الأحد، 31 يناير 2021

المؤسسة العسكرية الأميركية تفرض «خطوطاً حمراء» على إيران... وإلا الضربة

واشنطن - من حسين عبدالحسين
جريدة الراي


دأبت الأوساط المعنية بالشأن الإيراني في العاصمة الأميركية، على محاولة فهم مغزى مواصلة قاذفات «بي 52» الأميركية فوق الخليج، في ثالث طلعة لها في أقل من شهر وفي أولى طلعاتها في عهد الرئيس جو بايدن.


في زمن الرئيس السابق دونالد ترامب، كان بعض المراقبين يفسرون الطلعات الأميركية على أنها تهديدات لإيران، تصل حد التهور أحياناً، من قبل رئيس يغرق في أزماته السياسية والشعبية. لكن مع بايدن، اتخذت الطلعات التهديدية تفسيرات مغايرة، إذ إن الرئيس الأميركي مازال في بداية عهده، ولا يعاني من أزمات سياسية أو شعبية، ولا هو بحاجة للتلويح بحروب خارجية لتحسين صورته وشعبيته.


الإجابة الأكثر إقناعاً في الأوساط الأميركية، أن المؤسسة العسكرية والوكالات الاستخباراتية والأمنية تعمل باستقلالية عن السلطة السياسية، وتواصل استعداداتها، من دون الطلب إليها، بهدف ابقاء الخيارات العسكرية التي قد يحتاجها الرئيس متوافرة، أو على ما دأب الرئيس الأسبق جورج بوش الابن في ترداده في الموضوع النووي الإيراني أن «كل الخيارات الأميركية على الطاولة».


ويضرب العارفون بشؤون واشنطن مثال قيام الولايات المتحدة باغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، ويقولون إن أميركا تراقب وتتعقب عدداً من الشخصيات المعادية، الإيرانية وغير الإيرانية، بشكل متواصل، ولكنها لم تقم بتصفية سليماني إلا يوم قدمت الخيار لدونالد ترامب، وقام الرئيس السابق بطلب تنفيذ هذا الخيار.


في الأوساط العسكرية والأمنية، تشكل حيازة إيران سلاحاً نووياً «خطراً داهماً» على الأمن القومي داخل الولايات المتحدة، كما حول العالم، وهو ما يجبر القيادة الأمنية على مراقبة البرنامج الإيراني على مدار الساعة، ومواصلة تحديث الخطط الممكنة لنسف البرنامج بأكمله إن تبين أن طهران تقترب من إنتاج أو تجربة سلاح.


السلطة الأمنية الأميركية لا تقرر تنفيذ عملية النسف، لكن وظيفتها تقديم المعلومات للسلطة السياسية، وتنفيذ أوامر هذه السلطة - أي الرئيس - إن صدرت الأوامر بذلك.


يشير متابعو الشأن الأميركي الى حادثة مشابهة في الماضي القريب... بعد أن قام تنظيم «داعش» بالسيطرة على الموصل العراقية في صيف 2014، وبعد أن بدا أنه كان في طريقه لاجتياح بغداد وأربيل، أبلغ الرئيس السابق باراك أوباما فريقه أن دور الولايات المتحدة سيقتصر على تقديم الدعم اللازم للسماح لحكومتي العراق وكردستان الحليفتين، بالتصدي للتنظيم والقضاء عليه.


لكن رئيس الأركان وقتذاك، الجنرال مارتن ديمبسي، تعقب اماكن تواجد أوباما، الذي كان يلقي كلمة أمام قمة زعماء الدول الأفريقية في مبنى وزارة الخارجية في واشنطن. انتظر ديمبسي في المرآب تحت الأرض، وعندما أطل أوباما، حياه وتسلل الى الليموزين الرئاسية. في المسافة القصيرة التي تفصل الوزارة عن البيت الأبيض، والتي لا تتعدى دقائق قليلة، أقنع ديمبسي أوباما أن الوضع في العراق كان خطيرا، وأن على الجيش الأميركي التدخل الفوري، اولا عن طريق المقاتلات.


لم يكد ديمبسي يترجل من السيارة الرئاسية لدى وصولها البيت الأبيض، ويخرج من الباب الخلفي خفية عن أعين الصحافيين، حتى شنت مقاتلات «أف - 16» الأميركية المنتشرة في الخليج أولى ضرباتها ضد مواقع «داعش»، وبدأت عملية دعم جوي مكثف لمقاتلي القوات الحكومية العراقية و«البيشمركة» الكردية لوقف زحف التنظيم ودفعه للتراجع.


بعد بدء الحملة الجوية ضد «داعش»، باشر الرئيس الأميركي وفريقه بحملة ديبلوماسية لتشكيل تحالف دولي انخرط في حرب أدت الى تحرير كل الأراضي التي كان يسيطر عليها التنظيم الإرهابي، وكادت أن تقضي على التنظيم بأكمله في العراق وسورية، وأرسلت قادته وكوادره الى التخفي.


مثل في العراق، تراقب القيادة الوسطى الأميركية، إيران. الذي يقلق هذه القيادة اليوم مازال في مصاف الأسرار العسكرية، لكن القيادة عمدت الى استعراضات قوة هادفة لثني الإيرانيين عن المضي بما يسعون إليه. اما في حال واصل الإيرانيون ما يسعون إليه، فالأرجح أن القيادة العسكرية ستعرض القضية على بايدن وتقنعه بضرورة التحرك، وسينتقل فريق الرئيس من الديبلوماسية الباردة التي يقوم بها الى ديبلوماسية ساخنة لتوفير غطاء سياسي لأي انخراط عسكري ضد الإيرانيين.


الخلاصة، يقول العارفون في العاصمة الأميركية، إن هناك خطوطا حمراء غير معلنة في إيران تفرضها المؤسسة العسكرية الأميركية، بالتعاون مع نظيراتها في الدول الحليفة، حول العالم، وتقوم بارسال رسائل تحذيرية حتى لا يتجاوز الإيرانيون هذه الخطوط.


هذا يعني أن حصول طهران على سلاح نووي «خط أحمر»، أو هذا على الأقل ما أعلنه الأسبوع الماضي رئيس الأركان الاسرائيلي أفيف كوخافي في أحد مراكز الأبحاث الاسرائيلية. وقال إن لدى اسرائيل خططا جاهزة، وهي تعمل على تحديثها باستمرار لتقديم خطط اضافية وجديدة لتوجيه ضربة لطهران لمنعها من حيازة سلاح نووي، في حال قررت المضي في ذلك.


ومن يعرف واشنطن، يعرف أنها لن تسمح لإسرائيل بتوجيه ضربة لإيران، بسبب حساسية الموضوع دولياً. واشنطن نفسها هي التي ستوجه ضربة في حال تبين أن طهران ماضية في صناعة سلاح نووي، وهي ضربة لن تكون على الأرجح بهدف إسقاط النظام، بل القضاء على امكاناته النووية، حتى من دون التعرض لإمكاناته العسكرية أو الالتحام معه عسكرياً، وهذه هي القدرة التي تملكها قاذفات «بي 52» دون غيرها من أي من المقاتلات الأميركية أو الإسرائيلية: ضرب أهداف داخل إيران من دون تدمير الدفاعات الجوية الإيرانية، غير القادرة على اعتراض القاذفات.


قد تكون هذه الحسابات هي التي أشعرت أوباما بأن ما يمنع إيران من حيازة سلاح نووي، هي القوة العسكرية، في الخفاء، وأن أي اتفاقية في العلن لا بأس بها، وهو الموقف الذي يبدو أن ادارة بايدن تبني عليه: عودة للاتفاقية النووية، لكن المواجهة في كل المواضيع الأخرى - بما فيها تحرك سري نووي إيران ورد عسكري معاكس - تبقى قائمة.

 في المؤتمر السنوي لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، والذي تتابعه واشنطن عن كثب واختتم أعماله الخميس، بدا التباين واضحاً بين إسرائيل، من ناحية، والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، من ناحية ثانية، حول كيفية التعامل مع إمكانية عودة واشنطن إلى الاتفاقية النووية مع إيران.

وكان أبرز المتحدثين من السياسيين، وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، الذي توجه إلى المؤتمر بالقول إن مفتاح التعامل مع التحدي الإيراني هو تبني سياسة قائمة على القوانين.


صفقة صُغرى بين أميركا وإيران

منذ 23 ساعات


هل هي خطوة دفاعية أم استعداد للحرب مع إيران؟

منذ يومين

وذكر أن «سلوك إيران المتهور، خلال الأسبوع الماضي، ذكّرنا لماذا يجب علينا منعها من امتلاك سلاح نووي». واعتبر أن أفضل وسيلة لمنع حيازة طهران سلاحاً نووياً، هي الاتفاقية، «رغم أنها اتفاقية قد تكون بعيدة عن الكمال، إلا أنها تمنحنا أكثر شفافية» حول برنامج إيران النووي أكثر «من أي وقت مضى».

وتابع ماس: «أنا أتفق معكم أن (الاتفاقية النووية) ليست كافية، وأنه علينا أن نتعامل مع برنامج إيران الصاروخي الخطير، وتصرفاتها الإقليمية العدوانية، ولكن مواجهة (الصواريخ والتصرفات) سيكون أسهل بكثير أن سيطرنا (أولا) على الموضوع النووي عبر الاتفاقية النووية».

ويتماهى الموقف الألماني، والأوروبي عموماً، مع سياسة إدارة الرئيس جو بايدن، التي دأب مسؤولوها على تكرار ما مفاده بأن واشنطن مستعدة للعودة للاتفاقية وتأجيل البحث في ملفي الصواريخ والميليشيات إلى ما بعد إعادة العمل بالاتفاقية.

لكن إدارة بايدن رمت ما يبدو أن من شأنه «عرقلة العودة»، وتالياً رفع العقوبات الأحادية التي أدت إلى انهيار الاقتصاد الإيراني، إذ تطالب بأن تعود طهران أولاً لالتزاماتها ببنود الاتفاقية حتى تعود إليها، فيما تصر طهران على أن أميركا هي التي انسحبت أولاً، وعليها العودة قبلاً حتى تعود إيران بعدها.

لكن لا يبدو أن الإسرائيليين يبنون مواقفهم على المماطلة الناجمة عن تعقيدات أميركا وإيران، بل أن رئيس المعهد عاموس يدلين قال، في ملاحظاته الختامية، إن «العودة إلى اتفاقية 2015 ستكون مشكلة كبيرة جداً لإسرائيل».

وتطرق يدلين إلى العلاقات الإسرائيلية مع الصين، قائلاً إنه «يجب أن يتم تنسيقها بالكامل مع أميركا».

وأضاف أنه يجب الحفاظ على التنسيق مع روسيا، «الذي تسمح لإسرائيل بحرية الحركة في سورية، رغم التباين في المواقف الإستراتيجية مع موسكو في لبنان وسورية وإيران».

على أن رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي، سرق الأضواء، خصوصا بتصريحاته التي قال فيها إنه «لو تم تطبيق الاتفاقية النووية، لتمكنت إيران من الحصول على قنبلة نووية مع انتهاء مفاعيل الاتفاقية، التي لا تمنعها من ذلك».

وأضاف: «علينا إعداد خطط إضافية، غير الخطط التي نملكها حالياً، لمنع إيران من الحصول على قنبلة نووية».

وأردف أن «اتخاذ قرار بشان التنفيذ سيعود بالطبع للقيادة السياسية، لكن الخطط يجب أن تكون على الطاولة».

وعن الصراعات الأخرى التي تنخرط فيها إسرائيل في المنطقة، قال كوخافي إن لإسرائيل 6 مسارح عمليات في «سورية ولبنان وقطاع غزة والقيادة المركزية والضفة الغربية وإيران»، وأن ميادين القتال تتضمن ستة أصعدة منها «الجو، والبحر، والأرض، والفضاء السيبراني».

وتابع: «نتحدث عن إمكانية اضطرارنا للعمل في ستة مسارح في الوقت نفسه، على ستة أصعدة، وعلينا أن نكون واعين على مدى 360 درجة، وبشكل متواصل». وأضاف: «نهتم بالعراق بسبب عدم إمكان حكومته العمل كدولة سيدة، وهو ما يسمح لإيران بالتصرف عسكرياً عبر أراضيه».

ويعتقد الجنرال الإسرائيلي أن هناك تصوراً «بأن الدولة العبرية يمكنها القتال في عموم الشرق الأوسط، ونتيجة ذلك، فإنها قادرة على الدفاع عن نفسها وعن حدودها».

وتابع أن هناك انطباعاً عاماً آخر مفاده بأن «إسرائيل هي التي تهاجم وتشن حملات، وهذا الانطباع يساهم في الردع».

إستراتيجياً، حسب كوخافي، «وضع إسرائيل يتحسن، وكذلك الردع»، مؤكداً «بالطبع يمكن كسر الردع، لكنه تحسن، والدليل أنه لا يوجد أي من أعدائنا ممن ينوي شن حرب علينا».

العام الماضي، حسب كوخافي، «كان مستقراً، ولم تقع فيه ضحايا من جهتنا، وهذا لا يحدث بالصدفة، بل بنجاحات استخباراتية، وبنجاح في العمليات العسكرية لدرجة أنها أثنت جيوش الإرهاب المختبئة في الأحياء السكنية عن الانخراط في حروب ضدنا».

واعتبر كوخافي أن في مواجهة «الهلال» الذي تقوده إيران، يوجد تحالف قوي ومتين وقادر على مواجهته، وتشارك فيه إسرائيل ودول عربية «وقبرص واليونان، وهو أمر غير مسبوق، ويرى الإيرانيون في هذا التحالف ما يضيّق عليهم».

وعن حلفاء طهران، ذكر كوخافي أنه «في العقد الماضي، بنى حزب الله وحماس قوات يعتقدان أن بإمكانها اجتياح إسرائيل، ونحن نقوم بكل ما بوسعنا للتصدي لذلك، لكنه تطور سلبي، ولديهم أسلحة متطورة».

وتساءل: «من كان يحسب أن تنظيماً إرهابياً يملك صواريخ دقيقة أو صواريخ كروز»؟ ليجيب أن ما يحصل شمال إسرائيل هو التالي: «نقوم بنشاطات لوقف الإيرانيين، لكن الإيرانيين لا يتوقفون، لذا فإن نشاطاتنا لن تتوقف، وهذه اسمها الحرب بين الحروب». كما أن تنظيم «داعش» لم يختف، حسب كوخافي.

وأشار إلى أن للجيش الإسرائيلي «أربع أولويات»، هي «منع قيام قواعد التحالف المتطرف في الشمال، وتعطيل سعي الأعداء للحصول على أسلحة إستراتيجية، والبقاء على استعداد لشن ضربة ضد إيران، والدفاع عن حدودنا»، مضيفا أن «رد إسرائيل سيكون أينما كان، إن على الجبهات المفتوحة، أو ضد الأعداء المختبئين في الأحياء السكنية، وسنعطي السكان مهلة لمغادرة الأحياء».

ولتعزيز وجهة نظره القائلة بأن الميليشيات الموالية لإيران، مثل «حزب الله» و«حماس» متمركزة في الأحياء السكنية، قال كوخافي إن «في سبتمبر، انفجر مستودع أسلحة كامل في لبنان، والأسبوع الماضي في غزة، لأن هذه الأحياء تغرق بالصواريخ والسلاح، وسيقوم الجيش بإغراقها بالهجمات» في حال اندلاع حرب.

«هذا واقع خلقوه هم، وسنحاول تغييره (في حال الحرب)، ويجب تغيير مفهوم استخدام القوة (في الرد) بشكل يتناسب (مع حجم الهجوم) لأنه من دون ذلك، لن نتمكن من الدفاع عن إسرائيل»، بحسب كوخافي.

تباين بين الغرب وإسرائيل حول «النووي» الإيراني

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في المؤتمر السنوي لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، والذي تتابعه واشنطن عن كثب واختتم أعماله الخميس، بدا التباين واضحاً بين إسرائيل، من ناحية، والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، من ناحية ثانية، حول كيفية التعامل مع إمكانية عودة واشنطن إلى الاتفاقية النووية مع إيران.

وكان أبرز المتحدثين من السياسيين، وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، الذي توجه إلى المؤتمر بالقول إن مفتاح التعامل مع التحدي الإيراني هو تبني سياسة قائمة على القوانين.

وذكر أن «سلوك إيران المتهور، خلال الأسبوع الماضي، ذكّرنا لماذا يجب علينا منعها من امتلاك سلاح نووي». واعتبر أن أفضل وسيلة لمنع حيازة طهران سلاحاً نووياً، هي الاتفاقية، «رغم أنها اتفاقية قد تكون بعيدة عن الكمال، إلا أنها تمنحنا أكثر شفافية» حول برنامج إيران النووي أكثر «من أي وقت مضى».

وتابع ماس: «أنا أتفق معكم أن (الاتفاقية النووية) ليست كافية، وأنه علينا أن نتعامل مع برنامج إيران الصاروخي الخطير، وتصرفاتها الإقليمية العدوانية، ولكن مواجهة (الصواريخ والتصرفات) سيكون أسهل بكثير أن سيطرنا (أولا) على الموضوع النووي عبر الاتفاقية النووية».

ويتماهى الموقف الألماني، والأوروبي عموماً، مع سياسة إدارة الرئيس جو بايدن، التي دأب مسؤولوها على تكرار ما مفاده بأن واشنطن مستعدة للعودة للاتفاقية وتأجيل البحث في ملفي الصواريخ والميليشيات إلى ما بعد إعادة العمل بالاتفاقية.

لكن إدارة بايدن رمت ما يبدو أن من شأنه «عرقلة العودة»، وتالياً رفع العقوبات الأحادية التي أدت إلى انهيار الاقتصاد الإيراني، إذ تطالب بأن تعود طهران أولاً لالتزاماتها ببنود الاتفاقية حتى تعود إليها، فيما تصر طهران على أن أميركا هي التي انسحبت أولاً، وعليها العودة قبلاً حتى تعود إيران بعدها.

لكن لا يبدو أن الإسرائيليين يبنون مواقفهم على المماطلة الناجمة عن تعقيدات أميركا وإيران، بل أن رئيس المعهد عاموس يدلين قال، في ملاحظاته الختامية، إن «العودة إلى اتفاقية 2015 ستكون مشكلة كبيرة جداً لإسرائيل».

وتطرق يدلين إلى العلاقات الإسرائيلية مع الصين، قائلاً إنه «يجب أن يتم تنسيقها بالكامل مع أميركا».

وأضاف أنه يجب الحفاظ على التنسيق مع روسيا، «الذي تسمح لإسرائيل بحرية الحركة في سورية، رغم التباين في المواقف الإستراتيجية مع موسكو في لبنان وسورية وإيران».

على أن رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي، سرق الأضواء، خصوصا بتصريحاته التي قال فيها إنه «لو تم تطبيق الاتفاقية النووية، لتمكنت إيران من الحصول على قنبلة نووية مع انتهاء مفاعيل الاتفاقية، التي لا تمنعها من ذلك».

وأضاف: «علينا إعداد خطط إضافية، غير الخطط التي نملكها حالياً، لمنع إيران من الحصول على قنبلة نووية».

وأردف أن «اتخاذ قرار بشان التنفيذ سيعود بالطبع للقيادة السياسية، لكن الخطط يجب أن تكون على الطاولة».

وعن الصراعات الأخرى التي تنخرط فيها إسرائيل في المنطقة، قال كوخافي إن لإسرائيل 6 مسارح عمليات في «سورية ولبنان وقطاع غزة والقيادة المركزية والضفة الغربية وإيران»، وأن ميادين القتال تتضمن ستة أصعدة منها «الجو، والبحر، والأرض، والفضاء السيبراني».

وتابع: «نتحدث عن إمكانية اضطرارنا للعمل في ستة مسارح في الوقت نفسه، على ستة أصعدة، وعلينا أن نكون واعين على مدى 360 درجة، وبشكل متواصل». وأضاف: «نهتم بالعراق بسبب عدم إمكان حكومته العمل كدولة سيدة، وهو ما يسمح لإيران بالتصرف عسكرياً عبر أراضيه».

ويعتقد الجنرال الإسرائيلي أن هناك تصوراً «بأن الدولة العبرية يمكنها القتال في عموم الشرق الأوسط، ونتيجة ذلك، فإنها قادرة على الدفاع عن نفسها وعن حدودها».

وتابع أن هناك انطباعاً عاماً آخر مفاده بأن «إسرائيل هي التي تهاجم وتشن حملات، وهذا الانطباع يساهم في الردع».

إستراتيجياً، حسب كوخافي، «وضع إسرائيل يتحسن، وكذلك الردع»، مؤكداً «بالطبع يمكن كسر الردع، لكنه تحسن، والدليل أنه لا يوجد أي من أعدائنا ممن ينوي شن حرب علينا».

العام الماضي، حسب كوخافي، «كان مستقراً، ولم تقع فيه ضحايا من جهتنا، وهذا لا يحدث بالصدفة، بل بنجاحات استخباراتية، وبنجاح في العمليات العسكرية لدرجة أنها أثنت جيوش الإرهاب المختبئة في الأحياء السكنية عن الانخراط في حروب ضدنا».

واعتبر كوخافي أن في مواجهة «الهلال» الذي تقوده إيران، يوجد تحالف قوي ومتين وقادر على مواجهته، وتشارك فيه إسرائيل ودول عربية «وقبرص واليونان، وهو أمر غير مسبوق، ويرى الإيرانيون في هذا التحالف ما يضيّق عليهم».

وعن حلفاء طهران، ذكر كوخافي أنه «في العقد الماضي، بنى حزب الله وحماس قوات يعتقدان أن بإمكانها اجتياح إسرائيل، ونحن نقوم بكل ما بوسعنا للتصدي لذلك، لكنه تطور سلبي، ولديهم أسلحة متطورة».

وتساءل: «من كان يحسب أن تنظيماً إرهابياً يملك صواريخ دقيقة أو صواريخ كروز»؟ ليجيب أن ما يحصل شمال إسرائيل هو التالي: «نقوم بنشاطات لوقف الإيرانيين، لكن الإيرانيين لا يتوقفون، لذا فإن نشاطاتنا لن تتوقف، وهذه اسمها الحرب بين الحروب». كما أن تنظيم «داعش» لم يختف، حسب كوخافي.

وأشار إلى أن للجيش الإسرائيلي «أربع أولويات»، هي «منع قيام قواعد التحالف المتطرف في الشمال، وتعطيل سعي الأعداء للحصول على أسلحة إستراتيجية، والبقاء على استعداد لشن ضربة ضد إيران، والدفاع عن حدودنا»، مضيفا أن «رد إسرائيل سيكون أينما كان، إن على الجبهات المفتوحة، أو ضد الأعداء المختبئين في الأحياء السكنية، وسنعطي السكان مهلة لمغادرة الأحياء».

ولتعزيز وجهة نظره القائلة بأن الميليشيات الموالية لإيران، مثل «حزب الله» و«حماس» متمركزة في الأحياء السكنية، قال كوخافي إن «في سبتمبر، انفجر مستودع أسلحة كامل في لبنان، والأسبوع الماضي في غزة، لأن هذه الأحياء تغرق بالصواريخ والسلاح، وسيقوم الجيش بإغراقها بالهجمات» في حال اندلاع حرب.

«هذا واقع خلقوه هم، وسنحاول تغييره (في حال الحرب)، ويجب تغيير مفهوم استخدام القوة (في الرد) بشكل يتناسب (مع حجم الهجوم) لأنه من دون ذلك، لن نتمكن من الدفاع عن إسرائيل»، بحسب كوخافي.

الخميس، 28 يناير 2021

بلينكن: العودة للاتفاقية النووية... لا تزال بعيدة

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في يومه الأول وزيراً للخارجية، عقد أنتوني بلينكن مؤتمراً صحافياً في مبنى الوزارة، توقع فيه أن تكون طريق عودة إيران والولايات المتحدة الى الاتفاقية النووية طريقاً طويلة، وقال إن أولى أولوياته هي تأمين الإغاثة الإنسانية للأوضاع في اليمن، وهو ما تطلب إعادة النظر بقيام إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بوضع تنظيم الحوثيين على لائحة التنظيمات الإرهابية.

وعن مبيعات الأسلحة إلى بعض الدول الخليجية، وصف بلينكن خطوة «إعادة تقييم المبيعات»، بـ«المتعارف عليها»، وقال إنه «عند تسلم أي إدارة جديدة الحكم في واشنطن تقوم بمراجعة كل سياسات سابقاتها بما في ذلك مبيعات الأسلحة»، وأضاف أن الإدارة الجديدة «ستواصل العمل على الدفع قُدماً لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية».

ولفت الوزير الأميركي إلى أنه «بالنسبة لإيران، كان الرئيس جو بايدن واضحاً، إذا عادت إيران للالتزام بشكل كامل بالتزاماتها بموجب اتفاقية المبادئ المشتركة، فستقوم الولايات المتحدة بالشيء نفسه».

وفيما بدا استئنافاً للمفاوضات مع إيران من حيث انتهت إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، من حيث البناء على الإيجابية التي يفترض أن تولّدها الاتفاقية النووية، قال بلينكن إن واشنطن ستستخدم العودة للاتفاقية، «بالتعاون مع حلفائنا وشركائنا، للبناء عليها في اتجاه اتفاقية أقوى وأطول أمداً (تغطي) عدداً من الأمور الأخرى التي تثير مشاكل عميقة مع إيران».

على أن بلينكن بدا أنه يعتقد أن عودة إيران لاتزال بحاجة إلى بعض الوقت، من دون أن يقدم تفسيرات.

لكن السفير السابق مهندس العقوبات الأممية على إيران في زمن أوباما، دينيس روس، سبق أن أشار في مقالة في «واشنطن بوست» الى أن تخفيض نسبة تخصيب اليورانيوم الإيراني، والبحث عن الدول التي توافق على استيراد الفائض من اليورانيوم المخصب لإبقاء المخزون الإيراني متناسقاً مع نص الاتفاقية، هي «خطوات تحتاج لوقت لإتمامها».

في هذا السياق، رأى بلينكن أن العودة للاتفاقية مع إيران «ما تزال بعيدة»، وأن «إيران ما تزال غير ملتزمة، وسيتطلب الأمر بعض الوقت إن هي أرادت العودة الى التزاماتها، ثم يلزمنا وقت حتى نقيّم إذا ما كانت (إيران) تفي بالتزاماتها».

أما كيفية تطبيق العودة للاتفاقية في دنيا الواقع، قال الوزير الأميركي إنه «في حال عادت إيران الى التزامها بنود الاتفاقية، سنبني فريقاً قوياً من الخبراء، وسنشرك فيه عدداً كبيراً من وجهات النظر، ولن نتخذ قرارات بناء على تفكيرنا الجماعي (داخل الادارة) بل سنستمع للآراء المغايرة».

وعن أولى أولوياته، قال بلينكن إن هذه يتصدرها «مراجعة موضوع العقوبات على الحوثيين»، لافتاً إلى أن «الحوثيين ارتكبوا عدواناً كبيراً باجتياحهم صنعاء قبل سنوات، والسيطرة على البلاد، وشنهم هجمات ضد شركائنا في السعودية، وارتكابهم تجاوزات في حقوق الإنسان وأعمالا دموية أخرى، وخلقهم أوضاعاً وفراغاً سمح لبعض الفصائل المتطرفة أن تملأه».

وأضاف أن «أهم ما يمكننا القيام به هو تقديم المساعدات الإنسانية الأساسية لشعب اليمن، والتأكد أن أي من الخطوات السياسية التي سنقوم بها (مثل تصنيف الحوثيين تنظيماً إرهابياً) لن تعرقل المجهود الإنساني».

وتابع بلينكن أن «الحوثيين يسيطرون على مناطق يعيش فيها 80 في المئة من الشعب اليمني، لذا أريد التأكد أن أي خطوة، بما في ذلك التصنيف، لن يؤثر على تقديم المعونات الإنسانية، خصوصاً إن كانت خطوة التصنيف لا تصب في سياساتنا وأهدافنا... هذه هي الأولوية عندي».

وعن «اتفاقية ابراهام» التي أفضت لتوقيع سلام بين إسرائيل، من جهة، وكل من الإمارات والبحرين، من جهة ثانية، قال الوزير الأميركي: «ندعم التطبيع بين إسرائيل ودول المنطقة، ونأمل بالبناء على هذه الاتفاقية مستقبلاً».

ومن المتوقع أن تواصل الديبلوماسية الأميركية حثّها الدول العربية - التي لا تتمتع باتفاقيات سلام مع إسرائيل بعد - على عقد اتفاقيات على غرار ما فعلت الإمارات والبحرين والسودان، وإلى حد ما المغرب.

وتفادى بلينكن الإجابة إن كانت إدارة بايدن تعترف باعتراف واشنطن بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، حسبما فعلت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.

وحول مبيعات الأسلحة إلى بعض الدول الخليجية وطلب الإدارة إجراء تقييم حول الصفقات التي ما تزال قيد الإتمام، قال بلينكن إن «هذا أمر معروف لدى بدء عهد أي إدارة، إذ تقوم بطلب مراجعة أي صفقات لاتزال قيد الاتمام للتأكد أن ما سيتم بيعه يتناسب مع إستراتيجيتنا وأهدافنا وسياستنا الخارجية».

وعن كيفية التعاطي مع روسيا، كرر بلينكن العناوين العريضة للمكالمة الهاتفية التي دارت بين بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، وقال: «أعربنا عن قلق على أمن السيد (المعارض اليكسي) نافالني، وموضوع حقوق الإنسان بشكل عام في روسيا».

وأعرب الوزير الأميركي عن عجبه عندما يرى «مدى الخوف لدى الحكومة الروسية من رجل واحد، أي السيد نافالني».

وأضاف: «نحن نقوم بمراجعة كل الأمور، بما في ذلك استخدام روسيا سلاحاً كيماوياً في محاولة اغتيال نافالني، وكذلك في موضوع إمكانية تقديم روسيا مكافآت مالية للأفغان الذين يقتلون قواتنا في أفغانستان، وطبعا ننظر في إمكانية تدخل روسيا في انتخاباتنا».

وختم بلينكن: «كل هذا تتم مراجعته، ولا يمكننا القول أين أصبحنا في المراجعة».

في سياق متصل، شنت دوائر معنية بالشأن الإيراني في واشنطن حملة لإقناع إدارة بايدن بجعل إفراج إيران عن كل الرهائن الغربيين المحتجزين لديها شرطاً للعودة للاتفاقية النووية، أو لاستئناف أي مفاوضات معها.

وفي صحيفة «واشنطن بوست»، كتب المسؤول السابق عن الملف الإيراني اليوت أبرامز ان «العديد من القضايا المتعلقة بإيران معقدة، لكن واحدة منها بسيطة للغاية، (وهي) احتجاز إيران الرهائن الأميركيين».

وأضاف: «يجب على إدارة بايدن تأمين الإفراج عن الرهائن، ولا ينبغي أن يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ يجب أن تتخذ الإدارة إجراءات لوقف احتجاز رهائن من قبل النظام في طهران، ولا ينبغي رفع عقوبة واحدة عن إيران حتى يتم تحقيق ذلك».

وأشار إلى غربيين سبق أن اعتقلتهم إيران بتهم التجسس وأفرجت عنهم في وقت لاحق، وقال إن «كل هؤلاء أشاروا إلى أنه لم يتم إجراء أي تحقيقات معهم أثناء اعتقالهم، وهو ما يؤكد أنه لو كانت إيران فعلاً تعتقدهم جواسيس، لحاولت على الأقل استجاوبهم، ولكن موضوع اتهامهم بالجاسوسية مجرد عذر لأخذ رهائن والتفاوض عليهم مع حكوماتهم».

الثلاثاء، 26 يناير 2021

وباء من نوع آخر: الهويات الجماعية

حسين عبدالحسين

يقول عالم الاجتماع العراقي الراحل علي الوردي أن في السنوات الأولى للدعوة الإسلامية، لم يدخل الإسلام إلا نفر قليل من المكيين، فالإسلام كان ثورة على التقاليد والعادات. ويتابع الوردي: لكنك إن سألت أي من ملايين المسلمين اليوم عمّا كان سيفعله لو كان في مكة في أول أيام الإسلام، لجزم بأنه كان سيكون أول الملتحقين بالرسول. يستخدم الوردي هذا المثال ليشير إلى الانفصال بين كيف يخال المرء نفسه منصفا، عادلا، وصاحب عقل مستقل يقرر بموجبه مواقفه ومبادئه — حتى لو افترقت عن الجماعة — والواقع، وهو أن المسلمين الأوائل لم يقبلوا الإسلام فرادى، بل دخلوه أفواجا، غالبا بمبايعة رؤساء العشائر، كل عن عشيرته، التي أدخلها معه في الدين الجديد.

الهوية الجماعية مشكلة لأنها تستبدل العقل الفردي برأي الجماعة، والأخيرة هي تنظيم مجتمعي بدائي حاربته الأديان، فتعاليم المسيحية تعد بدينونة فردية، ومثلها يوم الدين في الإسلام، ”يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه“. ثم كانت الثورة الصناعية في أوروبا، وراح رأس المال يبحث عن المهارات الفردية لتوظيفها في مصانعه، وراح يكافئ كل عامل على مهاراته، فأعطت القوة المالية الأفراد استقلالية عن عشائرهم وقبائلهم، التي كان يتزعمها لوردات يقسمون الولاء للملك. ولأنه صار لكل فرد استقلالية، صار له صوت، ولم يعد ولاء زعماء العشائر للملك ينفع، فقامت الديموقراطية، المبنية على اختيار الفرد دولته بشكل يتناسب ومصالحه المادية ويصون حريته في العيش والعمل والتعبير عن الرأي.

لكن الرأسمالية خلقت عكسها، فالعمّال رأوا مصلحة مشتركة في تنظيم أنفسهم في جماعات لمواجهة تسلط رأس المال عليهم، فصار اسمها اتحادات عمالية. ثم أوغل بعض علماء الاقتصاد والاجتماع في الانحياز للاتحادات العمالية، فكانت الاشتراكية، ثم كان صنف الاشتراكية الأكثر تطرفا، أي الشيوعية.

على أن الاستقلالية التي منحها الراتب للموظف رافقتها وحدانية اجتماعية، وهو ما أجبر الموظفين على الموازنة بين فرديتهم وبين انخراطهم في شبكات مجتمعية تتألف من أفراد يشبهونهم، وصارت هذه الشبكات فرق ومذاهب وأحزاب، وهو ما قوّض العقل الفردي مجددا. وسهّلت تقنية التواصل الاجتماعي تشكيل رأي جماعي، وتسويقه، وغلبته على الرأي الفردي المستقل.

مشكلة الرأي الجماعي هي في إمكانية انحرافه، فمعايير الصح والخطأ هي اصطلاحات جماعية، واذا ما اصطلحت الجماعة على باطل، يصبح الباطل حقا، ويصبح الفرد الداعي إلى الحق نبيا ملعونا في عشيرته، وهذه سيرة كل الأنبياء التي تقصها الأديان على أتباعها. 

ويحدث أحيانا أن تتصدى لجماعة ضالة جماعة راشدة، لكن الضالين يصوّرون الراشدين على أنهم متآمرون أعداء. هكذا صورت النازية محاولة العالم إعادة ملايين الألمان الى رشدهم وثنيهم عن أفكارهم العنصرية الإجرامية، على أنها مؤامرة دولية ضد ”الأمة الألمانية“، لا صراع حول المبادئ والأفكار. وهكذا الإسلام السياسي، الذي يقوم حكامه بتشتيت انتباه محكوميهم بإلقاء اللائمة في فساد الحكم وفشله على الشعوب الأخرى، فتصبح إيران الفاشلة المفلسة هي الفئة الناجية، ويصبح باقي العالم المتقدم والمزدهر الفئة الضالة.

أما عقل الفرد وضميره، فأكثر قدرة على التمييز بين الخير والشر، والبحث عن المصلحة حسبما تمليها غريزة البقاء. وعلى مدى القرن الماضي، انتشرت ثقافة الثناء على سعي الفرد للعلم وللنجاح في العمل. هكذا، حاول الأفراد إبقاء هويتهم الجماعية في منازلهم أو أماكن عبادتهم، حتى لا تعيق طموحاتهم ونجاحاتهم الفردية في الحياة والعمل. 

في العقدين الأخيرين، تراجعت ثقافة تمجيد الفردية أمام الهويات الجماعية لأسباب لا نعرفها بعد، وهو ما دفع فرانسيس فوكوياما الى نشر كتابه ”هوية“، الذي قال فيه أنه على عكس الاعتقاد السائد بأن الفرد يبحث عن مصلحته، صارت الناس اليوم تتمسك بتقاليدها وهويتها الجماعية، حتى لو على حساب تقدمها مهنيا، وصار يبدو أن ”احترام“ الآخرين للهوية الجماعية أهم بكثير من المصلحة والنجاح فرديا. بكلام آخر، صارت ”الكرامة“، وهي فكرة غير مادية، أكثر أهمية من المصالح المادية، كالمدخول المالي ومستوى المعيشة. 

وهكذا في لبنان، حيث يؤذي وجود ميليشيا ”حزب الله“ وحروبه اللامنتهية اقتصاد لبنان، ما يؤدي الى تدهور المداخيل الفردية ومستوى المعيشة لكل لبناني. لكن مؤيدي ”حزب الله“، وغالبيتهم من المسلمين الشيعة، يتمسكون بالميليشيا على اعتبارها ”شرفهم“ و“كرامتهم“، وكأن العيش بشظف لا يدخل في حسابات ”الشرف“ أو ”الكرامة“. هكذا، بعد حرب 2006 التي حولت أحياء شيعة لبنان الى ركام، قام ”حزب الله“ بتحريض شيعته ضد رئيس الحكومة وجماعته من السنة، وهو ما أدى إلى تعزيز الهوية الجماعية عند الشيعة، وتشتيت انتباههم عن المشكلة، وامتصاص غضبهم ضد الحرب والحزب.

وهكذا في أميركا أيضا، حيث نشر عالم الاجتماع جوناثان ميتزل كتابه ”الموت من البياض: كيف تقتل سياسة الكراهية العنصرية قلب أميركا“، وتضمن مقابلات مع أميركيين بيض يحتاجون لعلاجات طبية لكنهم يرفضون قانون الرعاية الصحية الحكومية لأنهم ”يفضلون الموت على أن يفيد غير البيض ومثليي الجنس من الرعاية الحكومية“. 

هذه هي الهوية الجماعية التي امتطى موجتها الرئيس السابق دونالد ترامب، فحرّض بعض البيض من المسيحيين المحافظين ضد غير البيض والعولمة، مع أن ترامب لا يعيش وفق التعاليم المسيحية، ومصالحه التجارية في قلب العولمة. مع ذلك، نجح ترامب في تحويل مناصريه الى عشيرة تبنت مبادئ عكس ثقافتها، حتى أدى انحرافها إلى غزوها مبنى الكونغرس، وإنزال العلم الأميركي عنه، وهو العلم الذي تضعه عشيرة ترامب في مرتبة قداسة لا يعلو عليها إلا الإنجيل نفسه.

الهوية الجماعية مشكلة أممية، بل وباء عالمي، تقوّض الدول بقضائها على الرأي المستقل للأفراد الساعين الى مصالحهم، وتستبدلهم بجماعات تتحول الى غوغاء في أيدي العقائد المتطرفة والسياسيين الشعبويين. أميركا نجت في هذه الجولة، لكن هوياتها الجماعية، عند الديموقراطيين الحاكمين اليوم كما الجمهوريين المعارضين، ما تزال تشكل خطرا على مستقبل الجمهورية، وهو خطر لا يقلصه الا العلم، والثقافة، والمطالعة، والحوار الهادئ بعيدا عن الصراخ.

الاثنين، 25 يناير 2021

إدارة بايدن تتمسّك بالأهمية الإستراتيجية للخليج

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في وقت اتجهت الأنظار، على مدى الأسبوع الماضي، إلى جلسات الاستماع في مجلس الشيوخ المخصصة للمصادقة على تعيين وزراء الخارجية والأمن القومي والخزانة والدفاع، كان لافتاً إعلان الرئيس جو بايدن تعيينه سفيرة الولايات المتحدة سابقاً في الإمارات، باربرا ليف، في منصب مسؤولة ملف الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي.

والتعيينات في مجلس الأمن القومي ناجزة، ولا تتطلب موافقة مجلس الشيوخ.

تعيينات بايدن أظهرت، في غالبيتها، عودة المجموعة نفسها التي كانت مسؤولة عن رسم وتطبيق سياسة الرئيس الأسبق باراك أوباما، ما دفع بعض المعلقين الى وصف ولاية بايدن الأولى على أنها فعلياً ولاية أوباما الثالثة.

لكن المدقق عن كثب أكثر قد يرى بعض الفوارق.

غاب حتى الآن عن لائحة التعيينات لمناصب السياسة الخارجية مجموعتان: الأولى كانت تقودها مستشارة الأمن السابقة سوزان رايس، وفي عدادها نائبها، بن رودز، والثانية مجموعة بقيادة، سلف ليف، في منصب مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي في إدارة أوباما، روبرت مالي، وفي عدادها ستيف سايمون وفيل غوردون.

سايمون انعدمت حظوظ تعيينه في أي منصب في الإدارات الأميركية بعد خروجه من إدارة أوباما، وذلك بسبب لقائه الرئيس السوري بشار الأسد، في دمشق، في ديسمبر 2015.

أما غوردون، فنال منصب نائب مستشارة الأمن القومي لنائب الرئيس، كمالا هاريس، فيما ما يزال مالي، الذي سبق له أن التقى الأسد وقيادات «حماس» في 2008، ينتظر منصباً، رغم أن المناصب الرفيعة لشؤون السياسة الخارجية تكاد تكون امتلأت.

وكانت إشاعات عن إمكانية تعيين بايدن لمالي مسؤولاً عن الملف الإيراني أثارت ضجيجاً وردود فعل معارضة، على شكل واسع، ما قد يكون أثنى الإدارة الجديدة عن تعيينه، أو ربما دفعها الى التريث في ذلك.

ومالي كان يتمتع بصداقة متينة مع سفير الأسد في واشنطن (سابقاً)، عماد مصطفى، وكان السبّاق في نشر مقالة رأي، مع غوردن، في صحيفة «نيويورك تايمز»، على اثر انتخاب بايدن رئيساً، قدم فيه رؤيتهما للسياسة الخارجية، والتي تتمحور - ليس حول ضرورة رفع العقوبات المتعلقة بالشؤون النووية والعودة للاتفاقية مع إيران فحسب - بل حول رفع كل العقوبات عن إيران، بما في ذلك التي لم يرفعها أوباما، والتي ترتبط بشؤون برنامج إيران الصاروخي ودعمها للميليشيات في دول المنطقة.

أما تكليف ليف بتسلم منصب مسؤولة الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، فيشي بأن بعض الأصوات داخل إدارة بايدن ستفترق عن الخط المعروف للديموقراطيين حول السياسة الخارجية، في عهد أوباما.

صحيح أن ليف لم تمثل أمام أي من لجان الكونغرس لتقديم وجهات نظرها، لكنه سبق للمسؤولة الأميركية أن أدلت بآرائها في جلسة استماع أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، قبل عام وعلى اثر اغتيال الولايات المتحدة للجنرال الإيراني قاسم سليماني، في بغداد، والرد الإيراني الذي جاء على شكل رمي صواريخ على قاعدة عين الأسد العراقية.

وعلى عكس ما حاول أنتوني بلينكن قوله أثناء جلسة المصادقة على تعيينه وزيراً للخارجية، لناحية أن مقتل سليماني نجم عنه عواقب مؤذية لأميركا، كانت ليف قللّت من أهمية الرد الإيراني، بل هي انتقدت ترامب لعدم رده على هجمات إيرانية سابقة ولاحقة شنتها طهران ضد أهداف في الخليج.

ومما قالته ليف إن «دول الخليج تلبي نحو 20 في المئة من حاجة الاقتصاد العالمي للطاقة، لكنها دول صغيرة، وتبذل جهوداً لتنويع اقتصاداتها، بعيداً عن الاعتماد على صادرات الطاقة، وتعمل على تقديم نفسها كمراكز للسياحة، والنقل، والتمويل، والخدمات المصرفية، والتصنيع»، وان كل هذه القطاعات تعتمد على بيئة آمنة ومستقرة.

وقالت ليف إنه «رغم الاستثمارات الضخمة على مدى عقود طويلة لدول مجلس التعاون الخليجي في أنظمة الأسلحة الأميركية والأوروبية، بما في ذلك الدفاع الصاروخي، إلا أن هذه الدول الست لا تزال معرضة للخطر بشكل كبير، إذ بسبب قلة عدد السكان، وبسبب الاقتصادات التي تطورت مع اعتماد كبير على العمالة الوافدة، فإن دول مجلس التعاون معرّضة بشكل خاص لمجموعة من الأدوات غير المتكافئة في المواجهة مع إيران، خصوصاً في قطاع الإنترنت».

وأضافت السفيرة السابقة لدى الإمارات أنه بالنسبة لدول مجلس التعاون «التي تعتمد على تحلية 95 في المئة من إمدادات المياه الصالحة للشرب، واستيراد 90 الى 95 في المئة من المواد الغذائية، والتي نوعت اقتصاداتها من خلال جعل نفسها مراكز للتجارة العالمية، والحركة الجوية، والشحن، والتمويل، يمكن لأي توقف في الشبكة الكهربائية، على اثر هجوم مثلاً، أن تكون نتائجه مدمرة».

وفي وقت يزور رئيس الموساد الاسرائيلي يوسي كوهين واشنطن ليعقد زيارات تعارف مع مسؤولي السياسة الخارجية الجدد في إدارة بايدن، كان لافتاً أن تعيين ليف لا يتناسق مع السياسات التي يعلنها عدد من المسؤولين الجدد، فليف لا تتفق مع سياسة أوباما القاضية بالاستدارة شرقاً، أي الانسحاب من الشرق الأوسط للتركيز على الصين والشرق الأدنى، بل تعتبر ليف أن الشرق الأوسط ما يزال يتمتع بأهمية استراتيجية لأسباب ثلاثة، أولها النفط، الذي يبقى «سلعة عالمية يتأثر سعره بشكل مباشر بالأمن»، والثانية مكافحة الإرهاب «بالتنسيق مع حلفاء عرب يمكن الاعتماد عليهم»، والثالثة «الاستقرار الإقليمي»، إذ أن انعدام الاستقرار المزمن في منطقة آخذة في الاتساع، يسكنها ما يقرب من 70 مليون شخص، وهي موطن رابع أكبر منتج للنفط في العالم، «يمكنها أن تتحول إلى مصدر متطرف عالمي، وسبق أن صدرت أكثر من 8 ملايين لاجئ» ويمكنها أن تصدر الملايين مستقبلاً.

وانضم الى ليف، في مخالفة هرولة بعض أركان الإدارة الديموقراطية في اتجاه العودة للاتفاق النووي مع إيران، زميلها في وزارة الخارجية سابقاً وفي «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» حالياً دنيس روس، وهو مهندس سياسة «العصا والجزرة» التي أفضت لعقوبات دولية على إيران، نجم عنها التوصل لاتفاقية نووية.

وعارض روس العودة بأي ثمن للاتفاقية مع طهران، وتساءل - في مقالة في «واشنطن بوست»- حول الأسباب خلف التصعيد الإيراني رغم إعلان بايدن نيته للعودة للاتفاقية مع إيران، ليجيب أن موقف بايدن هو «عودة مقابل عودة»، أي أنه لن يرفع العقوبات قبل عودة الإيرانيين إلى الامتثال، وهو ما سيستغرق بضعة أشهر للقيام به لتصدير اليورانيوم المخصب أو تخفيفه.

وكتب روس أن الإيرانيين يطالبون بتعويضات عما كلفتهم العقوبات، ويصرّون أن على الولايات المتحدة، لا إيران، التحرك أولاً، فيما قال المرشد الإيراني علي خامنئي إن الغرب «ملزم برفع العقوبات على الفور»، مع إشارته إلى أن «إيران ليست في عجلة كذلك، إذ أنه إن لم يتم رفع العقوبات، فقد تكون عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاقية في غير صالحنا، وإن عادوا إلى التزاماتهم، نعود إلى التزاماتنا».

السبت، 23 يناير 2021

تغييرات طفيفة في سياسة بايدن إزاء القضية الفلسطينية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في خضم المعركة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة، لم يوافق المرشح (آنذاك) جو بايدن منافسه دونالد ترامب على أي من السياسات الداخلية أو الخارجية، باستثناء حول اتفاقيات السلام التي نجح ترامب في رعاية توقيعها بين إسرائيل، من جهة، والإمارات والبحرين والسودان والمغرب من جهة ثانية، وهي اتفاقيات أثنى عليها الرئيس الحالي بايدن.

وفي جلسة الاستماع للمصادقة على تعيين انتوني بلينكن وزيراً للخارجية الثلاثاء الماضي، أشار المسؤول الأميركي إلى أن واشنطن تنوي قلب كل سياسات إدارة الرئيس السابق ترامب، باستثناء نقلها السفارة الأميركية إلى القدس الغربية، وموضوع مواصلة السعي لاتفاقيات سلام أحادية بين إسرائيل وبقية الدول العربية.

لكن رغم أن إسرائيل تكاد تكون الموضوع الوحيد الذي يلقى إجماعاً بين الإدارتين الأميركيتين، السابقة والحالية، إلا أن هناك عدداً لا بأس به من نقاط التباين، أولها أن إدارة بايدن ستعمل على إعادة التمويل الأميركي لوكالات الأمم المتحدة المعنية بإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، وثانيها، أن إدارة بايدن لن تعترف بأي ما من شأنه أن يتعارض والقانون الدولي.

وفي موضوع القدس، لم يعترف ترامب بها «موحّدة»، عاصمة لإسرائيل، وهو ما ترك الباب مفتوحاً أمام القدس الشرقية لتكون عاصمة الفلسطينيين.

ثم أن السفارة الأميركية في القدس هي في الشطر الغربي من المدينة، وهذا من حصة إسرائيل، حتى في القانون الدولي. أضف إلى أن إدارة بايدن ستعود إلى الموقف الرسمي الأميركي التقليدي والقائل بلا قانونية المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وهضبة الجولان السورية.

أما الأهم، فهو رفض بايدن لتسوية السلام التي قدمها صهر ترامب، جاريد كوشنر، والمعروفة بـ«صفقة العصر»، وهي تقضي بقيام جيوب فلسطينية، تحكم نفسها ذاتياً، ومتواصلة عبر شبكة من الأنفاق.

أما أكثر العناصر إثارة للجدل في صفقة كوشنر، فتكمن في مطالبتها أن تمثل التسوية التي يقدمها حلاً نهائياً يوقع عليه الفلسطينيون، ويتخلون بعده عن أي من مطالبهم تجاه إسرائيل.

فريق بايدن مختلف.

حتى اليهود الأميركيين العاملين فيه أو المقربين منه، والمتابعين للقضية الفلسطينية، يرفضون عرض كوشنر بالكامل، ويعتبرونه مجحفاً بحق الفلسطينيين، ويجددون تمسك الولايات المتحدة بحل الدولتين، المبني على أساس الأرض مقابل السلام والقرارات الدولية ذات الصلة.

لكن هذا لا يعني أن بايدن أو فريقه يرون نافذة لتنفيذ هذه التسوية أو التوصل لحل نهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل هم يتمسكون بموقف الرئيس السابق باراك أوباما، والقائل إن أميركا يمكنها رعاية تسوية سلمية، ولكن لا يمكنها أن ترغب في السلام أكثر من الأطراف المعنية، أي الفلسطينيين والإسرائيليين.

على أنه في غياب أي بارقة أمل للتوصل إلى تسوية نهائية للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، جدّد الديموقراطيون رؤيتهم للسياسة الأميركية المطلوبة تجاه إسرائيل، ونشر بعض من باحثيهم، المقربين من الإدارة، دراسات ضمّنوها رؤيتهم لكيفية تعامل واشنطن مع هذا الملف في السنوات الأربع المقبلة.

في هذا السياق، صدرت دراسة عن «مركز الأمن الأميركي الجديد»، بقلم إيلان غولدنبرغ ومايكل كوبلاو وتامارا كوفمان ويتس، جاء فيها أنه في ظل صعوبة التوصل إلى حل نهائي، لا بدّ لواشنطن من الضغط على إسرائيل لحملها على تحسين ظروف معيشة الفلسطينيين، ووقف الاستيطان، ووقف مشاريع البنى التحتية المخصصة للمستوطنات في الضفة الغربية.

لكن ما اعتبرته الدراسة اقتراحات جديدة لا تعدو كونها تكراراً لدعوات مشابهة داخل إسرائيل، لم تأت من اليسار الإسرائيلي، حسب العادة، بل من أصوات يمينية، على غرار ميخا غودمان، الذي أثار في كتابه «عقدة 67»، الصادر قبل عامين، نقاشاً واسعاً في إسرائيل.

واعتبر غودمان أن التوصل الى تسوية نهائية، متعذر، لأنه لا يمكن لأي طرف تقديم تنازلات كافية للوصول إليها، وأن البديل الممكن هو التوصل الى أكبر تسوية ممكنة، من دون إضفاء طابع «النهائية» عليها، بل اعتبارها تسوية أفضل الممكن، إلى أن تتغير الأمور مستقبلاً، وربما تحدث انفراجات.

وبحسب غودمان، فإن الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية «قانوني لكنه ليس أخلاقي»، و«يؤذي سمعة الديموقراطية الإسرائيلية، إذ لا يجوز للإسرائيليين أن يحكموا أنفسهم ديموقراطياً، وأن يحكموا غير الإسرائيليين عسكرياً».

لذا، يقترح غودمان انسحاباً إسرائيلياً إلى أقصى حد ممكن، مع احتفاظ إسرائيل بالمناطق التي تعتبرها إستراتيجية للدفاع عن نفسها، أي قمم التلال الموازية للخط الساحلي، وكذلك حوض الأردن.

أما معظم الضفة الغربية وأحياء في القدس الشرقية، فيمكن الانسحاب منها تماماً، وتسليمها للفلسطينيين ليحكموا أنفسهم داخلها، ومعاونتهم في ذلك، وجعلها متواصلة من دون أن يضطر الفلسطينيون إلى التعامل مع أي إسرائيليين في تجوالهم في أراضيهم.

واقتراح غودمان، يبدو أقل من عرض رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو للفلسطينيين أثناء رئاسة أوباما، والقاضي بمنحهم أكبر مساحة ممكنة للأراضي مقابل تسوية نهائية. لكنه عرض رفضه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بسبب نهائيته، على ما يرى غودمان، وهو ما يعني، أنه قبل التوصل إلى حل نهائي، يمكن لإسرائيل تقليص منسوب التوتر والصراع إلى حدوده الدنيا عبر إجراءات لا تسميها نهائية، وبذلك لا تحرج أي من السياسيين الفلسطينيين أو الإسرائيليين في حال حاولوا إقناع الرأي العام عندهم بقبولها.

منذ انهيار آخر تسوية بين الطرفين في زمن أوباما، لم تكرر واشنطن محاولتها الدفع باتجاه سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، الى أن جاء كوشنر وصفقته، لكنها كانت صفقة أكثر يمينية ودعماً للاستيطان مما يطالب به اليمين الإسرائيلي نفسه. ثم وصل الديموقراطيون إلى الحكم في واشنطن، فقدموا أبحاثاً سقف مطالبها أدنى بكثير مما يمكن لليمين الإسرائيلي القبول به.

في الحالتين، يظهر انفصال الجمهوريين والديموقراطيين عن واقع ومزاج الفلسطينيين والإسرائيليين، ويبدو الأميركيون وكأنهم ينظّرون من على بعد عشرة آلاف كيلومترا، ويقدمون نظريات تبقى في معظمها حبرا على ورق على شكل دراسات وأبحاث.

أما اليسار الإسرائيلي، فهو أكثر استعداداً لتقديم تنازلات أكبر للفلسطينيين، لكن هذا اليسار، مثل القيادة الفلسطينية، لا قدرة له على الحكم أو على تنفيذ أو الالتزام بأي من مقررات السلام في حال تم التوصل إليه، وهو ما يعني أن أي تحسين لوضع الفلسطينيين يبقى في أيدي اليمين الإسرائيلي، وخارج التصورات الأميركية التي تنقصها الدقة والمعرفة على الأرض.

الخميس، 21 يناير 2021

فوضوية ترامب أخرجته من البيت الأبيض مثلما أدخلته

واشنطن - من حسين عبدالحسين
جريدة الراي

كل من يعرف الولايات المتحدة، كان يعرف أن انتخاب دونالد ترامب رئيساً، قبل أربعة أعوام، لم يعكس أميركاً سياسياً ولا شعبياً، بل كان عبارة عن «فلتة شوط»... الجمهوريون الذين أعجبهم وصول ترامب الى السلطة اعتقدوا أن بإمكانهم الإفادة من رئاسته، وتصوروا أنه - لحظة دخوله البيت الأبيض - سيستبدل أسلوبه التهريجي، بأسلوب رئاسي يتناسب ومقام الرئاسة. لكن ترامب لم يتغير، وان تغير، فلساعات معدودة، مثل أثناء ادلائه بخطابه الأول عن حال الاتحاد، قبل أن يعود الى طبيعته الفوضوية بسرعة قصوى.

فوضوية ترامب حرمته من أي انجازات تذكر، باستثناء إقراره قانون تخفيضات ضرائبية ساهمت في دفع النمو الاقتصادي والدين العام معا.

في أول سنتين، كان ترامب الجمهوري يتمتع بدعم غالبية جمهورية في الكونغرس بغرفتيه.

مع ذلك، وبسبب فوضويته وشعبويته التي كان يطلق بموجبها مواقف متضاربة لارضاء مؤيديه، لم ينجح في استصدار أي تشريعات تذكر، ولم ينجح في استبدال قانون الرئيس السابق باراك أوباما للرعاية الصحية، ولم ينجح في إقرار قوانين لتنظيم الهجرة، أو لتمويل الحائط الذي وعد به على الحدود الجنوبية مع المكسيك.

وكان كلّما ظهر ضعف ترامب تشريعياً وإدارياً، أمعن في خطابه الشعبوي الذي يحرض به البيض الأميركيين ضد غير البيض، أو يحرّض فيه الأميركيين ضد شعوب العالم.

ومثل سياسته الداخلية الفوضوية، كذلك كانت سياسة ترامب الخارجية: يتوعد إيران برد قاسٍ، ولا يرد على إسقاطها مسيرة أميركية أو قصف منشآت نفطية في السعودية.

ثم يفاجئ القريب والبعيد بقتله قائد «فيلق القدس» الإيراني قاسم سليماني.

في يوم يقول إن الخليج أقرب حلفاء أميركا، وفي يوم ثان يُعلن أنه يقدم حماية عسكرية «مدفوعة الثمن».

في يوم يصادق رئيس بكين، وفي يوم آخر يشتم الصين ورئيسها وكل شعبها.

ترامب صمم فترة حكمه بنفسه. لم يهتم كثيراً بالمضمون، بل سلّط اهتمامه على الشكل: أراد إقامة عرض عسكري بمشاركة الدبابات داخل العاصمة الفيديرالية، واستخدم البيت الأبيض كخلفية لحملته الانتخابية، مخترقاً بذلك تقاليد وأعرافا أميركية تحظر استخدام المنصب أو المباني الحكومية في الحملات السياسية.

وساعد ترامب في فوضويته حسابه على موقع «تويتر»، فحكم عن طريق التغريدات... وزراء عينهم وطردهم من دون علمهم عبر تغريدات.

وأدت فوضويته الى توالي ثلاثة وزراء دفاع، وثلاثة وزراء عدل، ووزيري خارجية، وأربعة مستشاري أمن قومي، وأربعة رؤساء موظفي البيت الأبيض، وكل ذلك في غضون أربع سنوات فقط.

كما حاول ترامب استخدام «تويتر» لتغيير الحقائق.

ومن يعرف الرئيس السابق، يعرف أنه لا يعترف بأنه أعلن افلاسه عدد من المرات في حياته كرجل أعمال، اذ هو يصر أن افلاساته كانت عبارة عن تكتيك مقصود.

كذلك رفض الاعتراف بخسارته الانتخابات.

لكن صبر الأميركيين، بمن فيهم قاعدة الجمهوريين، نفد، فعاقبوا ترامب بالتصويت ضده في الانتخابات.

وعندما أمعن في رفضه النتائج، انخفضت شعبيته أكثر وتسبب بخسارة حزبه الغالبية في مجلس الشيوخ.

ثم عندما أمعن في رفض النتائج وحرّض مؤيديه على غزو الكونغرس، انخفضت شعبيته لتصبح الأدنى في تاريخ رؤساء أميركا.

أما زعماء الحزب الجمهوري، مثل السناتور ميتش ماكونيل في مجلس الشيوخ أو كيفن ماكارثي في مجلس النواب، ومعهما نائب الرئيس مايك بنس، فهم من المخضرمين في السياسة ممن يقرأون استطلاعات الرأي جيداً ويفهمون مزاج قاعدتهم.

هكذا، منذ انتخابات الثالث من نوفمبر، انعزل ترامب وحيداً في البيت الأبيض، وصار بنس الرئيس الفعلي، باستثناء استخدام ترامب صلاحياته الرئاسية لمنح عفو خاص لمحكومين من الأزلام والمحاسيب.

هكذا، لم يدخل ترامب نادي الرؤساء السابقين ليحتفل بالانتقال الديموقراطي للسلطة الى خلفه بايدن.

خرج وحيداً من البيت الأبيض، وكان ينوي أن يقيم لنفسه احتفالاً وداعياً تشارك فيه المقاتلات، لكن العسكر لم يعيروا طلبه الاهتمام، واكتفوا باعارته فرقة أناشيد عسكرية، ولم يتجاوز حضور المودعين مئات قليلة، في وقت كان يتمنى حضور آلاف تظهر شعبيته.

أمام مبنى الكونغرس، الذي تعرض على أيدي مناصري ترامب لهجوم لا سابق له منذ اقتحام البريطانيين واشنطن في العام 1814، وقف أركان الديموقراطية الأميركية، الرؤساء السابقون من الحزبين، قضاة المحكمة العليا ورئيسها، المشرعون، واحتفلوا بديموقراطيتهم.

وحده ترامب لم يكن جزءا من المشهد الأميركي، بل آثر أن يبقى وحيداً مع قاعدة شعبية أظهرت كل استطلاعات الرأي أنها تتقلص باستمرار.

أما بايدن، فأدلى بخطاب قليله سياسة وكثيره كلام عن أهمية الديموقراطية الأميركية، والدستور، والمؤسسات، ودعا الى الالتفاف حول هذه الثوابت وردم الهوة بين الحزبين والأعراق والفئات.

على أن المرحلة المقبلة ستتطلب ما هو أكثر بكثير من خطاب رئاسي جامع، فترامب سلّم بايدن بلاداً توفي فيها ما يزيد على 400 ألف أميركي بفيروس كورونا المستجد، 100 ألف منهم منذ منتصف ديسمبر الماضي فقط، أي بمعدل ثلاثة آلاف يومياً، وهو ما يتطلب وضع خطة وطنية شاملة، بعدما تعثر ترامب في كل مراحل مواجهة وباء «كوفيد - 19»، وكان آخرها توزيع اللقاح، اذ لم تشترِ الحكومة الفيديرالية جرعات كافية، واكتفت باعطاء حكومات الولايات كميات حتى تقوم الأخيرة بتوزيعها.

ثم ان أميركا تحتاج الى جرعة دعم اقتصادي بسبب الوباء الذي أدى الى تعثر قطاعات واسعة، وهو ما دفع بايدن الى العمل على طلب تريليوني دولار من الكونغرس لرفد الاقتصاد.

ولم يسهم الجمهوريون في تسهيل مهمة بايدن.

في ولايات الرؤساء الثلاثة السابقين، صدف دخول كل منهم الى البيت الأبيض مع سيطرة حزبه على الغالبية في مجلس الشيوخ، وهو ما سهّل المصادقة على تعيينات حكومية وتشريعات.

في حالة بايدن، لم يتسلم الديموقراطيون الغالبية في مجلس الشيوخ الى ما بعد قسم بايدن بساعات، بسبب التأخير الذي فرضته الدورة الثانية لانتخابات ولاية جورجيا، وهي التي منحت الديموقراطيين الغالبية.

هكذا، على عكس أسلافه الذين دخلوا البيت الأبيض وكانت المصادقة على أركان ادارتهم - مثل وزراء الخارجية والدفاع والأمن القومي والعدل والخزانة - ناجزة، بدأت إدارة بايدن من دون أي وزير أصيل، وواصلت ادارة الوزارات الرئيسية حفنة من الموظفين الذي يعملون بالوكالة.

الولايات المتحدة رمت ترامب خارجاً بعد ولاية واحدة، في إشارة واضحة على رفضها أسلوبه الشعبوي التحريضي والفوضوي في الحكم، وتسعى للعودة، بقيادة بايدن والديموقراطيين، الى سابق عهدها، حيث الانقسام مسموح حول السياسات، ومرفوض حول أسس الدولة ونظامها الديموقراطي، وهو ما لم يفهمه الرئيس السابق وآثر الاصطدام به لاعتقاده أن شعبيته كاسحة، لكنه اصطدام كلف ترامب الرئاسة وشعبيته في الوقت نفسه.

الأربعاء، 20 يناير 2021

بلينكن: لم يبكِ أحد منّا سليماني

واشنطن - من حسين عبدالحسين

كرر أنتوني بلينكن، خلال جلسة استماع أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، للمصادقة على تعيينه وزيراً للخارجية، تصريحات الرئيس الجديد جو بايدن حول السياسة الخارجية، خصوصا في الموضوع الإيراني، حيث تسعى الإدارة الجديدة الى تقديم نفسها وكأنها تسعى لإصلاح الأخطاء التي ارتكبها الرئيس السابق دونالد ترامب، فيما هي في الواقع تعمل على العودة الى ما كانت عليه الأمور قبل انسحابه من الاتفاقية النووية مع طهران.

وقال بلينكن، من ناحية ثانية، أن «لا أحد منّا يبكي قاسم سليماني، وأنا رأيت الدماء على يديه.

والسؤال ليس إذا كان قتله هو الصحيح، بل عواقب ذلك»، وذلك رداً على تذكيره بقول سابق له إن مقتل قائد «فيلق القدس» السابق، «لم يحسن أمننا الوطني مع أنه كان العقل المدبر خلف مقتل مئات الأميركيين».

كما أكد بلينكن، أن بايدن يدعم «حلّ الدولتين» لتسوية النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي وسيبقي السفارة في القدس، وتعهد «إعادة النظر فوراً» بقرار تصنيف الحوثيين «منظمة إرهابية».

ووافق سياسة ترامب صينياً، معتبراً أنها «كانت محقة في اتباع نهج صارم تجاه بكين».

وافتتح الجلسة ليل الثلاثاء - الأربعاء، السيناتور الجمهوري جيم ريش، الذي يترأس اللجنة حتى نهاية الأسبوع، وقال إنه لا يمكن الفصل بين الموضوعين النووي ونشاطات إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، وأن عائدات الاتفاقية النووية مالياً سمحت للإيرانيين بتمويل الميليشيات في المنطقة.

وقال ريش إن «أي اتفاقية جديدة مع إيران عليها أن تتضمن اتفاقاً حول نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، خصوصا في موضوعي الصواريخ والميليشيات».

وأضاف أن «نظام إيران يعتقد أنه نجح في الانتظار حتى نهاية الضغط عليه، لكن على الرئيس بايدن أن يستفيد في المفاوضات المقبلة من القوة التي منحته إياها عقوبات ترامب»، وأن يسعى «للتنسيق مع حلفائنا في المنطقة، خصوصا إسرائيل ودول الخليج».

واعتبر السيناتور أن «أي اتفاقية جديدة مع إيران يجب أن يتم تقديمها كاتفاقية دولية حتى يوافق عليها مجلس الشيوخ، على عكس الاتفاقية الماضية التي تم تكريسها في مجلس الأمن».

ورحب بوعد بلينكن القائل إنه «قبل بدء المفاوضات وخلالها وبعدها، سيكون هناك عرض تام للتطورات أمام مجلس الشيوخ».

بدوره، قال السيناتور الديموقراطي روبرت مينينديز، والذي سيترأس الجلسة مع مطلع الأسبوع المقبل مع انتقال الغالبية في المجلس من الجمهوريين الى الديموقراطيين، إنه لم يكن «مسانداً للاتفاقية النووية، لكن انسحاب ترامب من دون التنسيق مع الحلفاء عرّض أمننا من دون أن يضبط إيران».

وأكد دعمه للعودة الى الديبلوماسية، «لكن العودة إلى الاتفاقية على ما هي عليه لا تكفي، وأعتقد أن هناك دعماً من الحزبين حول هذا الأمر»، بحسب قوله.

بدوره، قدم بلينكن عرضاً سريعاً لهرب أجداده من الاضطهاد في أوروبا، بما في ذلك من «الهولوكوست» ضد اليهود. واقتبس من قول سابق لبايدن قال فيه إن «الولايات المتحدة لا يمكنها أن تقود بمثال القوة، بل بقوة المثال».

وأكد «سنعيد إحياء الديبلوماسية، وسنشارك أينما كان ومتى كان، وسنفهم العالم، لا كما كان، بل كما هو الآن، حيث الديموقراطية تتراجع والديكتاتورية تتقدم».

أمام كل التغيرات، قال بلينكن: «أعتقد أن هناك بعض ما بقى على حاله، وهو قدرة أميركا على القيادة، وان رفضنا القيادة، فستصعد قوة بديلة، ولن تقوم بالقيادة بطريقة تناسب مصالحنا، لذا علينا القيام بعمل كثير في الداخل لتحسين صورتنا في الخارج».

وتابع الوزير المُعين أنه «لا يمكن لأي دولة أن تعمل وحدها، حتى لو كانت بقوة أميركا، ولا يمكننا التغلب على أزمة كوفيد، ولا يمكننا الفوز في منافسة الصين، ولا يمكننا أن نواجه أزمة التغيير المناخي الوجودية»، إلا بالتنسيق مع الحلفاء والأصدقاء حتى «نكون بموقع أفضل لمواجهة الطغيان ودعم الديموقراطية».

وفي افتراق لافت عن إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، قال بلينكن إن إدارتي أوباما وترامب تجاهلتا الكونغرس في عملية صناعة سياستيهما الخارجيتين، وان إدارة بايدن تنوي انتهاج سياسة معاكسة بالتشاور معه في كل شؤون السياسة الخارجية.

وأضاف: «لا يمكن أي سياسة خارجية أن تكون مستدامة من دون دعم الشعب الأميركي، وأنتم ممثلو الشعب الأميركي، وسأعمل مع كل منكم للعمل على سياستنا الخارجية».

ثم تحدث مينينديز مجدداً، وقال إن «إيران ستكون واحدة من أصعب التحديات لأنها سرّعت التخصيب، في وقت انفصلنا نحن عن حلفائنا، ولم نتمكن من حملهم على الوقوف في صفنا في معارضة نهاية صلاحية حظر السلاح» الذي كان مفروضاً على طهران بموجب الاتفاقية النووية وانتهت صلاحياته في 18 أكتوبر الماضي.

وأضاف السيناتور الديموقراطي أن بعض الأمور تغيرت منذ توقيع الاتفاقية في خريف 2015، وأن «بعض البنود انتهت صلاحياتها، واذا ما أضفنا بقية نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار، تصبح العودة الى الاتفاقية غير ممكنة من دون تحصيل التزامات من إيران والعمل على تذليل العقبات التي تركتها الاتفاقية».

ومن الأفكار التي طرحها مينينديز امكانية إقامة بنك دولي للوقود النووي وتزويده للدول التي ترغب بانتاج الطاقة نوويا، من دون ضرورة قيامها بأي تخصيب، ويمكن أن «تستفيد كذلك منه دول الخليج».

ورد بلينكن بالقول إن بايدن «ملتزم ألّا تحصل إيران على سلاح نووي، وهذا ما نتشاركه مع هذه اللجنة، إذ أن حصول إيران على هذا النوع من السلاح يجعلها أخطر بكثير في نشاطاتها الأخرى، بما في ذلك دعمها للميليشيات... لذا لدينا مسؤولية عاجلة لمنع إيران من الحصول على سلاح، أو من الاقتراب من الحصول عليه».

وأشار الى أنه يعتقد أن «الاتفاقية النووية كانت قادرة وحدها على وقف اقتراب إيران من صناعة سلاح نووي.

أما التحدي اليوم، فيكمن في أن أميركا انسحبت من الاتفاقية، وأن إيران تقوم بالتخلي عن التزاماتها، وهو ما يعيدنا الى ما قبل الاتفاقية».

وبدا وكأن بلينكن يعتقد أنه يمكن لإدارة بايدن أن تستأنف من حيث توقفت ادارة أوباما، في الموضوع الإيراني، وتابع أن بايدن «يعتقد أن عودة إيران الى الاتفاقية تعني عودتنا، ويمكن استخدام ذلك للتوصل لاتفاقية ذات مدى أطول، خصوصا حول الصواريخ والميليشيات»، وهي الفكرة نفسها التي دأب على تكرارها أوباما، ومفادها بأن الاتفاقية هي نقطة البداية التي يمكن البناء عليها، في وقت كانت طهران تكرر دائماً أن الاتفاقية هي نهاية المطاف بينها وبين المجتمع الدولي.

على أن بلينكن قال انه يعتقد أن أميركا وإيران لا تزالان بعيدتين عن العودة للاتفاقية الماضية، و«علينا أن نرى ما الذي ستقوم به، وان كانت صادقة، ومن ثم نتصرف.

ولكن بالتأكيد سنتصرف بالتنسيق معكم ومع الحلفاء، بما في ذلك إسرائيل ودول الخليج».

وبالرد على سؤال لأحد الشيوخ ذكّر فيه بلينكن بقول سابق له إن «مقتل (الجنرال الإيراني) قاسم سليماني لم يحسن أمننا الوطني مع أنه كان العقل المدبر خلف مقتل مئات الأميركيين»، أجاب الوزير الجديد أن «لا أحد يبكي قاسم سليماني، وأنا رأيت الدماء على يديه.

والسؤال ليس اذا كان قتله هو الصحيح، بل عواقب ذلك».

ثم حاول بلينكن تبرير معارضته مقتل سليماني بالإشارة الى العواقب التي نجمت عنها، ولكنه لم ينجح في تقديم ما من شأنه أن يدعم موقفه.

أمن إسرائيل «مقدس»! وعن حلفاء الولايات المتحدة، قال بلينكن إن «أمن إسرائيل مقدس، وهذا ما يعتقده الرئيس (بايدن)، وأول زيارة خارجية له يوم كان عضواً في هذه اللجنة كانت الى إسرائيل، ويومها التقى رئيسة حكومة اسمها غولدا مائير، وكان مساعدها شاب اسمه اسحق رابين».

وأكد أنّ بايدن لن يعود عن قرار إدارة ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لكنه يرى أنّ التسوية الوحيدة القابلة للاستمرار في النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي هي «حلّ الدولتين».

وطرح السناتور الجمهوري تيد كروز على بلينكن سؤالاً في شأن ما إذا كانت إدارة بايدن ستواصل السياسة التي انتهجتها إدارة ترامب في شأن هاتين المسألتين، ومن دون تردّد أجاب «أجل وأجل».

وأوضح بلينكن أن «الرئيس وأنا شخصيا نعتقد أنّ السبيل الوحيد لضمان مستقبل إسرائيل كدولة يهودية ديموقراطية مع إعطاء الفلسطينيين دولة يحقّ لهم بها، هو عبر حلّ الدولتين».

لكنه أضاف «واقعياً أعتقد أنّه سيكون من الصعب تحقيق أي شيء على هذا الصعيد في المدى القصير».

ودعا الإسرائيليين والفلسطينيين فوراً «إلى تجنّب اتّخاذ خطوات تزيد هذه العملية تعقيداً».

كذلك أعلن بلينكن أنّ الإدارة الجديدة لن تعود عن القرار المثير للجدل الذي اتّخذه ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وأنها ستبقي كذلك على السفارة الأميركية في القدس.

الحوثيون وتعهّد بلينكن «إعادة النظر فوراً» بقرار وزير الخارجية المنتهية ولايته مايك بومبيو تصنيف الحوثيين «منظمة إرهابية».

وقال: «سنقترح إعادة النظر فوراً بهذا القرار لضمان عدم إعاقة وصول المساعدات الإنسانية».

نهج صارم تجاه الصين وقال بلينكن، خلال الجلسة إنه «لا يوجد شك» في أن الصين تمثل التحدي الأخطر أمام الولايات المتحدة مقارنة بأي بلد آخر، مضيفاً أنه يعتقد بوجود أساس قوي جداً لوضع سياسة للحزبين الديموقراطي والجمهوري للوقوف في وجه بكين.

وعندما سئل عما إذا كان يتفق مع تقييم أعلنه مايك بومبيو وزير الخارجية في إدارة ترامب بأن الصين ترتكب إبادة جماعية بحق الأقلية المسلمة، رد «كان هذا سيكون تقديري أيضا».

وأضاف «إدخال الرجال والنساء والأطفال إلى معسكرات احتجاز، ومحاولة التأثير فيهم وإعادة تعليمهم حتى يصبحوا مؤيدين لأيديولوجية الحزب الشيوعي الصيني، كل هذا يظهر سعيا لارتكاب إبادة جماعية».

وتنفي الصين اتهامات واشنطن بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.

بدوره، أشار السناتور الجمهوري ميت رومني، في موقف يبدو أنه بات يعكس موقف الحزبين ويعاكس مواقف وسياسات ترامب، أن انخراط أميركا «في العالم ضروري، ولا يعني ذلك بالضرورة الانخراط في حروب».

ودعا بلينكن الى مراجعة التقارير الإخبارية حول صحة المرشد الأعلى علي خامنئي، ووضع الاقتصاد، إذ أن الظروف قد تفتح الباب أمام موقف أميركي أكثر صرامة، والبناء على نجاحات الإدارة السابقة تجاه إيران.

الثلاثاء، 19 يناير 2021

من افترى على من.. السعودية أم إيران؟

حسين عبدالحسين

قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، لدى استقباله في موسكو نظيره السعودي، فيصل بن فرحان، إن روسيا "تتفهم" مخاوف السعودية بشأن إيران، وخصوصا حول "برنامج إيران الصاروخي وتصرفاتها في بعض دول المنطقة"، قبل أن يعرض عقد مؤتمر للتباحث في "مفهوم الأمن الجماعي في الخليج"، والموافقة على مشروع روسي "لتأمين الملاحة" فيه، بالإضافة إلى المخاوف الإيرانية. 

والتصريح الروسي يتشابه وتصاريح غربية تلقي بلائمة المواجهة الدائرة بين السعودية وإيران على الجانبين. لكن هذه مساواة مجحفة بحق السعودية، التي لا تبني أسلحة نووية، ولا تصنع صواريخ، ولا ترعى ميليشيات موالية لها في المنطقة.

ويصادف الاقتراح الروسي مع إصدار الصحافي الهندي الباكستاني البريطاني، ديليب هيرو، الأسبوع الماضي، نسخة محدثة من كتابه "الحرب الباردة في العالم الإسلامي: السعودية وإيران وصراع التفوق". ومع أن الكتاب منحاز للإيرانيين، شأنه شأن معظم المطبوعات والإعلام في الغرب، إلا أنه يستعرض العلاقات بين السعودية وإيران بشكل توثيقي، ثم يضيف إليها المؤلف تعليقاته التي تمر مرور الكرام على إحراق الإيرانيين سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد، مطلع 2016، ولكنها تغوص في تفاصيل إجازة يقضيها مسؤول سعودي في جزر المالديف. وبهذا الشكل، لا ينفك هيرو يسمي السعودية "مملكة الصحراء"، بينما يشير إلى اللبناني حسن نصرالله على أنه "زعيم حزب الله"، من دون الإشارة إلى أن الأخير وحزبه مدرجان على لوائح الإرهاب الأميركية والأوروبية والخليجية.

ولتفادي الغوص بالتاريخ الذي يقدمه الكتاب منذ قيام الدولتين، يمكن البدء منذ كانت السعودية صديقة شاه إيران، وهو ما دفع إيران الإسلامية لاعتبارها في مصاف العدو، فبادلت الرياض طهران بالمثل، ودعمت الرئيس العراقي صدام حسين في حربه ضد الإيرانيين. لكن صدام ثبت أنه عديم الحنكة وعدو الجميع، بما في ذلك نفسه، فاجتاح الكويت، التي كانت وقف في صفّه، وهدد السعودية، وشق الصف العربي. 

بعد تحرير الكويت في 1991، رأت السعودية وإيران مصلحة مشتركة في إبقاء صدام منكفئ، وهي سياسة فتحت باب التقارب، الذي بادرت إليه السعودية وولي عهدها وملكها فيما بعد الراحل عبدالله بن عبد العزيز، وقابله من الجهة الإيرانية الرئيس الإيراني الراحل وأحد أبرز أركان إيران وثورتها هاشمي رفسنجاني، الذي زار المملكة، واعتمر، وتلى ذلك زيارة ولي العهد عبدالله طهران للمشاركة في قمة منظمة الدول الإسلامية، وبعدها دعوة سعودية لبّاها الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي إلى الرياض. ومضت العلاقات بين السعودية وإيران في التحسن حتى اشترى ولي العهد عبدالله أرضا على ضفاف بحر قزوين كان ينوي تشييد منزل صيفي فيها له ولعائلته. ولتفادي تعكير العلاقات، تغاضت السعودية عن تفجير الخبر، الذي أثبتت التحقيقات السعودية والأميركية أن المسؤولين عنه كانوا من "حزب الله الحجاز"، المرتبط بـ "الحرس الثوري الايراني" و"حزب الله" اللبناني.

وبدأت الرياض تستخدم نفوذها لدى واشنطن إلى أن أقنعت إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون بإبداء الاستعداد للحوار مع إيران، وهي إيجابية قابلتها طهران بمواقف مماثلة، بلغت ذروتها في طلب خاتمي من الأمم المتحدة تخصيص عام لحوار الأمم والحضارات. 

على أن النقطة التي بقيت مستعصية ارتبطت بإصرار إيران على "صداقة عسكرية" مع السعودية تؤدي إلى طرد الولايات المتحدة من المنطقة، وتقويض التحالف السعودي الاستراتيجي معها، وهو طلب رفضته السعودية بدبلوماسية ولباقة. 

ثم كانت هجمات 11 سبتمبر 2001 التي هزت العالم وفتحت الباب أمام إدارة الرئيس السابق جورج بوش ببدء مشروع نشر الديمقراطية في العالم. إيران، التي كانت بدأت عملية تصالحية مع صدام مع زيارة وزير خارجيتها كمال خرازي بغداد في خريف 2000، واتفاق الطرفين على تثبت اتفاقية الجزائر، سبب الحرب بينهما، احتارت فيما تفعله، فهي كانت ترغب في الإطاحة بغريمها، وهو ما كانت تطلبه الميليشيات العراقية المعارضة في منفاها الإيراني، وفي نفس الوقت خشيت إيران أن يتمدد نشر الديمقراطية الأميركية ليشملها بعد صدام، فعارضت الحرب الأميركية على لسان مسؤوليها ونصرالله، الذي دعا إلى "طائف عراقي"، أي مصالحة بين صدام ومعارضيه.

بعد انهيار نظام صدام، مضت إيران وميليشياتها — لا في تعزيز سيطرتهم على العراق فحسب — بل في الانتقام من كل ضباط الجيش العراقي ممن شاركوا في الحرب العراقية ضدها، خصوصا الطيارين، ومضت تنكّل بكل من عملوا في الحكومة العراقية ومؤسساتها، خصوصا من السنة، وهو فراغ قيادي استغله تنظيم القاعدة والتطرف في العراق، ونشبت حرب سنية شيعية.

لكن أميركا كانت تسعى لوقف الحرب الأهلية العراقية، فطلبت من الرياض مساعدتها، وقامت السعودية بنسج علاقات بين العشائر السنية والقوات الأميركية لتخليص العراق من القاعدة. هذا التعاون الذي أنقذ العراق لم يرق لإيران لأنه كان يتطلب مشاركة بين الشيعة والسنة بدلا من سطوة شيعة إيران العراقيين، فمضت طهران تستهدف، لا سنة العراق فحسب، بل سنة المنطقة عموما، وفي 2005، اغتيل السني رئيس حكومة لبنان رفيق الحريري، حليف السعودية. طبعا لا يشير هيرو الى أن محكمة الأمم المتحدة أدانت خمسة من قياديي "حزب الله" بالجريمة، فقط يشير إلى أن السعودية أغدقت الأموال على التحالف المناهض لإيران في لبنان، ما سمح له بالفوز بالانتخابات النيابية في دورتين متتاليتين.

السعودية لم تتغير. انفتحت على إيران، وقابلها المعتدلون الإيرانيون، لكن هؤلاء ماتوا، مثل رفسنجاني، أو تم اقصائهم في انتخابات مزورة، مثل خاتمي ومير حسين موسوي، فحكم المتطرفون إيران، وهؤلاء يصرون اليوم على إخضاع الخليج لسطوة إيران، أو تسميته "الخليج الفارسي الأوسع"، على ما كتب وزير خارجية إيران جواد ظريف يوما في صحيفة نيويورك تايمز، وهو خليج يتضمن بحر العرب والبحر الأحمر، وساحل المتوسط. 

ثم أن إيران لا ترى في دعمها الإرهاب مشكلة، بل تسميه دعم أصدقائها لمقاومة الاستعمار، وهو ما حدا بالملك عبدالله يوما للقول لضيفه وزير خارجية إيران السابق منوشهر متكي إن إيران تتدخل في الشؤون العربية بدعمها حماس الفلسطينية، فرد متكي بالقول إن هذه ميليشيات إسلامية، ليرد العاهل السعودي الراحل "بل عربية". 

إيران لا تريد أصدقاء في المنطقة أندادا، بل تريدهم تابعين وأزلام، على شكل نصرالله والحوثيين والميليشيات في العراق وسوريا. أما السعودية، فتريد علاقات بين حكومات تسودها الندية، والاحترام المتبادل، والتبادل الثقافي والتجاري، واحترام القرارات السيادية للدول بدون إملاء النظريات حول المستكبرين والمستضعفين، إلى آخر الأسطوانة البالية.

الخميس، 14 يناير 2021

الجمهوريون يتركون مهمة تدمير ترامب للديموقراطيين

واشنطن - من حسين عبدالحسين

شن جو بايدن، هجوماً غير مسبوق ضد الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، متهماً إياه بالتحريض على الإرهاب، ودعا مجلس الشيوخ إلى محاكمته وإدانته، من دون أن يؤدي ذلك الى عرقلة المساندة التشريعية المطلوبة لتسهيل مهمة الرئيس الأميركي المنتخب في الحكم، على الأقل في أيامه المئة الأولى.

وقال بايدن، في بيان، ليل الأربعاء - الخميس، إن الهجوم على مبنى الكونغرس، قبل 10 أيام، «نفّذه متطرفون سياسيون وإرهابيون محليون حرّضهم الرئيس ترامب على هذا العنف».

وجاء البيان على أثر إقرار مجلس النواب خلع ترامب، للمرة الثانية في رئاسته، ليصبح الرئيس الوحيد في تاريخ الولايات المتحدة، ممن يتم خلعهم مرتين في مجلس النواب، ولينضم بذلك الى رئيسين سبقاه في «الخلع»، الجمهوري ريتشارد نيكسون والديموقراطي بيل كلينتون.

وصوت مجلس النواب لمصلحة توجيه الاتهام الى الرئيس بغالبية 232 صوتاً في مقابل 197.

واتهم الملياردير الجمهوري (74 عاماً) بتشجيع الهجوم الذي شنه أنصاره على الكابيتول في 6 يناير، وأوقع خمسة قتلى وهز أسس الديموقراطية الأميركية.

وقالت رئيسة مجلس النواب الديموقراطية نانسي بيلوسي، لدى توقيعها على القرار الاتّهامي تمهيداً لإحالته على مجلس الشيوخ، إنّ «مجلس النواب أظهر بمشاركة من الحزبين، أنّ ما من أحد فوق القانون، ولا حتّى رئيس الولايات المتّحدة»، مكرّرة التحذير من أنّ ترامب يشكّل «خطراً واضحاً وفورياً» على البلاد.

في الأثناء، مازال الجمهوريون يعانون من سيطرة ترامب عليهم، حتى بعد خسارتهم البيت الأبيض والكونغرس بغرفتيه تحت قيادته على مدى الأعوام الأربعة الماضية، إذ لم يجرؤ إلا 10 من النواب الجمهوريين على الانضمام للديموقراطيين للتصويت على الخلع.

والخلع في مجلس النواب، هو بمثابة قرار اتهامي يدين الرئيس، ويتم إرساله الى مجلس الشيوخ، الذي يتحول إلى محكمة برئاسة رئيس المحكمة الفيديرالية العليا جون روبرتس، ويتحول الشيوخ الى أعضاء محلّفين، ويتطلب قرار الإدانة تصويت ثلثي الأعضاء (67 سناتوراً).

ويلي قرار الإدانة، في حال المصادقة عليه، مشروع قرار تلقائي حول مستقبل المدان سياسياً، ويتطلب منعه من الترشح الى أي منصب في الدولة، موافقة غالبية الأعضاء، أي 51 من الأعضاء البالغ عددهم 100.

من جهته، وبعد أن سرّب ميتش ماكونيل، زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، حتى المصادقة على سناتوري جورجيا الديموقراطيين في 22 يناير الجاري - أنه لا يمانع إدانة ترامب، عن تغيير في موقفه، وقال إنه لا ينوي عقد جلسات للمجلس قبل المقررة في 19 الجاري، أي عشية قسم الرئيس المنتخب بايدن اليمين الدستوري ليصبح رئيساً فعلياً للبلاد، وقبل ثلاثة أيام فقط من انتقال زعامة مجلس الشيوخ الى الديموقراطيين، وهو ما يعني أن أي محاكمة لترامب سيديرها الديموقراطيون، وأن أي إدانة ستتطلب غالبية الثلثين، التي تحتاج انضمام 17 سناتوراً جمهورياً.

هذا من الناحيتين الدستورية والقانونية... أما من الناحية السياسية، فيرى الديموقراطيون أن الجمهوريين يسعون للقضاء على ترامب، لكنهم ما زالوا يخشونه ويخافون تهديداته بالعنف عن طريق مناصريه.

وتداول العاملون في الكونغرس من الحزبين أن أكثر من نصف جمهوريي مجلس النواب، والبالغ عددهم 211، كانوا ينوون التصويت على قرار الخلع، لكنهم تراجعوا خشية الأذى الذي قد يتعرضون له، أو أفراد عائلتهم، على أيدي «بلطجية» الرئيس النتهية ولايته.

وفي مجلس الشيوخ، يتمنى عدد من الطامحين للفوز بترشيح الحزب الجمهوري في العام 2024 الى تدمير ترامب حتى تخلو الساحة لهم. كذلك ينقل البعض عن ماكونيل طموحه بأن يرى نهاية حقبة ترامب التي دمرت الحزب الجمهوري، وكادت تقضي على الديموقراطية الأميركية برمّتها.

لكن يبدو أن ماكونيل يريد تدمير ترامب من دون أن تتلوث يداه أو أن يخسر أي من مؤيديه الجمهوريين ممن لا يزالون يدافعون عن ترامب، وهو ما يشي بأنه يرغب في رؤية الديموقراطيين يدمرون الأخير، حتى بعد خروجه من الحكم.

إلا أن الديموقراطيين لا يعنيهم ترامب ولا يشكل مشكلة لديهم بالحجم نفسه الذي يعاني منه الجمهوريون، فترامب هدية مجانية بالنسبة إليهم، اذ إن استمراره في قيادة الحزب الجمهوري تعني استمرار الانتصارات الديموقراطية، لذا فان مصلحتهم تقضي بالتخلي عن ترامب، وإعادة إصلاح الحزب، وإعادة مقدرته على التنافس انتخابياً.

ومع رمي ماكونيل، كرة تدمير ترامب في ملعب الديموقراطيين، الذين يتسلمون مقاليد الحكم كاملة - أي البيت الأبيض والكونغرس بغرفتيه - ابتداء من 22 يناير، وعلى مدى العامين المقبلين على الأقل، يصبح موضوع التعامل مع انزال العقوبة بترامب على عاتق الحزب الديموقراطي.

على أن بايدن لا يرغب في أن تبدأ ولايته وهي منغمسة في ترامب ومشاكله، بل يسعى جاهداً للقيام بأكبر كمية من الإنجازات الممكنة في الأيام المئة الأولى من ولايته، وهو ما يتطلب أن يكون الكونغرس مجنداً خلف الرئيس وأجندته، ومستعداً للمصادقة على تعييناته، وعلى إقرار التشريعات التي يتطلبها، والموازنات التي يحتاجها، خصوصا في مواجهة فيروس كورونا المستجد، وفي إطلاق أكبر عملية تلقيح يسعى إليها في التاريخ البشري.

أمام طموح بايدن الجامح في تثبيت وضع البلاد، داخلياً وخارجياً، سياسياً واقتصادياً، يبدو موضوع الانغماس في محاكمة ترامب في مجلس الشيوخ عملية معقدة ستستنزف الطاقة، وستسرق الأضواء من الإنجازات التي يطمح إليها، وستكرس الانقسام بين الحزبين، بدلاً من أن ينشغل الجمهوريون في ترتيب بيتهم الداخلي والتخلص من ترامب، وينشغل الديموقراطيون في إعادة اللحمة قدر المستطاع.

بدوره، رد ترامب على الخلع الثاني له بإدانة العنف الذي طاول الكابيتول، وقال إنه «لا يمكن لأي مؤيد حقيقي لي أن يؤيد العنف السياسي، ولا يمكن لأي مؤيد حقيقي لي ألّا يحترم تطبيق القانون أو علمنا الأميركي العظيم».

وتابع في فيديو مسجل قصير: «الآن أطلب من كل من آمن بي في أي وقت مضى أن يفكر في طرق لتخفيف التوترات وتهدئة الأعصاب والمساعدة في تعزيز السلام في بلادنا».

كما شجب ترامب ما وصفه بـ«الاعتداء غير المسبوق على حرية التعبير»، على خلفية إلغاء مواقع التواصل حساباته ومنعه من المشاركة فيها. وقال إن «الجهود المبذولة لفرض رقابة وإلغاء وإدراج مواطنينا في القائمة السوداء خاطئة وخطيرة».

وختم مؤكداً أن «ما نحتاجه الآن هو الاستماع لبعضنا البعض، لا إسكات بعضنا البعض».

نهاية اليمين الأميركي المحافظ

واشنطن - من حسين عبدالحسين

شكّلت الحقبة الممتدة بين انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 واجتياح مناصريه مبنى الكونغرس في كانون الثاني (يناير) 2021 سنوات مشت فيها الولايات المتحدة عكس مجرى التاريخ، الذي يسير بخطى حثيثة نحو عولمة كاملة، وأكّدت تجربة ترامب استحالة وقف الزمن. 

أميركا تربعت على عرش العالم بعدما هزمت باقي الإمبراطوريات في الحرب العالمية الثانية، والسوفيات في الحرب الباردة. لكن قوة أميركا لا تعني خلوها من المشاكل، بل هي مرتبطة بقدرتها على التطور في وجه معارضة التقليديين والمحافظين. والمحافظون في الولايات المتحدة غالبيتهم على مذهب البروتستانتية، الأكثر تحرراً من الكاثوليكية، فكنائس البروتستانت أكثر بساطة، لا من أيقونات وفخامة مثل الكنائس التقليدية، ولا ثياب تقليدية أو ذهب يميز رجال الدين البروتستانت عن رعيتهم، والعلاقة بين البروتستانتي والقداسة مباشرة لا وساطة للكنيسة فيها. والبروتستانتية سمحت بتطور الشخصانية، وقوّضت القبلية والجماعة، وسمحت بانتشار ما يعرف بـ"الأخلاق البروتستانتية"، وهذه فتحت الباب بدورها للجدارة الفردية على حساب الخمول الذي يختبئ خلف الجماعة.

لكن البروتستانتية نفسها لم تكن من دون خطيئة، فلم تتنبه للمشكلة الأخلاقية الناجمة عن العبودية الا متأخرة، وخاضت حرباً أهلية لتخليص نفسها من شياطينها ومن الاستعباد. على أن العادات الاجتماعية لا تتغير بسرعة التغيير الفكري بين النخب، فواصلت أميركا نموها اقتصادياً وعلمياً، لكنها رمت بغير البيض خارج النعيم الذي تمتعت به غالبية البيض. 

ويوم ثار القس البروتستانتي الأسود مارتن لوثر كينغ على التمييز العنصري وقاد "حركة الحقوق المدنية"، لم يطالب بحصة للسود بل طالب بقبول البيض "استيعاب" السود، وقبول اندماجهم في المجتمع، وإلغاء التمييز. لكن على عكس كينغ، قامت حركات ضد "الاستيعاب"، منها بين السود، وطالبت بتكريس اختلافها وبحصة لها، وأصرت على هوية خاصة بها مستوحاة من تاريخها الأفريقي ومن العبودية، وهذه مطالبات أقلقت البيض، إذ هم اعتقدوا أن الهوية الثقافية البيضاء للبلاد كانت سبب صعودها وعظمتها.

وبلغ رفض "الاستيعاب" ذروته في السبعينات من القرن الماضي، وكرّس الإيطاليون الأميركيون، مثلاً، إيطاليتهم، وتم انتاج فيلم "العرّاب" في هذا السياق، ومثلهم قدم الإيرلنديون ثقافتهم، وأطلق السود شعورهم وراحوا يلبسون ملابس أفريقية للتباهي بحضارتهم، ومثلهم فعل الآسيويون وغيرهم.

رأى البيض صعود الهويات الثقافية للأقليات الإثنية تهديداً لهويتهم، فوجدوا ضالتهم بالكنائس البروتستانتية، وكانت عودة الى التدين في الثمانينات من القرن الماضي، ونشأ "الحزام الإنجيلي" في الولايات ذات الغالبية البروتستانتية البيضاء، وربط البيض هويتهم بنجاحاتهم الاقتصادية وقوة أميركا العسكرية، وبلغت العصبية المسيحية البيضاء ذروتها مع انتخاب رونالد ريغان، الذي وعد بالعودة الى الماضي الذهبي - أي ما قبل الأقليات - لمحو التعثرين الاقتصادي، والعسكري الذي تلى حرب فيتنام. 

عهد ريغان صاغ هوية اليمين المسيحي الأميركي الأبيض، المتمركز في "الحزب الجمهوري"، وهو الوعد الذي كرره كل المرشحين الجمهوريين للرئاسة بعده، خصوصاً أن زمن ريغان صادف مع فورة اقتصادية وانتصار على السوفيات. وعزز زمن ريغان المزج بين هوية المحافظين المسيحية وبين اقتصاد السوق الحر. واعتبر الجمهوريون أن الانفتاح التجاري على العالم، بل العولمة نفسها، ستكون بمصلحة أميركا، لأن "الأميركي بطبعه متفوق"، وسيغزو العالم.

غزت الشركات الأميركية فعلياً العالم، وعزز اختراع أميركا الإنترنت العولمة في شكل غير مسبوق. لكن المسيحيين المحافظين العاديين لا يملكون شركات ليفيدوا من انخفاض تكلفة العمالة في الصين وغيرها، بل إن العولمة أطاحت بالأعمال التي تتطلب مهارات متواضعة، وحصرت التنافس بأصحاب المهارات المتفوقة عالمياً، أي خريجي الجامعات. هكذا، أقفلت معامل الريف الأميركي وتضخمت المدن، حيث الجامعات والأعمال القادرة على التنافس في السوق العالمية، وانقلب سحر العولمة على سحرته من قادة "الحزب الجمهوري".

ومع الانفصال بين قادة الحزب الأثرياء وقاعدتهم من الأقل دخلاً، راح السياسيون الجمهوريون يلجأون الى الشعبوية للحفاظ على ولاء قاعدتهم، وراحوا يخوضون معارك دينية واجتماعية، مثل الإجهاض والمثلية الجنسية، لتشتيت انتباه قاعدتهم عن العولمة التي تتطلب برامج حكومية لتطوير المهارات الأميركية، ومساعدتها على التنافس في الاقتصاد العالمي، على غرار ما تفعل ألمانيا. لكن قادة "الحزب الجمهوري"، وهم من كبار المتمولين وأصحاب الشركات، كانوا يسعون في الوقت نفسه لتخفيض الضرائب لزيادة أرباحهم، وهو ما تزامن مع تخفيض الانفاق الحكومي، والمزيد من الأسى للقاعدة الجمهورية.

ومع خروج الرئيس جورج بوش الابن من الحكم، كانت قاعدة "الحزب الجمهوريط انفصلت تماماً عن القيادة. القاعدة كانت ترغب في اقفال الحدود أمام تدفق المهاجرين لوقف تدني الرواتب، أما القادة من أصحاب الشركات، ومنهم ترامب، فهم يبحثون عادة عن العمال الأقل تكلفة، وهؤلاء عادة من المهاجرين. كذلك الأمر بالنسبة إلى نخبة الجمهوريين التي تناسب أعمالهم معامل أقل تكلفة في الصين من المعامل الأكثر تكلفة في ولاياتهم الجمهورية. ومع تطور قاعدة الجمهوريين اجتماعياً، خصوصاً حول مواضيع كالمثلية الجنسية، صارت القاعدة الجمهورية ترى في الحزب الديموقراطي، الذي يتبنى سياسات حكومية لصالح العاملين على حساب أرباب العمل، خياراً أفضل.

هكذا، فاز الجمهوريون بغالبية الأصوات في الانتخابات الرئاسية مرة واحدة منذ عام 1988، فيما تفوّق الديموقراطيون شعبياً في كل الانتخابات الرئاسية باستثناء 2004، ولولا الكلية الانتخابية، والتلاعب برسم الدوائر الكونغرسية، أي أنه لو كان التصويت في أميركا شعبياً بحتاً، لجلس الجمهوريون خارج الحكم على مدى عقدين. 

ثم جاء ترامب بتواضعه الفكري وشعبويته الخارقة، واستخدم وسائل "الحزب الجمهوري" في تخويف القاعدة من الأقليات أو من الديموقراطيين، وعزز اتهامه لهم بالاشتراكية زوراً، وعزز نزعة نظريات المؤامرة التي تنتشر بين الأقل ثقافة. ونجح ترامب في تقسيم حزبه: قاعدة من الريفيين الفقراء السذج سياسياً، وقيادة من المستفيدين الذين يعيشون حياة باذخة لا تتوافق والأخلاق المسيحية التي يبشرون بها، فترامب، في حياته الشخصية وأعماله المالية، هو عكس كل مبادئ قاعدته. كذلك استغل ترامب أدوات التضليل التي كان ابتكرها الجمهوريون، مثل التشكيك بالحقائق وبالاعلام. 

لكن ترامب خطى أبعد مما يمكن حتى للقيادة الجمهورية نفسها أن تقبله، اذ هو قام بأمرين هما بمثابة الكفر لدى كل الأميركيين، باستثناء مناصريه المغرر بهم. أولاً، رفض ترامب نتائج الانتخابات على عكس تقليد أميركي قائم منذ قيام الدولة، وثانياً، حاول استخدام العنف لتهديد خصومه وفرض إدارته في عملية اجتياح أنصاره الكونغرس. انتهى ترامب، وانتهت الحركة اليمينية المحافظة في أميركا، ولن تعود الى الحياة ما لم يظهر فيها قادة ممن يعيدونها الى صوابها والى المسيحية التي تنادي بها.

والمسيحية لا تقدس السلاح، على ما تفعل قاعدة ترامب، بل إن المسيح يدعو الى "تقديم الخد الآخر"، والمسيحية لا تمجد الثراء، بل إن الإنجيل يقول إن الثري لا يدخل الملكوت إلا إنْ دخل الجمل خرم الإبرة، والمسيحية لا تدعو للتمييز على أساس العرق، بل تتوجه الى جميع الأعراق - بلا تمييز - للإيمان بالخلاص الإلهي. هكذا، الى أن يظهر قادة ممن يعيدون القاعدة الجمهورية الى صوابها، ويزاوجون بين المسيحية وبين الأهداف السياسية لـ"الحزب الجمهوريط، ويعدّون الجمهوريين للتنافس في اقتصاد يزداد عولمة مع مرور الساعات، يمكن القول إن اليمين الأميركي المحافظ انتهى، على الأقل حتى اشعار آخر.

الأربعاء، 13 يناير 2021

النواب يخلعون ترامب للمرة الثانية وقادة الجيش يقفون خلف بايدن

واشنطن - من حسين عبدالحسين

لتقدير فداحة وعمق الجرح الذي أحدثه الرئيس دونالد ترامب في الجسم السياسي للولايات المتحدة، يمكن النظر الى البيان الذي أصدرته القيادة المشتركة للأركان العسكرية، برئاسة الجنرال مايك ميلي، والذي دعا فيه القوات المسلحة الى الانضباط والامتثال لأوامر القيادة، مذكّراً العسكريين بأن أي تمرد هو جرم يحاكم عليه القانون.

في الأثناء، يواصل الكونغرس سعيه لاقتلاع ترامب من البيت الأبيض، حتى لو قبل ساعات من نهاية ولايته دستورياً في 20 يناير الجاري، بعدما أصبح أول رئيس يتم خلعه، نيابياً، مرتين في التاريخ الأميركي.

وقطعت الرسالة النادرة لقادة أفرع الجيش، صمتاً دام أسبوعاً، لتؤكد أن «أعمال الشغب العنيفة في العاصمة واشنطن في السادس من يناير 2021 كانت اعتداء مباشراً على الكونغرس وعلى مبنى الكابيتول وعمليتنا الدستورية».

وأضاف الجنرالات السبعة وأميرال في مذكرة داخلية للعسكريين، أن الجيش يظل ملتزما حماية الدستور والدفاع عنه. وشدّدوا على أنّ «الحقّ في حرية التعبير والتجمّع لا يمنح أحداً الحقّ في اللجوء إلى العنف أو العصيان أو التمرّد».

وأكد قادة الجيش أن الرئيس المنتخب جو بايدن سيجري تنصيبه يوم 20 يناير، وسيصبح قائدهم.

وبايدن الذي سيصبح بصفته رئيساً «القائد العام للقوات المسلّحة» سيؤدّي اليمين الدستورية أسفل مبنى الكابيتول الذي اقتحمه أنصار ترامب الأسبوع الماضي وعاثوا فيه خراباً وعنفاً في أعمال شغب أوقعت خمسة قتلى وصدمت الولايات المتّحدة والعالم بأسره.

من جهتها، واصلت السلطات تعقبها فلول أنصار ترامب الذين اقتحموا مبنى الكونغرس، الأربعاء الماضي، في محاولة لترويع المشرعين ومنعهم من إقرار المصادقة على انتخاب بايدن رئيساً، فأعلنت وزارة العدل أنها اعتقلت المئات ممن أظهرتهم صور الفيديو في التظاهرة، وأعلنت أنها باشرت الادعاء عليهم أمام المحاكم، مع طلب السجن لمدة 20 عاماً لكل من اقتحموا مبنى الكونغرس الفيديرالي أو من قام بسرقة أي شيء من داخله.ومضى عملاء مكتب التحقيقات الفيديرالي (أف بي آي) في مطاردة المتهمين، فلاحقوهم في المطارات، وأخرجوا بعضهم من الطائرات وهم في طريق عودتهم الى الولايات التي جاؤوا منها، واعتقلوا بعضهم الآخر في منازلهم في ولايتهم، ومازالوا يطاردون آخرين في أكبر عملية ملاحقة قضائية في تاريخ البلاد الحديث.وتم وضع عدد كبير من أسماء المطلوبين على لائحة الممنوعين من السفر الداخلي والدولي في كل المطارات الأميركية.

وأشارت التقارير في العاصمة الأميركية، إلى أن وكالات الاستخبارات كانت تنبأت بدقة بأن مجموعات إرهابية محلية كانت تنوي شن عملية ضد الكونغرس ذاك اليوم، وأن هذه الوكالات مازالت تتخوف من خطط شن هجمات إرهابية ضد حفل تنصيب بايدن.

في الأثناء، واصل الكونغرس سعيه لاقتلاع الرئيس المنتهية ولايته من البيت الأبيض... وتتزعم الحملة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، التي تعتبر أن هجوم الاربعاء كان عليها، إذ هي ترى في مبنى الكونغرس بيتها وتنظر الى المشرعين على أنهم عائلتها، ولن تسمح لترامب بالفرار من دون عقاب.

ويقول المقربون إن بيلوسي تعتقد أن التصويت على خلع ترامب من شأنه إبقاء الضغط عليه وابقائه منشغلاً حتى لا تسنح له الفرصة للهجوم أو لاحداث أي أذى في أيامه الأخيرة في البيت الأبيض.

وكان مجلس النواب في طريقه، مساء الثلاثاء، للمصادقة على قانون يطالب فيه نائب الرئيس بخلع ترامب بموجب التعديل 25، لكن مايك بنس رد بالرفض في رسالة الى بيلوسي، أكد فيها أنه لم يرضخ لضغوطات ترامب لتجاوز صلاحياته الدستورية ووقف المصادقة، الأسبوع الماضي، ولن يرضخ لضغوط مجلس النواب «للمشاركة في الأعيب سياسية في وقت بهذه الدقة في تاريخ بلدنا».

ودفعت رسالة بنس، المجلس ليصوّت أمس، على قانون الخلع، ليصبح ترامب، أول رئيس يتم خلعه مرتين في التاريخ الأميركي.

وكان لافتاً أن دائرة المؤيدين لخلع ترامب أخذت تتوسع خارج الكتلة الديموقراطية، وشملت بعض الجمهوريين، بمن فيهم ليز، ابنة نائب الرئيس السابق ديك تشيني.

وقالت النائبة عن ولاية وايومنغ المحافظة جداً، التي تعتبر ثالث أكبر مسؤول جمهوري في مجلس النواب، إن اقتحام أنصار ترامب للكابيتول خلال انعقاد الكونغرس في جلسة استثنائية للمصادقة على فوز بايدن «ما كان ليحدث أبداً من دون الرئيس» المنتهية ولايته.

وأضافت «لم يسبق أن حصلت خيانة أكبر من قبل رئيس للولايات المتحدة لمنصبه وليمينه الدستورية».

وهذه للمرة الأول يعلن فيها مسؤول في أحد الحزبين الرئيسيين تأييده إجراءً يهدف لعزل رئيس ينتمي لحزبه، منذ استقالة الرئيس ريتشارد نيكسون في 1974.

وبدا أن الديموقراطيين يأملون في أن تتوسع دائرة المؤيدين لخلع ترامب في مجلس الشيوخ، حيث يشغل الديموقراطيون 48 من مقاعد المجلس الـ 100، ويحتاجون الى 12 صوتاً جمهورياً لاتمام خلع ترامب بتهم «التمرد»، وحرمانه من الترشح مجددا، كما حرمانه من التسهيلات التي يتمتع بها الرؤساء السابقون، مثل بقاء حرس شخصي معهم طوال حياتهم وتقاضيهم راتباً تقاعدياً.

وحتى الآن أعلن أربعة من الشيوخ الجمهوريين نيتهم التصويت على خلع ترامب، في وقت تواترت تقارير أن زعيم الجمهوريين نفسه، ميتش ماكونيل، يرى في خلع ترامب دستورياً فرصة لتخليص الحزب الجمهوري منه.

على أن مشكلة ثانية تكمن في أن مجلس الشيوخ مقرراً أن ينعقد في 19 الجاري، أي عشية نهاية ولاية ترامب، ومن غير الواضح أن كان يمكن للديموقراطيين التسريع لإقامة جلسة قبل ذلك التاريخ، في وقت مازال ماكونيل، زعيم الغالبية الجمهورية في المجلس والتي ستنقلب أقلية في الأيام المقبلة، غير صريح في موقفه الفعلي وفي المدى الذي ينوي الذهاب إليه في عملية القضاء على ترامب سياسياً.

أما في حال تم عقد جلسة لتثبيت الخلع على ترامب وإخراجه من البيت الأبيض قبل نهاية ولايته الدستورية، فسيواجه مشكلة عدم قبول أي محامين الترافع عنه، بعدما تركه كل محاموه، وبعدما شطبت نقابة نيويورك، عضوية محاميه الشخصي رودي جولياني، بعد مشاركته في الخطاب الذي حرض فيه ترامب مناصريه على اقتحام الكونغرس. وقبل ساعات من التصويت التاريخي، أمس، وأسبوع من تنصيب بايدن رئيساً، وضعت العاصمة الفيديرالية واشنطن تحت حماية أمنية مكثفة، وسمح لأفراد الحرس الوطني بحمل السلاح. فقد نُشرت صور معبرة تظهر عشرات من جنود الاحتياط وقد أمضوا الليل داخل مبنى الكونغرس، وكانوا ما زالوا نائمين على الأرض في الغرف والممرات لدى وصول أعضاء البرلمان.

ونصبت حواجز اسمنتية لسد أبرز محاور وسط المدينة كما أحاطت أسلاك شائكة بعدد من المباني الفيديرالية بينها البيت الأبيض، فيما كان الحرس الوطني حاضراً بقوة.

والى الحملة التشريعية ضده، والى قيام وسائل التواصل الاجتماعي بحظر حساباته، والى القضايا التي تلاحق المئات من أنصاره وقد تصل بتهمة التحريض على العنف الذي أدى الى مقتل خمسة أشخاص، بينهم رجل شرطة، يعاني ترامب من حملة قاسية شنّها القطاع الخاص ضده، اذ أعلنت مئات الشركات الأميركية الكبرى نيتها وقف التبرع للحملات الانتخابية للحزب الجمهوري، كما أعلنت هذه الشركات، بما فيها البنوك، وقف تعاملها مع ترامب وشركاته، بما في ذلك «دويتشه بنك»، الذي يدين له ترامب بمبلغ 300 مليون دولار.

حتى جمعية لعبة الغولف الأميركية، أعلنت عزوفها عن إقامة بطولتها السنوية التي تجري مباريات منها على ملاعب ترامب، في وقت تشير التقديرات الى أن ثلث مدخول ترامب هو من ملاعب الغولف.

كل هذه الضغوط لم تحمل ترامب على التراجع، ولا على الاعتراف بهزيمته الانتخابية أمام بايدن، ولا الاعتراف أن ما حصل في الكونغرس كان أمراً مداناً وسببه خطابه التحريضي، بل أبلغ الصحافيين أنه يعتقد أن كل ما قاله سليم، وأن المشكلة هي في العنف - بما في ذلك حوادث السرقة والشغب - التي ارتكبها مناصرو الحزب الديموقراطي أثناء حملة الاعتراض على مقتل الأفريقي الأميركي جورج فلويد، على مدى الصيف الماضي.

وفي وقت يتمسك ترامب بمواقفه، بدا معظم أركان الدولة - ومعهم كبرى شركات القطاع الخاص ووسائل التواصل الاجتماعي - وكأنهم مصممون على قلب صفحة ترامب ورئاسته، وعلى محاصرة الرئيس واجباره على التقاعد، تحت طائلة الملاحقات القانونية والمقاطعة التجارية، وهو ما يدفع ترامب، إما الى مواجهة القضاء، واما الافلاس، واما الاثنين معاً.

الثلاثاء، 12 يناير 2021

بيرنز في «سي آي اي» للتصدي للاختراقات الروسية وهاينس بالأمن القومي لسيناريوهات «انهيار أنظمة»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

من وجهة نظر المعنيين بالشرق الأوسط، يبدو قيام الرئيس المنتخب جو بايدن بتعيين وكيل وزير الخارجية السابق بيل بيرنز مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي اي) متمحوراً حول إيران. إذ سبق لبيرنز أن كان واحداً من اثنين ممن شاركوا في المفاوضات الأميركية السرية في مسقط، والتي أفضت إلى الاتفاقية النووية.

لكن المقربين من فريق بايدن يعتبرون أن اختيار بيرنز، الذي سبق أن عمل سفيراً في موسكو ويتقن الروسية، هو جزء من خطة بايدن لمواجهة القرصنة الإلكترونية الروسية للشبكة الأميركية.

قبل أسابيع، أعلنت وكالات فيديرالية متعددة أن «هاكرز» قاموا باختراق الكومبيوترات الخاصة بها، بما في ذلك أجهزة أكثر من وكالة استخبارات، في مسعى - يبدو أنه روسي - لانتزاع هويات عملاء استخبارات أميركيين يعملون سراً داخل روسيا. كما حاولت موسكو اختراق شبكة وزارة الطاقة الأميركية، وهي المسؤولة عن ترسانة الولايات المتحدة النووية، للحصول على الشيفرة النووية أو على أسرار أخرى.

ويطلق العارفون في واشنطن لقب «الإطفائي» على بيرنز، بسبب لجوء الحكومة إليه لتولي الأزمات المعقدة، وهو غالباً ما ينجح بتذليلها. وسبق لبيرنز أن عمل في منصبه، كرجل ثانٍ في وزارة الخارجية، في إدارات جمهورية وديموقراطية، وهو يتمتع باحترام وتأييد من الحزبين، ومن المتوقع أن تكون المصادقة على تعيينه سهلة في مجلس الشيوخ.

ايران ستكون جزءاً من الملفات المتعددة التي ستمر على مكتب بيرنز في «سي آي اي»، وهو لا شك سيلعب دوراً محورياً في التقييم الذي ستقدمه الوكالة حول تطورات البرنامج النووي الإيراني، ومدى خطورته أو عدمها.

ويقول من سبق أن عملوا مع بيرنز أنه أحد أكبر المتمسكين بعدم «تسييس التقارير الاستخباراتية»، أي تقديم المعلومات من دون محاولة التأثير في قرار السياسيين.

وكان بيرنز أحد المعارضين للحرب الأميركية في العراق، لضعف مصداقية التقارير الاستخباراتية حول أسلحة الدمار الشامل، بحسب أحد احتجاجاته.

الدور الثاني الذي تلعبه الوكالة، التي سيتسلمها بيرنز، يتمحور حول ملاحقة مطلوبين، حول العالم، ممن تصنفهم الولايات المتحدة «إرهابيين». وتعمل وكالات الاستخبارات على تحديث معلوماتها بشكل دوري حول أماكن تواجد وتنقل كل من تصنفهم واشنطن بمثابة أعداء.

ويوم أمر الرئيس دونالد ترامب بتصفية قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني، كانت العملية مبنية على «العيون الساهرة» لـ «سي آي اي» بملاحقة قاسم سليماني وغيره، وهي التي قدمت «فرصاً» مكّنت إحداها الجيش من ضربه.

لكن على حساسية دور الوكالة ورئيسها، إلا أن دور بيرنز لن يكون كبيراً داخل العاصمة الأميركية، إذ ان بايدن اختار افريل هاينس، لإدارة الأمن القومي، وهو المنصب الذي يعطي من يشغله عضوية في اجتماعات الحكومة، أي أن هاينس أعلى تراتبيا من بيرنز، الذي سيقدم تقاريره إليها، وهي التي تقرر ما الذي يتم عرضه على السلطة السياسية.

أما هاينس، فشخصية مثيرة للاهتمام والجدل، إذ سبق لها، في أدوار سبق أن لعبتها في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، أن صممت برنامج «تصفية الأعداء» باستخدام مسيّرات، في المناطق التي لا تكون الولايات المتحدة منخرطة في حرب فيها، مثل اليمن أو العراق، وهو البرنامج نفسه الذي استخدمه ترامب لتصفية سليماني.

وسبق لهاينس أيضاً أن رفضت دعوات الديموقراطيين لمحاسبة مسؤولي «سي آي اي» في مناسبتين: الأولى على اثر قيامهم بإتلاف أشرطة الفيديو التي تم تسجيل عليها عمليات تعذيب معتقلين في سجون الوكالة خارج أميركا، والثانية على اثر قيام عاملين في الوكالة باختراق شبكة «لجنة الاستخبارات» في مجلس الشيوخ، التي كانت تحقق في موضوع اتلاف الأشرطة.

وتاريخ هاينس يشي بأنها - على غرار بيرنز - لا تتأثر كثيراً بالآراء السياسية، إذ أن إتلاف أشرطة الفيديو حدث في زمن إدارة الرئيس السابق جورج بوش، أما اختراق شبكة لجنة مجلس الشيوخ فحصل في زمن الرئيس السابق باراك أوباما، وطال لجنة كان يديرها الديموقراطيون برئاسة السيناتور عن ولاية كاليفورنيا دايان فاينستاين.

في المرتين، عمدت هاينس الى حماية موظفي الوكالة لاعتبارها أنهم كانوا ينفذون الأوامر، وأن المسؤولين الفعليين هم في رأس السلم التراتبي، أي السلطة السياسية الحاكمة.

كذلك وقفت هاينس في صف مديرة «سي آي اي» الحالية جينا هاسكل، ابان تعيين الأخيرة، ووصفتها بأنها «محترفة»، في محاولة لإبعاد صفة الحزبية عن وكالات الاستخبارات، ان في زمن أوباما أو في زمن ترامب، وقريباً في زمن بايدن.

وكانت هاينس من أبرز الداعين - في إدارة أوباما - الى «الاستدارة شرقاً»، أي جعل الشرق الأدنى، خصوصاً الصين وكوريا الشمالية، أولوية تتصدر على الشرق الأوسط.

ومن الخطط التي قدمتها هاينس مناورات على سيناريوهات، منها مقتل زعيم كوريا الشمالية، وانهيار النظام، والخطة المطلوبة للتعامل مع حالة من هذه النوع. ويتضمن السيناريو الاستعانة باليابان وكوريا الجنوبية لإدارة المرحلة الانتقالية التي تلي انهيار نظام كيم جونغ أون.

ويعتقد الخبراء أنه وقد صارت هاينس مديرة كل وكالات الاستخبارات، فهي قد تصمم كذلك خططاً للطوارئ في حال انهيار أنظمة أخرى حول العالم تطلب اهتماماً أميركياً، من دون أن تجبر واشنطن على التدخل عسكرياً لمنع تحول هذه الدول إلى «فاشلة» أو «مرتع للإرهاب».