الأحد، 1 نوفمبر 2020

كيف يؤثر انتخاب ترامب أم بايدن على السياسة الخارجية؟

| واشنطن - من حسين عبدالحسين

عشية الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، ينهمك الأميركيون في نقاشهم حول جدوى الاختيار بين المرشحَين، الجمهوري الساعي لولاية ثانية الرئيس دونالد ترامب، ومنافسه الديموقراطي نائب الرئيس السابق جو بايدن.

من وجهة النظر الأميركية، يختلف الرجلان في فلسفة الحكم... ترامب يعد بضرائب ورعاية اجتماعية أقل، وبايدن برعاية أكثر بتكلفة ضرائبية أعلى. لكن العالم، وخصوصاً الشرق الأوسط، لا يهمه شؤون أميركا الداخلية، بل سياستها الخارجية. في السياسة الخارجية، لدى شريحة واسعة من المواطنين العرب اعتقاد مفاده بأن ترامب أفضل لمصالحهم بسبب سياسة «الضغط الأقصى» التي يمارسها على إيران، وهي سياسة تكفّ يد الإيرانيين وتدخلاتهم في دول العرب وشؤونهم. ويعتقد هؤلاء أن بايدن سيعود فوراً لسياسة المحاباة تجاه إيران، والتي انتهجتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما والتي كان بايدن الرجل الثاني فيها. لكن الواقع قد يكون مختلفاً. ومن المفيد التذكير بأن السياسة الخارجية قلّما تتأثر بهوية الرئيس الحاكم في البيت الأبيض أو حزبه، بل هي سياسة تمليها الوكالات الفيدرالية المتخصصة، وفي مقدمها المؤسسة العسكرية ووكالات الاستخبارات. على أن كلاً من الرؤساء الأميركيين المتعاقبين حاول تصوير السياسة الخارجية بالصورة التي يعتقد أنها تفيده داخلياً.
 
ويمكن لأي مراقب أن يرى أن سياسة أميركا الشرق أوسطية شبه ثابتة مع استثناءات قليلة. من السياسات الثابتة التي ورثها ترامب من أوباما ولم يدخل عليها أي تعديلات، والتي ستستمر على ما هي لو أصبح بايدن رئيساً، هي السياسة تجاه إسرائيل، وهي سياسة تحالف وصداقة متينة وثابتة، بعيداً عن ضوضاء السياسيين والإعلام.

بايدن لن يعيد السفارة الأميركية من القدس الغربية إلى تل أبيب، وسيواصل سياسة أوباما وترامب تجاه عملية السلام المتعثرة، وهي سياسة سبق أن لخصها أوباما بالقول إنه «لا يمكن للولايات المتحدة أن تسعى للسلام أكثر من الأطراف المعنية»، أي الفلسطينيين والإسرائيليين.

ولو صار بايدن رئيساً، فالأرجح أنه سيواصل حثّ الدول العربية على المضي في عقد اتفاقيات سلام ثنائية مع إسرائيل، بغض النظر عن المسار الفلسطيني - الإسرائيلي.

وكما تلتزم أميركا بتحالف متين وصداقة مع إسرائيل، ستتمسك أميركا، حتى لو برئاسة بايدن، بتحالفها الإستراتيجي مع السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، وخصوصاً الكويت، التي تصفها الإدارات الأميركية المتعاقبة على أنها «أقرب حليف للولايات المتحدة من خارج تحالف الأطلسي».

ولن تعكر الأوضاع في اليمن، الصداقة الأميركية - السعودية. ومن لا يتذكر، عليه التنبه إلى أن حرب اليمن بدأت في زمن حكم أوباما والديموقراطيين، ودعم واشنطن للرياض سيتواصل في حال عاد الديموقراطيون مع بايدن إلى البيت الأبيض.

السياسة الأميركية تجاه مصر ستبقى على حالها. أحياناً، يعتقد البعض أن أوباما خرج عن السياسة التقليدية، لكن الواقع أن الرئيس الأسبق تخلى عن الرئيس الراحل حسني مبارك بعدما تخلت عنه المؤسسة العسكرية، ودعم التحرك الذي أفضى لوصول الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى الحكم... وسيواصل بايدن، لو أصبح رئيساً، التمسك بمصر وجيشها كحليف إستراتيجي أساسي في المنطقة.

كذلك، سيواصل بايدن، لو دخل البيت الأبيض رئيساً، سياسة الاهتمام بالعراق وتقوية سيادته في وجه الميليشيات المؤيدة لإيران، وسيواصل عدم اهتمام الولايات المتحدة بسورية ولبنان بسبب انعدام الأهمية الإستراتيجية للبلدين من وجهة النظر الأميركية، باستثناء من زاوية «مكافحة الإرهاب ووقف تمويله»، وهي السياسة التي انتهجتها إدارة أوباما - الذي وقع على قانون العقوبات على «حزب الله»- والتي واصلتها إدارة ترامب، وستواصلها إدارة بايدن لو تسلمت الحكم.

وكذلك الأمر تجاه سورية، لن يفرج أي رئيس أميركي عن أموال مساعدات إعادة الإعمار الغربية ما لم يصل السوريون إلى توافق حول شكل الحكم، وهو توافق متعذر مع بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة، ما يعني أن السياسة الأميركية ستبقى على حالها، بغض النظر عن هوية الرئيس المقبل.

وإذا كانت السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط على حالها في الخليج ومصر والعراق وسورية ولبنان، فأين ستتغير؟ الإجابة هي إيران وتركيا.

لو صار بايدن رئيساً، فهو سيحاول إعادة إحياء الاتفاقية النووية مع إيران كأداة لإعادة مستويات تخصيب اليورانيوم إلى ما كانت عليه. لكن بايدن سيختلف عن أوباما لناحية أن واشنطن راكمت خبرة لم تكن تمتلكها يوم توقيع الاتفاقية النووية مع إيران نهاية 2015.

وكان أوباما يأمل أن انخراط إيران في الاقتصاد العالمي سيشغلها عن «نشاطاتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة». لكن طهران تسلمت الأموال، وأصلحت طائراتها المدنية، وقامت باستخدامها لنقل الأسلحة والمقاتلين إلى سورية ولبنان واليمن.

بعد خمس سنوات من تجربة الاتفاقية النووية، والتي كان من المفترض أن تولّد إيجابية كافية لدفع التقارب بين واشنطن وطهران، أظهرت التجربة أن الاتفاقية لا يعوّل عليها لتغيير تصرفات النظام الإيراني، وهو درس سيجعل من الصعب على بايدن العودة إلى ما قبل انسحاب ترامب من الاتفاقية.

وأثناء رئاسة ترامب، قامت واشنطن بتوسيع حربها ضد «رعاية إيران للإرهاب»، فقامت بتصنيف «الحرس الثوري» تنظيماً إرهابياً، وراحت تتوسع في العقوبات على طهران، وتربطها بموضوع الإرهاب، وهذه كلها عقوبات إضافية، وحتى لو رفع بايدن «العقوبات النووية» على إيران، ستبقى العقوبات المرتبطة بالإرهاب.

الاختلاف الثاني في السياسة الأميركية في حال وصول بايدن إلى البيت الأبيض، ستتمثل في العلاقة مع تركيا. صحيفة «نيويورك تايمز» نشرت البيانات الضرائبية لترامب ظهر فيها أنه بين 2015 و2018، حصل على ربح صافي من «برجي ترامب» في إسطنبول بواقع 2.6 مليون دولار.

هذه المكاسب المالية دفعت الرئيس الجمهوري إلى محاباة تركيا وتلبية كل المطالب التركية التي يمكن للبيت الأبيض تلبيتها، رغم أن أنقرة تطالب بأكثر من ذلك، ويتصدر مطالبها قيام أميركا بتسليمها الداعية الإسلامي فتح الله غولن لمحاكمته في تركيا... لكن التسليم أمر شبه مستحيل، ولا سلطة لترامب على القضاء الأميركي لحمله على القيام بذلك.

أما بايدن في الرئاسة فيعني العودة إلى زمن أوباما الذي شهد أقصى درجات التوتر بين واشنطن وأنقرة.

بغض النظر عمن سيفوز بالانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستجري غداً، ستبقى السياسة الخارجية تجاه إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق وسورية ولبنان على حالها، وستتغير تجاه إيران وتركيا في حال وصول بايدن لسدة الرئاسة. حتى تجاه إيران وتركيا، لن يكون التغيير خارج أطر المصالح القومية، والتي تحددها الوكالات الحكومية المتخصصة.

أوباما، الذي رمى بثقله خلف محاولة الانفتاح على إيران، صار متقاعداً، ونائبه السابق إن صار رئيساً، سيكون شخصية مختلفة بالكامل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق