الخميس، 31 ديسمبر 2020

واشنطن تُلوّح لطهران بقاذفات «بي 52»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

حلّقت قاذفتا «بي 52» العملاقة فوق الخليج للمرة الثانية في غضون شهر، وذلك للمرة الأولى منذ نشر بعضها في الخليج في مايو 2019... وفي المرّات الثلاث للسبب نفسه: رصدت الاستخبارات العسكرية الأميركية «تحركات مريبة» داخل إيران، وتدفعها للاعتقاد بأنها تستعد للتعرض لأهداف أميركية أو حليفة في المنطقة.

في المرة الأخيرة التي زارت القاذفات الأميركية الخليج وحطّت في قاعدة العديد في قطر، مرّت ستة أشهر قبل أن تشن إيران - حسب الاعتقاد الأميركي - هجمات بنحو 25 صاروخاً ومسيرات «درونز» ضد منشآت نفط سعودية في أبقيق، وحصل ذلك منتصف سبتمبر من العام نفسه.

هذه المرة، لا تعتقد الأوساط الأميركية أن إيران ستنتظر كل هذه المدة قبل تنفيذ هجومها، بل تخشى أن تقوم بشن هجوم خلال أيام، في الذكرى السنوية الأولى لمقتل قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري قاسم سليماني والقيادي في «الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس، في بغداد.

ولثني إيران عن إمكانية شنها أي ضربة، أرسلت واشنطن قاذفاتها العملاقة في طلعتين فوق الخليج.

لم تستخدم الولايات المتحدة هذه القاذفات، القادرة على حمل رؤوس نووية، في منطقة الخليج منذ حرب تحرير الكويت في 1991، حيث استهدفت وقتها تجمعات عسكرية عراقية.

ويمكن لـ «بي 52» استهداف أهداف متعددة في الوقت نفسه، أو توجيه ضرباتها من دون التحليق في المجال الجوي، بل على علوّ مرتفع جداً لا تطوله أي من أجهزة الدفاع الجوي.

وفي أبريل 2016، نفذت هذه القاذفات غارات ضد مواقع تابعة لتنظيم «داعش» في شمال العراق الغربي.

في حالة الترقب لهجوم إيراني محتمل، يمثل اعتبار التلويح بـ «بي 52» رسالة لطهران مفادها بأن واشنطن مستعدة للضرب في الداخل، أو حتى لاستهداف قواعد إيرانية في العراق، من قبيل «قاعدة جرف الصخر» التي تسيطر عليها الميليشيات الموالية.

ويعتقد كثيرون أنها تؤوي ضباطاً رفيعي المستوى في الحرس الثوري.

في وزارة الدفاع الأميركية ملفات وخطط للتعامل مع معظم البقع في العالم.

حتى للجارة الشمالية، الحليفة كندا، ثمة خطط في البنتاغون لاجتياحها إن اقتضى الأمر.

وتقوم الوزارة بتحديث خططها دورياً.

في الحالة الإيرانية، تسعى المؤسسة العسكرية للإبقاء على مجموعة من خيارات الرد، في حال قامت طهران بأي تحرك، ويقوم بذاك كبار الجنرالات بتقديم لائحة للرئيس الأميركي بعدد من الخيارات يصنفونها عادة بشكل تراتبي، من الأصغر حجماً الى الأكبر.

في نهاية العام الماضي، وبعدما أوعزت إيران لميليشياتها العراقية باختراق السور الخارجي للسفارة الأميركية في بغداد وإحراق بعض نقاط المراقبة، اعتبر الرئيس دونالد ترامب أن طهران كانت تعمل على إحراجه سياسياً وتشويه صورته حول العالم، بوصفه من الرؤساء الضعفاء، أو على ما يقول الخبراء الأميركيون «حاولت إيران أخذ مقاسات ترامب لمعرفة أين ترسم الخطوط الحمر في المواجهة معه».

وكان سبق لإيران أن أسقطت مسيّرة أميركية تبلغ تكلفتها 140 مليون دولار.

واتفق ترامب مع القيادة العسكرية على الرد بتدمير القاعدة التي انطلق منها الصاروخ.

لكن الرئيس الأميركي تراجع في اللحظة الأخيرة، وأوقف الرد، وهو ما يعتقد الخبراء أنه شجع إيران على التمادي ومباشرة التحرش بالأميركيين في العراق في مواصلة لعملية معرفة أين «الخطوط الحمر» مع ترامب.

لكن تبين أن مقاس ترامب كبير جداً، بل ضخم وغير مسبوق، إذ هو اختار من لائحة الخيارات التي قدمتها له المؤسسة العسكرية، تصفية سليماني، وهو قرار فاجأ المقربين، والعالم كله.

منذ ذلك التاريخ، لم تساهم طهران في مقتل أي أميركي، في أي بقعة من العالم، لعلمها أن ترامب جعل من الدماء الأميركية «خطا أحمر محرما تجاوزه»، تحت طائلة ردة فعل أقسى بكثير من الفعل.

هذه المرة، بعدما رصد الأميركيون تحركات إيرانية، تسعى واشنطن لتفادي التصعيد والمواجهة بإرسالها «بي 52» الى الخليج لإقناع الإيرانيين بأن الخيارات الأميركية ستتضمن رداً داخل إيران نفسها.

ويعتقد الخبراء أنه قد يسعف الولايات المتحدة أن تؤسس «ميزان رعب» مثل الذي أقامته إسرائيل مع «حزب الله» في 2006، وهو الميزان المعروف إسرائيلياً بـ«عقيدة الضاحية»، وهي تقضي برد ساحق ضد كل لبنان رداً على أي عمل يقوم به الحزب.

ويرى أميركيون كثر أن «عقيدة الضاحية»، هي المسؤولة عن تفادي «حزب الله» القيام بأي استفزازات أو تحرشات ضد الدولة العبرية.

ومثل الوضع الإسرائيلي في لبنان، يعتقد خبراء أميركيون أنه يمكن تأسيس معادلة مشابهة مع إيران، مفادها بأن أي تحرش بأميركيين في المنطقة أو بمصالح حيوية تابعة للولايات المتحدة أو حلفائها، سيكون الرد عليها ساحقاً في الداخل الإيراني، وبقاذفات «بي 52».

هل هي معادلة أميركية تنتهي مع انتهاء صلاحيات ترامب الدستورية منتصف يوم 20 يناير؟ يعتقد المتابعون أن المؤسسة العسكرية صارت من أنصار استخدام القوة المفرطة ضد إيران نفسها لثنيها عن إيقاع خسائر أميركية، بهجمات مباشرة أم غير مباشرة، أي أنه لا يمكن أن توعز بوكلائها في المنطقة بتنفيذ هجمات من دون أن تتعرض إيران نفسها لردود فعل أكبر مما يمكن للنظام تحمله.

وحتى يتسلم الرئيس المنتخب جو بايدن منصب الرئاسة، يمكن الاستعانة بمواقف وزير خارجيته المعيّن انتوني بلينكن، الذي اعتبر أن عودة أميركا للاتفاقية النووية لن يشمل أي من المواضيع الأخرى، وهو ما يعني أن «بي 52» قد تغير داخل إيران، حتى لو عادت الاتفاقية النووية الى ما كانت عليه قبل انسحاب ترامب منها في مايو 2018.

الأربعاء، 30 ديسمبر 2020

شعبية ترامب تنهار وأداؤه يهدّد الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أسلوب الرئيس ترامب فريد من نوعه، فهو عندما يرتكب خطأ شائعاً، أو عندما يخسر انتخابات ما، فهو لا يعترف بالخطأ ولا بالخسارة، بل يمعن في الخطأ ويضاعف رهانه على الخسارة لاعتقاده أنه يمكنه قلب المفاهيم، فيصبح خطأه «ضربة معلم» ويلقي باللائمة في أخطائه على الآخرين، خصوصاً خصومه المحليين منهم والدوليين.

أما خسارته، فلا يقر بها، بل يقلب الطاولة على الانتخابات نفسها، وبدلا من أن يخسر ترامب الانتخابات، تخسر الانتخابات مصداقيتها في عيون شريحة لا بأس بها من الجمهوريين الموالين له.

قبل 20 يوماً من موعد انتهاء صلاحياته الدستورية رئيساً ووجوب خروجه من البيت الأبيض، يرفض ترامب أن يترك من دون اثارة بلبلة تؤذيه وتؤذي حزبه في الدرجة الأولى.

مثلا، بسبب تصرفاته، وإصراره على أنه الفائز، واتهاماته أن «الانتخابات تمت سرقتها منه»، أظهر أحدث استطلاعات الرأي التي أجراها مركز راسموسن الجمهوري اليميني - الذي سبق للرئيس الجمهوري أن استند الى نتائج استطلاعاته في الماضي - أن شعبية ترامب انهارت من قرابة 48 في المئة، في الثالث من نوفمبر الماضي، أي اليوم الذي جرت فيه الانتخابات، الى نحو 30 في المئة اليوم، وهي من أدنى النسب في رئاسة ترامب، منذ مطلع العام 2017.

هناك شريحة من الجمهوريين ممن يؤيدون ترامب كيفما دار ومهما قال، لكنها شريحة ضيقة، في وقت مضى الجمهوريون الأكثر اتزاناً بالابتعاد عنه.

مع ذلك، لم يترك ترامب الجمهوريين يفلتون من بين يديه من دون أسابيع من التهريج الرئاسي في الحكم، والذي أحرج الحزب، خصوصا المرشحين الى مجلس الشيوخ، في الدورة الثانية التي تجري في ولاية جورجيا في الخامس من يناير المقبل، بعد فشل المرشحين من الحزبين في حيازة نسبة نصف الأصوات التي تسمح لهم بالفوز بعد دورة واحدة.

وتظهر استطلاعات الرأي انقساماً تاماً في الحظوظ الانتخابية للحزبين.

ويحتاج الديموقراطيون الى الفوز بمقعدي الولاية حتى يحوزوا 50 من مقاعد المجلس المئة، وتتحول نائب الرئيس كمالا هاريس، التي تترأس الجلسات أيما حضرت، الى الصوت الفاصل، فتصبح الغالبية في أيدي الديموقراطيين، لتضاف الى سيطرة الحزب الديموقراطي على البيت الأبيض وعلى الغالبية في مجلس النواب، فتنعدم سلطة الجمهوريين في واشنطن بالكامل.

الجمهوريون يحتاجون بدورهم الى الفوز بمقعد واحد حتى يصبح عددهم 51 في الشيوخ، ويحافظون تالياً على الغالبية التي يتمتعون بها، ويحافظ ميتش ماكونيل على قدرته على تعطيل القوانين والتعيينات أثناء ولاية الرئيس جو بايدن، أو على الأقل على مدى العامين المقبلين الى حين إجراء الانتخابات النصفية في 2022.

لكن ترامب يأبى أن يترك البيت الأبيض من دون أن يحرج الجمهوريين، فقام أولا بفرض فيتو رئاسي على قانون الإنفاق الدفاعي، الذي صدر بعد مفاوضات طويلة وبموافقة الحزبين، وهو عادة من القوانين التي لا يعرقلها السياسيون تفادياً لتهديد تمويل العمليات العسكرية حول العالم.

هكذا، عاد القانون الى الكونغرس ليعيد التصويت عليه، بغالبية الثلثين لتجاوز الفيتو الرئاسي، وهو ما يكشف ضعف ترامب الكبير في أيامه الأخيرة في الحكم.

على أن ترامب لم يكتف بالفيتو على قانون الدفاع، بل هدد بفيتو على قانون الإعانة التي أقرها الكونغرس لدعم الاقتصاد والأميركيين الذين يعانون من تعثر مالي في زمن وباء كورونا المستجد.

وكان البيت الأبيض فاوض رئيسة الكونغرس الديموقراطية نانسي بيلوسي على مدى أسابيع، وتوصل الطرفان الى اقرار رزمة مساعدة لأصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة، والى تمويل برامج اعانة العاطلين عن العمل، وكذلك منح كل مواطن أميركي من أصحاب الدخل الأدنى من ربع مليون دولار سنويا للفرد أو للعائلة، مبلغ 600 دولار. لكن ترامب، ومن دون التنسيق مع أي من مستشاريه أو العاملين في ادارته أو الحزبيين الجمهوريين، قال علنا أن مبلغ 600 دولار ضئيل جدا، وأنه سيقوم بممارسة الفيتو على القانون ما لم يرفع الكونغرس حجم المساعدة الى ألفين.

والديموقراطيون عادة هم من يدفعون باتجاه المساعدات الحكومية الأكبر، فيما يرفض الجمهوريون الانفاق الذي يزيد من حجم الدين العام، والذي ارتفع من 20 تريليون دولار يوم تسلم ترامب الحكم الى قرابة 30 تريليونا اليوم.

لكن تصريح ترامب أربك الحزب الجمهوري... فعضوا مجلس الشيوخ من جمهوريي ولاية جورجيا يصعب عليهما التصويت ضد منح أموال أكثر للمواطنين بسبب اقتراب موعد الانتخاب في ولايتهما، فيما الحزب الجمهوري يرفض الزيادة التي طرحها ترامب.

أدت الفوضى التي أثارها ترامب الى تضارب في مواقف الجمهوريين، الا أن السناتورين عن ولاية جورجيا أعلنا وقوفهما الى جانب المساعدة الأكبر للمواطنين، وهو ما يعني أن الديموقراطيين بحاجة لصوت جمهوري إضافي واحد في مجلس الشيوخ حتى يحوزوا على الغالبية ضد الجمهوريين للتصويت على الحزمة الأكبر، في وقت علا صوت السناتور بيرني ساندرز، الذي تلقف تصريح ترامب وأصر على التمسك بمساعدة أكبر للأميركيين، وهو ما يؤخر إقرار القانون بسبب رفض جمهوري، ويعرّض تالياً عدد من برامج الرعاية الاجتماعية الحكومية الى التوقف عن تلبية حاجات الأميركيين الى أن يتم إنجاز القانون.

هي فوضى يتسبّب بها ترامب في كل تصريح يدلي به، غالباً من باب المشاغبة والشعبوية واظهار أنه نصير الأميركيين من ذوي الدخل المحدود، فيما لا يتدخل في أي من المشاكل التي تتطلب أدوارا قيادية، مثل محاولة السيطرة على وباء كورونا ومساعدة الولايات في توزيع اللقاح على أكبر عدد من الأميركيين وفي أسرع وقت ممكن.

لكل هذه الأسباب، تنهار شعبية ترامب، ويرمي حزبه في مستنقع من الارتباك واحتمال خسارة مجلس الشيوخ، ولكل هذه الأسباب، يتحول بشكل متسارع الى واحد من الشخصيات التي تعيش على أقصى الهامش السياسي، ويتحول الى بطل الهامشيين من المؤمنين بنظريات المؤامرة على أنواعها، ويخرج بذلك من السياسة والحياة العامة الأميركية بالسرعة نفسها التي دخل بها.

الثلاثاء، 29 ديسمبر 2020

بلينكن يرهن إنجاز اتفاقية «محدّثة» بعودة إيران إلى التزاماتها النووية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أكد وزير الخارجية الأميركي المعيّن انتوني بلينكن، أنه حتى لو عادت الولايات المتحدة الى الاتفاقية النووية مع إيران، والتي نصّ أحد بنودها على انتهاء حظر السلاح الذي تفرضه الأمم المتحدة على طهران في 18 أكتوبر الماضي، فإن خيارات عديدة ستبقى متاحة أمام الإدارة المقبلة للرئيس المنتخب جو بايدن لفرض عقوبات على صادرات وواردات إيران من السلاح، وذلك في سياق مشاركتها في حربي اليمن وسورية، إذ إن قوانين أميركية عدة قائمة حالياً يمكن تطبيقها من هذه الزاوية.
وفي حواره العلني الأول منذ انتخاب بايدن وتعيينه وزيراً للخارجية، شدد بلينكن على أن «عليها أن تعود الى التزاماتها الكاملة ببنود الاتفاقية، وإذا قامت بذلك، تقوم الولايات المتحدة بالعودة الى الاتفاقية النووية كذلك».
وكانت إدارة الرئيس دونالد ترامب أعلنت انسحابها من الاتفاقية في مايو 2018، وأوقفت تعليق بعض العقوبات التي تمليها القوانين الأميركية، خصوصاً على قطاعات النفط والشحن البحري الإيرانية، وعلى المصرف المركزي، وهو التعليق الذي سمح لطهران بتصدير أكثر من مليوني برميل نفط يومياً، وعاد عليها بنحو 60 مليار دولار في العام 2017.
وتابع بلينكن، في حوار عبر الإنترنت مع مجموعة من اليهود الأميركيين الأعضاء في الحزب الديموقراطي، أن إدارة بايدن ستستخدم العودة الى ما قبل انسحاب ترامب من الاتفاقية «منصة لمحاولة بناء اتفاقية (جديدة) أقوى وذات صلاحيات أطول، وسنتمكن من القيام بذلك لأننا سنفعله بمشاركة ودعم حلفائنا، بما في ذلك في أوروبا، الذين أبعدتهم عنا هذه الإدارة».
وأضاف: «ستكون هناك فوائد إضافية كذلك، إذ إن قربنا من الحلفاء سيدفعهم للتعاون معنا لكبح نشاطات إيران الخبيثة».
وتابع الوزير الأميركي المعين: «كما تعلمون، أثناء المفاوضات النووية مع إيران، قمنا بتمديد حظر السلاح لعدد من السنوات، وهذا (الحظر) ينتهي الآن، ولسخرية القدر، تحاول الإدارة الحالية استخدام سناباك لفرض تمديد للحظر، ولسوء الحظ، حتى نتمكن من استخدام بنود الاتفاقية، علينا أن نكون مشاركين في الاتفاقية».
وأشار بلينكن الى بيان البيت الأبيض، الذي كان أعلن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية، وقال إن البيان «كان عنوانه إنهاء مشاركة الولايات المتحدة في الاتفاقية النووية مع إيران، لذا لا يمكن أن نكون الاثنين معاً، فاذا انسحبنا، فلا يمكننا استخدام بنود الاتفاقية مثل سناباك (التي تنص على انهيار الاتفاقية في حال اعتراض أي من الموقعين عليها)، وسنرى أين يذهب ذلك».
وأضاف: «مرة ثانية، بابتعادنا عن حلفائنا، صار أصعب بناء أي موقف موحد ضد إيران».
على أن بلينكن اعتبر أنه في حال عودة أميركا للاتفاقية النووية، فهي لن توافق على انتهاء حظر السلاح الأممي: «هناك عقوبات (أميركية) أخرى على إيران مازالت قائمة، خارج حظر الأمم المتحدة للسلاح على إيران المنتهية صلاحيته في الاتفاقية النووية، وهناك عقوبات أسلحة، بما في ذلك في سياق حرب اليمن، وبما في ذلك في سياق الحرب في سورية».
وعرض بلينكن مقاربة ترامب تجاه إيران، وقال إنها أثبتت فشلها، بما في ذلك «انسحابه من اتفاقية - حسب وكالاتنا الاستخباراتية والمفتشين الدوليين - ضبطت البرنامج النووي الإيراني».
وقال إن ترامب كان أعلن أن سياسته «ستؤدي الى حضور إيران الى طاولة المفاوضات، وان سياسة الضغوط القصوى، كما أسماها، ستؤدي الى وقف نشاطات إيران الخبيثة في المنطقة، وطبعا رأينا عكس ذلك تماماً».
وأشار الوزير المعيّن إلى «دوامة من الخطوات المتبادلة بين الولايات المتحدة وإيران، ورأينا طهران تعيد العمل ببعض أكثر أجزاء برنامجها النووي خطورة، والتي كانت أوقفتها الاتفاقية.
لكن لم توقف إيران تحرشها بجيرانها، بل زادتها، بما في ذلك بالجنود الأميركيين، خصوصا في العراق وسورية، وفي الوقت نفسه، أدت سياسة ترامب الى إبعادنا عن أقرب حلفائنا في أوروبا، ووضعنا نحن في الزاوية بدلاً من وضع إيران».
واعتبر بلينكن أن سياسة ترامب تجاه إيران «أثبتت فشلها الذريع، لكن هذه كلها أمور حصلت، ومر عليها الزمن، وإذا كنا سننجز اتفاقية مع إيران بنسخة محدثة»، فكما قال بايدن «على إيران أن تعود الى التزاماتها الكاملة ببنود الاتفاقية، وإذا قامت بذلك، تقوم الولايات المتحدة بالعودة الى الاتفاقية النووية كذلك».

قشوع وفلسطين وهجرته إلى أميركا

حسين عبدالحسين

صدر كتاب "تعقُّب التعديلات" للروائي الفلسطيني سيد قشوع، وهو عربي إسرائيلي هاجر إلى الولايات المتحدة صيف 2014 على الرغم من نجاحاته الواسعة في إسرائيل، إذ سبق للتلفزيون الإسرائيلي أن بث مسلسل "شغل عرب"، الذي كتب نصه قشوع وحاز شعبية كبيرة فرضت إنتاجه لأربعة مواسم، فضلا عن كتابة قشوع عمودا أسبوعيا في صحيفة "هآرتس" بالعبرية، ونشره عددا من الأعمال الروائية، بالعبرية كذلك، ومساهمته بإنتاج فيلم إسرائيلي بعنوان "هوية مستعارة" عن نشأته. ثم أبان هجرته، نشر قشوع في صحيفة غارديان البريطانية مقالة بعنوان "لما علي أن أهجر إسرائيل". 

لم يقدم قشوع أسبابا مفهومة للهجرة. في 2017، كتب في هآرتس أن "لا عزاء أن وضع العرب في إسرائيل أحسن منه في سوريا"، وقال إنه يريد — عوضا عن مقارنة الفلسطينيين بالسوريين — أن يقارنهم باليهود الإسرائيليين، الذين تنحاز دولة إسرائيل لهم على حساب عرب إسرائيل. 

وعلى الرغم من معرفته بإسرائيل ومجتمعها أحسن من أي عربي، يندر أن طرح قشوع أسئلة حول دافع اليهود لإقامة دولة لهم، وعن سبب تحيز هذه الدولة ضد غير اليهود من مواطنيها. هل تشي تجارب اليهود في تاريخهم في أي من الدول العربية — بما في ذلك في الولايات العثمانية في فلسطين وفلسطين الانتداب — أن المسلمين ينظرون إلى غير المسلمين بتساوٍ؟ لو كان تاريخ العرب يشي بتساو بين المسلمين واليهود، ثم انقلب اليهود على المسلمين وأقاموا دولتهم، لكان في الاعتراض على إقامة دولة اليهود وجهة نظر. لكن تاريخ العرب، منذ الإسلام على الأقل، هو تاريخ اضطهاد وذمية للأقليات. حتى في فترة الأعياد هذا الشهر، عممت حركة حماس — التي تحكم قطاع غزة — تحذيرات ضد الاحتفال بعيد الميلاد المسيحي. والحال هذه، كيف يمكن لليهود الشعور أنهم لو تخلوا عن دولتهم، وشاركوها مع غير اليهود من العرب، لن يعانوا من الفوقية المستفحلة بين المسلمين منذ عهود سحيقة؟

قشوع روائي بارع وأعماله شيقة، وان كانت لا تشي بمعرفة عميقة بشؤون التاريخ أو العلوم السياسية، إذ يبدو مفهومه للهوية الفلسطينية فلوكلوريا روائيا تختلط فيه ذكرياته عن قطف الزعتر مع التمييز الذي عاناه كعربي بين يهود. لكن إن كان قشوع جديا في طلبه المساواة مع اليهود، فعليه أن يتبنى إسرائيل كدولته، لا بجعله العبرية لغته فحسب، بل في قبوله أنه لو قامت دولة فلسطينية مجاورة لإسرائيل، وانخرطت فلسطين في حرب ضد إسرائيل، فعلى قشوع وأولاده القتال في صفوف إسرائيل ضد فلسطين. لكن أن يرى قشوع نفسه واحدا مع الفلسطينيين يعني أنه يميز نفسه عن الإسرائيليين الآخرين، وهو ما يطيل أمد تمييز اليهود ضده، فالدولة ليست من جانب واحد، بل هي تعاقد بين مواطن يمنحها ولائه وضرائبه، ودولة تمنحه الحماية والعدالة، وهي بالضبط التجربة التي عاشها، أو سيعيشها، في الولايات المتحدة، حيث الهوية الوطنية مبنية على الحقوق والواجبات، لا الهوية الاثنية أو التراث. 

ربما أثارت سنوات نجاحات قشوع غيرة عرب إسرائيل ممن لم يوفقوا مثله، فدارت النميمة والضغط الاجتماعي على أبويه، وراح مبغضوه يصورون أن سبب نجاحاته هو تعامله مع اليهود. قشوع نفسه يدرك ذلك ويصوره في "شغل عرب". لكن بعد كل هذه السنوات، يبدو أن الروائي الفلسطيني اختار التوبة، وهي التي قدمها في "تعقُّب التعديلات"، وشرح فيها بصراحة أكثر أسباب ندمه. صوّر قشوع فلسطين على أنها زوجته التي أخذها معه لتعيش في إسرائيل حيث يقلبان صفحة جديدة بيضاء. رحلته إلى إسرائيل كانت أصلا صدفة أثارتها كتابته بالعبرية وحنق أهل بلدته ضده. في إسرائيل، عاش قشوع خوف إمكانية انتقام اليهود منه في أية لحظة يتعرض إسرائيليون لعنف أو قتل على أيدي فلسطينيين، ففر إلى الولايات المتحدة.

في "تعقُّب التعديلات" يقدم قشوع بصورة أوضح سبب هجرته، ويكتب أن الوضع سيكون أفضل لأولاده في أميركا. "لن يكون عليهم أن يشعروا بالذل، أو أن يطأطئوا رؤوسهم تحت السقوف الزجاجية"، أي السقوف غير الرسمية التي تحد الطموح والارتقاء في العمل. في أميركا، "لن يتم تذكير" أولاد قشوع "أنهم لا ينتمون، أو غير مرغوب بهم، أو أن يتم إجبارهم على قبول دونيتهم". 

ثم يعبّر قشوع عن ندمه لفراره بالهجرة بدلا من مواصلة النضال في سبيل القضية الفلسطينية، ويكتب: "لن اكون مقاتلا أبدا.. وسأخجل دائما من ضعفي هذا. لقد استبدلت حربي بالقصص (إذ) ماعساني أن أفعل بلا سلاح في متناولي؟ حتى لو كان لدي سلاحا، لم أعد أعرف في أي اتجاه أطلق النار (لأني) لا أعرف هوية العدو أو راية الحليف". يتابع قشوع: "نعم، إنه استسلام معيب كم أغار منك (يا أبي) لأنك كنت دائما تعرف من هم أعداءك بالضبط، ولأنه لم يكن لديك شك بأن أحلامك ستتحقق عن قرب. هل يمكنك (يا أبي) أن تسامحني لرفعي علما أبيضا؟ فأنا لست قادرا على إقناع نفسي بجدوى الصراع لمجرد الصراع بدلا من الصراع سعيا للانتصار. ولا يمكنني أن أفهم أهمية الفخر أو معنى الشرف.. فقط أفهم معنى قوة الهرب والهزيمة".

اختصر قشوع بمهارة، وعن قصد أو غير قصد، الفارق بين الجيل السابق، الذي تبنى الصراع المفتوح وربطه بمبادئ غير مرئية وغير مفهومة للجيل الحالي، مثل الفخر والشرف. أما الجيل الحالي، فهو أكثر علما وحداثة، ويرى الفارق بين الوسيلة والغاية. الصراع لا يمكنه أن يكون غاية، بل هو وسيلة، والغاية لا يمكنها أن تكون مشاعر — مثل الفخر والشرف — بل عليها أن تكون أهدافا واقعية واضحة، مثل معدل الدخل، ومستوى التعليم، والحريات الفردية والعامة، والمساواة أمام القانون. الجيل الحالي يقيس تجاربه بناء على "مؤشرات الأداء" ويستخدم بيانات "إحصاء وتقييم" لقياس مستوى معيشته، ومقارنتها بالآخرين، والسعي لتحسينها للأجيال القادمة.

لم يخطئ قشوع في خياراته إذ هو اختار الاندماج في المجتمع الإسرائيلي بما فيه مصلحته ومصلحة عائلته، ثم اختار الهجرة إلى بلاد تكثر فيها الفرص وتضعف فيها الهويات القبلية. ما أخطأ به قشوع كان في ندمه على خياراته. ربما هو ندم عاطفي، تحت ضغط اجتماعي أو حنين.

أما لو أراد قشوع التمسك بهويته الفلسطينية ونقلها إلى أولاده، فلا يحتاج إلى أرض ودولة وحكومة، بل يحتاج أن يتقن العربية حتى يتمكن من تراثه، وينقله واللغة العربية إلى أولاده، فيأخذونه معهم أينما حلّوا أو رحلوا، بدلا من التراث الذي حاول أبيه — وأبي وكل الجيل السابق — أن يورثه لنا، وهو التراث الذي حولوه إلى قضية سياسية فجعلوا قتله ممكنا ببندقية، فيما التراث أبدي لا يموت بحروب، بل يموت عندما يتوقف أبناؤه وبناته عن ممارسته وعن الحوار بلغته.

الجمعة، 25 ديسمبر 2020

واشنطن عن المصالحة الخليجية: التسوية ستكون تجريبية... فكاملة

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أكدت مصادر ديبلوماسية أميركية لـ «الراي»، ان الكويت نجحت في قطع شوط كبير في تقريب وجهات النظر بين السعودية والإمارات والبحرين، من ناحية، وقطر من ناحية ثانية، وأن انفراجاً متوقعاً «في وقت قريب» بين الفريقين منذ اندلاع الأزمة الخليجية في يونيو العام 2017.

وتتجه الأنظار نحو قمة دول مجلس التعاون الخليجي المقرر انعقادها في الرياض في الخامس من يناير المقبل.
وقالت المصادر إن ما تعرفه حتى الآن، هو أنه تم الاتفاق على تسوية، وان «من غير المفهوم ما الذي يعيق المباشرة بتنفيذها».

وتابعت أن «التسوية المتفق عليها تبدأ بتهدئة إعلامية من الجانبين، لكن الاعلام لا يبدو أنه بدأ عملية المصالحة، اذ لا تزال معظم الوسائل الإعلامية تبث خطاباً غير مقبول لدى الطرف الآخر».

وشرحت المصادر أن «الديبلوماسية الكويتية نجحت في ابتكار حلول ذللت بموجبها عقبات كثيرة»، من قبيل أنه يمكن «البدء بفترة انتقالية حتى يثبت خلالها الطرفان جديتهما في رأب الصدع والعودة الى ما قبل يونيو 2017، وان مرت فترة ثلاثة الى ستة أشهر من دون تصعيد وشعرت كل الأطراف أن لا سبب يمنعها من إعادة المياه الى مجاريها، فيحصل ذلك، وتكون التسوية على مرحلتين، تجريبية وكاملة».

ويشير الأميركيون إلى أنهم سمعوا من نظرائهم الكويتيين أن «المقاطعة لا يجب أن تؤدي أبدا الى قطع التواصل بين الأطراف المتخاصمة، بل أن استمرار هذه الأطراف بالحوار - المباشر ان أمكن - يسهل الأمور ويسمح بالإسراع في رأب الصدع».

وقالت المصادر الأميركية أنها سمعت أفكاراً كثيرة من الجانبين، وأنها سمعت من الطرف الكويتي ايجابيات كثيرة من الجانبين وموافقات كثيرة للبدء بمسيرة المصالحة، «لكننا لا نعرف ما الذي ينتظره الجميع اليوم، أو بكلام آخر، لا نعرف ان كان هناك زر يضغط عليه أحد حتى تبدأ عملية المصالحة، ومن يضغط الزر، ومتى»؟

ولفتت الى «الود» الظاهر في خطابات الأطراف المعنية، واعتبرت أن«الأجواء خلف الأبواب الموصدة أكثر ودية بكثير منها عبر شاشات الفضائيات ونشرات الأخبار وبرامج الحوار».

وسألت«الراي»المصادر الأميركية ان كانت تتوقع مشاركة قطرية في قمة الرياض الخليجية في الخامس من يناير، فردت بأن«المشاركة القطرية إمكانية قائمة، لكن الوقت قد يدهم الجميع من دون أن يسمح بانفراج مفاجئ».

على أن المصادر تابعت أن«دول مجلس التعاون لطالما عقدت قمماً استثنائية طارئة بسهولة وسرعة»، وانه«ان لم يتحقق أي اختراق في جدار الأزمة في القمة الخليجية، فيمكن أن يتحقق الاختراق في أي وقت لاحق، ويمكن عقد قمة استثنائية سريعة للتأكيد على المصالحة ورأب الصدع».

وحسب المصادر، فان الرئيس دونالد ترامب، الذي يغادر البيت الأبيض في 20 يناير المقبل، كان قام بمحاولة أخيرة لدعوة زعماء الدول الخليجية الى قمة في منتجع كامب ديفيد الرئاسي للاعلان عن المصالحة، لكن الفكرة لم تعد تبدو ممكنة في الأسابيع القليلة المتبقية للرئيس في البيت الأبيض.

أما فريق الرئيس المنتخب جو بايدن، فهو يكاد يتفق مع فريق ترامب على ضرورة رأب الصدع الخليجي.

وسبق لمسؤولي السياسة الخارجية في فريق بايدن، أن أعلنوا أن واشنطن في عهدتهم ستقوم بمحاولات لإعادة اللحمة بين واشنطن وحلفائها حول العالم، من ناحية، وبين حلفاء واشنطن بعضهم البعض، من ناحية ثانية، بما في ذلك بين الحلفاء الخليجيين.

الأربعاء، 23 ديسمبر 2020

ترامب يشتعل غضباً على فريقه... ويستخدم ألفاظاً نابية بحق كوشنر

 واشنطن - من حسين عبدالحسين

جريدة الراي


تؤكد كل التقارير المتواترة من البيت الأبيض، أن الرئيس دونالد ترامب يستشيط غضباً بشكل متواصل، وأنه يصب جام غضبه على كل واحد من أفراد فريقه، الذي يحاول أركانه تقنين زياراتهم للجناح الرئاسي في البيت الأبيض.

ويقول العارفون إن ترامب، الذي طرد وزيري الدفاع والعدل منذ خسارته الانتخابات، يشتعل غضباً ضد نائبه مايك بنس، وصهره كبير مستشاريه جارد كوشنر، وزعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل.

وكانت حملة «مشروع لينكولن» - التي أسسها ستيف شميت الذي سبق وأن أدار الحملة الانتخابية الرئاسية للسناتور الجمهوري الراحل جون ماكين العام 2008 - بثت إعلاناً سياسياً مدفوع الثمن، أشارت فيه إلى ابتعاد بنس عن ترامب وتفاديه زيارة البيت الأبيض.

وبنس يحمل في جيبه آخر ورقة للمصادقة على انتخاب جو بايدن، رئيساً، في الجلسة، الشكلية عادة، التي يعقدها الكونغرس بغرفتيه في السادس من يناير المقبل.

ويترأس بنس الجلسة كون نائب الرئيس، هو الرئيس حكماً لمجلس الشيوخ.

ترامب مازال متمسكاً برواية فوزه بانتخابات الثالث من نوفمبر الماضي، ويعتقد أنه «تمت سرقتها منه»، وهو لذلك مازال يسعى لتدبير خطط لنسف نتائجها وقلبها.

ويمكن لبنس أن يحوّل الجلسة الى حفلة تهريج تنسف المصادقة.

وسبق لترامب، عبر سلسلة من التهديدات عبر موقع «تويتر»، أن أجبر 125 من أعضاء مجلس النواب الجمهوريين البالغ عددهم 203، بمن فيهم زعيمهم كيفن ماكارثي، على التوقيع على الدعوى التي رفعها وزير عدل ولاية تكساس أمام المحكمة الفيديرالية العليا للطعن بنتائج انتخابات ولايات بنسلفانيا وميتشيغن وويسكونسن ونيفادا واريزونا وجورجيا، وهو ما يعني أن هؤلاء النواب تبنوا، رسمياً، رواية ترامب القائلة بحصول تزوير في الانتخابات.

لكن المحكمة العليا رفضت الاستماع للدعوى بعد اعتبارها بلا أسس قانونية.

يأمل ترامب أن تؤدي مشاغبة الجمهوريين في الكونغرس، فضلاً عن تمرد بنس أثناء قيادته الجلسة، الى الإطاحة بعملية المصادقة، وتالياً وقف عملية نقل السلطة منه الى بايدن.

لهذا السبب، يبتعد بنس عن الأضواء، إذ هو يسعى لتفادي التعليق على مواقف الرئيس الرافضة للنتائج، وفي الوقت نفسه يحاول تفادي الاعتراف بالنتائج علناً، حتى لا يثير حنق ترامب ضده.

لكن المسايرة لا ترضي الرئيس المنتهية ولايته، إذ هو يتوقع من كل أفراد فريقه ولاءً مطلقاً وتأييداً له، في كل ما يقوله أو يفعله.

وسبق لترامب أن طرد وزير العدل بيل بار، الذي خاض مواجهة معقدة ضد الديموقراطيين أثناء محاولتهم خلع الرئيس الجمهوري في الكونغرس، لمجرد أن بار قال إن وزارته لم تعثر على أي تزوير من شأنه أن يؤثر في نتائج الانتخابات.

وبعد خروجه من الحكم، واصل بار تصريحاته التي تثير غضب ترامب، فقال إنه لا يعتقد أن هنتر، نجل الرئيس المنتخب جو بايدن، ارتكب جرائم مالية تستحق تعيين محقق خاص للنظر بها.

والى غضبه على بنس وبار، تشير التقارير الى أن ترامب غاضب كذلك على صهره كوشنر، الذي وجد في موضوع رعاية عملية السلام في الشرق الأوسط، والتوصل لاتفاقات تطبيع مع إسرائيل، عذراً وجيها للبقاء في الخارج، وخارج واشنطن خصوصاً.

وكوشنر حالياً، في عداد الوفد الأميركي الذي شارك في مراسم افتتاح مكاتب تنسيق وارتباط بين إسرائيل والمغرب.

ونقل بعض العاملين في البيت الأبيض، أن ترامب استخدم ألفاظاً نابية بحق صهره، وسأل عن مكان تواجده بالقول «أين هو ابن كذا وكذا»؟

ثالث أهداف غضب ترامب، هو ماكونيل، وهذا على عكس بنس وكوشنر، مسؤول منتخب في ولايته، ولا يدين في منصبه للرئيس الأميركي.

مع ذلك، قام ترامب بارسال جدول الى ماكونيل يُظهِر شعبية زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ على مدى الأسابيع التي سبقت انتخابه في 3 نوفمبر.

وأظهر الجدول أن ماكونيل كان متقدما على منافسه بـ 11 نقطة مئوية، ثم بعدما صرّح ترامب، في تغريدة، بأن ماكونيل هو من الأساسيين في حملة «جعل أميركا عظيمة مرة ثانية»، ارتفعت شعبية السناتور الجمهوري بواقع سبع نقاط، وابتعد في الصدارة عن منافسه الديموقراطي بواقع 18 نقطة مئوية.

وسط غضبه العارم على أقرب المقربين إليه، يعزّي ترامب نفسه باحاطة نفسه بقيادات صف ثاني وثالث، ممن يوافقونه في كل آرائه، ويصفقون له، ويدعونه للمضي قدماً في نظرياته عن التزوير الانتخابي وعن إمكانات مواجهتها.

في هذا السياق، تبنّى ترامب تصريحاً منسوبا للجنرال السابق مايكل فلين، مستشاره السابق للأمن القومي، الذي أصدر الرئيس الأميركي عفواً خاصاً عنه ضد التهم التي كانت تقوده الى السجن.

ومما قاله فلين إنه على القيادة العسكرية مصادرة ماكينات التصويت في الولايات التي يزعم ترامب أنها تعرضت للتزوير، وفحص الماكينات، وربما إعادة إجراء الانتخابات، وهي دعوة رفضتها علنا المؤسسة العسكرية، التي أكدت بأنها لا تتدخل في الانتخابات، بأي شكل من الأشكال.

كما يعتقد ترامب أنه يمكنه الإيعاز لوزارة الأمن القومي للقيام بالدور نفسه، أي مصادرة الماكينات الانتخابية، وفحصها لتأكيد عملية التزوير، وهو ما ينسف الانتخابات ونتائجها، ويفرض إعادتها، على الأقل في الولايات التي يزعم ترامب أنها قامت بالتزوير الانتخابي أو تعرضت له.

لكن النظريات التي يتمسك بها ترامب تدور في فلك أقصى اليمين المتطرف، الهامشي، الذي لا يعدو كونه أكثر من ضوضاء بعيدة عن الحياة اليومية، ولا يؤثر في الديموقراطية الأميركية أو العملية الانتخابية، وهو ما تدركه غالبية المسؤولين في الحزب الجمهوري، بعضهم من أظهر شجاعة في إدارة ظهره لترامب وتقديم التهنئة لبايدن، وبعضهم ممن لا يزال يساير ترامب خوفاً من أن يسلّط عليهم الرئيس - الذي تنتهي ولايته في 20 يناير المقبل - غضب قاعدته الجماهيرية، وهو ما قد يكلفهم منصبهم في الدورة الانتخابية المقبلة.

لكن الى متى يحافظ ترامب على مقدرته على الإمساك بجزء لا بأس به من القاعدة الشعبية للحزب الجمهوري؟ رهان الحزبيين هو أن نجم ترامب سيخفت حتماً لحظة خروجه من البيت الأبيض، لكن في حال لم تخفت هذه النجومية، فإن ترامب سيواصل عملية تحطيم الحزب الجمهوري الى أن يخرج من يقف في وجهه ويتسلم القيادة بدلاً منه.

الثلاثاء، 22 ديسمبر 2020

لبنان خارج نقاشات السياسة الخارجية الأميركية المقبلة

واشنطن - من حسين عبدالحسين

استعداداً لتسلم الرئيس المنتخب جو بايدن، السلطة في 20 يناير المقبل، تتسابق اللوبيات المختلفة داخل العاصمة الأميركية لفرض مقربين منها داخل الإدارة المقبلة، وتسعى لتسويق وجهة نظرها، ومحاولة حمل الإدارة الجديدة على تبنيها كجزء من السياسية الخارجية للسنوات الأربعة المقبلة.

أصدقاء إسرائيل يسعون الى الحفاظ على مكانتها كأقوى حليف للولايات المتحدة، بعد بريطانيا وفرنسا، ويسعون لحمل بايدن على التنسيق مع الدولة العبرية في الملف الإيراني، فيما اللوبي الإيراني يترقب عودة بايدن للاتفاقية النووية مع إيران بلا شروط، ويقوم ببث الدعاية اللازمة للعودة لإقناع الرأي العام الأميركي بجدواها.

وهناك لوبيات متنوعة، منها من يسعى الى تخفيضات جمركية، أو عقود أسلحة، أو حمل الجيش الأميركي على إقامة قواعد على أراضيه، اما خوفاً من الخطر الصيني أو الروسي، واما أخطار أخرى.

على أن اللافت، أن بعض الدول العربية، التي كانت تتصدر النقاش الأميركي قبل سنوات، مثل لبنان، لم تعد في هذا النقاش، خصوصاً أن غالبية السياسيين اللبنانيين يعتقدون أن أزماتهم وحلولها ترتبط بهوية حكام واشنطن، وهذا غير صحيح.

لبنان يعيش بحكومة تصريف أعمال منذ العاشر من أغسطس الماضي، فيما يسعى الرئيس المكلف سعد الحريري لتشكيل حكومة بديلة.

قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، تظاهر اللبنانيون أنهم كانوا ينتظرون النتائج حتى يبنوا حكومتهم في ضوئها، لكن من غير المفهوم كيف يرى هؤلاء اللبنانيون أي فارق في سياسات الرئيس دونالد ترامب وخلفه المرتقب بايدن، تجاه لبنان.

الأهمية الاستراتيجية للبنان منخفضة منذ أن تخلت إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن عن سياسة نشر الديموقراطية، والتي نال بموجبها لبنان اهتماماً كبيراً أدى الى إجبار الرئيس السوري بشار الأسد على سحب قواته من لبنان.

لكن بعد ذلك، صار اهتمام واشنطن شبه منعدم بلبنان وشؤونه، ولا يتعدى الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لغالبية دول العالم لناحية مساعدتها على بناء قدرتها على حكم نفسها، وتقديم مساعدات إنسانية، وأخرى مادية طفيفة، فضلاً عن تدريب برامج لشرطة أو الجيش.

تقليديا، تهتم الولايات المتحدة بمساعدة الدول على ممارسة سيادتها ومنع تحولها الى «فاشلة»، لأنها تتحول الى مصدر للاجئين والإرهاب وغيره.

الاهتمام الأميركي بلبنان لا يتعدى هذا الاهتمام العام بشؤون الحكومات حول العالم، ولا يرقى ليدخل في حسابات الولايات المتحدة الاستراتيجية، باستثناء «حزب الله»، الذي تصنفه تنظيمياً إرهابياً تابعاً لإيران، وتالياً فإن سياستها تجاه هذا الحزب هي جزء من سياسة واشنطن تجاه طهران.

ارتباط سياسة واشنطن تجاه الحزب بسياستها تجاه طهران، قد يكون أدى الى اختلاط الأمور لدى غالبية السياسيين اللبنانيين، لكن الواقع هو أن لبنان لن يتأثر كثيراً بغض النظر عن سيد البيت الأبيض ووضع العلاقات بين واشنطن وطهران.

مثلا الرئيس السابق باراك أوباما، الذي وافق على الاتفاقية النووية مع إيران في 18 أكتوبر 2015، لم يتوان في 18 ديسمبر من العام من نفسه، عن توقيع القانون الذي أصدره الكونغرس، بالاجماع، وحمل اسم قانون العقوبات ضد «حزب الله».

الإيرانيون، الذي كانوا ضمّنوا الاتفاقية بنداً اعتبر أن قيام واشنطن بفرض أي عقوبات على إيران من شأنه القضاء على الاتفاقية، لم يعيروا قانون العقوبات على «حزب الله» أي اهتمام، ولا هم اعترضوا لدى الأميركيين، بل مضوا قدما بالاتفاقية التي حرمت الحزب من التعامل عبر النظام المصرفي العالمي، لكنها حررت أموالاً إيرانية مجمدة بلغت نحو 150 مليار دولار، وسمحت للإيرانيين بالعودة الى النظام العالمي.

وبتوقيعه العقوبات على «حزب الله»، لم يخرج أوباما عن الاتفاقية مع إيران، إذ أن طهران نفسها هي التي أصرت على صيغة رفع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها مقابل تجميدها برنامجها النووي.

أما العقوبات التي تفرضها أميركا والعالم على طهران بسبب برنامجها الصاروخي و«دعمها الإرهاب»، أي دعمها للميليشيات الموالية لها في عموم المنطقة، فهي لم تدخل في إطار التسوية بين العالم وإيران.

هكذا واصل أوباما فرض العقوبات على طهران باستثناء السماح لها بتصدير نفطها والحصول على عائداته، وهكذا سيعود بايدن الى هذا الترتيب نفسه، من دون رفع عقوبات الصواريخ والإرهاب.

ومع أن الرئيس المنتخب ألمح الى أن أي عودة للاتفاق قد تتضمن شروطاً مرتبطة بموضوع الصواريخ، لكن الصورة النهائية لسياسته لم تكتمل بعد.

وفي ما يرى بعض الخبراء، أن عودة إيران الى تصدير النفط كافية لإنعاش الخزينة التي تمول «حزب الله»، إلا أن تصدير مليوني ونصف المليون برميل نفط يومياً سيعود على طهران بنحو 40 ملياراً فقط، وهذه الأموال ليست كافية لتحسين وضع الدول الأربع التي لدى إيران نفوذ كبير فيها، أي لبنان والعراق واليمن وسورية.

العراق مثلا، يصدر أكثر من إيران، وعائداته النفطية اليوم غير كافية لوقف انهيار سعر صرف الدينار أمام العملات الأجنبية.

ربما يتحسن وضع «حزب الله» المالي، ومعه وضع بعض حلفائه الذين ينفقون على أزلامهم، لكن الاقتصاد اللبناني في حفرة عمقها مئة مليار دولار من الدين، وحتى لو توصلت بيروت لاتفاقيات مع المنظمات المالية الدولية للحصول على 11 مليار دولار التي تم رصدها في «مؤتمر سيدر» مقابل إصلاحات حكومية، إلا أن الأزمة أعمق بكثير من أي مساعدة دولية أو أموال إيرانية الى «حزب الله».

ومن غير المعقول الاعتقاد أن اقتصادات إيران والدول المرتبطة بها، يمكنها أن تعتاش على عائدات مليونين ونصف المليون برميل نفط يوميا. الأغلب أن الأموال تنعش النظام والميليشيات، لكن طوابير الخبز والمحروقات ستبقى في سورية، والاقتصاد اللبناني سيواصل انهياره، حتى بعد رفع العقوبات عن الإيرانيين.

لماذا فشل الربيع العربي؟

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بعد 10 سنوات على إحراق التونسي محمد البوعزيزي نفسه واندلاع سلسلة من التظاهرات الشعبية التي أطاحت بحكّام تونس ومصر وليبيا واليمن والجزائر والسودان، وأدت الى حروب أهلية في ليبيا وسوريا واليمن والعراق، يقف العالم العربي أمام قبور مليون ضحية، ويعاني من تهجير أكثر من 15 مليونا، وهي تكلفة مرتفعة جدا، خصوصا أنه لم يولد من رحم هذه المأساة إلا جمهورية واحدة، في تونس، ما تزال ديموقراطيتها فتية وعرضة للانتكاس في أي وقت.

نجحت هذه الشعوب العربية بالإطاحة بحكامها المستبدين، لكنها لم تنجح في بناء حكومات ديموقراطية بديلة، بل أن البدائل التي قدمها حكام "الربيع العربي" نافست بركاكتها ركاكة الاستبداد المندثر. كانت أولى قرارات حكام ليبيا تعديل قانون الأحكام الشخصية للسماح بتزويج القاصرين وتعدد الزوجات، وكأن مشكلة نصف قرن من استبداد معمّر القذافي كانت في قوانينه حول الزواج. ومثل في ليبيا، مضى حكام مصر في فرض ممارسات قارب بعضها الفكاهة: مثلا، تباهى اسلاميو مصر أنهم رفعوا الآذان داخل مبنى البرلمان، وكأن وصول الاسلاميين الى البرلمان هو فتح قسطنطينية وتحويل كنيسة آية صوفيا الى مسجد، أو كأن الجالس تحت قبة البرلمان لا يمكنه سماع آلاف المآذن التي تصدح في سماء القاهرة.

ومثل ثوريي ليبيا ومصر، راح اسلاميو سوريا ينقلون المناطق التي انتزعوا السيطرة عليها من حكم بشار الأسد الاستبدادي الى حكم إسلاموي قروسطوي، وكأن مشكلة الأسد لم تكن طغيانه، بل المشكلة أن طغيانه كان علمانيا، فيما المطلوب هو طغيان إسلاموي.

في الواقع، تصرفت الشعوب العربية التي انهار حكامها بنفس الطريقة التي تصرف بها العراقيون بعدما أطاحت الولايات المتحدة بطاغيتهم صدام حسين. وعلى الرغم أن العراق محسوب خارج الربيع العربي، لكن تجربة التغيير فيه تكاد تكون متطابقة مع التغيير في سوريا أو ليبيا أو اليمن: الكثير من الموت والدمار، ولا تقدم. أما المفارقة، فتكمن في أن ما جرى في الربيع العربي أكد أن انهيار العراق وفشل قيام ديموقراطيته لم يكن بسبب التدخل الأميركي، بل بسبب غياب ثقافة الحرية والديموقراطية بين العراقيين أنفسهم. 

الفشل في إقامة بديل ديموقراطي للاستبداد العربي موضوع حيّر كثيرين. مجلة "ايكونوميست" المرموقة عزت سبب الفشل العربي الى قيام الطغاة بالقضاء على الثقافة الديموقراطية، والتهديد بأن البديل الوحيد عن استقرارهم هو الفوضى. ما يفوت المجلة العريقة هو التالي: من أي أتى طغاة العرب؟

غالبية العرب تستهويها نظرية المؤامرة القائلة بأن الغرب الاستعماري، أي بريطانيا وفرنسا، أو الولايات المتحدة بعدهما، هي الدول التي أقامت الديكتاتوريات لأن الدول الغربية حاقدة على العرب والمسلمين ودولهم، وتخشى نهضتهم، وتعمل على إبقائهم في عوز وفقر وتخلف تحت حكم طغاة مطاوعين للغرب ورغباته. لكن نظرية المؤامرة هذه فاشلة، وتنم عن كسل لدى هؤلاء العرب في محاولة فهم أن الدول تسيرها مصالح، لا رغبات وحقد، وتنم كذلك عن كسل عربي في نقد الذات، والبحث عن مكامن الفشل لإصلاحه، اذ أنه من اليسير القاء اللوم في الفشل على الآخرين، وعلى رأي المثل، "من لا يعرف كيف يرقص يقول الأرض عوجاء".

طغاة العرب لم يأتوا من المريخ، ولا الغرب هو من نصبهم حكاما على دولهم. طغاة العرب، من العراقي صدام حسين الى الليبي معمر القذافي والسوريين حافظ الأسد وابنه بشار، هم نتاج ثقافة قبلية عنيفة مبنية على مبدأ "إما قاتل وإما مقتول". لا يتسع الحكم لغير طاغية واحد، ولا تتسع الدولة الا لعشيرة ومناصري هذا الطاغية، ولا تسامح حتى مع الاحلام بالتغيير.

الحرية ثقافة، لا يمكن لمن هو متسلط داخل منزله، على أمه وأخته وزوجته وأولاده، أن يكون حرا خارج المنزل، بل هو يساهم في تكريس ثقافة الأقوى، داخل البلاد، وداخل المنزل، وداخل غرفة الزوجية.

والديموقراطية مستحيلة في غياب الحرية. في السنوات الأولى التي تلت انهيار نظام صدام، ساد اعتقاد أن الانتخابات هي مفتاح الديموقراطية، وراح العراقيون يرفعون سباباتهم المطلية بالحبر البنفسجي للدلالة على قيامهم بالاقتراع وفخرا بالحرية. لكن تبين أن الاقتراع وحده لا يكفي، إذ هو يتطلب أن يدرك المواطن الارتباط بين خياره وبين مستوى معيشته، فالشيعي الذي يقترع لشيعي نكاية بالسنة ويزيد، قاتل الحسين، يسيء فعليا استخدام الديموقراطية، اذ أن المطلوب هو أن يختار المواطن المرشحين الذين يعتقد أن لديهم المقدرة على تحسين الاداء الحكومي، وتاليا معيشة العراقيين، فالانتخابات لا يمكنها أن تكون انتقاما لواقعة كربلاء وأحقية الحسين في الخلافة قبل 1340 عاما.

المواطنية عملية تحتاج الى علم وثقافة ومواظبة ومتابعة. كلّما كان المواطن أكثر دراية بشؤون الدولة والديموقراطية، كلّما كانت خياراته في الاقتراع أفضل، وكلّما تحسن أداء الدولة ومستوى معيشة المواطنين. لكن من أي تأتي الثقافة في عالم عربي لا يقرأ، بل يتناقل معلوماته في جلسات الشيشة وعبر ثرثرة واتساب؟ كيف يمكن تجفيف مستنقعات الجهل العربي - وهي الأرض الخصبة لانتشار نظريات المؤامرة - بدون أن يقرأ العرب؟ 




شعوب هذه الدول العربية ماتزال متأخرة عن اللحاق بركب الحضارة، وما تزال مشغولة بفحوص عذرية النساء، وجرائم شرف الرجال



في كتاب "دولة الإذاعة" لصديق طفولة صدام حسين، يقول إبراهيم الزبيدي إن صدام المراهق قال له إنه يرغب في أن يكون لديه يوما سيارة ومرافقين، وعندما سأله الزبيدي عن السبب، أجاب صدام "كشخة" أي "تباهي" باللهجة العراقية. لم تكن زعامة صدام أعمق من ذلك أبدا، فقط "كشخة" مطرّزة بشعارات "حزب البعث العربي الاشتراكي" الذي وضع فكره أستاذ المدرسة الابتدائية السوري ميشال عفلق.

ولم يكن خصوم صدام أعمق منه. السيد محمد باقر الصدر، كاتب باكورة المؤلفات الشيعية حول دور رجال الدين في الوصاية على الحكم، أصدر مؤلفات - مثل "فلسفتنا" و"اقتصادنا" - يخالها اتباعه أعمالا فكرية باهرة فيما هي عبارة عن انشاء كلامي، ومثله قريبه محمد محمد صادق الصدر، الذي يقتصر فكره على خطابات يوم الجمعة. أما ابن الأخير، أي مقتدى الصدر، فهو أكثر ضحالة من الصدرين، ولا مؤلفات معروفة له، فقط تصريحات مضحكة وبيانات صبيانية.

من أين ستأتي المواطنية إلى العراق؟ من سطحية صدام وعفلق أم من ضحالة الصدرين وبعدهما مقتدى؟ ومثل ذلك، من أين ستأتي المواطنية - ومعها الحرية والديموقراطية - الى سوريا أو ليبيا؟ من كتاب القذافي "الأخضر" أم من نظريته المضحكة إسراطين حول الصراع الاسرائيلي الفلسطيني؟ 

شعوب هذه الدول العربية ماتزال متأخرة عن اللحاق بركب الحضارة، وما تزال مشغولة بفحوص عذرية النساء، وجرائم شرف الرجال، وإطلاق النار في الهواء، حزنا ام احتفالا ام الاثنين معا. هي شخصية عربية ماتزال بحاجة لمؤلفات كثيرة مثل التي قدمها العراقي علي الوردي أو الفلسطيني هشام شرابي أو غيرهما. وهي حضارة عربية ليست بحاجة لمؤلفين ومؤلفات فحسب، بل لقارئين وقارئات، وما لم يتم ذلك، لن يأتي ربيع، ولن يكون في العالم العربي ورود.

السبت، 19 ديسمبر 2020

أميركا وإسرائيل تطوّران أنظمة دفاع جوي «تلجم» خطر الصواريخ الإيرانية!

واشنطن - من حسين عبدالحسين

يوم ردّت إيران على قيام الولايات المتحدة بقتل قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، مطلع هذا العام، أطلقت 11 صاروخاً بالستياً على قاعدة عين الأسد في العراق، التي تؤوي جنوداً عراقيين وأميركيين، بعدما أعلمت الأميركيين، عن طريق عراقيين، بأنها تنوي الهجوم، وهو ما أتاح للجنود إخلاء الثكنات والانتقال الى المخابئ المحصنة، وهو ما طرح السؤال التالي: غير الاستعراض الإعلامي، ما كان هدف طهران من تحذير الأميركيين لعدم إصابة أي منهم؟ يشير الخبراء الأميركيون الى أن الصواريخ أصابت ست بنايات في القاعدة، وخمسة منها سقطت في المحيط القريب. بإجراء الحسابات، بدا أن نسبة دقة الصواريخ البالستية الإيرانية تراوحت بين خمسة و10 أمتار، وهي دقة عالية جداً، مقارنة بالدقة المعروفة عن صواريخ «فاتح» و«قائم»، والتي كانت تراوح بين 300 و1000 متر.

دخول إيران عالم الصواريخ الذكية، غيّر الرؤية الاستراتيجية للقيادة العسكرية الأميركية. لكن هذه الصواريخ البالستية يمكن لمنظومة «باتريوت» اعتراضها. صحيح أن سعر المنظومة مرتفع، إذ يبلغ قرابة ملياري دولار مع تكلفة تناهز مليون دولار للصاروخ، إلا أنه اعتراض تقليدي ينهي الخطر البالستي الإيراني، ويعتقد الخبراء الأميركيون أنه لو كان في العراق بطاريات «باتريوت»، لحرمت الإيرانيين من إصابة القاعدة العسكرية.

لكن حيث تنتشر تقنية «باتريوت» الأميركية للدفاع الجوي، مثلاً في السعودية، عمدت إيران الى استخدام تقنية مغايرة، مثل الهجوم على المنشآت النفطية في سبتمبر 2019، الذي استخدمت فيه سبعة صواريخ كروز و18 طائرة مسيرة من دون طيّار، محشوة بالمتفجرات.

ويقول الخبراء العسكريون الأميركيون، إنه يمكن لـ «كروز» والمسيّرات، التحليق على علو منخفض بشكل لا تلحظه «باتريوت»، فيما لا يسمح صغر حجم «الدرون» للرادارات الأرضية المرتبطة بالمضادات الجوية، باكتشافها. ثم أن سعر «الدرون» يكاد يكون بالمجان مقارنة بسعر كل واحد من صواريخ «باتريوت».

هذه الثغرة بين الرادارات الأرضية و«باتريوت»، هي التي تعمد الولايات المتحدة على سدّها، حيث تقوم حالياً بتطوير منظومة دفاعية متخصصة من المتوقع أن تصبح جاهزة مع نهاية العام المقبل، وأن تدخل الخدمة مطلع 2022. لكن ماذا يفعل من يتعرضون لهجمات إيران والميليشيات الموالية لها، مثل الحوثيين في اليمن، إبان تعرضهم لهجمات بالمسيّرات من الآن وحتى توفر التقنية المطلوبة لهذا النوع من الدفاع الجوي؟ لسدّ الثغرة، قامت الولايات المتحدة بالتعاقد مع وزارة الدفاع الإسرائيلية لشراء بطاريات «القبة الحديد»، التي تبلغ تكلفة الواحدة منها 50 مليون دولار فقط، مع تكلفة 40 ألف دولار للصاروخ الواحد، في وقت تعمل الشركة الإسرائيلية «رافاييل»، المنتجة لهذه التقنية، مع شركة «رايثون الأميركية»، على إنتاج منظومة ثانية تحمل اسم «مقلاع داود»، وتبلغ تكلفة الواحدة منها 250 مليون دولار، مع تكلفة 50 ألف دولار للصاروخ الواحد.

الأسبوع الماضي، قامت إسرائيل بتجارب ناجحة في البحر المتوسط اعترضت بموجبها منظومة «مقلاع داود» صواريخ كروز و«درونز» كانت تحلق على ارتفاع منخفض، بينما تعتقد المؤسسة العسكرية الأميركية، أنه يمكن نشر رادارات متقدمة في المنطقة، ما يحسّن من قدرة اعتراض وتدمير الصواريخ والمسيرات الإيرانية.

في نهاية المطاف، تأمل الولايات المتحدة وإسرائيل بتحييد خطر الصواريخ الإيرانية الذكية، البالستية وغيرها، عبر إقامة أنظمة دفاع جوي متعددة الطبقات، منها ما هو للصواريخ البالستية التي ترتفع في الجو كثيراً قبل انخفاضها وهو ما يسمح لـ«باتريوت» بالتكفل بها، ومنها ما يسير منخفضاً فتعترضه «القبة الحديد» و«مقلاع داود».

وكلما زادت نسبة نجاح المنظومة الأميركية الإسرائيلية، كلّما تقلّصت قدرة إيران والميلشيات الموالية لها، مثل الحوثيين في اليمن و«حزب الله» في لبنان على ضرب أهداف تابعة للولايات المتحدة أو أي من حلفائها. الحرب الصاروخية هي المواجهة الجديدة في الشرق الأوسط، وهي التي حاول المعلّق في صحيفة «نيويورك تايمز» لفت أنظار الرئيس المنتخب جو بايدن وفريقه إليها في مقالة أورد فيها توماس فريدمان، أن «الهجوم الإيراني على المنشآت النفطية السعودية قلب المعادلات، ولم تعد المشكلة في النووي الإيراني، بل في الصواريخ الإيرانية».

ورد بايدن على فريدمان، في مقابلة مع فريدمان نفسه، قال فيها إنه بعد أن ترفع أميركا العقوبات عن إيران وتعيد طهران برنامجها النووي الى ما كان عليه في مايو العام 2018، تعود واشنطن إلى الحوار مع الإيرانيين حول موضوعي الصواريخ ودعمها الميليشيات في عموم المنطقة.

لكن الرئيس الإيراني حسن روحاني، رد على المقابلة، في حوار متلفز، الأسبوع الماضي، قائلاً إن طهران لم توافق يوماً على التفاوض على برنامجها الصاروخي، ولن توافق مستقبلاً، و«السيد بايدن يعرف ذلك جيداً».

من المؤكد أن بايدن يعلم أن الإيرانيين رفضوا إدراج الصواريخ في الاتفاقية النووية، فبقيت الصواريخ والعقوبات الأميركية المتعلقة بها خارج الاتفاقية، وقام الرئيس السابق باراك أوباما برفع العقوبات المرتبطة بالشأن النووي على إيران، ولكنه لم يرفع العقوبات المرتبطة بالصواريخ ولا بموضوع الميليشيات. وهو ما يطرح السؤال التالي: هل ينوي بايدن إعادة العقوبات على قطاع إيران النفطي وعلى الشحن البحري والمصرف المركزي، بعد أن يرفعها بسبب عودته للاتفاقية النووية، ولكنه يربطها هذه المرة برفض إيران التفاوض على صواريخها؟ أم أنه سيترك إيران تمضي في تطوير وصناع الصواريخ الذكية وتزويدها لـ«حزب الله» والحوثيين والميليشيات في العراق وسورية، مقابل تطوير أنظمة دفاع جوي في إسرائيل ودول الخليج تعترض هذه الصواريخ الإيرانية بنسبة مئة في المئة وتحيل التهديد الصاروخي الإيراني إلى هباء.

المؤسسة العسكرية الأميركية تعمل غالباً بغض النظر عن الاتفاقيات السياسية. على مدى العقود الماضية، قامت واشنطن بصناعة نظام دفاع صاروخي، حقق - في اختبار الشهر الماضي في المحيط الهادئ - نجاحاً باهراً باعتراضه صواريخ بالستية عابرة للقارات، وهو ما يحيل الترسانتين النوويتين الروسية والصينية الى غير ذي فائدة، ويسحب ورقة «الردع المتبادل» التي تحملها موسكو وبكين في وجه واشنطن.

فهل تواصل المؤسسة العسكرية الأميركية، بالتعاون مع نظيراتها في إسرائيل ودول الخليج، العمل على تحويل ترسانة إيران والحوثيين و«حزب الله» الى صواريخ بلا فائدة، بغض النظر عن التسويات السياسية الممكنة مع إيران؟

الخميس، 17 ديسمبر 2020

عدم كبح جماح نشاط الحوثيين قد يجرّ واشنطن إلى صراع مع طهران

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تداولت الأوساط المعنية في واشنطن، أن إدارة الرئيس دونالد ترامب، في شهرها الأخير في الحكم، تستعد لإدراج تنظيم «أنصار الله» اليمني، الذي يتزعمه عبدالملك الحوثي، على «لائحة التنظيمات الإرهابية» التابعة لوزارة الخارجية، وهو ما قد يحسم جدلاً دائراً منذ سنوات حول جدوى هذه الخطوة، وتأثيرها على العملية الديبلوماسية الهادفة لإنهاء الحرب في اليمن، وحرمان يمنيين كثيرين ممن يسكنون تحت سيطرة الحوثي من تحويلات أقاربهم في الخارج ومن المساعدات الإنسانية الدولية.

ومنذ أن تصاعد النقاش حول إمكانية تصنيف إدارة ترامب، للحوثيين «تنظيماً إرهابياً»، تحركت دوائر كثيرة في العاصمة الأميركية، تصدرتها مجموعة «أصدقاء إيران»، وقامت بنشر دراسات ومقابلات ومقالات معارضة للخطوة المحتملة، في وقت قام مؤيدو التصنيف بمحاولة تفنيد الادعاءات المؤيدة للحوثيين.

ويقول معارضو التصنيف، إنه من شأن إدراج «أنصار الله» على لائحة الإرهاب أن يؤدي الى تعثر المفاوضات الجارية معهم بهدف إنهاء الحرب، بينا يرد مؤيدو التنصيف بأن بعض كبار قادة الحوثيين هم من المصنفين على لوائح الإرهاب التابعة للأمم المتحدة، وأن ذلك لم يعرقل أي مفاوضات معهم، بما فيها التي جرت برعاية موفدين دوليين.

المعارضو يشيرون أيضاً الى أن التنظيم لا يستوفي شروط التنظيمات الإرهابية، اذ هو بمثابة تمرد محلي مسلّح. ويشير الباحثان في معهد بروكنغز جون آلن وبروس ريدل، إلى أن تنظيم الحوثيين «لم يسبق أن اعتدى على أميركيين أو على إسرائيليين»، رغم أن شعار التنظيم فيه دعوات الموت لأميركا وإسرائيل ولعنة على اليهود.

ويطالب «أصدقاء إيران» بأن تحصر الولايات المتحدة رؤيتها للتنظيم اليمني على أنه تمرد مسلح، على غرار تنظيم «طالبان» الأفغاني، والذي لا تدرجه واشنطن على لائحة التنظيمات الإرهابية، بل دأبت على عقد جلسات مفاوضات مع «الطالبان» للتباحث في إنهاء الحرب وانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان.

لكن مركز الأبحاث الأميركي «مشروع مكافحة التطرف» يشير الى أنه سبق للحوثيين، في العام 2015، أن قاموا باختطاف خمسة أميركيين في اليمن، قضى أحدهم أثناء الاعتقال، فيما أفرج عن الآخرين في وقت لاحق.

وعلمت «الراي»، أن وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة والعاملة في اليمن، عمدت الى سحب نحو 20 من العاملين فيها ممن يحملون الجنسية الأميركية تحسباً لإمكانية قيام إدارة ترامب بادراج «أنصار الله» على «لائحة الإرهابية»، مع ما قد يعني ذلك من ردود فعل حوثية تتضمن الاعتداء على عمال الإغاثة الإنسانية الأميركيين أو اختطافهم.

الخوف الأكبر لدى معارضي «التصنيف الإرهابي»، يتمحور حول تأثيره على عمل وكالات الإغاثة الدولية الإنسانية في اليمن، ويضربون مثالاً على ذلك سورية، حيث يشير تقرير صادر عن «مكتب مدير التنسيق المقيم في سورية»، التابع لوكالة «الأسكوا»، أن للعقوبات الأميركية والأوروبية، بعض التأثير، وان كان طفيفاً، على عمل منظمات الإغاثة.

وجاء في التقرير الأممي أنه «من خلال طرق مختلفة، تمنح عقوبات، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي (على سورية) أذونات محددة للسماح بأنشطة في سياق العمل الإنساني».

ويضيف: «مع ذلك، وجد التقرير أن التطبيق العملي لاستخدام هذه الأذونات يقترن بمخاطر تنظيمية واسعة، ويمكن في بعض الأحيان أن يعوق إيصال المساعدة للسكان المدنيين المحليين».

وأضاف أن المشاركين في تقديم المشاريع الإنسانية يشيرون باستمرار الى أن «طبيعة المحظورات، وإطار الترخيص ومتطلبات الرقابة على الصادرات، والعناية الواجبة المرتبطة بها، وتوقعات إدارة المخاطر، غالباً ما تتطلب تحليلاً قانونياً مكلفاً، وتعمل كعائق في السلاسة والتسليم السريع للمساعدات الإنسانية».

وكان مساعد وزير الخارجية الأميركي تيموثي ليندركينغ قال للصحافيين، في حوار الأسبوع الماضي، إن استهداف المدنيين من قبل حوثيي اليمن و تعميق علاقاتهم مع «الحرس الثوري الإيراني»، وقيامهم بعمليات الخطف، كلها تدفع إدارة ترامب لتدارس إدراج الحركة على لائحة التنظيمات الإرهابية.

وأضاف: «لو كانت هذه الأشياء لا تحدث لما كنا اليوم نتناقش في إمكانية تصنيفهم حركة إرهابية، فسلوك الحوثيين يشبه سلوك التنظيمات الإرهابية». وتابع: «إذا كان الحوثيون ينوون لعب دور كلاعب سياسي شرعي داخل اليمن، فعلى أنشطتهم هذه أن تتوقف».

إلا أن الأنشطة الحوثية التي تصفها وزارة الخارجية بـ«الإرهابية»، قد لا تكون الوحيدة التي تزعج واشنطن. ويشير تقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية، المرموق، إلى أنه في وقت «اتخذت الأطراف في اليمن بعض الخطوات نحو إنهاء العنف، فإن استمرار حيازة الحوثيين واستخدامهم للصواريخ البعيدة المدى والطائرات من دون طيار يعقد آفاق عودة الاستقرار».

ويورد التقرير، الذي أعده ايان وليامز وشعان الشيخ، أن «وجود جهة معادية على جانب السعودية الجنوبي ترمي مقذوفات بعيدة المدى يزيد، بشكل كبير، من المخاطر بالنسبة للمملكة، ما يجعلها أقل استعداداً لقبول دور قوي للحوثيين في حكومة يمنية مستقبلية».

ويتابع أنه «اذا لم يتم كبح جماح نشاط الحوثيين الصاروخي، فقد يؤدي إلى توسيع الصراع عن غير قصد، وربما يجر الولايات المتحدة إلى صراع مباشر مع إيران».

ويختم: «سيكون التخفيف من تهديد الصواريخ الحوثية مكوناً ضرورياً لأي سلام دائم».

التوصل لسلام في اليمن يبدو عملية معقدة. والحكومة طالبت واشنطن بإدراج «أنصار الله» على لوائح الإرهاب، فيما يشير الخبراء الأميركيون الى صعوبة التوصل الى سلام من دون قيام حكومة يمكنها وقف الخطر الصاروخي الذي يمثله التنظيم على السعودية، ويصرّ «أصدقاء» إيران وبعض الخبراء أن تصنيف الحوثيين، إرهابيين، يفاقم في الأزمة ويعرقل سبل الحل.

الأربعاء، 16 ديسمبر 2020

لبيد يحضّ على «مسايرة» بايدن لا معارضته... إيرانياً

واشنطن - من حسين عبدالحسين

يبدو أن الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، تعمّد تفادي الإشارة الى إسرائيل عند حديثه عن نيته العودة للاتفاقية النووية مع إيران.

وقال إنه بعد العودة، ستنخرط واشنطن في حوار مع طهران حول دورها الإقليمي، خصوصاً تطويرها الصواريخ ودعمها الميليشيات، وسيشارك في الحوار حلفاء الولايات المتحدة، الخليجيون.

لكن ماذا عن إسرائيل التي عارضت الاتفاقية النووية منذ زمن الرئيس السابق باراك أوباما؟

في حوار مع عدد من المسؤولين الأميركيين السابقين، والباحثين، والمعنيين بشؤون السياسة الخارجية، قال زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد، إن الدولة العبرية - بكل أطيافها السياسية من اليمين واليسار والوسط - ترى أن اتفاقية العام 2015، «سيئة جداً، وتؤذي إسرائيل ومصالحها».

وألقى لبيد باللوم في مضي إدارة أوباما في توقيع الاتفاقية، على أداء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي آثر معارضة الرئيس الأميركي السابق، وتحريض الكونغرس ضده، وتلقينه درساً في التاريخ علناً، قبل لقاء ثنائي بينهما في البيت الأبيض.

بمعارضة أوباما، خرجت إسرائيل من الحسابات الأميركية أثناء المفاوضات مع إيران.

ويخشى لبيد من أن يبدأ نتنياهو في تعميم فكرة أن إدارة بايدن هي تتمة لإدارة أوباما، وهو ما يحيّد إسرائيل على مدى السنوات الأربعة المقبلة بدلاً من ابقائها في دائرة تدارس القرار داخل واشنطن.

ويعد المسؤول الإسرائيلي بأنه سيسعى لاقناع نتنياهو بضرورة مسايرة بايدن، وبأنه، لو قيض له تولي رئاسة الحكومة في حال حصلت انتخابات إسرائيلية جديدة، سيعمد الى تعميق الصداقة مع كل الجهات الأميركية، من ديموقراطيين وجمهوريين وغيرهم، في الإدارة كما في الكونغرس، ومحاولة اقناع الأصدقاء في واشنطن بأن الاتفاقية النووية «تؤذي» إسرائيل، ولابد من تعديلها، أو تعليقها، إن تعذر تعديلها.

الأصدقاء، يقول لبيد، يقنعون بعضهم البعض أكثر من الأعداء، وهو المبدأ نفسه الذي أسبغه زعيم المعارضة على الصداقة الماضية في التوسع بين الإسرائيليين والعرب.

ويضيف أنه يمكن للفلسطينيين رفض كل شيء، والتمسك بالوضع القائم، واستصدار القرار الرقم 500 في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد إسرائيل، لكن كل هذه السياسة الفلسطينية لم تثمر في الماضي ولن تثمر في المستقبل.

ويستشهد برئيس الحكومة الإسرائيلية الراحل آبا ايبان، الذي قال إن «الفلسطينيين لا يفوتون فرصة لتفويت فرصة».

أما الصداقة، على غرار معاهدات السلام الجديدة بين إسرائيل، من ناحية، والإمارات والبحرين والسودان والمغرب، من ناحية ثانية، فمفعولها أقوى بكثير.

ويقول لبيد إن 50 ألف إسرائيلي زاروا الإمارات في «عيد الأنوار» المعروف بـ «حانوكه»، ويعتبر أن لا تجربة لهؤلاء مع العرب باستثناء مع عرب إسرائيل، الذين يتكلمون العبرية.

في الإمارات، يتابع لبيد، سيتعرف الإسرائيليون الى عرب جدد لا يعرفونهم... «عرب أذكياء، وعصريون، وأصحاب وجهات نظر متعددة».

بعد نشوء صداقات واتساع الميزان التجاري بين إسرائيل والدول العربية، تصبح للطلبات العربية وزن أكبر لدى إسرائيل، التي ستخشى حينذاك، زعل الأصدقاء أو خسارتهم.

أما في حال استمرار المقاطعة العربية لإسرائيل، فان رأي المقاطعين لا يؤثر بالرأي العام الإسرائيلي، ولا برأي الحكومة.

ويمضي لبيد في الحديث عن إيران، ويرى ضرورة تزويد دول الخليج بأحدث التقنيات العسكرية ودعمها، لمنع نشوب مواجهة.

العلاقة الإسرائيلية مع أميركا، ليست ثنائية فحسب، بل معقدة وتتضمن جوانب عديدة من السياسة الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط.

المزاج العام الأميركي، منذ حرب العراق في العام 2003، انقلب الى مؤيد للانعزال عن العالم.

لكن هذا النوع من الانعزال لا ينهي مشاكل العالم، بل يفاقمها، مع محاولة القوى العالمية، مثل روسيا وإيران، السعي لملء الفراغ الذي يخلفه الانسحاب الأميركي، وهو انسحاب قد لا يكون عسكرياً بالضرورة، بل ديبلوماسي وسياسي ولا مبالاة أميركية.

مثلاً في المناظرات الرئاسية، بين بايدن والرئيس دونالد ترامب، وفي مناظرة نائب الرئيس، بين مايك بنس وكامالا هاريس، لم يقم أي من المحاورين بطرح أي من الأسئلة المتعلقة بالسياسة الخارجية، ولا حاول أي من المرشحين التعريج على هذه السياسة.

المزاج الأميركي يرغب في الانسحاب من كل العالم، فيما حلفاء الولايات المتحدة بحاجة إليها: اليابان وكوريا الجنوبية واستراليا بحاجة لأميركا في مواجهة الصين، وإسرائيل وعدد من الدول العربية، بحاجة لأميركا لمواجهة إيران، ودول أوروبا الشرقية وبعض العواصم الأوروبية الكبرى بحاجة لأميركا، لمواجهة روسيا.

إسرائيل هي واحدة من أقرب الحلفاء الى أميركا، وهي في مصافي العواصم الأوروبية الثلاث، لندن وباريس وبرلين. لكن على عكس الأوروبيين، تسعى إسرائيل - وحيدة - لإقناع واشنطن بضرورة تغيير سياستها المتوقعة تجاه إيران، وهي تنوي القيام بذلك - حسب لبيد وبعض أصدقاء إسرائيل في العاصمة الأميركية - بشكل مغاير عمّا فعلته أثناء رئاسة أوباما، اذ تنوي تقوية صداقتها واقناع أصدقائها بضرورة التخلي عن السياسة المتوقعة تجاه إيران، بدلاً من مواجهة البيت الأبيض سياسياً وشعبياً داخل الولايات المتحدة. أما من ينتصر من المدرستين الإسرائيليتين في التعامل مع واشنطن: نتنياهو وصدامه، أم لبيد وصداقاته؟ الإجابة تعتمد جزئياً على الرأي العام ومن سيرجح لقيادة إسرائيل.

حتى لو بقي نتنياهو، فهو لن يتجه للاصطدام مع بايدن، في حال شعر بأن الرأي العام الداخلي، وأصدقاء إسرائيل من الأميركيين، يعارضون هذا النوع من السياسة.

بعد ذلك، ما يبقى هو التكهن كيف ستتفاعل أميركا مع معارضة أقرب حلفائها، للاتفاقية، خصوصا أن إسرائيل تعتبر أن الأمر هو أبعد من السياسة، وأنه خطر يتهدد وجود الدولة العبرية نفسها.

الثلاثاء، 15 ديسمبر 2020

الكلية الانتخابية تثبّت فوز بايدن وتنهي حقبة ترامب

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أنجزت وفود الولايات الأميركية الخمسين ومقاطعة كولومبيا الفيديرالية عملية الإدلاء بأصواتها في الانتخابات الرئاسية في الكلية الانتخابية، ما أدى الى تثبيت انتصار الرئيس المنتخب الديموقراطي جو بايدن بـ 306 أصوات انتخابية، مقابل 232 للرئيس الجمهوري المنتهية ولايته دونالد ترامب، وهي نتيجة أكبر من التي انتصر فيها ترامب على منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون قبل أربعة أعوام.

وعلّق بايدن، الذي تلقى مساء أمس، التهنئة من زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، على تثبيت النتائج، ليل الاثنين، بالقول إن «هذه الانتخابات كانت أوضح برهان على إرادة الشعب الأميركي»، مضيفاً: «لقد حزت على أكبر عدد من الأصوات في تاريخ الانتخابات».

وكان بايدن حاز على أكثر من 81 مليون صوت، مقابل 74 مليوناً لمنافسه ترامب. كما شنّ بايدن، هجومه الأعنف حتّى اليوم على ترامب بسبب رفضه الإقرار بهزيمته، متّهماً إيّاه بـ«عدم احترام إرادة الشعب».

وفي خطاب ألقاه في مدينة ويلمنغتون (ولاية ديلاوير)، قال بايدن «هذا موقف متطرّف للغاية لم نشهده من قبل. موقف رفض احترام إرادة الشعب، ورفض احترام سيادة القانون، ورفض احترام دستورنا».

وتابع أن «السياسيين في بلادنا لا يأخذون السلطة بل الشعب هو الذي يمنحهم إياها».

واعتبر أن «الانتخابات كانت نزيهة وأشرف عليها أشخاص أمناء»، وأن «مسؤولين كباراً في إدارة ترامب شهدوا على نزاهة الانتخابات».

وختم مؤكداً أنه «حان وقت طي صفحة الانتخابات»، ووعد بأن يكون رئيساً لكل الأميركيين، لا لمن اقترعوا له فحسب.

وكان بايدن امتنع حتى اليوم عن مهاجمة ترامب علناً بسبب رفض الرئيس المنتهية ولايته الإقرار بهزيمته في الانتخابات، لكنّ هذا الموقف تغيّر بعد أن تكرّس فوز الديموقراطي رسمياً الاثنين بحصوله على غالبية أصوات كبار الناخبين.

ومن المفروض أن يقوم الكونغرس بغرفتيه، في جلسة عامة يترأسها نائب الرئيس مايك بنس، في السادس من يناير المقبل، بالمصادقة على هذه النتائج التي أعلنت نهاية حقبة ترامب، وهي حقبة بدأت منذ نزل المرشح ترامب على السلم الكهربائي قبل أربع سنوات، أمام مناصرين له، للإعلان عن ترشحه الى الرئاسة.

يومذاك، تعاملت كل وسائل الإعلام الأميركية مع ترشيح ترامب على أنه من باب الدعابة، لكن مع مرور الوقت والانتخابات التمهيدية داخل الحزب الجمهوري، راح يحصد الأصوات والانتصارات، التي كللّها بمفاجأة غير متوقعة كانت عبارة عن فوزه على كلينتون، بعدما كانت استطلاعات الرأي تجمع على خسارته وفوزها.

ومنذ ذلك التاريخ، سكن ترامب دائرة الضوء التي يعشقها، وشغل الإعلام على مدار الساعة عبر تغريداته التي كان يبثها في أوقات مختلفة من النهار والليل، وكانت تتراوح بين تهكم وهجوم على خصومه، وبين إعلاناته تعيين وزراء وعزلهم، أو إعلانه سحب القوات الأميركية من هذا البلد أو ذاك.

وواصل ترامب أسلوب حكمه عبر موقع «تويتر» والإعلام الى أن أطل وباء فيروس كورونا المستجد برأسه مطلع العام، وراح يغزو الولايات الأميركية.

شعر الرئيس بأن الفيروس كان يسرق منه الأضواء، واعتبره مؤامرة دبرها ضده خصومه، خصوصاً من الديموقراطيين، لإضعاف حظوظ فوزه بولاية رئاسية ثانية، وهو ما دفعه الى عقد مؤتمر صحافي يومي في الأيام التسعين الأولى بعد إعلان معظم الولايات الأميركية حجراً صحياً لوقف انتشار المرض.

في مؤتمراته الصحافية، لم يلتزم ترامب الحديث عن الفيروس وكيفية مواجهته، بل راح يغوص في عناوين متعددة، تارة يهاجم خصومه السياسيين، وطوراً يفاخر بانجازاته في السياستين الداخلية والخارجية، ثم يعارض لبس الكمامات الواقية، ويعود ليدعو الأميركيين الى الاستماع الى توصيات الخبراء.

ذاك الأداء المزري في التعامل مع الوباء أشعر أميركيين كثراً بأن ترامب ليس رئيساً، بل هو نجم تلفزيون الواقع مهجوس بحبه لنفسه وللظهور، وهو ما قضى على فرصه للفوز بولاية رئاسية ثانية، اذ ورغم الأداء القوي لحزبه في الانتخابات وهو أداء وسّع الكتلة الجمهورية في الكونغرس وقد يؤدي الى حفاظهم على الغالبية في مجلس الشيوخ إلا أن ترامب خسر ولايات تقدم فيها الجمهوريون على الديموقراطيين، ما يعني أن الجمهوريين أنفسهم قاموا بتشطيب الرئيس عن اللائحة الحزبية والاقتراع لها من دونه.

وبعدما صارت خسارة ترامب الانتخابات وخروجه من البيت الأبيض حتمية، تجاوز الرئيس، تقاليد الديموقراطية الأميركية القاضية بقيام الخاسر بتهنئة الفائز، وأعلن أنه تم التلاعب بالانتخابات في الولايات المتأرجحة، خصوصاً التي تأخر فرز نتائجها بسبب نسبة الاقتراع غير المسبوقة، والتي وصلت 66 في المئة، أي الأعلى في التاريخ الأميركي منذ انتخابات العام 1900.

لكن رفض ترامب النتائج لم يكن سببه عدم نيته الخروج من البيت الأبيض، بل كان لأسباب متعددة غير ذلك، أولها أن إعلان الرئيس عن إقامته حملة «دفاع عن الانتخابات» للطعن بالنتائج أمام المحاكم الأميركية سمح له بجمع التبرعات من المناصرين.

بعد نهاية الانتخابات، كانت حملة ترامب، التي عانت من شح في التأييد والتبرعات، راكمت ديوناً بلغت 100 مليون دولار.

أما حملة جمع التبرعات للطعن في نتائج الانتخابات، فجمع ترامب بموجبها 170 مليون دولار، استخدم غالبها لايفاء ديونه الانتخابية، وجزء منها لتمويل فريق المحاماة الذي خسر 64 دعوى من الدعاوى الـ 65 التي تقدم بها، والتي كانت أبرزها دعوى ولاية تكساس أمام المحكمة الفيديرالية العليا ضد ولايات بنسلفانيا وميتشيغن وويسكونسن، بتهمة ارتكاب تجاوزات انتخابية، وهي دعوى لم توافق المحكمة العليا، التي عيّن ترامب ثلاثة من قضاتها التسعة، بالنظر بها حتى.

ويمكن للمحكمة النظر بأي دعوى ان وافق أي من قضاتها على ذلك.

وساهم في تعميق أزمة ترامب للطعن في نتائج الانتخابات، التصريح الذي أدلى به وزير العدل بيل بار، والذي أكد عدم وجود تجاوزات تذكر في الانتخابات، وهو التصريح الذي أغضب ترامب، ودفع بار لإعلان استقالته قبل 35 يوماً فقط من انتهاء ولاية ترامب وبنس وكل الوزراء في 20 يناير المقبل.

وكتب ترامب في تغريدة الاثنين، «عقدت للتوّ اجتماعاً لطيفاً جدّاً مع المدّعي العام بيل بار في البيت الأبيض»، مضيفاً «كانت علاقتنا جيّدة جدّاً... بيل سيغادر قبيل عيد الميلاد لتمضية العطلة مع عائلته»، مشيراً إلى أنّه عيّن نائب وزير العدل جيف روزن وزيراً للعدل بالإنابة.

أما السبب الثاني لرفض ترامب خسارته الانتخابات، فمرده الى نية الرئيس الترشح لولاية ثانية في العام 2024، حسب ما نقل عنه مقربون.

لكن المقربين أنفسهم نقلوا أن ترشح ترامب ليس حتمياً، بينما اعتبر المراقبون أن ترامب يلوّح بإمكانية ترشحه للبقاء في دائرة الضوء، ولمواصلة إمساكه بالحزب الجمهوري وقاعدته، التي أظهرت استفتاءات الرأي أن 53 في المئة منها تؤيد ترشح ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

على أن عقلاء الحزب الجمهوري يدركون شبه استحالة فوزه بولاية ثانية بعد أربعة أعوام، وهم يعزون ذلك الى عدد من الأمور، أبرزها التعب والسأم الذي أصاب الأميركيين من ترامب وأخباره، فالرئيس الأميركي كان مازال جديداً ولماعاً يوم أعلن ترشيحه قبل أربع سنوات... لكن بعد أربع سنوات، لن يكون لدى ترشيح ترامب الحماسة نفسها التي كانت في 2016.

كذلك يخشى كبار قادة الحزب الجمهوري أن يؤدي إصرار ترامب على الإمساك بالحزب على خنقه وعرقلة عملية تطوره. للحزب حالياً ثلاثة مرشحين ممن يتمتعون بحظوظ انتخابية في 2024، وهم بنس، ووزير الخارجية مايك بومبيو، والسفيرة السابقة للأمم المتحدة نيكي هايلي.

ومن شأن تمسك ترامب بالأضواء وعدم إعلان تقاعده من العمل العام أن يحجب الضوء المطلوب لإعداد مرشحين يمكنهم منافسة الديموقراطيين في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ربما أدرك ترامب أن الأضواء التي تسلطت عليه يوم نزل السلم الكهربائي قبل أربع سنوات لم تكن بسبب نجوميته، بل بسبب النجومية التي تحوزها مؤسسة الرئاسة الأميركية، وهي النجومية التي انتقلت الى بايدن اليوم، وهجرت ترامب، ودفعته لمحاولة الاستعاضة عنها باستخدامه الحزب الجمهوري كمطية في محاولة مستميتة للبقاء في دائرة الأضواء.

بوتين يؤكد لبايدن استعداده لـ «التعاون»

موسكو - أ ف ب - هنّأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس، الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن على فوزه في اقتراع نوفمبر الماضي، معرباً عن أمله بأن ينحي البلدان خلافاتهما جانباً لتعزيز الأمن العالمي.

وتمنى بوتين لبايدن، النجاح، وقال «من طرفي، أنا مستعد للتعاون والتواصل معك».

وكان الرئيس الروسي بين آخر أبرز قادة العالم الذين فضّلوا الانتظار قبل تهنئة بايدن.

وفي رسالة التهنئة التي وجهها إلى بايدن، قال بوتين إن بلديهما «يتحمّلان مسؤولية خاصة حيال الأمن والاستقرار العالميين».

وأعرب عن ثقته بأنه بإمكان موسكو وواشنطن «رغم خلافاتهما، المساهمة حقاً في حل العديد من المشكلات والتحديات التي يشهدها العالم حالياً».

ويتوقع أن يتّخذ بايدن موقفاً أكثر تشدداً حيال روسيا مقارنة بسلفه دونالد ترامب.

وسبق أن انتقد بايدن، الرئيس المنتهية ولايته، خلال الحملة الانتخابية لـ «تقربه من العديد من المستبدين حول العالم، أولهم فلاديمير بوتين».

دول في الفضاء ودول تقارب المجاعة

حسين عبدالحسين

أعلنت إسرائيل، الأسبوع الماضي، نيتها إرسال مسبار "تكوين 2" إلى القمر، بعد فشل "تكوين 1" في الهبوط بشكل آمن، وارتطامه بالسطح، وتحطمه في أبريل 2019. في نفس الأثناء، أعلنت الأفران في لبنان وقفها بيع المناقيش، إحدى أكثر الأكلات الشعبية شيوعا، بسبب توقف الحكومة عن تسليم الأفران القمح المدعوم لاقتراب احتياطي العملات الأجنبية في مصرف لبنان المركزي من النفاد. بعد نفاد العملات، سيتعذر على دولة لبنان دعم القمح المخصص للخبز العادي، وهو ما يجعله خارج متناول القدرة الشرائية لغالبية اللبنانيين، وينذر باندلاع مجاعة.

وكما في لبنان، يقف السوريون في طوابير طويلة لشراء الخبر والمحروقات، ويعانون من شح مياه الشفة وانقطاع الكهرباء، ومثلهم اليمنيون والصوماليون، وشريحة كبيرة من العراقيين والليبيين. هذه الدول الست — لبنان وسوريا والعراق واليمن وليبيا والصومال — هي دول فاشلة، تشبه فنزويلا وغواتيمالا وهندوراس، وإلى حد بعيد، إيران. 

محيّر هو الفارق بين الدول الفاشلة والدول الناجحة. في حالة لبنان وسوريا، من جهة، وإسرائيل، من جهة أخرى، تكاد الدول الثلاث تشترك في كل شيء — الموقع الجغرافي، والطبيعة، والتاريخ —وهو ما يطرح السؤال: كيف يمكن لشعبين يسكنان على نفس الأرض أن يقيم أحدهما دولة ناجحة والآخر دولته فاشلة؟

إسرائيل دولة قامت قبل أن تحصل على أرض. يهود العالم أقاموا الوكالة الصهيونية بمبادرة ذاتية، ومولوها من جيوبهم، وتناوبوا على قيادتها بديمقراطية منحت اليهود الآخرين ثقة بالوكالة ومشروعها، واقترن ذلك بهجرة يهود إلى فلسطين تصرفوا باستقلالية ذاتية، فبنوا، وزرعوا، وأقاموا مؤسسات، فجاء إعلان قيام دولة إسرائيل في العام 1948 بمثابة تحصيل حاصل، واعتبر اليهود أن الدولة هي دولتهم التي بذلوا الغالي والنفيس في سبيل قيامها، وهم ما يزالون يحرصون على حسن سيرها بعيدا عن الفساد والانحراف.

هذا هو مفهوم الدولة وفقا لمعايير عصر التنوير الأوروبي: يتخلى كل مواطن عن حقه في استخدام العنف ويمنحه لدولته التي تحميه، ويموّل هذه الدولة من جيبه، فتكون الدولة بذلك ملكه، بالتساوي مع أقرانه المواطنين، ويقرر الجميع، بالاقتراع، من يدير الدول ويقرر سياساتها. طبعا إسرائيل ليست دولة مثالية، ولها حصتها من الفساد والتوتر المجتمعي وغير ذلك. لكن مقارنة بدول الجوار، مثل لبنان وسوريا والعراق، فإن إسرائيل دولة ناجحة جدا.

في لبنان وسوريا، يندر وجود المواطنين ممن يعون معنى المواطنية ومعنى ملكيتهم لدولتهم. الهوية في لبنان وسوريا والعراق عشائرية قبلية. يعاهد ابن العشيرة شيخها على الولاء، ويعاهد شيخ العشيرة ابنها على تيسير أموره المعيشية. هذا التيسير والزعامة يحتاجان إلى أموال لشراء الأزلام، والحصول على هذه الأموال يفرض الفساد، وهو فساد لا تمانعه الغالبية في لبنان، مثلا، حيث مقياس "الزعيم الآدمي" هو الذي "يأكل ويطعمي"، أي يوزّع مغانم فساده على شبكته الريعية. أما "الزعيم الفاسد" فهو من يتلكأ في مشاركة المغانم فيخلق فجوة بين ثرائه وفقر محازبيه. 

اللبنانيون والسوريون والعراقيون ينقصهم فهم الدولة وفقا لمعايير عصر التنوير الأوروبي، بل أن فهمهم سابق للتنوير، وهو فهم للعلاقة بين الحاكم والمحكوم يعود إلى العهود السحيقة، يوم كان ملوك المدن الفينيقية والحضارات العراقية والفرعونية يتولون مسؤولية تنظيم كل تفاصيل حياة رعاياهم، ولم تكن هذه الحضارات اكتشفت النقود، بل كان الملك يوزّع العمل على الرعايا، ويتكفل بإعانتهم وإطعامهم واكسائهم وإيوائهم. كانت الحضارات أكثر اشتراكية، وهو ما سمح لها بالقيام بما تعجز عنه حكومات اليوم، إذ أن الإبحار الفينيقي لم يمكن ممكنا بدون العمل الجماعي، وكذلك المجهود الزراعي، وبناء المعابد. كانت علاقة الناس بالملك، وكانت علاقة الملك بالله.

ثم اكتشفت مدينة يونانية على ساحل الأناضول (تركيا اليوم) مبدأ النقود، الذي تبناه الرومان ورفضه الفينيقيون. سمحت النقود للرومان بشراء المرتزقة والمؤن في أراض بعيدة عن روما، فيما اضطر الفينيقيون إلى إقامة خطوط إمداد طويلة لجيوشهم الغازية. روما تطورت ماليا واقتصاديا وفينيقيا لم تتطور، فعاشت روما وماتت فينيقيا وفقا لقانون "النشوء والارتقاء" الطبيعي. 

على أن النقود أعطت كل فرد قوة منفصلة عن الملك، فسعى الأفراد لتمويل علاقتهم مع الآلهة، فكانت المعابد وكان الكهنة، وصار صراع بين المعابد، الثابتة غالبا، والملك، المتغير أحيانا، وصار سباق بين الدين والدولة للفوز بحب الناس. الدين — الذي صار عشيرة — بدا أكثر ثباتا، فيما الدول متغيرة. هكذا هم الدروز في لبنان وسوريا وفلسطين، يرون أنفسهم ثابتين في أراضيهم فيما الحكام والحكومات تتداور وتتقلب، وهو نموذج له محاسن للبقاء، ولكنه قد يذوي في العولمة. 

اللبنانيون والسوريون والعراقيون والفلسطينيون لا يعرفون معنى الدولة ليمتلكونها، بل أن مفهوم الدولة يختلط عليهم، فتارة يخالون وطنهم دينهم ودولتهم حاكمهم، وتارة يعتقدون أن وطنهم أرضهم وأن دولتهم تتألف من زعماء أحسنهم "يأكل ويطعمي" وأسوئهم "يأكل وحده".

نجاح الدول من فشلها يعتمد على وعي مواطنيها، وفهمهم أن الدولة هي انعكاس لهم ولثقافتهم، فإن كانوا فاسدين كانت دولتهم فاسدة، وإن كانوا مشغولين بالقشور والدعاية كانت دولتهم وهمية مثلهم. أما إن كانوا مسؤولين، كانت دولتهم مسؤولة، وإن كانوا من الصادقين والمنتظمين في أوقاتهم وأعمالهم، تكون دولتهم كذلك.

في الولايات المتحدة، يقف الناس في الصف في انتظار دورها، بدون وجود حسيب أو رقيب، ومن يحاول تجاوز الصف، يرمقه المصطفون بنظرات ازدراء تمنعه من ذلك. النظام ثقافة. في لبنان، لا صف حتى بوجود الرقيب، ومن يقف في الصف، يرمقه الآخرون بنظرة استخفاف أنه "يخال نفسه في أميركا"، وأن على المرء أن يكون شاطرا، أو أن يتشاطر.

المكتوب يقرأ من عنوانه. إسرائيل — والإمارات وماليزيا — تواصل مساعيها لغزو الفضاء، فيما لبنان وسوريا وفنزويلا تعيش كابوس المجاعة.

الأربعاء، 9 ديسمبر 2020

«قانون نافالني» أوروبي على طراز «ماغنيتسكي» الأميركي

واشنطن - من حسين عبدالحسين

ولم تتأخر الولايات المتحدة عن حملة القوانين التي تستهدف فساد مسؤولي حكومات العالم وتبييض الأموال، إذ وافق الكونغرس بإجماع حزبيه على مشروع قانون من شأنه إغلاق كل الثغرات القانونية التي يمكن استغلالها للتهرب من الضرائب ولتبييض الأموال في الداخل، بما في ذلك القضاء على ظاهرة الشركات الوهمية المنتشرة بكثافة في الأوساط الأميركية مع حسابات لها في المصارف.

وعمد مشرعو الحزبين الديموقراطي والجمهوري، في غرفتي الكونغرس، النواب والشيوخ، الى إلحاق القانون المالي الجديد بقانون الدفاع السنوي، بقيمة 740 مليار دولار، وهو الذي يمول وزارة الدفاع والقوات الأمنية، وهو القانون الذي يصدر سنوياً بالاجماع وبقليل من العراقيل.

الرئيس دونالد ترامب، وقبل 42 يوماً من نهاية رئاسته بعد فشله في الفوز بولاية ثانية، يسعى بكل ما أوتي من قوة لمنع مرور قانون الدفاع المذكور - الذي وافق عليه مجلس النواب بغالبية ساحقة، الثلاثاء، ومن المتوقع أن يصوت مجلس الشيوخ عليه هذا الأسبوع - مهدداً باستخدام الفيتو الرئاسي الذي يعيد التشريع الى الكونغرس لإعادة النظر به والتصويت عليه، فإذا ما تمت المصادقة عليه مرة ثانية بغالبية الثلثين في كل من الغرفتين، يعود الى البيت الأبيض ويجبر الرئيس على توقيعه.

ترامب أعلن أن معارضته لقانون الدفاع ترتبط بالبند الذي ينص على إعادة تسمية كل القواعد العسكرية الأميركية التي تحمل أسماء ضباط ممن قاتلوا في صفوف الكونفيديرالية الجنوبية في زمن الحرب الأهلية، التي انتهت بانتصار الفيديرالية الشمالية.

ويؤيد الكونفيديرالية الجنوبية، التي انفصلت عن الاتحاد الفيديرالي بعد اصدار الرئيس الراحل ابراهام لينكولن أمر تحرير العبيد ورفضت تحريرهم، جزء من موالي ترامب وحزبه الجمهوري، خصوصا من أميركيي الجنوب.

لكن المراقبون الأميركيون اعتبروا أن حجة ترامب هي خطوة تحريض شعبوية للتعمية على ما يرفضه هو فعليا، أي قانون مكافحة الشركات الوهمية التي تسمح بتبييض الأموال والتهرب من الضرائب، خصوصاً أن لترامب وأصدقائه تجارب مع هذا النوع من الالتفافات المالية التي تكلف الخزينة الأميركية سنوياً خسائر تقدر بمئات مليارات الدولارات.

في أوروبا، يسعى المسؤولون الى استصدار تشريع اتحادي على طراز «ماغنيتسكي» المخصص لمكافحة فساد المسؤولين في حكومات العالم وتجاوزهم لحقوق الإنسان.

ويقول الديبلوماسيون الأوروبيون في العاصمة الأميركية إن القانون يتم اعداده لاستهداف حكومتين تقومان بـ«استخدام سلاح الارهاب» على الأراضي الأوروبية، وهما روسيا وإيران.

حكومة روسيا، حسب الديبلوماسيين الأوروبيين، عمدت لاستهداف عدد من معارضيها المقيمين في أوروبا في محاولات لتسميمهم واغتيالهم.

كما حاولت سرقة ملفات اللجنة المكلفة مكافحة تناول المنشطات الرياضية في الألعاب الأولمبية.

وكانت اللجنة الأولمبية علّقت عضوية روسيا بعدما ثبت تورطها في عمليات رعاية تناول رياضييها، المنشطات.

ويقوم المسؤولون الروس بعمليات تبييض أموال واسعة النطاق في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهي عمليات تمتد من قبرص الى بريطانيا، وتتضمن ايداعات نقدية وشراء شقق فاخرة.

هذه الأموال والشقق ستكون عرضة للتجميد مع صدور القانون الأوروبي، الذي اقترح بعض المسؤولين الأوروبيين اطلاق تسمية «قانون نافالني» عليه، تيمناً بالمعارض الروسي اليكسي نافالني، الذي تعرّض قبل أشهر لمحاولة تسميم أدت الى دخوله في غيبوبة، وتم نقله من روسيا الى ألمانيا حيث تمت معالجته، وهو بصدد التعافي ويعد بالعودة الى بلاده.

وفي فيينا، تجري حالياً محاكمة أحد الديبلوماسيين الإيرانيين، بتهمة تهريبه عبوة ناسفة وارسالها الى باريس، عبر ايرانيين في بروكسيل، لتفجير كان يستهدف الحفل السنوي لتنظيم «مجاهدين خلق» المعارض.

وتحمل غالبية هؤلاء المعارضين، جنسيات أوروبية، وتمثل أي حادثة اعتداء على أرواحهم اعتداء على دول أوروبا، وهو ما يدفع الاتحاد الى تشريع قانون لمحاسبة المسؤولين الايرانيين، على غرار الروس، ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم في أوروبا وحرمانهم تأشيرات الدخول لهم ولأفراد عائلاتهم.

ويقول المسؤولون الأوروبيون، إن قانون العقوبات المزمع المصادقة عليه، سيستهدف مسؤولين في ميانمار أيضاً، بسبب تورطهم بأعمال قمع بحق الأقلية من المسلمين، ومثل ذلك ضد مسؤولين صينيين متورطين بارتكابات ضد الأقلية المسلمة في الصين وضد معارضين في هونغ كونغ.

والى دول آسيا، يعتقد الأوروبيون أن عقوباتهم ستتضمن ما يحاكي «قانون قيصر» الأميركي، والذي يفرض عقوبات قاسية على سورية، وأركان نظام الرئيس بشار الأسد، فضلاً عن عقوبات بحق مسؤولين لبنانيين بتهم فساد.

ختاماً، تسعى الوزارات والوكالات الاستخباراتية الأميركية لدى نظيراتها الكندية لحثّها على إقرار تشريعات تستهدف وقف تدفق الأموال الإيرانية الى كندا.

ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن الأموال الإيرانية في كندا ليست لاستخدام المسؤولين وعائلاتهم فحسب، بل أن النظام يستخدم هذه الأموال لتمويل أنواع مختلفة من نشاطاته في كندا والولايات المتحدة، مثل تمويل عمل اللوبي الموالي له في البلدين، وتمويل شراء تقنيات عسكرية ومدنية تحتاجها طهران ويتم تهريبها إليها.

ومثلما في كندا، كذلك في استراليا، حيث تقيم جاليتان إيرانية ولبنانية ضخمتان، تقوم ايران والتنظيمات الحليفة لها باستخدام بعض افراد هاتين الجاليتين لتبييض أموال والافادة من وصول أفراد هاتين الجاليتين الى النظام المصرفي العالمي.

وكان لبنانيون يحملون جوازات سفر أسترالية وكندية ساهموا في هجمات لمصلحة ايران و«حزب الله» اللبناني على الأراضي الأوروبية، وهي مشكلة يسعى مسؤولو كندا واستراليا الى التعامل معها، بمساعدة أوروبية وأميركية.

مع عودة جو بايدن إلى البيت الأبيض وترميم تحالف الأطلسي، لن تعود «الحرب الباردة» بين أميركا وروسيا أو بين أميركا والصين، كما كانت في السابق، بل إن «الحرب الباردة الجديدة»، بأشكالها الاقتصادية والمالية والاستخباراتية، ستأخذ شكل المواجهة بين كتلتين، الكتلة الغربية بقيادة أميركا وأوروبا ومعها الحلفاء في كندا واستراليا واليابان وكوريا الجنوبية، ضد كتلة بقية العالم الذي لا يلتزم القوانين الدولية، الإنسانية والمالية.

الثلاثاء، 8 ديسمبر 2020

هل يستخدم بايدن إيران لأهداف داخلية «موقتة»؟

واشنطن - من حسين عبدالحسين

لا يزال الموقف الذي أدلى به الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن حول إيران، الأسبوع الماضي، مُحيّراً لغالبية المراقبين. في مقابلتين، واحدة مع صحيفة «نيويورك تايمز» وثانية مع شبكة «سي أن أن» التلفزيونية، جدّد بايدن ما سبق أن نشره حول إيران في مقالة، قبل انتخابه رئيساً، وكتب فيها أنه سيعود الى الاتفاقية النووية من دون مفاوضات، في حال التزمت طهران بنسب اليورانيوم المخصب وكميته، قبل انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاقية في مايو العام 2018.

قبل انتخابه، لم يكترث المراقبون لما قاله المرشح الديموقراطي للرئاسة حول إيران، لكن بعد انتخابه، أخذت تصريحاته منحى أكثر جدية، وأقلقت قطاعات واسعة، لا داخل حزبه الديموقراطي فحسب، بل بين الحلفاء الأوروبيين، في برلين ولندن وباريس، التي يبدو أنها قررت الرد عبر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، الذي قال في مقابلة مع «دير شبيغل» إن العالم لن يعود الى الاتفاقية النووية نفسها، بل إلى اتفاقية بنسخة جديدة تتضمن التوصل لتسويات مع طهران حول برامجها الصاروخية، وأيضاً تزويدها صواريخ لميليشيات في الشرق الأوسط، وفي شأن الدور الذي تلعبه طهران في المنطقة.

لفت تصريح الوزير الألماني أنظار الديموقراطيين المعارضين للعودة الى الاتفاقية بشكلها الحالي، فتواصل عدد منهم مع فريق بايدن الانتقالي المعني بالسياسة الخارجية للوقوف على رأيه.

ردة فعل الفريق الأولية، أشارت الى أنه على الرغم من إصرار الرئيس المنتخب ووزير خارجيته المعيّن انتوني بلينكن، على عودة الولايات المتحدة إلى تعزيز علاقاتها مع حلفائها وتنسيقها خطواتها الدولية معها، إلا أنه عملاً بمبدأ «رئيس واحد»، يمتنع فريق بايدن عن التواصل مع المسؤولين الأوروبيين الى ما بعد تسلمه السلطة رسمياً في 20 يناير المقبل.

ثانياً، شدد فريق بايدن على أن سياسة الرئيس المقبل ستتمسك بالتوصل لاجماع مع الحلفاء «الأوروبيين وإسرائيل والعرب»، حول إيران ومواضيع دولية أخرى.

فسّر الديموقراطيون المعارضون للعودة للاتفاقية النووية، المواقف المبدئية لدى فريق بايدن بالقول إنه «طالما لم يتسلم الرئيس المنتخب الحكم، فإن تصريحاته ستبقى في إطار المواقف السياسة الانتخابية».

ويبدو أن «أصدقاء إيران» في العاصمة الأميركية كانوا يخشون دوراً أوروبياً في تأخير عودة بايدن لاتفاقية فيينا، رغم أن الأوروبيين أنفسهم لم يخرجوا من الاتفاقية المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن الرقم 2230.

هكذا شنّ «أصدقاء إيران» حملة علاقات عامة في واشنطن والعواصم الأوروبية لضمان عدم عرقلة الأوروبيين العودة الأميركية.

في هذا السياق، نشرت الباحثة في «مجلس الأطلسي» باربرا سلافين، بالاشتراك مع الباحثة في «مجلس العلاقات الخارجية» الأوروبي ايلي قره نمايه، دراسة أوردتا فيها سلسلة من الاقتراحات للدور المطلوب من العواصم الأوروبية لعبه للتوصل الى تسوية دولية مع إيران.

وكتبت الباحثتان أنه في خضم تعدد الملفات بين الحلفاء عبر الأطلسي، إلا أن ملفاً واحداً منها يمكنه إعادة اللحمة بين ضفتي المحيط، وهو ملف إيران النووي.

ومضت الباحثتان في اعتبار أن المهمة الأولى لأوروبا تتمثل في الحفاظ على استمرار العمل بالاتفاقية حتى تفرغ الولايات المتحدة من عملية انتقال السلطة، وأنه يجب على الأوروبيين العمل داخل لجنة مشتركة، على مستوى وزراء الخارجية «لاستكشاف أفضل السبل لترتيب العمل بالاتفاقية»، وأن المحادثات الأوروبية يجب أن تقوم بتحديد «معايير الصفقة الموقتة التي يمكن أن تقبلها إيران وإدارة بايدن بعد وقت قصير من تولي الإدارة الأميركية الجديدة مهامها».

خلال المرحلة الانتقالية، تقول الباحثتان، يمكن للعواصم الأوروبية الثلاثة «تحديد ما هو ضروري لإيران لتجميد الأنشطة النووية التي تتجاوز حدود الاتفاقية»، على أن يكون ذلك «مرتبطاً بحزمة تخفيف العقوبات من قبل إدارة بايدن».

وأضافت سلافين وقره نمايه، أنه «كما كان الحال في عام 2016، من المحتمل جداً أن تبقى البنوك الدولية متخوفة من تسهيل التجارة مع إيران، حتى لو تم تخفيف العقوبات الأميركية»، وهو ما يعني أنه «يتعين على مجموعة الدول الأوروبية الثلاث والولايات المتحدة تنشيط مجموعة عمل لجنة العقوبات المشتركة التابعة» للاتفاقية و«تنسيق خطة توعية رئيسية جنبا إلى جنب مع وزارتي الخارجية والخزانة والبنوك الأوروبية، لتخفيف المخاوف».

وختمت الباحثتان، أنه «في حين لا يمكن للحكومات الأميركية أو الأوروبية إجبار الشركات الخاصة على العودة إلى السوق الإيرانية، إلا أنها تستطيع توفير ائتمانات الاستثمار والتصدير والمساعدة الإنمائية، وهذ يجب أن يكون موجها نحو تعزيز القطاع الإيراني الخاص، وتعزيز شفافية المؤسسات المالية الإيرانية».

السعي الايراني لدفع أوروبا للبدء بعملية وساطة بين طهران وواشنطن، يشي بأن أصدقاء ايران مازالوا يخشون، أن تعقيدات العودة الى ما قبل الاتفاقية قد تجهض محاولة العودة الأميركية بأكملها، ما يطرح السؤال حول نسبة الدفع التي يرغب بايدن في توظيفها للعودة للاتفاقية النووية.

وكان أشار، في مقابلته مع «نيويورك تايمز»، إلى أنه سيعود الى الاتفاقية، ولكنه وصف العودة بـ «الصعبة».

اذا لماذا اتصل فريق بايدن بالصحيفة للإدلاء بمقابلة حول السياسة الخارجية المقبلة للرئيس المنتخب، خصوصاً حول إيران؟ مصادر داخل الحزب الديموقراطي لفتت الى أن بايدن واجه، في الأسابيع الأخيرة، ضغوطات من الجناح اليساري المتطرف في الحزب، والذي يقوده منافس بايدن السابق للرئاسة السيناتور بيرني ساندرز.

هذا الجناح شنّ حملتان ضد بايدن، واحدة ضد ميشيل فلورنوي (كانت مرشحة لمنصب وزيرة دفاع قبل اختيار الجنرال المتقاعد لويد أوستن للمنصب)، بسبب مواقفها المعروفة بمعارضتها لتسوية نووية حصراً مع إيران لا تتضمن تسوية حول الميليشيات والصواريخ في الوقت نفسه، وحملة ثانية شنها ساندرز ضد المرشحة لمنصب مديرة الموازنة نيرا تاندن، في الغالب بسبب قيام تاندن بلعب دور كبير في تغلب هيلاري كلينتون على ساندرز في الانتخابات الحزبية في 2016 للفوز بترشيح الحزب للرئاسة.

وتقول مصادر الحزب الديموقراطي لـ «الراي»، إنه قد يكون بايدن قد وجد في اطلاق التصريحات التي أدلى بها حول إيران، وسيلة لتشتيت انتباه جناح ساندرز وتخفيف الضغط على فريقه ريثما يتم الانتهاء من العملية الانتقالية، التي تتطلب حشد كل تأييد ممكن، خصوصاً في ضوء معارضة جمهورية متوقعة في مجلس الشيوخ ضد كل خطوة تعيين سيقوم بها.

كذلك، تعتقد المصادر نفسها أن بايدن مازال بحاجة لجناح ساندرز للابقاء على لحمة الحزب حتى 6 يناير المقبل، وهو اليوم المقرر لاجراء انتخابات دورة ثانية في ولاية جورجيا لتحديد فائزين بمقعدي مجلس الشيوخ. وفي حال خسر الديموقراطيون أيا من المقعدين، يضمن الجمهوريون سيطرتهم على الغالبية، وتاليا قدرتهم على تعطيل جزء كبير من برنامج عمل بايدن وتعييناته.

سوليفان: العودة للاتفاق أساس لمفاوضات لاحقة

أشار جاك سوليفان، الذي رشحه الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، لمنصب مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي، في مقابلة نشرتها صحيفة «وول ستريت جورنال»، أول من أمس، إلى إمكانية العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، كأساس لمزيد من المفاوضات مع طهران حول قضايا أوسع. وقال «أعتقد أن ذلك ممكن، وقابل للتحقيق». ووفقاً له، سترسخ عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، ورفع العقوبات عن طهران، الأساس لـ «مفاوضات لاحقة» حول مسائل أوسع.