. ثم تقوم حكومة الولاية بإرسال ورقة الاقتراع باسم الناخب إلى عنوان بيته، فيقوم الناخب باختيار المرشحين، ويوقع إفادة عدم تزوير، ويضع الوثائق داخل الظرف الذي أُرسل إليه ، ثم إما يسقط الظرف في صناديق حكومية تعود للولاية، أو في صناديق البريد، وهو وكالة حكومية فيديرالية.

أما التصويت شخصياً، فلا يحتاج فيه الناخب إلى إبراز بطاقة هويته، بل يكتفي بإعطاء اسمه وعنوانه إلى مأمور القلم، الذي يطالع السجلات، فإن وجد الاسم والعنوان، يسمح للناخب بالاقتراع.

وعادة يصوّت الجمهوريون شخصياً بكثافة أكثر. هذه السنة، وبسبب وباء كورونا المستجد، لجأ الديموقراطيون إلى الانتخاب البريدي، ما جعل عملية التصويت أسهل، فارتفع عدد من أدلوا بأصواتهم إلى مستويات تاريخية.

ولأن الحزب الديموقراطي أكبر وأكثر عدداً من نظيره الجمهوري، تؤدي الزيادة في الانتخاب إلى فوز الديموقراطيين، وهو ما تحسّب له ترامب، فاستبدل مدير البريد بموالٍ له، حاول تأخير نقل الأصوات إلى ما بعد انقضاء موعد قبولها في مراكز الفرز، فثارت ثائرة الديموقراطيين، فتراجع المدير عن تغييراته، وأدى التصويت لانتصار بايدن على ترامب.

ترامب الآن يحاول تصوير الاقتراع الشخصي على أنه «أصوات شرعية»، والبريدي على أنه «أصوات غير شرعية»، ويسعى لإقناع الأميركيين والمحاكم بذلك، وهو إن نجح، يشطب أصوات البريد، ويفوز بولاية ثانية.

لكن لا الأميركيين ولا محاكمهم يصدّقون ترامب، إذ أن الأميركيين معتادون على الاقتراع كل سنتين، بما في ذلك عبر البريد، ولا ترى غالبيتهم المشكلة التي يحاول الرئيس إثارتها، كذلك لا ترى المحاكم مشكلة، ما يعني أن حظوظه في تفصيل نتائج على قياسه شبه منعدمة.

بعض الجمهوريين، من أمثال الرئيس السابق جورج بوش الابن والسيناتور والمرشح السابق للرئاسة ميت رومني، قبلوا النتائج وهنأوا بايدن، لكن البعض الآخر ما زالوا يخشون أن يؤدي سيرهم ضد ترامب إلى خسارتهم شعبياً، فيلتزمون الصمت، أو يدلون بتصريحات مبهمة يحاولون الإيحاء فيها أنهم يقفون إلى جانب ترامب، فيما هم فعلياً لا يقولون ذلك، مثل زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ السناتور ميتش ماكونيل، الذي قال إن طلب ترامب إعادة العد والذهاب إلى المحاكم «في صلب حقوقه».

وأردف ماكونيل أن النظام الأميركي قادر على حل هذه المشاكل. لكن السيناتور لم يتلفظ بكلمة تزوير أو أصوات مزيفة، وهو ما يعكس افتراقه الضمني عن ترامب، وربما مراهنته أن مرور الوقت ليس في مصلحة الرئيس.

حظوظ ترامب في البقاء لولاية ثانية شبه منعدمة، كما حظوظ اعترافه بخسارته، وهو ما يعني أن الرئيس الأميركي سيتمسك بروايته الخرافية. لكن هذه الضوضاء لا تغير في سير العملية الانتقالية، وهو ما يعني أنه مع حلول 20 يناير، سيخرج ترامب من البيت الأبيض، وقد يخرج خلسة من الباب الخلفي، ويعود إلى كونه مواطناً عادياً، لكنه مواطن يصرّ على أنه فاز في انتخابات العام 2020، حتى لو أن «فوزه المزعوم» لم يمنحه ولاية ثانية بسبب كثرة التآمر المفترض ضده!

بايدن وإيران

حسين عبدالحسين

يسود اعتقاد خاطئ مفاده أن الرئيس المنتخب جو بايدن سينتهج سياسة خارجية تتناقض وسياسة الرئيس دونالد ترامب، خصوصا تجاه إيران، وأن طهران والميليشيات المتحالفة معها في المنطقة ستنتعش كثيرا بحلول بايدن مكان ترامب في البيت الأبيض.

لكن حتى نتوقع سياسة بايدن تجاه إيران بدقة، علينا أن نفهم أولا سياسة الولايات المتحدة تجاه نظام طهران، وهي سياسة مبنية على مواجهة الايرانيين في أمرين: وقف سعي الملالي لصناعة أسلحة نووية، وكبح نشاطاتهم المزعزعة للاستقرار في المنطقة. ويوم عقدت مجموعة "خمسة زائد واحد" مفاوضات مع ايران في بغداد في أيار (مايو) وحزيران (يونيو) 2012 مفاوضات في بغداد، وكانت الثورة السورية ضد الرئيس السوري بشار الأسد في ذروتها، فاجأ رئيس الوفد الايراني سعيد جليلي الوفود الدولية بالقول، "ماذا عن سوريا؟" فأجاب المفاوضون الدوليون أن تعليماتهم هي للتفاوض حول ملف ايران النووي حصرا.

كانت ايران تعتقد أن المفاوضات مع كبرى العواصم ستكون مقايضة بين النووي وسياسات طهران الاقليمية، لكن الفصل الذي جرى عفويا في بغداد استغلته طهران لمقايضة برنامجها النووي برفع العقوبات الدولية، بدون التطرق لما تسميها الولايات المتحدة "نشاطات ايران المزعزعة للاستقرار في المنطقة". ورأى الرئيس السابق باراك أوباما في فصل المسارين فرصة أفضل للتوصل لاتفاقية نووية، وهكذا كان. اتفق العالم مع إيران على الموضوع النووي، واتفقت إيران والعالم على ترك سياسات إيران الاقليمية جانبا، وهو ما أدى الى قيام العالم وأميركا برفع العقوبات المرتبطة بالنووي الايراني، من دون أن ترفع أميركا العقوبات المرتبطة برعاية طهران للإرهاب.

أعتقد أوباما أن رفع العقوبات عن إيران سيؤدي لانغماس نظامها في الاقتصاد الدولي، وأن كسب المال سيشغل الملالي عن رعاية الارهاب، لكن حدث عكس ما توقعه أوباما بالضبط: أخذت إيران الأرصدة التي فكّ عنها العالم التجميد، والتي بلغت قيمتها أكثر من 100 مليار دولار، وراحت تمول بها ميليشياتها وحروبها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وتمول عمليات اغتيال معارضين ايرانيين يعيشون في المنفى في دول أوروبية.

وعندما تسلم الرئيس دونالد ترامب الحكم مطلع 2017، لم ينسحب فورا من الاتفاقية النووية مع إيران، بل طلب من الأوروبيين القيام بوساطة لتحويل كل البنود التي تنتهي صلاحيتها في الاتفاقية الى بنود دائمة، مقابل بقاء الاتفاقية وأميركا فيها. لكن إيران أساءت التقدير، واعتقدت أنه ان انسحبت أميركا وحدها وبقيت أوروبا والصين وروسيا في الاتفاقية، فان العقوبات الاحادية الأميركية لن تؤثر، ليتبين أن دول العالم كلها لا تؤثر أمام العقوبات الأميركية، التي فرضت انهيارا شاملا على الاقتصاد الايراني.
فضلا عن اعادته العقوبات، لم يربط ترامب بين تسوية جديدة مع إيران والملف النووي حصرا، بل هو مضى يفرض عشرات العقوبات ضد إيران لرعايتها الارهاب، وادرجت واشنطن "الحرس الثوري الإيراني" على لائحة التنظيمات الارهابية، واستند ترامب الى قانون العقوبات على "حزب الله" اللبناني — وهو قانون وقعه أوباما في كانون الأول (ديسمبر) 2015، أي بعد توقيع الاتفاقية النووية مع إيران بشهرين — لزيادة العقوبات على "حزب الله" وحلفائه اللبنانيين.

مسؤول السياسة الخارجية في حملة بايدن الرئاسية هو جايك سوليفان، وهو الذي طار مع وكيل وزارة الخارجية السابق بيل بيرنز الى مسقط لإجراء المفاوضات السرية مع إيران، وهي المفاوضات التي أدت للتوصل للاتفاقية النووية. سوليفان هذا نشر مقالات متعددة، وقعها مع بيرنز، وأشار فيها الرجلان الى أن على أميركا العودة للاتفاقية النووية مع إيران، ولكن ليس بالشكل الذي كانت عليه عشية اقرارها مطلع 2016، بل أن واشنطن ستطلب تغييرات، وهو ما يتطلب مفاوضات.

لكن إيران تدرك أن الاتفاقية كانت انتصارا لها، وهو انتصار لا ترغب في التفريط به، لذا أصرّت أن أي مفاوضات لتعديل الاتفاقية لا تنعقد إلا بشرط رفع بايدن مسبقا لكل عقوبات ترامب، وهو أمر من غير المرجح أن يقوم به بايدن لأن عقوبات ترامب ترتبط بالإرهاب، وهذا موضوع منفصل عن النووي الايراني.

وفي الحسابات الايرانية مشكلة، اذ أن طهران راحت تتنصل من بنود الاتفاقية النووية لاستفزاز أميركا، لكن ان تنصلت طهران من الاتفاقية بشكل كامل، تقضي عليها، وتخرج منها دول أوروبا وروسيا والصين وتعود العقوبات الدولية في مجلس الأمن، وان التزمت طهران الاتفاقية، لا حافز لواشنطن للعودة عليها، وهذا ما يعني أن الولايات المتحدة هي في موقع قوي، اذ ان الاتفاقية ماتزال تقيد النووي الايراني مع المجتمع الدولي، بدون أن تقيد أميركا التي أدت عقوباتها الى شلل الاقتصاد الايراني.

في لبنان، تنصب السياسة الأميركية — مع أوباما أو ترامب أو بايدن — على دعم دولة لبنان في التخلص من تحكم ميليشيا "حزب الله" بها، وسياسة أميركا في العراق مشابهة، بغض النظر عن هوية الرئيس الأميركي في البيت الأبيض، والمطلوب هو أن تحلّ هذه التنظيمات ميليشياتها العسكرية وتتحول أحزابا سياسة حصرا، وما لم يحدث ذلك، لا تغيير في سياسة واشنطن تجاه هذين البلدين، بغض النظر عن من هو الرئيس الأميركي.

يوم سيجلس بايدن على مكتبه الرئاسي للبحث مع أركان إدارته في الموضوع الايراني، لن يكون الموضوع النووي داهما، ولن تكون أميركا في عجلة من أمرها لرفع عقوبات الإرهاب عن إيران ما لم تتخل إيران عن رعاية الارهاب فعليا، وهذا موضوع يبدو مستحيلا اذ هو يناقض سبب وجود وكيان النظام الايراني.

بايدن وسوليفان وبيرنز يدركون أن واشنطن هي في موقع القوة، وأن طهران في موقع الضعف، وأنه لا حاجة للعودة الى الاتفاقية النووية بشكلها الحالي، فتجربة أوباما — القائلة بأن إيران دولة عاقلة وان اعادتها الى الاقتصاد الدولي يغير من طبيعة نظامها المزعزع للاستقرار في المنطقة والعالم — تجربة أثبتت فشلها. ربما حتى لو عاد الزمن بأوباما، لن يعود هو نفسه للاتفاقية العرجاء مع الايرانيين.

الاثنين، 9 نوفمبر 2020

قراءة في نتائج الانتخابات الأميركية... الفريق الحاكم المقبل سيتألّف من بايدن - ماكونيل

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

لم يتعثّر الحزب الجمهوري في الانتخابات الأميركية هذا العام، بل قدّم أداء قوياً، قد يكون الأفضل في تاريخه، ونجح في توسيع كتلة الأقلية التي يُسيطر عليها في مجلس النواب، ومن المرجّح أن يحتفظ بالغالبية في مجلس الشيوخ. لكن ورغم أداء الحزب الانتخابي المميز، خسر الرئيس دونالد ترامب السباق وأصبح عاشر رئيس في تاريخ الولايات المتحدة، من بين 45 رئيساً، ممَنْ يفشلون في الحفاظ على الرئاسة لولاية ثانية.

التباين في أداء ترامب الضعيف وأداء حزبه القوي، يشي بأن جزءاً لا بأس به من الناخبين الجمهوريين التزموا القائمة الحزبية، ولكن قاموا، اما بشطب ترامب وعدم التصويت لأي رئيس، أو استبدال اسم ترامب باسم المرشح الديموقراطي نائب الرئيس السابق جو بايدن.

تشطيب الجمهوريين لرئيسهم، لا يعني أنهم لا يوافقون على سياسات حزبهم، بل هو اعتراض على شخصية الرئيس الفظة وفوضويته في الحكم، وهي فوضى كانت ستبقى طي الكتمان، إلى حد بعيد، لو لم يكشفها الأداء الضعيف جداً لترامب في مكافحة انتشار وباء كورونا المستجد، وهو الأداء الذي أظهر الولايات المتحدة في طليعة الدول التي أصابها الوباء على مختلف المستويات.

الدرس الثاني من الانتخابات الأميركية - خصوصاً في حال بقاء الغالبية في مجلس الشيوخ وهو الأمر المرجح بعد قيام ولاية جورجيا بإجراء انتخابات الدورة الثانية لتحديد الفائزين بمقعدي الولاية في المجلس - أن الفريق الحاكم المقبل في الولايات المتحدة لن يتألف من تحالف بايدن، وهو من يسار الوسط، ومنافسه السابق داخل الحزب وزعيم جناح أقصى اليسار السيناتور بيرني ساندرز، حسب ما كان يأمل الأخير، بل إن الفريق الحاكم للسنتين المقبلتين على الأقل، وربما على مدى ولاية بايدن، سيتألف من بايدن وزعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ السناتور ميتش ماكونيل.

وبين بايدن وماكونيل صداقة تعود إلى عقود بسبب عضويتهما في مجلس الشيوخ. وفي أثناء رئاسة الرئيس الأسبق باراك أوباما، كان نائبه بايدن هو عرّاب كل التسويات التي تمت بين الحزبين، الديموقراطي بزعامة أوباما والجمهوري بزعامة ماكونيل.

صحيح أن هناك مساحة واسعة من السياسات التي انتهجها ترامب بقوة المراسيم التشريعية والتي يمكن لبايدن أن يعكسها بمراسيم تشريعية مماثلة، إلّا أن السياسات التي تحتاج موافقة الكونغرس بغرفتيه، مثل شؤون الموازنة، ستحتاج إلى تسوية بين الحزبين.

وأن يحكم بايدن - ماكونيل يختلف اختلافاً واسعاً من أن يحكم بايدن - ساندرز... ولو أخذنا السياسات الخارجية مثلاً، لوجدنا أنه لو قيض لساندرز نفوذ في البيت الأبيض، لكان سيسعى لإبعاد الولايات المتحدة عن حلفائها التقليديين في منطقة الشرق الأوسط، ومحاولة دفعها للتقارب مع ايران.

أما السبب، فواضح، ويعود لارتباطات عدد من أركان حركة ساندرز، من أمثال عضو الكونغرس عن ولاية كاليفورنيا ومدير حملته الانتخابية سابقاً رو خانا، مع متمولين من الايرانيين الأميركيين المؤيدين للنظام، وهؤلاء يتمركزون خصوصاً في مدينة لوس أنجليس، التي يسميها الإيرانيون الأميركيون «طهران جليس».

لكن لماكونيل، ومجلس الشيوخ بشكل عام، موقف مخالف حول ايران، ففي أثناء توقيع أوباما على الاتفاقية النووية، أظهر مجلس الشيوخ - بديموقراطييه بزعامة السناتور تشاك شومر قبل جمهورييه - معارضة شديدة لاتفاقية العام 2015، وأجبروا الرئيس على تقديم تقرير حول سير أمورها كل ستة أشهر، وهو ما فعله أوباما وبعده ترامب، الى أن أعلن الرئيس الجمهوري خروجه من الاتفاقية في مايو 2018.

هذا يعني أنه لو حاول بايدن العودة إلى الاتفاقية النووية على الشكل الذي كانت عليه، فإن أول المعارضين سيكون مجلس الشيوخ، بزعامة ماكونيل. ولأن بايدن يسعى لصداقة ماكونيل للتوصل الى تسويات معه تجعل من حكمه ممكناً، سيتنازل الرئيس المنتخب عن أمور كثيرة، بما فيها على الأرجح في الملف الإيراني، مقابل حصوله على دعم ماكونيل في مواضيع داخلية أكثر أهمية لبايدن ولحفاظه على البيت الأبيض لولاية ثانية، مثل مواضيع الموازنة والتمويل وتعيينات الوزراء والقضاء الفيديراليين وباقي كبار العاملين في الادارة المقبلة.

فريق حكم وسطي يتألف من ديموقراطيين وجمهوريين سيعود في الغالب إلى سياسة خارجية تقليدية، تقضي بالتمسك بالحلفاء، ومحاصرة الخصوم، بما فيهم إيران والصين وروسيا. ومن المتوقع أن يضيف بايدن الى اللائحة تركيا، التي خسرت معظم أصدقائها في العاصمة الأميركية والذين كان آخرهم ترامب.

في السياسة تجاه إيران، من المرجح أن يسعى بايدن للعودة إلى اتفاقية نووية، من دون أن يعني ذلك العودة الى ما توصل اليه أوباما حرفياً... فاتفاقية أوباما كانت بمثابة تجربة كان من المفترض البناء عليها، وقد فشلت في رأي معظم الأميركيين من الحزبين، حتى قبل أن ينسحب منها ترامب.

حتى مسؤول السياسة الخارجية في حملة بايدن، جايك سوليفان، وهو الذي قام بالمفاوضات السرية مع إيران في عُمان التي أفضت بدورها للتوصل إلى الاتفاقية، كتب مراراً أن من غير الواقعي العودة إلى الاتفاقية على ما كانت عليه، وهو ما يعني أن إدارة بايدن لا تنوي الرضوخ للشرط الإيراني، كمقدمة لأي محاولات تعديل فيها.

في حكم بايدن، بمؤازرة ماكونيل، سيواصل الرئيس المقبل سياسة ترامب المشجعة للدول العربية على توقيع اتفاقيات سلام ثنائية مع إسرائيل، بغض النظر عن مسار السلام الفلسطيني - الإسرائيلي. والثناء على السلام بين كل من الإمارات والبحرين والسودان مع إسرائيل، كان المرة الوحيدة التي أعرب فيها المرشح بايدن عن دعمه لسياسة ينتهجها ترامب.

وهذا يعني أيضاً أن بايدن سيتمسك بتحالفات الولايات المتحدة القوية مع دول الخليج ومصر، وسيواصل الضغط على إيران و«حزب الله» والرئيس السوري بشار الأسد، والتمسك بمحاولة دعم العراق وتأهيله كدولة حليفة.

الأربعاء، 4 نوفمبر 2020

بايدن ينتظر «البريد» ... وترامب يشكك

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بات شبح الأيام الطويلة من عدم اليقين وحصول معارك قضائية حامية يخيم حالياً على أكبر قوة في العالم تشهد أساساً أزمات صحية واقتصادية واجتماعية كبرى، خصوصاً مع إعلان الرئيس دونالد ترامب فوزه من دون أن يقدم أي سند وحديثه عن اتهامات تزوير لا أساس لها، وتكراره لمفاجآته الانتخابية، بعدما قدم أداء فاق كل التوقعات واستطلاعات الرأي، رغم تراجعه الطفيف مقارنة بفوزه في الولاية الأولى قبل أربعة أعوام.

وبسبب الكمية غير المسبوقة من الأصوات عبر البريد، لم تتأخر عملية الفرز واحتساب النتائج فحسب، بل تأخر ظهور أصوات الديموقراطيين، فبدا لوهلة وكأن ترامب في طريقه لانتصار كاسح، ليبدأ الفارق بعد ذلك بالتقلص لمصلحة المرشح الديموقراطي جو بايدن، الذي أعلنت حمله انها «واثقة» من فوزه. ولا تزال هناك مسارات أمام ترامب وبايدن للفوز بالعدد اللازم من أصوات المجمع الانتخابي لدخول البيت الأبيض، وهو 270 صوتاً، حيث تواصل الولايات فرز الأصوات البريدية التي ارتفع عددها في ضوء فيروس كورونا المستجد، في حين كانت نسبة المشاركة الأعلى منذ 120 عاماً.

التباين بين الولايات في قوانين العدّ واحتساب الأصوات، ساهم في رسم تطورات ليلة الفرز. في الولايات التي قامت بفرز واحتساب الأصوات البريدية قبل حلول يوم الانتخاب، مثل فلوريدا وتكساس، افتتحت العد بتفوق ديموقراطي كبير، قبل أن تبدأ نتائج صناديق يوم الاقتراع بالظهور، وهو ما أدى الى انحسار تفوق نائب الرئيس السابق، قبل أن ينقلب هزيمة لمصلحة ترامب. ولن تتضح النتيجة في عدد قليل من الولايات إلا بعد ساعات أو أيام، رغم إعلان ترامب فوزه من دون أن يقدم أي سند وحديثه عن اتهامات تزوير لا أساس لها.وبعد وقت قصير من قول بايدن إنه واثق من تحقيق الفوز في المنافسة بمجرد الانتهاء من فرز الأصوات، ظهر ترامب في البيت الأبيض ليعلن النصر، وقال إن محاميه سيتوجهون إلى المحكمة العليا، من دون أن يحدد ما سيطالبون به.

وأكد: «كنا نستعد للفوز في هذه الانتخابات. بصراحة لقد فزنا بهذه الانتخابات».

وكتب في تغريدة، امس: «مساء أمس (الثلاثاء) كنت متقدماً في كثير من الولايات الرئيسية»، مضيفاً «بعد ذلك، بدأت الواحدة تلو الأخرى تختفي بطريقة سحرية مع ظهور بطاقات انتخابية مفاجئة واحتسابها».

والبطاقات التي يتحدث عنها الرئيس هي تلك التي وصلت عبر البريد ومن الممكن أن تستمرّ عملية فرزها أياماً عدة في بعض الولايات. وأثناء الليل، تسبب تعداد هذه البطاقات بتراجع ترامب في ميتشيغن وويسكونسن، وهما ولايتان رئيسيتان تعتمد نتيجة الانتخابات على أصواتهما. ويهدد هذا التعداد أيضاً تقدّمه في ولاية بنسلفانيا.

وبعد وقت قصير، تعهّد خصمه المرشح الديموقراطي جو بايدن في تغريدة أيضاً بأن حملته «لن يهدأ لها بال حتى احتساب كل صوت».

وحاول كل من فريقي الحملتين إقناع الرأي العام بأن مرشحه سيفوز بالانتخابات، خلال اتصالات هاتفية مع الصحافة.وقال بيل ستبين، مدير حملة ترامب، إن الحملة ستمضي قدما في مساعيها القانونية لضمان إحصاء جميع الأصوات الصحيحة وليس التي جرى الإدلاء بها بطريقة غير قانونية.

وأكد في مؤتمر صحافي عبر الهاتف «إذا أحصينا جميع الأصوات الصحيحة سنفوز.. سيفوز الرئيس».

وإعلان ترامب فوزه بشكل سابق لأوانه عند الساعة 02,20 بالتوقيت المحلي (07,20 ت غ) يعتبر أمراً غير مسبوق لرئيس أميركي فيما لا تزال الولايات تقوم بفرز الأصوات.

وقال كريس والاس الصحافي في «فوكس نيوز»، «إنه وضع قابل للاشتعال للغاية، ولقد رمى الرئيس الشرارة لتو».

وأغلقت مراكز الاقتراع أبوابها مساء الثلاثاء، لكن ولايات كثيرة تحتاج عادة لأيام حتى تنتهي من فرز بطاقات الاقتراع. وأدلى الكثيرون بأصواتهم عن طريق البريد بسبب الخوف من الجائحة.

وأحد أبرز أسباب قوة الصوت البريدي بين الديموقراطيين وتفوق الجمهوريين في التصويت شخصياً يوم الانتخاب، أول من أمس، يعود إلى التباين في موقف الحزبين من وباء فيروس كورونا، فالديموقراطيين يتمسكون بتوصيات العلماء لناحية ارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي ويآثرون التصويت بريدياً، فيما نجح ترامب في اقناع الجمهوريين بأن الوباء كذبة تستهدف تقويض فوزه بولاية ثانية. كما شكك بنزاهة الاقتراع بالبريد، فأقنع الجمهوريين بالاحجام عن الانتخاب مبكراً أو بريدياً، ودفعهم للحضور بكثافة للتصويت يوم الاقتراع.

سبب آخر ساهم في تحديد شكل وديناميكية النتائج هو سيطرة الديموقراطيين على المدن وضواحيها، يقابل ذلك سيطرة الجمهوريين على الأرياف. ولأن الأرياف أقل كثافة سكانية، وتالياً في صناديقها عدد أصوات أقل منها في المدن، كان بالإمكان فرز أصواتها واحتساب أصوات الأرياف قبل أصوات المدن.

هكذا، سارت الليلة الانتخابية على الشكل التالي. في الولايات التي كانت فرزت أصوات الاقتراع المبكر والبريدي، افتتح الديموقراطيون العدّ بتفوق لمصلحتهم. ثم وصلت صناديق الأرياف، فانتزع الجمهوريون الصدارة من الديموقراطيين. ثم بدأت أصوات الديموقراطيين ترد من التجمعات السكانية الكبيرة في المدن، فقلّص الديموقراطيون تفوق الجمهوريين، وفي بعض الولايات انتزعوا الصدارة مجدداً.

ومن الأسباب التي ساهمت في تأخر القوة الديموقراطية هو أن الولايات مثل بنسلفانيا وميتشيغن لا تسمح بفرز واحتساب الأصوات قبل يوم الانتخابات، بل تبدأ عملية الفرز والعدّ يوم الانتخابات، أو حتى بعد إغلاق الصناديق في الولاية. لهذا السبب، بدا ترامب متفوقاً بما لا يقاس في بنسلفانيا وميتشيغن وويسكونسن، قبل أن تبدأ أصوات البريد والمدن بالورود، فعاد بايدن إلى المنافسة، وفي بعض الولايات إلى الصدارة.

أداء ترامب الجيد ظهر في فلوريدا، التي كانت استطلاعات الرأي تشير لتعادله مع بايدن فيه. لكن الكوبيين الأميركيين، الذين يعادون الديموقراطيين بسبب انفتاح الرئيس الأسبق باراك أوباما على نظام كاسترو في كوبا، قدموا الولاية على طبق من فضة لترامب. بعد فلوريدا، نجح ترامب في اقتناص أوهايو، وهذه كانت استطلاعات الرأي تظهر بشكل متكرر تقدم ترامب فيها.

على أن استطلاعات الرأي لم تتوقع أن تتحول نورث كارولينا الى ولاية متأرجحة، اذ كانت كل الاستفتاءات تشير الى فوز ترامب والجمهوريين بها. لكن الولاية فجّرت مفاجأة سارة للديموقراطيين، وبقيت عصية على ترامب حتى الساعات الأخيرة من الفرز، ومثلها جارتها جورجيا، الولاية الجمهورية التي هزّتها مدينة اتلانتا وضواحيها، ذات الكثافة السكانية من الأفارقة الأميركيين الذين يقترعون تقليدياً لمصلحة الديموقراطيين.

ومع بدء الساحل الغربي، الذي يتأخر بثلاث ساعات عن ساحل أميركا الشرقي، بإغلاق صناديق الاقتراع، حقق بايدن فوزاً ثميناً، وإن يكن متوقعاً، في ولاية اريزونا، التي كان ترامب فاز فيها في الانتخابات الماضية. ومع اريزونا بدا أن جارتها الشمالية نيفادا في طريقها الى أحضان الديموقراطيين، رغم التقارب في الصدارة بين المرشحين. ثم اقتنص الديموقراطيون صوتاً واحداً في الكلية الانتخابية، قد يتضح أنه الأهم لوصول بايدن لغالبية 270 صوتاً المطلوبة في الكلية الانتخابية، وذلك في نبراسكا، وهي من أصغر الولايات وتقسّم أصواتها الثلاثة بين المرشحين بواقع صوتين مقابل صوت.

مع مرور الوقت، ظلّت ولايات الوسط الغربي الثلاثة: ويسكونسن وميتشيغن وبنسلفانيا، في حال مدّ وجزر بين المرشحين. لكن جون ديلون، مدير حملة بايدن، توقع في اتصال مع الصحافيين، مساء أمس، أن يفوز المرشح الديموقراطي في ولايات«الحائط الأزرق»، والتي اكتتبت اسمها بسبب اقتراعها لمصلحة الديموقراطيين على مدى العقدين الماضيين، الى أن انتزعها ترامب من كلينتون في 2016.

مع بدء التراجع الديموقراطي، أطل بايدن على مناصريه ليطلب منهم الصبر. ومع بلوغ التفوق الجمهوري ذروته، أطل ترامب ليعلن فوزه في ولايات لم يعلن مسؤوليها الافراغ من الفرز والعد فيها، وبدا ترامب مزهوا بأدائه، وأعلن ما يشبه انتصاره. على أن بعض التراجع يبدو أنه أقنع ترامب أن تغلب منافسه بايدن عليه مازال ممكناً، فقام ترامب - استباقياً - بالحديث عن تزوير انتخابي، وهدد بالذهاب الى القضاء خصوصا المحكمة الفيديرالية العليا، التي يتمتع بها الجمهوريون بغالبية ستة من أصل تسعة أصوات.

لكن الذهاب الى المحاكم ليس تلقائياً، بل يشترط - حسب دستور كل ولاية - أن يكون الفارق في النتائج أقل من واحد أو أقل من نصف في المئة.

وفي وقت كان يبدو أن ترامب متفوقاً بقرابة نصف المليون صوت في بنسلفانيا، مع مليون صوت متبقية للفرز، أشار الخبراء الى أنه حتى لو خسر بنسلفانيا، يمكن بايدن الفوز شرط تثبيت فوزه في كل من اريزونا ونيفادا، وحصوله على ويسكونسن وميتشيغن.

أمنياً، أصيب أربعة أشخاص، في هجوم شنه مجهولون بسكين بالقرب من البيت الأبيض، تزامناً مع الانتخابات.وأفادت شبكة «إن بي سي»، نقلاً عن الشرطة المحلية، بنقل ثلاثة رجال وامرأة إلى المستشفى بعد إصابتهم بجروح طفيفة.

وباشر ضباط إنفاذ القانون عمليات البحث عن ثلاثة مشتبه فيهم، والذين من المحتمل أن يكونوا أعضاء في مجموعة اليمين المتطرف التي تدعم ترامب.